وهذا ما وجدته في موقعا آخر و لكن بدون صور
أسرار وغموض وسط هدوء الطبيعة الخلابة
في منطقة جبلية نائية تقع الى الشمال الشرقي من محافظة كلستان (شمالي ايران)، وعلى قمة مرتفع ذو سفح أخضر هادئ، تتراءى للناظر مقبرة تأخذ الانسان الى عمق التاريخ بغموضه وأسراره. تضم هذه المقبرة قبوراً فريدة في نوعها عليها أحجار قائمة بشكل أعمدة صخرية قد يصل إرتفاع بعضها الى خمسة أمتار ما زال عمرها مجهولاً لغاية الآن.
إنها ( مقبرة النبي خالد ) التي يبلغ عدد الأعمدة الصخرية على قبورها 600 عمود يتراوح ارتفاعها بين نصف المتر والخمسة أمتار ويزيد قطرها عن 50 سنتيمتراً ووزنها طنان، حيث يعطي منظرها للناظر إنطباعاً ومشهداً مفعماً بالأسرار والغموض.
وعن النتائج التي استخلصها من دراساته وبحوثه الحقلية ومن مطالعة الكتب والتقارير ذات الصلة بالموضوع يقول الخبير الآثاري المتخصص في آثار محافظة كلستان علي رضا حصارنوي: إن أحجار قبور هذه المقبرة يمكن تقسيمها الى ثلاثة أنواع عامة هي:
النوع الأول- أسطواني مرتفع وقائم بصورة عمودية ذو مقطع دائري، وهذه الأحجار تشبه في بعض الأحيان شمعة صغيرة متحجرة كما أن لبعضها رأساً يشبه الخوذة. لا يقل إرتفاع هذا النوع من الأعمدة عن المتر الواحد ولا يزيد عن خمسة أمتار فيما يبلغ إرتفاعها المرئي عن سطح الأرض بين 60 سنتيمتراً الى 4 أمتار ومن المحتمل أن تكون مخصصة لقبور الرجال.
النوع الثاني- صليبي الشكل أو على شكل نصف كرة إرتفاعها أقل من النوع الأول. وهذا النوع من الأحجار ذو مقطع مستطيل الشكل، وهي معلقة من الأعلى للأسفل من القسم العريض والدائري فيها. وهي تشبه بشراً واقفين متخصرين (واضعين أيديهم على خصرهم) ويحتمل أن تكون أحجار القبور هذه خاصة بقبور النساء.
أما النوع الثالث من أحجار القبور فهي تلك التي على شكل قرن التيس والتي يقول عنها حصارنوي بأن عددها أقل من النوعين اللذين سبق ذكرهما. إن التيس في ثقافة التركمان القديمة ومن وجهة نظر هذا الخبير الآثاري كان يرمز للقوة والقدرة والسلطة والإحترام والبركة وإن قرن التيس هو من أكثر رموز التركمان شيوعاً حيث يلاحظ وجوده على أحجار القبور، وأعمدة الدور، والأقمشة المحاكة والبساط المعروف بالـ (كليم) وغيرها من الصناعات اليدوية الجميلة الخاصة بالتركمان.
إن غالبية أحجار قبور مقبرة النبي خالد خالية من أية كتابات أو رقيمات (ألواح مكتوبة) وهي منحوتة على شكل البشر أو على شكل تصاميم تجريدية. ولهذا السبب يرى هذا الخبير في علم آثار منطقة كلستان بأن هناك صعوبة في تحليل وتفسير أحجار قبور هذه المقبرة من دون إجراء مزيد من الدراسات والبحوث والتنقيبات الأثرية حولها ويقول بضرورة توخي كثير من الحذر والدقة في تحديد عمر وقدم هذه المقبرة وأحجار القبور فيها.
هناك ثلاثة مزارات في منطقة النبي خالد يقبع كل منها في زاوية من زوايا الجبل، ويرى حصارنوي بأن وقوعها وسط جبال عالية لهو دليل على قدمها ويضيف قائلاً: إن هذه المزارات البسيطة لا تقدم أي عون ودليل يمكن الإستدلال منه أو الإستناد إليه في تحديد تاريخ وقدم هذه الآثار. إن تصاميم البناء والأسلوب المعماري والمواد الإنشائية المستخدمة في البناء هي جميعها وفق الأسلوب المعاصر، وإن النصوص المكتوبة باللغة الفارسية والموجودة في المزارات تشير كلها الى أن القبر الرئيسي هو قبر بسيط ويفتقد الى أية ألواح أو رقيمات يستدل منها على تاريخه.
ويقول هذا الخبير في علم الآثار: إن تاريخ وعمر أحجار مزارات مقبرة النبي خالد مجهول ويلفه الغموض. فغالبيتها هي مجرد أحجار بسيطة تفتقد لأية ألواح، وحتى لو صادف أن كانت هناك كتابة منحوتة عليها فإن تلك الكتابات ممحية ومندثرة الآن بفعل الزمن. ولكن بعضاً من الأدلة التي قام بجمعها عدد من علماء الآثار ومنهم الدكتور (ستوده) والدكتور (جبرئيل) تشير الى أن تاريخ هذه الأحجار يعود للقرون الإسلامية من 6 الى 8 للهجرة، كما أنه بالنظر للفترة التي عاش فيها النبي خالد فإن هذه المقبرة تتعلق بالعصور الإسلامية الأوسط لغاية المتأخر. إن هذه المقبرة هي من دون أدنى شك واحدة من أقدم المقابر في البلاد وهي بأحجار وأعمدة قبورها الفريدة في نوعها تعد من وجهة نظر هذا الخبير الآثاري ساحة عمل كبيرة للبحث والتحقيق للباحثين في مجالات التاريخ والآثار وعلم الإنسان وترميم الآثار وعلم الأرض والجغرافيا وعلم الأحياء وعلم الحيوان وعلم النبات لكنها وللأسف باتت معرضة الآن للخراب والإندثار مع مرور الزمن وإثر العديد من العوامل.
إن مجموعة مقبرة و مزار النبي خالد تقع في منطقة جبلية على بعد 90 كيلومتراً الى الشمال الشرقي من مدينة كنبد قاووس وعلى قمة جبل (كوكجه داغ) التي تعرف بين الناس باسم (قمة القوة) والتي يبلغ إرتفاعها عن سطح البحر حوالى 700 متر. كما تقع هذه المقبرة الى الشرق من مزار يدعى (عالم بابا) وعلى سلسلة من التلال الترابية التي ارتفاعها أقل بكثير من ارتفاع الجبل الذي يقع عليه مزار النبي خالد .
إن المقبرة تقع بجوار قبر يعود للنبي خالد غيث بن سنان وهو أحد الرسل الذين بعثوا بعد السيد المسيح (ع)، وقد جاء ذكره في كتاب (ناسخ التواريخ) كالآتي: لقد بعث خالد بن سنان بعد آدم (ع) بـ 6123 وفي عام 530 ميلادي ودعا أهل زمانه الى شريعة اسماعيل ذبيح الله (ع).
وهناك طريق جبلي يصل الى مزار النبي خالد ، إلا أن بالإمكان الوصول إليه عن طريق (كلالة) و(تمرقره قوزي) ولكن نظراً لبعد المسافة وافتقاد وسائط النقل والنقص في الإمكانيات الرفاهية في المكان وكذلك بسبب شدة الحر في الصيف وبرودة الشتاء فإن الشهرين الأولين من بداية فصل الربيع هو وقت للذهاب الى هذا المكان.
إن مقبرة النبي خالد والمجموعة المرتبطة بها تم تسجيلها عام 2001 ضمن قائمة الآثار الوطنية ولم تجر لحد الآن أية بحوث أو تنقيبات أثرية بشأنه.
تدوين: نغمة عقيلي
ترجمة: مهدي سلماسي
نقلاً عن صحيفة ايران