الصواعق النارية
الرد على من قال لا جهاد إلا مع سلطان
الحمد لله مظهر الحق بفضله ومزهق كيد الباطل وأهله والصلاة والسلام على خير الأنام باتباعه نال الناس عزهم وبالاقتداء به رجع للعرب مجدهم وبعد:
فإن دين الإسلام أتى واضحاً كوضوح الشمس في ساعة الظهر وكالقمر ليلة البدر وصدق الحبيب غذ قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.) رواه ابن ماجة وأحمد وغيرهم . إلا أن أناس عن الحق زاغوا وعن الطريق الصحيح أبعدوا أرادوا تسخير دين الله ليماشي أهواءهم وعلى ما تبتغيه شهواتهم فأولوا كلام الله على غير معناه وفسروا حديث رسول الله بغير مقتضاه ووصلت بهم الحال أن فسروا أقوال علماء الأمة بما يزيد على الناس العتمة والظلمة وجعلوها تأكيداً لأفعالهم وتغطية على أخطائهم إلا أن الله جل وعلا كشف كذبهم وأزال عتمتهم بنور كتابه وهدي نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام , ومن تلك الظلمة التي غموا فيها على أعين الناس قولهم بأن لا جهاد إلا بإمام إما حباً منهم في الحياة وخوفاً من الموت في سبيل الله أو إرضاء لطاغوت ظالم استعان بهم لإسكات أهل الإيمان عن تعطيله أوامر الله جل وعلا وتكريساً لدوام حكمه في رعاية أسياده من عباد الصليب والتلمود فهو لن يجاهد وأبناء الأمة المغمى عليهم لن يجاهدوا إلا بجهاده فتنجح خطط أهل الكفر في إخماد جهاد أمة الإسلام ضد عدوانهم واحتلالهم لأرضهم بحجة أننا لا نقاتل حتى ينزل الله علينا الأمير الذي يقودنا للقتال كما يقول حزب التحرير أو حتى يأمر الأمير وإن كان خائن لدينه مسالم لأعداء الإسلام فلا يجوز القتال دونه , فعجباً والله لقولهم من أي دين جلبوه للأمة ! , ومع ذلك فيأبى الله إلا أن يتم نوره رغم أنوفهم أرادوا أم لم يريدوا ذلك شاءوا أو رفضوا فالحق أبلج والباطل لجلج والشمس لا تغطى بغربال وإن غيمة المرجفين مصيرها للزوال, ومما جاء في دحر قولهم هذا فهو مما يلي :
أولاً : جاء في قوله تعالى ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) يقول البغوي رحمه الله : أي : لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ، فإن الله قد وعدك النصرة وعاتبهم على ترك القتال .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية (فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ؛ أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له ؛ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك . ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي . وقولأبي بكر وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي . ) قال ابن حزم في (المحلى 7 / 351):" قال _تعالى_: "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ" (النساء: من الآية84)، وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم، فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد" انتهى كلامه _رحمه الله_.
وقال ابن قدامة في (المغني 10 / 364) : " الجهاد فرض على الكفاية.... الخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان، ثم يختلفان أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره )
وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب : "ولا ريب أن فرض الجهاد باق إلى يوم القيامة، والمخاطب به المؤمنون، فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه، لا يسقط عنها فرضه بحال ولا عن جميع الطوائف " ( الدرر السنية 7 / 98) فهاهم أئمة أهل السنة والجماعة أكدوا على أن هذه الآية الكريمة نصها يؤكد جهاد الفرد لوحده ضد أعداء الله فما بال ألائك القوم يقولون أن ذلك ليس من هدي السلف في اتباعه عليه الصلاة والسلام أولم يتطلعوا على هذه الآثار أم إنهم بها يجحدون؟
ثانياً : أن اشتراط وجود الإمام في الجهاد لم يأتي به نص من الكتاب والنسة ولا من اقوال أهل العلم من السلف الصالح خاصة الذين كتبوا في فقه الجهاد وقد ثبت في الحديث الصحيح " ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل" ، و قد قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في بيان بطلان هذا الشرط : " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع ؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر، من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه " (الدرر السنية 7/ 97) فلما ياترى وضع ألائك المخذلون أن الجهاد بالإمام شرط لصحة الجهاد ومن أي فقه أخذوه ؟ ومن الأدلة على عدم اشتراط الإمام حديث : (غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم ، أنجى الناس فيها رجل صاحب شاهقة ، يأكل من رسل غنمه ، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدروب ، يأكل من سيفه ) [روه الحاكم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه).
كما إن الأحاديث التي تنص على الجهاد في الدفع عامة لا يوجد بها تخصيص لإمام وقد ورد عنه عليه السلام أنه قال : ( من قاتل دون ماله فهو شهيد، ومن قاتل دون دينه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد) " ومعلوم أن هذا الحديث عام في كل أحد، بل هو في حق الأفراد بلا خلاف، وأن للمسلم أن يدفع عن ماله وعرضه ودينه ولو كان وحده، ولو كان الصائل عليه مسلم مثله فإن مات فهو شهيد.
قال الشيخ حاكم المطيري : فمن اشترط وجود الإمام أو إذنه فقد أبطل دلالة هذه الأحاديث، بل ثبت في صحيح مسلم أن عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_، استدل بهذا الحديث على جواز أن يدفع المسلم عن ماله ونفسه وعرضه، حتى لو كان الصائل عليه هو الإمام نفسه، وقد استعد عبد الله بن عمرو _رضي الله عنه_ لقتال السلطان لما أراد أخذ أرضه منه واستدل بهذا الحديث.
فإذا كان لا يشترط في مثل هذا القتال إذن إمام ولا وجود راية، فكيف بدفع العدو الكافر عن النفس والدين والأرض والمال والعرض ؟! فهو أحق بهذا الحكم بقياس الأولى بل شك. .
ثالثا: أن أئمة أهل السنة والجماعة أجمعوا على أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة فرداً وجماعات قال صديق خان: ( الأدلة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلاً بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده المسلمين من غير تقيد بزمان أو مكان أو شخص أو عدل أو جور ) [الروضة/333)
وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن: ( بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع، هذا من الفرية في الدين، والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه ) .
وقال أيضاً: ( وكل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ولا يكون الإمام إلا بالجهاد لا أنه لا يكون جهاد إلا بالإمام ) [الدرر السنية 7/97].
وقال ابن حزم: ( يغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق ومع المتغلب والمحارب كما يغزى مع الإمام ويغزوهم المرءُ وحده إن قدر أيضاً ) [المحلى 10/99(.
وقال الشيخ عبد الله عزام رحمه الله في ذلك : ( الذي خرجت به من خلال النصوص, وما طالعت كتابا خالف هذا النص, وقد وافقنى عليه كل العلماء الذين قابلتهم وأخذت امضاءاتهم عليه, وافقني عليه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين, والشيخ سعيد حوى والشيخ محمد نجيب المطيعي -رحمه الله- وهو من أفقه الناس في هذا القرن وقد توفاه الله , ووافقني عليه عبد الله علوان- رحمه الله- وكذلك هو من العلماء المطلعين, ووافقنى عليه الكثيرون على أنه: إذا وطىء الكفار شبرا من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم في تلك البقعة حتى تخرج المرأة- بمحرم- دون إذن زوجها, والعبد دون إذن سيده, والمدين دون إذن دائنه, والولد دون إذن والده, فإن لم يكفوا, أو قصروا, أو تكاسلوا, أو قعدوا توسع فرض العين على من يليهم, وثم.. إلى أن يعم فرض العين الأرض كلها, فرضا لا يسعهم تركه كالصلاة والصوم. ولذلك منذ أن سقطت الأندلس, وإلى يومنا هذا ; الجهاد فرض عين على الأمة المسلمة ) .
يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (607/4): ( فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا فلا حاجة لإذن أمير المؤمنين ) إنتهى كلام ابن تيمية.
فلا حاجة لإذن أمير المؤمنين ولو كان موجودا قائما حاضرا .
قال الإمام الشافعي في (الأم 4 / )178) : " ولا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول ) " اهـ. وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع.
رابعاً : إن ألائك المخذلون لما أرادوا تعطيل تلك الفريضة لم يكتفوا بتحريمها دون إمام على أهل بلدهم بل راحوا ينقمون على من قام للجهاد في فلسطين ضد اليهود بأنهم يسيرون من غير حاكم ولما أحضر اليهود ياسر عرفات ليحكم المسلمين بفلسطين نقم ألائك القوم على المجاهدين جهادهم ضد اليهود لأنهم خالفوا أمر حاكمهم وولي أمرهم بائع الأرض والعرض فعجباً لهؤلاء أما يستحون من تدليسهم وكذبهم على شرع الله وقد صدق من قال إن لم تستح فاصنع ما تشاء يقول الشيخ حامد العلي نصره الله وثبته على الحق (أما إن عُدم الإمام، أو ترك الجهاد، كأن يكون قد عاهد الكفار على ترك الجهاد أبدا ، وهو عهد باطل باتفاق العلماء، أو كان الحاكم لا دينيا علمانيا لا يؤمن بالتحاكم إلى الشريعة ، أو خُشي المسلمون فوات مصلحة إن انتظروا إذن الإمام الشرعي ، أو وقوع مفسدة، أو تعين على طائفة منهم قتال عدو حضر ، فلا يشترط إذن الحاكم ، بل يقيم المجاهدون أميراً منهم ويجاهدون معه) .وذلك ما فعله أهل الجهاد في فلسطين وغيرها من أرض الإسلام المحتلة , وقال الماوردي: ( فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين ) [الإقناع ص/175)
يعني إن تعين لم يشترط له إذن الإمام ، ومعلوم أن أكثر جهاد المسلمين اليوم هو جهاد الدفع الذي هو فرض عين على أهل البلد ومن يمكنه نصرهم فلا يشترط له إذن حاكم .
ولو كان كلام هؤلاء المرجفين صحيحاً في عدم صحة الجهاد دون إذن الحاكم ووصفهم للمجاهدين في فلسطين والشيشان والعراق وأرض الأفغان بالخوارج لكان شيخ الإسلام بن تيمية أحد ألائك الخوارج لأن قازان ولي أمره من التتار ادعى الإسلام إلا أن شيخ الإسلام جاهد التتار وطردهم من أرض الإسلام في معركة شقحب فهل يجرؤ القوم على وصف شيخ الإسلام بالخارجي أم يخشون نقمة أهل الدين المعتم عليهم من أتباعهم فسكتوا عن جهاد شيخ الإسلام ونضاله حتى لا يفضح أمرهم و تدليسهم على الناس ولقد برر بعضهم لأبي بصير رضي الله عنه جهاده دون إذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان تحت ولاية الكافرين ولم يكن تحت ولاية النبي صلى الله عليه وسلم إذا فلماذا تنقمون على من يجاهد في العراق وفلسطين والشيشان جهادهم وأنتم قلتم أن أبو بصير قاتل كفار قريش وهو في غير ولايته عليه السلام فحماس في فلسطين ليست تحت ولاية أمير مؤمن ولا المجاهدين في الشيشان والأفغان وولاية عرفات وعباس والمالكي وكرزاي على أهل الإيمان باطلة لأن من وضعهم هم أهل الكفر أنفسهم.
خامساً : يحتج ألائك القوم أنه لم يحدث في عهد الصحابة جهاد دون إذن ولي الأمر أو تول لقيادة دون تعيين ولي الأمر فيرد عليهم بأن خالد بن الوليد رضي الله عنه في مؤتة بعد ما استشهد الصحابة الثلاثة سلِّم الراية دون أن يستأذن ولي الأمر بذلك وأن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه حينما سرقت الإبل من المدينة وقتل راعيها لحق المجرمين وقتلهم دون أن يأخذ إذن نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وقد كان من قبيل هذا عدة مواطن جاهد فيها الصحابة دون أن ياخذوا إذن الأمير لأن جهادهم تعين في ذلك الموطن .
سادسا: إن الأمر بترك الجهاد معصية خاصة أن الجهاد فرض كفاية في الطلب وفرض عين في الدفاع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
سئل الشيح عبد الله عزام متى لا يُستأذن الإمام ؟ فأجاب :
* في الحديث الصحيح: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) [صحيح الجامع الصغير رقم 7520)
يقول ابن رشد: ( وطاعة الإمام واجبة ولو كان غير عدل- ولو كان فاسقا- إلا إذا أمر بمعصية, ومن المعصية منعه الجهاد المتعين ). يعني: الذي أصبح فرض عين- وابن رشد قرطبي مالكي- يعني لا يطاع أحد; إنما الطاعة في المعروف.
* يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (607/4): ( فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا فلا حاجة لإذن أمير المؤمنين ) إنتهى كلام ابن تيمية.
فلا حاجة لإذن أمير المؤمنين ولو كان موجودا قائما حاضرا .
* فالمهم; لا استئذان من الوالدين في فروض الأعيان, فروض الأعيان ليس فيها استئذان أبدا , حتى أمير المؤمنين; خليفة من الخلفاء العباسيين أو الأمويين, يكره أو يحرم الغزو بدون استئذانه إلا في ثلاث حالات:ـ
الأولى: إذا عطل الإمام الجهاد.. لا يريد أن يجاهد.. هذا لا يستأذن.
ثانيا : إذا فوت الإستئذان المقصود, كما في المثال الذي ضربناه, لأنه لو استأذن أبو طلحة وسلمة لذهب سرح المدينة.
ثالثا : إذا علمنا أن الإمام لا يقبل ولا يأذن.
لا حاكم, ولا خليفة, ولا أحد في الدنيا له حق أن يتدخل في الفرض الذي فُرض علينا, ولا أن يوقفه, ولا أن يمنعه.
وقال الشيخ حامد العلي : هذا وقد علم أنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن الحاكم لايطاع إن أمر بالمعصية ، فكيف إذا أمر بما هو من أشد المعاصي ضررا على المسلمين ، وإفسادا لدينهم ، وهو ترك الجهاد ، فلايقول بوجوب طاعته في ذلك إلا جاهل مطموس على بصيرته عافانا الله
قال ابن حزم في (المحلى 7 / 300) : " ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار، وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم )". كما لا شيء أوجب بعد الإيمان بالله من دفع العدو عن أرض الإسلام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ . .
سابعاً : إن دين الله جاء بالخروج على الحاكم الكافر وقتاله كما جاء في حديث البخاري بسنده عن جنادة بن أبي أمية : قال : دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض ، قلنا ؛ أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ( وهذا الحديث واضع لقول القائل لا جهاد إلا بإمام لأنه إن تعين كفره وجب جهاده هو فكيف سيكون جهاد الإمام ولا جهاد إلا به , يقول الشيخ حامد العلي : وهو يدل على وجوب الخروج على الحاكم إن اقترف كفرا بواحا ، ومعلوم أنه في هذا الجهاد يكون الحاكم هو الذي يجب جهاده لخلعه بالقتال ، فكيف يشترط ليت شعري الإمام للجهاد ؟!!
ثامناً : إن الغرض الأساسي من إقامة الجهاد هو حماية الدين وإعلاء رايته وجهاد الآن جهاد دفع إن لم تقم به الأمة ضاع دين المسلمين وضاعت معه دنياهم فأصبحت أراضي المسلمين وأموالهم وأعراضهم لعبة للكافرين يتحكمون بها كيف شاءوا ومتى أرادوا فكان جهاد الدفع فرضاً على جميع المسلمين وفي القاعدة الفقهية : أن مصلحة الدين مقدمة على مصلحة النفس, حفظ الدين مقدم على حفظ النفس, فهنا يجب على المسلمين أن يقوموا بالجهاد حتى وإن لم يكونوا من أهل الحرب حفاظاً على دين الإسلام من الضياع ولما ترك الناس الجهاد في الأندلس منتظرين أن يأتي أهل الحرب من المسلمين لينصروهم ضاعت أرض الأندلس وضاع إسلام أهلها وكذلك كاد أن يحصل بفلسطين لولا أن الله سخر طائفة من المؤمنين تدافع عن أرض الإسلام ودينها جاء في حاشية البيجوري الشافعي (2 / 491) قال في جهاد الدفع: " أن يدخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين أو ينزل قريباً منها، فالجهاد حينئذ فرض عين عليهم، فيلزم أهل ذلك البلد حتى الصبيان والنساء والعبيد والمدين ولو بلا إذن من الأولياء والأزواج، والسادة ورب المال، الدفع للكفار بما يمكن منهم ولو بضرب بأحجار ونحوها " انتهى.
ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال أو توافر إمكانات أو ظن تحقيق نصر.
قال الخطيب الشربيني الشافعي في (الإقناع 2 / 510) : " الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها، وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (الفتاوى المصرية 4 / 509) : " وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً ولا طاقة للمسلمين به، لكن يخافون إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين، فهنا صرَّح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا، ونظيره أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف، فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال " انتهى، وهذا كله محل اتفاق بين الأئمة وعلماء الأمة، فلا يلتفت في جهاد الدفع إلى طاقة المسلمين ولا إلى إمكانياتهم، ولا إلى ترجُّح تحقق النصر، بل عليهم بذل مهجهم في الدفع عن حرماتهم، حتى مع تيقن هلاكهم.
قال الإمام الشافعي في (الأم 4 / 178) : " ولا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً أو يبادر الرجل، وإن كان الأغلب أنه مقتول ) " اهـ. وهذا في جهاد الطلب فمن باب أولى جهاد الدفع.
يقول الشيخ حاكم المطيري : هذا ولا يشترط في صحة جهاد الدفع أن يكون من أجل إعلاء كلمة الله، نعم أشرف أنواع الجهاد وأعظمه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، وأوضح ما يكون ذلك في جهاد الطلب والفتح، ولا ينافي ذلك مشروعية جهاد الدفع، وأن من قتل فيه دون ماله وعرضه ونفسه شهيد أيضاً، كما ثبت في الصحيح؛ لأن جهاد الدفع مشروع للدفع عن الأرض والعرض والنفس والمال والدين، بشكل فردي أو جماعي، ويكون أيضاً بتعاون المسلمين على اختلاف طوائفهم، أو مع غير المسلمين كأهل الذمة للدفع عن وطنهم جميعاً، وكذا تسوغ الاستعانة بغير المسلمين من الشعوب والدول الأخرى لدفع العدو الكافر عن المسلمين وأرضهم وحرماتهم، وقد عاهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ يهود في المدينة على الدفع عنها إذا دهمها عدو، كما استعان الصحابة _رضي الله عنهم_ بنصارى العرب في الشام والعراق في قتال عدوهم، وقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية التتار في الشام بمن خرج معه من أهلها، مع شيوع أنواع البدع فيهم آنذاك، وخلص أسارى أهل الذمة من اليهود والنصارى من أيدي التتار حين تفاوض معهم، ولم يرض بإطلاق أسرى المسلمين فقط ، حتى أطلقوا أسرى أهل الذمة معهم.
والمقصود أنه لا يشترط لصحة جهاد الدفع أي شرط ، لا وجود إمام، ولا وجود راية، ولا قصد إعلاء كلمة الله ، ولا فتوى عالم، ولا وحدة الصف، ولا وجود القوة، ولا ترجح النصر، وهذا لا ينافي وجوب أن يقاتل المجاهدون صفاً واحداً تحت قيادة واحدة، فإن تعذر ذلك لم يبطل الجهاد ولم يتعطل، والله _تعالى_ أعلم أحكم.
خامة : في الختم تأكدنا من صحة قول الجهاد ماض على يوم القيامة سواء كان بإمام أم دونه وإن أهل الطائفة المنصورة أكسبوا الميزة على الأمة أنهم يجاهدون وحدهم دون أن تكون غالبية الأمة واقفة معهم ودل ذلك على أنه قال طائفة ولو كانت الأمة مجمعة على جهادهم لما كانوا طائفة , فهم منصورون بنصرهم دين الله وحمايتهم لأعراض المسلمين ومهما حاول أهل الإرجاف تشويه صورتهم وإدلاء التهم عليه وطعنهم من خلف ظهورهم فقد وعدهم الله بنصره وبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لن يضرهم خذلان ألائك المرجفين ولا من حذا حذوهم فهنيئاً لهم تلك البشرى من النبي عليه الصلاة والسلام , وقد وفقني الله عز وجل في كتابة ذلك رداً على أهل التخذيل فما أصبت فمن الله عز وجل وبتوفيقه وفضله وما أخطأت فمن نفسي والشيطان والله أعلم بما أردت والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه : أبو عبد الله اللداوي .