لماذا سميت فاطمة الزهراء ام ابيها (عليها السلام)
ومن الاوسمة الرفيعة الخالدة التي لم تمنح لبنت نبيّ قط غير الزهراء عليها السلام ما منحه أشرف الرسل والأنبياء لسيدة النساء : (أم أبيها) صلوات الله عليها . إنّها كنية ما أجلّها وأعظمها! فهي تعبر عن عمق الارتباط الروحي الضخم بين المانح العظيم المقدس وبين الممنوحة الطاهرة المطهرة بحكم التنزيه من كل رجس ودنس . نعم ، هذه الكنية جديرة بالتأمل والتدبر ، فهي هتاف ملأ الكون بصداه ، ونداء لكلِّ جيل يتدبر معناه ، وتنبيه للاُمّة بما ينبغي عليها من توقير البتول وحفظ مقامها الشامخ من قلب الرسول . لقد تبوّأت الزهراء عليها السلام هذا المقام العظيم من قلب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، لا لكونها ابنته ، وإنّما أراد الله عزَّ وجلّ لها ذلك المقام المحمود زيادة على مواقفها ____________ 1) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 357 . والهداية الكبرى | الخصيبي : 176 مؤسسة البلاغ ـ بيروت . وبحار الأنوار 43 : 16 | 15 . 2) مقاتل الطالبيين | أبي الفرج : 29 ـ النجف الأشرف . والمناقب | ابن المغازلي : 340 | 392 . والاستيعاب 4 : 380 عن الإمام الصادق عليه السلام . وبحار الأنوار 43 : 19 | 19 . 3) المعجم الكبير 22 : 397 | 985 و 988 . وأُسد الغابة 5 : 520 . ومجمع الزوائد 9 : 211 . واتحاف السائل : 25 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 36 ) الفريدة والتي سنذكر طرقاً منها فنقول : كانت الزهراء عليها السلام أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وهي بهجة قلبه وبضعة منه ، يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها ، ويغضبه ما يغضبها ، ويبسطه ما يبسطها ، ويؤذيه ما يؤذيها ، ويسرّه ما يسرّها (2) . وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (3) . وإذا أراد سفراً أو غزاة كان صلى الله عليه وآله وسلم آخر الناس عهداً بفاطمة عليها السلام ، وإذا قدم كان صلى الله عليه وآله وسلم أول الناس عهداً بفاطمة عليها السلام (4) ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها ، . . . ويدعو لها (5) . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من زيارتها وتعهدها ويقول لها : « فداك أبي وأُمّي » (6) ويقبّل رأسها فيقول : « فداك أبوك » (7) وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعينها على الجاروش ____________ 1) المعجم الكبير 22 : 397 | 986 . 2) راجع : صحيح مسلم 4 : 1903 | 94 . ومستدرك الحاكم 3 : 154 . ومسند أحمد 4 : 5 دار الفكر ـ بيروت . 3) سنن الترمذي 5 : 700 | 3872 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . وجامع الاُصول | الجزري 10 : 86 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . ومستدرك الحاكم 4 : 272 . 4) مستدرك الحاكم 1 : 489 و 3 : 165 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 56 . وذخائر العقبى : 37 . ومسند أحمد 5 : 275 . 5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 334 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 . 6) مستدرك الحاكم 3 : 156 . 7) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 . وذخائر العقبى : 130 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 37 ) والرحى (1) . وحينما استشهد حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام في أُحد بكت فاطمة الزهراء عليها السلام فانهلت دموع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لبكائها (2) ، وحينما ماتت رقية قعدت على شفير قبرها إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي ، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه رحمةً لها (3) . أما تعامل الزهراء عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت تهتم به اهتمام الاُمّ بولدها (4) ، فمنذ أيام طفولتها كانت تدفع عنه أذى المشركين (5) ، وتخفّف آلامه وتضمد جروحه (6) ، وتمسح الدم عن وجهه في الحرب (7) ، وإذا عاد من سفرٍ بادرت إلى استقباله واعتنقته وقبّلت بين عينيه ، وكانت تتأثر لحاله وتحنو عليه . أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر ، صلّى في المسجد ركعتين ، ثمّ أتى فاطمة فتلقته على باب البيت ، فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما يبكيك ؟ »فقالت : « أراك شعثا ًنصباً ، قد أخلولقت ثيابك »فقال لها : « لا تبكي ، فإنّ الله قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيت ولا مدر ولا حجر ولا ____________ 1) بحار الأنوار | المجلسي 43 : 50 | 47 عن ابن شاذان . 2) شرح ابن أبي الحديد 15 : 17 دار احياء الكتب العربية . 3) مسند أحمد1 : 335 . وتاريخ المدينة المنورة | ابن شبة 1 : 103 دار الفكر ـ بيروت . 4) البدء والتاريخ | المقدسي 5 : 20 مكتبة الثقافة الدينية . 5) صحيح مسلم 3 : 1418 | 107 كتاب الجهاد والسير . 6) صحيح مسلم 3 : 1416 | 101 كتاب الجهاد والسير . 7) المغازي | الواقدي 1 : 249 عالم الكتب ـ بيروت . -------------------------------------------------------------------------------- ( 38 ) وبر ولا شعر إلاّ أدخله الله به عزّاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل » (1) . وكانت « سلام الله عليها » تؤثره بما عندها من طعام كالاُمّ المشفقة على ولدها ، فعن أنس ، قال : جاءت فاطمة عليها السلام بكسرة خبز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « ما هذه الكسرة؟ » قالت : « قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة . . » (2) . وعن عبدالله بن الحسن قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير ، فأفطر عليها ، ثم قال : « يابنية ، هذا أول خبزٍ أكل أبوك منذ ثلاثة أيام » ، فجعلت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح وجهها بيده (3) . ولمّا اختار الله سبحانه لنبيه دار رضوانه ومأوى أصفيائه ، كانت الزهراء عليها السلام كالاُمّ التي فقدت وحيدها ، فما رؤيت عليها السلام ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضت (4) ، ومازالت بعده معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة (5) ، تشمّ قميصه فيغشى عليها (6) ، وسمعت بلالاً يؤذّن حتى إذا بلغ : ____________ 1) المعجم الكبير 22 : 225 | 595 و 596 . ومستدرك الحاكم 1 : 488 و 3 : 155 . وحلية الأولياء | أبو نعيم 3 : 30 و 6 : 123 دار الكتب العلمية . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 63 . وذخائر العقبى : 37 . 2) مجمع الزوائد 10 : 312 . 3) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 333 . وبحار الأنوار 43 : 40 . 4) المعجم الكبير | الطبراني 22 : 398 | 989 و 990 و 993 و 994 . والمناقب | ابن شهرآشوب 3 : 359 . وبحار الأنوار 43 : 196 . 5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 362 . وبحار الأنوار 43 : 181 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 39 ) أشهد أن محمداً رسول الله ، شهقت وسقطت لوجهها وغشي عليها حتى ظنّ بأنّها عليها السلام قد فارقت الحياة (1) . وكانت تقول : إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلهـا * واختلّ قومك فاشهدهم فقـد نكبوا فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منّا العيـون بتهمالٍ له سكبُ (2) هذه هي بعض الموارد التي تحكي لنا طبيعة العلاقة بين الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأحبّ الناس إليه فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولو أتينا على جميع ما ورد في إكرامه لها وإلطافه بها وشفقته عليها ، لخرجنا عن شرط الاختصار في هذا البحث ، وعلى العموم كانت عليها السلام بمثابة الاُمّ لاَبيها صلى الله عليه وآله وسلم فهو يعظّمها ويبرّها ويحنو عليها ، ويجد فيها كل ما يجد الولد في أُمّه من العطف والرقة والحنان والوفاء ، فما أجدرها إذن بتلك الكنية الرفيعة : أمّ أبيها ! فانظر إلى كرامة البنات وعزّتهن بالإسلام ، فالبنت التي كانت مصدر شؤمٍ وعارٍ في أعراف الجاهلية ، أصبحت في رحاب الإسلام أُمّاً للنبي الخاتم سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم . قال الشاعر : ____________ 1) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 77 . وبحار الأنوار 43 : 157 | 6 . 2) الفقيه | الشيخ الصدوق 1 : 194 | 906 دار الكتب الاسلامية . وبحار الانوار 43 : 157 | 7 . 3) أمالي الشيخ المفيد : 41 | 8 طبع جماعة المدرسين ـ قم . والبيتان من قصيدة مروية في عدة مصادر . راجع فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي : 16 مؤسسة البعثة ـ قم . -------------------------------------------------------------------------------- ( 40 ) بضعـة مـن أبٍ عظيم يراهـا * نـور عينيه مشرقاً في رداءِ (1) فهي أحلى في جفنه من لذيذ الـ * ـحُلمِ غِبّ الهجـود والإعيـاءِ وهي قطبُ الحنان في صدر طه * واختصـار البنـات والأبنـاءِ غيّب الموت مـن خديجة وجهاً * فـإذا فـاطـم معيـن العـزاءِ تحسب الكون بسمةً مـن أبيها * فهي أُمّ تذوب في الإرضاءِ (2) وشيء آخر يمكن استخلاصه من هذه الكنية التي تشرفت بها الزهراء عليها السلام وهو أن الاُمّ في اللغة بمعنى الأصل ، وفاطمة عليها السلام هي الفرع الفذّ النامي من الشجرة المحمدية الذي حافظ على بقاء الأصل وديمومته ، فأخرج للناس ثمار تلك الشجرة الباسقة . عن عبدالرحمن بن عوف قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن ، وسائر ذلك في سائر الجنة » (3) . ____________ 1) أي في حسن ونضارة . 2) من قصيدة لبولس سلامة بعنوان عيد الغدير : 80 الطبعة الرابعة ـ طهران . 3) مستدرك الحاكم 3 : 160 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي : 61 . -------------------------------------------------------------------------------- ( 41 ) وقد استلهم بعضهم هذا المعنى فأنشد : كمـا الله سمّاها بفاطم إذ قضـى * بفطم محبيها مـن النار في الاُخرى بـأُمّ أبيهـا كنّيـت إذ بفـاطـم * بقى ذكره في الناس والملّة الغرّا (1) [/marq[/gdwl]][/grade]
نجمة اليلمشاهدة ملفه الشخصيالبحث عن كل مشاركات نجمة اليل