وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً"
تفسير القرطبي :
اختلفوا في سبب نزولها على خمسة أقوال : [ الأول ] ما روى ابن عباس في قوله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة , وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن , فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ; فقال الله تعالى " ولا تجهر بصلاتك " فيسمع المشركون قراءتك . " ولا تخافت بها " عن أصحابك . أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر . " وابتغ بين ذلك سبيلا " قال : يقول بين الجهر والمخافتة ; أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم . واللفظ لمسلم . والمخافتة : خفض الصوت والسكون ; يقال للميت إذا برد : خفت . قال الشاعر : لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت رثى لها الشامت مما بها يا ويح من يرثي له الشامت [ الثاني ] ما رواه مسلم أيضا عن عائشة في قوله عز وجل : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قالت : أنزل هذا في الدعاء . [ الثالث ] قال ابن سيرين : كان الأعراب يجهرون بتشهدهم فنزلت الآية في ذلك .
قلت : وعلى هذا فتكون الآية متضمنة لإخفاء التشهد , وقد قال ابن مسعود : من السنة أن تخفي التشهد ; ذكره ابن المنذر . [ الرابع ] ما روي عن ابن سيرين أيضا أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسر قراءته , وكان عمر يجهر بها , فقيل لهما في ذلك ; فقال أبو بكر : إنما أناجي ربي , وهو يعلم حاجتي . إليه . وقال عمر : أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ; فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر : ارفع قليلا , وقيل لعمر اخفض أنت قليلا ; ذكره الطبري وغيره . [ الخامس ] ما روي عن ابن عباس أيضا أن معناها ولا تجهر بصلاة النهار , ولا تخافت بصلاة الليل ; ذكره يحيى بن سلام والزهراوي . فتضمنت أحكام الجهر والإسرار بالقراءة في النوافل والفرائض , فأما النوافل فالمصلي مخير في الجهر والسر في الليل والنهار , وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل الأمرين جميعا . وأما الفرائض فحكمها في القراءة معلوم ليلا ونهارا . [ وقول سادس ] قال الحسن : يقول الله لا ترائي بصلاتك تحسنها في العلانية ولا تسيئها في السر . وقال ابن عباس : لا تصل مرائيا للناس ولا تدعها مخافة الناس .
عبر تعالى بالصلاة هنا عن القراءة كما عبر بالقراءة عن الصلاة في قوله : " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " [ الإسراء : 78 ] لأن شكل واحد منهما مرتبط بالآخر ; لأن الصلاة تشتمل على قراءة وركوع وسجود فهي من جملة أجزائها ; فعبر بالجزء عن الجملة وبالجملة عن الجزء على عادة العرب في المجاز وهو كثير ; ومنه الحديث الصحيح : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ) أي قراءة الفاتحة على ما تقدم .
وكما نعلم بان الاية امر صريح من الله تعالى بعدم الجهر بالصلاة وعدم المخافتة بها وان نبتغي السبيل بين هذا وذاك.
الزملاء الوهابية / ما هو التفسير الصحيح وسبب النزول لهذه الاية ؟