السّلفيّة في تونس بين رحي السّلطة
و حركة النّهضة2/2
خَمِيس بن علي الماجري
إنّ الحركة الإسلاميّة حركة إصلاح أو لا تكون، وإذا تقرّر ذلك فعليها أن تعمل على وحدة المسلمين ولا تأتي بما من شأنه أن يعمّق الخلاف بين المسلمين، فلقد قال إبن مسعود رضي الله عنه : " الخلاف شرّ ".
وإنّ تونس ليراد لها أن تتمزّق بين الإسلاميّين لأنّ هذا ما يريده لها خصومها. فلقد جهّزت السّلطة التّونسيّة لتلك المهمّة ما هو مصنوع من طرفها، ومنها ما هو مخترق فكريّا وتنظيميّا، ومنها من هو موال إلى بدعة الإرجاء الّذين يقدّمون دينا يوافق أهواء الملوك، ومنهم من هو بريء يحتاج إلى أخذ اليد والمساعدة وإنقاذهم ممّا يحاك ضدّهم لأنّهم نشأوا بعد حرب الإستئصال الّتي آنطلقت بعد انقلاب الجنرال إبن علي على سيّده بورقيبة.
وعليه، فلا بدّ أن نعمل جميعا على إعطاء هؤلاء الشّباب حقّ التّعبير عن أنفسهم ونأخذ بأيديهم ونتعاون على البرّ والتّقوى وعلى الإجتماع والائتلاف، ولنقلع مع خطاب الوصاية عليهم وإقصاءهم ولنقطع مع أساليب الفرقة والإختلاف والنّزاع والإشتباك.
إنّ معالجة أسباب العدوان أهمّ وأعظم من معالجة آثاره، ذلك أنّ أعظم ظلم أسّسته السّلطة وحمته ورعته هو عدوانها على الإسلام، دين شعبنا وعقيدته وهوّيته وحصنه الحصين وملاذه الأمين. وعليه فلا يمكن أن يعالج أيّ ملفّ من الملفّات الضّخمة في بلدنا دون رفع هذا الظّلم الأعظم وهو سبب العدوان الأصليّ بين المجتمع وبين السّلطة. وإنّه بدون حلّ حقيقيّ لهذا العدوان المستمرّ من السّلطة بأن تقلع عن ظلمها للإسلام ومؤسّساته ورجاله والملتزمين به، فلن تحلّ الإشتباكات القائمة أبدا. ومع الأسف فقد إعتنى النّاس في البلد بمعالجة الآثار السّطحيّة للعدوان ولم يعتنوا بأسبابه الحقيقيّة !!! ولقد جمعت حركة النّهضة قديما كلّ متديّن رأى بأمّ عينيه إنتهاك السّلطة لعقيدتهم وآعتداء على مقدّراتهم وآفتكاكا لأرزاقهم ورأوا فيها الأمل للحلّ لما كانت ترفعه من شعارات شرعيّة. ولو تركت السّلطة النّاس أحرارا في تديّنهم فهما وعملا ونشاطا علميّا ودعويّا وثقافيّا فستحلّ أجزاء كثيرة وكبيرة من الإشتباك. وإن لم تفعل فإنّ دائرة الغضب اليوم إتّسعت وتجاوزت النّهضة التي قبلت بالإحتواء و التّدجين إلى غيرها من الشّباب الرّافضين للتّنظّم السّياسي والمتمسّكين بالحقوق الإلاهيّة الأبديّة الثّابتة أن لا يعبد إلاّ إيّاه ولا يشرك به شيئا، ولا يتّخذ النّاس بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
في الوقت الذي تتعرّض فيه السّلفيّة إلى حملات تشويهيّة شعواء وشرسة غربيّة، يفاجئنا خطاب النّهضة التّونسيّة بركوب تلك الموجة لينقل شرور نيران تلك "الحرب" فوق أرض الخضراء متساوقا مع منهجه الخاضع لآغتنام الفرص ولو كانت تحت مظلّة مؤامرة أمريكيّة، وهو ما ينمّ عن تحلّل القوم من ثوابت قيم طبيعة هذا الدّين العظيم، وهو ما يبيّن كذلك إصرارهم على التشبّث بمسلكهم المغالي في نفخ ما يتوهّم لهم من مصالح.
وإنّ محاولة نهضة المهجر لنقل تلك الحملة فوق أرضنا المباركة الّتي سلمت من فتن التّحارب الإسلاميّ الإسلاميّ، وقبولها بالتّوظيف الأمريكيّ لما يسمّى بالمعتدلين لا يستفيد منها إلاّ خصوم الشّريعة بجميع أطيافهم والذين قد يتعلّقون بمثل هذا الحبل المددي النّهضويّ فيعدمون به هذه الصّحوة الجديدة في مهدها لا قدّر الله. وتكون النّهضة بذلك قد طعنت الأخوّة الشّرعيّة في عظام قدر كونيّ أحسب أنّ الله عزّ وجلّ أراد من خلاله أن يظهر دينه من جديد ويبطل به مكر التّجفيف.
إنّ معاداة الصّحوة الجديدة في تونس لا يحقّق لحركة النّهضة أوهامها لأنّها آختارت ومنذ زمن بعيد أن تستسلم لشروط من آفتتنت بهم فتراهم أقوياء يملكون كلّ خيوط اللّعبة السّياسيّة في أيّ مكان في العالم.
كما أنّه من الخطإ الفادح أن تضع نهضة المهجر نفسها في موقع الشّبهة، وأن تنوب عن غيرها في حرابة " السّلفيّة التّونسيّة " وأن تلعب في ساحة رسمت لها من طرف غزاة في ظرف دولي أجمع فيه الخاصّ والعامّ ّعلى أنّ قوى الإستكبار والإحتلال إتّفقت على محاربة فكر الحركة الإسلاميّة المقاومة. وإنّ منهج التّخويف المفتعل من الصّحوة الجديدة وآتّهامها لا أظنّ أنّه يجلب الإحترام لحركة النّهضة التّونسيّة فضلا عن قدرتها على إختطاف مكاسب عجزت عنها منذ 26 سنة.
إنّ من المؤسف حقّا أن نر هذه الحركة تنخرط في هذه الحملة الظّالمة والمشبوهة على السّلفيّة في تونس ووصمها بالإطلاقات العالميّة المنبوذة للإيقاع بها وإقصائها، حتّى يخلو للنّهضة التّمثيل الشّرعي والوحيد للإسلام والدّفاع عنه، في حين أنّنا لم نرها منذ أكثر من ربع قرن، تجرؤ على انتقاد العلمانيّين أو تنال من بند من بنود مجلّة الأحوال الشّخصيّة الّتي يفتخرون بها، فضلا عن رفع شعار تطبيق الشّريعة. ولقد أتيحت الفرصة هذه الأيّام لحركة النّهضة أن تنتقد مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة الّتي تروّج لها السّلطة في العالمين العربي والإسلاميّ على أنّها نموذج تونسيّ للتّقدّم والحداثة عبر آنتهاك الشّريعة الغرّاء، ولكن مع الأسف جارت تلك الحركة الحداثيّين جميعا حتّى لا تبدو متخلّفة ومتحجّرة فتلحق بالسّلفيّة الّتي يحاربها كلّ أعداء الإسلام. وإليك أخي القارئ الإنتهاكات الصّارخة لهذه المجلّة لشريعتنا الكاملة، حتّى يظهر لك مدى آنحراف حركة النّهضة في منهجها المتخاذل في الدّفاع عن الإسلام في حدّه الأدنى : الدّفاع بالكلمة الطّيّبة.
مقدّمة بين يدي مناقشة أعضاء المكتب السّياسي لنهضة المهجر في خصوص مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة هي لوائح قانونيّة وضعها الحبيب بورقيبة المعقّد ليفرض ثقافة جديدة، ونمط علاقات إجتماعيّة غربيّة غريبة عن تونس المسلمة، ولقد ضبط في هذه المجلّة الحقوق والواجبات بين الرّجل والمرأة مستنسخا القوانين الغربيّة ليفرضها على شعبنا المحافظ لتمزيق الوثاق الإجتماعيّ والأخلاقي ّ والقيميّ. ولا يخفى أنّ تماسك المجتمع وآستقرار الأسرة لا يتحقّقان إلاّ بقواعد عادلة وسليمة وشاملة.
ونحن المسلمين نعتقد أن لا أعدل ولا أسلم ولا أحكم ولا أجمع من مرجعيّة شرعة الله تعالى : { ألا يعلم من خلق وهو اللّطيف الخبير} ؟... { وتمّت كلمة ربّك صدقا وعدلا }... { وإن تطيعوه تهتدوا }... { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }... { ومن أصدق من الله قيلا }...! { إنّ الدّين عند الله الإسلام }... { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه }... {ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها، ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون }...{ وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه، ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله }... { أفحكم الجاهليّة يبغون ؟ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ؟ }... { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }... { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.}... { فماذا بعد الحقّ إلا الضّلال } ؟...
إنّ العلمانيّين المقدّسين للمواثيق الدّولية والأحكام العولميّة ينكرون علينا حقّ تمسّكنا بالقرآن والسّنّة كمصدرين وحيدين تشريعيين لحياتنا في بلادنا الإسلاميّة. وما زالوا يصرّون على اعتماد توصيات المؤتمرات والاتّفاقيات الدّوليّة مرجعيّة لحقوق المرأة بدل الشّريعة الإسلاميّة ؟ وإنّنا نحن المسلمين نعتبر أنّ مشاكلنا جاءت وكثرت بسبب ابتعادنا عن شريعتنا فهما وتنزيلا، وعليه فإذا أردنا أن نبحث عن حلولٍ لمشاكلنا فلا مناص من الإحتكام إلى مرجعيّتنا القيميّة والأخلاقيّة وإنّ حركة النّهضة التّونسيّة الّتي آرتضت أن تلعب في ملعب كبار رهبان الدّيمقراطيّة وقساوستها فقد اختارت أن لا تزعج العلمانيّين أبدا، ولم تحسن حتّى الوقوف عند خطوط الدّفاع ودوائر ردّ الفعل، وعوض أن نشهد لها مبادرات تحمي حقوق المرأة وفقاً لثوابت الشّريعة الإسلاميّة وتبعاً لمقاصدها، فقد راحت تزايد على المعقّّدين، ففي الوقت الّذي لم أقرأ ولم أسمع أن دعا بورقيبة أن تتولّى المرأة الإمامة العظمى، فقد دعا الغنّوشي متساوقا مع شيخه التّرابي إلى ذلك. كما أنّها ـ أي حركة النّهضة ـ لم توظّف العدد الكبير لإقبال النّساء على الصّحوة مؤشّرا معبّرا عن إرادة واعدة ووعي متقدّم يدفع إلى مراجعة تلك المجلّة وضبطها كلّها على الشّريعة السّمحاء !!!
إنّ أسئلة عديدة يطرحها العقل الحائر الغيّور تبيّن بجلاء عجز النّخبة من الإستفادة من الإمكانيّات الضّخمة الّتي تمتلكها الحركة الإسلاميّة، ولكنّها مع الأسف لم تهتد إليها، تفكيرا فضلا عن تمثّلها، ومن تلك الأسئلة : لماذا لا تعدّ نهضة المهجر دراسة علميّة أكاديميّة ـ وهي في المهجر حيث تسمح لها الظّروف بذلك ـ فتقدّم حلولا للمآسي الّتي جلبتها المجلّة، وفق ثوابتنا والتّأكيد على حماية سيادتنا وعدم تدخّل الأجنبي في خصوصيّاتنا وفرض قوانينه علينا ؟ لماذا لا تدعو تلك الحركة وهي الّتي تدندن حول " الدّيمقراطيّة " وحقّ الشّعوب في الإختيار إلى أن يأخذ الشّعب قراره بنفسه في هذه المجلّة ؟ لماذا تصرّ هذه الدّولة التّونسيّة على فرض قوانينها اللاّشرعيّة عبر قنواتها الغير الشّعبيّة ؟ لماذا هذا الإصرار العنيد على هذه المجلّة المفروضة من طرف رجل شهد الخاصّ والعام أنّه معقّد مخاصم لديننا؟ لماذا يصرّ حزب حاكم على إلزام شعب مسلم بخيارات أقلّيّة علمانيّة ؟ لماذا لا تراجع هذه المجلّة في دوائر خارج أجهزة الدّولة ؟ لماذا لا تبعث لجان مختصّة من رجال الفقه والإجتماع ليصحّحوا المسار ؟ فلقد رفضت شعوبنا المسلمة بتعبيرات مختلفة هذه الإسقاطات للنّفايات الّتي لم تصلح أوضاع غيرنا، فكيف تصلح شأن أمّة عقيدة مقاومة تضرب هويّتها وذاكرتها وعظمتها إلى آلاف قرون التّوحيد.
لقد وقعت حركة النّهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن، يوم أن آختارت الرّهان على العمل السّياسي فسكتت عن كوارث تلك المجلّة، لتدخل في وفاق على الإبقاء على معاناة التّونسيّين الّذين آكتووا بنار هذه المجلّة وبغيرها.
لقد وقعت حركة النّهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن، يوم أن آختارت الرّهان على العمل السّياسي فسكتت عن كوارث تلك المجلّة، لتدخل في وفاق على الإبقاء على معاناة التّونسيّين الّذين آكتووا بنار هذه المجلّة وبغيرها، بل لقد حوّلت المرأة إلى ورقة يتنافس حولها أطراف النّخبة المتعالية على هموم الشّعب الرّاهنة لمصائر ملايين الأسر الّتي رحتها تلك القوانين الفاجرة. لقد قبلت النّخبة بما فيها النّهضة ـ ضمن وفاق المصالح ـ ورضيت أن تكون المرأة ضحيّة رحي بصمتهم على الكوارث الّتي حلّت بها.
مناقشة أعضاء المكتب السّياسي لحركة النّهضة في خصوص مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
وممّا جاء في ردود أعضاء المكتب السّياسي لحركة النّهضة في الحوار الّذي أجراه موقع " كلمة " المحسوب على اليسار التّونسيّ ، ليكشف بكلّ جلاء عن حال المهزوم الّذي لا يقدر حتّى على ردّ الفعل ! فهم يقرّون بأنّ هذه الخروقات للشّريعة يمكن آعتبارها " مكاسب " حضاريّة لتونس، وغير مطروح في أجندتهم معارضة هذه المجلّة نهائيا، ولا يتحدثون فيها ولا يتناقشون فيها أصلا في مشروعهم السّياسي. بل إنّ هذه الأشياء كلّها يتحمّلها الفقه الإسلامي الذي هو مرجعية كل هذه الآراء، إن لم يكن في الرّاجح ففي المرجوح، ولا تجد رأيا من هذه الآراء إلاّ وله سند في الفقه الإسلاميّ، بحيث ليست لهم مشكلة مع هذه القضيّة أبدا ...
وممّا جاء من أقوالهم أيضا :"وتعدّد الزّوجات فيه آراء مختلفة، وعندنا قاعدة شرعيّة تقول: إنّ الحاكم له أن يقيّد المباح وإذا أباح الدّين شيئا من الأشياء ورأى الحاكم أنّ من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معيّن أو بشرط معيّن فمسموح له ذلك. ومسألة التّعدّد منزوعة من أذهاننا..." ، هذه بعض أقوالهم ـ هداهم الله ـ. وهذا كلّه يشبه مقولة قديمة قالها الأستاذ الغنّوشي بأنّ المجلّة إجتهاد داخل الشّريعة. وهذا خطأ فاحش، لأنّ الاجتهاد لا بدّ أن يكون منضبطا بالنّصّ لا خارجا عنه فضلا أن يتجاوزه أو يتحدّاه أو يضادّه بأيّ وجه من الوجوه، كما هو الحال في قوانين المجلّة المخالفة للشّريعة والطّاعنة فيها. فلا يمكن أن نصف تلك الخروق بالإجتهاد أصلا فضلا أن نقول إنّها داخل الفقه الإسلاميّ.
وأنا هنا أستسمحك أخي القارئ أن أذكر لك ـ في عجالة ـ تحريفات المجلّة المذكورة للشّريعة حتّى يتبيّن للّذي لم يطّلع عليها وليظهر له الحقّ من الباطل، وليتبيّن فساد منهج نهضة المهجر في تناول القضايا.
نصوص قوانين مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
أ ـ في منع تعدّد الزّوجات : نصّ القانون : " تعدّد الزّوجات ممنوع، كلّ من تزوّج وهو في حالة الزّوجيّة، وقبل فكّ عصمة الزّواج السّابق يعاقب بالسّجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين..." وهذا مخالف ومحاد لأمر اللّه تعالى المبيح للتّعدّد في نصوص الشّريعة كلّها قرآنا وسنّة وإجماع الصّحابة وعمل الأمّة منذ 1427 عاما .
ــ فمن القرآن، قال تعالى : { فآنكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة } النّساء (3) .
ــ ومن السّنّة : عمل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، حيث نقل إلينا تواتر تعدّد زواجه
ــ ومن عمل الخلفاء والصّحابة : فقد جاء من هديهم رضي الله عنهم أنّهم عدّدوا.
ــ إجماع الأمّة على هذا الأمر إعتقادا بالشّرعيّة وتطبيقا عمليّا منذ نزل الوحيّ " يحدّد " العدد إلى أربعة، بما في ذلك التّونسيّون داخل الوطن وخارجه ولقد إنتشر هذا الأمر في تونس في الآونة الأخيرة وللّه الحمد.
ولنبيّن أنّ الّسّلطة التّونسيّة الّتي شرعت مالم يأذن به الله تعالى، بل خالفت أمره تعالى مكابرة وعنادا ومحادّة ومشاقّة، قرّرت إلى الأمم المتّحدة ما يفيد التّعالي على الشّريعة وما يستفاد منه إلاّ القدح في حكمة الشّارع والطّّعن فيه والتّباهي بإلغاء التّعدّد وبالمعاقبة عليه أشدّ العقوبة فضلا على اعتبار الزّواج الثّاني باطلا: " ويمثّل إلغاء تعدّد الزّوجات بمقتضى قانون الأحوال الشّخصيّة وإقامة نظام الزّوجة الواحدة تعبيرا آخر عن مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة. وقد أصبح تعدّد الزّوجات ـ الّذي كان هو المظهر أكثر فجاجة وظلما لعدم المساواة بين الزّوجين ـ جنحة يعاقب عليها القانون الجنائيّ وفضلا عن ذلك فإنّ الزّواج الجديد باطل ". من تقرير الحكومة التّونسيّة المقدّم إلى الأمم المتّحدة والمتعلّق بالمعهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة بتاريخ 18 ماي 1993
ب ــ : تأبيد تحريم مجلّة الأحوال الشّخصيّة من طلّق زوجته بالثّلاث وتحريمها أن يراجع زوجته : كما حرّمت مجلّة الأحوال الشّخصيّة أن يراجع الزّوج مطلّقته بالثّلاث بعد طلاقها من زوج غيره : جاء في الفصل 19 منها : " يحجّر على الرّجل أن يتزوّج مطلّقته ثلاثا " وهذا معاند لأمر الله المبيح. قال تعالى : { فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله }. البقرة (230)
ج ـ مسألة التّبنّي : أباحت المجلّة المذكورة التّبنّي الّذي حرّمه الله عزّ وجلّ بصريح :
ــ القرآن ، قال تعالى :{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. أدعوهم لآبائهم هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه } . فقَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } هَذَا هُوَ الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن زَيْد بْن حَارِثَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّاهُ قَبْل النُّبُوَّة فَكَانَ يُقَال لَهُ زَيْد بْن مُحَمَّد فَأَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَقْطَع هَذَا الْإِلْحَاق وَهَذِهِ النِّسْبَة. { ذَلِكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } يَعْنِي تَبَنِّيكُمْ لَهُمْ قَوْل لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُون اِبْنًا حَقِيقِيًّا فَإِنَّهُ مَخْلُوق مِنْ صُلْب رَجُل آخَر فَمَا يُمْكِن أَنْ يَكُون لَهُ أَبَوَانِ كَمَا لَا يُمْكِن أَنْ يَكُون لِلْبَشَرِ الْوَاحِد قَلْبَانِ { وَاَللَّه يَقُول الْحَقّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل } قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر{ يَقُول الْحَقّ } أَيْ الْعَدْل وَقَالَ قَتَادَة { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل } أَيْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم.
وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه } هَذَا أَمْر نَاسِخ لِمَا كَانَ فِي اِبْتِدَاء اللإِسْلام مِنْ جَوَاز اِدِّعَاء الْأَبْنَاء الْأَجَانِب وَهُمْ الْأَدْعِيَاء فَأَمَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَدِّ نَسَبهمْ إِلَى آبَائِهِمْ فِي الْحَقِيقَة وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْل وَالْقِسْط وَالْبِرّ "... بتصرّف تفسير إبن كثير.
ـ وبعمل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ـ وبإجماع الأمّة.
لقد فتح شرّ التّبنّي الباب إلى شرور عظيمة أخرى حيث أباحوا للمتبنّى كلّ حقوق الإبن الشّرعيّ فأعطوه أموالا ضبطتها الشّريعة لغيره، كما يطّلع على عورات محرّمة عليه، كما ألزموه بنفس الواجبات، وجعلت المجلّة الحكم الصّادر من حاكم النّاحية نهائيّا ولا رجعة فيه قطعا مع تراجع المتبنّي فضلا عن توبته وندمه!!!
فبعد هذه المخالفات الصّارخة للشّريعة الغرّاء كيف تسمح حركة النّهضة لنفسها أن تقول ما قالت. إذ كيف تكون مسألة التّعدّد منزوعة من ذهن مسلم وقد نزعت من أذهان حركة النّهضة، وهي من مسائل المعلوم من الدّين بالضّرورة تشريعا وإباحة، كيف لا تكون هذه المجلّة مشكلة وقد خالفت الشّريعة بل صادمتها وعاقبت المتمسّك بالحلال والمباح وتسامحت مع المنتهك للحرمات. وصدق من قال : " إنّ الضّعيف يجعل ما عليه أهل القوّة بأنّه هو الحقّ، وإنّ المنهزم لا يمنعه شيء، وأنّ المغلوب المهزوم محكوم بقوانين الأقوياء ". ولذلك عدّ المجدّد شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب ـ رحمه الله تعالى ـ أنّ من مسائل الجاهليّة : " الإستدلال بما عليه أهل القوّة بأنّه هو الحقّ".
وقد ذهب إبن حزم رحمه الله تعالى من قبل أنّ المغلوب ينسى هويّته وذاكرته بل ينسى حتّى أنسابه وأخباره وعلومه!!! فقال ـ وهو يتحدّث عن اللّغة ـ : " إنّ اللّغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم وآختلاطهم بغيرهم، فإنّما يقيّد لغة الأمّة وعلومها وأخبارها قوّة دولتها، ونشاط أهلها وفراغهم، وأمّا من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوّهم، وآشتغلوا بالخوف والحاجة والذّلّ وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربّما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وعلومهم، وهذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة " الإحكام في فصول الأحكام. 1 / 32. فهل يوجد في الفقه الإسلاميّ منع المباح بل تحريمه وجعله جريمة " قانونيّة " يعاقب بموجبها المؤمن كـ"مجرم " بالسّجن وبالغرامة ؟ فهل في الفقه الإسلامي مثل هذا الغثاء ومثل هذا الهراء ؟ وكيف يكون تحريم التّعدّد مرجوحا ؟ وهل يجد له " النّهضويّون " سندا في الفقه الإسلاميّ ؟ وكيف لا يكون منع التّعدّد مشكلة وهي وحدها كارثة من الكوارث الّتي فتحت شرّ باب التّجرّؤ على كلّ الشّريعة، و تتنادى اليوم أصوات العلمانيّين المتطرّفين في تونس عالية ودون خجل أو حياء بتسوية المرأة بالرّجل في الإرث. أليست تلك المجلّة جحيما فتح أبواب الفاحشة والخيانات الزّوجيّة وما نتج عليه من تفكّك أسري وتذرّر مجتمعيّ أنتجت مؤسّسات العقوق والبؤس الّتي أحدثتها الدّولة تقليدا للغرب الممزّق عائليّا وآجتماعيّا فهي الّتي تشرّع للأبناء أن يرموا آباءهم وأمّهاتهم إلى مقابر الغدر ومؤسّسات العقوق وتكايا إنكار الجميل. والله المستعان !!!
ثمّ هل قاعدة " أنّ الحاكم له أن يقيّد المباح وإذا أباح الدّين شيئا من الأشياء ورأى الحاكم أنّ من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معيّن أو بشرط معيّن فمسموح له ذلك " وهي القاعدة الّتي يحتجّ بها دائما النّهضويّون تتنزّل على كلّ حاكم ؟ فهل حاكم مثل بورقيبة الّذي تحدّى مشاعر المسلمين وفعل ما فعل في الإسلام والقرآن والنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومؤسّسات تونس الإسلاميّة ورجالها، أو مثل إبن علي الّّذي واصل في نفس خطّ سيّده بأكثر تطرّفا وآستئصالا يبيح لهما الإسلام العزيز ـ في نظر حركة النّهضة ـ أن يجتهدا في شرعه المطهّر ؟ فهل الّذي يرسل مثل ذلك النّصّ ـ المذكور أعلاه ـ إلى الأمم المتّحدة يمكن أن تنزّل عليه تلك القاعدة ؟ ألا يمكن آعتبار توظيف تلك القواعد تحت باب كلمة حقّ يراد بها باطل ؟ {ولو آتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ } المؤمنون (71)
خيارات السّلطة التونسية متناقضة ومتحدّية للشّرع المطهّر فقد حرّمت التّعدّد الحلال وأباحت الزّنا المحرّم، حيث جعلت في كلّ مدينة دورا للبغاء العلنيّ المرخّص له من قبل إدارة الدّولة والمحروس بالشّرطة، وجعل الدّعارة مهنة " شريفة " بحكم التّرخيص القانونيّ له تحت قانون "تنظيم مهنة الدّعارة" ثمّ تقبض الدّولة رسوم الضّرائب من تلك القذارات، وهذا سبق تونسيّ لا يوجد له مثيل في بلد العرب والمسلمين.
كان الأولى من نهضة المهجر أن تنتقد خيارات السّلطة المتناقضة المتحدّية للشّرع المطهّر الّتي حرّمت التّعدّد الحلال والّتي أباحت الزّنا المحرّم، حيث جعلت في كلّ مدينة دورا للبغاء العلنيّ المرخّص له من قبل إدارة الدّولة والمحروس بالشّرطة، وجعل الدّعارة مهنة " شريفة " بحكم التّرخيص القانونيّ له تحت قانون "تنظيم مهنة الدّعارة" ثمّ تقبض الدّولة رسوم الضّرائب من تلك القذارات، وهذا سبق تونسيّ لا يوجد له مثيل في بلد العرب والمسلمين!
كان الأولى لحركة النّهضة أن تشنّع بما جاء في هذه المجلّة المذكورة من مخالفات للشّرع العزيز كقتل قيمة الشّرف والدّفاع عن العرض وإماتة الغيرة وزرع الدّيوثة من ذلك: القوانين الّتي تعطي للمرأة الحقّ أن يكون لها عشيقا، فإن خانت زوجها، و ضبطها متّلبّسة بهذه الجريمة، وثأر لدينه و لعرضه فقتل عشيقها يقتل بذلك ولو كانت تلك الخيانة قد حصلت في بيته جهارا نهارا.
ومن المخالفات الواضحة الّتي شرعتها السّلطة التّونسيّة :
ـ إباحة أن تتزوّّج التّونسيّة غير المسلم، تحت عنوان " إلغاء جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة " وقّّعت سلطة التّجفيف على معاهدة نيويورك المتعلّقة بحرّيّة الزّواج.
ـ إسقاط شروط العدالة في شاهدي الزّواج فكلّ آمرئ يستطيع أن يشهد على زواج ما دون نظر إلى عدالته الشّرعيّة، فالسّكران مثلا يحقّ له أن يشهد فضلا أن يكون شيوعيّا ملحدا أو غير ذلك ممّن طعن أهل العلم في شهاداتهم، وأبدلوا الشّاهدين بشاهد واحد ولا بأس أن تكون امرأة ولو بغياب الوليّ، وبتحديد المهر بدينار تونسيّ واحد، وكلّ هذا مخالف لمذاهب أهل السّنّة ومنها مذهب الإمام مالك الّذي يدين به التّونسيّون !
فهل يعقل أن تسكت حركة النّهضة عن كلّ هذه الأمور ولا تجعلها من اهتماماتها بل تقول إنّ الشّريعة تسعها.. وكلّ رأي نجد له سندا من الشّريعة فهو دين ! فهل إلى مثل هذا المستوى يدين هؤلاء ربّهم ويرضون لشعبهم أن يبقى في مثل هذا الحال من البؤس والفاحشة والتّعاسة والمنكر والإبعاد عن الله تعالى. ثمّ تسكت هذه الحركة بل تلبّس على النّاس دينهم بتبرير ذلك الباطل، وهي تدّعي أنّها حركة إسلاميّة وسطيّة، فهل تعني الوسطيّة عند هؤلاء إقرار الخبث في الشّعب المسلم .
إنّ مواقف هذه الحركة لا بدّ أن تتّسم بالوضوح والشّفافيّة والمسؤوليّة والجدّ والشّجاعة،أمّا الغموض والإطلاق والتّلوّن فهو من كتمان الحقّ الّذي لا يستفيد منه إلاّ الباطل. قال الإمام أبو علي بن خليل السّكوني : " وكلّ كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع " لحن العوام فيما يتعلّق بعلم الكلام . ص 137
أدعو حركة النّهضة التّونسيّة أن تكفّ عن الخطاب المثقل بالتّشهّي وتتبّع رخص الهزيمة وموافقة الغرض والإغترار بفقه ضغوط الواقع الّذي أنشؤوه ووسّعوا خرقه. لا بدّ أن تتوقّّف عن خطاب : فيه قولان، فيه خلاف، في المسألة فسحة، أو كلّ مسألة يتحمّلها الفقه الإسلامي، إن لم يكن في الرّاجح ففي المرجوح. وله سند في الفقه الإسلامي..فهل المخالفات الصّارخة للكتاب والسّنّة في هذه المجلّة يتحمّلها الفقه الإسلاميّ ؟ ففي أيّ راجح ومرجوح تندرج تلك المخالفات الواضحة للشّريعة الغرّاء ؟
إنّ الّذي صدر عن المكتب السّياسي لحركة النّهضة في المهجر ليس هو إلاّ أقوال خفيفة طائشة لا يقول بها أحد من أهل العلم لوضوح مصادمتها للنّصوص القطعيّة الثّبوت والدّلالة. والدّين هو الإتّباع للدّليل كما تعلّمنا وليس هو الخاضع للهوى أيّا كان نوعه. قال إمام المقاصد الإمام الشّاطبي رحمه الله تعالى : " العلم الّذي هو العلم المعتبر شرعا ـ أعني الّذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق ـ هو العلم الباعث على العمل، الّذي لا يخلّي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيّد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها " الموافقات 1 / 89 .
إنّ حركة النّهضة أدمنت على كتمان الحقّ، وتمرير الأهواء على النّصّ و التّعسّف في تأويله فضلا عن إبعاده وتخطّيه وتعميته وكتمانه، كما يفعل " المتحرّرون من النّصّ " دائما، وليعلم القارئ الكريم، وهو على علم، أنّ من القواعد المعتمدة عند "المتحرّرين من النّصّ" المتحلّلين منه والّذين يحلو لهم أن يسمّوا أنفسهم " الوسطيّين " أنّ كلّ شيء عندهم جائز، وأنّ الأصل في كلّ شيء عندهم الإباحة وأنّهم لا يتحرّون في دينهم ولا يعتنون بفقه الأحوط والدّليل الأقوى، فكلّ الآراء عندهم دين والنّصوص الصّحيحة عندهم فضلة، حتّى لقد حكى الخطّابي قديما عن أدعياء "وسطيّي" زمنه أنّهم يقولون :"كلّ مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز- شذّ عن الجماعة أو لا – فالمسألة جائزة. الاعتصام 2 / 510. وقال شيخ الإسلام وهو يتحدّث عن منهج الّذين يجعلون الشّريعة على المزاج والعقل فما رأوه شرعا فهو الشّرع لا غيره فقال : " اعتقدوا معاني ثمّ أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها "..مقدّمة في أصول التّفسير ص 81. وهو عين ما قاله ابن أبي العز: "كلّ فريق من أرباب البدع يعرض النّصوص على بدعته وما ظنّه معقولاً، فما وافقه قال: إنّه محكم، وقبله واحتجّ به، وما خالفه قال: إنّه متشابه ثم ردّه وسمّى ردّه تفويضاً، أو حرّفه، وسمّى تحريفه تأويلاً، فلذلك اشتدّ إنكار أهل السّنّة عليهم". شرح الطّحاوية: ص: 399. وقال الإمام الشّاطبي– رحمه اللّه تعالى - :" فكلّ هذه الأمور مذمومة أشدّ الذّمّ لأنّ هذا من عمل الجاهليّة فقد كان النّاس في الجاهليّة يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطباعهم فجاء النّبيء صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فردّهم إلى الشّريعة ". الإعتصام1 /93.
قد يعذر المرء بجهله ولكن لا يعذر بعلمه و ظلمه، وأعظم الظّلم تشويه الإسلام بترك بيانه ودفع الشّبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم الشّريعة المطهّرة.
قد يعذر المرء بجهله ولكن لا يعذر بعلمه و ظلمه، وأعظم الظّلم تشويه الإسلام بترك بيانه ودفع الشّبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم الشّريعة المطهّرة.
إنّ منهج إرضاء النّاس بسخط الله تعالى الّذي آثرته النّهضة، منهج خاطئ بائر لا يحصد إلاّ الخيبة ! وفي الصّحيح " من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله النّاس ومن أسخط الله برضى النّاس وكّله الله إلى النّاس ". وإنّ سبيل إلتماس إرضاء النّاس بإغضاب الله ما هو في الحقيقة إلاّ خذلان وتخلّي إلاهيّ نعوذ بالله من ذلك ! وفي الصّحيح :" من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة النّاس، ومن آلتمس رضا النّاس بسخط الله وكّله الله إلى النّاس " ولتحسن قيادة النّهضة إلى تليين الجناب مع إخوانهم المخالفين، وعوض أن يرحموا اليسار فليجد إخوانهم في الدّين المخالفين لهم كالسّلفيّين ـ مثلا ـ منهم رحمة فهو خير لهم، وليحسنوا إلى إصغاء كلام الله تعالى وليتّبعوا أحسنه وأقواه وأبينه ومحكمه ولا يتعلّقون بالمتشابه، أو بكلّ قول دون البحث عن حجّيّته : { أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم }..{أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟؟؟ }..{ ودّوا لو تدهن فيدهنون }..{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتّخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا }.
" إنَّ من مقتضيات الإيمان الثّقة و اليقين في هذا الدّين والصّبرَ عليه والثّباتَ حتّى الممات مهما عصفت الفتنُ أو ادلهمّت الخطوب، فإنّه بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين كما جاء عن إبن القيّم رحمه الله تعالى، ولقد مرّ بالمسلمين شدائد عظيمة ونكبات عديدة، انتهت فيها خلافتها الرّاشدة وسقطت دولتها الممتدّة ونال الأعداء من المسلمين نيلا عظيما، ومع كلِّ هذا فلم يورِث ذلك في نفوس المسلمين شكًّا في عقيدتِهم، ولم تدفعهم إلى التطلّع لما عند أعدائِهم من مبادئ وأساليبِ حياة وأنماط سلوك تُخالف شريعتَهم ويأباها دينُهم، ولم يرَوا الحقَّ إلاّ في دين الله عقيدةً وسلوكًا ونظامَ حياة، وهذا هو معنى الاستعلاء في قولِ الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. آل عمران :139 ، أي: أنّ العزّة والعلوّ بالإيمان والثّبات عليه، لا بالغلبةِ والظّهور."
قال سيّد قطب رحمه الله تعالى في ظلاله في قوله تعالى : { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } 145 سورة البقرة. "....ونقف لحظة أمام هذا الجدّ الصّارم، في هذا الخطاب الإلهيّ من الله سبحانه إلى نبيّه الكريم الذي حدّثه منذ لحظة ذلك الحديث الرّفيق الودود.. إنّ الأمر هنا يتعلّق بالإستقامة على هدي الله وتوجيهه ؛ ويتعلّق بقاعدة التّميّز والتّجرّد إلاّ من طاعة الله ونهجه. ومن ثمّ يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم، وبهذه المواجهة والتّحذير.. إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ. إنّ الطّريق واضح، والصّراط مستقيم.. فإمّا العلم الذي جاء من عند الله. وإمّا الهوى في كلّ ما عداه. وليس للمسلم أن يتلقى إلاّ من الله. وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلّب. وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردّد. "
إنّ حركة النّهضة التّونسيّة تاهت وفقدت توازناتها وهي تمارس التّلوّن الأهوائي. فلكي لا تفقد ثقة كمشة من اليسار لا يقيم لهم شعبنا وزنا ولا بالا، ولأنّها ترهب الضّجّة والحساسيّة الّتي يثيرها الأصدقاء والحلفاء المؤقّّتين للنّهضة ولو لمجرّد الدّعوة إلى إعادة النّظر في جزئيّة بسيطة من تلك المجلّة، فكيف لو تدعو إلى المطالبة بتطبيق الشّريعة !!!. قال الأستاذ الغنّوشي في جريدة المتوسّط التّونسيّة في 27 /05 /1993 : " فالمطالبة بتطبيق الشّريعة في الأردن أو في اليمن أو الكويت لا يثير من الضّجّة والحساسيّة ما يثيره مجرّد الدّعوة إلى إعادة النّظر في جزئيّة من مجلّة الأحوال الشّخصيّة في تونس ".
نعم لقد تكبّلت حركة النّهضة بوهم قبولها طرفا سياسيّا وبسراب عضويّتها فيما يسمّى " المجتمع المدني"، حتّى صارت عاجزة عن الدّفاع عن جزئيّة إسلاميّة بل حتّى بالتّصريح عن هويّتها الحقيقيّة ولذلك قالوا " نحن لسنا حزبا دينيّا " وبذلك تؤبّد النّهضة مخالفات السّلطة للإسلام وتسوّغ لهذه التّحريفات وتباركها. هذه هي الحقيقة كاملة. ففي الوقت الذي قطعت حركة الإخوان الدّوليّة أشواطا مهمّة في الدّعوة في كلّ مكان ومنذ زمان إلى تطبيق الشّريعة عبر شعار الإسلام هو الحلّ، تبقى حركة النّهضة التّونسيّة وحدها النّشاز والحالة الفريدة الّتي تخشى ضجّة وحساسيّة النّخبة المتهالكة الّتي آختارت أن تخاصم ربّها، ولا تستطيع النّهضة إلاّ أن تستسلم لشروطها المذلّة وترسم مواقفها على أهواء غيرها لا على حسب مرادات الشّرع العزيز. ولا يخفى أنّ هذا المنهج يحدث من الأضرار ما الله وحده به عليم منها :
ـ إرضاء قوم ما رضوا عن ربّهم بل ما آمنوا بعدله وبحاكميّته.
ـ إرضاء قوم غضب الله عليهم.
ـ مصادمة الأصول الشّرعيّة والثّوابت العقديّة بل وأد نصوص الولاء والبراء الّتي لا يصحّ إيمان إلاّ بها.
ـ كتمان الحقّ والتّعمية عن الشّرع.
ـ ترك النّاس في جهل .
ـ إحداث فتنة التّفريق بين المسلمين فيتعلّق النّاس بتلك التّصريحات العلنيّة فيعتقدها البعض فيوالي عليها ويعادي ولا يخفى ما يسبّبه ذلك من فتن عظيمة !!!
إنّ الملاحظ أنّ هذه الحركة لا تريد أن تعالج قضاياها بجدّ فضلا على آعتمادها على الله ثمّ على نفسها، فهي تتواكل ـ في كلّ مرّة ـ على غيرها. فتارة على الجوار، وتارة على اليسار، وتارة على ركوب موجة الإصلاح الأمريكيّ، وبهذا تفهم خذلانها للصّحوة الجديدة.
إنّ مواقف نهضة المهجر المعلنة لا يراد منها إلاّ أن ترضي خصوم العقيدة ولو على حساب إغضاب الموحّدين بفتح باب جحيم معاداة مشاعر المسلمين في كلّ مكان بمخالفاتها لمنهج أهل السّنّة وهي تسلك مناهج التّهوين من الشّريعة ويظهر ذلك من خلال سكوتها عن المخالفات الواضحة لمجلّة الأحوال الشّخصيّة، أو في منهجها الغير الأخلاقي في تقديم السّلفيّة والسّلفيّين في تونس قربانا للإعتراف بهم.
إنّ هذا الخطاب ليتخبّط في وهم المصالح والمآلات وما هو في الحقيقة إلاّ فكر خاضع لدوّامات أجندة حزب قد يستنفذ أغراضه إن أصرّ على تنكّره لمطالب العقيدة وقبوله بالحلّ التّوافقي مع نخبة العلمانيّين على إبتلاع الشّريعة لوهم مقاومة الإستبداد، وهو لعمري ما يزيد في تعميق الأزمة الحقيقيّة في البلد، وهي العمل بعيدا عن هويّتها وأسباب العدوان، فيغيّبون بذلك أعظم حقّ خلق من أجله الإنسان وهو تحقيق العبوديّة المطلقة من توحيد وعبادة و تشريع ومقاومة للظّلم وعمارة للأرض و توزيع ثروة الله تعالى بين النّاس بالعدل..
إنّ الخطاب الّذي درجت عليه نهضة المهجر لا تستسيغه شعوبنا اللاّهثة على الفكر الثّابت المقاوم لا النّاعم المائع. إنّه الخطاب الّذي يزيّف الوعي ويشوّه الدّين، لأنّه نتاج للفكر الإستسلامي لشروط العلمانيّين وإملاءاتهم. إنّهم سينتهون ـ وقد انتهوا ـ إلى ما انتهى إليه أردوغان حيث رفض مقابلة خالد مشعل، وإلى قبول من على شاكلتهم أن يكونوا في مجالس حكم يعيّن من طرف الغزاة.. أو يتبعون أثر مرشدهم التّرابي حليف قرنق ضدّ إخوانه والّذي انتهى إلى أرذل الفكر، وهو نفسه المنهج الذي جعل السّودانيّين يطردون لاجئي النّهضة التّونسيّيّن من أرضهم كثمن لإعادة علاقاتهم مع السّلطة في تونس..
وهو نفس المنهج الذي ينتهجه عمرو خالد والجفري وطارق رمضان نجوم ابتزاز وانتهاك حرمة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وآحتقار مسلمي الدّنمارك! أو إلى مثل تصريح الأخ خالد مشعل ـ وفّقه الله وثبّته على ما كان عليه ـ بشأن المسألة الشّيشانيّة الّذي قال فيه : مسألة روسيّة داخليّة، ونحن لا نتدخّل في الشّؤون الدّاخليّة للدّول الأخرى. وهذا موقف فيه ما فيه من القسوة والّتنكّر للحقوق المشروعة للشّعب المسلم في الشّيشان، ممّا جعل زعيم الشّيشان أحمد زكاييف يعلّق على ذلك التّصريح قائلا:"ولم نتوقّع أن يكون هناك أيّ فارق بين حماس وياسر عرفات، لقد وضعوا مصالح الحكومة الرّوسية فوق تلك الخاصّة بالتّضامن الدّيني مع المسلمين الشّيشان ".
والحمد للّه الذي جعل من زمن انكسار المسلمين وانحدارهم منحة تمييز الخبيثَ من الطيِّب والصادِقَ من الكاذب والمؤمنَ من المنافق والهارب من الثّابت...قال إبن القيّم:"... فلولا خلقُ الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه لم يستخرِج خاصَّ العبوديّة من عبيده، ولم يحصل لهم عبوديّةُ الموالاة فيه والمعاداة فيه والحبِّ فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له"
فهل منهج التّخذيل هذا الّذي تسلكه النّهضة يقرّه شرعنا الحكيم وخلقنا العظيم ؟ أفليس من أصولنا المباركة الّتي يعلمها الأمّيّ العامّيّ أنّ من يخذل مسلما يخذله الله تعالى، وأنّ من ينصر مسلما ينصره الله تعالى ؟ أم أنّ القيم اليوم أصبحت متخلّفة ومن تمسّك بها فهو أصوليّ متطرّف رجعيّ ساذج ؟ وللسّياسة دهاقينها الحداثيّون التّقدّميّون الشّاطرون ؟ إنّه منهج النّخبة الّتي آستعلت على بساطة القيم وسلامتها من التّشويش والتّهويش.وفي الآثار أنّ النّخب الفكريّة والسّياسيّة هم وراء إفساد الدّين. فما أهلك الدّين إلاّ الملوك والرّهبان !!! إنّ هذا المسلك لا يقرّه الشّرع الرّحيم الجامع بين المسلمين والحريص على عدم تفرّقهم وقطيعتهم ، قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ) فكلّ مسالة حدثت في الإسلام فاختلف النّاس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام. وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر و التّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء و إنّها الّتي عنى الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بتفسير الآية وهي قوله-{إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } فيجب على كلّ ذي دين و عقل أن يتجنّبها. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من إتّباع الهوى...وهو ظاهر في أنّ الإسلام يدعو إلى الألفة والتّراحم والتّعاطف. فكلّ رأي إلى خلاف ذلك فخارج عن الدّين..الموافقات 4/221 -222.
إنّه حان الوقت أن توضّح حركة النّهضة التّونسيّة موقفها بكلّ صراحة ووضوح فإمّا حركة إسلاميّة تلتزم بمطالب الشّريعة كلّها ـ كما عهدها عليها شعبها في عهد السّبعينات ـ دون لفّ أو دوران وتلوّن ودون تعديل لها وتدخّل فيها، وإمّا أن تنخرط في لعبة النّخبة وتتخلّى عن الدّين الّذي تقدّمه مزيّفا. أمّا مسك العصا من الوسط والتّغطّي برداء الوسطيّة المزيّفة واللّعب على الإزدواجيّة و الغموض و القول : نحن لسنا حزبا دينيّا، نحن حزب مدني ذو خلفية إسلامية ما عاد ينفع !!!
لقد أعطى مشركو مكّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السّلطة والثّروة والنّساء مقابل أن يتخلّى عمّا يسمّيه العلمانيّون اليوم الدّولة الدّينيّة، فرفض في كبرياء وشموخ وعزّة منقطعة النّظير أن يستدرج لشروط أعداء الشّريعة وقد أعطوه ما أعطوا، فكيف بمن في موقع حركة النّهضة ولم يعطوا شيئا، بل آفتكّت منهم كلّ شيء تقريبا وأعزّه عقيدتهم فألغوها من نضالاتهم !!!
ولقد تنكّرت مكّة والطّائف لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومات القريبان خديجة وأبو طالب، والصّحابة مشرّدون فيهم من هو في الحبشة وفيهم من هو في مكّة يقتل، ومنهم من ينتظر ومنهم من هو رهينة ومنهم من هو على خوف، ويعرض نفسه صلّى الله عليه وآله وسلّم على القبائل الوافدة إلى الحجّ، فكان ردّهم عليه قبيحا، وكيف لا يكون كذلك وعمّه أبو لهب يسير خلفه يكذّبه ويخذّله، كلّ ذلك لم يلجئ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يداهن أو يجانب الصّدق في منهجه أو أن يعد النّاس بغير الحقّ ! قال رجل من قبيلة بني عامر بن صعصعة، ويدعى بيحرة بن فراس :" والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب،ثمّ قال للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: " أرأيت إن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟" قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :" الأمر للّه يضعه حيث يشاء "، قال الرّجل : " أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك " إبن إسحاق عن الزّهري ـ سيرة إبن هشام 2 / 76
الصّدق هو خطاب الجماعة المسلمة حتّى ولو كانت في أحلك الظّروف، هذا هو الّذي يجلب لها الإحترام و يكسب ثقة المضطهدين و لا يعطي الخصوم فرصة واحدة للطّعن في مصداقيّتها، فضلا عن مرضاة ربّها وما يقدره لها سبحانه وتعالى من توفيق وتأييد وعزّة ونصر إن سلكت سبيل نبيّها ولم تحد عنه، لأنّ ذلك كلّه بيده وحده عزّ وجلّ. و و الله ما غلبنا الخصوم إلا يوم تخلّى الوليّ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" تالله ما غدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي فلا تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض " الفوائد ص 79.
إنّ حركة النّهضة التّونسيّة، وهي تستحيي من أن تذكر عقيدتها وشرائع دينها، وتؤجّل كلّ ما لا يرضي العلمانيّين ويصادمهم أو ما يشوّش على المشروع السّياسي، حتّى ما عدت تميّز بين خطابها وخطاب حلفائها من اليسار
فتلوّنوا وألجموا بإعاقة أن يقولوا على الله غير الحقّ وأن يؤجّلوا العقيدة وكلّ متعلّقاتها والتي منها حقّ الله تعالى في التّشريع ولذلك لم يتعرّضوا إلى نقد مجلّة الأحوال الشّخصيّة على وهم أنّها تفسد الوفاق السّياسيّ مع العلمانيّين لأنّهم جعلوا أولوّيتهم الكبرى مقاومة الإستبداد على حساب العقيدة!!!
لقد أجّل نهضة المهجر العقيدة في أكثر من مناسبة وهذا وحده، يكشف عن خلل منهجي خطير يطعن في شرعيّتهم لخلل موازينهم ، وكان ذلك سبب مقتلهم لأنّ العقيدة أساس كلّ شيء و من بنى على غير أساس لم يبن شيئا، ومن فعل ذلك فلا تسأل بعد ذلك لماذا يقع القوم في الكوارث ؟ ولا تعجب من إلزامهم الخطإ لمن خالفهم، بل يقاضونهم بالتّشدّد والتّطرّف والأصوليّة ويغرفون من مصطلحات ترضي أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
إنّ منهج النّهضة المتناقض المندّد بالسّلفيّة التّونسيّة، والسّاكت عن العلمانيّين العقائديّين، بل المداهن في بيان الشّريعة كاملة والدّفاع عنها لمن أعظم المصادمة للأصول والاعتداء على الثّوابت.
وإنّ إلزام المخالف للنّهضة بالخطإ والإنحراف مخالف للمنهج الشّرعي الرّحيم المحرّض على حسن الظّنّ بإخوان العقيدة وعلى إيجاد العذر لمن وقع منهم في مخالفة شرعيّة واضحة. والدّليل أنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن لعن صحابيّ و قد شرب الخمر في حين أنّه لعن من يشربها عموما وعلّل سبب عدم لعنه بقوله إنّه يحبّ اللّه ورسوله...
إنّهم حكموا على مخالفهم بالتّطرّف والتّشدّد وغير ذلك، وهو لعمري مخالف للمنهج الإسلامي القاضي ب " المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم " وأنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله. كلّ المسلم على المسلم حرام.... وهو كذلك مخالف لمنهج الشّرع الحكيم الدّاعي إلى جمع كلّ المسلمين والعاملين منهم بالخصوص على الحقّ والسّنّة ضدّ الأعداء الخلّص ولا الإستقواء بهم أو التّقرّب منهم بالنّيل من إخوان العقيدة بأيّ نوع من النّيل... لأنّ من ثوابت أصول الدّين وقطعيّاته ثبات أصل الأخوّة الإيمانيّة ولا يسقط ذلك إلاّ بكفر يقينيّ ولا ينتهك بتأويل أو إحتمال أو وهم أو ظنّ قد يعظم بسب الأهواء السّياسيّة الّتي كثيرا ما تلبّس عليهم أحلام مصالح وهميّة...
إنّ هذا المسلك الذي يقدّم أولويّات مصالح الوسيلة ـ " أي الجهاز " والذي يرتقي عندهم إلى تسميته ب " الكيان " ـ على أولويّات العقيدة ومقتضياتها خطأ شنيع وضلال بيّن وآنحراف واضح سيرشّح إلى عقبة في طريق البناء الإسلاميّ في تونس لسقوطه ضحيّة الدّخن الفكري والتّهوّك المنهجي فضلا عن مكبّلات مصالح الحزبيّين ومثقلات الذّنوب والمظالم، وملجمات الجمود وعدم التّطوّر والرّكون إلى الحلقة المفرغة المعبّر عنها أحسن تعبير أبديّة الزّعامة الّتي أثقلت القوم.
إنّ المبادئ العظيمة لا تنصر بمواقف هزيلة ومن طلب عظيما قدّم العظائم، والجماعات الضّائعة والفكر الطريّ لا يمكن أن يكون سندا لهدف ضخم ولا حمّالا لواجبات عظيمة.
إنّ أهل الحقّ ليست لذّتهم في كسب مواقف ينقلب عليها غدا، ويتلوّن عليها بعد غد، ولكنّ سعادته في الحقّ الّذي معه، مهما كلّف ممّا يبدو من " خسائر "مرحليّة ومن عنت وقتيّ لأنّ الحقّ الإلاهيّ لابدّ أن يعلن، والوعد الرّبّاني لا بدّ أن يتحقّق...
إنّ الخطاب الموغل في الحزبيّة المفرّط في حقوق الإسلام الّتي من أعظمها الدّفاع عنه وبيانه وعدم كتمانه والصّدق في الخطاب السّياسي والحفاظ على وحدة المسلمين وبراءة ذمّتهم، ليطرح إشكالات عديدة من أهمّها: غاية هؤلاء!!!أي لمن يعمل هؤلاء ؟ وما هي أهداف هؤلاء ؟ و ولاؤهم لمن ؟ هل غاية العاملين في النّهضة للّه أم للحزب ؟ وهل الولاء للإسلام وأهدافه أم للحزب وأهدافه ؟ وهل أهدافهم هي أهداف الإسلام أم أهداف أشخاصه ؟ هذه أسئلة قد تكون حرجة، ولكنّها ضروريّة جدّا لكلّ من يحرص أن يقبل الله عمله، كما يجب أن تطرح على قوم أجّلوا العقيدة في عملهم للإسلام !!!
إنّ حركة نهضة المهجر بمواقفها الضّعيفة هذه يعدّ تنكّرا لذاكرتها وهويّتها وثوابتها وطعنا في مكاسبها التّاريخيّة الّتي لم تحقّقّها إلاّ بدفاعها عن الشّريعة، ورفع راية عقيدتها، وبصلابة مواقفها، وبتبنّيها لآلام شعبها، وبتعبيرها عن آماله، ولم تلق تلك الحظوة بسبب التّنازلات والتّلوّنات والمراوغات...إنّ الإصرار على الثّّوابت الشّرعيّة هو وحده الكفيل للنّجاح والتّوفيق ويكفي ذلك نصرا وعزّة.. وآنظر إلى حماس ما الّذي جعل الشّعب الفلسطيني يختارها !!! فهل شيء آخر غير التّمسّك بالثّوابت والحقوق المشروعة أمام أضخم آلة حرب وتدمير في المنطقة وبدعم حبال النّاس المنقطعة النّظير من العالم .
فهل يمكن أن نقول إنّ منهج النّهضة الضّعيف المتلوّن الخاضع لضغوط الإكراه و الإغراء والرّغب والرّهب لفي أشدّ مأزق وهو تحوّلها عن الثّوابت والقيم من أجل وهم المكاسب، سينتهي بها يوما إلى التّخلّي عن مبادئها. وهل فعلا أنّ حركة النّهضة التّونسيّة قد تخلّت عن سمتها الإسلاميّ وتدحرجت إلى علمنة مقنّعة برداء دينيّ رقيق كشف عنه رئيس مكتبها السّياسي بقوله لسنا حزبا دينيّا فكيف ندعو إلى تطبيق الشّريعة، بل هم لا يدعون في دولتهم الموعودة إلى الصّلاة كما قال الغنّوشي لإحدى القنوات الفضائيّة...
إنّ الله عزّ وجلّ جعل قداسة هذا الدّين فوق كلّ إعتبار، ورفع لواء العقيدة فوق كلّ شيء، فلا قيمة لشيء مهما غلى إذا كانت العقيدة أو شعائر الدّين مهدّدة. وإنّ أعظم شيء يجب أن تعمل له الصّحوة في تونس ـ والّذي تنكّرت له نهضة المهجر ـ أن ترفع مبدأ العقيدة أوّلا عبر حقوق الله أوّلا، وأعظم حقّ له سبحانه وتعالى أن يعبد وحده، ولا يشرك به شيئا، ولا يتّخذ النّاس من دونه أربابا أو أولياء أو أهواء وكلّ ذلك طاغوت يجب أن يكفر به.
http://www.tunisalmoslima.com/module...ticle&sid=1007