!
!
!
المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي
جمال سلطان : بتاريخ 27 - 9 - 2008
إلى أي مدى يمكن تصور أن إيران ظهير للعرب والمسلمين وقوتها قوة لهم لا عليهم ، نسمع دائما الحديث عن التحالف مع إيران في وجه التحدي الأمريكي الصهيوني ، دون أن يشرح لنا أحد متى كانت إيران الفارسية الطائفية "ظهرا" أو ظهيرا للأمة في مواجهتها مع أي تحد استعماري خارجي على مر التاريخ وحتى يومنا هذا ، منذ تآمر الجماعات الفارسية الطائفية على الدولة العباسية والتحالف مع التتار لاستباحتها وحتى الاستنزاف الدائم للدولة العثمانية والتحالف الدائم مع خصومها من قبل الدولة الصفوية الطائفية ، فإيران طوال تاريخها تتحالف مع "الخارج" ضد الأمة ، وتحالفت مع روسيا القيصرية أو الممالك الأوربية ضد الدولة العثمانية ، حتى ذاعت مقولة أحد المستشرقين الألمان "لولا الدولة الصفوية لكنا نلهج بالقرآن اليوم مثل الجزائريين" ، وانتهاءا بدعوتها إلى "تصدير الثورة" عقب نجاح ثورة الخميني ، والتي اكتشفنا بعدها أن المعني بالتصدير هو "المذهب" ، وليس التحرر الوطني ، وليس من أجل الإنسان أو الحرية ، لأن "إيران الثورة" تحالفت مع أبشع النظم قمعية وديكتاتورية في المنطقة من أجل مصالحها وعلى حساب الشعوب المقهورة والمستباحة ، وكان يتم تصدير "ثورة المذهب" عن طريق اختراق نسيج المجتمعات المجاورة وتفعيل المجموعات الشيعية في البلدان المختلفة كطابور خامس ، ثم أتت حربها الطاحنة على العراق التي استنزفت العراق والخليج كله طوال ثماني سنوات مروعة ذهب ضحيتها ملايين القتلى والمشوهين ، ثم حربها على أفغانستان لدعم الجيوب الشيعية في المنطقة الغربية ، ثم الدعم العسكري والتغطية للهجمات الأمريكية التي انتهت باحتلال أفغانستان ، ثم التحالف مع الجيش الأمريكي المتوجه للعراق والدعم المباشر لتحرك قوات الغزو في طريقها لبغداد ثم تدعيم الاحتلال من خلال الميليشيات والأحزاب الحليفة لها في العراق ، طوال هذا التاريخ والمشروع الإيراني مشروع انعزالي خاص بل ومعادي لمصالح الأمة ، لا ينظر إلى "الأمة" وإنما إلى طموحاته الشعوبية التوسعية سياسيا وطائفيا وعسكريا ، لا يعنيه التصدي لخطر خارجي أو داخلي يهدد الأمة وإنما يعنيه ما الذي يمكنه جنيه من التحالف أو تبادل الأدوار مع هذا الخطر ، وقد تقع إيران في مواجهة مرحلية أو مؤقتة ومحدودة مع بعض التهديدات الخارجية ، ليس على خلفية مصالح الأمة ، وإنما على خلفية التأثير على مكتسبات المشروع الصفوي الطائفي ، كما هو الحال هذه الأيام في العراق ، حيث يتواجه المشروعان الانتهازيان ، الإيراني والأمريكي على خلفية نقض الأمريكيين للاتفاق ونكران الجميل الإيراني الذي ساهم معهم في احتلال العراق وتدمير آلته العسكرية ونظامه السياسي وتفتيت بنيته الاجتماعية طائفيا ، وبسبب جشع الأمريكان ورغبتهم في الحصول على كامل الكعكة العراقية دون أن يمنحوا الإيرانيين ـ شركاءهم في الغزو ـ المقابل ، سواء في العراق أو في إطلاق يدها ونفوذها في دول الخليج ، وتبذل إيران حاليا الكثير من الجهود المالية والإعلامية والاستخبارية والمذهبية من أجل ضمان اختراق أو احتواء أو تحييد قوى سياسية أو دينية مخالفة في المنطقة ، بما في ذلك مثقفون وإعلاميون وجماعات دينية وأحزاب سياسية عربية وقوى مقاومة وميليشيات طائفية وحتى مجموعات من تنظيم القاعدة ، لضمان الإمساك بأوراق لعب مهمة في عمليات "المقاصة" المنتظرة بين المشروعين التوسعيين : الإيراني والأمريكي ، وبالتالي فعندما يحدثنا بعض المثقفين أو السياسيين العرب عن إيران بوصفها جزءا من مشروع مقاومة الأمة ضد المشروع الأمريكي أو الصهيوني ، فإننا نكون أمام تصور شديد السذاجة ، بقدر ما هو غير علمي وغير واقعي وغير تاريخي ، ولا يدعمه أي منطق أو علم أو حقائق تاريخية أو استراتيجية ، مجرد عواطف سطحية ساذجة ومضللة وفارغة ، وأكثر من ذلك خطورتها على مصالح الأمة الحقيقية وتبصرها بمشروع النهوض والإنقاذ ، لا يعني كلامي هذا أبدا أن ندخل في مواجهة مع إيران ولا أن ندعم أي مشروعات أخرى منافسة لها ، ولكن يكون من الخطورة بمكان أن يطرح بعض "حكماء زمانهم" رؤية مفادها أننا إذا خيرنا بين مشروع إيراني ومشروع أمريكي سنختار المشروع الإيراني ، هذا انتحار تاريخي وجناية مروعة على أمن الأمة في حاضرها ومستقبلها ، لأن الأمانة التاريخية والمنطق والحكمة تقضي بأن نكون ضد كلا المشروعين الانتهازيين التوسعيين ، وضد أي مشروع استعماري أو توسعي انعزالي تخريبي آخر يهدد المنطقة ، أيا كان مصدره أو حساباته .
[email protected]
http://www.almesryoon.com/ShowDetail...&Page=1&Part=8