أراد الشيعة نقض الاختيار للخليفة فأبطلوا عقيدتهم بكمال عقل الأنبياء وسدادة رأيهم !!!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فلا يخفى على المتتبع هشاشة مذهب الإمامية واضطراب أصوله ، وقد وفقني الله تعالى للوقوف على أمثلة كثيرة تجسد فيها هذا الاضطراب ، والمتمثلة بمحاولاتهم للجواب عن شبهة أو غلق ثغرة فإذا بهم ينقضون أصلاً أو ينسفون حقيقة ثابتةً في مذهبهم ، فحالهم في ذلك كحال من أراد أن يبني قصراً فهدم مصراً.
وما هذا الموضوع إلا مثالاً جديداً يتجلى فيه ذاك الاضطراب في أصولهم وعقائدهم ، وإليك بيان ذلك في مطلبين وكما يلي:
المطلب الأول: بيان عقيدتهم بوجوب اتصاف الأنبياء بكمال العقل وسدادة الرأي
وهذه العقيدة ثابتة لا شك فيها ، إذ لم يكتفِ علماء الشيعة بإيجاب العصمة المطلقة للأنبياء من جميع الذنوب والمعاصي ، بل زادوا عليه إيجاب كمال عقولهم وسدادة رأيهم وفطنتهم ، وإليكم إخواني بعض تصريحات علمائهم التي توجب ذلك وكما يلي:
1- يقول محققهم النصير الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد بعد أن اشترط العصمة للأنبياء:[ وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاظة والابنه وشبهها والأكل على الطريق وشبهه ].
2- يقول علامتهم ابن المطهر الحلي في كتابه ( كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ) بتحقيق الزنجاني ، ص 376-377 :[ أقول : يجب أن يكون في النبي ( ع ) هذه الصفات التي ذكرها وقوله وكمال العقل عطف على العصمة أي ويجب في النبي كمال العقل وذلك ظاهر وأن يكون في غاية الذكاء والفطنة وقوة الرأي بحيث لا يكون ضعيف الرأي مترددا في الأمور متحيرا لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه وأن لا يصح عليه السهو لئلا يسهو عن بعض ما أمر بتبليغه وأن يكون منزها عن دنائة الآباء وعهر الأمهات لأن ذلك منفر عنه وأن يكون منزها عن الفظاظة والغلظة لئلا يحصل النفرة عنه وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الابنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن كثير من المباحات الصارفة عن القبول منه القادحة في تعظيمه نحو الأكل على الطريق وغير ذلك لأن كل ذلك مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة ].
3- يقول محققهم الحلي في كتابه ( المسلك في أصول الدين ) ص 154 :[ [ البحث ] الثاني في صفات النبي : والضابط عصمته عن ما يقدح في التبليغ ، أو ينفر عن القبول ، فاتفقوا على اشتراط كمال العقل ، وجودة الرأي ، وإن وجد ذلك في الطفل كما في حق عيسى - عليه السلام - ، وعلى اشتراط سلامته من العيوب الواضحة كالأبنة ، وانطلاق الريح ، واختلفوا في الجذام والبرص . وأجازوا اتصافه بالعمى والصمم ].
4- يقول شيخهم لطف الله الصافي في رسائله ( 1 / 51 ):[ ومن الأدلة التي أقيمت على عصمة الأنبياء والأئمة - عليهم السلام - : أنه يجب في النبي والإمام قوة الرأي والبصيرة ، وعدم السهو ، وكلما ينفر عنه . ومن المعلوم أن المعصية ، كبيرة كانت أو صغيرة ، من أعظم ما ينفر عنه ، ومن أقوى الشواهد على أن ضعف الرأي والسهو أيضا يذهب بمكانته الاجتماعية ، وربما يصير سببا لاستهزاء الناس به ، وإنكاره ما عليه وادعائه ما ليس له ، وكل ذلك ينافي مصلحة النبوات ].
5- يقول شيخهم الوحيد الخراساني في كتابه ( منهاج الصالحين ) ( 1 / 63 ):[ الدليل الخامس : منشأ الخطأ والذنب ضعف العقل والإرادة ، وعقل النبي كامل ، لأنه باتصاله بالوحي وصل إلى حق اليقين ، وصار يرى الأشياء على واقعها كما هي ، وإرادته لا تتأثر إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى ، فلا يبقى في شخصيته مجال للخطأ والذنب ].
فتأمل معي في هذا التأصيل العقائدي والمتمثل بإيجابهم اتصاف بكمال العقل وسدادة الرأي والفطنة حتى صار يرى الأشياء على واقعها كما هي على حد تعبير الوحيد الخراساني !!!
المطلب الثاني: نقضوا هذه العقيدة في معرض محاولتهم نقض تعيين الإمام بالاختيار
بعد أن أوجبوا اتصاف الانبياء بكمال العقل وسدادة الرأي والفطنة ، تعال معي لننظر كيف نقضوا هذه العقيدة عندما أرادوا أن يثبتوا بطلان نظرية اختيار الخليفة من قبل الناس التي يعتقدها أهل السنة ، أي أنهم نسفوا كل ما أوجبوه للأنبياء حينما أرادوا أن ينصروا مذهبهم بكون الإمامة بالاختيار من الله تعالى وليس باختيار المخلوقين ، حيث راحوا يثبتون وقوع الخطأ في الاختيار من قبل الأنبياء - وهم بتلك المنزلة من العصمة المطلقة وقوة الرأي والبصيرة - فكيف باختيار من هم دونهم من البشر.
وإليكم بيان بعض المواطن التي حاولوا فيها إثبات تلك المثلبة والقدح في اختيار الأنبياء وكما يلي:
الموطن الأول: اختيار موسى سبعين رجلاً لميقات ربه سبحانه
وقد صرحت بهذا القدح - في اختيار موسى عليه السلام وتخطئته في رأيه وبصيرته - مروياتهم وتصريحات علمائهم وإليكم بعضها:
1- ينقل ابن بابويه القمي في كتابه ( كمال الدين وتمام النعمة ) رواية طويلة عن الحسن العسكري يقول فيها ص 461-462 :[ قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ، قال : مصلح أو مفسد ؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدي إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هَمّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ، قلت : لا ، فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم " فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح ].
وأورد هذا المقطع من الرواية شيخهم علي النمازي الشاهرودي في كتابه ( مستدرك سفينة البحار ) ( 1 / 194 ).
2- يقول علامتهم رضي الدين علي بن موسى ابن طاووس في كتابه ( الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ) ص 393-395 :[ ومن طرائف أمرهم أنهم يقولون أو يعتقدون أن نبيهم ترك الوصية ولم يعين على من يقوم مقامه في أمته ، وإن صلحاء الأمة وخيارهم يختارون من يقوم مقام نبيهم بتعيينهم ، وما أدري كيف استحسنوا لأنفسهم ودينهم ذلك مع تضمنه كتابهم وأخبارهم من كون جماعة من الأنبياء الذين ينظرون بنور النبوة وبصيرة الرسالة والمكاشفة الإلهية والمخالطة للملائكة ، ومع هذا كله فإنهم اختاروا رجالا من قومهم بعد الاختبار والتجربة والصحبة ، فظهر ضرر لهم اختيارهم وإن الصواب كان في خلاف اختيارهم . فمنهم يعقوب عليه السلام اختار أولاده لحفظ ولده يوسف عليه السلام فظهر له ضرر اختياره . ومن ذلك موسى عليه السلام أختار قومه وهم ألوف سبعين رجلا لميقات ربه فلما حضروا معه قالوا : أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ، وبلغ حالهم إلى أن ظهر له أنهم سفهاء فقال موسى عليه السلام : أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا ... فإذا كان الأنبياء مع كمالهم وعصمتهم قد ظهر ضرر اختيارهم لكثير من الرجال ، فكيف تحصل الثقة باختيار بعض الصحابة ممن يمكن أن يكونوا وقت اختيارهم في باطن حالهم غير صالحين ولا مأمونين ؟ إن تفضيل اختيار قوم غير مقطوع على عصمتهم عندهم من الصحابة على اختيار الأنبياء المعصومين غلط هائل وتدبير آفل ].
وقال أيضاً في كتابه ( كشف المحجة لثمرة المهجة ) ص 82 - 83 : [ هل يقبل عقل عاقل فاضل أن سلطان العالمين ينفذ رسولا أفضل من الاولين والاخرين إلى الخلائق في المشارق والمغارب ويصدقه بالمعجزات القاهرة والايات الباهرة ثم يعكس هذا الاهتمام الهائل والتدبير الكامل ويجعل عيار اعتماد الاسلام والمسلمين على ظن ضعيف يمكن ظهور فساده وبطلانه للعارفين فقال كيف هذا فقلت لأنكم إذا بنيتم أمر الامامة أنتم ومن وافقكم أو وافقتموه على الاختيار من الامة للامام على ظاهر عدالته وشجاعته وأمانته وسيرته وليس معكم في الاختيار له إلا غلبة الظن الذي يمكن أن يظهر خلافه لكل من عمل عليه ... وكما جرى لموسى في اختياره سبعين رجلا من خيار قومه للميقات ثم قال عنهم بعد ذلك أتهلكنا بما فعل السفهاء منا حيث قالوا أرنا الله جهرة . وكما جرى ليعقوب عليه السلام في اختياره أولاده لحفظ ولده يوسف ، وغيره من اختيار الانبياء والاوصياء والاولياء وظهر لهم بعد ذلك الاختيار ضعف تلك الاراء فإذا كان هؤلاء المعصومون قد دخل عليهم في اختيارهم ما قد شهد به القرآن والاجماع من المسلمين فكيف يكون اختيار غيرهم ممن يعرف من نفسه أنه ما مارس أبدا خلافة ولا أمارة ولا رياسة حتى يعرف شروطها وتفصيل مباشرتها فيستصلح لها من يقوم لها وما معه إلا ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره ؟! ].
3- يقول علامتهم المرعشي التستري في كتابه ( شرح إحقاق الحق ) ( 3 / 495-497 ) :[ وكيف يمكن اعتبار اختيار آحاد الأمة في باب الإمامة ؟ ! مع أن الكتاب والسنة ناطقان بأن جمع من الأنبياء الذين كانوا ناظرين بنور النبوة وبصيرة الرسالة مؤيدين بالمكاشفة الإلهية ومخالطة الملائكة اختاروا البعض من قومهم بعد الاختبار والتجربة ، فظهر آخر الأمر ضرر ذلك الاختبار ، وتبين أن الصواب كان خلافه ، فمن ذلك أن يعقوب على نبينا وآله وعليه السلام اختار كبار أولاده لحفظ ولده يوسف على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ، وقد ظهر ضرره آخرا ، وكذا اختار موسى على نبينا وآله وعليه السلام عن ألوف من قومه سبعين رجلا لميقات ربه ، فلما حضروا ذلك المقام قالوا : أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ، وآل الأمر إلى أن ظهر على موسى على نبينا وآله وعليهم السلام إنهم كانوا سفهاء فقال أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ... ولا يخفى على العاقل المنصف أنه إذا كان الأنبياء عليهم السلام مع كمال عصمتهم وفضلهم وتأييدهم من عند الله ، قد حصل لهم ضرر الاختيار في كثير من الأمور ، فكيف يمكن الاعتماد على اختيار عدة من الصحابة ].
4- يقول شيخهم علي البحراني في كتابه ( منار الهدى في النص على إمامة الإثنى عشر ) ص 160-161 :[ وإن قالوا بالثاني قلنا لهم فيلزم من ذلك دعواكم علم الغيب ومعرفة العواقب ويلزم أن تكونوا أسدُّ رأيا من أعاظم الأنبياء المرسلين فإنا وجدنا منهم من اختار في أمور ليس لها خطر الإمامة أحد يظن أنه صالح لما اختاره فبان أنه غير صالح لذلك في باطن الغيب فلم توافق خيرته خيرة الله . هذا موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما واصطفاه برسالاته وفرق له البحر وأنزل عليه التوراة وظلله وقومه بالغمام إلى غير ذلك مما أعطاه اختار من قومه وهم ألوف سبعين رجلا لميقات ربه ليكونوا شهودا له عند قومه على خطاب الله تعالى إياه وهو يظن أنهم صالحون فكفروا كما حكى الله تعالى من خطابهم لنبيهم موسى بقوله عز وجل وقالوا [ لن نؤمن لك حتى نرى الله ‹ صفحة 161 › جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ] فوقعت خيرته على الأفسد وهو يظن أنه الأصلح . ... فإذا كان الكليم والحبيب من أولي العزم من الرسل وناهيك بهما لما اختارا من دون وحي وقعت خيرتهما على غير الأصلح لما اختاراه ولم توافق خيرتهما خيرة الله فكيف يدعي أحد من الناس أو يدعى له أن رأيه لا يخطئ الواقع وأن خيرته من قبل نفسه ملازمة لإصابة خيرة الله حتى يكون الذي ينصبه من تلقاء نفسه وميل قلبه لله رضا وأنه مختار الله ؟ وأي شئ أعظم فرية على الله وأشد كفرا من دعوى أن أحدا من الناس أسد رأيا وأجود إصابة من الأنبياء المرسلين بحيث أن خيرته تلازم إصابة الواقع وتوافق خيرة الله دون الأنبياء من أولي العزم ؟ ].
الموطن الثاني: لو وُكَّل الاختيار لإبراهيم عليه السلام لاختار الظالم لمنصب الإمامة
قال علامتهم علي بن يونس العاملي في كتابه ( الصراط المستقيم ) ( 1 / 82-83 ):[ تنبيه : الثلاثة ظالمون ، لأنهم كانوا كافرين ، فلا يصح اختيارهم لإمامة المسلمين بدليل ( لا ينال عهدي الظالمين ) قالوا : الاسلام اللاحق محى أحكام الكفر السابق . قلنا : التنفير الواجب سلبه عن الإمام حاصل فيهم بعد الاسلام ، ولهذا قال علي عليه السلام في نهج بلاغته مع طهارته وعصمته : لو كان الاختيار إلى الناس لاختار كل واحد منهم نفسه ولو كان الاختيار لإبراهيم عليه السلام لجعلها في الظالمين ، حتى منعه الله ذلك فقال : ( لا ينال عهدي الظالمين ) وكل من عبد وثنا أو جبتا أو طاغوتا أو يغوث أو يعوق أو نسرا أو شمسا أو قمرا أو حجرا أو شجرا أو قد انهزم في جهاد من سبيل الله ، أو كذب أو همز أو لمز أو ظلم فلا إمامة له ، قال الله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب ، فلا تكن في مرية من لقائه ، وجعلناه هدى لبني إسرائيل ، وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) فالله جعلهم أئمة ؟ أم هم جعلوا أنفسهم ؟ أم الناس جعلوهم ؟] .
وهكذا تجلى لجميع لجميع المنصفين تناقض أصول الإمامية في العقائد !!!
وتجلى لنا أيضاً مدى استعدادهم للتضحية بكل شئ من أجل إثبات إمامتهم المزعومة حتى لو حساب الطعن بالأنبياء وضعف عقلهم وسوء اختيارهم !!!