الرد على تعليلات الإباضي لطرق أحاديث العشرة المبشرين بالجنة
قال الإباضي :" الطريق الأول من خرافة رواية العشرة المبشرين بالجنة : ما أخرجه البزار في مسنده
وأخرجه ابن حنبل في فضائل الصحابة وهذه الرواية باطلة عاطلة , وأما سقوطها لوجود علتين :-
الأولى: في إسنادها ( زر بن حبيش وهو ناصبي يشتم الإمام علي).
الثاني : في إسنادها محمد بن القاسم الأسدي ( كذاب ، ضعيف ..).
الخلاصة : الرواية هذه لا تصـــح وفق قواعد ومنهج القوم في قبول الروايات كما أشرنا لذلك "اهـ
قلت : أما ما ذكره عن زر بن حبيش وأنه ناصبي يشتم الإمام علي رضي الله عنه! فهذا من جهله وجهله عريض , فإن زر بن حبيش كان علويا , أي من مناصري الإمام علي رضي الله عنه , والناصبي كما هو معلوم من يبغض آل البيت عليهم رحمهم الله ورضي عنهم , قال المزي رحمه الله تعالى:" و قال أبو بكر بن أبى عاصم : كان أبو وائل عثمانيا ، و كان زر بن حبيش علويا..( 1)" اهـ
وموضع الوهم أو قل الجهل عند هذا الغر الإباضي أنه ظن أن قول العجلي :" فيه بعض الحمل على علي بن أبي طالب " أن هذا دلالة على أنه ناصبي! رغم أن العجلي قال في بداية كلامه أنه من أصحاب علي رضي الله عنه , ذكر المغلطاي في إكمال تهذيب الكمال( 2) :" وقال العجلي: من أصحاب علي وعبد الله ثقة ، وكان شيخا قديما إلا أنه كان فيه بعض الحمل على علي بن أبي طالب." اهـ.
والمقصود : أنه لم يقل أحد أن زر (ناصبي) وإنما هذا من جهالات هذا الإباضي , مع أنهم هم رأس من رؤوس النواصب إذا يتدينون لله تعالى بالبراءة من علي رضي الله عنه وبغضه واعتقاد كفره كونه قاتل أهل النهروان.
يقول جميل بن خميس السعدي الإباضي في كتاب " قاموس الشريعة " (8/ 260-261) :" ثم أن علي بن أبي طالب استخلف على الناس , فنقض عهد الله وحكم في الدار غير حكم كتاب الله , وقتل المسلمين , وسار بالجوز في أهل رعيته فعلى هذا الذي قد صحته منه سعادة علي بن أبي طالب أن يتولى لله علي بن أبي طالب على سفكه لدماء المسلمين , وعلى تحكيمه في الدماء غير حكم كتاب الله , وسيرته القبيحة , ولا يحل له الشك في ولايته , وعليه أن يبرأ لله من باطله , ومن سفك دمه إن قدر على ذلك , وليس له أن ينكر على المسلمين( 3) البراءة منه , وعليه أن يتولاهم على قتله , وعلى البراءة منه , فإن شك هذا في ولاية علي بن أبي طالب , أو رضي من علي بن أبي طالب بباطله , أو أنكر على المسلمين براءتهم من علي بن أبي طالب , أو قتلهم إياه هلك.
إلى أن قال :" فإن قال قائل : أفيحل لكم أن تبرأوا ممن صحت سعادته عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
وتتولوا من صح شقاءه عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم , قلنا له : لا يحل لنا أن نبرأ ممن صحت سعادته على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونحن نشهد أنه من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة , فهو من أهل الجنة لا محالة , كما نشهد أن محمدا أرسله الله بالحق , لكن لم يصح معنا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سعادة علي بن أبي طالب ثم صح معنا فسقه , وخلافه للحق , فلزمنا أن نبرأ منه , ونحن ندين لله أنه إن كان علي بن أبي طالب من السعداء , فإنه يتوب من ذنبه( 4) , وأنه من أهل الجنة.
فإن قال : فقد قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنه من أهل الجنة , قلنا له : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يصح معنا , وإن كان هو الحق اصح معنا أم قول الله تعالى إذ قال :﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم﴾ , وقال : ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون ﴾, فنحن قد صح معنا , أن علي بن أبي طالب قد قتل المسلمين , فعلينا أن نبرأ من علي بن أبي طالب , وعليك أن تبرأ ممن قتل المسلمين إن صحت عندك سعادة علي بن أبي طالب , وتتولى لله علي بن أبي طالب.
إلى أن قال :" وكذلك أنت لا يحل لك أن تبرأ من المسلمين إذ قد برئوا من علي بن أبي طالب , بما قد ظهر إليهم من حدثه , وغاب عنهم من صحة سعادته فتدبروا رحمكم الله ما وصفنا لكم فإن الذي وصفناه برهان من الحق , فاتبعوه لعلكم تهتدون.
واعلموا أن ليس على جميع الناس أن يعلموا أن علي بن أبي طالب كان إماما فاسقا عن الحق , وإن كنا نحن قد علمنا ذلك ... " اهـ
وأما الرواية فلا تصح لوجود محمد بن القاسم وهو ضعيف جدًا , قال الحافظ المزي رحمه الله تعالى :" قال الترمذي : قد تكلم فيه أحمد بن حنبل و ضعفه ,وقال النسائي : ليس بثقة ، كذبه أحمد بن حنبل .
و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ثقة ، و قد كتبت عنه ,و قال أبو حاتم : ليس بقوى ، و لا يعجبني حديثه , و قال أبو عبيد الآجري : سألت أبا داود عن محمد بن القاسم الأسدي ، فقال : غير ثقة ، و لا مأمون ، أحاديثه موضوعة , قال أبو عبيد : و أظن أبا داود أراد عبيد ابن القاسم ، و الله أعلم .
و قال أبو أحمد بن عدي : و عامة حديثه لا يتابع عليه( 5) " اهـ
وليس هذا الطريق بصالح للاعتبار , لكن عادة أهل الجهالة أنهم يتتبعون الطرق الضعيفة التي تكلم فيها النقاد من أهل الحديث ثم ينشرونها دلالة على ضعف الأحاديث التي تخالف أهواءهم , وهكذا صنع شيخهم القنوبي في حديث التأمين في الصلاة , إذ تتبع الأحاديث الضعيفة التي ضعفها علماء الحديث وترك الأحاديث المروية في الصحيحين! ثم زعم بأن قول آمين في الصلاة لا يثبت فيه حديث , وهكذا التدليس الإباضي.
*****
( 1)تهذيب الكمال (3/ 21 ت1961).
(2 ) إكمال تهذيب الكمال (5/ 53).
( 3) يقصد بالمسلمين هنا الإباضية , ولاحظ كيف يقرر أن إنكار المخالف عليهم براءتهم من علي رضي الله عنه يعتبر هلاك عندهم!
( 4) قلت : وللأسف هم يعتقدون بأنه لم تثبت توبته , يقول عبدالله بن حميد السالمي :" وندم علي إنما كان على قتل أصحابه وضياع أمره
وانتقاض دولته ولا يوجب ذلك توبة , لو كان تائبا لأذعن للحق وجميع المسلمين وطلبهم حيث كانوا وخلع الأمر على أيديهم فإن شاؤوا قدموه وإن شاؤوا أخروه , والغيب لله وحكمنا على ما ظهر , فإن كان قد تاب توبة نصوحًا فالله أعلم بها ولا ينافي في ذلك حكم المسلمين فيه , وقاتل أربعة آلاف مؤمن في معركة واحد حقيق بالبراءة "اهـ ( جوابات الإمام السالمي 1/ 187).
(5 ) تهذيب الكمال في أسماء الرجال (6/ 480 ت6141).