السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وفقكم الله جميعا وجزاكم خير الجزاء
هذه قصيدة جميلة للرحالة الأندلسي محمد بن أحمد بن جبير صاحب الرحلة الشهيرة يشكو للسلطان صلاح الدين الأيوبي ما يفعله الرافضة في المدينة النبوية الشريفة من بدع وضلالات
قال رحمه الله:
صلاح الدين أنت له نظام ... فما يخشى لعروته انفصام
فأظهر سنة الله احتساباً ... فقد ظهرت بها البدع العظام
وفي دين الهدى حدثت أمور ... بها للدين حزن واغتمام
جدير أن يقام لها ارتماضاً ... مآتم للورى فيها التدام
وكيف يلذ للأجفان نوم ... وللإسلام جفن لا ينام
وكيف تطيب في الدنيا حياة ... وطيبة لا يطيب بها مقام
بتربتها رسول الله ثاو ... وليس لأهلها منه احتشام
لو احترموه أو هابوه يوماً ... لكان لصحبه معه احترام
وهل يرضى صلاتهم عليه ... إذا سبت صحابته الكرام
بأم المؤمنين قد استهانوا ... وللصديق والفاروق ذاموا
عزوا بعد النبي لهم ضلالا ... لقد ضل الغواة وما استقاموا
وسنته أضاعوها امتهاناً ... فما لهم بواجبها اهتمام
وليس يذل عندهم سوى من ... له بجميل مذهبها ارتسام
وما يرعون ذمة زائريه ... وللذمي قد يرعى الذمام
ومسجده المبارك عاد سوقاً ... لهم فيها على اللهو ازدحام
يعيد به الصلاة مؤذنوه ... وما بإمامهم لهم ائتمام
إذا قاموا لها قاموا كسالى ... على كره كأنهم نيام
يضيعون المواقيت اقتصادا ... ليعدم للصلاة به انتظام
وأشنع بدعة حدثت صلاة ... لسني بشيعي تقام
وروضته المقدسة استباحوا ... مهابتها فادمعها سجام
إذا حفوا بها لعبوا ازدراء ... وكان لهم بتربتها انتخام
ويرقى للسلام وفيه لعن ... لقد ساء الهدى ذاك المقام
ويرقى فوق منبره ... له في الدين خطب لا يرام
هو القاضي وحسبك من قضاء ... له بالجور في الشرع احتكام
يعيب على أئمتنا هداها ... إماميون فساق لئام
يغرهم لفاطمة انتساب ... وما لهم بحرمتها التئام
وهل يغني انتسابهم إليها ... وعن دين الهدى لهم انصرام
ونوح لابنه لم يغن شيئاً ... ولا أغناه بالجبل اعتصام
اعز الله بالإسلام قوماً ... فليس له بغيرهم قوام
فذلت فرقة طعنت عليهم ... وهيل على أنوفهم الرغام
وكيف يعز عند الله قوم ... ودين الله بينهم يضام
نقوم إلى الصلاة وهم قعود ... ويعلو عندها لهم الكلام
بلعن صمت الآذان منه ... وسب للصحابة يستدام
وتقرأ بين أيديهم جهاراً ... توالف كلها زور سخام
ويسعى بين أيدينا اعتراضاً ... لقطع صلاتنا منهم طغام
فلا المأموم يدري ما يصلي ... ولا يدري بما صلى الأمام
تراهم يسخرون بنا احتقاراً ... وللأحقاد عندهم احتدام
ويعتقدوننا نجساً خبيثاً ... فليس لهم لجانبنا انضمام
يرون الجمع للأختين حلاً ... وتعطى البنت ما يرث الغلام
وما التجميع عندهم بشرع ... لقد شردوا كما شرد النعام
وليس لهم من الإسلام حظ ... ولو صلوا مدى الدنيا وصاموا
ومن قد خالف السلف ابتداعاً ... أتنفعه الصلاة أو الصيام
لقد مرقوا من الدين اعتداء ... كما مرقت من المرمى السهام
لهم من أهل مذهبهم شيوخ ... أقاموا بين أظهرهم وداموا
روافض أحدثوا بدعاً وشادوا ... قواعدها فليس لها انهدام
فكم غمر أضلوا واستزلوا ... فحم على الضلال له الحمام
وكم غر ببذل المال غروا ... فكان على الحطام له انحطام
ومغويهم فقيه الرفض سيف ... أتاه باسمه الموت الزؤام
وفر إليهم منكم حسين ... مخافة أن يطوقه الحسام
فأضرم بالمدينة نار غي ... أبت ألا يزال لها اضطرام
وأوسع أهلها براً وبراً ... فكان لهم على الغي اقتحام
فما يرجى لهم أبداً فلاح ... ولا رشد وهل يرجى الجهام
وما لهم إلى خير مضاء ... مدى الدنيا وهب يمضي الكهام
لعمرك إنهم داء عضال ... وما بسوى الحسام له انحسام
ومن لم يرض حكم الله شرعاً ... فما دمه لسافكه حرام
إذا انحط الرعية في هواها ... ولم تردع فراعيها يلام
وان نشأت عوارض للأعاري ... فبرق السيف أولى ما يشام
فأمض الهمة العليا إليهم ... وجاهد أيها الملك الهمام
وأرض المصطفى في صاحبيه ... بنصر لا يفل له اعتزام
أتاك رضاه عفواً فاغتنمه ... لما ترجو وحق له اغتنام
أيقبل منك عند الله عذر ... وما لك من أعاديه انتقام
وما نال الحجاز بكم صلاحاً ... وقد نالته مصر والشآم
ولولا هيبة لدفينهم لم ... تحج الكعبة البيت الحرام
فإن أسلمت دين الله فيها ... على الدنيا وساكنها السلام
المصدر: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للأنصاري تحقيق إحسان عباس ص617-620