الإباضية تقول بخلود أهل الكبائر في النار وهي العقيدة التي نطق بها القرآن ودعمتها كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، وهي واضحة كل الوضوح لمن تدبر في آيات القرآن. وقضية الخلود في النار من القضايا المتعلقة بالعدل الإلهي وبالوعد والوعيد، وما ينتج عنه من ثواب وعقاب. والأدلة على خلود العصاة في النار كثيرة في القرآن والسنة. فمن القرآن الكريم:
·قول الله تعالى في سورة هود ﴿ فَأَمَّا الذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبـُّكَ إِنَّ رَبـَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107) وَأَمَّا الذِينَ سَعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالاَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبـُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108)﴾.
·قول الله تعالى في البقرة: ﴿ الذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا، فَمَن جَآءَهُ, مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبـِّهِ فَانتَهَىا فَلَهُ, مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ, إِلىَ اللهِ، وَمَنْ عَادَ فَأُؤْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275)﴾. هذه الآية تتوعد آكلي الربا بالخلود في النار والربا كما هو معلوم من أكبر الكبائر.
·يقول الله تعالى في سورة يونس: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26) وَالذِينَ كَسَبُوا السَّـيِّـئَاتِ جَزَآءُ سَـيِّئَةِم بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنـَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27)﴾
·قال الله تعالى بعد آية الوصية في سورة النساء ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُّطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13) وَمَنْ يَّعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ(14)﴾.
فليس أصرح من هذه الآية في أن من يعصي الله تعالى يخلد في جهنم، وهذه الآية لا تخص الكفار وإنما تخص من يتعدى حدود الله عموما. يقول الشهيد سيد قطب وهو يعلق على هذه الآية: «لماذا تترتب كل هذه النتائج الضخمة في تشريع جزئي كتشريع الميراث، وفي جزئية من هذا التشريع؟ إن الآثار تبدو أضخم من الفعل لمن لا يعرف حقيقة الأمر وأصله العميق». ثم يجيب في شيء من التفصيل على هذا السؤال «بأن التشريع لله وحده، فالله وحده هو الذي يختار للناس منهج حياتهم، والله وحده هو الذي يسن للناس شرائعهم، والله وحده هو الذي يضع للناس موازينهم وقيمهم وأوضاع حياتهم وأنظمة مجتمعاتهم وليس لغيره - أفرادا أو جماعات - شيء من هذا الحق إلا بارتكان إلى شريعة الله». ويخلص في النهاية إلى القول: «هذا هو الأمر في جملته وفي حقيقته.. ومن ثم يستوي أن يكون الخروج في أمر واحد أو في الشريعة كلها. وهذه هي الحقيقة الكبيرة، التي تتكئ عليها نصوص كثيرة في هذه السورة وتعرضها عرضا صريحا حاسما، لا يقبل المماحكة ولا يقبل التأويل. وهذه هي الحقيقة الكبرى التي ينبغي أن يتبينها الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام في هذه الأرض ليروا أين هم من هذا الإسلام، وأين حياتهم من هذا الدَّين»<!--[if !supportFootnotes]-->[7]<!--[endif]-->.
·قول الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿ إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ(14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ(15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِـبِينَ(16) ﴾ هذه الآية قسمت الناس يوم القيامة إلى قسمين: أبرار وفجار فالأبرار مصيرهم إلى الجنة وهم فيها خالدون، والفجار مصيرهم النار وهم فيها خالدون.
·قول الله تعالى في سورة الفرقان: ﴿ وَالذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(65)﴾.
·قول الله تعالى في سورة الفرقان ﴿ وَالذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا _اخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَالِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) اِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70)﴾
·قول الله تعالى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىا وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26) وَالذِينَ كَسَبُوا السَّـيِّـئَاتِ جَزَآءُ سَـيِّئَةِم بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنـَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا اُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27)﴾
ومن السنة:
·روى البخاري ومسلم عن ابن عمر (رض) أن رسول اله (ص) قال: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة».
·روي الترمذي وابن ماجة والحاكم عن عثمان (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إن القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».
·روى أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم عن أنس (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله. قيل كيف يستعمله قال: يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه».
·روى الشيخان عن ابن عمر (رض) أن رسول الله (ص) قال: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم ينادى مناد: يا أهل الجنة خلود بلا موت. يا أهل النار خلود بلا موت. فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم».
·روى أحمد والبزار والحاكم والنسائي عن ابن عمر (رض) أن النبي (ص) قال : «لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر». وفي رواية أخرى ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : «مدمن خمر والعاق لوالديه والديوث»، وهو الذي يقر السوء في أهله.
·روى الشيخان عن رسول الله (ص) أَنَّهُ قال «من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة».
·روى البخاري عن رسول الله(ص) أنه قال: «من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الْجَنَّة».
·روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال : «من تردى<!--[if !supportFootnotes]-->[8]<!--[endif]--> من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ<!--[if !supportFootnotes]-->[9]<!--[endif]--> بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا».
·روى البخاري عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال : «الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار والذي يقتحم<!--[if !supportFootnotes]-->[10]<!--[endif]--> يقتحم في النار».
·روى البخاري عن حذيفة (رض) أن رسول الله (ص) قال: «لا يدخل الجنة نمام وفي رواية قتات».
·روى البخاري عن ابن عمر (رض) أن رسول الله (ص) قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما».
·روى مسلم في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
والروايات كثيرة تارة تدل على الخلود بالنص عليه، وتارة بالجمع بينهن بين التأبيد، وأخرى بالتوعد بالحرمان من الْجَنَّة، أو حرمان شم ريحها.
ومحصل الأحاديث واحد وإن اختلفت ألفاظها، وهو أن مرتكب هذه الأعمال إن لم يتب قبل موته، فهو في نار جهنم مثله مثل الكافر إِلاَّ أَنَّهُ يجب أن نؤمن بأن الجنة درجات، وأن النار دركات، وأن أفضل درجات الجنة أعلاها وهي جنة الفردوس، وقد ورد في الحديث «اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى».
وأما النار فإن أشد الناس عذابا من في أسفلها قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَـجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾ (النساء) وأقل الناس عذابا من في أعلاها. نعوذ بالله من النار. وأن عذاب الناس يتفاوت كل حسب ذنوبه في الدنيا، ومن دخل النار فلن يخرج منها أبدا، ومن دخل الجنة فلن يخرج منها أبدا بصريح القرآن والسنة.
ولا توجد آية في كتاب الله تعالى تقول بخروج العصاة من النار بل إِنَّ آيات كثيرة تؤكد معنى التأبيد في جهنم للعصاة، وكلها آيات صريحة في دلالاتها قطعية في ثبوتها؛ وأما الأحاديث فقد وردت أحاديث في خلود العصاة في النار كما وردت أحاديث في خروج العصاة من المؤمنين من النار.
لكن إذا عرضنا هذه الأحاديث على كتاب الله نجد أنها أَوَّلاً: أحاديث أحادية، وثانيا: فإن هذه الأحاديث تعارض الكثير من الآيات القرآنية الصريحة، وغيرها من الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضا منها. وقضايا العقيدة لا تؤخذ إِلاَّ من القرآن الكريم، ومما تواتر من أحاديث النبي (ص)، أما الأحاديث الأحادية فلا يحتج بها في أمور العقيدة على رأي جمهور العلماء<!--[if !supportFootnotes]-->[11]<!--[endif]-->.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أَنَّهُ عند قبض روح الإنسان، إما أن تقبضه ملائكة الرحمة، أو تقبضه ملائكة العذاب حسب أعماله في الدنيا.
فهذا المسلم العاصي الذي لم يتب من معصيته أيُّ الملائكة تقبض روحه؟ هل هي ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ فإذا كانت ملائكة الرحمة فلم يعذبه الله بذنبه في النار ثم يدخله الجنة, وإذا كانت ملائكة العذاب فقد سبق في علم الله أَنَّهُ من أهل الشقاء، فكيف يدخل الجنة بعد ذلك.
وكما ثبت من حديث النبي (ص): «أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار». فالميت في قبره إما أن يكون سعيدا ينتظر قيام الساعة ودخول الجنة، وإما أن يكون شقيا يتمني عدم قيام الساعة حتى لا يعذب في جهنم. ولقد عاب الله على الذين ورثوا الكتاب من قبلنا قولهم ﴿سيغفر لنا﴾ في قوله تعالى ﴿ فَخَلَفَ مِنم بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَاخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الاَدْنَىا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يـَّاتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَاخُذُوهُ أَلَمْ يُوخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(169)﴾. كما عاب على بني إسرائيل قولهم في سورة البقرة: ﴿ وَقَالُواْ: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً، قُلَ اَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُّخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ, أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(80) بَلَىا مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)﴾. وقد فسر كثير من المفسرين أن معنى من أحاطت به خطيئته بمعنى مات على ذنبه أو خطيئته ولم يتب. فهذه آية صريحة في كتاب الله تبين أن مصير من لم يتخلص من ذنبه بالتوبة سيكون خالدا في النار مع الخالدين.
يقول الشيخ أحمد الخليلي في الحق الدامغ : «إن القول بتحول الفجار من العذاب إلى الثواب ما هو إلا أثر من آثار الغزو اليهودي للفكر الإسلامي، واستدل بقول الله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَقَالُواْ: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً، قُلَ اَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُّخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ, أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(80) بَلَىا مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)﴾ ومن أمعن النظر في أحوال الناس يتبين له أن اعتقاد انتهاء عذاب العصاة إلى أمد، وانقلابهم بعده إلى النعيم جرأ هذه الأمة كما جرأ اليهود من قبل على انتهاك حرمات الدين والاسترسال وراء شهوات النفس، ولا أدل على ذلك من الأدب الهابط الذي يصور أنواع الفحشاء، ويجليها للقراء والسامعين في أقبح صورها وأبشع مظاهرها، وقد انتشر هذا الأدب في أوساط القائلين بالعفو عن أهل الكبائر، أو انتهاء عذابهم إلى أمد انتشارا يزري بقدر أمة القرآن، وغلب على المؤلفات الأدبية مطولاتها ومختصراتها كالأغاني، ومحاضرات الأدباء، والعقد الفريد، حتى كاد الأدب يكون عنوانا على سوء الأدب.
وقد صان الله من ذلك أدب الإباضية الذي رسخ في قلوبهم ما جاء به القرآن من أبدية عذاب أهل الكبائر كأبدية المطيعين المحسنين. ولو قلبت صفحات أدبهم لوجدتهم في شعرهم ونثرهم - كما يقول الأستاذ أحمد أمين - لا يعرفون خمرا ولا مجونا».