قاصعة للسبحاني:الملك للأنبياء مفسدة عند علي –رض– وتشريف عند السبحاني لكونه هو الإمامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد فلا تزال الضربات تتهاوى على رأس مرجعهم جعفر السبحاني بأيدي الصناديد من أهل السنة ، حتى أصبح في حال لا يحسد عليه بعد أن صار هدفاً لأسود أهل السنة ...
وما هذا الموضوع إلا واحدة من تلك الضربات لعله يستيقن بأن ما يقومون به من ترقيع للتناقضات والتخبط في مذهبهم لن يصمد أمام النقد العلمي ...
ونقطة التخبط في هذا الموضوع هي المصادمة الواقعة بين ما قرره مرجعهم السبحاني بكون الملك الذي أعطاه الله تعالى لبعض أنبيائه كداود وسليمان ويوسف هو منصب الإمامة - والذي عده الكثير منهم أشرف من منصب النبوة والرسالة - وبين ما قرره علي رضي الله عنه في خطبته القاصعة بكون جعل الأنبياء أهل ملك وسلطان فيه مفسدة تنافي التكليف لأن النيات ستكون مشتركة والحسنات مقتسمة.
وإليكم بيان ذلك من خلال حقيقتين هما:
الحقيقة الأولى: تقرير السبحاني بأن الإمامة التي نالها إبراهيم عليه السلام وبعض ذريته هي الملك
وهذه الحقيقة قد صرح بها مرجعهم السبحاني في عدة مواضع من كتابه ( مفاهيم القرآن ) وكتابه ( الإلهيات ) وإليكم بعضاً منها:
1- قال في كتابه ( مفاهيم القرآن ) ( 5 / 381 ) :[ فباقتران هذه الآية - النساء ( 54 ) - الّتي أخبر فيها سبحانه أنّه أعطى آل إبراهيم الملك العظيم بآية الابتلاء ، الّتي استجاب فيها سبحانه أن يرزق المصطفين من ذرية إبراهيم الإمامة ، يتبيّن أنّ الإمامة الموهوبة لهم ( الّتي دللنا أنّها غير النبوة والرسالة ) هي نفس " الملك العظيم " الّذي يدلّ ظاهر الآية على أنّه غير النبوّة والرسالة لعطفه على الكتاب والحكمة اللَّذين يعدّان رمز الوحي ونزوله والاتصاف بالنبوة ].
2- قال في نفس المصدر ص 382 :[ وإن شئت قلت : إنّ الآية المباركة تدل على أنّه سبحانه أعطى منصب الإمامة لآل إبراهيم وبعض ذريته.
والآية الثانية تدل على أنّه سبحانه أعطى آل إبراهيم بعد الكتاب والحكمة ، الملك العظيم ، فباقتران الآيتين نخرج بهذه النتيجة : إنّ الإمامة المعطاة لآل إبراهيم هي الملك العظيم ، فيتحدان حقيقة ومصداقاً ، فإذا كان ملاك الإمامة في الذرية هو كونهم ذوي ملك عظيم ، فيصبح ملاكها في نفس الخليل أيضاً ذلك ].
3- قال في نفس المصدر السابق 382-384 :[ قسم أُعطي النبوة والرسالة ، كأيوب وزكريا ويحيى وعيسى. وقسم أُعطي بعدهما الملك والحكومة. وتشير إلى ذلك الآيات التالية :
أ- يقول يوسف بعدما أُعطي القوة والقدرة في حكومته وصار أميناً مكيناً فيها : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) ، فجملة ( تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ) رمز لجزء من النبوة ، والملك إشارة إلى السلطة والقدرة الّتي نالها.
ب- يقول سبحانه في حق داود : ( وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ).
ويقول أيضاً : ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ).
ج- ويحكي سبحانه عن سليمان أنّه قال : ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَد مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ). فاستجاب الله دعاءه كما تحكي الآية التالية : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْري بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب ).
ففي هذه الشخصيات الإلهية اجتمعت المناصب الثلاثة : النبوة ، والرسالة ، والإمامة ].
4- قال في كتابه ( الألهيات ) ( 4 / 119 ) :[ والظاهر أن المراد من الإمامة ، القيادة الإلهية للمجتمع ... فالإمامة التي أنعم بها الله تعالى على الخليل وبعض ذريته ، هي الملك العظيم الوارد في الآية ، وعلينا الفحص عن المراد من الملك العظيم ، إذ عند ذلك يتضح أن مقام الإمامة وراء النبوة والرسالة ، وإنما هو قيادة حكيمة وحكومة إلهية ، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة ... ].
5- قال نفس المصدر السابق ص 120 :[ فمن ضم هذه الأمور بعضها إلى بعض ، يخرج بنتيجة : إن ملاك الإمامة في ذرية إبراهيم هو قيادتهم وحكمهم في المجتمع ، وهذه هي حقيقة الإمامة ، غير أنها ربما تجتمع مع المقامين الآخرين كما في الخليل ويوسف وداود وسليمان وغيرهم , وربما تنفصل عنهما كما في قوله سبحانه ( وقال لهم نبيهم إن الله ... والله واسع عليم ) ].
الحقيقة الثانية: تقرير علي رضي الله عنه بكون الأنبياء أهل ملك فيه مفسدة تنافي التكليف
وهذه صرح بها علي رضي الله عنه في نهج البلاغة ( 2 / 145-146 ) في الخطبة القاصعة بقوله:[ ولو كانت الانبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام ، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال ، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة ].
بل أن نفس مرجعهم السبحاني أكد هذه الحقيقة بشرحه لهذا المقطع من الخطبة حيث قال في مقال له نشره مركز الإسلام الأصيل :[ ترى أن الإمام علل عدم جعل الأنبياء من أهل القوة والعزة والملك ؛ لأنهم لو كانوا كذلك لاتبعهم الناس رغبة في دنياهم فبطل ما أراده الله سبحانه أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع خالصا لوجهه، واستكانة لأمره لا يشوبها من غيرها شائبة ] ، وقال أيضاً:[ وقد علق مشركو قريش إيمانهم بالنبي على أن يكون له جنة نخيل وعنب فيفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو يكون له بيت من زخرف إلى غير ذلك من الاقتراحات التي تسبب اتباع الأنبياء طمعا في دنياهم . وعندئذ يبطل الغرض من تكليفهم ].
وهنا أتوجه للإمامية بهذا السؤال:
هل إعطاء الملك للأنبياء فيه مفسدة كون النيات مشتركة والحسنات مقتسمة بتعبير علي رضي الله عنه ، أو فيه تشريف واصطفاء لهم بكونه هو منصب الإمامة - والذي يفوق منصب النبوة والرسالة - كما قرر ذلك مرجعهم جعفر السبحاني ؟!!!