العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى عقيدة أهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-10, 01:19 PM   رقم المشاركة : 1
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


Post القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك


القول المفيد في أن (لن) لا تفيد التأبيد

و تحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
بقلم : أبي عبد الله الأثري

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على ءاله و صحبه و من والاه أما بعد:
فإنه لما استشرت الأهواء ، و تعددت الآراء ، و نادى كل حزبٍ إلى بابه ، و صاح بالنكير على أترابه ، فأخذ كل فريق من الكتاب و السنة بسبب ، آخذين منهما بالمتشابه منهما مما يخدم المقاصد و الإرب ، تاركين المحكم ، و ما به المستمسك يُعصم ، فحرّفوا العلوم بسوء الفهوم ، و قعّدوا قواعد ما أنزل الله بها من سلطان ، و انتحلوا مذاهب في النحو قد عارضهم فيها الكتابُ و السنة بله أرباب اللسان ، و من تلكم القواعد المنكرة ، و المسائل المشتهرة ، ما تراهُ مزبورا مكرورا في كتب التفاسير و الاعتقاد على حد سواء ، من إفادة (لن) في نفيها تأبيدا بلا انتهاء ، و نسبة ذلكم القول إلى علم المعتزلة ، و لسانيِّ مذهب ما بين المنزلتين المنزلة ، الإمامِ الزمخشريِّ جارِ الله محمود ، صاحب المذهب المردود ، و الرأي غير المحمود.
قرّرتُ المضي قدُما في تحرير المذهب الحق في مسائل اللسان ، مما يعود بالتأثير المباشر سلبا أو إيجابا على مسائل الإيمان ، فإن ضرر الأغلاط اللغوية ـ المتقصد منها و غير المتقصد ـ ، إنما يظهرُ خطرها ، و يشتدُ ضررُها ، إذا لامست بلحيفِ لهبها مسائل الاعتقاد ، و ما هو حقُّ الله على العباد ، لأنه إن تغايرت القلوب و تفرّقتْ ، تنافرت الأنفسُ و لربما أزهقت .
و قد سبق و أن كتبتُ في هذا المضمار مقالتين ، إحداهما في ذكر قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
، و هي نقلٌ مجرّدٌ عن بعض أهل العلم ،

و الأخرى عن لفظة الذات و منافرتها لمنكري الصفات و سأذكرها قريبا

و ها أنا ذا أعززها بالثالثة لتكون ثالثة الأثافي على منكري الصفات عموما ، و منكري الرؤية خصوصا ، فأقول مستعينا بالله متوكلا عليه:






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
 
قديم 03-12-10, 01:22 PM   رقم المشاركة : 2
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


Post

حكايةُ الخلاف بين أهل اللسان



قال العلامة محمد الأمين الشنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان (5/216):
((...وبالجملة فقد اختلف أهل العربية في إفادة (لن) تأبيد النفي حيث لم يصرف عنه صارف وعدم إفادتها لذلك... ))

و الذي تم استقصاؤه من الأقوال فيها أربعة أقوال:

1 ـ أنها تفيدُ التأبيد بلا انتهاء و هو قول المعتزلة و من وافقهم كالإمامية

2ـ أنها لا تفيدُ التأبيد إلا أنها تفيدُ توكيد النفي : و اختاره جمعٌ من العلماء كأبي حيان و التفتازاني و الزركشي و السيوطي

3 ـ أنها لا تفيد تأبيدا و لا توكيدا و هي و (لا) في النفي سواء : وهو مذهب جمهور العلماء

4 ـ مثل سابقه إلا أن (لا) أقوى من (لن) في النفي : و ذهب إليه ابن الزملكاني و اختاره السهيلي و شيخ الإسلام و ابن القيم رحمهم الله

و ليس الغرض الترجيح بين الأقوال جميعها و إنما الغرض الترجيح بين من يرى التأبيد بـ(لن) و هم أصحاب القول الأول و بين من يرى عدم إفادتها التأبيد و هم الأقوال الثلاثة الأخرى جميعا
و نحن نعرضُ حجج الفريقين ، و ترجيح الراجح من السبيلين ، بلا تحيُّزٍ إلى فئة و لا مَيْن !!






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
 
قديم 03-12-10, 01:23 PM   رقم المشاركة : 3
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


Post

حكايةُ قول المعتزلة و من وافقهم


و هو قولهم الذي لا يختلفون فيه أن (لن) تفيد النفي على وجه التأبيد ، و الذي نصبوه منجنيقا يضربون به معتقد أهل السنة في إثباتهم رؤية الله عز وجل يوم القيامة ،

قال الجبَّان في كتابه شرح فصيح ثعلب ص (109) شارحا قول قنعب بن أم صاحب الفزاري:

ولن يراجعَ قلبي حبَّهم أبداً .................. زَكِنْتُ من بغضهم مثلَ الذي زَكِنُوا

((أي نحن متباغضون ، يبغضوننا ونبغضهم ، ويعادوننا ونعاديهم ، وأكد أمر العداوة بأن وصفها بأنها لا تزول أبداً ؛ لأن لن تفيد نفي الشيء في المستقبل أبداً))

وقال الخطيب الإسكافي - المتوفى سنة 420 هـ - في كتابه درة التنزيل وغرّة التأويل ص(13) في تفسير قــوله تعالى { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } البقرة: ٩٥ :
((ووجب أن يكون ما يبطل تمني الموت المؤدي إلى بطلان شرطهم أقوى ما يستعمل في بابه وأبلغه في معنى ما ينتفي شرطهم به ، وكان ذلك بلفظ (لن) التي هي للقطع والبتات ثم أكَّد بقوله أبداً ليبطل تمني الموت الذي يبطل دعواهم بغاية ما يبطل به))

ويقول الخاروني الشوكاني ـ وهو أحد تلامذة الزمخشري ـ كما في القواعد والفوائد في الإعراب ص (105):
(( لن وهي للنفي على التأبيد ، ولردّ قول من يقول : سيقوم زيد ، وسوف يقوم زيد ، نحو لن يقوم زيد))

و قد ذكروا من نصوص الكتاب ما يؤيّد زعمهم فمن ذلك هذه الآيات:

قوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ }البقرة: ٢٤
و قوله سبحانه : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (80)البقرة: ٨٠
و قوله سبحانه : { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } آل عمران: ١٠ و آل عمران: ١١٦ و المجادلة: ١٧
و قوله جل شأنه : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} آل عمران: ٨٥
و قوله عز و جل : {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} آل عمران: ٩١
و قوله : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } آل عمران: ١١٥
و قوله : {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا } آل عمران: ١٧٦ و آل عمران: ١٧٧ و محمد: ٣٢
و قوله : { بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا } الكهف: ٥٨
و قوله: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} الحج: ٤٧
و قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} الحج: ٧٣
و قوله : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} محمد: ٣٤
و قوله : {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} محمد: ٣٥

و غيرها من الآيات الكريمات






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
 
قديم 03-12-10, 01:24 PM   رقم المشاركة : 4
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


نقضُ قول المعتزلة و ردُّه


و قد رُدَّت أقوال المعتزلة و استدلالاتهم من خمسة أوجه:
(أ): أنه ورد مثل ذلك في النفي بـ (لا): و لو كان ذلك يفيد تأبيدا لأفاده فيهما جميعا على حدٍّ سواء ، و مما ورد في كتاب الله الكريم من النفي بـ (لا) مع إفادة التأبيد عدّةُ مواضع منها قوله تعالى:
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ البقرة:190
ـ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ البقرة: 205
ـ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ البقرة: 255
ـ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ البقرة: 276
ـ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة: 286
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء آل عمران: 5
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ آل عمران: 9
ـ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ آل عمران: 32
ـ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ آل عمران:57 و آل عمران: 140
ـ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران: 171
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً النساء:36
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ النساء: 40
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ النساء: 48
ـ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً النساء: 107
ـ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ المائدة: 64
ـ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ الأنعام: 103
ـ لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الأعراف: 40
ـ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ الأعراف: 197
ـ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ النحل: 20
ـ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى طه: 52
ـ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه: 110
ـ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ الأنبياء: 19
ـ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ سبأ: 22
ـ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا فاطر: 36
ـ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ غافر: 20
ـ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصلت: 42


قلت: و إنما أسهبتُ في ذكر الآيات إمعانا في الحجة و البيان على من خالفها ، و لئلا يتوهّم المتوهّم قلة ورود (لا) في مواطن أفادت التأبيد ، فإذا تقرر عندك استواء (لا) و (لن) في إفادة التأبيد في كثير من الآيات ، مع عدم وصف (لا) بالتأبيد بالإجماع و بلا خلاف ، علمت :
أن دلالة التأبيد ليست من لوازم الحرفين و لا من دلائلهما ، بل التأبيد وصفٌ زائد عليهما منفكٌ عنهما ، و إنما توجبه الدلائل الخارجية أو تسلبُه ، و تثبتهُ القرائنُ المحيطة بهما أو تنفيه
و هذه حجة إلزامية قوية تقفُ سدا منيعا في وجه المعتزلة و أضرابهم ، ممن أحدثوا في اللسان ما ليس منه ، و قعّدوا فيه ما ينفرُ اللسانُ نفسُهُ عنه !!
فإما أن يفيدا جميعا تأبيدا ، و إما أن ينفى عنهما نفيا أكيدا ، و من أثبته في أحدهما دون صاحبه فقد ضل ضلالا بعيدا
(ب) ورود البيان الصريح على عدم إفادتها التأبيد

و ذلك بأن يرد على وجه الإثباتِ في الزمن المستقبل ما تم نفيه بـ(لن) و من ذلك :
قوله تعالى : { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } البقرة: 95
فذكر الله في كتابه عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت أبدا ، و يلزم منها على قول من يزعم أن (لن) تفيد التأبيد ، أن يكون عدم تمنيهم الموت مؤبدا بلا انتهاء ، سيما و قد زاده تأكيدا في قوله (أبدا)
و هو أبلغ من مجرد النفي بـ(لن) فحسب ، و مع ذلك فقد أخبر الله تبارك و تعالى عنهم أنهم سيتمنونه يوم القيامة
قال سبحانه { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }الزخرف: 77
و قال تعالى عنهم أنهم يقولون : { يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } الحاقة: 27
و لو كانت (لن) على التأبيد لاستلزم ذلك تكذيب الله في خبره و نسبته إلى الاختلاف و الاضطراب و هو باطل ، فدلّ ذلك على بطلان ما ادعوه في (لن) من التأبيد ، بنصٍّ جليٍّ من العزيز الحميد ، في كتابه المجيد
و نثني بمثال آخر ليتضح الغرض أكثر :
قال الله جل في علاه { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } سبأ: 31
فهذا إخبارٌ من العزيز الجبار عن قول الكفار أنهم لن يؤمنوا بالقرآن الكريم و لا بما سبقه من الكتب ، و قد ورد نفيهم بـ(لن) التي يزعم الزاعمون ، و يتخرّصُ فيها المتخرِّصون ، أنها تفيد التأبيد
فما بالهم يؤمنون به من بعد و يقرّون بصدق الرسل ، بل و يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليعملوا غير الذي عملوه من قبل ؟؟!!
فقد جاء في الآية نفسها ما يبطل الأبدية يقول جل و علا { يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } سبأ: 31
و يقول سبحانه { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } الأعراف: 53
و غير هذا من الآيات البينات التي قصمت ظهر كل محرّف للكلم عن مواضعه ، قائلٍ فيه بغير قصد ربه منه
و سأقتصرُ على ذكر هذين الوجهين في نقض قولهم و أترك الأوجه الثلاثة الباقية عند حكاية قول أهل السنة و أدلتهم







التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
 
قديم 03-12-10, 01:26 PM   رقم المشاركة : 5
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


حكايةُ قول أهل السنة و عامة الأمة


أما أهل السنة القائلون بعدم إفادة (لن) تأبيد النفي فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه زيادة على الوجهين المتقدمين بأوجه أخرى فمن ذلك:
(أ): التغيية تنافي التأبيد:

و معنى التغيية النفي إلى غاية ، كأن تقول ( لن أفعل كذا حتى يكون كذا و كذا)
قال أبو حيّان الأندلسي في تفسيره الموسوم بالبحر المحيط (6/253):
((...{لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} طه: 91 على عبادته مقيمين ملازمين له وغيوا ذلك برجوع موسى وفي قولهم ذلك دليل على عدم رجوعهم إلى الاستدلال وأخذ بتقليدهم السامري ودلالة على أن (لن ) لا تقتضي التأييد خلافاً للزمخشري إذ لو كان من موضوعها التأبيد لما جازت التغيية بـ(حتى) لأن التغيية لا تكون إلا حيث يكون الشيء محتملاً فيزيل ذلك الاحتمال بالتغيية...))
و قد جاءت (لن) مع التغيية في كتاب الله في عدّة مواضع من ذلك:

قوله تعالى :{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } البقرة: 55
و قوله: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة:120
و قوله: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران: 92
و قوله جل و علا: {لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا} المائدة: 22
و قوله سبحانه: {قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ} الأنعام:124
و قوله تعالى : {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ} يوسف: 66
و قوله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي} يوسف:80
و قوله جل شأنه: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} الإسراء: 90
و قوله عن الكفار قولهم :{ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ} الإسراء:93
و قوله : {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} طه: 91

(ب): إتباعُ (لن) بلفظة (أبدا) ينافي إفادتها التأبيد:

لأنه لو كانت (لن) تفيد التأبيد ، لكان في ذكر التأبيد معها تكرار للتأبيد ، و في ذلك مخالفة لأصلين من أصول الكلام و هما:
الأصل في الكلام عدم التكرار
الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد
فلو كان معنى (لن) التأبيد للزم من ذكر (أبدا) تكرار التأبيد و هو بخلاف الأصل ، كما أنه في ذكر (أبدا) يكون الأصل تأسيس معنى جديد لم يوجد فيما سبقه من الكلام لا تأكيد التأبيد الذي يزعمه الزاعمون في (لن)
و قد وردت (لن) متبوعة بلفظة (أبدا) في كتاب الله في عدة مواضع من ذلك :

و قوله تعالى: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} البقرة:95
قوله تعالى: {إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا} المائدة:24
و قوله سبحانه: {فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً} التوبة: 83
و قوله تبارك و تعالى: {وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} الكهف: 20
و قوله سبحانه: {فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} الكهف: 57
و قوله جل شأنه: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ} الفتح: 12

(ج): تقييد النفي بـ (لن) بـ(اليوم) منافٍ للتأبيد:

فإن التأبيد معناه استغراق الزمن المستقبل جميعه بلا انتهاء بخلاف اليوم فإنه لا يستغرق الزمن المستقبل بل يستغرق زمنا محدودا فنافى بذلك التأبيد و قد وردت كذلك في كتاب الله في موضعين:
{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26
وقوله { وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} الزخرف: 39







التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
 
قديم 03-12-10, 01:27 PM   رقم المشاركة : 6
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


أقوالُ علماء الأمة في نقض مذاهب المعتزلة


و لم أتخير منهم من كان سلفي الاعتقاد دون من تلبس بشيء من هذه الأهواء ، إذ الغرض بيان إطباق الأمة جميعا ـ خلا المعتزلة و أشياعهم ـ على أن (لن) لا تفيدُ تأبيد النفي

قال أبو الليث السمرقندي في تفسيره المسمى بحر العلوم (1/101):
((...قال الزجاج في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال لهم {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} البقرة: 94 وأعلمهم أنهم {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} البقرة: 95 فلم يتمنه واحد منهم ويقال إن قوله {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 إنما يقع على الحياة الدنيا خاصة ولا يقع على أمر الآخرة لأنهم يتمنون الموت في النار إذا كانوا في جهنم وفي هذه الآية دليل أن لفظه ( لن) لا تدل على التأبيد لأنهم يتمنون الموت في الآخرة خلافا لقول المعتزلة في قوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143...))

و قال العلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني (9/49):
((...وما ذكروه في المعارضة من أن ( لن ) تفيد تأبيد النفي غير مسلم ولو سلم فيحتمل أن ذلك بالنسبة إلى الدنيا كما في قوله تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 فإن إفادة التأبيد فيه أظهر وقد حملوه على ذلك أيضا لأنهم يتمنونه في الآخرة للتخلص من العقوبة ...))

و قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط (1/249):
((..{وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 24 جملة اعتراض فلا موضع لها من الإعراب وفيها من تأكيد المعنى ما لا يخفى لأنه لما قال فإن لم تفعلوا وكان معناه نفي في المستقبل مخرجاً ذلك مخرج الممكن أخبر أن ذلك لا يقع وهو إخبار صدق فكان في ذلك تأكيد أنهم لا يعارضونه واقتران الفعل بـ(لن) مميز لجملة الإعتراض من جملة الحال لأن جملة الحال لا تدخل عليها (لن) وكان النفي بـ(لن) في هذه الجملة دون (لا) وإن كانتا أختين في نفي المستقبل لأن في (لن) توكيداً وتشديداً تقول لصاحبك لا أقيم غداً فإن أنكر عليك قلت لن أقيم غداً كما تفعل في أنا مقيم وإنني مقيم قاله الزمخشري
وما ذكره هنا مخالف لما حكي عنه أن (لن) تقتضي النفي على التأبيد وأما ما ذهب إليه ابن خطيب زملكا من أن (لن) تنفي ما قرب وأن (لا) يمتد النفي فيها فكاد يكون عكس قول الزمخشري
وهذه الأقوال أعني التوكيد والتأبيد ونفي ما قرب أقاويل المتأخرين وإنما المرجوع في معاني هذه الحروف وتصرفاتها لأئمة العربية المقانع الذين يرجع إلى أقاويلهم قال سيبويه رحمه الله و(لن) نفي لقوله سيفعل وقال وتكون (لا) نفياً لقوله تفعل ولم تفعل انتهى كلامه
ويعني بقوله تفعل ولم تفعل المستقبل فهذا نص منه أنهما ينفيان المستقبل إلا أن (لن) نفي لما دخلت عليه أداة الاستقبال و(لا) نفي للمضارع الذي يراد به الاستقبال فـ(لن) أخص إذ هي داخلة على ما ظهر فيه دليل الاستقبال لفظاً ولذلك وقع الخلاف في (لا) هل تختص بنفي المستقبل أم يجوز أن تنفي بها الحال وظاهر كلام سيبويه رحمه الله هنا أنها لا تنفي الحال إلا أنه قد ذكر في الاستثناء من أدواته لا يكون ولا يمكن حمل النفي فيه على الاستقبال لأنه بمعنى إلا فهو للإنشاء وإذا كان للإنشاء فهو حال فيفيد كلام سيبويه في قوله وتكون (لا) نفياً لقوله يفعل ولم يفعل هذا الذي ذكر في الاستثناء فإذا تقرر هذا الذي ذكرناه كان الأقرب من هذه الأقوال قول الزمخشري أولاً من أن فيها توكيداً وتشديداً لأنها تنفي ما هو مستقبل بالأداة بخلاف (لا) فإنها تنفي المراد به الاستقبال مما لا أداة فيه تخلصه له ولأن (لا) قد ينفى بها الحال قليلاً فـ(لن) أخص بالاستقبال وأخص بالمضارع ولأن {وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 24 أخصر من ولا تفعلون فلهذا كله ترجيح النفي بـ(لن) على النفي بـ(لا) .))

و قال أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري في تفسيره(4/275):
((قال السدي لمّا كلّم الله موسى خاض الخبيث إبليس في الأرض حتّى خرج بين قدمي موسى فوسوس إليه وقال إن مكلمك الشيطان فعند ذلك سأل الرؤية فقال الله تعالى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143
تعلّقت الرؤية بهذه الآية ولا دليل لهم فيها لأنّ ( لن) ههنا لا توجب التأبيد وإنما هي للتوقيت لقوله تعالى حكاية عن اليهود {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 يعني الموت ثمّ حكى عنهم أنهم يقولون لمالك {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الزخرف: 77 و {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} الحاقة: 27
يعني الموت وقال سبحانه {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ} آل عمران: 92
يعني الجنّة { حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران: 92
وقد يدخل الجنّة مَنْ لا يُنفق ممّا علمت
فمعنى الآية لن تراني في الدنيا وإنما تراني في العقبى ))

و قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (1/506-507):
(( ( لن) حرف نفي ونصب واستقبال والنفي بها أبلغ من النفي بـ(لا) فهي لتأكيد النفي كما ذكره الزمخشري وابن الخباز حتى قال بعضهم وإن منعه مكابرة فهي لنفي إني أفعل ولا لنفي أفعل كما في لم ولما قال بعضهم العرب تنفي المظنون بـ(لن) والمشكوك بـ(لا) ذكره ابن الزملكاني في التبيان
وادعى الزمخشري أيضا أنها لتأبيد النفي كقوله { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73
{وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة:24 و قال ابن مالك وحمله على ذلك اعتقاده في { لَن تَرَانِي } الأعراف:143 أن الله لا يرى
ورد غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26 ولم يصح التوقيت في {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} طه: 91 ولكان ذكر الأبد في {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 تكرارا والأصل عدمه واستفادة التأبيد في { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73 ونحوه من خارج ووافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله في { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه وعكس ابن الزملكاني مقالة الزمخشري فقال إن (لن) لنفي ما قرب وعدم امتداد النفي ولا يمتد معها النفي قال وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني و(لا )آخرها الألف والألف يمكن امتداد الصوت بها بخلاف النون فطابق كل لفظ معناه قال ولذلك أتى بـ(لن) حيث لم يرد به النفي مطلقا بل في الدنيا حيث قال { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 وبـ(لا) في قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} الأنعام: 103 حيث أريد نفي الإدراك على الإطلاق وهو مغاير للرؤية انتهى )).

و قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن (2/420-422):
((رابعا : ( لن) لتأكيد النفي كان في تأكيد الاثبات فتقول لا أبرح فإذا أردت تأكيد النفي قلت لن أبرح قال سيبويه هي جواب لمن قال سيفعل يعني والسين للتأكيد فجوابها كذلك وقال الزمخشري( لن) تدل على استغراق النفي في الزمن المستقبل بخلاف (لا) وكذا قال في المفصل( لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل وبني على ذلك مذهب الاعتزال في قوله تعالى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 قال هو دليل عن نفي الرؤية في الدنيا والآخرة وهذا الاستدلال حكاه إمام الحرمين في الشامل عن المعتزلة ورد عليهم بقوله تعالى لليهود {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 94-95
ثم أخبر عن عامة الكفرة أنهم يتمنون الآخرة فيقولون {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} يعني الموت
ومنهم من قال (لا) تنفي الأبد ولكن إلى وقت بخلاف قول المعتزلة وأن النفي بـ(لا) أطول من النفي بـ(لن) لأن آخرها ألف وهو حرف يطول فيه النفس فناسب طول المدة بخلاف (لن)
ولذلك قال تعالى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 وهو مخصص بدار الدنيا
وقال { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وهو مستغرق لجميع أزمنة الدنيا والآخرة وعلل بأن الألفاظ تشاكل المعاني ولذلك اختصت (لا) بزيادة مدة
وهذا ألطف من رأي المعتزلة ولهذا أشار ابن الزملكاني في التبيان بقوله (لا) تنفى ما بعد و(لن) تنفى ما قرب وبحسب المذهبين أولوا الآيتين قوله تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} الجمعة:7
ووجه القول الثاني أن {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} الجمعة: 7
جاء بعد الشرط في قوله تعالى {إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الجمعة: 6
وحرف الشرط يعم كل الأزمنة فقوبل بـ(لا) ليعمم ما هو جواب له أي زعموا ذلك في وقت ما قيل لهم تمنوا الموت
وأما قوله تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 فجاء بعد قوله { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً} البقرة: 94
أي إن كانت لكم الدار الآخرة فتمنوا الموت الآن استعجالا للسكون في دار الكرامة التي أعدها الله لأوليائه وأحبائه وعلى وفق هذا القول جاء قوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143
قلت : والحق أن (لا) و(لن) لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلة والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل خارج ومن احتج على التأبيد بقوله {وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 95
وبقوله { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73 عورض بقوله { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26 ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم
وبقوله {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 ولو كانت للتأبيد لكان ذكر الأبد تكريرا والأصل عدمه
وبقوله { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} طه: 91
لا يقال هي مقيدة فلم تفد التأبيد والكلام عند الإطلاق لأن الخصم يدعى أنها موضوعة لذلك فلم تستعمل في غيره وقد استعملت (لا) للاستغراق الأبدي في قوله { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} فاطر: 36
وقوله {لا تأخذه سنة و لا نوم } البقرة: 255 { و لا يؤوده حفظهما} البقرة:255
وقوله { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ } الأعراف: 40
وغيره مما هو للتأبيد وقد استعملت فيه (لا) دون (لن) فهذا يدل على أنها لمجرد النفي والتأبيد يستفاد من دليل آخر)).






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
 
قديم 03-12-10, 01:30 PM   رقم المشاركة : 7
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


و قال السبكي في فتاويه (1/117-119):
((وأنا أقول إن (لن) أبلغ في حقيقة النفي والمبالغة فيه أول زمان النفي و (لا) أبلغ في الطرف الآخر وهو المستقبل مع اشتراكهما فيه
وورد التأبيد فيهما وإذا عرف ذلك في سورة البقرة قال {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } البقرة: 94
وهذا الشرط وصلة واحدة وهي نهاية مراد المؤمن وجزاؤها الأمر بتمني الموت لذلك ، لأنه إذا كانت نهاية المراد قد حصلت فلا مانع من تمني الموت الموصل إلى الدار الآخرة الخالصة التي ثبت حصولها لهم على هذا التقدير فحسن بعده ( لن) لأنها قاطعة بالنفي الآن المضاد للشرط الذي قدر حصوله الآن فالمقصود تحقيق النفي الآن وتأكيده
وإن امتد في المستقبل ولذلك قرن بالتأبيد فحصل تأكيدان أحدهما في الطرف الأول بـ(لن) والثاني في الطرف الآخر بالتأبيد

وفي سورة الجمعة قال {إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الجمعة: 6
فجعل الشرط أمرا مستقبلا قد يقع الزعم منهم غدا أو بعد غد
ورتب عليه الأمر بتمني الموت لأنه يلزم من كونهم أولياء حصول الدار الآخرة لهم وإن لم يدل عليها مطابقة كالآية الأولى فجاء الانتفاء للتمني المستقبل التي متى وقع الزعم علم انتفاء التمني فكان التأكيد فيه في الطرف الآخر فقط وكذلك صرح بالتأبيد ولم يؤت بصيغة (لن)
فإن قلت: فمن أين لك هذا الفرق بين (لن) و (لا) ولم يذكره النحاة وغاية ما ذكره بعضهم الاختلاف في أن (لن) أوسع أو (لا) أوسع وفي أن (لا) تختص بالمستقبل أو تحتمل الحال والاستقبال وهذا الذي قلته أنت من أن كلا منهما أبلغ من وجه لم يذكره أحد
قلت: وإن لم يذكروه فإنهم لم ينفوه ويؤخذ من استقراء مواردها
قال تعالى {فإن لم تفعلوا وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 24 {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} البقرة: 80
{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى } البقرة: 111
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة: 120 {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا } المائدة: 24 { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} الإسراء: 90 { فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً } الكهف: 57 { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } آل عمران: 111 { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } المائدة: 22 { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } الإسراء: 93 { وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً } الكهف: 20 { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ } الممتحنة: 3 {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي} يوسف: 80
وغير ذلك من الآيات
فانظر موارد هذه الآيات وقوة تحقيق النفي في الحال فيها وفي بعضها التأبيد لإرادة تقوية الطرفين وفي قوله { وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً } الكهف: 20 المقصود تحقيق النفي من ذلك الوقت إلى الأبد إن تأخر عن وقت الخطاب فالتأبيد من ابتداء زمانه إلى الأبد ولذلك احترزت في أول كلامي فلم أقل من الآن وأما (لا) فقال تعالى {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة: 30 لأن القصد نفي علمهم في المستقبل فلا يحسن هنا
وكذلك {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } البقرة: 123 ليس المقصود المبالغة في تأكيد النفي لأنه معلوم ، وقول موسى عليه السلام { لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} الكهف: 60 أي لا أبرح مسافرا ولعله قال قبل السفر فليس كقول أخي يوسف {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي} يوسف: 80 { وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء: 76 لما كان المستثنى الزمان الأول جاز (لا) والمستثنى في { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } آل عمران: 111 الفعل فكان (لن) مع تحقيق النفي في أول الأزمنة وانظر كيف وقع التعادل بين (لن ) و (لا) اشتركا في نفي المستقبل واختصت (لا) بنفي الحال والماضي واختصت(لن) بقوة النفي من ابتداء المستقبل وكذلك جاءت في قوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 لأن المقصود قوة نفي رؤيته ذلك الوقت في الدنيا ولم يجئ فيها التأبيد فلا صريح في دلالتهما على النفي في الآخرة ودلالة (لن) على النفي في أول أزمنة الاستقبال أقوى من دلالة (لا)
ودلالة (لا) على استغراق الأزمنة المستقبلة أقوى من دلالة (لن) لما في (لا ) من المد المناسب للمستقبل فلذلك نقول (لا) أوسع و(لن) أقوى وسعة (لا) في الظرف من المستقبل ويمده ما قبله إلى أول أزمنة الاستقبال وقد تستعمل في الحال وفي الماضي فصارت لجميع الأزمنة و(لن) لا تصلح إلا للمستقبل وهي باقية في أوله فظاهر( لن) باقية والمعادلة بين الحرفين من حكمة لسان العرب

والله أعلم انتهى ))

و قال حسن العطار في حاشيته على جمع الجوامع (1/457):
((الثاني والعشرون: ( لن) حرف نفي ونصب واستقبال للمضارع ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافا لمن زعمه أي زعم إفادتها ما ذكر كالزمخشري قال في المفصل كالكشاف هي لتأكيد نفي المستقبل
وفي الأنموذج لنفي المستقبل على التأبيد وفي بعض نسخه التأكيد والتأبيد نهاية التأكيد وهو فيما إذا أطلق النفي قال في الكشاف مفرقا فقولك لن أقيم مؤكد بخلاف لا أقيم كما في إني مقيم وأنا مقيم وقوله في شيء لن أفعله مؤكد على وجه التأبيد كقولك لا أفعله أبدا والمعنى أن فعله ينافي حالي كقوله تعالى { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73 أي خلقه من الأصنام مستحيل مناف لأحوالهم ا ه
وفي قول المصنف زعمه تضعيف له لما قال غيره إنه لا دليل عليه واستفادة التأبيد في آية الذباب وغيرها {وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} الحج: 47 من خارج كما في {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 وكون أبدا فيه للتأكيد كما قيل خلاف الظاهر
وقد نقل التأبيد عن غير الزمخشري ووافقه في التأكيد كثير حتى قال بعضهم إن منعه مكابرة ولا تأبيد قطعا فيما إذا قيد النفي نحو { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26 وترد للدعاء وفاقا لابن عصفور كقوله لن تزالوا كذلكم ثم لا زلت لكم خالدا خلود الجبال وابن مالك وغيره لم يثبتوا ذلك وقالوا ولا حجة في البيت لاحتمال أن يكون خبرا وفيه بعد ))

و قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد في علم الكلام (2/122):
(( قال الخامس : هذه ثانية الشبه السمعية وتقريرها أن الله تعالى خاطب موسى عليه السلام عند سؤاله الرؤية بقوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 وكلمة (لن) للنفي في المستقبل على سبيل التأبيد فيكون نصا في أن موسى عليه السلام لا يراه في الجنة أو على سبيل التأكيد فيكون ظاهرا في ذلك لأن الأصل في مثله عموم الأوقات وإذا لم يره موسى عليه السلام لم يره غيره إجماعا
والجواب: أن كون كلمة (لن) للتأبيد لم يثبت ممن يوثق به من أئمة اللغة وكونها للتأكيد وإن ثبت بحيث لا يمنع إلا مكابرة لكن لا نسلم دلالة الكلام على عموم الأوقات لا نصا ولا ظاهرا ولو سلم الظهور فلا عبرة به في العلميات سيما مع ظهور قرينة الخلاف وهو وقوعه جوابا لسؤال الرؤية في الدنيا على أنه لو صرح بالعموم وجب الحمل على الرؤية في الدنيا توفيقا بين الأدلة ))

و قال حافظ الحكمي في معارج القبول (1/361-362):
(( و من إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في النفي { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 حتى كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا مختلقا لفظه [ لن تراني في الدنيا و لا في الآخرة] و هو موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أئمة الحديث و السنة و لم يقل أحد من أئمة اللغة العربية إن نفي (لن) للتأبيد مطلقا إلا الزمخشري من المتأخرين قال ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال و جحود صفات الخالق جل و علا و قد رده عليه أئمة التفسير كابن كثير و غيره و رده ابن مالك في الكافية حيث قال
ومن يرى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد و سواه فاعضدا )) ا هـ

و قال الزركشي في معنى لا إله إلا الله (1/145-154):
((السابع والعشرون : ادعى بعض المشايخ الفضلاء أن (لا) لنفي الأبد و(لن) إلى وقت
وعكس بعضهم هذا المعنى وهم المعتزلة وزعموا أن (لن) تفيد النفي الأبدي واستدلوا بذلك على نفي الرؤية في قوله تعالى لموسى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143
نقله إمام الحرمين عنهم في الشامل ورد عليهم بقوله تعالى لليهود {فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 94-95
ثم أخبر عن عامة الكفرة أنهم يتمنون الموت في الآخرة فيقولون {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} الحاقة: 27 يعني الموت
قلت: والحق أن (لا) و (لن) معا لمجرد النفي عن الأفعال المستقبلية والتأبيد وعدمه يؤخذان من دليل آخر خارج عنهما
وإن استدلوا على أن (لن) للتأبيد بقوله تعالى {فإن لم تفعلوا وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 24 و { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73 عورضوا بقوله تعالى {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } البقرة: 255 و {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } البقرة: 255 {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} الأعراف: 40 ونحو ذلك مما هو للتأبيد وقد استعملت فيه (لا) دون (لن) فهذا يدل على أنهما لمجرد النفي والتأبيد وعدمه مستفادان من دليل آخر
والزمخشري من المعتزلة نص في كتابه الأنمودج على أن (لن) تفيد التأبيد ونص في الكشاف على أنها تفيد تأكيد النفي وكلاهما دعوى بلا دليل لما ذكرنا ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26
ولكان ذكر الأبد في قوله {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 تكرارا والأصل عدمه
وقد صرح الزمخشري بأن (لا) لا تفيد النفي الأبدي بل تنفي فعلا مستقبلا دخل عليه حرف التنفيس بخلاف (لن) وهذا المعنى وإن كان يشير إليه كلام سيبويه في تمثيله بسيفعل فإنما قصد الزمخشري بذلك توطئة لقاعدة استحالة الرؤية في الآخرة كما تقدم والآية إنما ينفي ظاهرها حصول الرؤية معاقبا للسؤال أو في الدنيا فإن السؤال إنما توجه نحو ذلك والجواب إنما يكون مطابقا للسؤال ولذلك لم يؤكد النفي فيه بالأبدية وأحيل على النظر إلى تجلي الآيات للجبل
الثامن والعشرون : قال بعض أهل البيان إن (لن) لنفي القريب و(لا) لنفي البعيد عكس مقالة الزمخشري وعلله بأن الألفاظ مشاكلة للمعاني والنفس يمتد في ألف (لا) أكثر من (لن) فاقتضت بعدا زائدا على (لن) يعني به أنها لما اختصت بزيادة مد اختصت بزيادة مدة
وهذا كما قيل في (ثم) إنها لما اختصت بزيادة في لفظها على الفاء اختص معناها بزيادة المهلة دون الفاء لأن كثرة الحروف مؤذنة بكثرة المعنى وبحسب المذهبين أولوا الآيتين في قوله تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} الجمعة: 7
و وجه القول الثاني البياني أن {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} الجمعة: 7 جاء بعد الشرط في قوله تعالى {إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ } الجمعة: 6 وحرف الشرط يعم كل الأزمنة فقوبل بـ (لا) ليعم ما هو جواب له أي متى زعموا ذلك في وقت ما فقل لهم { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الجمعة: 6
و {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 جاء بعد قوله {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } البقرة: 94 أي إن كانت قد وجبت الدار الآخرة فتمنوا الموت الآن استعجالا للكون في دار الكرامة التي أعدها الله تعالى لأوليائه وأحبابه وعلى وفق هذا القول جاء قوله تعالى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 ))






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
 
قديم 03-12-10, 01:32 PM   رقم المشاركة : 8
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


و قال ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (1/103):
((وقال في سورة البقرة {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 فقصر من سعة النفي وقرب لأن قبله {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } البقرة:94 لأن (إن) و(كان) هنا ليست من صيغ العموم لأن (كان) ليست بدالة على حدث وإنما هي داخلة على المبتدأ والخبر عبارة عن مضي الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث فكأنه يقول عز وجل: إن كان قد وجبت لكم الدار الآخرة وثبتت لكم في علم الله فتمنوا الموت الآن ثم قال في الجواب {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 فانتظم معنى الجواب بمعنى الخطاب في الآيتين جميعا وليس في قوله أبدا ما يناقض ما قلناه فقد يكون أبدا بعد فعل الحال تقول زيد يقوم أبدا
ومن أجل ما تقدم من قصور معنى النفي في (لن ) وطوله في (لا) يعلم الموفق قصور المعتزلة في فهم كلام الله تعالى حيث جعلوا (لن) تدل على النفي على الدوام واحتجوا بقوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 وعلمت بهذا أن بدعتهم الخبيثة حالت بينهم وبين فهم كلام الله كما ينبغي وهكذا كل صاحب بدعة تجده محجوبا عن فهم القرآن
وتأمل قوله تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } الأنعام: 103 كيف نفى فعل الإدراك بـ(لا) الدالة على طول النفي ودوامه فإنه لا يدرك أبدا وإن رآه المؤمنون فأبصارهم لا تدركه تعالى عن أن يحيط به مخلوق وكيف نفى الرؤية بـ (لن) فقال { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 لأن النفي بها لا يتأبد وقد كذبهم الله في قولهم بتأبيد النفي بـ (لن) بقوله {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } الزخرف: 77 فهذا تمن للموت فلو اقتضت (لن) دوام النفي تناقض الكلام كيف وهي مقرونة بالتأبيد بقوله {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة:95 ولكن ذلك لا ينافي تمنيه في النار لأن التأبيد قد يراد به التأبيد المقيد والتأبيد المطلق فالمقيد كالتأبيد بمدة الحياة مقيد كقولك والله لا أكلمه أبدا والمطلق كقولك والله لا أكفر بربي أبدا وإذا كان كذلك فالآية إنما اقتضت نفي تمني الموت أبد الحياة الدنيا ولم يتعرض للآخرة أصلا وذلك لأنهم لحبهم الحياة وكراهتهم للجزاء لا يتمنون وهذا منتف في الآخرة
فهكذا ينبغي أن يفهم كلام الله لا كفهم المحرفين له عن مواضعه قال أبو القاسم السهيلي: على أني أقول إن العرب إنما تنفي بـ( لن) ما كان ممكنا عند المخاطب مظنونا أنه سيكون فتقول له إن (لن) تكون لما ظن أنه يكون لأن (لن) فيها معنى (أن) ))

و قال السيوطي في همع الهوامع (2/365-366):
((وتنصب ( لن) المستقبل أي أنها تخلص المضارع إلى الاستقبال وتفيد نفيه ثم مذهب سيبويه والجمهور أنها تنفيه من غير أن يشترط أن يكون النفي بها آكد من النفي بـ(لا)
وذهب الزمخشري في مفصله إلى أن ( لن) لتأكيد ما تعطيه (لا) من نفي المستقبل
قال تقول: لا أبرح اليوم مكاني فإذا أكدت وشددت قلت لن أبرح اليوم قال تعالى {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } الكهف: 60 وقال {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي} يوسف: 80
وذهب الزمخشري في أنموذجه إلى أنها تفيد تأبيد النفي
قال فقولك لن أفعله كقولك لا أفعله أبدا ومنه قوله تعالى { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج: 73
قال ابن مالك وحمله على ذلك اعتقاده في { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 أن الله لا يرى وهو باطل
ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26
ولم يصح التوقيت في قوله { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} طه: 91
ولكان ذكر الأبد في قوله {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 تكرار إذ الأصل عدمه
وبأن استفادة التأبيد في آية { لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً} الحج:73 من خارج
و قد وافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه ووافقه على إفادة التأكيد جماعة منهم ابن الخباز بل قال بعضهم إن منعه مكابرة فلذا اخترته دون التأبيد
وأغرب عبد الواحد الزملكاني فقال في كتابه التبيان في المعاني والبيان إن (لن ) لنفي ما قرب و(لا) يمتد معنى النفي فيها
قال وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني و(لا) آخرها ألف والألف يكون امتداد الصوت بها بخلاف النون ونقل ذلك عنه ابن عصفور وأبو حيان ورداه ))

و قال الزبيديُّ في تاج العروس (36/129-130):
(( ولا تُفِيدُ تَوْكِيداً لنَفْي ولا تَأْبِيدَه خِلافاً للزَّمَخْشَرِيِّ فيهما في قَوْلِه تعالى { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 وهُما دَعْوَى بلا دليلٍ وفيه دَسِيسَةٌ اعْتِزاليَّةٌ حَمَلَتْه على نَفْي الرُّؤْيَةِ على التَّأْبِيدِ ولو كانتْ للتَّأْبِيدِ لم يُقَيَّدْ مَنْفِيُّها باليومِ في قوْلِه { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26 ولَكانَ ذِكْرُ الأبَدِ في قَوْلِه تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة:95 تَكْراراً والأَصْلُ عَدَمُهُ كما صرَّحَ به غيرُ واحِدٍ ومَرَّ تَحْقِيقُه في الراءِ ))

قال ابن الجوزي في زاد المسير (3/256) :
(( قوله { لَن تَرَانِي } الأعراف: 143 تعلق بهذا نفاة الرؤية ، وقالوا (لن) لنفي الأبد ، وذلك غلط ؛ لأنها قد وردت وليس المراد بها الأبد في قولـــه {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } البقرة: 95 ثم أخبر عنهم بتمنيه في النار بــــقولـــــه {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } الزخرف: 77 ولأن ابن عباس قال في تفسيرها : لن تراني في الدنيا ))

ويقول القواس كما في شرح ألفية ابن معطي (1/ 339):
(( وأما (لن) فلنفي المستقبل ، وقيل :إنها لتأبيد النفي ، ويبطله قوله تعالى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 لأنها لوكانت موضوعة للتأبيد لما احتيج إليه ؛ ولأنها نزلت في حق اليهود ، ونفي تمني الموت مختص بالدنيا ؛ لأنهم يتمنونه في الآخرة بدليل قوله {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } الزخرف: 77))

ويقول المرادي كما في توضيح المقاصد والمسالك (4/173):
(( فأما (لن) فحرف نفي ينصب المضارع ، ويخلصه للاستقبال ، ولا يلزم أن يكون مؤبداً خلافاً للزمخشري ذكر ذلك في أنموذجه))

قال السهيلي في نتائج الفكر ص(130):
((ومن خواصها أنها تنفي ما قرب لا يمتدّ معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف (لا) إذا قلت :لا يقوم زيد أبداً ، فحرف (لا) لام بعدها ألف يمتد بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفس ، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها ، و(لن) بعكس ذلك فتأمّله فإنه معنى لطيف ، وغرض شريف))

وقال الإمام ابن قيِّم الجوزية في بدائع الفوائد (1/95):
((قلت لشيخنا أبي العباس ابن تيمية قدّس الله روحه : قال ابن جني مكثت برهة إذا ورد عليّ لفظ آخذ معناه من نفس حرفه وصفاته وجرسه وكيفية تركيبه ، ثم أكتشفه كما ظننته أو قريباً منه فقال رحمه الله : وهذا كثيراً ما يقع لي ، وتأمل حرف (لا) كيف تجدها لاماً بعدها ألف يمتدّ بها الصوت مالم يقطعه ضيق النفس فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها ، و(لن) بعكس ذلك فتأمله فإنه معنى بديع))







التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
 
قديم 03-12-10, 01:33 PM   رقم المشاركة : 9
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


تحقيقُ مذهب الزمخشري


اختلف أهل العلم في نسبة القول بالتأبيد في (لن) للزمخشري إلى أربعة أقوال و السبب الحامل لهم على ذلك هو اختلاف النسخ و تغايرها
قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط (1/249):
((..{وَلَن تَفْعَلُواْ} البقرة: 24 جملة اعتراض فلا موضع لها من الإعراب وفيها من تأكيد المعنى ما لا يخفى لأنه لما قال فإن لم تفعلوا وكان معناه نفي في المستقبل مخرجاً ذلك مخرج الممكن أخبر أن ذلك لا يقع وهو إخبار صدق فكان في ذلك تأكيد أنهم لا يعارضونه واقتران الفعل بـ(لن) مميز لجملة الإعتراض من جملة الحال لأن جملة الحال لا تدخل عليها (لن) وكان النفي بـ(لن) في هذه الجملة دون (لا) وإن كانتا أختين في نفي المستقبل لأن في (لن) توكيداً وتشديداً تقول لصاحبك لا أقيم غداً فإن أنكر عليك قلت لن أقيم غداً كما تفعل في أنا مقيم وإنني مقيم قاله الزمخشري
وما ذكره هنا مخالف لما حكي عنه أن (لن) تقتضي النفي على التأبيد))

قال الأربلي كما في شرح الأنموذج ص(233 ) :
((قال - أي الزمخشري في الأنموذج- و(لن) نظيرة (لا) في نفي المستقبل ولكن على التأكيد ، أقول : إذا أردت نفي المستقبل مطلقاً قلت :لا أضرب مثلاً ، وإذا أردت نفيه مع التأكيد قلت لن أضرب مثلاً ، وفي بعض النسخ للتأبيد بدل قوله للتأكيد))

وقال مصطفى الموستاري ـ وهو من شرّاح الأنموذج المتأخرين ـ الفوائد العبدية :76 / ب (مخطوط) [عن إبراهيم بن سليمان البعيمي في بحثه قضايا لن في النحو العربي ]
((تقول لا أبرح اليوم مكاني ، فإذا وكَّدت وشـددت قلت : لن أبرح اليوم مكاني قال تعالى {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } الكهف: 60 وقال {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي} يوسف: 80
وقد وقع في بعض النسخ التأبيد بدل التأكيد وهو مبني على مذهب أهل الاعتزال))

و لنبدأ بعرض الأقوال و القائلين بها فنقول و بالله وحده نستعين:

القول الأول : إثباتُ نسبتها له و هذا الذي عليه جماهيرُ العلماء و الأدباء

قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية ( 3/1531):
((ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقولَه اردد وخلافَه اعضدا
.......ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بلن وهو الزمخشري في أنموذجه ، وحامله على ذلك اعتقاده أن الله تعالى لا يرى، وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني ثبوت الرؤية جعلنا الله من أهلها ، وأعاذنا من عدم الإيمان بها)) )

وقال ابنه بدر الدين كما في شرح التسهيل (4/14) : ((وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لنفي التأبيد))

وقال ابن هشام في أوضح المسالك (4/136) :
(( (لن) وهي لنفي سيفعل ولا تقضي تأبيداً ولا تأكيداً خلافاً للزمخشري))
وقال في شرح قطر الندى ص (112):
(( (لن) حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق ، ولا يقتضي تأبيداً ، خلافاً للزمخشري في أنموذجه ، ولا تأكيداً خلافاً له في كشافه))

ويقول المرادي كما في الجنى الداني ص (270 ):
(( ولا يلزم أن يكون نفيها مؤبداً خلافاً للزمخشري))
وقال أيضاً كما في توضيح المقاصد والمسالك (4/173):
((فأما (لن) فحرف نفي ينصب المضارع ، ويخلصه للاستقبال ، ولا يلزم أن يكون مؤبداً خلافاً للزمخشري ذكر ذلك في أنموذجه))

وقال ابن الناظم كما في شرح التسهيل (4/14):
((وذكر الزمخشري في أنموذجه أن لن لنفي التأبيد))

القول الثاني : و هو أنه لم يقله :

يقول د إبراهيم بن سليمان البعيمي في بحثه قضايا لن في النحو العربي :
(( يقول الأسفندري - وهو أحد شرّاح المفصل - : ((قال رضي الله عنه : فصل ولن لتأكيد ما تعطيه لا إلى آخره (حم) قال صاحب الكتاب : لن كـ(لا) في النفي إلا أن في لن معنى التأكيد وليس كما يزعم القوم أنها للتأبيد ؛ إذ لو كانت كذلك لما جاز فيه التحديد كما في الآية التي تليت عليك )) شرح المفصل : 146/ أ (مخطوط)
والأسفندري يرمز بــ(حم) لحاشيةٍ على المفصل منسوبةٍ للزمخشري نفسه ، فلئن صحَّت نسبة الحاشية إليه فذلك إما براءةٌ مما نسب إليه ، أو رجوع منه عما كان يعتقده
وقد كتب الأستاذ الدكتور أحمد عبد اللاه هاشم بحثاً عنوانه (قضية لن بين الزمخشري والنحويين) في ستٍ وأربعين صحيفة من القطع المتوسط ونشره في دار التوفيقية بمصر عام 1979م ذهب في بحثه إلى أن تحريفاً وقع في بعض نسخ الأنموذج للزمخشري إذ يرى أن كلمة تأكيد تحرفت إلى تأبيد في بعض النسخ ، لاسيما أن رسم الكلمتين متقارب ، فبينهما ما يسمّى الجناس اللاحق ، ثم حمل عليه معارضوه ، وساعدهم على ذلك سوء معتقد الرجل
والذي بين أيدنا من الأنموذج ليس فيه ذكر للتأبيد قال : ((و(لن) نظيرة لا في نفي المستقبل ولكن على التأكيد)) الأنموذج : 32 ))

القول الثالث : أنه قاله ثم تراجع عنه

قال أبو حيان في تفسيره البحر المحيط (8/264):
(( قال الزمخشري ولا فرق بين (لا) و(لن) في أن كل واحد منهما نفي للمستقبل إلا أن في (لن) تأكيداً وتشديداً ليس في (لا) فأتى مرة بلفظ التأكيد {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 ومرة بغير لفظه {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} الجمعة:7 وهذا منه رجوع عن مذهبه في أن (لن) تقتضي النفي على التأبيد إلى مذهب الجماعة في أنها لا تقتضيه وأما قوله إلا أن في (لن) تأكيداً وتشديداً ليس في (لا) فيحتاج ذلك إلى نقل عن مستقري اللسان ))

القول الرابع : أنه قاله و قصد بالتأبيد الزمن الطويل

قال الزركشي في البحر المحيط في أصول الفقه (2/42):
(( (لَنْ )
تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَتُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ لَنْ يَقُومَ زَيْدٌ وَهِيَ تُفِيدُ تَأْكِيدَ مُطْلَقِ النَّفْيِ وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الْكَشَّافِ أنها تُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ وَوَافَقَهُ ابن الْخَبَّازِ وفي الْأُنْمُوذَجِ تَأْبِيدَهُ وَوَافَقَهُ أبو جَعْفَرٍ الطُّرْسِيُّ وقال ابن مَالِكٍ حَمَلَهُ عليه اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى وهو بَاطِلٌ وَيَظُنُّ كَثِيرٌ تَفَرُّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ لَكِنْ جَزَمَ ابن الْخَشَّابِ في كِتَابِهِ الْعَوْنِيِّ بِأَنَّهُ لم يَجْعَلْ التَّأْبِيدَ عِبَارَةً عن الذي لَا يَنْقَطِعُ بَلْ عن الزَّمَنِ الطَّوِيلِ وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ مُوَافَقَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ أَيْضًا وَأَنَّ ذلك مَوْضُوعُ اللُّغَةِ وَلَوْ على هذا الْمَنْفِيِّ بِمُجَرَّدِهِ لِتَضَمُّنِ أَنَّ مُوسَى لَا يَرَاهُ أَبَدًا وَلَا في الْآخِرَةِ لَكِنْ قام الدَّلِيلُ من خَارِجٍ على ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ في الْآخِرَةِ وقد رُدَّ على الزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّهَا لو كانت لِلتَّأْبِيدِ لم يُقَيَّدْ مَنْفِيُّهَا بِالْيَوْمِ في قَوْله تَعَالَى { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً} مريم: 26 وَلَكَانَ ذَكَرَ التَّأْبِيدَ في قَوْله تَعَالَى {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } البقرة: 95 تَكْرَارٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ))







التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
 
قديم 03-12-10, 01:34 PM   رقم المشاركة : 10
أبو عبد الله الأثري
مشترك جديد






أبو عبد الله الأثري غير متصل

أبو عبد الله الأثري is on a distinguished road


فهذه مجمل الأقاويل في مذهب الزمخشري في (لن) التي تنسبُ إليه ، و لا ريب أن المنهج العلمي الصحيح يتطلبُ التحري و التدقيق قبل نسبة القول لصاحبه أو نفيه عنه و الذي خلصتُ إليه الآن ـ و الأمر لا يزال يحتاجُ إلى تحرير ـ أن الزمخشري ـ رحمه الله ـ لم يقل بذلك و الذين أثبتوه عنه إنما اعتمدوا على :

1 ـ ثبوت لفظة التأبيد في بعض نسخ الأنموذج
2 ـ كونه معتزليا و التأبيد قول المعتزلة

و الذي يردُّ به عن الأول هو ثبوت لفظة التأكيد في بعض نسخ الأنموذج أيضا و ترجيح إحدى اللفظتين على الأخرى يحتاج إلى دليل
و قد قام الدليل و اتضح البرهان بالحكم للتأكيد على التأبيد ، فإن الأنموذج ما هو إلا مختصرٌ و عصارةٌ للكتاب الأصل [ المفصّل] و الذي في المفصّل أن (لن) على التأكيد لا التأبيد ، و يؤيده أن شرّاح المفصل كالأسفندري و غيره إنما ذكروا التأكيد لا التأبيد
بل الزمخشري في تفسيره الكشاف لم يذكر إلا التأكيد و لا وجود للتأبيد فيه ، نعم قد يوجد في بعض المواطن ما يمكن أن يفهم منه هذا القول كما في تفسير سورة البقرة الآيتين 80 و 81 إذ يقول (1/185)[ (1/78) ] : (({بَلَى} إثباتٌ لما بعد حرف النفي و هو قوله {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ} أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ})
و لكنّه معارضٌ بمواطن أخرى يفهم منها عكس ما يفهم من هذا الموطن كما في تفسير قوله تعالى
{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } المائدة: 24
إذ يقول (1/655) [(2/21)] : (({لَن نَّدْخُلَهَا} نفي لدخولهم في المستقبل على وجه التأكيد المؤيس و { أَبَداً} تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول و { مَّا دَامُواْ فِيهَا} بيان للأبد) ))

و لستَ تجدُ في شيء من كتب الزمخشري قولا يقول فيه بالتأبيد إلا ما يذكر عنه في هذا الموطن المختلف فيه و هو ما ترجّحُ فيه الدلائل المتوافرة التأكيد على التأبيد موافقة لما ورد في سائر مصنفاته و هو ما يرجّحُ احتمال التصحيف من (التأكيد) إلى (التأبيد) لما بينهما من تشابه في الرسم و لعل بعض من نسخ الأنموذج استحضر أثناء نسخه مذهب الزمخشري الاعتزالي فحمله ذلك على نسخ هذه اللفظة (التأبيد) بدل (التأكيد) لعلّة منعت وضوح هذه العبارة

و يردُّ عن الثاني و هو استصحاب حال الزمخشري الاعتزالي بأن المعتزلة ما قالوا قولتهم تلك و لا زبروها إلا دفاعا عن عقدهم الأفين و فكرهم السقيم ، في نفي رؤية الباري في جنات النعيم ، مستدلين بقوله تعالى لموسى عليه السلام { لَن تَرَانِي } الأعراف 143 على أنه نفي للرؤية أبد الآبدين ، فهل استدل الزمخشري بهذه القاعدة في هذا الموطن ؟؟!!

قال الزمخشري في الكشاف (2/143 ـ 148) :
(( { أرني انظر إليك} الأعراف 143 ثاني مفعولي أرني محذوف أي أرني نفسك أنظر إليك
فإن قلت الرؤية عين النظر فكيف قيل { أَرِني أنْظُرْ إِلَيك }
قلت : معنى أرني نفسك اجعلني متمكناً من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك
فإن قلت : فكيف قال { لَن تَرَانِي } ولم يقل لن تنظر إليّ لقوله { أنْظُرْ إِلَيك }
قلت : لما قال { أَرِني } بمعنى اجعلني متمكناً من الرؤية التي هي الإدراك علم أن الطِّلْبَة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه فقيل { لَن تَرَانِي } ولم يقل لن تنظر إليّ
فإن قلت : كيف طلب موسى عليه السلام ذلك وهو من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس وذلك إنما يصحّ فيما كان في جهة وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة ومنعُ المجبرة إحالته في العقول غير لازم لأنه ليس بأوّل مكابرتهم وارتكابهم وكيف يكون طالبه وقد قال حين أخذت الرجفة الذين قالوا { أَرِنَا اللَهَ جَهْرَةً} النساء : 153 { أتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } الأعراف : 155 إلى قوله { تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاء } الأعراف : 155 فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالاً
قلت : ما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالاً وتبرأ من فعلهم وليلقمهم الحجر وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا لا بدَّ و {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} البقرة : 55 فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله { لَن تَرَانِي } ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة فلذلك قال { أَرِني أنْظُرْ إِلَيك }
فإن قلت : فهلا قال أرهم ينظروا إليك
قلت : لأنّ الله سبحانه إنما كلم موسى عليه السلام وهم يسمعون فلما سمعوا كلام رب العزّة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه كما أسمعه كلامه فسمعوه معه إرادة مبنية على قياس فاسد فلذلك قال موسى { أَرِني أنْظُرْ إِلَيك } ولأنه إذا زجر عما طلب وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى وقيل له لن يكون ذلك كان غيره أولى بالإنكار لأنّ الرسول إمام أمته فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعاً إليهم وقوله { أنْظُرْ إِلَيك } وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم دليل على أنه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم وجلّ صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه مقابلاً بحاسة النظر فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والنظام وأبي الهذيل والشيخين وجميع المتكلمين
فإن قلت : ما معنى ( لَن) قلت تأكيداً النفي الذي تعطيه ( لا ) وذلك أن (لا) تنفي المستقبل تقول لا أفعل غداً فإذا أكدت نفيها قلت لن أفعل غداً والمعنى أنّ فعله ينافي حالي كقوله { لَنْ يَخْلُقوا ذُبَابًا ولَو اجْتَمَعُوا لَهُ } الحج : 73 فقوله { لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَار } الأنعام : 103 نفي للرؤية فيما يستقبل و { لَن تَرَانِي } تأكيد وبيان لأنّ المنفي مناف لصفاته
فإن قلت كيف اتصل الاستدراك في قوله { ولَكِنْ اُنْظُر إلَى الجَبَلِ } بما قبله
قلت : اتصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من علم أثره كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله { وتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا أنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا } مريم :90ـ91 {فَإِن اسْتَقرَّ مَكَانَهُ } كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهاته { فَسَوْفَ تَرَانِي } تعليق لوجود الرؤية موجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدركه دكاً ويسويه بالأرض وهذا كلام مدمج بعضه في بعض وارد على أسلوب عجيب ونمط بديع ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك ثم كيف بنى الوعيد بالرجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية أعني قوله { فَإن اسْتقرَّ مَكانهُ فسَوْفَ ترَانِي } لما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته { جَعَلَهُ دَكَّا} أي مدكوكاً مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير والدكّ والدقُّ أخوان كالشك والشقِّ وقُرىء {دَكَّآءَ} والدكاء اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكّة أو أرضاً دكاء مستوية ومنه قولهم ناقة دكاء متواضعة السنام وعن الشعبي قال لي الربيع بن خثيم ابسط يدك دكاء أي مدّها مستوية وقرأ يحيى بن وثاب {دَكًا} أي قطعاً دكا جمع دكاء { و خَرَّ موسَى صَعِقًا} من هول ما رأى وصعق من باب فعلته ففعل يقال صعقته وأصله من الصاعقة ويقال لها الصاقعة من صقعه إذا ضربه على رأسه ومعناه خرّ مغشياً عليه غشية كالموت وروي أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزّة { فَلَمَّا أَفَاقَ} من صعقته { قَالَ سُبْحَانَك} أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها {تُبْتُ إِلَيْكَ} من طلب الرؤية { و أَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ} بأنك لست بمرئيّ ولا مدرك بشيء من الحواس
فإن قلت: فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فممّ تاب
قلت: من إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه من غير إذن فيه من الله تعالى فانظر إلى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية وكيف أرجف الجبل بطالبها وجعله دكاً وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال { أَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ} ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنّة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهما والقول ما قال بعض العدلية فيهم
لَجَمَاعَةٌ سَموْا هَواهُمْ سُنَّة .............. وَجَمَاعَةٌ حُمْرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَه
قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ وَتَخَوَّفُوا .............شَنْعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالبَلْكَفَهْ
(1)

وتفسير آخر وهو أن يريد بقوله { أَرِني أنْظُرْ إِلَيك } عرّفني نفسك تعريفاً واضحاً جلياً كأنها إراءة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك { أنْظُرْ إِلَيك } أعرفك معرفة اضطرار كأني أنظر إليك كما جاء في الحديث (( سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر )) بمعنى ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى { قَالَ لَن تَرَانِي }
أي لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ولن تحتمل قوّتك تلك الآية المضطرة { ولَكِنْ اُنْظُر إلَى الجَبَلِ } فإني أورد عليه وأظهر له آية من تلك الآيات فإن ثبت لتجليها واستقرّ مكانه ولم يتضعضع فسوف تثبت لها وتطيقها { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلجَبَلِ} فلما ظهرت له آية من آيات قدرته وعظمته { جَعَلَهُ دَكَّا و خَرَّ موسَى صَعِقًا} لعظم ما رأى { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَك تُبْتُ إِلَيْكَ} مما اقترحت وتجاسرت { و أَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ} بعظمتك وجلالك وأن شيئاً لا يقوم لبطشك وبأسك )) ا هـ كلام الزمخشري (2)

هذا ما قاله الزمخشري عند هذه الآية و لم يزد عليه !! ، و ليس فيه ما ذكروه عنه من التأبيد في (لن)

و لفهم كلامه هنا و توضيحه نذكرُ قوله فيما جعله كالمثال لهذا الموضع و هو قوله تعالى {لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً } الحج 73
فقد قال الزمخشري فيها الكشاف (4/92) (( (لن) أخت (لا) في نفي المستقبل إلا أن (لن) تنفيه نفيا مؤكدا و تأكيده ها هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم كأنه قال محالٌ أن يخلقوا ))

فدلنا هذا كله على عدم استدلال الزمخشري بالتأبيد في (لن) في هذا الموطن بل أسس استدلاله و بناه على نفي الرؤية بجعل الرؤية منافية لصفة الله التي هي الألهية ، و لو كان من القائلين على أن ( لن) تفيد التأبيد لما فوّت هذا الموضع على نفسه ، و لكان ذلك عمدة استدلالاته فمن الغريب و العجب العجيب أن لا يستدل بالتأبيد في (لن) في هذا الموضع و هي لم تجعل مؤبدة إلا لأجله!!!
فحيثُ لم يستدل في هذا الموضع بالتأبيد دل على عدم قوله به و بالله التوفيق

و لا يلزم الزمخشري في معتقده الاعتزالي أن يكون موافقا لأرباب هذا المذهب في مباحثهم اللسانية ، فإن التأبيد من جملة الاستدلالات ـ عند المعتزلة ـ في نفي الرؤية و ليس هو الدليل الوحيد ـ عندهم ـ حتى يلزم نافي الرؤية القول بالتأبيد
و مما تقدم يعلم براءة الزمخشري من لن المنسوبة إليه و أنه لم يقلها في شيء من كتبه فضلا عن أن يتراجع عنها
و لقد أبعد النجعة د إبراهيم بن سليمان البعيمي في بحثه (قضايا لن في النحو العربي ) إذ يقول : (( وأقول: الذي يظهر لي -والله أعلم - أن الرجل قد كتبها في النسخ القديمة من أنموذجه (التأبيد)ولم يقع في بعض النسخ تحريف، كما ذهب إليه الدكتور أحمد هاشم ، ثم طارت تلك النسخ مع تلامذتة في الآفاق ، وعزاها إليه ابن مالك وغيره بناء على تلك النسخ ، والمعروف عن الزمخشري أنه كان باقعة في الدهاء فخشي ألا يُنْظَرَ في كتابه إن أبقاها ، فغيَّرها في النسخ اللاحقة إلى تأكيد ، ولاسيما أنَّ له في مثل هذا العمل سابقةً ، إذ يُرْوَى أنه افتتح كتابه الكشاف بقوله: ((الحمد لله الذي خلق القرآن)) فقيل له: إنْ أبقيتها لم ينظر أحد في كتابك فغيّرها )) (3)

فإنه لم يكن يعرف لأصحاب المصنفات أنهم كانوا يكتبون نسخا عديدة لمصنف صنّفوه ، و إنما ذلك فعل النساخ لا فعل المصنفين ، و قد عرف عن الزمخشري تعصّبه لمذهبه و مفاخرته به ،
قال ابن خلكان في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (5/170) :
(وكان الزمخشري المذكور معتزلي الاعتقاد متظاهرا به حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن قل له أبو القاسم المعتزلي بالباب))
و قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام (36/489) : ( وكان متظاهراً بالاعتزال)
و في (36/490) : (كان داعية إلى الاعتزال والبدعة)

فيبعدُ جدا بمن كان هذا حاله أن ينكص على عقبيه في لفظة مغمورة في كتاب ؟؟!!
بل إن المتأمل ليعلم أن من ملأ كتبه بثلب أهل السنة و ذمهم بشتى الألقاب كتسميته إياهم بالمجبرة في نحو اثنين و عشرين موضعا من كتابه الكشاف و جعل مذهبهم كمذهب اليهود و كيله لهم أنواع السباب و الشتم
و كتسميته إياهم بالحشوية يستبعد منه أن يتراجع عن لفظة مغمورة قد لا يراها إلا القليل و لا يتفطّنُ لها إلا الحذّاق !!
فإن تلك الألقاب و أنواع السباب أدعى لهجر كتبه من لفظة التأبيد فكيف يثبتها و يتراجع عما هو دونها؟؟!!
و ليسَ فيما ذكرَهُ من استحالة الرؤية لمنافاة الحال ما يستلزم النفي بـ(لن) فقد ذكر الزمخشري مثل هذا الاستدلال في مواطن خلت من (لن) ، فقد ذكر في تفسيره لقوله سبحانه عن الشيطان حكاية عنه {قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} الحجر : 33
قال : [الكشاف (2/541)]
((اللام في { لاِسْجُدَ } لتأكيد النفي ومعناه لا يصحّ مني وينافي حالي ويستحيل أن أسجد لبشر ))
و قال في تفسير قوله تعالى {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } الأعراف: 101 [الكشاف (2/128)] :
(( { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } عند مجيء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات الله من قبل مجيء الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أوّلاً حين جاءتهم الرسل أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرين لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم في كفرهم وعنادهم مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات ومعنى اللام تأكيد النفي وأنّ الإيمان كان منافياً لحالهم في التصميم على الكفر وعن مجاهد هو كقوله { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } الأنعام : 28 ))
و قال في تفسير قوله تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود : 117
[الكشاف (3/429)] :
(( فنصّ في قوله {بِظُلْمٍ } أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلماً منه وأنّ حاله في غناه وحكمته منافية للظلم دلّ على ذلك بحرف النفي مع لامه كما قال الله تعالى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } البقرة : 143 ))

فتبيّن من هذه النقول جميعها أن الزمخشري بريء من (لن) المنسوبة إليه ، و أن استدلاله في نفي رؤية الله عز و جل قائم على منافاتها لحال الإلهية ، و لا يلزم من الاستدلال بالمنافاة القول بالتأبيد في حرف النفي (لن) لأنه لو لزم ذلك في هذا الموضع للزم مثله في غير حروف النفي كما سبق ذكرهُ في الآيات
و بهذا ينتهي الغرض مما أردته بهذا الموضوع من هدم أصلٍ من أصول الاستدلال عند المعتزلة و من وافقهم في نفي رؤية الباري جل في علاه ، و من بيان طريقة أهل السنة السنية و مخالفتها للطرق الردية ، و أن عقائدهم قد دلت عليها نصوص الكتاب و السنة و الفطر السليمة و العقول المستقيمة ، فهم أسعد الناس بالحجة و ألزمهم للمحجة ، نسألُ الباري جل في علاهُ أن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء نبينا عليه الصلاةُ و السلام

و سبحانك اللهم و بحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك

كتبهُ
أبو عبد الله الأثري

عفا الله عنه بمنه و كرمه




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال أبو حيّان الأندلسي في تفسيره الموسوم بالبحر المحيط (4/384 ـ 385) :

وهو تفسير على طريقة المعتزلة وسبّ لأهل السنة والجماعة على عادته وقد نظم بعض علماء السنة على وزن هذين البيتين وبحرهما أنشدنا الأستاذ العلامة أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير بغرناطة إجازة إن لم يكن سماعاً ونقلته من خطّه قال أنشدنا القاضي الأديب العالم أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه القاضي أبي بكر من نظمه :

شبـهت جـهلاً صـدر أمــة محمــد............وذوي البصائر بالحمير المؤكفه
وزعمـت أن قـد شبّهــوا معبودهـم............وتخـوّفـوا فتستـروا بالـبلكـفـــــه
ورميتهــم عن نبعــة سويتهـــــــــا............رمْي الوليد غدا يمزق مصحفــه
وجب الخسار عليك فانظر منصفا............في آية الأعراف فهي المنصفـــه
أتـرى الكليــم أتـى بجهــل ما أتـى............وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه
وبـآية الأعــراف ويلك خذلتــــــم.............فوقـفـتم دون المراقي المزلفــــه
لـو صحّ في الإسلام عقدك لم تقل............بالمذهب المهجورمن نفي الصفه
إن الــوجوه إليــه ناظـــرة بـــــذا.............جـاء الكتـاب فقلتـم هـذا السّفــــه
فالـنفي مختص بـدار بعـدهـــــــا..............لك لا أبا لك موعداً لـن تخلفـــه

وأنشدنا قاضي القضاة أبو القاسم عبد الرحمن بن قاضي القضاة أبي محمد بن عبد الوهاب بن خلف العلامي بالقاهرة لنفسه :

قالــوا يريد ولا يكون مـــراده ............عدلوا ولكن عن طريق المعرفه


(2) سيأتي الكلام على مسألة الرؤية و الرد على شبهات المعتزلة و غيرهم في بحثٍ مستقلٍّ بإذن الله
(3) في ثبوت هذا عن الزمخشري نظر و ذلك أنه لم تذكر هذه الحادثة عنه إلا في كتب يسيرة لا تجاوز أصابع اليد الواحدة !! و مع ذلك حصل بين هذه المصادر اضطراب ففي الوقت الذي يثبتُ الذهبي في تاريخ الإسلام (36/489) أن هناك تغييرا واحدا من (خلق القرآن) إلى ( جعل القرآن) و أنه من إصلاح المصنف الزمخشري نفسه ، يخالفه صاحبُ مرآة الجنان (3/270) إلى أن التغيير كان من (خلق القرآن) إلى ( أنزل القرآن) و أن المغييّر هو الزمخشري و قد يكون من إصلاح غيره ، ثم يخالف هذين جميعا ابن خلكان في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (5/170) حيثُ يثبتُ وقوع تغييرين
الأول من (خلق القرآن) إلى (جعل القرآن) و الذي غيّرهُ هو الزمخشري
و الثاني إلى ( أنزل القرآن) و عزاهُ إلى الناس
و هذه القصة مع قلة من ذكرها و اختلافهم فيها لا ينبغي أن يعتمدَ عليها فضلا عن أن يلحق بها غيرها و الله أعلم






التوقيع :
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى نفاة الرؤية : نريد دليلكم الصريح من القرآن الكريم
»» القول المفيد في أن لن لا تفيد التأبيد وتحقيق مذهب الزمخشري في ذلك
»» إلى مسقط الإباضي هل يمكنك أن تثبت هذا الادعاء ؟
»» قَاعِدَةٌ لِسَانِيَّةٌ تُبْطِلُ تَأْويلَ الفَوْقِيَّةِ في بَعْضِ آيِ الكِتَاب
»» إلى من يتهم أهل السنة بالتجسيم تفضل
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:18 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "