العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-10, 05:25 PM   رقم المشاركة : 1
فارس الكلمة
عضو فعال







فارس الكلمة غير متصل

فارس الكلمة is on a distinguished road


السلفية ف تونس بين رحى السلطة وحركة النهضة

السّلفيّة في تونس بين رحي السّلطة و حركة النّهضة2/1
خَمِيس بن علي الماجري
إنّ من المعلوم بالسّياسة بالضّرورة في تونس أنّ السّلطة هناك بحكم طبيعتها الشّموليّة المنغلقة والمتطرّفة لا تتحمّل المنافسة السّياسيّة كما لا تقبل بتاتا المزايدة الدّينيّة ولذلك تعرّض التّديّن في تونس منذ أن تسلّمت تلك السّلطة البلد من فرنسا إلى عقوبة بشعة وانتقام شرس تناقص مع الزّمن حتّى بروز الصّفة السّياسيّة للصّحوة الإسلاميّة الأولى منذ 1981 .
لقد عظم حجم كرب المتديّنين و بلغ أشدّه بعد انتخابات 1989 وشاعت ثقافة الطّعن في الدّين من جهة ، كما شاعت ثقافة الهبوط كانت نتائجها كارثيّة على شعبنا تبيّنها بشاعة الجرائم وانتشارها وسيادة الخوف والرّعب والضّيق الّذي يعيشه النّاس في البلد إلى درجة أن أصبح ذبح التّونسيّ لأخيه في الشّوارع وفي وضح النّهار أمرا عاديّا ...
لقد اختزلت السّلطة كما هي طبيعة الأنظمة الشّموليّة الإسلام في مسائل العبادات ، بل حتّى العبادات عودي أهلها . فزوّرت دولة " التّجفيف " الدّين تحت حجّة التّحوّلات الإجتماعيّة ، و حاربت الصّحوة دون ذنب ، تحت عنوان " تونسة التّديّن" لأنّها مشرقيّة المرجعيّة والتّوجّه ، وآدّعت أنّ الصّحوة الجديدة ماضويّة ومنغلقة .. وهذا ما يوضّح بكلّ جلاء أنّ السّلطة لها مشكل مع الإسلام ذاته تصوّرا وإلتزاما. وهذه هي المشكلة في حقيقتها : المستهدف هو الإسلام في عقائده وأخلاقه ونظمه ومن يعبّر عنه من تمثّل عامّ في أشخاص ومؤسّسات فضلا عن أفكاره المتحرّرة من الأهواء والشّبهات ، وأنّ اللاّفتات الّتي ترفعها السّلطة من هنا وهناك في تبنّيها للإسلام، ما هي إلاّ تضليلات ..
ومن ثمّ لا تعجب من خطب المدح الغربيّة لهذه الخطّة، لما قدّمته من خدمات عظمى لهم ، وآخرها ما جاء على لسان رومسفلت الأمريكي.
إنّ حجم الاستهداف الّذي تعرّض له الخلط بين تجفيف الإسلام في تونس وبين المواجهات الأمنيّة الّتي لحقت الصّحوة لم تعرفه دولة في الأرض، ولو استعملت السّلطة الجهد كلّه ، أو قل ربعه لمحاربة التّخلّف وتحقيق التّنمية لتفوّقنا على ماليزيا وأندونيسيا ! ولكن أنّى لها ذلك وقد آستأصلت عبر ردم منهجيّ ومنظّم للينابيع المتنوّعة والّتي من أهمّها إستهداف أفضل رجال تونس خلقا وإدارة لكلّ معارك التّخلّف .
إنّ العدوان الّذي لحق بالتّديّن في تونس خرق كلّ الشّرائع والقوانين والقيم والأعراف . وإنّ السّلطة الّتي جعلت بتهوّكها الموضوع الإسلاميّ في قلب المعركة السّياسيّة في تونس وهي تريد أن تبعده عن ذلك ، لتستفزّ التّونسيّين لتجيّش كلّ مسلم في العالم ضدّها ، لأنّها آفتعلت عداوات كانت في غنى عنها مع كلّ مسلمي العالم ، وجلبت لنفسها السّخط من " منظّمات حقوق الإنسان الدّوليّة " ، وأسّست لعنصريّات التّفريق بين النّاس في أرض الخضراء حتّى لكأنّها جعلت من المسلم الملتزم في درجة متخلّفة أمام متساكنه الملحد أو اليهودي أو النّصرانيّ. و ذهبت تخلط الأمور ، فتعدّى مكرها إلى الإسلام ذاته : عقائده ومناهجه وذهبت تتّهم الإسلام أنّه قرين التّطرّف والإرهاب بل هو الّذي يصنع ذلك.. وما تغيير مناهج التّعليم السبّاقة في سنة 1989 إلاّ دليلا صارخا على ما أقول ...
إنّ القيادة العاقلة هي الّتي تحرص دائما على أن لا تصادم شعبها ، خاصّة في أعظم مقدّساتها وثوابتها ، وهي الّتي لا تنسى أبدا أنّ التّحكّم في خصوصيّات الإنسان تزيد في إبعاد الشّقّة بينها وبين شعبها وتزيد في تعميق الرّفض لها ، هذا فضلا عن نفاذ الأمر القدري في كلّ ظالم . وهل هناك ظلم أعظم من منع دولة لآمرأة أحرمت للحجّ بلباس حرصت على التّمسّك به بعد تمام مناسكها ؟؟؟
إنّ محاصرة الحجاب واللّحية وغيرهما إنّما هي ظواهر الأشياء وسطحها، والجوهري الأساسي لهذه المسائل هو الدّافع الإيديولوجي والثّقافي الّذي أفرز هذه المحاربة وأحكمها . ودليلي على هذا القول هذا الخطاب الكاشف عن حقيقة هذه السّلطة : " ويمثّل إلغاء تعدّد الزّوجات بمقتضى قانون الأحوال الشّخصيّة وإقامة نظام الزّوجة الواحدة تعبيرا آخر عن مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة . وقد أصبح تعدّد الزّوجات ـ الّذي كان هو المظهر أكثر فجاجة وظلما لعدم المساواة بين الزّوجين ـ جنحة يعاقب عليها القانون الجنائيّ وفضلا عن ذلك فإنّ الزّواج الجديد باطل ". من تقرير الحكومة التّونسيّة المقدّم إلى الأمم المتّحدة والمتعلّق بالمعهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة بتاريخ 18 ماي 1993... ولا يمكن أن يفهم من هذا النّصّ الواضح الدّلالة الصّارخ العبارة إلاّ ـ في أحسن أحواله ـ تعقيبا على حكم الله تعالى . إنّ خطّة "التّجفيف " كلّها لها باطن ولها ظاهر ، وإنّ ما صدر منها علنا إنّما هي ظواهر الأشياء وسطحها وسقفها ، وقد بيّن هذا النّصّ بما لا يدعو مجالا للشّكّ الدّافع الإيديولوجي لواضع هذه الخطّة ، بل لتعاملها مع كلّ الإسلام عقيدة التّونسيّين منذ أربعة عشر قرنا ...
لقد أخطأ العبقريّ الأمني في مواجهة عقائد النّاس، وما أفلحت مشاريع سلخ الإسلام من البلد، وقلع العقيدة من قلوب التّونسيّين، فطاشت كلّها كفقاقيع الصّابون، وذابت كالثّلج، فما أفلحت أفلام الإباحة ولا التّشجيع على الفاحشة ولا مسك العصا الغليظة. لقد أبطل الله عزّ وجلّ المشروع الأمني ورمى به في الجحيم. { بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل ممّا تصفون } .
إنّ الاٌعتداء على حقوق الله تعالى في أن يعبد كما رسم في كتابه وسنّة نبيّه والاعتداء على محض حقوق النّاس في الشّكل والمظهر حجابا أو لحية أو لباسا ليعدّ من أعظم عدوان السّلطة على الإسلام ، وهذا وحده كفيل بتوسيع دائرة الغضب الشّعبي التّونسيّ ومزيد انتشار التّديّن من جديد . وسبحان الله الّذي يغرس الحقّ بفعل المبطلين ، حيث جعل عزّ وجلّ من أسبابه القدريّة أن ينصر هذا الدّين بمكر الفاجر ...
إنّ خطّة تجفيف المنابع بان فشلها من خلال تضخّم ظواهر الانحراف الأخلاقي البشع الّذي لامس كلّ طبقات الشّعب وأعظمه الذّبح أمام مرأى النّاس ، أومن خلال فساد السّلطة في كلّ ميادينها ، فجاءت رياح صحوة جديدة تريد أن تصحّح المسيرة ، أتمنّى لها أن تؤسّس على علم وتقوى و وتجرّد من أطماع الدّنيا ...
إنّ ما يسمّى بخطّة تجفيف ينابيع التّديّن لئن نجحت إلى حين في إبعاد خصم سياسيّ للسّلطة ، فإنّها كانت منطلق صحوة جديدة مطلوب منها أن تستوعب دروس من سبقها .. إنّني أتمنّى من هذه الدّولة :
ـ أن تتوقّف عن خلطها بين الأمور ، وأن لا تكون مسكونة بالحرابة ضدّ شعبها الأعزل الهارب من جحيم الضّنك والفوضى والفارّ إلى ربّه ليرسم له طريق الخلاص ..
ـ أن تتخلّص من الهوس الأمني ولا تقرأ التزام الشّباب بأنّه ثورة عليها أو خروجا عنها ...
ـ أن لا تنتقم من الصّحوة الجديدة تحت دعوى مقاومة التّطرّف ومحاربة الإرهاب أو غير ذلك من الشّعارات الرّائجة التي تخدم أجندة الغزاة .
ـ أن تعقل الدّولة وتفيق من سكرة إستئصال التّديّن ، وتجفيف الفكر والقيم بهدف حصر الإٌسلام في مرحلة تاريخيّة إنتهت منذ قرون . ولتعلم سلطة التّجفيف أنّها لن تقدر على ذلك المبتغى ، لأنّ ذلك وهم عظيم وطيش وعناد سبق وأن جرّب ذلك في بلاد الإسلام وخاصّة في البلاد الشّيوعيّة فلم يجنوا إلاّ الدّمار . إنّه قد تبيّن لكلّ ذي عينين أنّه لم تنفع جميع الأساليب الّتي استقوت بها السّلطة في إيقاف تديّن النّاس والشّباب منهم خاصّة .ولقد تبيّن لها أنّ خطّتها كلّها انهارت على رأسها .قال تعالى: { قد مكر الّذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون .} 26 سورة النّحل .
لابدّ أن تلغي الدّولة هذا المنهج الجائر ، وتصرف كلّ تلك الجهود الّتي تبذلها لمقاومة شبابها في تنمية البلد ، عبر مصالحة مع تديّن النّاس ورفع يد الدّولة عن التّحكّم في عقائدهم وأفكارهم ومظاهرهم وأزيائهم ومعيشتهم وأرزاقهم وغير ذلك من الحقوق الأساسيّة لكلّ تونسيّ ، وأن يسلكوا منهج الإمام مالك رحمه الله تعالى ـ إن كانوا مالكيّين ـ في رفضه أن تفرض السّلطة السّياسيّة نمطا إسلاميّا معيّنا على النّاس .
وإنّني على يقين أنّه لو ترفع السّلطة يدها عن تحكّمها في تديّن النّاس وتترك لهم حرّيّتهم في ممارسة حقّهم في التديّن: تعلّما وعملا ونشاطا دعويّا وثقافيّا ...فلن تر من شعبها إلاّ المكافأة بالحسنى لأنّ أبناء الوطن الّذين خاصموها لمّا رأوها تعارك دينهم ، فإن بدّلت السّلطة سياساتها فستراهم خدمة للبلد وسنشهد أنّ جزءا مهمّا من الاشتباك الحاصل اليوم بين الشّعب وبينها سينحلّ بإذن الله تعالى !!!...
إنّ الدّولة الّتي تصادم عقائد النّاس وتلاحق صالحيهم ، وتصنع واقعا متفجّرا ، وتضغط على عقول النّاشئة لا بدّ أن تتهيّأ لفشل ذريع على كلّ المستويات ، ولتعلم أنّها لا يمكن أن تشهد تنمية أو تقدّما وهي تحارب العبّاد !!فكيف تشهد تنمية وهي تفرّق بين شعبها لمجرّد الالتزام بالدّين !
و من المعلوم أنّ المسألة الإسلاميّة في تونس تشهد صراعا بين قطبي النّهضة والسّلطة . تقدّم الأولى تحت ضغوط ، إسلاما " مشوّها " وتقدّمه الثّانية "عقيما " ...
وحتّى لا يبقى الإسلام يعاني بين الطّرفين ، لا بدّ من معالجة صحيحة يخلص بها من تجاذبهما السّياسيّ . لقد تعرّض الإسلام في تونس إلى عمليّة آختطاف وتوظيف لصراع سياسيّ مرير بينهما، انتهى بخسارة الجميع شعبا ومعارضة وسلطة ، خسر شعبنا الدّين الحامي، وخسرت السّلطة الممعنة في التّوحّش والفوضى ثقة شعبها ، وصدمت الأمّة في إسلاميّين هبّوا يوما وقالوا إنّهم سيحقّقون طموحات شعبهم .
إنّ الإسلام لا يمكن أن يتحمّل أخطاء النّاس ولو كانوا يعملون له ، ولا يمكن أن يخضع للابتزاز أو للانتهاز من طرف أحد . وعليه فنرفض أن يعدّل من أيّ كان تحت أيّ نوع من الظّروف ، كما نرفض كذلك أن تعاقب السّلطة الإسلام – دين الشّعب – لأنّ فريقا من النّاس راحوا يعارضونها به .
لذلك لابدّ أن يعمل العقلاء عامّة وطلبة العلم منهم خاصّة على تحييد الإسلام من " الرّحي " بين الطّرفين . وأن يعملوا على حفظه من محاولات التّأويل والتّحريف والتّركيب والتّوليف والتّشويش والاحتراف حتّى يبقى صافيا نقيّا كما نزل ، يزيلون عنه ما علق به من تحريف السّلطة ، وتشويه المعارضة . دين عدل بين ظلمين ، ووسط بين تطرّفين ، وهدي بين ضلالتين ، وحقّ بين باطلين ، واستقامة بين اعوجاجين ، وحنيف بين بدعتين ، بسيط بين تعقيدين ، فطريّ بين مركّبين ، و سيّد بين آحتكارين، و مرجع للطّرفين ، وحكم للمتنازعَين..
انّ السّاحة التّونسيّة تعاني أزمة فكريّة غثائيّة حادّة أفقدت توازنات النّاس ، فصار الدّخل ، وثار الدّخن ، وضعفت البصيرة ، وعزّ اليقين ، وقلّ التّوكّل ، وندرت السّنّة ، وفرّخت البدعة ، وعمّ الدّجل ، وآنتشرت الخرافة ، وتكاثرت مظاهر السّحر والشّعوذة.
إنّ أخطر شيء على الأمّة تزييف دينها . ومن نافلة القول التّأكيد على أنّ البلد قد تفشّت فيها الأمّيّة الدّينيّة بمكر من السّلطة وبتفريط من مغامرات النّهضة ، وانّ السّاحة التّونسيّة تعاني أزمة فكريّة غثائيّة حادّة أفقدت توازنات النّاس ، فصار الدّخل ، وثار الدّخن ، وضعفت البصيرة ، وعزّ اليقين ، وقلّ التّوكّل ، وندرت السّنّة ، وفرّخت البدعة ، وعمّ الدّجل ، وآنتشرت الخرافة ، وتكاثرت مظاهر السّحر والشّعوذة ، وعظم الكرب ، وضاق الحال ، وانتشرت الفوضى والفساد في البرّ والبحر، وتوسّعت الجريمة ، وشاع الفقر ، وجاع النّاس وضاعوا ، ورتع المضلّون المضلّلون في البلد وباضوا وفرّخوا وصفّروا ، فتقاطر على كلّ ناعق منهم أعداد كبيرة من ناس الخضراء، شيبها وشبابها ، ليعقدوا لهم أديانا باطلة، أو ينتحلوا لهم نحلا محاها الإسلام من الخضراء منذ قرون. وعليه لا بدّ من هبّة جادّة للذّود عن حمى الشّريعة، وللدّفاع عن شعبنا العزيز الّذي خضع لعمليّة تدمير كامل يشمل كلّ مستويات الحياة والمعاد !!
إنّ البلاد – لا قدّر اللّه - مقبلة على فتن عظيمة لم تعرفها تونس الحديثة من قبل .فتن التّحارب الإسلامي الإسلامي إن لم يتفطّن إلى ذلك المعنيّون . وهذا المكر يعدّ له ويخطّط باللّيل والنّهار من طرف تحالف الآستئصاليّين الفاسدين من الأمن البائر واليسار الانتهازي الفاجر. وعليه فلا نجاة من ذلك على حدّ قول الشّيخ محمّد الطّاهرابن عاشور- رحمه اللّه - إلاّ بتدقيق أوضاعنا الذّهنيّة وبضبط المدلولات الفكريّة وبتخليص معاني الشّريعة من الاشتباه والالتباس .
وإنّ حركة النّهضة التّونسيّة ، لم ترتق بعد إلى مستوى المحنة الّتي يعانيها شعبنا الأعزل وإلى مستوى التّحوّلات الخطيرة الّتي شهدها مجتمعنا بعدما خلا الجوّ لمشروع التّضليل .ولا يزال القوم يصرّون على عدم التّعاطي مع القضايا بإبعاد العقيدة والتّخلّي عن مطالبها ..
والأمّة في كلّ مكان بمن فيهم الصّحوة الجديدة في تونس تقاوم ، ونهضة المهجر لم تستطع أن تقاوم كمشة من أعداء الشّريعة بل مازالت تراهن على تلك النّخبة العلمانيّة الفاسدة في إصلاح الأمور وكأنّها يئست من شعبها ، وما معاداتها للصّحوة الجديدة وآتّهامها بالإنغلاق مرّة وبالتطرّف أخرى وبالمشرقيّة وبالتّكفير أطوارا ، جريا على ركوب موجة محاربة التّطرّف والإرهاب وآستقواء بالأجنبي للتّدخّل في حلّ مشاكل البلاد .
إنّ الغلوّ في شريعتنا الغرّاء مذموم في كلّ شيء ، ومنه الغلوّ في مسمّى المصالح الذي يعتمد عليه المراهنون على الإصلاح الأمريكي . إنّ الشّيطان الّذي يتناساه السّياسيّون يدخل الفساد على النّاس عامّة من باب التّحسين للأشياء ، وما دخل الشّرك إلاّ من باب الغلوّ في الصّالحين، وما دخلت البدع إلاّ في قالب الحرص على الطّاعة ،وغير ذلك.. فالعصرانيّون الّذين يحلو لهم أن يسمّوا أنفسهم وسطيّين أدمنوا في الرّضا عن أنفسهم وتزكيتهم لمنهجهم المتحلّل . فهم وحدهم المعتدلون وغيرهم يصكّونهم بأحكام سياسيّة إقصائيّة وإستئصاليّة . وهذا ما يكشف عن عصبيّة حزبيّة منغلقة مغرورة بوهم أنّهم دائما على الحقّ وأنّهم الفرقة النّاجية والطّائفة المنصورة وأن من شذّ عنهم شذّ إلى النّار . قال الأستاذ الغنّوشي وهو يخاطب من بقي معه: والمهمّ أن نستيقن أنّنا على الحقّ على طريق خدمة وطننا وامّتنا وديننا . رسالة عيد الفطر تونس نيوز 13 / 11 / 2005 وهذا من قبيل زعيمه القائل :" فدعوتكم أحقّ أن يأتيها النّاس ولا تأتي أحدا ... إذ هي جماع كلّ خير وغيرها لا يسلم من النّقص !!" ص 232 مذكّرات الدّعوة والدّاعية للشّيخ حسن البنّا . و قال القرضاوي وهو يزكّي منهجه الوسطيّ ـ زعم ـ على أنّه هو الإسلام الصّحيح :" الإسلام الصّحيح كما دعا إلى ذلك المجدّدون الأصلاء جمال الدّين والكواكبي ومحمّد عبده ورشيد رضا وإقبال وحسن البنّا " .. من أجل صحوة راشدة للقرضاوي ص101
إنّ الغريب ، أنّ نهضة المهجر التّونسيّة تريد أن تجعل لها شرعيّة أمريكيّة عبر صناعة وتضخيم عدوّ الجميع"، سلفيّة متشدّدة ومتطرّفة مشارقيّة منغلقة . وهذا لعمري مسلك إنتهازيّ ممقوت ومرفوض. لأنّ الخلق العظيم يلزم كلّ مسلم أن يفرح بهذه العودة المحمودة للصّحوة الجديدة في تونس ، وأن ينتصر لها ، وأن يأخذ بيدها
إنّ الغريب ، أنّ نهضة المهجر التّونسيّة تريد أن تجعل لها شرعيّة أمريكيّة عبر صناعة وتضخيم عدوّ الجميع"، سلفيّة متشدّدة ومتطرّفة مشارقيّة منغلقة . وهذا لعمري مسلك إنتهازيّ ممقوت ومرفوض. لأنّ الخلق العظيم يلزم كلّ مسلم أن يفرح بهذه العودة المحمودة للصّحوة الجديدة في تونس ، وأن ينتصر لها ، وأن يأخذ بيدها ، وأن يعينها عملا بقواعد الإسلام المقرّرة بوجوب نصرة المسلم عامّة والمستضعف خاصّة ، والوقوف مع المظلوم ، وعدم التّخلّي عن الأخ في كلّ الأحوال وفي التّعاون على البرّ والتّقوى والإعتصام بحبل الله والإجتماع على الدّين وان لا نتفرّق فيه وأن لا نتحزّب أحزابا ولا نتفرّق جماعات وشيعا ...بل إنّ الخلق العظيم يفرض على نهضة المهجر أن ترتقي إلى تحمّل أخطاء هؤلاء الشّباب وتحمّل الأذى عنهم ـ إن حصل منهم ذلك ولا نعلم أنّ ذلك قد حصل ـ . كان بين إبراهيم بن يزيد النّخعي والحجّاج عداء ، فأمر الحجّاج رئيس شرطته بالقبض على إبراهيم وإيداعه السّجن فأنطلق رئيس الشّرطة إلى منزل إبراهيم بن يزيد التّيمي لا النّخعي خطأ . فقبض عليه وأودعه السّجن، وأذيق في السّجن ألوان العذاب . ولمّا قيل له : لماذا لا تخبرهم بأنّك إبراهيم بن يزيد التّيمي ولست بالنّخعي؟ قال : ما كنت لأرمي به في العذاب وهو بريء لأنقذ نفسي !!!
إنّ المسلك النّهضوي مسلك مناقض لما يرفعونه من شعارات ومخالف لشرعنا العزيز. فهم يوادّون اليسار الذي حادّنا زمنا طويلا، وحاربنا ، وتحالف مع السّلطة ، ووضع خطّة التّجفيف ، وذبحونا ذبحا بليغا ، ونال من الإسلام نيلا عظيما، وأثخن في شعبنا إلى العظام ، والنّهضة لا تريد أن تزعجهم أبدا وهم يعلمون إنّهم يتمالقون ، ثمّ إنّ العلمانيّين مستعدّون أن ينقلبوا في أيّة لحظة، بمناسبة أو غيرها . لقد والت النّهضة قوما ظلمونا ، ومن أعان ظالما سلّطه الله عليه، ومن رضي البيات في عرين الذّئب فلا عجب إن افترسه يوما.والله تعالى يقول :ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النّار وهل ثمّة ظلم أعظم من أنّهم يعادون شرع الله تعالى من وكلّ وجوهه ؟؟؟ وطبيعيّ من قوم تخلّوا عن العقيدة أن يوادّوا العلمانيّين و يعادوا الصّحوة الجديدة المؤمنة الّتي تريد حمل الأمانة ، بل تقاضيهم بمفردات الحرب على الإرهاب . وقد نسّوا في خضمّ العفس السّياسي قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :" القضاة ثلاثة : إثنان في النّار وواحد في الجنّة " ! وقد يقضي القاضي في ربع دينار فيدخل بذلك إلى النّار. فكيف في عقائد النّاس وأسمائهم ! فهل يمكن أن نقول يتركون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإيمان لتهمة أنّهم ليسوا نهضويّين !!!
إنّ النّهضة تخلّت عن صحوة بريئة ولم تنتصر لها كما انتصروا للعلمانيّين والشّيوعيّين بل قدّموا إخوانهم قربانا من أجل قبولهم الطّرف الإسلاميّ "الوسطيّ" . لقد أذلّ هؤلاء الوسطيّة الشّرعيّة الصّامدة على الدّين كلّه ، والمقاومة لكلّ انحراف عنه ، المتميّزة بالشّهادة على العالم بالحقّ ، العادلة في أحكامها بالقسط ، المتمسّكة بالشّريعة الكاملة والمهيمنة ، وبذلك تشهد هذه الأمّة على كلّ الأمم لمقاومتها لا لتميّعها ، ولثباتها لا لتلوّنها. { وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا } لقد تعامل الأستاذ الغنّوشي مع الصّحوة الجديدة بمنهج تبنّيها أوّلا ثمّ محاولة الإلتفاف عليها عبر دعوتها إلى تبنّي فكرها في نصح مغشوش ، حيث دعاها أن تقرأ إلى " مشائخ و مجدّدي" حركته في مقاله منذ البدء كان الدين حركة شباب . بل دعا حركته إلى أن تتحمّل مسؤوليّتها في رعاية هذه الّصحوة ، ولكنّ الأستاذ ـ مع الأسف ـ كان أوّل من خرق تلك الدّعوة حيث عمد ـ غفر الله له ـ إلى طعنها في الظّهر حيث لم يثبت ـ كعادته ـ على تلك المواقف، بل سرعان ما آنقلب عليها فهاجمهم ، وفجأة خاصمهم و" صنع منهم عدوّا للجميع " في مقالات له متعدّدة فجعلهم غولا مرعبا مخيفا فهم بتعبيراته : أصوليّون ،إستئصاليّون ،غلاة ، خوارج ، متشدّدون ، متطرّفون ، مشارقيّون ، غير عقلانيّين ... وهلمّ جرّا وبدأ يدخل كلّ تلك المصطلحات الّتي ترضي الأعداء في تحليلاته السّياسيّة ، ويقحمها قسرا للإبتزاز السّياسي ، فكأنّه يقول ـ مع مكتبه السّياسي ـ فإمّا نحن " الوسطيّون " وإلاّ الآخرون " أعداء الجميع " .
لقد كان في الثّمانينات من أكثر النّاس تحمّسا لترشيح المشارقة إلى قيادة العالم فقد جعل ـ ولا يزال ـ من الخميني والبنّا والمودودي قيادات للأمّة وزعماء الإصلاح في القرن الماضي ، ولم يجعل من بينهم مغربيّا واحدا !!! كما لا يخفى عليك حضرة القارئ الكريم تماهي الغنّوشي في التّرابي وما أبعد الأخير عن المغرب الكبير ...
أمّا اليوم وفي خضمّ الحرب الصّليبيّة على الإسلام العقائدي يركب النّهضويّون هذه الموجة لإرضاء الغازي الأمريكي فآستجابوا لطبيعة المرحلة الجديدة المعركة الكونيّة ضدّ السّلفيّة ، فسقطت نهضة المهجر في تداول العملة أكثر رواجا الّتي يسوّق لها قوى الإحتلال : التّشدّد والتّطرّف والتّكفير لآستباحة كلّ الحرّمات تحت عنوان الحرب على الإرهاب ، فآنطلقوا ينالون من الصّحوة الجديدة طمعا في فتات من مائدة الرّأسمال السّياسي .
إذا أرادت نهضة المهجر أن تكون، وأن تستعيد ثقة شعبها، وان تسترجع مصداقيّتها، فلابدّ أن تتخلّص من هذا الخطاب فلقد عدّ السّلف الكلام المذموم أعظم من شهادة الزّور. درء تعارض العقل والنّقل 3 / 384.
إنّ المرء ليعجب من التقاء مصالح النّهضة مع السّلطة في مقاومتهما للفكر والتّديّن المشرقيّين وقد جاء ديننا كلّه من الشّرق ، والتّونسيّون من أربعة عشر قرنا يدينون بإسلام مشرقيّ : عقيدة قديمة للأشعريّ الشّامي ، ومذهب مالك المدني ، وقراءة قالون المدنيّ ..ثمّ إنّ المرء ليستغرب من تصريحات من يسمّون أنفسهم الوسطيّين وفقهاء الواقع ، إذ كيف يريدون أن يقفوا سدّا منيعا أمام عالميّة الإسلام .
إنّ العمل السّياسي لنهضة المهجر، متميّز بخطاب متلوّن و مشحون بعداوة الشّباب المكابد وجريء على الموحّدين، وليّن مع العلمانيّين، وناعم مع الطّغاة . فلقد رأيت منظّر الصّحوة الأولى ينال من الصّحابة ومن الأجيال المفضّلة من أهل السّنّة بالتّنقّص والطّعن . حيث أشار كم مرّة باللّمز والهمز إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وإلى أبي بكرة رضي الله عنه لروايته حديث لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمرأة ، والى خاله الملك المجاهد صهر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وكاتب وحيه – رضي اللّه عنه-. فآنظر – يا رعاك اللّه – ماذا يقول في خاله الصّحابيّ الجليل :" الوالي المنشقّ معاوية بن أبي سفيان، وقد غلبت عليه - غفر الله له - شهـوة الملك وعصبيّة القبيلة، فلم يكتف بأن انتزع الأمر من أهله بل ومضى في الغيّ لا يلوي على شيءٍ حتّى صمّم على توريثه كما يوّرث المتاع لابنه وعشيرته، فجمع في قصّته المشهورة ثلّة من المرشّحين للخلافة من الجيل الثّاني من الصّحابة، وأمام ملأ من النّاس قام أحد أعوانه يخطب بصفاقة... وحيـنئذ بدأ مسلسل الشّر والفساد، مكرّساً الدكتاتوريّة والوصاية والعصمة، مقصياً الأمّة عن حقّها، مبدّداً طاقتها في جدلٍ عقيم حول الخلافة والاستخلاف ....." . هكذا يعامل الغنّوشي بعض أصحاب النَّبِيّ- صلّى الله عليه وآله وسلّم- ، فيسيء بهم الظّنّ ويطعن فيهم الطّعن العنيف دون إعتماد على دليل قويّ ، بل يحاكمهم بمناهج الغرب . هذا قول الأستاذ في خاله معاوية وذرّيته . في حين أنّ الّرسول صلّى الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذكر بني أمية بخير ، فهم الفاتحون ، والمحطمون لعروش الكافرين ودولهم فقال :" لا يزال هذا الدّين عزيزا منيعا إلى اثني: عشر خليفة كلّهم من قريش ". أخرجه مسلم في الإمارة حديث (1821) وأخرجه البخاري نحوه في الأحكام حديث (7222) وأحمد نحوه (5/87).وذكر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ عهد الأمويّين رغم انّه ملكيّ ولكنّه رحمة فقال : " أوّل دينكم نبوّة ورحمة ، ثمّ ملك ورحمة ، ثمّ ملك وجبريّة ، ثمّ ملك عضوض " رواه الدّارمي 2 / 114 .
كما جرّح الأستاذ – هداه اللّه – وتنقّص ممّن قال بمسألة الاستخلاف في الحكم ، وهو بذلك لا يتنقّص من الصّحابة فقط ، الّذين أجمعوا على ذلك ، كما فعل أبو بكر مع عمر ورضي بذلك الأصحاب الكرام ، بل برسول اللّه - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وهو على رأي كثير من أهل العلم أنّه - صلّى الله عليه وآله وسلّم – أشار في كم من مناسبة وكم من حديث أن يخلفه أعظم أصحابه وأحبّهم من الرّجال إليه ..ويطعن الأستاذ ويتنقّص من فطاحل علماء الأمّة مثل ابن حزم الثّائر والغزالي وابن تيميّة وابن رشد وابن خلدون لأنّهم أجمعوا مع الأمّة على الاستخلاف . انظر الحرّيات العامّة ص163 . قال الأستاذ – هداه اللّه - : " ويشعر المرء بالقرف من استمرار هذا العفن قائماً في تراثنا الدّيني وفكرنا السّياسي، ويضع يده مباشرة على هذه الألغام التي قوّضت حضارة الإسلام وأسلمتنا إلى الانحطاط ، إنّه من غير ثورة شاملة تطيح بهذه السّموم التي لا تزال تجري في دماء الأمّة وتشلّ طاقتها وتجهض انتفاضتها، وتحبط أحلام نهضتها، فلا أمل في انطلاقة متينة قويّة قاصدة منتجة الحضارة من جديد في أمّتنا... فويل لتاريخ الازدهار من ليالي الانحطاط، هل نحن أهل لوراثة الخلافة الرّاشدة ونحن نلقي عليها بمزابل انحطاطنا؟ "الحريّات العامّة" ص162 . وقال : " فقد غدا الاستبداد طابعا مميّزا لها جميعا بل غدا مؤسّسة تعيد إنتاجه في مستويات مختلفة ... من تجربةالحركة ص 218 . وقال ـ وهو يتحدّث عن أخيار النّاس من القرون المفضّلة بنصّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : " فتنكّب عنها الأحفاد لأنّهم لم يكونوا في مستواها وقد أشربوا رحيق الأكاسرة والأباطرة وبقايا العصبيّة القبليّة النّتنة ، فأغشى أبصارهم ظلام القرون ... الحرّيّات العامّة ص163 .
قلت : ليس غريبا أن يقذف الأستاذ الصّحوة الجديدة ، وقد ذكرت لك ـ حضرة القارئ الكريم ـ بعض نصوص تمرّد الرّجل على ثوابت الأمّة ، بل طعن في أفضل ناسها بشهادة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : " خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم..."
وقلت : سبحان الله ، كيف يشطّب الأستاذ بجرّة قلم واحدة مجد الأمّة الّتي دحرت الفرس والرّوم والتّتار والصّليبين وعاداها كلّها من أجل مسألة لا وجود لها في شرعنا المطهّر ، وقد جعلها أصلا من أصول الدّين وعقيدة للولاء والبراء ، خالف فيها المسلمين بميزان الهوى الّذي عدّله وضبطه بميزان قيم الغرب الدّيمقراطيّة . فبها حكم على أمّة الوسط العظيمة بالانحطاط والمزابل .. فاللّه المستعان !!! أمّا الحكّام المزوّرون ، والملوك الأحياء الّذين آستخلفوا وورثوا الحكم ولدا عن والد أو عن الإستعمار ، ولم يرفعوا للإسلام راية ، بل كانوا حربا عليه ، فكم من مناسبة يخاطبهم بصفة الملوكيّة والمدح والتّعظيم والإجلال ، فها هو يقول في محمّد السّادس دون أن أعلّق :... وهو ما تنبّه إليه الملك الشّابّ .. أمّا فصيل التّوحيد والإصلاح فقد قاد عمليّة نوعيّة واسعة لتطبيع علاقة الحركة الإسلاميّة في المغرب مع العرش العلويّ الّذي يتميّز عن كلّ أنظمة المنطقة المغاربيّة بحرصه على آستمداد شرعيّته من الإسلام والانتساب إلى العائلة النّبويّة الشّريفة . من مقال له : الخطاب الدّيني في المغرب العربيّ. وقال : " ـ في ملك الأردن ـ : جلالة الملك الحسين ... وحتّى جلالة الملك الحسن الثّاني ... المتوسّط س 1 ع 12 ص 3 بتاريخ 17 /08/ 1993. و يمدحهم كم مرّة أمام العالم على القنوات الفضائيّة، و يحلّ ضيفا عليهم يأكل ممّا يأكلون ويشرب ممّا يشربون ، بل قد يدعى لأداء مناسك الحجّ من طرفهم فلا آغبرّت له ساق ولا شعثت له رأس .
وهل هؤلاء الّذين يمتدحهم وصلوا إلى السّلطة بالإنتخابات الدّيمقراطيّة الّتي يموت عليها ومن أجلها : لقد دافع بآستماتة يائسة و بائسة على مجلس الحكم في العراق وهو المنصّب من طرف الغازي الصّليبي !
وقال في طاغية اليمن وحليفه المهزوم :" فنحن نشهد لعلي عبد اللّه صالح وحليفه الاشتراكي بالسّبق و الرّيادة... المتوسّط س 1 ع 12 ص 3 بتاريخ 17 /08/ 1993. وقال لطاغية الجزائر زروال : إلى الأخ الأمين زروال رئيس الدّولة الجزائريّة .. لقد أغراني بالكتابة إليك نزاهتك ونظافة يدك وعمق وطنيّتك ، وهي عملة نادرة في مستوى النّخبة ... أيّها الأخ الرّئيس ... من رسالة له بتاريخ 08/02/ 1994 . وقال :" أمّا ليبيا فالحالة الثّقافيّة فيها هنا تشبه على نحو ما الحالة الموريطانيّة في أنّ البلدين لم يشهدا قطيعة بين التّراث والحداثة فحتّى الوثيقة المرجعيّة للدّولة الكتاب الأخضر يحتلّ فيها الاسلام موقعا مهمّا ، واللاّفتات في كلّ مكان تعلن أنّ القرآن هو شريعة المجتمع .. الخطاب الدّيني في المغرب العربي.
وقال :" المجدّد القائد العلاّمة المجاهد الشّيخ حسن التّرابي ، وإلى قائد الثورة الإسلاميّة المعاصرة الإمام الخميني ،و... يتمتّع بتأثير معنويّ هائل فيطاع طاعة تامّة ويتصرّف في خمس المال – مجلّة المعرفة س5 ع 2 بتاريخ 12 /02 / 1979، وهكذا يمدح لصوصيّة الخمس وصوفيّة الطّاعة ويجعلها شرعة ومنهاجا وقد غاب عنه أنّ هذه لصوصيّة الاحتراف الدّينيّ يرفضها العقل السّليم وليس فيها نصّ شرعيّ بيّنها اللّه عزّ وجلّ في قوله { يا أيّها الّذين أمنوا إنّ كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه }. التّوبة 34.
ولو رأيت الأستاذ كيف يحترم ماركس ولينين وكاسترو رؤوس الكفر العالمي ، فيقول: " وليس ماركس ولا لينين وكاسترو – مع الآحترام لهم - نحن مع العمل المشترك . وقال في الطّاغوت بوتن :" ألم يصنع الرّئيس الرّوسي بوتن سابقة إذ طلب العضويّة الشّرفيّة في منظمّة المؤتمر الإسلامي . وذلك ضمن قراءة نافذة للمستقبل ، وفي تواضع بعيدا عن طموح مغرور " .. من مقال الغرب والدّيمقراطيّة والإسلام ..... وكيف يبكي آن ماري شمّل المستشرقة الألمانيّة ، وقال فيها ما قال ضدّه في الصّحابة – وهو لا يعلم هل ماتت على الكفر أم على الإسلام ؟ :" علاّمة الإسلاميّات الكبيرة الفقيدة...ولم تكن تعوزها روحيّة وفدائيّة العلماء المجاهدين ..السّيّدة العظيمة كالطّود الأشمّ...الرّاحلة النّاسكة المتبتّلة... فحقيق على المسلمين... أن يمجّدوا ذكراها وأن ينشروا آثارها ومآثرها في العالمين... حركة النّهضة... ترفع تعازيها إلى أسرتها وزملائها و... وواللّه لا أذكر انّه ترضّى عن معاوية مرّة واحدة – وقد عشت معه ردحا من الزّمن – في حين أنّه يترضّى عن الضّال الخميني ويعزّي الإيرانيين في آبنه أحمد ويترحّم عليه ويتضرّع إلى اللّه .... تونس الشّهيدة س 1 ع 22 ص 8 بتاريخ 17 / 3/ 1995.
وكيف يبكي صديقه القوميّ اليمنيّ جار اللّه العمر ..وكيف يبكي على من جاء بالأمريكان إلى العراق ..... وابن علي رئيس دولتنا ...وأمريكا لها شرف ... وأمريكا صاحبة إصلاح وخطّطت لجعل العراق منارة الشّرق الأوسط تهدي الحائرين إلى أنوار وبركات الدّيمقراطيّة الأمريكيّة ... والشّرف الأمريكيّ. من مقال له بعنوان من دلالات الحدث التّونسي موقع تونس نيوز رقم 1507
إنّ الرّجل فاته الأدب مع الصّحابة جميعا بمجرّد طعنه في أحدهم . ومعاوية ستر من هتكه فقد هتك بيت الصّحابة جميعهم .. ولكنّ الرّجل سبق وأن خانه الأدب مع الأنبياء كذلك في طعنه في بعضهم . واليك الأدلّة
فقد إتّهمهم بالفشل في أمر لم يكلّفهم به اللّه تعالى في الجمع بين الإصلاح العقائدي و السّياسي فقال " وهو تعبير صارخ عن فشل مهمّة الجمع بين الإصلاح العقائدي و السّياسي معا." الحركة الإسلاميّة ومسألة التّغيير ص 25 ..قلت ولعلّ هذه التّقليعة أثر من غرس الخميني القائل : " لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة ، لكنّهم لم ينجحوا . حتّى النّبيّ محمّد خاتم الأنبياء الّذي جاء لإصلاح البشريّة لم ينجح في ذلك ".من خطاب ألقاه في ذكرى مولد المهدي في 15 شعبان 1400 هجري .
وقال الغنّوشي : " وموسى أجاب قومه بغضب ...ومات حسيرا .." وقال في سليمان قولا لم أجده حتّى في كتب الإسرائيليّات " وسليمان قتل خيله وجيشه ." نفس المرجع.
وهكذا ينال الأستاذ من الأنبياء عليهم السّلام بنيله من سليمان و موسى ، أسوة بشيخه الرّوحي المجدّد الضّال الخميني ، ويحرّف مهامّهم فيجعلها تحقيق الحرّيّات قال :" إنّ تحقيق وحفظ الحرّيّات العامّة يعدّ الهدف الأساسي من بعثة الرّسل " مقاربات في العلمانيّة والمجتمع المدني ص 21 . أمّا الأمّة والشّعوب المسلمة البسيطة الّتي لم تصب بالدّخن فتقول بقول القرآن المبين ، أنّ الهدف الأساسي من بعثة الرّسل وخلق آدم وإنزال الكتب هو توحيد اللّه تعالى وأن لا يشرك به شيئا قال تعالى {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن آعبدوا اللّه وآجتنبوا الطّاغوت} . النّحل 36
وآنظر كيف ينال من مخالفيه المتمسّكين بقول جمهور الأمّة في إشارات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لآستخلاف أبي بكر :" قوّل أدعياء التّسنّن على نبيّهم ، فأوّلوا إنابته لأبي بكر في الصّلاة على أنّه آستخلاف ... الحرّيات العامّة ص 162
ولو رأيته كيف يقسو ـ في حماس طائش ـ على من قال" إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج " تسليما لما ثبت عن النّبيّ المعصوم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وجعله تأويلا " يكرّس تبعيّة المرأة للرّجل على الصّعيد الاجتماعي وانمحاء شخصيّتها وذوبانها في شخصيّته وتكريس التّميّز والأفضليّة على أساس الجنس ". المرأة بين القرآن وواقع المسلمين ص 15 .ويذهب إلى تأويل النّصوص الحديثيّة النّبويّة حتّى تتلاءم مع نضال الحركة النّسائيّة المعاصرة ،بل حتّى يزايد بها على بورقيبة المعقّد . آنظر إلى نفس المرجع .
ولو سمعته في دروسه المسجديّة العامّة كيف كان يحرّض البنت الصّغيرة أن تضرب أخاها دفاعا عن نفسها متى ضربها ! فما رأيك لو تنشأ البنت التّونسيّة على ضرب الرّجال ! فتصوّر حجم الكوارث الّتي ستحصل في ظلّ نظام إضطهد فيه الرّجال أمام تبجّحه أنّه ساوى بين الجنسين ، بل وحّررها من إستبداد الرّجل .
ولست أدري ماالّذي جرّ الأستاذ إلى إنكار نصوص واضحة الدّلالة ويلوي أعناقها إلاّ للمزايدة على بورقيبة الّذي آجتمعت عليه عقد عظيمة ليدّعي كذبا انّه حرّر المرأة . كما كان ولا يزال يتنقّص من علماء الأمّة السّنّة وينال منهم تماما كما يفعل الشّيعة فقال : " قاموا بصفقة تاريخيّة لهم الشّريعة والحكّام لهم السّلطة . الحركة الإسلاميّة والتّغيير ص 30 . والوفاق التّاريخي بين العلماء والحكّام . نفس المرجع ص 31 ...
كما ذكر أنّهم وظّفوا من طرف الحكّام وجعلوهم أدوات للاستبداد . قال هداه الله : "... متّخذة من الدّين ومؤسّساته وعلمائه مجرّد أدوات تستخدم عند الحاجة ...وكانت محنة الإسلام وعلمائه عظيمة مع هذه الدّولة فآختار بعضهم المعاضدة للحكّام جريا على عادة علماء الإسلام..." ونسي أنّ سادة العلماء إمتحنوا من طرف من يشبهه في فهم الإسلام كالمعتزلة وغيرهم !!!
وقد ذهب كذلك بعيدا في منهجه السّياسي المتفلّت من الشّريعة ، المزهوّ بالكلام ، حين شبّه الله تعالى بالمخلوق وهو يرمي بالألفاظ العظيمة دون نظر في مدلولاتها أتصيب أم تخطئ ! فقال : " نظام الحكم في تونس ينتمي إلى أعتى الدّكتاتوريّات ذات العلامة المميّزة من مثل تنظيمه انتخابات يضمن فيها نجاحه المتكرّر بالنّسب الخياليّة 99،99 في المائة الّتي لا يمكن أن يحصل عليها حتّى الأنبياء . بل ربّ العزّة ذاته لم يبلغ المؤمنون به قطّ هذه النّسبة . أقلام أون لاين س 1ع 2 أكتوبر2001 .وقد كان بالأمس يقول : ثقتي في الله وبن عليّ !! قارن أخي القارئ بين هذه الأقوال وبين ما قاله في السّلف وفي بعض الصّحابة وفي فشل الأنبياء وفي العلماء الطّراطير المتواطئين وفي تشبيه ربّه بخلقه وغير ذلك كثير والله تعالى هو الهادي إلى سواء السّبيل
أعذرني قارئي الكريم عن هذه النّقول القليلة فما أردت إلاّ أن أشير إلى منهج الرّجل في تطييش الكلام وتنقّصه من الآخرين ، وكثرة تنقّلاته وتلوّنه في دينه ، وعظم تناقضاته ، وفي تحريفه في فهم الشّريعة ، ومن نيله من الأخيار ، ومن تعظيمه للأشرار ، ومن فعل ذلك فقد جعل نفسه عرضة للخصومات . ولقد حذّر السّلف الفاضل من هذه الفتنة . فقد جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى :" من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التّنقّل ." رواه الدّارمي رقم 310 والآجري في الشّريعة ص56 والبغوي في شرح السّنّة 1/217 .
إنّ الّذّي صدر عن نهضة المهجر في حقّ الصّحوة الجديدة ليعدّ حقّا تفلّتا أخلاقيّا ، حيث حكمت على صحوة جديدة بالتّطرّف والإنغلاق والمشرقيّة وغير ذلك ممّا يشينها بما صدر من مظهرهم أو بما جاءهم من بعض المسجونين عنهم في قبور الطّغيان ، فكيف يحاكم عاقل صحوة إعتمادا على أقوال بعض المساجين الّذين قد نجد لهم أعذارا وقد وجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمن عاداه فقال إنّهم لا يعلمون !!!
لتنته نهضة المهجر ومنظّرها خاصّة عن هذا الخطاب القائم على الكبر والغرور وتنقّص المخالف وتشويهه فضلا عن خطاب الإستقواء باليسار أو مدّ طوق نجاة للسّلطة كي تذبح الصّحوة الجديدة ...
إنّ لسان حال نهضة المهجر بمسلكها " الإبتزازي " الخاطئ مع الصّحوة الجديدة في تونس باتّهامها بالإنغلاق والتّطرّف والمشرقيّة كأنّه يقول: إقبلونا نحن الوسطيّين الذين طوّعنا الإسلام لمحاور العصر و الحداثة ، وإلاّ فإنّ المتطرّفين الحرفيّين المشارقة البدو قادمون وإنّهم سيتنكّرون للمكاسب الحداثيّة لحركة النّهضة وسيهدّدون السّلم الإجتماعي الّذي حافظنا عليه مع جميع المتعايشين .
إنّ العاقل ليستغرب من إدانة نهضة المهجر للصّحوة الجديدة في حين أنّنا لم نر منها بعد إنتاجا فكريّا أو زعيما أو برنامجا أو منافسة ، خاصّة وهي تعاني وتكابد من أجل الإلتزام بالحدّ الأدنى من التّديّن ، إلاّ إذا رضيت نهضة المهجر أن تحاكمها على ذلك .
وإنّ الذي يلفت الإنتباه حقيقة أنّ حركة الّنهضة وهي ضحيّة الإستئصال والقمع تذهب في إستئصال إخوانها المخالفين من أجل القبول بها وحدها ، ومن سعى بالمنع كمن دعا إلى القمع.
وإنّ المرء المتّزن ليعجب من قوم يقبلون بشرعيّة الشّيوعيّين إذا آختارتهم " الدّيمقراطيّة" في حين أنّهم يرفضون إخوانهم دون جرم إقترفوه و لم يطرحوا أنفسهم بعد بديلا أو منافسا لهم !!! فهل يليق أن لا تجد نهضة المهجر ملجأ لحماية نفسها أو طريقة لجلب مكسب حزبيّ لها إلاّ بالتّضحية بالأخوّة الشّرعيّة وجلب الضّرر لشباب طريّ ورفع راية أنّهم الخطر على البلاد وأنّ الجحيم آت !!!
إنّ ما صدر من قيادة نهضة المهجر على الصّحوة الجديدة ليعدّ من قبيل الأحكام السّياسيّة المتسرّعة والغير المبرّرة المخالفة لمنهج العمل السّياسي الشّرعي المصطبغ بالورع والعدل . ولقد شدّد الشّارع العزيز على تغليظ التّحريم في باب الأحكام على الأسماء والأديان ، فمن رضي أن يكون قاضيا فقد ذبح بغير السّكّين ، وفي الصّحيح :" من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين "الألباني / صحيح الترغيب / رقم2171 .
الخلط بين السّلفيّة والتّطرّف :
إنّ من نافلة القول أن نؤكّد على أنّ الإسلام يعادي التّطرّف في كلّ صوره وأشكاله ، بل قامت شريعتنا الحنفيّة المهيمنة على : الاعتدال والقصد والوسط والسّماحة والبساطة واليسر ورفع الحرج ودفع الضّرر ومنع الغرر وغير ذلك من الأمور المقرّرة بإجماع الأمّة في كتب الأصول .. وعليه فإذا قصد بالتّطرّف الفهم والتّمثّل المختلّينّ للشّريعة كالجنوح إلى التّشدّد والغلوّ ، فهذا ننكره لأنّه يخالف طبيعة ديننا السّمح ، وإذا جنح كذلك إلى التّساهل والتميّع والذّوبان فهذا إنحراف آخر يفضي إلى الإرجاء الجبري يجب أن ينكر عليه شديد الإنكار . وإذا تقرّر ذلك فإنّ كلاّ منهما يعدّ تبديلا لدين اللّه تعالى و تحريفا له. والإسلام الذي ندين به ربّنا نهانا عن ذلك أشدّ النّهي : {لا تبديل لكلمات الله} . 64 . يونس ما يبدّل القول لديّ . 2 ق .
لا بدّ من تحديد مفهوم التّطرّف ؟ كيف نحكم على المخالف بالتّطرّف ؟ ومن يحكم بذلك ؟ هل هي الحزبيّة السّياسيّة ؟ أم العلم الشّرعيّ ؟ وهل الّذي لا يلتزم بمنهجي لا بدّ ـ لأمر يراد ـ أن أرجمه كرها بالتّطرّف وأصكّه قسرا بالإنغلاق ؟ و هل ثمّة حقيقة تطرّف إسلاميّ في تونس ؟ وما هو حجمه ـ إن وجد ـ في مقابل التّطرّف العلمانيّ السّائد ؟
إنّ الخلط المقصود بين السّلفيّة والتّطرّف ما هو في الحقيقة إلاّ مكر وضعه الغزاة المحتلّون للتّضليل المتعمّد لتحقيق مآربهم وأطماعهم وإشباع أحقادهم بلا حدود تحت لافتة محاربة الإرهاب ، ولا يتبعهم في ذلك المسلك إلاّ " متواطئ " درى أم لم يدر. وإنّ اقتناص الفرص والتّهويل على الصّحوة الجديدة والتّشويش عليها والتّنفير منها أو التّحريض والإثارة من أجل إختطاف بعض المكاسب ولو تحقّقت ، فهي لم تركب سبيل الإستقامة والعدل، وهي بذلك لا تحقّق خيرا ولا بركة ولا تزكية ، ولا يجنى ثمرا لأنّ ما قام على باطل فهو باطل .
كما أنّه لا ينظر إلى الأحكام حتّى يعرف ممّن صدرت وفي حقّ من قيلت، ثمّ لا بدّ من دليل قويّ يستند عليه في الأحكام ، ثمّ لا بدّ من شهادة ورع عدل وإستقلاليّة تامّة لمن يتبوّأ بالحكم على النّاس .إذ " القول لا يصحّ لفضل قائله وإنّما يصحّ بدلالة الدّليل عليه "إبن عبد البرّ في جامع بيان العلم 2 / 118
إنّنا في سنوات الخداع ، وعليه فينبغي أن لا يعطى أيّ آعتبار في مثل هذا الزّمن إلى الرّويبضة . وبالتّالي لا شرعيّة لمن يحكم على المخالف بالتّطرّف دون حجّة إلاّ متطرّف مغال قاعدته كلّ من خالفني فهو ضدّي ، فمن يحاكم من ؟ فلا يحكم مبتدع على متّبع ، ولا حزبيّ على سنّي ، ولا جاهل على متعلّم ، ولا لاحق على سابق ، ولا عفيف على متملّق ، ولا متعالم على عالم ، ولا متشبّع بما لم يعط على من شهد له أهل العلم والفضل ، لأنّ من علم حجّة على من لم يعلم .
إنّ الأصل في الأشياء أن يقابل عظم التّحلّل من الشّريعة في تونس والتّحدّي لها ومؤسّساتها ورجالها بمثله من الجدّ في التّمسّك بالدّفاع عن الدّين كلّه دون تردّد وبكامل الوضوح والشّجاعة . وإنّ المتابع لنهضة المهجر في خطابها وأدائها يلحظ ـ مع الأسف ـ حرصها الشّديد على منهج الرّخاوة في عدم كسر علاقاتها الواهنة مع العلمانيّين والملحدين ، و تكتم الحقّ بل تلويه وتضرب الشّريعة بعضها ببعض ، حتّى أنّ زعيمها لا يدعو المسلمين في دولته القادمة إلى الصّلاة بل يدعو إلى حقّ الرّدّة وعدم تطبيق الحدّ على المرتدّ ،وعلى تولّي المرأة الإمامة العظمى ، وتولّي غير المسلمين المهام ّ العظمى كالقضاء ورئاسة الشّورى ، و يستعين بوسائل الملحدين دون حرج أو وخز ضمير في ذلك .. فإذا كان هذا حالهم ، فليس لهم من حقّ أن يتّهموا غيرهم بالتّشدّد أو الإنغلاق أو غير ذلك من الأحكام الخالية من الورع والّتي يشمّ منها المكر السّياسي .
لقد درج المتحرّرون منذ ظهورهم في بداية القرون الأولى بالطّعن في المتمسّكين بما عليه السّلف الفاضل. ولقد ذكر السّلفي المقاصدي الإمام الشّاطبي أنّ متحرّري زمانه الّذين ركبوا موجة المقاصد دون ضوابط ، كانوا يسمّونه بفقيه السّراويل لأنّه دمغهم بضبط المقاصد الشّرعيّة للسّنّة لا للأهواء ، وما فتئوا ينبزون السّنّيّين بالألقاب النّابية فسمّى الزّنادقة أهل الأثر بالحشويّة ـ أي بقلّة الفقه والفهم ـ ، وسمّى القدريّون أهلَ السّنّة مجبرة ، وسمّى الجهميّة أهلَ السّنّة مشبِّهة ، وسمّى الشّيعة أهلَ الأثر نابتة ـ أي الأحداث الصّغار...آنظر كتاب:عقيدة السّلف، للصّابوني (ت 449 هـ)، ص 304. وآنظر إلى تنزيه أئمّة الشّريعة عن الألقاب الشّنيعة لأبي إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشّافعي .
لتغيّر نهضة المهجر خطابها :
إنّ الحداثيّين الّذين يرجمون من خالفهم بالتّطرّف وبالبداوة والإنغلاق وغير ذلك من النّعوت المتنقّصة ويسيؤون الظّنّ بهم ولا يثقون في من خالفهم من إخوانهم يقدح لا شكّ في مصداقيّتهم ، حيث أنّهم يعطون الحقّ لقوى الهيمنة أن تحقّق أهدافها في ضرب العقائديّين ، وبذلك يتلطّخ الحداثيّون أمام شعوبهم سواء بقبولهم طرفا في الصّراع لتصفية المشرقيّ الوافد المخيف ، أو عندما يقبلون أيّ شكل من أشكال الدّعم من قوى الهيمنة ، أو بتنازلاتهم المذلّة و بانقلاباتهم على مبادئهم ، ليرضوا بالتّدجين والمحاصرة في سقف الخصوم ومربّعهم ، وسيؤكلون كما أكل أشباههم من قبل وستكون دائرة السّوء عليهم بعد أن خذلوا إخوانهم . إنّ هذا النّوع من الخطاب الإستعدائي المخيف الّذي أدمن عليه نهضة المهجر والّذي يتنقّص من مخالفيهم ويزدريهم ، بل ويستحلّ أعراضهم بالأحكام الباطلة ، للقيام بالواجب الدّيمقراطيّ وسط غابة وحوش العلمانيّين ، لينبئ عن غلوّ سياسيّ وتماهي حزبيّ على حساب ثوابت القيم ممّا ألحق بهم خسائر كبيرة نالت من مصداقيّتهم وشرعيّتهم .
وإنّ الخطاب الّذي تمارسه نهضة المهجر القائم على الإزدواجيّة الّذي ورّطها في تناقضات عديدة، والقائم على وهم المقاصد، دون ضوابط على حساب قدسيّة النّصّ والتّسليم له هو نفس الخطاب الّذي تمارسه كلّ العائلات السّياسيّة بمن فيهم الحزب الحاكم واليسار المتطرّف بأقدار، حيث أنّهم يدّعون دون استثناء أنّهم مسلمون مجتهدون.






التوقيع :
اللهم انصر المظلومين فى كل مكــان

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم
ان اقربكم منى منزلا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا فى الدنيا
صحيح الجامع للعلامة الالبانى رحمه الله
من مواضيعي في المنتدى
»» الرد على كتاب المتشددون لعلى جمعة..الدرر السنية
»» السلفية ف تونس بين رحى السلطة وحركة النهضة
»» فضيلة الشيخ ابو اسحاق الحوينى فى تركيا
»» هل الاشاعرة يكفرون من قال بالعلو
»» الشيخ محمد حسان ومحاولة اغتيال
  رد مع اقتباس
قديم 03-09-10, 05:34 PM   رقم المشاركة : 2
فارس الكلمة
عضو فعال







فارس الكلمة غير متصل

فارس الكلمة is on a distinguished road


السّلفيّة في تونس بين رحي السّلطة

و حركة النّهضة2/2


خَمِيس بن علي الماجري
إنّ الحركة الإسلاميّة حركة إصلاح أو لا تكون، وإذا تقرّر ذلك فعليها أن تعمل على وحدة المسلمين ولا تأتي بما من شأنه أن يعمّق الخلاف بين المسلمين، فلقد قال إبن مسعود رضي الله عنه : " الخلاف شرّ ".
وإنّ تونس ليراد لها أن تتمزّق بين الإسلاميّين لأنّ هذا ما يريده لها خصومها. فلقد جهّزت السّلطة التّونسيّة لتلك المهمّة ما هو مصنوع من طرفها، ومنها ما هو مخترق فكريّا وتنظيميّا، ومنها من هو موال إلى بدعة الإرجاء الّذين يقدّمون دينا يوافق أهواء الملوك، ومنهم من هو بريء يحتاج إلى أخذ اليد والمساعدة وإنقاذهم ممّا يحاك ضدّهم لأنّهم نشأوا بعد حرب الإستئصال الّتي آنطلقت بعد انقلاب الجنرال إبن علي على سيّده بورقيبة.
وعليه، فلا بدّ أن نعمل جميعا على إعطاء هؤلاء الشّباب حقّ التّعبير عن أنفسهم ونأخذ بأيديهم ونتعاون على البرّ والتّقوى وعلى الإجتماع والائتلاف، ولنقلع مع خطاب الوصاية عليهم وإقصاءهم ولنقطع مع أساليب الفرقة والإختلاف والنّزاع والإشتباك.
إنّ معالجة أسباب العدوان أهمّ وأعظم من معالجة آثاره، ذلك أنّ أعظم ظلم أسّسته السّلطة وحمته ورعته هو عدوانها على الإسلام، دين شعبنا وعقيدته وهوّيته وحصنه الحصين وملاذه الأمين. وعليه فلا يمكن أن يعالج أيّ ملفّ من الملفّات الضّخمة في بلدنا دون رفع هذا الظّلم الأعظم وهو سبب العدوان الأصليّ بين المجتمع وبين السّلطة. وإنّه بدون حلّ حقيقيّ لهذا العدوان المستمرّ من السّلطة بأن تقلع عن ظلمها للإسلام ومؤسّساته ورجاله والملتزمين به، فلن تحلّ الإشتباكات القائمة أبدا. ومع الأسف فقد إعتنى النّاس في البلد بمعالجة الآثار السّطحيّة للعدوان ولم يعتنوا بأسبابه الحقيقيّة !!! ولقد جمعت حركة النّهضة قديما كلّ متديّن رأى بأمّ عينيه إنتهاك السّلطة لعقيدتهم وآعتداء على مقدّراتهم وآفتكاكا لأرزاقهم ورأوا فيها الأمل للحلّ لما كانت ترفعه من شعارات شرعيّة. ولو تركت السّلطة النّاس أحرارا في تديّنهم فهما وعملا ونشاطا علميّا ودعويّا وثقافيّا فستحلّ أجزاء كثيرة وكبيرة من الإشتباك. وإن لم تفعل فإنّ دائرة الغضب اليوم إتّسعت وتجاوزت النّهضة التي قبلت بالإحتواء و التّدجين إلى غيرها من الشّباب الرّافضين للتّنظّم السّياسي والمتمسّكين بالحقوق الإلاهيّة الأبديّة الثّابتة أن لا يعبد إلاّ إيّاه ولا يشرك به شيئا، ولا يتّخذ النّاس بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
في الوقت الذي تتعرّض فيه السّلفيّة إلى حملات تشويهيّة شعواء وشرسة غربيّة، يفاجئنا خطاب النّهضة التّونسيّة بركوب تلك الموجة لينقل شرور نيران تلك "الحرب" فوق أرض الخضراء متساوقا مع منهجه الخاضع لآغتنام الفرص ولو كانت تحت مظلّة مؤامرة أمريكيّة، وهو ما ينمّ عن تحلّل القوم من ثوابت قيم طبيعة هذا الدّين العظيم، وهو ما يبيّن كذلك إصرارهم على التشبّث بمسلكهم المغالي في نفخ ما يتوهّم لهم من مصالح.
وإنّ محاولة نهضة المهجر لنقل تلك الحملة فوق أرضنا المباركة الّتي سلمت من فتن التّحارب الإسلاميّ الإسلاميّ، وقبولها بالتّوظيف الأمريكيّ لما يسمّى بالمعتدلين لا يستفيد منها إلاّ خصوم الشّريعة بجميع أطيافهم والذين قد يتعلّقون بمثل هذا الحبل المددي النّهضويّ فيعدمون به هذه الصّحوة الجديدة في مهدها لا قدّر الله. وتكون النّهضة بذلك قد طعنت الأخوّة الشّرعيّة في عظام قدر كونيّ أحسب أنّ الله عزّ وجلّ أراد من خلاله أن يظهر دينه من جديد ويبطل به مكر التّجفيف.
إنّ معاداة الصّحوة الجديدة في تونس لا يحقّق لحركة النّهضة أوهامها لأنّها آختارت ومنذ زمن بعيد أن تستسلم لشروط من آفتتنت بهم فتراهم أقوياء يملكون كلّ خيوط اللّعبة السّياسيّة في أيّ مكان في العالم.
كما أنّه من الخطإ الفادح أن تضع نهضة المهجر نفسها في موقع الشّبهة، وأن تنوب عن غيرها في حرابة " السّلفيّة التّونسيّة " وأن تلعب في ساحة رسمت لها من طرف غزاة في ظرف دولي أجمع فيه الخاصّ والعامّ ّعلى أنّ قوى الإستكبار والإحتلال إتّفقت على محاربة فكر الحركة الإسلاميّة المقاومة. وإنّ منهج التّخويف المفتعل من الصّحوة الجديدة وآتّهامها لا أظنّ أنّه يجلب الإحترام لحركة النّهضة التّونسيّة فضلا عن قدرتها على إختطاف مكاسب عجزت عنها منذ 26 سنة.
إنّ من المؤسف حقّا أن نر هذه الحركة تنخرط في هذه الحملة الظّالمة والمشبوهة على السّلفيّة في تونس ووصمها بالإطلاقات العالميّة المنبوذة للإيقاع بها وإقصائها، حتّى يخلو للنّهضة التّمثيل الشّرعي والوحيد للإسلام والدّفاع عنه، في حين أنّنا لم نرها منذ أكثر من ربع قرن، تجرؤ على انتقاد العلمانيّين أو تنال من بند من بنود مجلّة الأحوال الشّخصيّة الّتي يفتخرون بها، فضلا عن رفع شعار تطبيق الشّريعة. ولقد أتيحت الفرصة هذه الأيّام لحركة النّهضة أن تنتقد مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة الّتي تروّج لها السّلطة في العالمين العربي والإسلاميّ على أنّها نموذج تونسيّ للتّقدّم والحداثة عبر آنتهاك الشّريعة الغرّاء، ولكن مع الأسف جارت تلك الحركة الحداثيّين جميعا حتّى لا تبدو متخلّفة ومتحجّرة فتلحق بالسّلفيّة الّتي يحاربها كلّ أعداء الإسلام. وإليك أخي القارئ الإنتهاكات الصّارخة لهذه المجلّة لشريعتنا الكاملة، حتّى يظهر لك مدى آنحراف حركة النّهضة في منهجها المتخاذل في الدّفاع عن الإسلام في حدّه الأدنى : الدّفاع بالكلمة الطّيّبة.
مقدّمة بين يدي مناقشة أعضاء المكتب السّياسي لنهضة المهجر في خصوص مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة هي لوائح قانونيّة وضعها الحبيب بورقيبة المعقّد ليفرض ثقافة جديدة، ونمط علاقات إجتماعيّة غربيّة غريبة عن تونس المسلمة، ولقد ضبط في هذه المجلّة الحقوق والواجبات بين الرّجل والمرأة مستنسخا القوانين الغربيّة ليفرضها على شعبنا المحافظ لتمزيق الوثاق الإجتماعيّ والأخلاقي ّ والقيميّ. ولا يخفى أنّ تماسك المجتمع وآستقرار الأسرة لا يتحقّقان إلاّ بقواعد عادلة وسليمة وشاملة.
ونحن المسلمين نعتقد أن لا أعدل ولا أسلم ولا أحكم ولا أجمع من مرجعيّة شرعة الله تعالى : { ألا يعلم من خلق وهو اللّطيف الخبير} ؟... { وتمّت كلمة ربّك صدقا وعدلا }... { وإن تطيعوه تهتدوا }... { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }... { ومن أصدق من الله قيلا }...! { إنّ الدّين عند الله الإسلام }... { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه }... {ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها، ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون }...{ وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه، ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله }... { أفحكم الجاهليّة يبغون ؟ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ؟ }... { فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }... { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.}... { فماذا بعد الحقّ إلا الضّلال } ؟...
إنّ العلمانيّين المقدّسين للمواثيق الدّولية والأحكام العولميّة ينكرون علينا حقّ تمسّكنا بالقرآن والسّنّة كمصدرين وحيدين تشريعيين لحياتنا في بلادنا الإسلاميّة. وما زالوا يصرّون على اعتماد توصيات المؤتمرات والاتّفاقيات الدّوليّة مرجعيّة لحقوق المرأة بدل الشّريعة الإسلاميّة ؟ وإنّنا نحن المسلمين نعتبر أنّ مشاكلنا جاءت وكثرت بسبب ابتعادنا عن شريعتنا فهما وتنزيلا، وعليه فإذا أردنا أن نبحث عن حلولٍ لمشاكلنا فلا مناص من الإحتكام إلى مرجعيّتنا القيميّة والأخلاقيّة وإنّ حركة النّهضة التّونسيّة الّتي آرتضت أن تلعب في ملعب كبار رهبان الدّيمقراطيّة وقساوستها فقد اختارت أن لا تزعج العلمانيّين أبدا، ولم تحسن حتّى الوقوف عند خطوط الدّفاع ودوائر ردّ الفعل، وعوض أن نشهد لها مبادرات تحمي حقوق المرأة وفقاً لثوابت الشّريعة الإسلاميّة وتبعاً لمقاصدها، فقد راحت تزايد على المعقّّدين، ففي الوقت الّذي لم أقرأ ولم أسمع أن دعا بورقيبة أن تتولّى المرأة الإمامة العظمى، فقد دعا الغنّوشي متساوقا مع شيخه التّرابي إلى ذلك. كما أنّها ـ أي حركة النّهضة ـ لم توظّف العدد الكبير لإقبال النّساء على الصّحوة مؤشّرا معبّرا عن إرادة واعدة ووعي متقدّم يدفع إلى مراجعة تلك المجلّة وضبطها كلّها على الشّريعة السّمحاء !!!
إنّ أسئلة عديدة يطرحها العقل الحائر الغيّور تبيّن بجلاء عجز النّخبة من الإستفادة من الإمكانيّات الضّخمة الّتي تمتلكها الحركة الإسلاميّة، ولكنّها مع الأسف لم تهتد إليها، تفكيرا فضلا عن تمثّلها، ومن تلك الأسئلة : لماذا لا تعدّ نهضة المهجر دراسة علميّة أكاديميّة ـ وهي في المهجر حيث تسمح لها الظّروف بذلك ـ فتقدّم حلولا للمآسي الّتي جلبتها المجلّة، وفق ثوابتنا والتّأكيد على حماية سيادتنا وعدم تدخّل الأجنبي في خصوصيّاتنا وفرض قوانينه علينا ؟ لماذا لا تدعو تلك الحركة وهي الّتي تدندن حول " الدّيمقراطيّة " وحقّ الشّعوب في الإختيار إلى أن يأخذ الشّعب قراره بنفسه في هذه المجلّة ؟ لماذا تصرّ هذه الدّولة التّونسيّة على فرض قوانينها اللاّشرعيّة عبر قنواتها الغير الشّعبيّة ؟ لماذا هذا الإصرار العنيد على هذه المجلّة المفروضة من طرف رجل شهد الخاصّ والعام أنّه معقّد مخاصم لديننا؟ لماذا يصرّ حزب حاكم على إلزام شعب مسلم بخيارات أقلّيّة علمانيّة ؟ لماذا لا تراجع هذه المجلّة في دوائر خارج أجهزة الدّولة ؟ لماذا لا تبعث لجان مختصّة من رجال الفقه والإجتماع ليصحّحوا المسار ؟ فلقد رفضت شعوبنا المسلمة بتعبيرات مختلفة هذه الإسقاطات للنّفايات الّتي لم تصلح أوضاع غيرنا، فكيف تصلح شأن أمّة عقيدة مقاومة تضرب هويّتها وذاكرتها وعظمتها إلى آلاف قرون التّوحيد.
لقد وقعت حركة النّهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن، يوم أن آختارت الرّهان على العمل السّياسي فسكتت عن كوارث تلك المجلّة، لتدخل في وفاق على الإبقاء على معاناة التّونسيّين الّذين آكتووا بنار هذه المجلّة وبغيرها.
لقد وقعت حركة النّهضة في دائرة مفرغة منذ ربع قرن، يوم أن آختارت الرّهان على العمل السّياسي فسكتت عن كوارث تلك المجلّة، لتدخل في وفاق على الإبقاء على معاناة التّونسيّين الّذين آكتووا بنار هذه المجلّة وبغيرها، بل لقد حوّلت المرأة إلى ورقة يتنافس حولها أطراف النّخبة المتعالية على هموم الشّعب الرّاهنة لمصائر ملايين الأسر الّتي رحتها تلك القوانين الفاجرة. لقد قبلت النّخبة بما فيها النّهضة ـ ضمن وفاق المصالح ـ ورضيت أن تكون المرأة ضحيّة رحي بصمتهم على الكوارث الّتي حلّت بها.
مناقشة أعضاء المكتب السّياسي لحركة النّهضة في خصوص مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
وممّا جاء في ردود أعضاء المكتب السّياسي لحركة النّهضة في الحوار الّذي أجراه موقع " كلمة " المحسوب على اليسار التّونسيّ ، ليكشف بكلّ جلاء عن حال المهزوم الّذي لا يقدر حتّى على ردّ الفعل ! فهم يقرّون بأنّ هذه الخروقات للشّريعة يمكن آعتبارها " مكاسب " حضاريّة لتونس، وغير مطروح في أجندتهم معارضة هذه المجلّة نهائيا، ولا يتحدثون فيها ولا يتناقشون فيها أصلا في مشروعهم السّياسي. بل إنّ هذه الأشياء كلّها يتحمّلها الفقه الإسلامي الذي هو مرجعية كل هذه الآراء، إن لم يكن في الرّاجح ففي المرجوح، ولا تجد رأيا من هذه الآراء إلاّ وله سند في الفقه الإسلاميّ، بحيث ليست لهم مشكلة مع هذه القضيّة أبدا ...
وممّا جاء من أقوالهم أيضا :"وتعدّد الزّوجات فيه آراء مختلفة، وعندنا قاعدة شرعيّة تقول: إنّ الحاكم له أن يقيّد المباح وإذا أباح الدّين شيئا من الأشياء ورأى الحاكم أنّ من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معيّن أو بشرط معيّن فمسموح له ذلك. ومسألة التّعدّد منزوعة من أذهاننا..." ، هذه بعض أقوالهم ـ هداهم الله ـ. وهذا كلّه يشبه مقولة قديمة قالها الأستاذ الغنّوشي بأنّ المجلّة إجتهاد داخل الشّريعة. وهذا خطأ فاحش، لأنّ الاجتهاد لا بدّ أن يكون منضبطا بالنّصّ لا خارجا عنه فضلا أن يتجاوزه أو يتحدّاه أو يضادّه بأيّ وجه من الوجوه، كما هو الحال في قوانين المجلّة المخالفة للشّريعة والطّاعنة فيها. فلا يمكن أن نصف تلك الخروق بالإجتهاد أصلا فضلا أن نقول إنّها داخل الفقه الإسلاميّ.
وأنا هنا أستسمحك أخي القارئ أن أذكر لك ـ في عجالة ـ تحريفات المجلّة المذكورة للشّريعة حتّى يتبيّن للّذي لم يطّلع عليها وليظهر له الحقّ من الباطل، وليتبيّن فساد منهج نهضة المهجر في تناول القضايا.
نصوص قوانين مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة :
أ ـ في منع تعدّد الزّوجات : نصّ القانون : " تعدّد الزّوجات ممنوع، كلّ من تزوّج وهو في حالة الزّوجيّة، وقبل فكّ عصمة الزّواج السّابق يعاقب بالسّجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك أو بإحدى العقوبتين..." وهذا مخالف ومحاد لأمر اللّه تعالى المبيح للتّعدّد في نصوص الشّريعة كلّها قرآنا وسنّة وإجماع الصّحابة وعمل الأمّة منذ 1427 عاما .
ــ فمن القرآن، قال تعالى : { فآنكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة } النّساء (3) .
ــ ومن السّنّة : عمل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، حيث نقل إلينا تواتر تعدّد زواجه
ــ ومن عمل الخلفاء والصّحابة : فقد جاء من هديهم رضي الله عنهم أنّهم عدّدوا.
ــ إجماع الأمّة على هذا الأمر إعتقادا بالشّرعيّة وتطبيقا عمليّا منذ نزل الوحيّ " يحدّد " العدد إلى أربعة، بما في ذلك التّونسيّون داخل الوطن وخارجه ولقد إنتشر هذا الأمر في تونس في الآونة الأخيرة وللّه الحمد.
ولنبيّن أنّ الّسّلطة التّونسيّة الّتي شرعت مالم يأذن به الله تعالى، بل خالفت أمره تعالى مكابرة وعنادا ومحادّة ومشاقّة، قرّرت إلى الأمم المتّحدة ما يفيد التّعالي على الشّريعة وما يستفاد منه إلاّ القدح في حكمة الشّارع والطّّعن فيه والتّباهي بإلغاء التّعدّد وبالمعاقبة عليه أشدّ العقوبة فضلا على اعتبار الزّواج الثّاني باطلا: " ويمثّل إلغاء تعدّد الزّوجات بمقتضى قانون الأحوال الشّخصيّة وإقامة نظام الزّوجة الواحدة تعبيرا آخر عن مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة. وقد أصبح تعدّد الزّوجات ـ الّذي كان هو المظهر أكثر فجاجة وظلما لعدم المساواة بين الزّوجين ـ جنحة يعاقب عليها القانون الجنائيّ وفضلا عن ذلك فإنّ الزّواج الجديد باطل ". من تقرير الحكومة التّونسيّة المقدّم إلى الأمم المتّحدة والمتعلّق بالمعهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة بتاريخ 18 ماي 1993
ب ــ : تأبيد تحريم مجلّة الأحوال الشّخصيّة من طلّق زوجته بالثّلاث وتحريمها أن يراجع زوجته : كما حرّمت مجلّة الأحوال الشّخصيّة أن يراجع الزّوج مطلّقته بالثّلاث بعد طلاقها من زوج غيره : جاء في الفصل 19 منها : " يحجّر على الرّجل أن يتزوّج مطلّقته ثلاثا " وهذا معاند لأمر الله المبيح. قال تعالى : { فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله }. البقرة (230)
ج ـ مسألة التّبنّي : أباحت المجلّة المذكورة التّبنّي الّذي حرّمه الله عزّ وجلّ بصريح :
ــ القرآن ، قال تعالى :{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. أدعوهم لآبائهم هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه } . فقَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } هَذَا هُوَ الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن زَيْد بْن حَارِثَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّاهُ قَبْل النُّبُوَّة فَكَانَ يُقَال لَهُ زَيْد بْن مُحَمَّد فَأَرَادَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَقْطَع هَذَا الْإِلْحَاق وَهَذِهِ النِّسْبَة. { ذَلِكُمْ قَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } يَعْنِي تَبَنِّيكُمْ لَهُمْ قَوْل لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُون اِبْنًا حَقِيقِيًّا فَإِنَّهُ مَخْلُوق مِنْ صُلْب رَجُل آخَر فَمَا يُمْكِن أَنْ يَكُون لَهُ أَبَوَانِ كَمَا لَا يُمْكِن أَنْ يَكُون لِلْبَشَرِ الْوَاحِد قَلْبَانِ { وَاَللَّه يَقُول الْحَقّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل } قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر{ يَقُول الْحَقّ } أَيْ الْعَدْل وَقَالَ قَتَادَة { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل } أَيْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم.
وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه } هَذَا أَمْر نَاسِخ لِمَا كَانَ فِي اِبْتِدَاء اللإِسْلام مِنْ جَوَاز اِدِّعَاء الْأَبْنَاء الْأَجَانِب وَهُمْ الْأَدْعِيَاء فَأَمَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَدِّ نَسَبهمْ إِلَى آبَائِهِمْ فِي الْحَقِيقَة وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْل وَالْقِسْط وَالْبِرّ "... بتصرّف تفسير إبن كثير.
ـ وبعمل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ـ وبإجماع الأمّة.
لقد فتح شرّ التّبنّي الباب إلى شرور عظيمة أخرى حيث أباحوا للمتبنّى كلّ حقوق الإبن الشّرعيّ فأعطوه أموالا ضبطتها الشّريعة لغيره، كما يطّلع على عورات محرّمة عليه، كما ألزموه بنفس الواجبات، وجعلت المجلّة الحكم الصّادر من حاكم النّاحية نهائيّا ولا رجعة فيه قطعا مع تراجع المتبنّي فضلا عن توبته وندمه!!!
فبعد هذه المخالفات الصّارخة للشّريعة الغرّاء كيف تسمح حركة النّهضة لنفسها أن تقول ما قالت. إذ كيف تكون مسألة التّعدّد منزوعة من ذهن مسلم وقد نزعت من أذهان حركة النّهضة، وهي من مسائل المعلوم من الدّين بالضّرورة تشريعا وإباحة، كيف لا تكون هذه المجلّة مشكلة وقد خالفت الشّريعة بل صادمتها وعاقبت المتمسّك بالحلال والمباح وتسامحت مع المنتهك للحرمات. وصدق من قال : " إنّ الضّعيف يجعل ما عليه أهل القوّة بأنّه هو الحقّ، وإنّ المنهزم لا يمنعه شيء، وأنّ المغلوب المهزوم محكوم بقوانين الأقوياء ". ولذلك عدّ المجدّد شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب ـ رحمه الله تعالى ـ أنّ من مسائل الجاهليّة : " الإستدلال بما عليه أهل القوّة بأنّه هو الحقّ".
وقد ذهب إبن حزم رحمه الله تعالى من قبل أنّ المغلوب ينسى هويّته وذاكرته بل ينسى حتّى أنسابه وأخباره وعلومه!!! فقال ـ وهو يتحدّث عن اللّغة ـ : " إنّ اللّغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها، ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم، أو بنقلهم عن ديارهم وآختلاطهم بغيرهم، فإنّما يقيّد لغة الأمّة وعلومها وأخبارها قوّة دولتها، ونشاط أهلها وفراغهم، وأمّا من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوّهم، وآشتغلوا بالخوف والحاجة والذّلّ وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربّما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وعلومهم، وهذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة " الإحكام في فصول الأحكام. 1 / 32. فهل يوجد في الفقه الإسلاميّ منع المباح بل تحريمه وجعله جريمة " قانونيّة " يعاقب بموجبها المؤمن كـ"مجرم " بالسّجن وبالغرامة ؟ فهل في الفقه الإسلامي مثل هذا الغثاء ومثل هذا الهراء ؟ وكيف يكون تحريم التّعدّد مرجوحا ؟ وهل يجد له " النّهضويّون " سندا في الفقه الإسلاميّ ؟ وكيف لا يكون منع التّعدّد مشكلة وهي وحدها كارثة من الكوارث الّتي فتحت شرّ باب التّجرّؤ على كلّ الشّريعة، و تتنادى اليوم أصوات العلمانيّين المتطرّفين في تونس عالية ودون خجل أو حياء بتسوية المرأة بالرّجل في الإرث. أليست تلك المجلّة جحيما فتح أبواب الفاحشة والخيانات الزّوجيّة وما نتج عليه من تفكّك أسري وتذرّر مجتمعيّ أنتجت مؤسّسات العقوق والبؤس الّتي أحدثتها الدّولة تقليدا للغرب الممزّق عائليّا وآجتماعيّا فهي الّتي تشرّع للأبناء أن يرموا آباءهم وأمّهاتهم إلى مقابر الغدر ومؤسّسات العقوق وتكايا إنكار الجميل. والله المستعان !!!
ثمّ هل قاعدة " أنّ الحاكم له أن يقيّد المباح وإذا أباح الدّين شيئا من الأشياء ورأى الحاكم أنّ من المصلحة تقييد ذلك ببعض القيود بزمن معيّن أو بشرط معيّن فمسموح له ذلك " وهي القاعدة الّتي يحتجّ بها دائما النّهضويّون تتنزّل على كلّ حاكم ؟ فهل حاكم مثل بورقيبة الّذي تحدّى مشاعر المسلمين وفعل ما فعل في الإسلام والقرآن والنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومؤسّسات تونس الإسلاميّة ورجالها، أو مثل إبن علي الّّذي واصل في نفس خطّ سيّده بأكثر تطرّفا وآستئصالا يبيح لهما الإسلام العزيز ـ في نظر حركة النّهضة ـ أن يجتهدا في شرعه المطهّر ؟ فهل الّذي يرسل مثل ذلك النّصّ ـ المذكور أعلاه ـ إلى الأمم المتّحدة يمكن أن تنزّل عليه تلك القاعدة ؟ ألا يمكن آعتبار توظيف تلك القواعد تحت باب كلمة حقّ يراد بها باطل ؟ {ولو آتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ } المؤمنون (71)
خيارات السّلطة التونسية متناقضة ومتحدّية للشّرع المطهّر فقد حرّمت التّعدّد الحلال وأباحت الزّنا المحرّم، حيث جعلت في كلّ مدينة دورا للبغاء العلنيّ المرخّص له من قبل إدارة الدّولة والمحروس بالشّرطة، وجعل الدّعارة مهنة " شريفة " بحكم التّرخيص القانونيّ له تحت قانون "تنظيم مهنة الدّعارة" ثمّ تقبض الدّولة رسوم الضّرائب من تلك القذارات، وهذا سبق تونسيّ لا يوجد له مثيل في بلد العرب والمسلمين.
كان الأولى من نهضة المهجر أن تنتقد خيارات السّلطة المتناقضة المتحدّية للشّرع المطهّر الّتي حرّمت التّعدّد الحلال والّتي أباحت الزّنا المحرّم، حيث جعلت في كلّ مدينة دورا للبغاء العلنيّ المرخّص له من قبل إدارة الدّولة والمحروس بالشّرطة، وجعل الدّعارة مهنة " شريفة " بحكم التّرخيص القانونيّ له تحت قانون "تنظيم مهنة الدّعارة" ثمّ تقبض الدّولة رسوم الضّرائب من تلك القذارات، وهذا سبق تونسيّ لا يوجد له مثيل في بلد العرب والمسلمين!
كان الأولى لحركة النّهضة أن تشنّع بما جاء في هذه المجلّة المذكورة من مخالفات للشّرع العزيز كقتل قيمة الشّرف والدّفاع عن العرض وإماتة الغيرة وزرع الدّيوثة من ذلك: القوانين الّتي تعطي للمرأة الحقّ أن يكون لها عشيقا، فإن خانت زوجها، و ضبطها متّلبّسة بهذه الجريمة، وثأر لدينه و لعرضه فقتل عشيقها يقتل بذلك ولو كانت تلك الخيانة قد حصلت في بيته جهارا نهارا.
ومن المخالفات الواضحة الّتي شرعتها السّلطة التّونسيّة :
ـ إباحة أن تتزوّّج التّونسيّة غير المسلم، تحت عنوان " إلغاء جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة " وقّّعت سلطة التّجفيف على معاهدة نيويورك المتعلّقة بحرّيّة الزّواج.
ـ إسقاط شروط العدالة في شاهدي الزّواج فكلّ آمرئ يستطيع أن يشهد على زواج ما دون نظر إلى عدالته الشّرعيّة، فالسّكران مثلا يحقّ له أن يشهد فضلا أن يكون شيوعيّا ملحدا أو غير ذلك ممّن طعن أهل العلم في شهاداتهم، وأبدلوا الشّاهدين بشاهد واحد ولا بأس أن تكون امرأة ولو بغياب الوليّ، وبتحديد المهر بدينار تونسيّ واحد، وكلّ هذا مخالف لمذاهب أهل السّنّة ومنها مذهب الإمام مالك الّذي يدين به التّونسيّون !
فهل يعقل أن تسكت حركة النّهضة عن كلّ هذه الأمور ولا تجعلها من اهتماماتها بل تقول إنّ الشّريعة تسعها.. وكلّ رأي نجد له سندا من الشّريعة فهو دين ! فهل إلى مثل هذا المستوى يدين هؤلاء ربّهم ويرضون لشعبهم أن يبقى في مثل هذا الحال من البؤس والفاحشة والتّعاسة والمنكر والإبعاد عن الله تعالى. ثمّ تسكت هذه الحركة بل تلبّس على النّاس دينهم بتبرير ذلك الباطل، وهي تدّعي أنّها حركة إسلاميّة وسطيّة، فهل تعني الوسطيّة عند هؤلاء إقرار الخبث في الشّعب المسلم .
إنّ مواقف هذه الحركة لا بدّ أن تتّسم بالوضوح والشّفافيّة والمسؤوليّة والجدّ والشّجاعة،أمّا الغموض والإطلاق والتّلوّن فهو من كتمان الحقّ الّذي لا يستفيد منه إلاّ الباطل. قال الإمام أبو علي بن خليل السّكوني : " وكلّ كلام وإطلاق يوهم الباطل فهو باطل بالإجماع " لحن العوام فيما يتعلّق بعلم الكلام . ص 137
أدعو حركة النّهضة التّونسيّة أن تكفّ عن الخطاب المثقل بالتّشهّي وتتبّع رخص الهزيمة وموافقة الغرض والإغترار بفقه ضغوط الواقع الّذي أنشؤوه ووسّعوا خرقه. لا بدّ أن تتوقّّف عن خطاب : فيه قولان، فيه خلاف، في المسألة فسحة، أو كلّ مسألة يتحمّلها الفقه الإسلامي، إن لم يكن في الرّاجح ففي المرجوح. وله سند في الفقه الإسلامي..فهل المخالفات الصّارخة للكتاب والسّنّة في هذه المجلّة يتحمّلها الفقه الإسلاميّ ؟ ففي أيّ راجح ومرجوح تندرج تلك المخالفات الواضحة للشّريعة الغرّاء ؟
إنّ الّذي صدر عن المكتب السّياسي لحركة النّهضة في المهجر ليس هو إلاّ أقوال خفيفة طائشة لا يقول بها أحد من أهل العلم لوضوح مصادمتها للنّصوص القطعيّة الثّبوت والدّلالة. والدّين هو الإتّباع للدّليل كما تعلّمنا وليس هو الخاضع للهوى أيّا كان نوعه. قال إمام المقاصد الإمام الشّاطبي رحمه الله تعالى : " العلم الّذي هو العلم المعتبر شرعا ـ أعني الّذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق ـ هو العلم الباعث على العمل، الّذي لا يخلّي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان، بل هو المقيّد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها " الموافقات 1 / 89 .
إنّ حركة النّهضة أدمنت على كتمان الحقّ، وتمرير الأهواء على النّصّ و التّعسّف في تأويله فضلا عن إبعاده وتخطّيه وتعميته وكتمانه، كما يفعل " المتحرّرون من النّصّ " دائما، وليعلم القارئ الكريم، وهو على علم، أنّ من القواعد المعتمدة عند "المتحرّرين من النّصّ" المتحلّلين منه والّذين يحلو لهم أن يسمّوا أنفسهم " الوسطيّين " أنّ كلّ شيء عندهم جائز، وأنّ الأصل في كلّ شيء عندهم الإباحة وأنّهم لا يتحرّون في دينهم ولا يعتنون بفقه الأحوط والدّليل الأقوى، فكلّ الآراء عندهم دين والنّصوص الصّحيحة عندهم فضلة، حتّى لقد حكى الخطّابي قديما عن أدعياء "وسطيّي" زمنه أنّهم يقولون :"كلّ مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز- شذّ عن الجماعة أو لا – فالمسألة جائزة. الاعتصام 2 / 510. وقال شيخ الإسلام وهو يتحدّث عن منهج الّذين يجعلون الشّريعة على المزاج والعقل فما رأوه شرعا فهو الشّرع لا غيره فقال : " اعتقدوا معاني ثمّ أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها "..مقدّمة في أصول التّفسير ص 81. وهو عين ما قاله ابن أبي العز: "كلّ فريق من أرباب البدع يعرض النّصوص على بدعته وما ظنّه معقولاً، فما وافقه قال: إنّه محكم، وقبله واحتجّ به، وما خالفه قال: إنّه متشابه ثم ردّه وسمّى ردّه تفويضاً، أو حرّفه، وسمّى تحريفه تأويلاً، فلذلك اشتدّ إنكار أهل السّنّة عليهم". شرح الطّحاوية: ص: 399. وقال الإمام الشّاطبي– رحمه اللّه تعالى - :" فكلّ هذه الأمور مذمومة أشدّ الذّمّ لأنّ هذا من عمل الجاهليّة فقد كان النّاس في الجاهليّة يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطباعهم فجاء النّبيء صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فردّهم إلى الشّريعة ". الإعتصام1 /93.
قد يعذر المرء بجهله ولكن لا يعذر بعلمه و ظلمه، وأعظم الظّلم تشويه الإسلام بترك بيانه ودفع الشّبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم الشّريعة المطهّرة.
قد يعذر المرء بجهله ولكن لا يعذر بعلمه و ظلمه، وأعظم الظّلم تشويه الإسلام بترك بيانه ودفع الشّبهات عنه وكتمانه ومداهنة خصومه وإرضائهم لوهم البحث عن القاسم المشترك معهم عبر العفس في عظم الشّريعة المطهّرة.
إنّ منهج إرضاء النّاس بسخط الله تعالى الّذي آثرته النّهضة، منهج خاطئ بائر لا يحصد إلاّ الخيبة ! وفي الصّحيح " من أرضى الله بسخط النّاس كفاه الله النّاس ومن أسخط الله برضى النّاس وكّله الله إلى النّاس ". وإنّ سبيل إلتماس إرضاء النّاس بإغضاب الله ما هو في الحقيقة إلاّ خذلان وتخلّي إلاهيّ نعوذ بالله من ذلك ! وفي الصّحيح :" من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة النّاس، ومن آلتمس رضا النّاس بسخط الله وكّله الله إلى النّاس " ولتحسن قيادة النّهضة إلى تليين الجناب مع إخوانهم المخالفين، وعوض أن يرحموا اليسار فليجد إخوانهم في الدّين المخالفين لهم كالسّلفيّين ـ مثلا ـ منهم رحمة فهو خير لهم، وليحسنوا إلى إصغاء كلام الله تعالى وليتّبعوا أحسنه وأقواه وأبينه ومحكمه ولا يتعلّقون بالمتشابه، أو بكلّ قول دون البحث عن حجّيّته : { أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم }..{أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ؟؟؟ }..{ ودّوا لو تدهن فيدهنون }..{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتّخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا }.
" إنَّ من مقتضيات الإيمان الثّقة و اليقين في هذا الدّين والصّبرَ عليه والثّباتَ حتّى الممات مهما عصفت الفتنُ أو ادلهمّت الخطوب، فإنّه بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين كما جاء عن إبن القيّم رحمه الله تعالى، ولقد مرّ بالمسلمين شدائد عظيمة ونكبات عديدة، انتهت فيها خلافتها الرّاشدة وسقطت دولتها الممتدّة ونال الأعداء من المسلمين نيلا عظيما، ومع كلِّ هذا فلم يورِث ذلك في نفوس المسلمين شكًّا في عقيدتِهم، ولم تدفعهم إلى التطلّع لما عند أعدائِهم من مبادئ وأساليبِ حياة وأنماط سلوك تُخالف شريعتَهم ويأباها دينُهم، ولم يرَوا الحقَّ إلاّ في دين الله عقيدةً وسلوكًا ونظامَ حياة، وهذا هو معنى الاستعلاء في قولِ الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. آل عمران :139 ، أي: أنّ العزّة والعلوّ بالإيمان والثّبات عليه، لا بالغلبةِ والظّهور."
قال سيّد قطب رحمه الله تعالى في ظلاله في قوله تعالى : { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } 145 سورة البقرة. "....ونقف لحظة أمام هذا الجدّ الصّارم، في هذا الخطاب الإلهيّ من الله سبحانه إلى نبيّه الكريم الذي حدّثه منذ لحظة ذلك الحديث الرّفيق الودود.. إنّ الأمر هنا يتعلّق بالإستقامة على هدي الله وتوجيهه ؛ ويتعلّق بقاعدة التّميّز والتّجرّد إلاّ من طاعة الله ونهجه. ومن ثمّ يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم، وبهذه المواجهة والتّحذير.. إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ. إنّ الطّريق واضح، والصّراط مستقيم.. فإمّا العلم الذي جاء من عند الله. وإمّا الهوى في كلّ ما عداه. وليس للمسلم أن يتلقى إلاّ من الله. وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلّب. وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردّد. "
إنّ حركة النّهضة التّونسيّة تاهت وفقدت توازناتها وهي تمارس التّلوّن الأهوائي. فلكي لا تفقد ثقة كمشة من اليسار لا يقيم لهم شعبنا وزنا ولا بالا، ولأنّها ترهب الضّجّة والحساسيّة الّتي يثيرها الأصدقاء والحلفاء المؤقّّتين للنّهضة ولو لمجرّد الدّعوة إلى إعادة النّظر في جزئيّة بسيطة من تلك المجلّة، فكيف لو تدعو إلى المطالبة بتطبيق الشّريعة !!!. قال الأستاذ الغنّوشي في جريدة المتوسّط التّونسيّة في 27 /05 /1993 : " فالمطالبة بتطبيق الشّريعة في الأردن أو في اليمن أو الكويت لا يثير من الضّجّة والحساسيّة ما يثيره مجرّد الدّعوة إلى إعادة النّظر في جزئيّة من مجلّة الأحوال الشّخصيّة في تونس ".
نعم لقد تكبّلت حركة النّهضة بوهم قبولها طرفا سياسيّا وبسراب عضويّتها فيما يسمّى " المجتمع المدني"، حتّى صارت عاجزة عن الدّفاع عن جزئيّة إسلاميّة بل حتّى بالتّصريح عن هويّتها الحقيقيّة ولذلك قالوا " نحن لسنا حزبا دينيّا " وبذلك تؤبّد النّهضة مخالفات السّلطة للإسلام وتسوّغ لهذه التّحريفات وتباركها. هذه هي الحقيقة كاملة. ففي الوقت الذي قطعت حركة الإخوان الدّوليّة أشواطا مهمّة في الدّعوة في كلّ مكان ومنذ زمان إلى تطبيق الشّريعة عبر شعار الإسلام هو الحلّ، تبقى حركة النّهضة التّونسيّة وحدها النّشاز والحالة الفريدة الّتي تخشى ضجّة وحساسيّة النّخبة المتهالكة الّتي آختارت أن تخاصم ربّها، ولا تستطيع النّهضة إلاّ أن تستسلم لشروطها المذلّة وترسم مواقفها على أهواء غيرها لا على حسب مرادات الشّرع العزيز. ولا يخفى أنّ هذا المنهج يحدث من الأضرار ما الله وحده به عليم منها :
ـ إرضاء قوم ما رضوا عن ربّهم بل ما آمنوا بعدله وبحاكميّته.
ـ إرضاء قوم غضب الله عليهم.
ـ مصادمة الأصول الشّرعيّة والثّوابت العقديّة بل وأد نصوص الولاء والبراء الّتي لا يصحّ إيمان إلاّ بها.
ـ كتمان الحقّ والتّعمية عن الشّرع.
ـ ترك النّاس في جهل .
ـ إحداث فتنة التّفريق بين المسلمين فيتعلّق النّاس بتلك التّصريحات العلنيّة فيعتقدها البعض فيوالي عليها ويعادي ولا يخفى ما يسبّبه ذلك من فتن عظيمة !!!
إنّ الملاحظ أنّ هذه الحركة لا تريد أن تعالج قضاياها بجدّ فضلا على آعتمادها على الله ثمّ على نفسها، فهي تتواكل ـ في كلّ مرّة ـ على غيرها. فتارة على الجوار، وتارة على اليسار، وتارة على ركوب موجة الإصلاح الأمريكيّ، وبهذا تفهم خذلانها للصّحوة الجديدة.
إنّ مواقف نهضة المهجر المعلنة لا يراد منها إلاّ أن ترضي خصوم العقيدة ولو على حساب إغضاب الموحّدين بفتح باب جحيم معاداة مشاعر المسلمين في كلّ مكان بمخالفاتها لمنهج أهل السّنّة وهي تسلك مناهج التّهوين من الشّريعة ويظهر ذلك من خلال سكوتها عن المخالفات الواضحة لمجلّة الأحوال الشّخصيّة، أو في منهجها الغير الأخلاقي في تقديم السّلفيّة والسّلفيّين في تونس قربانا للإعتراف بهم.
إنّ هذا الخطاب ليتخبّط في وهم المصالح والمآلات وما هو في الحقيقة إلاّ فكر خاضع لدوّامات أجندة حزب قد يستنفذ أغراضه إن أصرّ على تنكّره لمطالب العقيدة وقبوله بالحلّ التّوافقي مع نخبة العلمانيّين على إبتلاع الشّريعة لوهم مقاومة الإستبداد، وهو لعمري ما يزيد في تعميق الأزمة الحقيقيّة في البلد، وهي العمل بعيدا عن هويّتها وأسباب العدوان، فيغيّبون بذلك أعظم حقّ خلق من أجله الإنسان وهو تحقيق العبوديّة المطلقة من توحيد وعبادة و تشريع ومقاومة للظّلم وعمارة للأرض و توزيع ثروة الله تعالى بين النّاس بالعدل..
إنّ الخطاب الّذي درجت عليه نهضة المهجر لا تستسيغه شعوبنا اللاّهثة على الفكر الثّابت المقاوم لا النّاعم المائع. إنّه الخطاب الّذي يزيّف الوعي ويشوّه الدّين، لأنّه نتاج للفكر الإستسلامي لشروط العلمانيّين وإملاءاتهم. إنّهم سينتهون ـ وقد انتهوا ـ إلى ما انتهى إليه أردوغان حيث رفض مقابلة خالد مشعل، وإلى قبول من على شاكلتهم أن يكونوا في مجالس حكم يعيّن من طرف الغزاة.. أو يتبعون أثر مرشدهم التّرابي حليف قرنق ضدّ إخوانه والّذي انتهى إلى أرذل الفكر، وهو نفسه المنهج الذي جعل السّودانيّين يطردون لاجئي النّهضة التّونسيّيّن من أرضهم كثمن لإعادة علاقاتهم مع السّلطة في تونس..
وهو نفس المنهج الذي ينتهجه عمرو خالد والجفري وطارق رمضان نجوم ابتزاز وانتهاك حرمة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وآحتقار مسلمي الدّنمارك! أو إلى مثل تصريح الأخ خالد مشعل ـ وفّقه الله وثبّته على ما كان عليه ـ بشأن المسألة الشّيشانيّة الّذي قال فيه : مسألة روسيّة داخليّة، ونحن لا نتدخّل في الشّؤون الدّاخليّة للدّول الأخرى. وهذا موقف فيه ما فيه من القسوة والّتنكّر للحقوق المشروعة للشّعب المسلم في الشّيشان، ممّا جعل زعيم الشّيشان أحمد زكاييف يعلّق على ذلك التّصريح قائلا:"ولم نتوقّع أن يكون هناك أيّ فارق بين حماس وياسر عرفات، لقد وضعوا مصالح الحكومة الرّوسية فوق تلك الخاصّة بالتّضامن الدّيني مع المسلمين الشّيشان ".
والحمد للّه الذي جعل من زمن انكسار المسلمين وانحدارهم منحة تمييز الخبيثَ من الطيِّب والصادِقَ من الكاذب والمؤمنَ من المنافق والهارب من الثّابت...قال إبن القيّم:"... فلولا خلقُ الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه لم يستخرِج خاصَّ العبوديّة من عبيده، ولم يحصل لهم عبوديّةُ الموالاة فيه والمعاداة فيه والحبِّ فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له"
فهل منهج التّخذيل هذا الّذي تسلكه النّهضة يقرّه شرعنا الحكيم وخلقنا العظيم ؟ أفليس من أصولنا المباركة الّتي يعلمها الأمّيّ العامّيّ أنّ من يخذل مسلما يخذله الله تعالى، وأنّ من ينصر مسلما ينصره الله تعالى ؟ أم أنّ القيم اليوم أصبحت متخلّفة ومن تمسّك بها فهو أصوليّ متطرّف رجعيّ ساذج ؟ وللسّياسة دهاقينها الحداثيّون التّقدّميّون الشّاطرون ؟ إنّه منهج النّخبة الّتي آستعلت على بساطة القيم وسلامتها من التّشويش والتّهويش.وفي الآثار أنّ النّخب الفكريّة والسّياسيّة هم وراء إفساد الدّين. فما أهلك الدّين إلاّ الملوك والرّهبان !!! إنّ هذا المسلك لا يقرّه الشّرع الرّحيم الجامع بين المسلمين والحريص على عدم تفرّقهم وقطيعتهم ، قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ) فكلّ مسالة حدثت في الإسلام فاختلف النّاس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام. وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر و التّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء و إنّها الّتي عنى الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بتفسير الآية وهي قوله-{إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } فيجب على كلّ ذي دين و عقل أن يتجنّبها. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من إتّباع الهوى...وهو ظاهر في أنّ الإسلام يدعو إلى الألفة والتّراحم والتّعاطف. فكلّ رأي إلى خلاف ذلك فخارج عن الدّين..الموافقات 4/221 -222.
إنّه حان الوقت أن توضّح حركة النّهضة التّونسيّة موقفها بكلّ صراحة ووضوح فإمّا حركة إسلاميّة تلتزم بمطالب الشّريعة كلّها ـ كما عهدها عليها شعبها في عهد السّبعينات ـ دون لفّ أو دوران وتلوّن ودون تعديل لها وتدخّل فيها، وإمّا أن تنخرط في لعبة النّخبة وتتخلّى عن الدّين الّذي تقدّمه مزيّفا. أمّا مسك العصا من الوسط والتّغطّي برداء الوسطيّة المزيّفة واللّعب على الإزدواجيّة و الغموض و القول : نحن لسنا حزبا دينيّا، نحن حزب مدني ذو خلفية إسلامية ما عاد ينفع !!!
لقد أعطى مشركو مكّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السّلطة والثّروة والنّساء مقابل أن يتخلّى عمّا يسمّيه العلمانيّون اليوم الدّولة الدّينيّة، فرفض في كبرياء وشموخ وعزّة منقطعة النّظير أن يستدرج لشروط أعداء الشّريعة وقد أعطوه ما أعطوا، فكيف بمن في موقع حركة النّهضة ولم يعطوا شيئا، بل آفتكّت منهم كلّ شيء تقريبا وأعزّه عقيدتهم فألغوها من نضالاتهم !!!
ولقد تنكّرت مكّة والطّائف لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومات القريبان خديجة وأبو طالب، والصّحابة مشرّدون فيهم من هو في الحبشة وفيهم من هو في مكّة يقتل، ومنهم من ينتظر ومنهم من هو رهينة ومنهم من هو على خوف، ويعرض نفسه صلّى الله عليه وآله وسلّم على القبائل الوافدة إلى الحجّ، فكان ردّهم عليه قبيحا، وكيف لا يكون كذلك وعمّه أبو لهب يسير خلفه يكذّبه ويخذّله، كلّ ذلك لم يلجئ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يداهن أو يجانب الصّدق في منهجه أو أن يعد النّاس بغير الحقّ ! قال رجل من قبيلة بني عامر بن صعصعة، ويدعى بيحرة بن فراس :" والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب،ثمّ قال للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: " أرأيت إن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟" قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :" الأمر للّه يضعه حيث يشاء "، قال الرّجل : " أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك " إبن إسحاق عن الزّهري ـ سيرة إبن هشام 2 / 76
الصّدق هو خطاب الجماعة المسلمة حتّى ولو كانت في أحلك الظّروف، هذا هو الّذي يجلب لها الإحترام و يكسب ثقة المضطهدين و لا يعطي الخصوم فرصة واحدة للطّعن في مصداقيّتها، فضلا عن مرضاة ربّها وما يقدره لها سبحانه وتعالى من توفيق وتأييد وعزّة ونصر إن سلكت سبيل نبيّها ولم تحد عنه، لأنّ ذلك كلّه بيده وحده عزّ وجلّ. و و الله ما غلبنا الخصوم إلا يوم تخلّى الوليّ. قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" تالله ما غدا عليك العدو إلا بعد أن تولى عنك الولي فلا تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض " الفوائد ص 79.
إنّ حركة النّهضة التّونسيّة، وهي تستحيي من أن تذكر عقيدتها وشرائع دينها، وتؤجّل كلّ ما لا يرضي العلمانيّين ويصادمهم أو ما يشوّش على المشروع السّياسي، حتّى ما عدت تميّز بين خطابها وخطاب حلفائها من اليسار
فتلوّنوا وألجموا بإعاقة أن يقولوا على الله غير الحقّ وأن يؤجّلوا العقيدة وكلّ متعلّقاتها والتي منها حقّ الله تعالى في التّشريع ولذلك لم يتعرّضوا إلى نقد مجلّة الأحوال الشّخصيّة على وهم أنّها تفسد الوفاق السّياسيّ مع العلمانيّين لأنّهم جعلوا أولوّيتهم الكبرى مقاومة الإستبداد على حساب العقيدة!!!
لقد أجّل نهضة المهجر العقيدة في أكثر من مناسبة وهذا وحده، يكشف عن خلل منهجي خطير يطعن في شرعيّتهم لخلل موازينهم ، وكان ذلك سبب مقتلهم لأنّ العقيدة أساس كلّ شيء و من بنى على غير أساس لم يبن شيئا، ومن فعل ذلك فلا تسأل بعد ذلك لماذا يقع القوم في الكوارث ؟ ولا تعجب من إلزامهم الخطإ لمن خالفهم، بل يقاضونهم بالتّشدّد والتّطرّف والأصوليّة ويغرفون من مصطلحات ترضي أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
إنّ منهج النّهضة المتناقض المندّد بالسّلفيّة التّونسيّة، والسّاكت عن العلمانيّين العقائديّين، بل المداهن في بيان الشّريعة كاملة والدّفاع عنها لمن أعظم المصادمة للأصول والاعتداء على الثّوابت.
وإنّ إلزام المخالف للنّهضة بالخطإ والإنحراف مخالف للمنهج الشّرعي الرّحيم المحرّض على حسن الظّنّ بإخوان العقيدة وعلى إيجاد العذر لمن وقع منهم في مخالفة شرعيّة واضحة. والدّليل أنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن لعن صحابيّ و قد شرب الخمر في حين أنّه لعن من يشربها عموما وعلّل سبب عدم لعنه بقوله إنّه يحبّ اللّه ورسوله...
إنّهم حكموا على مخالفهم بالتّطرّف والتّشدّد وغير ذلك، وهو لعمري مخالف للمنهج الإسلامي القاضي ب " المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم " وأنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله. كلّ المسلم على المسلم حرام.... وهو كذلك مخالف لمنهج الشّرع الحكيم الدّاعي إلى جمع كلّ المسلمين والعاملين منهم بالخصوص على الحقّ والسّنّة ضدّ الأعداء الخلّص ولا الإستقواء بهم أو التّقرّب منهم بالنّيل من إخوان العقيدة بأيّ نوع من النّيل... لأنّ من ثوابت أصول الدّين وقطعيّاته ثبات أصل الأخوّة الإيمانيّة ولا يسقط ذلك إلاّ بكفر يقينيّ ولا ينتهك بتأويل أو إحتمال أو وهم أو ظنّ قد يعظم بسب الأهواء السّياسيّة الّتي كثيرا ما تلبّس عليهم أحلام مصالح وهميّة...
إنّ هذا المسلك الذي يقدّم أولويّات مصالح الوسيلة ـ " أي الجهاز " والذي يرتقي عندهم إلى تسميته ب " الكيان " ـ على أولويّات العقيدة ومقتضياتها خطأ شنيع وضلال بيّن وآنحراف واضح سيرشّح إلى عقبة في طريق البناء الإسلاميّ في تونس لسقوطه ضحيّة الدّخن الفكري والتّهوّك المنهجي فضلا عن مكبّلات مصالح الحزبيّين ومثقلات الذّنوب والمظالم، وملجمات الجمود وعدم التّطوّر والرّكون إلى الحلقة المفرغة المعبّر عنها أحسن تعبير أبديّة الزّعامة الّتي أثقلت القوم.
إنّ المبادئ العظيمة لا تنصر بمواقف هزيلة ومن طلب عظيما قدّم العظائم، والجماعات الضّائعة والفكر الطريّ لا يمكن أن يكون سندا لهدف ضخم ولا حمّالا لواجبات عظيمة.
إنّ أهل الحقّ ليست لذّتهم في كسب مواقف ينقلب عليها غدا، ويتلوّن عليها بعد غد، ولكنّ سعادته في الحقّ الّذي معه، مهما كلّف ممّا يبدو من " خسائر "مرحليّة ومن عنت وقتيّ لأنّ الحقّ الإلاهيّ لابدّ أن يعلن، والوعد الرّبّاني لا بدّ أن يتحقّق...
إنّ الخطاب الموغل في الحزبيّة المفرّط في حقوق الإسلام الّتي من أعظمها الدّفاع عنه وبيانه وعدم كتمانه والصّدق في الخطاب السّياسي والحفاظ على وحدة المسلمين وبراءة ذمّتهم، ليطرح إشكالات عديدة من أهمّها: غاية هؤلاء!!!أي لمن يعمل هؤلاء ؟ وما هي أهداف هؤلاء ؟ و ولاؤهم لمن ؟ هل غاية العاملين في النّهضة للّه أم للحزب ؟ وهل الولاء للإسلام وأهدافه أم للحزب وأهدافه ؟ وهل أهدافهم هي أهداف الإسلام أم أهداف أشخاصه ؟ هذه أسئلة قد تكون حرجة، ولكنّها ضروريّة جدّا لكلّ من يحرص أن يقبل الله عمله، كما يجب أن تطرح على قوم أجّلوا العقيدة في عملهم للإسلام !!!
إنّ حركة نهضة المهجر بمواقفها الضّعيفة هذه يعدّ تنكّرا لذاكرتها وهويّتها وثوابتها وطعنا في مكاسبها التّاريخيّة الّتي لم تحقّقّها إلاّ بدفاعها عن الشّريعة، ورفع راية عقيدتها، وبصلابة مواقفها، وبتبنّيها لآلام شعبها، وبتعبيرها عن آماله، ولم تلق تلك الحظوة بسبب التّنازلات والتّلوّنات والمراوغات...إنّ الإصرار على الثّّوابت الشّرعيّة هو وحده الكفيل للنّجاح والتّوفيق ويكفي ذلك نصرا وعزّة.. وآنظر إلى حماس ما الّذي جعل الشّعب الفلسطيني يختارها !!! فهل شيء آخر غير التّمسّك بالثّوابت والحقوق المشروعة أمام أضخم آلة حرب وتدمير في المنطقة وبدعم حبال النّاس المنقطعة النّظير من العالم .
فهل يمكن أن نقول إنّ منهج النّهضة الضّعيف المتلوّن الخاضع لضغوط الإكراه و الإغراء والرّغب والرّهب لفي أشدّ مأزق وهو تحوّلها عن الثّوابت والقيم من أجل وهم المكاسب، سينتهي بها يوما إلى التّخلّي عن مبادئها. وهل فعلا أنّ حركة النّهضة التّونسيّة قد تخلّت عن سمتها الإسلاميّ وتدحرجت إلى علمنة مقنّعة برداء دينيّ رقيق كشف عنه رئيس مكتبها السّياسي بقوله لسنا حزبا دينيّا فكيف ندعو إلى تطبيق الشّريعة، بل هم لا يدعون في دولتهم الموعودة إلى الصّلاة كما قال الغنّوشي لإحدى القنوات الفضائيّة...
إنّ الله عزّ وجلّ جعل قداسة هذا الدّين فوق كلّ إعتبار، ورفع لواء العقيدة فوق كلّ شيء، فلا قيمة لشيء مهما غلى إذا كانت العقيدة أو شعائر الدّين مهدّدة. وإنّ أعظم شيء يجب أن تعمل له الصّحوة في تونس ـ والّذي تنكّرت له نهضة المهجر ـ أن ترفع مبدأ العقيدة أوّلا عبر حقوق الله أوّلا، وأعظم حقّ له سبحانه وتعالى أن يعبد وحده، ولا يشرك به شيئا، ولا يتّخذ النّاس من دونه أربابا أو أولياء أو أهواء وكلّ ذلك طاغوت يجب أن يكفر به.



http://www.tunisalmoslima.com/module...ticle&sid=1007






التوقيع :
اللهم انصر المظلومين فى كل مكــان

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم
ان اقربكم منى منزلا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا فى الدنيا
صحيح الجامع للعلامة الالبانى رحمه الله
من مواضيعي في المنتدى
»» بيان قصير للشيخ صالح الفوزان بشان الفتوى
»» الربا والبنوك المعاصرة..تعقبات للشيخ مشهور
»» عثار القول بالتمام الاشعرى..ال عبد اللطيف
»» محاولة قتل العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله
»» الاشاعرة جمهور اهل السنة
  رد مع اقتباس
قديم 04-09-10, 12:17 AM   رقم المشاركة : 3
السباعى
موقوف






السباعى غير متصل

السباعى is on a distinguished road


السلفية بين الردة والبدعة







  رد مع اقتباس
قديم 04-09-10, 06:03 PM   رقم المشاركة : 4
فارس الكلمة
عضو فعال







فارس الكلمة غير متصل

فارس الكلمة is on a distinguished road


حياك الله اخى السباعى..

نسال الله السلامة ولكن مقصودك ان الردة هى رحى السلطة صحيحة
اما حركة النهضة فنسال الله ان تكون السلفية قائدها..

وان يهدى الذين يتسترون باسم الجهاد ف هذا البلاد وينالون من المذهب ويشوهون صورته ومكانته






التوقيع :
اللهم انصر المظلومين فى كل مكــان

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم
ان اقربكم منى منزلا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا فى الدنيا
صحيح الجامع للعلامة الالبانى رحمه الله
من مواضيعي في المنتدى
»» فضيلة الشيخ ابو اسحاق الحوينى فى تركيا
»» الرد على طعن علماء السلفية بالشيخ عدنان العرعور في انا رافضى
»» النجف الاشرف وموضوعه ف انا شيعى الرافضية
»» الاشاعرة جمهور اهل السنة
»» تعليق على الكلمة الطيبة ف بيان الحكم بما انزل الله للالبانى
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:16 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "