قالوا :
إن الله جعل التصرف في الكون في يد الأولياء كرامة له
قلنا لهم
=====
بقلم
سلفي بكل فخر
جزاه الله تعالى خيرا
وذلك؛ أن هؤلاء المتصوفة في اعتقادهم التصرف في الكون تجاه الأولياء والصُّلحاء يرون حصول هذه الأشياء لهم عن طريق الكرامة،
إذ كرامات الأولياء مسألة ثابتة عند أهل السنَّة والجماعة
(على شروط معينة – كما ستأتي-).
لقد تشبثت المتصوفة لاعتقادهم التصرف في الكون، وتفريج الكربات
تجاه أوليائهم الذين يَستغِيثون بهم عند الشدائد بقولهم:
إنه يجوز الاستغاثة بهم عند الملمات،
بحجة أن الله تعالى أكرمهم بالكرامات
التي بها يقتدرون على كشف كُرب المكروبين،
وإجابة دعاء المضطرين،
وبها يتصرفون في الكون، وبها يعلمون حال الداعين،
وبها يسمعون نداءهم.
وهذه الشبهة من أهم الشبهات التي يذكرها عامة القبورية في كتبهم.
ويقولون: إن الكرامة تظهر من الولي بقصده وبغير قصده.
وقصدهم بذلك أن الأولياء لهم قدرة على التصرف في الكون،
وأن ذلك منهم كرامة،
وأن الكرامة لا تنقطع بعد الموت،
وجازف بعض أئمتهم فقال:
(الولي في الدنيا كالسيف في غمده فإذا مات تجرد منه،
فيكون أقوى في التصرف).
وهكذا نرى أئمة التصوف يصرّحون بأن الأولياء أقوى تصرفًا وقدرة بعد الموت منهم في حياتهم.
فينفع بعد مماته أكثر مما ينفع في حياته.
يُرد على هذه الشبهة بما يلي:
* إنه لا ملازمة بين الكرامات وبين الاستغاثة بصاحبها؛
لأن الكرامة لا تقتضي جواز الاستغاثة بصاحبها ولا تبيحها،
بل الاستغاثة بأصحاب الكرامات ليست إلا طريقة أهل الأوثان،
وأما أهل الإيمان فليس لهم غير الله دافع،
فإن ذكر ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر من نبي ومَلَك وولي أو غيره
على وجه الإمداد إشراك مع الله،
إذ لا قادر على الدفع غيره، ولا خير إلا خيره.
* إن الكرامة أمر خارق للعادة يظهرها الله تعالى على يد ولي من أوليائه دون اختياره،
وهي من فعل الله عز وجل ولا يد للولي فيها،
بل ليس للولي كسب في الكرامة.
* إن العلماء صرَّحوا بأن الكرامة بمعنى صدور أمر خارق للعادة تسلب بعد موت الولي.
فإن الحكمة في صدور الكرامة – كما يقول العلماء –
هو التثبت على الحق واليقين والاجتهاد في العبادة والاحتراز عن السيئات،
وهذا لا يحتاج إليه بعد موت الولي؛
لأن عين اليقين يحصل بعد الموت، وما بعد الموت ليس وقت التكليف؛
ولأجل هذا صرَّح العلماء بأن الكرامة ليست مقصودة، وإنما المقصود هو الاستقامة.
* أن الكرامة لو ثبتت لشخص من الأولياء فإنه يجتهد في إخفائها ولا يركن إليها،
ويخاف أن تكون من قبيل الاستدراج،
ويسعى في أن لا يطلع عليه أحد، ويحاول كتمانه،
خوفًَا من الاغترار والاشتهار.
*وليس كل أمر خارق للعادة تُعد من الكرامة، ولا دليلاً على الولاية،
بل قد يكون الأمر الخارق للعادة من قَبِيل الاستدراج الشيطاني،
والأحوال الشيطانية التي تصدر من الفسقة والفجرة،
بل من الكفرة والمشركين، حتى أمثال فرعون، والسامري، والدجال،
فلا يدل الأمر الخارق للعادة على أنه كرامة،
فلا يقطع المتصوفة أن حصول شيء معين من كرامة ذلك الولي،
بل ربما يكون استدراجًا، وهو لا يدري.
*إن كثيرًا مما يظنه المتصوفة كرامات – هي في الحقيقة ليست بكرامات لأولياء الرحمن،
بل الحقيقة أن الشياطين قد تظهر لهم بصورة شيوخهم وأوليائهم،
وأتوا بغرائب من الخوارق إضلالاً لهم واستدراجًا لهم،
فيظنون أن هذه من كرامات الأولياء،
وتتمثل لهم الشياطين فيظنون أن الولي الفلاني قد حضر للإغاثة،
وأن فلانًا قد خرج من القبر، وأن الولي الفلاني قد كلَّمه أو عانقه،
والشيطان ربما يقضي بعض حاجته،
فيظن أن هذه من كرامات الولي مع أن هذه أحوال شيطانية تصدر من هؤلاء الشياطين.
*إن هؤلاء المستغِيثين بغير الله كثيرًا ما ينادون الفسفة والفجرة،
وتارة يطلبون المدد من الزنادقة والملاحدة،
وأُخرى يستغِيثون بأعداء الله الكفرة،
فهل هم من أولياء الله؟
وهل ما صدر منهم يُعد من الكرامات؟
كلا، بل هم من أولياء الشيطان
وخوارقهم ليس إلاَّ من الاستدراجات الشيطانية،
ولكن المستغِيثين بغير الله وصلوا من الحمق درجة
لا ينتبهون لهذا مطلقًا.
* إن هؤلاء المتصوفة أكذب الناس على الإطلاق في نقل الكرامات،
فكم من الكرامات نقلوا لأوليائهم،
وهي في الحقيقة من الكذب والافتراء على صاحب القبر.
*ثم إن للكرامة حدودًا وضوابط،
فليس كل شيء يستطيع أن يفعله الولي مثلاً،
ومن هذه الضوابط ما يلي:
أ- أن يكون صاحبها مؤمنًا متقيًا.
ب- ألاَّ يدعي صاحبها الولاية.
ج- ألاَّ تكون الكرامات فوق ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات،
إذ الكرامات لا تسبق المعجزات،
فالكرامة التي يُكرَّم بها أحد من هذه الأمة لا بد أن يكون لها أصل
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
كما نصَّ عليه العلماء.
( المرجع : رسالة : الشرك في القديم والحديث ، أبوبكر محمد زكريا ، 3 / 1223-1227) .