نداء الدم يا سيادة الرئيس
الاثنين 20 أغسطس بقلم جمال سلطان:
أعلنت مصادر برئاسة الجمهورية، أن الرئيس محمد مرسى، سوف يزور إيران نهاية هذا الشهر، من أجل حضور مؤتمر قمة عدم الانحياز، الذى يعقد فى طهران، وقبلها بأيام وزعت وكالة الأنباء الإيرانية وصحف عديدة، صور الرئيس مرسى وهو يحتضن الرئيس الإيرانى، أحمدى نجاد، فى مؤتمر مكة، الخبر جاء صدمة لملايين المصريين، وأؤكد عن علم ويقين، ملايين المصريين، صدموا من هذا التصريح، حتى داخل التيار الإسلامى نفسه، لأنه لا يعقل أن يزور رئيس مصر إيران فى الوقت الذى يعلن فيه مسؤولوها بكل مستوياتهم السياسية والأمنية والعسكرية عن دعمهم المتواصل للطاغية السورى الدموى، بشار الأسد، وأنهم لن يسمحوا بإسقاطه بأى شكل وأنهم يحذرون كل الدول، التى تعادى نظام بشار أو تدعم المعارضة سياسيًا أو غير سياسى، وبالتالى تأتى زيارة الرئيس المصرى إلى إيران فى تلك الأجواءـ لو تمت ـ بمثابة "خيانة" لدماء عشرات الآلاف من الشهداء السوريين، التى تراق يوميًا بدم بارد فى مختلف أنحاء سوريا، التقارير العالمية الموثقة تؤكد أن إيران لا تدعم بشار الأسد سياسيًا فقط، بل تدعمه بكل أنواع الدعم، فالنفط الإيرانى يتدفق على سوريا لتحريك آلة الدمار العسكرية من دبابات ومدرعات وطائرات وناقلات جنود وغير ذلك لمواصلة القتل، ومليارات الدولارات الإيرانية تضخ شهريًا فى خزينة بشار الأسد لكى يضمن ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية لمواصلة ذبح الشعب السورى الثائر، وخبراء الحرس الثورى الإيرانى بالآلاف فى سوريا لتدريب قوات بشار على سحل الشعب الثورى وقمع ثورته حتى أعلنت قوى الثورة السورية، أن إيران دولة معادية وأهدافها فى سوريا مشروعة للثوار، أضف إلى ذلك الغضب العالمى غير المسبوق على نظام إيران والديكتاتور الروسى اللذين يتضامنان مع القاتل ويدعمانه سياسيا وعسكريا واقتصاديا، فى تلك الأجواء يقرر رئيس مصر أن يزور إيران بدعوى حضور مؤتمر لم يعد له مكان فى عالم اليوم، مؤتمر عدم الانحياز، الذى تحول إلى قصة تاريخية قديمة يجتمع الناس للاحتفال بها ثقافيًا، بينما لا يوجد لها أى قيمة سياسية ولا أثر ولا معنى فى عالم اليوم، بل إن الدولة التى ينعقد فيها المؤتمر لا تخفى "انحيازها" الفج للروس بوصفهم حماة الطاغية الأخير فى المنطقة، والداعمين لمشروعها النووى، لم يعد هناك قطبان فى العالم أساسًا لكى يكون هناك "طرف ثالث" غير منحاز، انتهت تلك "الحكاية" من سنوات طويلة، باختصار هذا المؤتمر هو مؤتمر احتفالى، منظرة، ولكن قيمته الأساسية للدولة المضيفة هو تعزيز مكانتها فى المجتمع الدولى ودعم مركزها كقوة سياسية لها مصداقية واحترام وتدعو فيستجاب لدعوتها، فكيف يسمح لنفسه رئيس مصر أن يدعم هؤلاء القتلة، كيف يسمح لك ضميرك الدينى والسياسى والقومى والوطنى يا سيادة الرئيس أن تصافح يدًا ملوثة بدماء إخوانك فى سوريا، كيف يسمح لك ضميرك أن تحتسى كوبًا من الماء فى طهران، وأنت تعرف أنه ملوث بعار قتل "إخوانك" فى سوريا، كيف تهنأ بكسرة خبز تدخل معدتك هناك وأنت تعرف أنها مسمومة بدماء الشهداء الأبرياء من النساء والأطفال والعجائز، إن مصر لا تتصل بإيران بأى أهمية إستراتيجية فى تلك اللحظة من التاريخ، لا على المستوى الاقتصادى فى تعاملات ضخمة تضيف شيئًا للاقتصاد المصرى ولا على المستوى السياسى ولا على المستوى الأمنى ولا على المستوى الثقافى ولا على المستوى الدينى، فما الذى يضطرك للذهاب رغم كل ذلك، يا سيادة الرئيس، لا تخذل الأرامل البائسات فى سوريا، لا تحقر دمعات الأطفال القتلى منهم واليتامى، لا تضف آلامًا إلى آلام مئات الآلاف من السوريين المشردين فى الخيام فى الأردن وتركيا وغيرهم من التائهين الآن فى مطارات العرب والعجم هربًا من آلة القتل الطائفية، التى تتحرك بالمال الإيرانى والسلاح الإيرانى والنفط الإيرانى والخبراء الإيرانيين، يا سيادة الرئيس لا تضع وجه مصر فى الوحل فى بداية عهدك وتصمها بأنها تبيع مبادئها وأخلاقياتها من أجل حسابات "حزبية"، يا سيادة الرئيس أنت تعرف أن زيارتك لا تضيف أى شىء لمصر ومصالحها، بل تخصم من مصالح مصر وتهددها، وأنت تعرف أن مصالح مصر الاقتصادية والأمنية مع دول عربية وخليجية قلقة من التهديدات الإيرانية واختراقاتها للأمن القومى للمنطقة بأسرها، والعراق والبحرين وسوريا ولبنان خير شاهد، وأما تعزيز حضورك وشرعيتك الدولية فلن تأتى من "طهران" بكل تأكيد، بل ستخسر الكثير من جوهر الشرعية لو ذهبت، ستلقى كلمة فخمة وجزلة بالفصحى، التى تتأنق بها وتطالب فيها بنصرة سوريا ومغادرة بشار، لكن الموقف والسلوك العملى بذهابك إلى شركاء القتلة والمجرمين هو الأهم دوليًا من الكلام وهو الأكثر تأثيرًا من الخطب، وهو الأكثر دعمًا لإيران وبشار من نصب المفعول ورفع الفاعل، لا تفعل يا سيادة الرئيس، إن كنت مخلصًا لدماء الشهداء فلا تذهب، إن كنت مخلصًا لمصالح مصر القومية فلا تذهب، إن كنت صادقًا فى أنك تحتفظ بمسافة بعد كافية عن علاقات "جماعتك" القديمة ببعض الأنظمة فلا تذهب، ستخسر الكثير فى مصر إن ذهبت، واسأل من حولك عما يقال الآن داخل التيار الإسلامى بكل أطيافه، يأتيك الخبر اليقين.