قال الشيخ المحقق بكر بن عبدالله أبو زيد – رحمه الله تعالى -.
(( . . . الآن حصحص الحق؛ أن رَأْسَ الأمر, وأَصْلَ الأُصًول, وأساس الملة والدين, وأَفْرضَ الفرائض, وأَوْجَبَ الواجبات, هَوَ مَا فَطَر اللهُ الخلق عليه, ودفعتهم الضرورة إليه من التوجه إلى الله – تعالى – والاحتياج إليه, والافتقار له – سبحانه – وتوجيه القلب له في جميع الأمور, وتوحيده, وإفراده بالعبادة وحده دون أحد من خلقه, فلا معبود إلا الله.
وهذا الإِيمان بالله, وتوحيده: هو الأَصل, وجميع أركان الإِيمان, وأعمال الإِسلام راجعة إليه, فمن آمن بالله: آمن بملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, حلوه ومُرِه, وعَبَد الله حق عبادته, وَوَحَّدهُ حق توحيده.
وحقيقة هذا التوحيد, ولُبَابُهُ: أن ترى الأمور كلها من الله – تعالى - رؤية تقطع الالتفات إلى الوسائط, وأن تعبده – سبحانه – عبادة يُفرد بها, ولا تصرف منها شيئاً لغيره.
وهذا توحيد الرَّبِ المُرْسِل – سبحانه – وهو توحيد من العبد لربه في القصد, والإِخلاص بكمال الحب لله ونهايته, والذل والخضوع له – سبحانه – ونهايته, كما قال – تعالى -: ((فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص)) [غافر / 14].
وهذا معنى شهادة ألا إله إلا الله.
ولا يعبد الله – سبحانه – إلاَّ بمَا شَرَعَ على لسان نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال – تعالى -: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) [آل عمران / 31].
وقال – سبحانه -: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)).
وقال – عَزَّ شأنه -: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) [الحشر / 7].
وهذا معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا توحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا البيان والبلاغ, هو أول واجب على النبي صلى الله عليه وسلم لأمته, وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أَمْرَ رَبِه فبلَّغ رسالته, كما قال الله – تعالى -: ((يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك)) [المائدة / 67].
وقال – سبحانه -: ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) [النحل / 44].
فبلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين, وأنذر وبشر.
وجاء مصداق ذلك في قوله – تعالى -: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإِسلام دينا)) [المائدة / 3].
فلا يكون التوحيد حقاً, ولا العبادة صدقاً, إلا بتوفر الركنين العظيمين: الإِخلاص لله – تعالى -, والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى هذين الأصلين: ((التوحيد, والمتابعة)) بُني دين الإِسلام: اعتقاداً, وقولاً, وعملاً, وتركاً. فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله – تعالى – إلا بهما: توحيد المرسِل وتوحيد متابعة المرسَل.
وَجِمَاع هذا في التعريف الكاشف عن حقيقة العبادة, وهو أن يقال: ((العبادة: اسم جامع لِكَمَال الحب لله – تعالى – ونهايته, وكمال الذل, والخضوع لله – سبحانه – ونهايته)).
ومقتضاه: صرف جميع أنواع العبادة لله – تعالى – مثل: الحب, والخوف, والرجاء, والذل والخضوع, والرغبة, والخشية, والتوكل, والإِنابة, والصلاة, والذبح, والنذر, والدعاء, والحكم بشرع الله, وما إلى ذلك من أنواع العبادة: القولية والفعلية, والتركية, وكلها مشمولة باسم:
((دُعاء العبادة والمِدحَةِ والثناء, ودعاء المسألة والطلب)).
وهو في آيات كثيرة, كما قال – تعالى -: ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلى إياه)) [الإِسراء / 23].
وقال – سبحانه : ((وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)) [البينة / 4].
في غيرهما من الآيات التي تدل على فرضية إخلاص العبادة لله وحده, وَخَلْعِ عبادة من سواه من عبادة الأنبياء, والرسل, وغيرهم ممن يتخذ شريكاً أو نداَ ) .
[تصحيح الدعاء / ص 233, 236].