((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:70].
قال شيخ الاسلام ابن تيميه:الرد على اهل البدع من الرافضه وغيرهم , ان لم يقصد منه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والاحسان اليهم ,لم يكن عمله صالحا
وقال رحمه الله:
([أهل البدع]... يكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق).
وقال لابن عمه الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: (لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم)
وقد أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) [آل عمران:110]
((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) [آل عمران:104] وفي قوله سبحانه: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) [النحل:125]
أيها القارئ الكريم.. لقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم النصوص السابقة على عمومها، متأسين في ذلك بمعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقوا ينشرون الإسلام في الشرق والغرب، حتى أسلم عامة أهل الشام والعراق على أيديهم وكذلك فارس (إيران)، وكذا أهل مصر والسودان وشمال إفريقية، حتى أصبحت جميع تلك الديار من قلاع الإسلام وحصونه.
وكان من أهم أسباب هداية تلك الديار حُسن خلق الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم -مع النصر والغلبة والتمكين والسيطرة على المغلوب- في غاية التواضع والورع والخوف من الله تعالى؛ لم تسيطر عليهم نشوة النصر، وبريق الذهب، وارتفاع
هذا هو ما فهمه الصحابة من عموم الأدلة في الدعوة إلى الله سبحانه، وهذا ما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ويقوم به، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام.
ثانيًا: لابد للمسلمين عامة والدعاة على وجه الخصوص من الاهتمام بدراسة سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فهي مدرسة العلم والدعوة والصبر والجهاد.
فهذا رسول قريش، وهو عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا حليمًا، يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيعرض عليه أمورًا مقابل أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الله ـ، فينصت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ من كلامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفرغت يا أبا الوليد؟).
قال: نعم. قال: (اسمع مني) قال: أفعل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) [فصلت:3] فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها، فلما سمع بها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلفه أو خلف ظهره معتمدًا عليهما ليسمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجدها ثم قال: (سمعت يا أبا الوليد؟) قال: سمعت. قال: (فأنت وذاك).
فهذا الرجل جاء لإقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بترك الدعوة! وهو مشرك ومع ذلك يستمع له النبي صلى الله عليه وسلم منصتًا لكلامه ولا يقاطعه! حتى إذا فرغ من كلامه قال له صلى الله عليه وسلم: أفرغت أبا الوليد؟ ثم يطلب منه الاستماع إليه كما استمع هو، فيتلو عليه آيات من كلام الله تعالى.
فهذا درس في أدب الحوار: أن تستمع من الطرف الآخر، وأن تُسمعه ما عندك بأدب وحُسن قصد، وهو إرادة الهداية له.
ثالثًا: الحذر من الكلام على الله بغير علم، ومن ذلك تحجير رحمة الله تعالى، والقول بأن الله لا يغفر لفلان! أو القول بأن الفئة الفلانية لا تهتدي أو أنهم لا يمكن أن يتوبوا من باطلهم هو من التقول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116].
رابعًا: يخطئ كثير من الشباب والمبتدئين في طلب العلم بخلط المفاهيم الشرعية، ومن ذلك: عدم تفريقهم بين عقيدة الولاء والبراء وبين حُسن الخلق في التعامل مع الآخر، سواء كان الآخر من الكافرين كفرًا أصليًا أو مرتدًا أو مبتدعًا
النبي صلى الله عليه وسلم هو إمامنا وقدوتنا في عقيدة الولاء والبراء، فهو أشد الناس عداوة للكافرين، وأشدهم صلى الله عليه وسلم حبًا للمسلمين، وهو قدوتنا في أخلاقه وتعاملاته وتصرفاته وأقواله وأفعاله على الإطلاق؛ فانظر -رعاك الله- هديه وحلقه في ذلك؛ فإنك لا تجده صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الكفار من أهل السباب والشتيمة، ولم تحفظ الدنيا عنه موقف استهزاء أو سخرية من أحد منهم..
الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد:
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة:
«الوجه الثلاثون بعد المائة: وهو قوله تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) [فصلت:33] قال الحسن: (هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله)، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد، قال تعالى: ((لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)) [الجن:19] وقال تعالى: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل:125].
جعل سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالرغبة والرهبة، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن، هذا هو الصحيح في معنى هذه الآية... إلخ»
ويؤكد العلامة ابن القيم رحمه الله أن من أسباب فشو البدعة تقصير أهل الحق في إظهار السنة والهدى، فقال: «...ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال كان من أسبابه: التقصير في إظهار السنة والهدى»
وهكذا بدعوة المخالفين لأهل السنة تظهر السنة وتموت البدعة، ويوقى العامة شرها، ويظهر ضعف حجة المخالف، ويذب عن حياض الدين، وينكشف ما يلبسه المخالفون على العامة، وبهذا يجتمع الناس على الهدى والاعتصام بحبل الله.. وهو المقصد الشرعي العظيم من دعوة المخالفين لأهل السنة والجماعة من أهل البدع
المقصود الشرعي لمناظرة المخالفين ومجادلتهم:
1) دعوة المخالفين وإيصال الحق إليهم، وإقناعهم ببطلان ما هم عليه من البدع.
2) الذب عن الدين، وتصفيته مما يلبس به المخالفين وما يشوبون به نصوصه من التحريفات والتأويلات.
3) حماية العامة من الوقوع في البدع، وتحصينهم من الشبهات وبيانها وبيان الرد عليها.
4) فضح المخالفين وتعرية باطلهم؛ لئلا يلتبس على الناس.
5) جمع الناس على كلمة سواء؛ لأن المسلمين مأمورون بالاعتصام بحبل الله، ولا يمكن اجتماعهم على غيره أصلًا، ففي نفي زغل البدعة تقدم نحو تحقيق هذا المقصد الشرعي العظيم.
ويفرق شيخ الإسلام بين علماء المخالفين وبين جهالهم فيقول: (ولهذا فإن كل من كان أعرف بباطن المذهب وحقيقته كان أعظم كفرًا وفسقًا..)، إلى أن قال: (وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء، ولا يفهمونه فهؤلاء تجد فيهم إسلامًا وإيمانًا ومتابعة للكتاب والسنة)
وأختم بهذا القول
قال الإمام ابن باز رحمه الله: «نوصي إخواننا جميعًا بالدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؛ أمر الله سبحانه بذلك مع جميع الناس ومع المبتدعة إذا أظهروا بدعتهم، وأن ينكروا عليهم، سواء كانوا من الشيعة أو غيرهم».
أخوتي أعضاء منتدى الدفاع عن السنة -حفظكم الله - حتى لا يذهب عملنا عبثا او ان ينصرف إلى غير ما يرضي الله ،حيث رأيت التجاوز من البعض في الحوار أحيانا بما لا يخدم الدين ..
لذا اثرت في موضوعي هذا أن أنقل لكم هذه الفوائد بتصرف من كتاب ( دعوة أهل البدع ) النسخة الالكترونية تأليف : خالد بن أحمد الزهراني تقديم : معالي الشيخ صالح فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ..
انصح كل من يدعو أهل البدع قراءة هذا الكتاب القيم ..
أسأل الله أن يجعلكم دعاة هدى هادين مهدين ..
بارك الله في جهودكم ونفع بكم ..