مقابلة مع جواد الاسدي المخرج العراقي:-
طفولة كربلائية
> كيف تتذكر جواد الطفل المسكون بالهواجس التي وجهته إلى الفن والإبداع ?
>> يبدو أنه من حسن حظي أني ولدت في مدينة كربلاء , المعروفة باستعادة الكثير من الطقوس الدينية , والتي كانت تحفل بالكثير من الصياغات والجماليات التي تشبه المسرح , كانت مشاهد حقيقية غير مفبركة, فيها تلقائية وعفوية كان الناس يصنعونها , وعددهم يتجاوز الثلاثة ملايين في مشهد احتفالي مهيب ..
كنت طفلاً صغيراً أقاد دون أن أعرف معناه أو أساسياته والمعايير التي يرتكز عليها , كانت الذاكرة تخزن وتبتلع الكثير من الصور لكي تخفيها في المخزون الشخصي لتظهر مرة أخرى في مرحلة متقدمة من العمر ...
كانت كربلاء المدينة الأكثر احتفالية فيما يخص إعادة كتابة واقعة الحسين بشكل ملحمي , تراجيدي وسياسي إنساني , يتوافد عدد هائل من البحرين والباكستان وإيران ليصبح عرضا مسرحيا دوليا تلقائيا .. من هنا كانت البداية .. كانت الفرجة , العين مفتوحة عما حولها .. هذا من الناحية البصرية ..
> وماذا عن الناحية الثقافية أو النصية , كيف كونت مخزونك الفكري ?
>> الفضل في هذا يرجع لخالي خضير , فهو الذي دلني حقاً على الحياة الثقافية والسياسية ففي عمر 10 حتى 15 انفتحت عيناي على مكتبة كبيرة , فيها الكثير من الكتب المنوعة تحوي القرآن والإنجيل والتوراة , والنصوص البابلية , والكتب التراثية الإنسانية , لابن عربي والسهروردي والمتنبي وابن الرومي .. وكتب أخرى عن لينين وتشيخوف وماركس ..
كان خالي من الشغوفين بالقراءة المتنوعة رغم أنه ماركسي , لكنه كان متنورا لا يكرس الثبوتية الأيديولوجية أو المشهد السياسي الواحد .. وبهذا الانفتاح على الإرث الإنساني الثقافي الكبير , تكونت ثقافتي والتي عبرت من جلجامش إلى الالياذة وغيرها ...
صدفة مسرحية
> كيف انتقلت من المشهديات الحياتية والقراءة إلى مشهدية المنصة والتخصص الأكاديمي المسرحي ?
>> في الحياة محض مصادفات تصنع الإنسان , فرغم أنني تربيت تربية غير دينية , ظل مشهد كربلاء في رأسي , طبعني بطابعه , وغطست في مرحلة تعبدية , قرأت خلالها الكثير من النصوص التوحيدية والمثالية والتزهدية .
هذا شكل لي سياجاً وسوراً , ولكن عندما خرجت إلى بغداد بدأ هذا السور يتفكك .. وعندما أخذت البكالوريا لم يكن المسرح من الأشياء المطروحة ضمن خياراتي , لكن الصدفة أن درجاتي لم تدخلني إلا كلية الفنون , وكان جزءاً منها المسرح .. ولم أتوقع أن يتم قبولي ..
كان داخلي شيْ من التوقد والجنون , وطلب مني مشهد لشكسبير , وآخر لمحمود درويش .. المفاجأة انني كنت الأول على قائمة المقبولين .. فتورطت , وأقحمتني الصدفة في الحياة المسرحية.
وبدأت حياتي بطريقة مختلفة , في قسم المسرح كأنما دخل إلى حياتي ويومياتي وفكري تيار وعاصفة كبيرة , غيرت كل المعالم الداخلية والآراء والمعتقدات والطبائع الشخصية التي كانت تأسرني , أحسست أن أبواباً انفتحت أمامي , لأفق أرحب وحياة أوسع ولم أكن أتوقع أن أكون مخرجاً مسرحياً ...
مشهد من احدى مسرحياته التعبانة