محمد حسين الطهراني يكشف لنا عن المتورطين في تأليف سورة الولاية
]
العلامة محمد حسين الحسيني الطهراني
سورة الولاية
يقول محمد حسين الحسيني الطهراني
"أجل ، إنّ قصدنا من هذا الكلام هو أن نعرف أنّ مؤلّف كتاب «دبستان المذاهب» أخباريّ محض ، مع أنّه مجهول ، ولا يمكن الحكم على شخصٍ معيّن بنفسه . وقد ذكر في كتابه سورة منحولة موضوعة هي سورة الولاية ، زاعماً أنّها ساقطة من القرآن ، معرّفاً الشيعة من خلالها .
وكلّ من ينظر في هذه السورة ، يعلم بأدنى تأمّل أنّها موضوعة مفتراة . وشتّان ما بين القرآن الحكيم العزيز والفرقان المجيد المعجز ، وبين هذه السورة المبتذلة التي يستطيع كلّ إنسان عارف باللغة العربيّة أن يأتي بمثلها كما قال الآشتيانيّ !
ومن الثابت أنّ هذه السورة وضعها بعض الأخباريّين الذين تظاهروا بأنّهم أحرص على المذهب من غيرهم وينطبق عليهم المثل القائل : مَلَكِيّ أكثر من الملِك ، وأنّهم تحمّسوا للذبّ عن سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبيان مثالب اعدائه . وقد افتروا هذه السورة ونسبوها إلى الكلام الإلهيّ والعياذ بالله . ولهذا رأينا في كلام الآشتيانيّ أنّها لم تُلحَظ في كتاب آخر غير «دبستان المذاهب» . وقد أشار ابن شهر آشوب إلى سورة الولاية الساقطة .
وما جاء في كتاب «دبستان المذاهب» من آراء ، جاء في كتاب «فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب» أيضاً . وهذا الكتاب للمحدّث النوريّ صاحب كتاب «مستدرك الوسائل» الذي يعدّ من الكتب المفيدة ، وبخاصّة خاتمته الحاوية مباحث بكراً جديدة ـ على الرغم من وجود الإشكال في كثير من مواضعه ـ فقد ألّف المحدّث النوريّ كتابه المذكور في تحريف القرآن . وأراد إثبات التحريف من حيث النقص فحسب ، لا من حيث التغيير والزيادة .
ولقد استعرتُ الكتاب المذكور من أُستاذي في الحديث والرجال والدراية سماحة العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ قدّس سرّه أيّام إقامتي في النجف الأشرف لطلب العلم . وطالعتُه من البداية إلى النهاية مع رسالة مثبّتة في بدايته بخطّه الشريف ، وكان المرحوم النوريّ قدّس سرّه قد كتبها تحت عنوان : «ردّ كشف الارتياب» . وقال المرحوم العلّامة الطهرانيّ : قال أُستاذنا النوريّ قدّس سرّه : لا أرضى عمّن يطالع «فصل الخطاب» ، ويترك النظر إلى هذه الرسالة .
وعلى كلّ تقدير فقد أراد المرحوم المحدّث النوريّ أن يثبت النقص في كتاب الله المنزل بستّة أدلّة . ويدحض وجود الزيادة والتغيير فيه ولو بكلمة واحدة . وكتابه ضخم جمع فيه أحاديث العامّة والخاصّة الواردة في هذا المقام : ولم يدّخر وسعاً في جمع الأحاديث والروايات . وعندما عدتُ من النجف الأشرف وحدّثتُ أُستاذي آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس سرّه بخصائص الكتاب ، ومطالعتي إيّاه ، وكثرة الروايات الواردة فيه ، قال : كُلّمَا كَثُرَتْ فِيهِ الرّوَايَاتُ ازْدَادَ بُعْداً عَنِ الوَاقِعِ .
فهذه الروايات الكثيرة ينبغي أن تُأوّل ، وإذا كانت غير قابلة للتأويل فهي مرفوضة بلا تأمّل . وكانت الأجزاء الثلاثة الأُولى فقط من تفسير «الميزان» مطبوعة يومئذٍ . فوعد العلّامة أنّه سيتحدّث في المستقبل في الموضع المناسب عن عدم تحريف القرآن حديثاً وافياً حتّى لو كان نقصاً . ووفى بوعده إذ رأينا في صفحات متقدّمة كيف فنّد أدلّة القائلين بالتحريف من خلال منطق قويّ وأثبت أنّ هذا القرآن الذي بأيدينا هو نفسه كتاب الله المنزل من السماء ، بلا تغيير .
وحدّثتُه ذات يوم بموضوع آخر يماثل الموضوع المتقدّم وقلتُ له : إنّ الشيخ محمّد تقي المحدّث الشوشتريّ صاحب كتاب «قاموس الرجال» ألّف كتاباً في إثبات سهو الأئمّة عليهم السلام وخطأهم .
فقال على الفور : ليس لهذا الضرب من الكتب قيمة علميّة . فالإمام لا يخطأ.
قلتُ : جمع فيه أخباراً بعضها صحيحة السند .
قال : كيفما كانت فهي مرفوضة . إنّ الإمام لا يخطأ .
وكان المرحوم النوريّ كمؤلّف كتاب «الأخبار الدخيلة» ذا اتّجاه أخباريّ ، ولم يألُ جهداً في الردّ على الكلام المعقول والحكمة والعرفان بأيّ وجه كان .
ولقد تردّى في الهاوية التي سقط فيها صاحب كتاب «دبستان المذاهب» ، حيث أقحما نفسيهما في بحث وتنقيح وجرح وتعديل أُمور تفوق مستواهم علميّاً ، فلهذا يلاحظ أنّ هؤلاء الأخباريّين ـ الذين وضعوا أساس اجتهادهم وتحقيقاتهم وآرائهم على التعبّد بظاهر الأخبار دون تعمّق في المعنى ـ كم يشكّلون ضرراً على الإسلام وعلى المطالِع لآثارهم ! ولقد أثبت المرحوم النوريّ في كتابه الذي ألّفه في ترجمة سلمان الفارسيّ أفضليّة سلمان على أبي الفضل العبّاس عليه السلام !
ويواصل
لقد كان سماحة الأُستاذ الشيخ آغا بزرك قدّس سرّه رجلاً عظيم التقوى ، أخلاقيّاً ، مهذّباً . ذا خلق حسن ، ووجه بشوش ، ونفس كريمة . ولم يرض لأحدٍ قطّ أن يتجرّأ على أُستاذه المرحوم المحدّث الميرزا حسين النوريّ نجل المرحوم الشيخ محمّد تقيّ النوريّ . صاحب كتاب «فصل الخطاب» ، وكان يدافع عنه بكلّ تواضع وخلق رفيع قائلاً : إنّ ما يثار ضدّه يتعلّق بكلّ ألوان التحريف ، بَيدَ أنّ ساحته بريئة من هذه التهمة ، إذ إنّه تحدّث في «فصل الخطاب» عن وجود نقصٍ فيه فقط ، ودحض وجود تحريفات أُخرى كالتغيير والتبديل والزيادة ، وكان يرى أنّ القرآن منزّه عن هذه التغييرات إجماعاً .
وقال في كتاب «الذريعة» فيما يخصّ الكتاب المذكور :
«الفصل الخطاب في تحريف الكتاب» لشيخنا الحاج ميرزا حسين النوريّ الطبرستانيّ ابن المولى محمّد تقي بن الميرزا عليّ محمّد النوريّ المولود في يالو من قرى نور طبرستان في 1254 المتوفّى في العشرين بعد الألف والثلاثمائة ، ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة . ودُفن في يومه بالإيوان الثالث عن يمين الداخل من باب القبلة إلى الصحن المرتضويّ .
أثبت فيه عدم التحريف بالزيادة والتغيير والتبديل وغيرها ، ممّا تحقّق ووقع في غير القرآن ، ولو بكلمة واحدة ، لا نعلم مكانها ، واختار في خصوص ماعدا آيات الأحكام وقوع تنقيص عن الجامعين ، بحيث لا نعلم عين المنقوص المذخور عند أهله ، بل يعلم إجمالاً من الأخبار التي ذكرها في الكتاب مفصّلاً ، ثبوت النقص فقط"