بروتوكولات ملالي إيران (9)
تصدير الثورة
علاء الدين حمدي
(المصريون) : بتاريخ 11 - 8 - 2009
منذ انتصارها 1979 ، وضعت الثورة "الخمينية" لنفسها بروتوكولا سياسيا خارجيا معلنا ، هو "تصدير الثورة" لإلهاء المتربصين بها من خارجها عن العمل ضدها من داخلها ، فبدأت في مد أذرع العون والدعم إلى الحركات التحررية أو المعارضة لأنظمة الحكم عن حق أو باطل ، خاصة حركات "الإسلام السياسي" الراديكالية ، في النطاق الجغرافي للأمن القومي الإيراني آسيويا وإفريقيا ،
وذلك أيضا في سبيل تحقيق بروتوكول آخر هو دعم هذه الحركات للانقلاب على نظمها الرسمية ، وفقا للنموذج الإيراني ، كخطوة تمهيدية للتوحد في دولة خلافة "إسلامية" يديرها "الولي الفقيه" يكون مركزها إيران أو "قم" ! ،
بما في ذلك استغلال حالة "التقاعس" العربي لدعم فصائل المقاومة الفلسطينية التي ترفع الشعارات الإسلامية وتحديدا "حماس والجهاد" ، وذلك بهدف الحصول على تأييد الشعوب العربية والإسلامية للداعم الإيراني في قضاياهم التي لم يستطع زعماؤهم وحكامهم حلها أو حتى تحقيق الحد المرضى منها ،
راجع الحلقة الثانية من السلسلة ،
( وقــد سوَّغ الـدكتور حسن آيات ، أحد منظري حزب الله ، تدخل الثورة الإيرانية في شؤون الدول الإسلامية الأخرى بأن على إيران نصرة المستضعفين في كل مكان حتى يتم ضمان استمرارية الثورة واتساع دائرة إشعاعها )
"عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤية مغايرة" ،
وبالتالي ( أبيح لبنان للنفوذ الإيراني وحليفه السوري ، ومدت الجسور الإيرانية إلى قلب المشكلات العربية دون أن تخشى تأليب الإسلام العربي "السني" عليها ، وتحولت إيران إلى قوة عربية تحارب القوات الإسرائيلية ولها علاقات وثيقة بالمنظمات الفلسطينية على أرض دولة عربية )
"وضاح شرارة ـ دولة حزب الله" .
ـ لذلك وضع القائمون على الثورة منذ بدايتها ذلك البروتوكول ،
"تصدير الثورة لحماية الثورة" ! ،
وجاء تنفيذه على عدة محاور أهمها :
أولا: ( أن إيران لن تأمن من مؤامرات الدول الكبرى إلا إذا حدثت ثـورات مماثلة في العالم الإسلامي ، ووعدت بمساعدة كل حركات التحرير والحركات الإسلامية الراديكالية في أي مكان في العالم )
"د.وليد عبد الناصرـ إيران دراسة عن الثورة والدولة ، دار الشرق" ،
وهناك تصريح لـ "إبراهيم الأمين" أحد قادة الحركة الخمينية في لبنـان يقول:
( إن تصدير الثورة لا يعني تسلط النظام الإيراني على شعوب منطقة الشرق الأوسط ، وإنما المفروض أن تعيش هذه المنطقة الإسلام من جديد !! فيكون المتسلط على هذه الشعوب الإسلام وليس الإنسان ، وعلى هذا الأساس نحن نـعـمـل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضا ، حتى يصبح لبنان جزء من "مشروع الأمة" في منطقة الشرق الأوسط ، ولا نعتقد أنه من الطبيعي أن يكون لبنان دولة إسلامية خارج مشروع الأمة )
"وضاح شرارة ـ دولة حزب الله" ،
وطبعا لا نحتاج لتوضيح أن الإسلام المقصود بالعبارة السابقة
هو ذلك على طريقة الأمة الإيرانية !
ثانيا: ( السعي لإدماج الأقليات الشيعية الأجنبية سياسياً تحت قيادة الإمام ، وهكذا دعمت إيران في فترة أولى تمتد حتى عام 1982م ، كافة الحركات الشيعية الصرفة مثل حركة أمل في لبنان ، ثم بعد ذلك راحت تطلب المزيد من الراديكالية والمزيد من التخلّي ، في آن معاً ، عن المرجعية الوطنية ، والاندماج في بنية إيرانية محضة ،
وهذه الفترة الثانية هي الفترة التي بدأ فيها ظهور الأحزاب التي دُعيت بأنها "أحزاب الله" ، سواء في لبنان أو أفغانستان ، وإلى قيام تنظيمات مشابهة لـ "باسداران" لدى الشيعة ، وهكذا ، أصبحت السفارة الإيرانية في بيروت بمثابة قيادة الأركان الشيعية الحقيقية في لبنان ، حيث شرع "حزب الله" و"أمل الإسلامية" التي نشأت عام 1982م في معارضة "أمل" ، مع الابتعاد عن رجال الدين الأكثر تقليدية )
"عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤية مغايرة" ،
و"باسداران" هو الحرس الثوري الإيراني.
ثالثا: ( توجيه المجموعات الشيعية لشنّ هجمات ضد خصوم إيران ، وهي المرحلة التي حولت لبنان بخاصة إلى ساحة حرب ضد الرعايا الغربيين مثل تدمير مركز قيادة الأركان الفرنسية والأمريكية عام 1983م )
"أولفيه ورا ـ تجربة الإسلام السياسي" .
رابعا: تكليف "الحرس الثوري الإيراني" ، المؤسسة المسئولة عن ترسيخ مبادئ الثورة ، بتصديرها إلى دول النطاق خاصة لبنان لتحويله إلى ولاية تابعة للنموذج الإيراني كما تحدثنا من قبل ،
وبالتالي ( تم دعم الخمينيين اللبنانيين بقوات من الحرس الثوري الإيراني بلغ قوامها 2000 مقاتل هم أكثر رجال الحرس راديكالية عقائدية ، ليتولوا إنشاء وتدريب قوة عسكرية لحزب الله وتسليحها بالرجال والعتاد ، إضافة إلى الانتشار الكبير في وادي البقاع اللبناني عقائديا وسياسيا واجتماعيا أيضا ببناء المدارس والمستشفيات والمساجد والجمعيات الخيرية ، واكتسبوا التأييد للثورة الإسلامية وأمدوا حزب الله بالمجندين )
"كينيث كاتزمان ـ الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره".
ـ عند هذه المرحلة ، وبعد امتلاك آليات العمل المادي والاجتماعي والعسكري نتيجة للدعم الإيراني ، أصبح من الممكن الإعلان عن الحركة "الخمينية" ولكن بـ "تقية" جديدة ! ،
فأعلنت الحركة أن قوتها العسكرية ، التي وفرها الإيرانيون ، ستوجه لمحاربة الاحتلال وإخراجه من لبنان وفلسطين أيضا انفرادا عن بقية قوى المقاومة الوطنية اللبنانية المنخرطة بطريق أو بآخر داخل قوى الجيش النظامي للدولة ، بينما كان الهدف الحقيقي ، حسب تصوري الذي قد يحتمل الخطأ ،
هو الاستغناء عن الدولة الرسمية وعدم السماح باستقرارها وتقويض ولاء اللبنانيين ، خاصة الشيعة ، لسيطرتها الرسمية والشرعية استنادا إلى القوة الهائلة الجديدة التي خلقها الإيرانيون للحركة داخل جغرافية لبنان !
وبالتالي يصبح الطريق ممهدا لخضوع لبنان بكامله للولاية الإيرانية ، أو على الأقل خلق كيان مواز للدولة الرسمية في الجنوب ، وهو الأمر الذي لم يكن الإسرائيليون يحلمون بتحقيقه يوما ما !
ـ ولتحقيق برتوكول "قلقلة الدولة اللبنانية الرسمية" حتى لا يضع استقرارها وتفرغها للتنمية نهاية للهدف الرئيسي من "خلق" حزب الله ، ولتخفيف الضغط على الإيرانيين وتمكينهم من بسط مظلتهم على منطقة الخليج العربي أثناء حربهم مع العراق ، كان لابد من استهداف القوى الدولية التي توفر الحماية للنظام اللبناني والتي ترى في استقراره خدمة وتأمينا لمصالحها في المنطقة ،
( ولم يكن خافياً أن استقرار أبنية الدولة اللبنانية تبع لمساعدة أمريكية وأوروبية تحوط هذه الأبنية ، وترعى ذراعها المسلحة ، وتحول بين القوى الإقليمية والمحلية وبين بعثها المعاقل التي تقطع جسم الدول.
ولما كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من وجه آخر، تقف عائقاً دون إحراز القوات الإيرانية انتصارات عسكرية تقوض النظام الإقليمي في الخـلـيج، تحالفت السياسة الإيرانية والسياسة السورية، والمصالح المحلية على ضرب القوة الأوروبـيـة والأمريكية التي تملك حوط الدولة اللبنانية وإحباط الانتصارات الإيرانية معا )
"د.سعد أبو دية ـ
دراسة تحليلية في العمليات الاستشهادية في جنوب لبنان".
ـ الشاهد ، أن البروتوكول الإيراني كان يقتضى الظهور بمظهر المقاوم للصهاينة أمام المجتمع اللبناني والعربي والإسلامي ، وتوفير الخدمات الاجتماعية كسبا للتأييد الشعبي ، وعلى التوازي فرض مناخ حربي متكامل مخيف لزعزعة الاستقرار وفرض سطوة "الخمينيين" ، لتهيئة الأوضاع لإعادة تشكيل دولة جديدة توفر ذلك الاستقرار المفقود وتتبع "الولي" الإيراني
كما أعلن "حسن نصر الله" فيما بعد فى كلمته المشهورة:
( لا نقول نحن نرتبط بإيران ،
بل نحن جزء من إيران فى لبنان ) !
لذلك لم تكن هناك وقتها أي قيود أو ضوابط لتنفيذ أي عمل عسكري من شأنه إثارة الخوف بين الجماهير وإضعاف الدولة الشرعية وتوصيل رسالة ضغط للغرب في أي مفاوضات مستقبلية مفادها أن إيران لها أذرع طويلة هي الوحيدة القادرة على فرض الاستقرار أو زعزعته في لبنان أو الأراضي المحتلة أو ما إلى جوارهما ،
لذلك ، على حد تصوري الذي دائما ما يفتح علىَّ أبواب الجحيم ! ،
دأب الخمينييون اللبنانيون ، ومَن ورائهم ، على استفزاز الإسرائيليين ودعوتهم لضرب لبنان وفقا لترمومتر الحالة السياسية التي تمر بها إيران أو مدى الاستقرار في لبنان ، وربما باتفاق مسبق يدل عليه حجم التعاون العسكري والتجاري غير المعلن بين إيران وإسرائيل
كما ذكرت في الحلقة الثانية من السلسلة حول قرار "نتنياهو" فترة رئاسته الأولى لمجلس الوزراء الإسرائيلي (1996 – 1999) بعدم الإعلان عن أي تعاون سابق أو لاحق بين إسرائيل وإيران !
ومن ناحية أخرى حتى يمنح ذلك الاستفزاز ذريعة للخمينيين للرد والمقاومة واكتساب التعاطف العربي والإسلامي كما حدث في 2006 وما تلاه من تدمير للبنان
، بينما تقاعسوا بوضوح عن التدخل لتخفيف الضغط عن "غزة" مؤخرا لعدم وجود فائدة مباشرة تعود عليهم وقتها ، رغم "التحريض" الإيراني لحماس وبقية الفصائل على التصعيد دون استعداد عسكري مناسب ، إضافة إلى فتاوى تحريم التطوع في صفوف المقاومة والتعليمات الإيرانية لـ "حزب الله" بعدم ارتكاب أي حماقة تؤدى إلى عرقلة المفاوضات مع الأمريكيين التي كان ذلك "التحريض" أحد أهم أوراقها في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة ،
كما كتبت بالتفصيل في موضوع سابق بعنوان
"غزة .. المشهد السياسي" 1 و 2،
ونستكمل في حديث قادم إن أراد الله تعالى ، ثم أذن مضيفونا ، وكان في العمر بقية
ضمير مستتر
يقول تعالى :
{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً
ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ
وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }
التوبة 47
http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=68307&Page=7&Part=1
===============================
الأجزاء السابقة