" الكذب بلا حدود في تصريحات المالكي والجيش الأمريكي ، دفاع أمام الشركاء أم مستلزمات الرؤوساء "
بقلم / آملة البغدادية
في جو مشحون بالتوترات والخلافات تتصاعد اللهجات وتتزايد التصريحات ولا يكاد خبر أن يأخذ مساحته من النشر على أهميته حتى يظهر آخر في واجهات الإعلام المقروءة والمسموعة وفي الفضائيات المسيرة والمخيرة نتيجة لتبعات الحدث . وفي بلد تعم فيه الفوضى الخلاقة كالعراق الذي يحتل المرتبة الأولى في تباين التصريحات وفي غرابتها نتيجة هذه الفوضى فنحن نحتاج لمتخصصين في فرز التصريحات وفق التنافي للمسؤول ذاته كما أراد له البيت الأبيض الذي قاد محتل آخر معه تصدر المناصب وقلد المراتب وفق الولاء والبراء .
أن هذا البيت الأسود الذي لم يخلق سوى أفواه تمرست على الكذب أكثر منها على الدبلوماسية والخطاب المتفهم سواء للشعب المنهك أو لدول الخارج من بين مساويء أخرى تم التفاضل فيها قبل التعاون معهم ، فالتلميذ مجتهد قد تفوق على أستاذه بل أخذ يعارض ويفاوض ويتشدق ويتحذلق ولا أشك أنه سيقوم بالنصح لتقديم الاستقالة بحجة أعراض الشيخوخة الواضحة والمضرة لصاحبها لا محالة .
هذا الخلق الجديد من الفوضى الذي أرادته أمريكا للشرق الأوسط والعراق خاصة كيف يكون خلاقاً بشكل سوي وعلى أي قانون فيزياءي أو كيمياءي بني عليه ؟ هل نظرية الفوضى الخلاقة مصطلح إعلامي مجازي أم اعتبرته أمريكا ووزارة دفاعها كالانفجار العملاق الذي ولـّد ترتيب منسق للمجرات وهو ما يسموه ( big bang) كباقي نظريات الإلحاد ؟ على كل حال النتيجة هي هذه الفوضى في كل شيء ولأن النتائج تدل على المقدمات فما يصدر من تصريحات متباينة مع الواقع في العراق إنما هو خارج من رحم الفساد السياسي لغلبة النوايا المصلحية الذاتية لرجال السياسة مع نوايا الضرر بالبلاد والعباد مسبقاً نتيجة ثارات تاريخية وعقد مستعصية ، وهذه ما جعلت المتابع للحدث يضع علامات التعجب أكثر من علامات الاستفهام ، فكيف يمكن لساسة يعلمون أن هناك توثيق لتصريحاتهم ولا يبالون بما يصرحون ؟ ولا سيما التي تتعلق بالقرارات المستقبلية التي غالباً ما تدل على مبادىء راسخة وآراء متأصلة والتي يسميها البعض آيديولوجية ــ التعريب الغريب لمصطلحات السياسة المستوردة ــ وهناك ما ينافيها ما هو أوثق منها وهو الشواهد على الأرض التي تنطق بلا كلمات كتطبيق للمباديء وترجمة للآراء ، ولا يقال أنها طبيعية تبعاً للمتغيرات الداخلية والخارجية فهذه لا تؤثر في ثوابت فكرية تبنى عليها سياسة دولة وهذه المتغيرات لا تلغي حقوق الأفراد عند المسؤولين الذين يتصفون بالصلاح والعدل. ترى أهي من سلم ترقي متطلبات المنصب أم دفاع مستقبـِل النهاية بترك الملعب أم من ضرورة البقاء وفق استحصال النقاط من أفواه البلهاء ؟ وأي متغير هذا الذي يحصل في بلد كحدث مهما كانت خطورته يجعل من النكران لأفعال ماضية شيء معقول ؟
أتساءل أين احترامهم لعقول الكثير إن لم يكن عندهم احترام للمنصب ؟ أم الاستهانة بالشعوب ناموس العصر ما دامت الأرض تسير إلى حتمية الصراع الكوني الذي سيطر على عقول الحكام في الغرب والشرق ؟ تصريحات للجيش الأمريكي والرئيس الأمريكي: قال المتحدث باسم الجيش الأمريكي الجنرال (ستيف لانزا): ( إن الانسحاب المقرر للقوات الأمريكية المقاتلة من العراق بحلول الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل سيستمر، ولن يتأثر بعمليات العنف الأخيرة. )
وأضاف في مقابلة مع بي بي سي العربية :أن الجيش العراقي مدرب بما فيه الكفاية من أجل استلام زمام الوضع الأمني وأن أدائهم يتحسن يوما بعد يوم .
كيف يمكن أن نهضم تصريح كهذا والواقع في الشارع العراقي يشهد على أداء الجيش والشرطة معاً الخارق لأبسط مباديء العسكرية من ولاء للوطن إلى ولاء طائفي؟ وأي إداء يتحسن يوماً بعد يوم ونحن نرى سلوك أخلاقي لا يليق باللباس العسكري ولا بالرتبة ومن بينهم الكثير مما لا يحصى من متعاطي المخدرات وذوي الأخلاق المتدنية بممارساتهم مع السجناء من اغتصاب وتعذيب ومن ترويع الأهالي بالسب والعبارات الطائفية ؟ أين الأداء الذي تحسن وممارسات تعسفية لحصار ومنع تجوال ومنع الوصول إلى المستشفيات وكلها تحت لافتة عمليات أمن بغداد ؟!
ترى هل هذه هي التدريبات التي قامت بها القوات الأمريكية حسب ما صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما في احتفالية المحاربين المعوقين قبل أيام ؟ وهل سيستمر تدريبهم بعد انتهاء المهام القتالية حسب ما أعلن لنشهد ممارسات جديدة كمحتلين لا كحماة لوطن وشعب ؟ نعلم أن لا سلطة لديهم في أختيار المنتسبين لكن أين سلطتهم في طلب التحقيق وفرض العقوبات لمن يسيء استعمال السلطة ؟ هل تقتصر صلاحية الجيش الأمريكي على إطلاق سراح أفراد المليشيات بعد اعتقالهم من بينهم كما أطلقوا سراح ضباط من الحرس الثوري وبحوزتهم دلائل على خطة تشييع بغداد وخرائط ومعلومات أدعت إيران أنهم دبلوماسيين ؟ أم أن السياسة لها أحكام وضرورات وما خافي من المساومات كان أعظم ؟ قالوا أن القادة الامريكيين يؤكدون أن تنفيذ الانسحاب سيعتمد على تحسن الوضع الامني في العراق بصفة عامة.
ويبدو ان الاختبار الحقيقي هو الانتخابات المزمع عقدها في اواخر هذا العام ، ولكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أطل علينا وهو يلقي خطابه للجنود المعوقين ويشهدهم أنه وفى بوعده بالانسحاب ، ترى هل كان هذا ما قاله مسبقاً بدون شرط مرهون بالواقع على الساحة العراقية ؟ وعندما أعلن الرئيس الأمريكي على أنهاء العمليات القتالية فهل إعلانه هذا إعلان حقيقي أم يدخل ضمن الكذب المسموح لاستحقاقات المنصب ؟ أن أعلانه هذا يذكرنا بإعلان القوات البريطانية انسحابها من العراق حين نشرت المواقع الأخبارية في عام 2009 أن بنهاية يوليو/تموز المقبل تستكمل عملية الانسحاب على أن يبقى نحو 400 جندي فقط لأغراض تدريب القوات العراقية. والحاصل لدينا هنا أن هناك مجموعتين تدرب القوات العراقية على القتال ولا ننسى الشريط الصوري الذي نشر على موقع اليوتيوب وهو يفضيحة لأفراد عراقيين تنهال عليهم عبارات الإهانة من ضابط أمريكي يتهمهم بالولاء للأحزاب لا للوطن ، ولعمري شر البلية ما يضحك عندما يعترض مغتصبي السجناء في إبي غريب على أخلاق الجنود في حكومة جل أفراد الشرطة فيها من أصحاب السوابق ومنتسبي المليشيات عودة للوراء قليلاً فلا يمكن أن أحصي خروقات التصريحات المفاجئة التي أزعجت شعور الساسة بعد الوعود والتأكيدات .
قال الميجور جنرال (ديفد بركينس) المتحدث باسم قوات التحالف ان العراق "انتقل من حالة عدم استقرار مقلقة الى حالة مستقرة."
وهذا في بداية عام 2009 ! وقد أعقب التصريح تفجيرات ثلاث هزت العاصمة بغداد وتوالى التصعيد على كل المستويات خاصة على المدن ذات الغالبية السنية بحملات اعتقالات عشوائية واغتيالات في صفوف الصحوة وعلماء دين ، ومعلوم أن أمريكا هي المراقبة على أوضاع العراق والمشرفة على الوزارات ولديها أكبر سفارة في العراق في العالم ، فما عمل موظفيها إن كانت تحليلاتهم لا تتناسب مع الواقع ؟
أين عمل الأقمار والمناطيد المنتشره خاصة في بغداد بأجهزة تصوير متطورة ورقابة على مدار 24 ساعة ؟ وأين الرقابة على الحدود ما دامت الأسلحة والعبوات اللاصقة تمر عبر إيران ؟ ولماذا إلى يومنا هذا ما زالت هذه المشاهد تتكرر في أكثر شوارع العاصمة حراسة ونقاط تفتيش ! ترى من يراقبون وماذا يحرسون ؟
أي استخفاف بالعقول والعراقيون قد فهموا أن من يدخل الأسلحة ومن يتسبب في العنف هم أنفسهم حراس الوطن والمنفذ يدخل ويخرج بسيارات الوطن تفتح له الشوارع وترفع له الأيادي بالتحية وتفضل مولانا . نعلم أن أمريكا تعلم كل هذا وتعلم أننا نعلم فهل خطاب مسؤوليها لنا أم لشعبهم ؟ الواقع أن الشعب الأمريكي لا يتابع ما يحدث في العراق ولا يهتم إلا بما تقدمه حكومة أوباما لهم من زيادة في فرص العمل وتقليل ضرائب وتوفير خدمات صحية ولا يتابعون في قضية احتلال بلدهم للعراق إلا مسألة عودة أباءهم لهذا فالخطاب موجه للأمريكان وعلى قدر فهمهم ومعلوماتهم ولا عيب من استخدام الكذب من أكبر رجل دولة عندهم لأنها سياسة مباح فيها كل شيء ما دامت تؤدي الغرض ، وهذا هو منطق أمريكا وهذا ما تعلمه حكام العراق بعد الغزو أن يكذبوا على الشعب وعلى الإعلام فلا أحد يحاسب ومن أمن الحساب أمن العقوبة فمال بلكم الكذب عند الشيعة عقيدة تدعى ( تقية ) توسع معناها واستعمالها مع تطور الدين عندهم لكل العقائد فلا يتعجب أحد مما سيسمع في الغد . التصريح الآخر الذي تصدر الصفحات هو التالي المنقول من صحيفة ( ميدل أيست ) يقول : ( البنتاغون يسأل عن 2.6 مليار دولار من أموال العراق! - تقرير أميركي يكشف عن غموض في انفاق وملاحقة 9.1 مليار دولار من عائدات النفط العراقية ) .
هل أنتبهتوا للعنوان ؟ البنتاغون يسأل ! وإن عجبتم فالتالي أعجب ، يقول الخبر : ( وعزا مكتب المفتش العام الأميركي الخاص بالعراق ذلك لضعف المراقبة والخلل في جمع السجلات وفقاً للتقرير الذي كتبه "ارنستون ليندونو" ونشر في عدد الثلاثاء. ) ب
عد أكثر من سبع سنوات على الاحتلال والأموال تتدفق على الخزانة الأمريكية من بين ثروات العراق الأثرية ومن معادن لا نرى لها أي ذكر كالزئبق النادر الذي أختفى بقدرة قادر من شمال العراق يأتي التصريح المسؤول جداً من مكتب المفتش العام قرب انسحاب الجيش الأمريكي بالكامل كفرق قتالية وتسليمه المهام للحكومة العراقية لا سيما أن الجيش الأمريكي هو الذي كان يدير عمليات الإعمار في العراق ، ولو أني لم أر أي مشروع إسكاني أو صحي أو زراعي أو في مجال الطرق تم تنفيذه وافتتاحه بلافتات كما ينبغي في أسلوب البناء الهندسي في أي مدينة . وحتماً سيتعجب القاريء من جملتي هذه فمتى كان الاحتلال ينفق على البلد المحتل ؟ ولو غالطني أحدهم وقال بأن الاستعمار البريطاني هو من أنشأ السكك الحديدية في العراق والتي بالمناسبة لم تقصف بناية المحطة الرئيسية لها في بغداد من بين البنايات التي كانت أهداف للقصف الجوي فهذا صحيح ولم تستهدف كذلك مقابرهم مع مقابر اليهود في العاصمة بل كأنها ليست في منطقة قتال وعنف ! . على كل عودة للبنتاغون المتألم المتساءل ونقول أين فطاحل التحقيق كما يقال ؟ وأين عقول الحسابات المالية وأجهزة الحاسوب ؟ وأين تحقيقاتهم حول بيع جنودهم للأسلحة وعن سرقاتهم للوقود التي نشرت كفضيحة متواضعة ؟ أم كلها خطوط حمراء ويكفي فضيحة تعذيب سجناء أبي غريب حفاظاً على الوجه الأمريكي المشرق البطولي وما صدر في هذا الخبر هو بند يقع تحته مئات الأرقام القادمة ويقفل الحساب بكلمة ( لم يـُحل ). ولكن ماذا سيجيبون غداً والمعلومات في نفس الخبر تؤكد بقول نائب المدعي العام بول ماكنلتي ان هيئة محلفين فدرالية كبرى في ترنتون في نيوجيرزي وجهت الاتهام الى الاشخاص الخمسة بالمشاركة في عملية الاحتيال التي شملت دفع رشاوى واختلاس وتبييض اموال ، كتهمة سابقة لهذه ويقول الخبر : وحكم على المحاسب السابق لدى سلطة الائتلاف روبرت شتاين في بالسجن تسع سنوات وبغرامات قدرها 3.6 ملايين دولار بعدما اعترف بالتهمة الموجهة له في اطار القضية ذاتها. هل سيبقى القضاء الأمريكي يحقق في اختلاس وهدر واختفاء أموال من بلد غني يغتني الكل إلا شعبه أم العذر موجود فالخلل في المراقبة وربما أوعزوه للعامل النفسي للجنود كصفة مشتركة لمعاناة المضحين الأمريكان في سبيل ديمقراطية العراق الحر وربما في ظل انقطاع الكهرباء عليهم ! وإلى متى تصدر تصريحات متباينة لا يعقلها السامع .
آب 2010