بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
نظرة الزيدية إلى الرافضة
محمد بن محمد المهدي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آل بيته وصحابته أجمعين وبعد:
فهذا بحث كان لا بد أن أساهم به نصيحة لله ولرسوله للأئمة المسلمين وعامتهم، وكنت قد كتبته في عام (1423هـ) في مقدمة كتاب (نظرة الإمامية الاثني عشرية بين حقيقة الأمس وتقية اليوم) الذي زبره يراع الأخ/ محمد الخضر - بارك الله فيه - ([1])، والتي سنسلط فيه الضوء على جملة من الأمور، التي تتعلق بموضوع يهم أبناء هذا البلد، الذي يسعى أتباع الفرق المنحرفة - وبخاصة الروافض - إلى غرس مفاهيم تتنافى مع المعتقدات الراسخة والمبادئ التي سار عليها أهل اليمن - سواءً كانوا زيدية أو سنية - من التمسك بالكتاب والسنة.
ذلك أن أصحاب تلك الفرق وجدوا من يتلقاهم بالترحاب من بعض الزيدية، الذين خُدعوا بزيف الشعارات التي يرفعها أولئك كحب آل البيت وغيرها من الشعارات الخادعة، وفات هؤلاء حقيقة نظرة الروافض إليهم قديماً وحديثاً، كما أنه فاتهم حقيقة الصراع بين الفرقتين وبدايته وسببه، وحقيقة نظرة أئمة الزيدية إلى الروافض وهو ما سنسلط عليه الضوء في هذا المبحث.
بداية الصراع بين الفريقين:
بدأ الصراع بين جناحين شيعيين، أحدهما غالٍ والآخر معتدل في حكمه على مخالفيه وفي نظرته إلى قضية الإمامة - قياساً على الجناح الآخر المتشدد والموغل في الخرافة - لقد وقع الانشقاق ثم طال الافتراق بعد رفض الإمام زيد - رحمه الله - البراءة من الشيخين - أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عندما اشترط عليه الغلاة شرطاً قاسياً لكيما يجاهدوا معه جيوش هشام بن عبد الملك ([2]).
لقد طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين وما كان لزيد ولا غيره من آل بيت النبوة أن ينسلخوا من حلف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحبه وآله فجده رسول الله، وجده علي رضي الله عنه وآل بيته رضوان الله عليهم كانوا عنهما راضين ولهما موالين.
فمنذ أن رفضت تلك الفئة الحاقدة على الصحب والآل نصرة زيد، سُمُّوا الرافضة، ومنذ مرقت بعد النواصب، بدأت الأحكام تصدر منها على الأمة بالتكفير، ولم يسلم منهم معتدلوا الشيعة كالزيدية، بل حتى لم يسلم زيد بن علي بن الحسين رحمه الله من تكفيرهم.
فبعد أن فرغ الرافضة من تكفير الأصحاب والأمة كاملة، عادوا نهمين إلى زيد وأتباعه، فحكموا عليهم بصنوف من الأحكام القائمة على الظلم، فهم عندهم نواصب أو شبههم ونزّلوا فيهم النصوص التي ينـزلونها على أهل السنة، وهي أدلة لا يجوز إنزالها على المسلمين من السنة والزيدية وغيرهم.
وأسرف الرافضة في الحكم على الزيدية ظلماً وعدواناً بصنوف من الأحكام، حتى أنكروا تشيعهم، وجرَّحوا رواتهم، ويكفي لجرح الراوي عند الرافضة كونه زيدياً، وحكموا عليهم بالكفر الصريح حتى قال المجلسي: "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم" ([3])، وكفروهم مرات؛ لقولهم بصحة الإمامة في غير الاثني عشر، وكفروا زيداً بخروجه مطالباً بالإمامة لنفسه ([4]).
وأما كلام علماء الزيدية عبر العصور في الرافضة فأكثر من أن يحصر وسوف يرى القارئ بعض هذه النقولات عن الإمام زيد والهادي والمنصور بالله ويحي بن حمزة والمهدي أحمد بن يحيي المرتضى وغيرهم من أئمة آل البيت - رحمهم الله -.
وأرى والله أعلم أن المطلع على كلام الرافضة في هذا الكتاب في الإمام زيد بن على والزيدية والناظر في هذه المقدمة على كلام أئمة الزيدية في الرافضة سيدرك الهوة السحيقة بين المذهبين وسلامة مذهب الزيدية من كثير من الافتراءات التي نسبت إليه بحجة أن الزيود روافض، وسيدرك بهتان أهل الرفض على المسلمين وفضيحة أتباع ابن سبأ في دعوى أن الخلاف بينهم وبين المذاهب الإسلامية إنما هو في الفروع.
أقوال أئمة الزيدية في الفرقة الرافضية:
- كلام الإمام زيد بن علي - رحمه الله - (ت 122 هـ) في الرافضة:
"اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء على بن أبي طالب - عليه السلام - حتى حاربوه" ([5]).
والسبب في هذا اللعن هو أنهم طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فأبى ذلك فرفضوه فقال: "أنتم الرافضة وقال: الرافضة مرقوا علينا" ([6]).
- كلام القاسم بن إبراهيم (ت 246 هـ):
قال - رحمه الله - في معرض رده على الرافضة بشأن الوصية والأوصياء: "... وما قالت به الرافضة من هذا فقد تعلم أن كثيراً منها لم يقصد فيه لما قصد، أو يعتقد من الشرك بالله في قوله به ما اعتقد، إلا وأن كل ما قالوا به في الله، أشرك الشرك بالله، فنعوذ بالله من الشرك في ربوبيته، والجهل بما تفرد به من وحدانيته هذا، إلا ما أتوا به من الضلال، بقولهم في الوصية، وما أعظموا على الله ورسوله في ذلك من الدعوى والفرية، التي ليس بها في العقول حجة ولا برهان، ولم ينـزل بها من الله وحي ولا فرقان. وما قالت به الرافضة من الأوصياء من هذه المقالة، فهو قول فرقة كافرة من أهل الهند يقال لهم البرهمية... إلخ" ([7]).
- كلام الهادي يحيى بن الحسين (تـ 298 هـ):
أما كلام الإمام يحيى بن الحسين الملقب بالهادي وناشر المذهب الهادوي الزيدي في اليمن في آخر القرن الثالث فهو كثير وطويل في الرافضة إلى حد الحكم عليهم بالكفر والمروق واتباع الشهوات وأنهم حزب الشيطان.
فقد قـال في مسألة من طلق ثلاثاً معاً ومن طلق على غير السنة: إن طلاقه يقع بلا خلاف ثم قــال: "ثم اختلفوا في معنى الطلاق وكيفيته، فقالت شرذمة مخالفة للحق في كل المعاني من الكتاب والسنة، وهي هذه الإمامية الرافضة من طلق زوجته على غير طهر من غير جماع أو طلق ثلاثاً معاً لم يكن ذلك طلاقاً، وكانت زوجته على حالها" ([8]).
وقال: "ولا أعلم أحداً خالف ما روي وقيل به من ذلك غير هذا الحزب حزب الشيطان الخاسر الهالك (الرافضة) عند الله الجائر المحل للشهوات المتبع اللذات المبيح للحرمات الآمر بالفاحشات الواصف للعبد الذليل بصفة الواحد الجليل"، وبعد وصفهم بالتشبيه وإنكار التوحيد وإبطال ما أثبته الله واتباع المثل والفسق قال: "حزب الإمامية الرافضة للحق والمحقين" ([9]).
والهادي - رحمه الله - يسِم الرافضة بتعطيل الجهاد وصدق فلا جهاد عندهم حتى يظهر مهديهم "وقول هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد والعباد" ([10]).
وقال: "وقول هذا الحزب الضال، مما لا يلتفت إليه من المقال لما هم عليه من الكفر والإيغال، والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم على الله ورسوله في كل أمر كاذبون ولهما في أفعالهما مخالفون، وقد جاهروهما بالعصيان وتمردوا عليهما بالبغي والطغيان، وأظهروا المنكر والفجور وأباحوا علانية الفواحش والشرور، وناصبوا الآمرين بالحسنات المنكرين للمنكر والشرارات الأئمة الهادين من أهل بيت الرسول المطهرين.
وهتكوا – يا لهم الويل - الحرمات وأماطوا الصالحات، وحرضوا على إماتة الحق وإظهار البغي والفسق وضادوا الكتاب، وجانبوا الصواب، وأباحوا الفروج، وولدوا الكذب والهروج، وفيهم ما حدثني أبي وعماي محمد والحسن عن أبيهم القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين عن أبيه عن جده عن إبراهيم بن الحسن عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيهم على بن أبي طالب عليهم وعليه السلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا علي يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يعرفون به يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم قتلهم الله فإنهم مشركون))" ([11]).
وقال في تحريم المتعة في النكاح من كتابه الأحكام:
"وأبطل الإمامية المستحلون للمتعة ذلك كله، وردوا كتاب الله - سبحانه - رداً وعاندوا الله في حكمه عناداً، وقالوا شرط الإنسان أوجب من حكم الرحمن، فأبطلوا الأنساب بين الوالد والولد والمواريث بينهما، وقالوا لا يتوارث الوالد والولد فأبطلوا بذلك حكم الواحد الأحد الصمد ثم قالوا: لا تورث زوجة من زوجها إن نزل به موت ولا يورث زوج من زوجته إن نزل بها موت، ولا يلزمها عدة تعتدها من ماء زوجها كما حكم الله بذلك عليها فنقضوا الكتاب، وخالفوا في كل الأسباب، فأحلوا ما حرمه وحرموا ما أحله"([12])، وقال في بيان معتقده في رسالة بعثها إلى صنعاء: "وإلى الله أبرأ من كل ثنوي رافضي غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غال، ومن جميع الفرق الشاذة، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية ولا بد من فرقة ناجية، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة"([13]).
والحق أن الهادي - رحمه الله - أقوى وأصرح في الحكم على الرافضة من أتباعه بالمروق.
فهم كما يرى؛ مستحلون الحرمات كافرون مشركون خارجون على أئمة أهل البيت مساعدون مناصرون لأئمة الجور معطلون للجهاد مفسدون في البلاد.
وهنا أُذَكِّر كل أخ زيدي خدعه الروافض بأساليب تقيتهم ومكرهم أن يراجع نفسه ويعرف حقيقة أتباع (ابن سبأ) كما عرفهم الهادي - رحمه الله -.
- كلام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (تـ 614 هـ)
أما العلامة عبد الله بن حمزة فهو أطول نفسا من غيره في تضييق الخناق على الرافضة.
فقد رد عليهم بالمئات من الصفحات وناقش كل أباطيلهم وترهاتهم وفند أساطير أتباع عبد الله ابن سبأ اليهودي ([14]) وربطهم به.
وأبطل ادعاءهم بورود النص الجلي لتعيين أمير المؤمنين على - رضي الله عنه - أميراً ([15])، وفنَّد أدلتهم في دعوى عصمة الأئمة الاثني عشر ([16]).
وكتاب المجموع المنصوري رقم (1) وهو يربو على (400) صفحة كله يدور حول شذوذهم وانحرافهم ورد ذلك بعلم وعقل فقد أبان انحرافاتهم في شتى مسائلهم، ومنها:
دعوى الإمامة وحصرها في اثني عشر إماماً ([17])، ودعوى العصمة ([18])، ودعوى علم الغيب للأئمة ([19])، ودعوى وجود مهدي في السرداب ([20])، والتقية ([21])، والبداء ([22])، وزندقتهم في دعوى تحريف القرآن ([23])، وتحريف معاني القرآن في تفاسير بعضهم وبيان تناقضهم ([24])، وغير ذلك.
ومما قاله في الرد على قولهم بالرجعة:
"وأما ما ذهبوا إليه من الرجعة فمما لا دليل عليه ولا يجوز لمسلم اعتقاده، ولا يجدون عليه دليلاً يوصل إلى العلم وأما الدليل على بطلانه فلأن المعلوم من دين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن من مات فميعاده يوم البعث ولا حياة قبله إلا ما وردت به الآثار في عذاب القبر، فحكم ذلك حكم الآخرة، فإن المعلوم ضرورة من دين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلاف ما ذهب إليه القوم في هذه المسألة فتلحق بالكفريات ويبعد أن يكون خلافاً بين أهل الإسلام" ([25]).
وقال في نفي نسبة تحريف القرآن إلى آل البيت:
"فإنهم رووا عن أهل البيت - عليهم السلام - الذين ادعوا أنهم أئمة سابقون، وأهل البيت - عليهم السلام - لذلك نافون، كما قد منا أشياء تدل على التشبيه الذي نزههم الله عنه، وأشياء تدل على أنهم فسروا كتاب الله بما لا يوافق تحقيقه اللسان العربي، ولا بمجازه، ومثل ذلك لا يعجز العادلين عن الله، والمحرفين لكتابه، وإلى (مثل ذلك) ذهبت الباطنية الملاحدة وكفّرها بذلك جميع الزيدية وكافة الأمة"([26]).
ثم ذكر نماذج من التحريف لمعاني القرآن الكريم عندهم فقال:
"قد صنف التريقي تفسيراً سماه كتاب (التحريف والتنزيل)، فكل ما في القرآن من ذكر الظالمين جعله على ظالمي آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكل خير جعله الولاية وكل شر جعله أبا بكر وعمر إلا القليل، وكذلك في نوادر الحكمة لأبي جعفر القمي.
وما ينسب إلى رواية الجعابي يرويه بإسناده إلى أبي جعفر محمد بن على الباقر - عليه السلام -، وهذا التفسير الذي زعموا أنه يرويه المهلبي في قول الله - تعالى -: (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)، قال: نزلت في علي يوم بدر.
(ادخلوا هذه القرية) قال يريد ولاية علي، (وإذ أخذنا ميثاقكم)، قالوا أبو جعفر: هي الولاية، (ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة)، قال: قد دعوناكم إلى ما دعاكم إليه الرسول ورفعنا فوقكم العذاب لننظر طاعتكم فإن لم يفعلوا قذفنا يعني أمير المؤمنين عليكم.
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً)، يطيع غير علي، (قال عفريت من الجن)، قال: عمر.. الخ.
ثم رد عليهم وعلى تفاسيرهم التي تعني التحريف فقال:
"وهذا قليل من كثير مما هو موجود في تفاسيرهم المنسوبة إلى الأئمة - عليهم السلام -، والله - تعالى -ينـزههم من هذه الأقوال الواهية، والترهات المتلاشية، فكيف يطعن في التفاسير المروية عن العلماء المصححة بالأدلة، ويوجب الرجوع إلى التفاسير التي يضيفونها إلى الأئمة - عليهم السلام - ومعاذ الله أن تكون هذه أقوال أئمة الهدى ومصابيح الدجى" ([27]).
وعند الكلام على المهدي في عدة مواضع من كتابه أثبت خروجه في آخر الزمان من الأحاديث الواردة في أمهات السنة، وأنه سيأتي وأنه يختلف عن مهدي الرافضة بالأوصاف، وأنه لا مكان له يعلم كما يدعي الروافض وهذا المسلك نفس مسلك أهل السنة في ظهور المهدي، ولكن دون تحديد زمن معين لخروجه، وهذا المهدي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، بخلاف مهدي الرافضة الذي يعيد الله له الصحابة ونساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – ليقتلهم، والذي يهدم الكعبة ويحكم بحكم داود - كما زعموا -، وكلام المنصور بالله لا يختلف كثيراً عن كلام عامة أهل السنة في خروج المهدي آخر الزمان ([28]).
- كلام الإمام يحيى بن حمزة (ت 749 هـ) - رحمه الله -:
قال الإمام يحيى بن حمزة: "اعلم أن الناس مختلفون في حكم من خالف هذه النصوص على مذاهب خمسة أولها: من قال: إن قصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - معلوم بالضرورة فالمخالف فيها يكفر هذا رأي الإمامية والروافض".
ثم ذكر الأربعة الأقوال الأخرى وبعضها أكثر رداءة من بعض، ثم قال: "فهذه الفرق كما ترى مختلفون في أمر الخلفاء، والذي يقضي به الشرع عندنا ونحب أن نلقى الله - تعالى –عليه، ونأمر من وقف على كتابنا هذا وهو طريق السلامة لكل منصف هو أن مخالفتهم لهذه النصوص، وإن كانت قاطعة لا توجب في حقهم كفراً ولا فسقا ً ولا خروجا ً عن الدين، ولا توجب قطع الموالاة فإن إسلامهم صحيح ويدل على صحة ما اخترناه في ذلك - وهو الذي عليه أكابر أهل البيت والمخلصين في اتباعهم وشيعتهم - مسالك"([29]).
ثم ذكر مسالك تبرر اختياره لهذا المذهب الأسلم في أوساط الشيعة خلاصتها:
الأول: أن التكفير أو التفسيق لا يكون إلا بدلالة قاطعة، والإجماع منعقد على ذلك ولم يقم هنا برهان شرعي على ذلك التكفير والتفسيق.
الثاني: أننا نعلم بالقطع والضرورة صحة ديانتهم، وسلامة إيمانهم واستقامتهم على الدين، ومحبتهم لله ورسوله وموالاتهم ونصرتهم.
الثالث: ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من الثناء عليهم وتبشيرهم بالجنة.
الرابع: ما كان من ثناء أمير المؤمنين على - رضي الله عنه – عليهم، وزجر من تكلم فيه، ثم إن آل البيت من الحسن والحسين وزين العابدين وزيد والباقر والصادق وغيرهم لا يحصون كانوا يثنون عليهم ([30]).
ثم قال الإمام يحيى مبينا المراد الذي لأجله ذكر ما سبق فقال:
الغرض الأول: أن يعلم أن أمير المؤمنين وأكابر أهل البيت السابقين منهم والمقتصدين غير قائلين في أحد من الصحابة بكفر ولا فسق مع مخالفتهم لهذه النصوص القاطعة، وأن مخالفتهم لا تقطع موالاتهم ولا تبطلها.
الغرض الثاني: أن يكون الناظر على فقه من أمره، وبصيرة من دينه في الإقدام على التكفير والتفسيق من غير بصيرة فإن الخطأ في مثل هذا عظيم والإثم فيه كبير.
قال المؤيد بالله - عليه السلام -: ولو قيل لأحد من مدعي التكفير والتفسيق في حقهما أرني أحداً من أئمتنا أنه تبرأ من الشيخين لم يمكنه ذلك أصلاً ولا وجد إليه سبيلاً فضلاً عن القول بالكفر والفسق.
(فحصل) من هذه الروايات التي نقلناها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن أمير المؤمنين وأولاده السابقين التولي والمحبة للصحابة - رضي الله عنهم -، وأن أحداً من أهل البيت لم ينقل عنهم بتكفير ولا تفسيق لهما - أي الشيخين -، وهذا هو الأوثق من حال الأئمة السابقين أهل الآراء الصائبة والأذهان الثاقبة، ثم إن لهم بعد القطع بعدم التكفير والتفسيق مذهبين:
(الأول): من صرح منهم بالترحم والترضية عليهم، وهذا هو الأشهر من أمير المؤمنين كما حكيناه ومن زيد بن علي وجعفر الصادق والناصر للحق والسيد المؤيد وغيرهم -، وهذا هو المختار عندنا ونرتضيه لأنفسنا مذهبا، ودللنا عليه وهو أنا ذكرنا أن إسلامهم مقطوع به لا محالة وإيمانهم، وعروض ما عرض من مخالفة النصوص ليس فيه إلا مجرد أنه خطأ في النص، فأما أن يكون هذا الخطأ كفراً وفسقاً فلم تقم عليه دلالة ولا برهان، فإن قيل فأنتم تقطعون بأن هذا الخطأ كبيرة أو تقطعون بكونه صغيرة أو توجبون التوقف فيه)، قلنا: المعاصي ثلاثة أوجه؛ منها ما دل عليه الشرع بكونه كبيرا وهذه (هي)المعاصي التي عليها الحدود..
ومنها: ما لم يرد الشرع فيه بكونه صغيراً ولا كبيراً، فما هذه حاله يقطع بكونه خطأ ولا يقطع بكونه كفراً ولا فسقاً ثم ما هذا حاله، فإنه لا يقطع الموالاة ولا يطرق خللاً في أصل الدين والإسلام بل الموالاة واجبة مع القطع بكونه خطأ.. الخ.
(الثاني): وذكر بعد ذلك مذهب من توقف عن الترضي والدعاء للخلفاء، وكذا من نهى عن تكفيرهم وتفسيقهم ونسب هذا المذهب إلى الهادي ([31]).
وكلام الإمام طويل ومتين، ويدل على ورع وعلى تبحر في العلوم الشرعية والعقلية، وقد عرفت عنه العدالة في حكمه.
وكلامه وهو الإمام الذي قل فن من الفنون إلا وصنف فيه في الرد على الرافضة والجارودية وغيرهما من الفرق ينأى بالمذهب الزيدي وآل البيت من تلك الأكاذيب المنسوبة إلى آل البيت من اللعن والتكفير لخيرة الأصحاب.
ولسنا معه - رحمه الله - في قطعية النصوص على إمامة أمير المؤمنين على - رضي الله عنه - وكذلك لا صراحة في النصوص في اختيار أبي بكر - رضي الله عنه - وإنما اختاره المسلمون إماماً لهم.
فالإمام ابن حمزة أعرض صفحاً عن مذهب الرافضة في الأصحاب والجارودية وغيرهما وأخذ بمذهب آبائه الكرام وصاحب البيت أدرى بما فيه.
يتبع....