بسم الله الرحمن الرحيم
حديث: «عَلَّمَني أَلْف باب كل باب يفتح ألف باب»
روي عن عبد الله بن عمرو، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس – رضي الله عنهم-.
فأمَّا رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه-:
فقد أخرجها ابن حبان في: (المجروحين)([1])، وابن عدي في: (الكامل)([2])، ومن طريقه ابن عساكر في: (تاريخه)([3])، وابن الجوزي في: (العلل المتناهية)([4]) عن أبي يعلى، قال: حدثنا كامل بن طلحة، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا حُيَي بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الله الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرضه: «ادعوا لي أخي» فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: «ادْعُوا لى أخي»، فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي علي بن أبي طالب، فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده، قيل له: ما قال؟ قال: «علمني ألف باب كل باب يفتح ألف باب».
قال ابن عدي: (وهذا هو حديث منكر ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنَّه شديد الإفراط في التشيع([5])، وقد تكلم فيه الأئمة، ونسبوه إلى الضعف) ([6]).
وقال الذهبي: «هذا حديث منكر، كأنَّه موضوعٌ»([7]).
أقول: هذا حديث منكر كما قال ابن عدي والذهبي – رحمهما الله تعالى – والحمل فيه على ابن لهيعة، لأن رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه فيها مناكير كثيرة، والراوي عنه كامل بن طلحة، قال المعلمي – رحمه الله تعالى-: «ممن سمع من ابن لهيعة بأخرة»([8]).
وشيخ ابن لهيعة حُيَي بن عبد الله المعافري، وإن قال فيه أحمد: «أحاديثه مناكير»([9])، وقال البخاري: «فيه نظر»([10])، وفي: (العلل الكبير للترمذي): «في حديثه نظر»([11])، فإن ابن معين قال: «ليس به بأس»([12])، وقال مرة: «صالح الحديث، ليس بذاك القوي»([13])، وقال النسائي: «ليس بالقوي»([14])، وقال ابن حبان: «من خيار أهل مصر ومتقنيهم، وكان شيخًا جليلاً فاضلاً»([15])، وقال ابن عدي: «أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة»([16])، وقال ابن حجر: «صدوق يهم»([17])، فالحمل على ابن لهيعة أولى.
وأمَّا قول الحافظ الذهبي في (تاريخه): «وكامل الجحدري وإن كان قد قال أبو حاتم: لا بأس به؛ وقال ابن حنبل: ما علمت أحداً يدفعه بحجة، فقد قال فيه أبو داود: رميت بكتبه، وقال ابن معين: ليس بشيء، فلعل البلاء من كامل، والله أعلم»([18])، فإنَّه لم يجزم بذلك، وما قاله في كتابه (ميزان الاعتدال) فهو الأقرب إلى الصواب، قال – رحمه الله - بعد ذكر هذا الحديث: «كامل صدوق، وقال ابن عدي: لعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع»([19]).
وتعقب ابن عدي لما ذكر هذا الحديث في ترجمة: (حُيَي بن عبد الله المعافري) من (كامله) قائلاً: «ما أنصفه ابنُ عدي، فإنّه ساق في ترجمته عدةَ أحاديث من رواية ابن لهيعة عنه، كان ينبغي أن تكون في ترجمة ابن لهيعة»([20]).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -: «ومن أكاذيب الرافضة ما رواه كثير بن يحيى -وهو من كبارهم - عن أبي عوانة، عن الأجلح، عن زيد بن علي بن الحسين، قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فذكر قصة طويلة فيها: فدخل عليٌ فقامت عائشة، فأكب عليه فأخبره بألف باب مما يكون قبل يوم القيامة، يفتح كل باب منها ألف باب، وهذا مرسل أو معضل، وله طريق أخرى موصولة عند ابن عدي في كتاب الضعفاء من حديث عبد الله بن عمرو بسند واهٍ»([21]).
وأمَّا رواية علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -:
فقد أخرجها أبو أحمد الفرضي في: (جزئه)([22])، ومن طريقه أبو النون الدَّبُّوسي في: (معجمه)([23])، قال: ثنا أبو العباس أحمد بن عقدة، ثنا:أحمد بن الحسين بن عبد الملك، ثنا: إسماعيل بن عامر البجلي، قال: حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن الأجلح أبي حجية، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي – رضي الله عنه -، قال: «علمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألف باب كل باب يفتح ألف باب».
أقـول: أحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو جعفر القضري قال الدارقطني: «لا بأس به»([24]).
وإسماعيل بن عامر البجلي، كوفي من شيوخ الشيعة، لا يعرف حاله، سئل الإمام الدارقطني عن عاصم بن عامر، فقال: (هم ثلاثة إخوةٍ: عاصمٌ، وسهلٌ، وإسماعيلُ، بنو عامرٍ، كوفيون، وهم من شيوخ الشيعة)([25]).
وعبد الرحمن بن الأسود ذكر الخطيب البغدادي في (المتفق والمفترق) أربعة، وأقربهم عندي اليشكري، قال : (حدث عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، روى عنه مخول بن إبراهيم الكوفي)([26])، ولم يذكر جرحا ولا تعديلا، وشيخه والراوي عنه من متشيعي الكوفة، فمن المحتمل أن يكون عبد الرحمن بن الأسود من شيعة أهل الكوفة أيضًا، وقد وفقت عليه عند الطوسي في (رجاله) فقال: (عبد الرحمن بن الأسود أبو عمرو اليشكري الكوفي، مات سنة سبع وستين ومائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة)([27]).
والأجلح بن عبد الله الكندي أبو حجية الكوفي، كان ضعيفاً سيء الحفظ، قال علي بن المديني قلت ليحيى بن سعيد القطان: أجلح؟ قال: في نفسي منه[28]، وقال الإمام أحمد: «أجلح ومجالد متقاربان في الحديث، فقد روى أجلح غير حديث منكر»، وقال ابن معين: «صالح»[29]، وقال أبو حاتم الرازي: «الأجلح لين، ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به»[30]، وضعفه أبو داود[31].
وأمَّا رواية عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – وهي عنده بلفظ: (ألف كلمة) بدل (ألف باب):
فقد أخرجها أبو بكر الإسماعيلي في: (معجمه)([32])، قال: أخبرني الحسين بن شِيرُويه بن حماد بن بحر الفارسي أبو عبد الله – بالكوفة وكان فيما ذُكر يغلو -، حدثنا: محمد بن حميد بن عباس، أخبرنا عاصم، عن نوح، عن الأجلح، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، أن عليًا خطب الناس، فقال: يا أيها الناس ما هذه المقالة السيءةُ التي تَبْلُغني عنكم، والله ليقتلن طلحة والزبير، ولتفتحن البصرة، ولتأتينكم مادة من الكوفة سنة آلاف وخمسمائة وستون، أو خمسة آلاف وستمائة وخمسون، قال ابن عباس، فقلت: الحرب خدعة، قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس كم أنتم؟ فقالوا كما قال، فقلت: هذا بما أسَرَّ إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنَّه علَّمه ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف كلمة.
أقول: الحسين بن شِيرُويه بن حماد بن بحر الفارسي أبو عبد الله قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى-: (روى عن محمد بن حميد بن عياض([33]) خبرا باطلا في فضل علي رضي الله عنه، قال الإسماعيلي: وكان فيما ذكر يغلو، يعني: في التشيع)([34])، والخبر الباطل في فضل علي رضي الله عنه هو هذا الحديث.
ومحمد بن حميد بن عباس لم أقف عليه، وأخشى أنه وقع تصحيف في الاسم ففي (المعجم) لأبي بكر الإسماعيلي هكذا: (محمد بن حميد بن عباس)، وفي (لسان الميزان): (محمد بن حميد بن عياض)، ومن المحتمل أن يكون: (محمد بن حميد عن عياض) والله أعلم بالصواب.
وعاصم هو ابن عامر البجلي، وقد تقدم أخوه قريباً إسماعيل بن عامر البجلي، وعاصم كوفي من شيوخ الشيعة، لا يعرف حاله أيضاً، سئل الإمام الدارقطني عن عاصم بن عامر، فقال: (هم ثلاثة إخوةٍ: عاصمٌ، وسهلٌ، وإسماعيلُ، بنو عامرٍ، كوفيون، وهم من شيوخ الشيعة)([35]).
ونوح هو ابن دراج النخعي أبو محمد الكوفي، قال الحافظ ابن حجر: (متروك، وقد كذَّبَه ابن معين)([36]).
والأجلح بن عبد الله ضعيف، تقدم قريبًا.
وقد أخرجه أبو القاسم الطبراني في: (المعجم الكبير)([37])، -ولم يذكر الشطر الأخير-، قال: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، حدثنا نوح بن دراج، عن الأجلح بن عبد الله، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال:لما بلغ أصحاب علي حين ساروا إلى البصرة أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير شق عليهم ووقع في قلوبهم، فقال علي: والذي لا إله غيره ليظهرن على أهل البصرة، وليقتلن طلحة والزبير، وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، شك الأجلح، قال ابن عباس: فوقع ذلك في نفسي، فلما أتى أهل الكوفة خرجت، فقلت: لأنظرن، فإن كان كما تقول فهو أمر سمعه، وإلا فهي خديعة الحرب، فلقيت رجلا من الجيش فسألته، فوالله ما عتم أن قال ما قال علي، قال ابن عباس: وهو مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره.
أقول: في إسناده إسماعيل بن عمرو البجلي، ضعيف الحديث.
قال أبو حاتم الرازي: «ضعيف الحديث»[38].
وقال ابن حبان: «يغرب كثيراً»[39].
وقال ابن عدي: «حَدَّث عن مسعر والثوري، والحسن بن صالح، وغيرهم بأحاديث لا يتابع عليها»، فذكر الأحاديث ثم فقال: «وهذه الأحاديث التي أمليتها مع سائر رواياته التي لم أذكرها، عامتها مما لا يتابع إسماعيل أحد عليها، وهو ضعيف، وله عن مسعر غير حديث منكر، لا يتابع عليه»[40].
وقال العقيلي: «في حديثه مناكير، ويحيل على من لا يحتمل»[41].
وقال الأزدي: «منكر الحديث»[42].
وقال الدارقطني: «ضعيف»[43].
وقال الخطيب البغدادي: «صاحب غرائب ومناكير»[44].
وأيضًا في إسناده نوح والأجلح وقد تقدم الكلام عليهما.
ولا يكاد عجبي ينقضي من الشيخ أحمد الغماري حين يستشهد بمثل هذه الأحاديث في تصحيح حديث: «أنا مدينة العلم وعلي باب»، فقد قال في جزئه: (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي): «وحديث الباب([45]) له أيضًا شواهد كثيرة تشهد بصحة معناه منها: ... وحديث: علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب، كل باب يفتح ألف باب، أخرجه أبو نعيم، وأخرجه إسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس، وإسناده على شرط الحسن لولا ما فيه من الاضطراب»([46])!.
أقول: أمَّا قوله (أخرجه أبو نعيم) فهذا وهم، وقد نبّه عليه الشيخ الألباني –رحمه الله تعالى- في «السلسلة الضعيفة»([47]).
وأمَّا قوله: (وإسناده على شرط الحسن) ! فأي حسن هذا وفي إسناده: نوح بن دراج وهو متروك وكذَّبه ابن معين، وحكم الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – ببطلانه!
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
([1]) المجروحين: (2/14).
([2]) (2/450).
([3]) (42/385).
([4]) (1/217-218).
([5]) قال الذهبي: «ما رأيت أحدًا قبله رماه بالتشيع» تاريخ الإسلام: (4/672).
([6]) (2/450).
([7]) سير أعلام النبلاء: (8/24).
([8]) الفوائد المجموعة: (ص:378).
([9]) الجرح والتعديل: (3/272).
([10]) التاريخ الكبير: (3/76).
([11]) (1/512).
([12]) تاريخ عثمان الدارمي: (رقم:239)، والجرح والتعديل: (3/272).
([13]) معرفة الرجال – رواية ابن محرز-: (1/68).
([14]) الضعفاء والمتروكين: (رقم:162).
([15]) مشاهير علماء الأمصار: (ص:188).
([16]) (2/451).
([17]) التقريب: (رقم:1615).
([18]) تاريخ الإسلام: (4/672).
([19]) ميزان الاعتدال: (2/483).
([20]) ميزان الاعتدال: (1/624).
([21]) فتح الباري: (5/363).
([22]) كما في الموسوعة الحديثية الكبرى مسند علي بن أبي طالب: (2/703).
([23]) الجزء الأول: (7/أ).
([24]) سؤالات الحاكم للدارقطني: (31)، تاريخ بغداد: (4/97).
([25]) سؤالات السلمي للدارقطني: (رقم:252).
([26]) (3/1488).
([27]) رجال الطوسي: (ص:230).
[28] الجرح والتعديل: ( 2 / 346 ـ 347 ) ، وزاد في: تهذيب الكمال: ( 2 / 276 ) ( منه شيء ).
[29] الجرح والتعديل: ( 2 / 347 ) .
[30] الجرح والتعديل: ( 2 / 347 ) .
[31] سؤالات الآجري: ( رقم:531 ، 978 ).
([32]) (2/623) (رقم:254).
([33]) هكذا في اللسان بتحقيق أبي غدة.
([34]) (2/287).
([35]) سؤالات السلمي للدارقطني: (رقم:252).
([36]) التقريب: (رقم:7254).
([37]) (10/305).
[38] الجرح والتعديل: ( 2 / 190 ).
[39] الثقات: ( 8 / 100 ) .
[40] ( 1 / 322 ، 323 ).
[41] الضعفاء: ( ا / 86 ).
[42] لسان الميزان: ( 1 / 426 ) .
[43] الضعفاء والمتروكين: ( رقم: 87 ).
[44] تهذيب التهذيب : ( 1 / 280 ).
([45]) أي: حديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
([46]) (ص:21-22).
([47]) (10/709).
منقول للامانة