يخرج علينا دعاة ما يمكن تسميته بعقيدة "النفي"..بزعم أن نفيهم هذا يمثل التوحيد الخالص
الذي يتضمن الجلال المطلق لذات الله عز وجل..وقدر الله تعالى حق قدره..
وهذا الزعم وإن كان قد عمل به بعض العلماء عن حسن نية واجتهاد..غير أن كثيرا من الأتباع والعلماء المتعصبين..بالغوا في تبخيس الآخر وتحقيره وبلغوا في ذلك التكفير..والتقعيد على ضوئه لأصول التكفير
والحق أن العقيدة الصحيحة في صفات الله تنتظمها هذه الآية الكريمة في كلمة هي من أبلغ جوامع الكلم:
"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"..وهي باختصار:نفي وإثبات..أو تنزيه لله عن المماثلة..وإثبات للصفات التي أثبتها الله لنفسه..وهذا ملخص عقيدة أهل السنة والجماعة
وهي تجسد مظهرا من مظاهر وسطية أهل السنة والجماعة..حيث التوسط بين التشبيه والتحريف المعنوي لدلالة الألفاظ..
وعند التحقيق وجدت أن جريرة التمثيل أهون شرا من التحريف..الذي يسمونه التأويل لأسباب
-أن النفي لم يرد في كتاب الله إلا مجملا..وفي مواضع معدودة..بخلاف الإثبات الذي لا تكاد آية تختتم بغير إثبات صفة..من صفات الله على اختلاف أنواعها..وورد مفصلا
مثال الإجمال في النفي:كقول الله تعالى الآنف الذكر..وأما الإثبات فمثاله الآية أيضا حيث اختتمت بإثبات صفتين لله وهما السمع والبصر..
ولا يخفى على كل من قرأ القرآن مرة..أنه مليء بمئات من أمثال هذه الصفات..
التي تشير إليها أسماء الله الحسنى وغيرها..كالصفات التي التي مسماها أبعاض -بالنسبة إلينا-..كاليد والعين وغيرها
-ولأن النفي من حيث هو نفي مجرد..ليس فيه محمدة مطلقة..مالم يتضمن إثبات كمال..
فالله تعالى يقول -مثلا-"وما ربك بظلام للعبيد" فنفيه الظلم عن نفسه يتضمن وصفه بالعدل..وقس على هذا سائر ما وقع في القرآن من نفي..
وعليه فإن دلالة النفي تلتئم مع القاعدة الأولى..وتؤازرها..أي أنه نفي (لإثبات) صفة كمال
-ثم إن الذين وقعوا في التشبيه..أو ما يحلو لبعض الجهلة تسميته تجسيما وهو لفظ لم يرد لا في كتاب ولا سنة..على خطئهم الجسيم..حين ركبوا صورة لله توافق صورة الإنسان في مخيلتهم..
كان خطؤهم من حيث إنهم سمحوا لعقولهم بقياس الخالق على المخلوق..مع أن الله حذرهم بقوله "وأن تقولوا على الله مالا تعلمون"..لكن بعض أجزاء هذه الصورة ورد ذكر أسماء تشير إلى مسميات هي أبعاض وأجزاء بالنسبة إلينا في الكتاب والسنة..فكان أهون سوءا أن يقعوا في التشبيه..والتمثيل..فعلى فرض مناظرة بعضهم بعضا..تكون حجتهم أقوى في إثبات ما لديهم من جنف من المعطلة النافين لصفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه
-ولأن نفي الصفة..في الحقيق تكذيب لصريح ما قال الله تعالى عن نفسه وأثبت له رسوله صلى الله عليه وسلم..
فإذا قال الله:الرحمن على العرش استوى..قال هؤلاء..لم يستو على العرش!
وما أجرأهم على النار إذ يقولون هذا..والله المستعان
وإذا قال الله:يحبهم ويحبونه..قالوا:لا يحب..بل ونفوا حب العبد لله..وحرفوا معناه بأنه الطاعة المحضة..ولك أن تفهم السر في العلاقة الجافة بين هؤلاء وربهم..لأنهم لا يفهمون ولا يجيدون
حقيقة حب الله..فهم إذا تعبدوا..فعلوا كما يفعل الأجير لصاحب العل..
ونظائر هذا هي كل صفة عطلها هؤلاء
ولهله تكون للحديث بقية إن شاء الله