لو طالعنا تاريخ أنبياء الله لرأينا أن معارضيهم وأعدائهم كانوا دائماً أولئك المترفين الذين كان ثَرَاؤُهُم وما يملكونه من مال وبنين باعثاً لخُيَلائِهِم وعنجهيَّتهم حتى أنهم كانوا يتصورون أنهم بامتلاكهم لكل تلك الثروات مقامهم أعلى من الأنبياء، وبالتالي كانوا يستكبرون عن إطاعتهم ويأنفون من اتباعهم ولسان حالهم يقول: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ الزخرف/31
هل حال بين الشيطان وبين إطاعته لأمر ربه في السجود لآدم سوى مرض التكبُّر والتعالي والاستكبار يقول تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ الحجر/ فعلة إباء إبليس أن يسجد لآدم كانت خلقة آدم من طين وقد أوضح القرآن الكريم أن علة هذا التمرد على الله كانت الكِبْر فقال: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ﴾ البقرة/34 وقال أيضاً: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ﴾ ص/75
فلاحظوا كيف منع مرض الكِبْر إبليسَ من السجود وجعله في زمرة الكافرين فالمغالي والمتكبر أيضاً لا يرضى أن يكون نبيه وزعيمه بشراً مثله فيطيعه من هنا نجد أن علة الإعراض عن اتباع الأنبياء كانت: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ القمر/24 أو كما وصف الله حال الكفار فقال: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ المؤمنون/33
أي أنه لما كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يأكل مما يأكلون منه ويشـرب الماء الذي يشربون منه ولا تنزل عليه موائد من السماء من عند الله فمن العار عليهم أن يطيعوه ويتّبعوه، ويقولون في ذلك: ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَـرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ المؤمنون/34 ويقولون لنبي الله نوح ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَـرًا مِثْلَنَا﴾ هود/27
لقد كانت روحية الكِبر والتعالي هذه وخُلُق الاستكبار لدى الغلاة هي التي تمنعهم من التسليم لإمام لا يعلم الغيب ولا يتصرف في الكون والمكان لأن المتكبر الغالي يقول في نفسه كيف أطيع شخصاً هو بشر مثلي يأكل مما آكل ويشـرب مما أشرب ويذهب إلى الأسواق كما أذهب ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشـِي فِي الأَسْوَاقِ﴾الفرقان/7
فالإمام الذي لا يقطع الثعبان وهو لا يزال في المهد ملفوفاً بالقماشة، والذي لا يحضـر عند كل جنين يولد أو شخص يموت، لا يستحق -حسب الغلاة- الاتِّباع
إن روح الاستكبار هذه هي التي تمنع صاحبها من التسليم للحق واتباع إمام بشرلا علم له بالغيب ولا يتصـرّف في ملكوت الله