العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات الخاصة > منتدى مقالات الشيخ سليمان بن صالح الخراشي رحمه الله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-08-18, 02:54 PM   رقم المشاركة : 1
سليمان الخراشي
حفظه الله







سليمان الخراشي غير متصل

سليمان الخراشي is on a distinguished road


نبذة عن أبي حيان التوحيدي

بسم الله الرحمن الرحيم


هذه نبذة عن أبي حيان التوحيدي ( ت 414 هــ ) ، نقلتها - كما هي - من كتبٍ ترجمت له :



اتهامه بالزندقة :


( ربما كان أول من اتهمه بالزندقة : الكاتب اللغوي الأديب ابن فارس المتوفى سنة 390هـ في كتابه الفريدة والخريدة، فقد نُقِل عنه قوله: " كان أبو حيان قليل الدين والورع عن القذف؛ والمجاهرة بالبهتان، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل . ولقد وقف سيدنا الصاحب ابن عباد كافي الكفاة على بعض ما كان يدخله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم بزخرفه وإفكه، ثم عثروا على جميع دخلته، وسوء عقيدته، وما يبطنه من الإلحاد، ويرومه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله منه، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية".
ثم جاء ابن الجوزي (المتوفى سنة 597هـ) فقال: "زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الرواندي، والتوحيدي، وأبو العلا المعري، وشرهم على الإسلام أبو حيان، لأنهما صرحا وهو مجمج ولم يصرح".
ثم ردد الذهبي (المتوفى سنة 748هـ) هذه التهمة، ونقل ما ذكره ابن فارس وابن الجوزي، وزاد عليه أن أبا حيان كان عدواً لله خبيثاً سيء الاعتقاد.
وجرت دائرة المعارف على أنه ُنفي لزندقته، قال مرجليوث: "نفاه المهلبي المتوفى سنة 352هـ (963م) من بغداد –وكان يعيش فيها من الكتابة- لزندقته في آرائه التي أوردها في مصنفات له فقدت".
ووافق هؤلاء الأستاذ محمد كرد علي، فقال: " إن الصاحب اتهم التوحيدي بالزندقة، ففر منه، وطلبه الوزير المهلبي ليقتله، فهرب إلى ديار بكر" .


ولكنّ علماء آخرين شهدوا له بسلامة العقيدة وصحة الدين. فهو في رأي ياقوت صوفي السمت والهيئة، متعبد، والناس على ثقة من دينه. وابن النجار يصفه بأنه كان فقيراً صابراً متديناً صحيح العقيدة.
والسبكي يدافع عنه بقوله: "لم يثبت عندي إلى الآن من حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه، ووقفت على كثير من كلامه، فلم أجد فيه إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس، مزدرياً لأهل عصره، ولا يوجب هذا القدر أن يُنال منه هذا النيل. وسئل الوالد –رحمه الله- عنه فأجاب بقريب مما أقول.



وقد أرجع السبكي حملة الذهبي على أبي حيان إلى محاكاته لما قاله ابن فارس، وإلى ما قاله ابن الجوزي، وإلى أمر ثالث هو بغضه الشديد للمتصوفة.


ولقد كان أبو حيان صوفياً، بل إنه عند الفرس علمٌ من أعلام المتصوفة، قال عنه أبو العباس أحمد زَركوب: "إنه الإمام الموحد، العالم الواسع العلم، ليس له شبيه في المكاشفات الإلهية والدراية بالتوحيد".


ومن الميسور أن أُبطل هذه التهمة الجائرة بعدة ردود:


1-المفهوم من كلام ابن فارس أن الصاحب ابن عباد طلبه ليقتله ففر منه، ثم تعقبه الوزير المهلبي، فاستتر منه حتى مات في الاستتار.
وهذا كلام تعوزه الصحة، لأن أبا حيان –كما تبين في صلته بابن عباد- تركه سنة 370هـ ، والوزير المهلبي توفي سنة 352هـ، فكيف يتفق هذا؟ لقد اتصل أبو حيان بالصاحب، ثم تركه بعد ثمانية عشر عاماً من وفاة الوزير المهلبي الذي قيل إنه تعقبه ليقتله.


2-لم يشر أبو حيان –على دقنه في وصف الأشخاص والأحوال ولا سيما حالته- إلى أن ابن عباد فكر في قتله، وأوعز بحبسه، ولو أن شيئاً من هذا حدث لذكره، على عادته في تفصيل الأحداث، والتشنيع على ابن عباد، ووصف ما لقي من حرمان وخيبة في صلته به.


3-يحملني على الشك فيما زعم ابن فارس من نسبة الزندقة إلى أبي حيان، ومن نسبة التفكير في قتله إلى ابن عباد أن ابن فارس كان أستاذاً لابن عباد قبل أن يلي الوزارة، وكان صديقاً له لما تولاها، وكان أستاذاً لأبي الفتح ابن العميد.
وقد هجا أبو حيان ابن عباد وابن العميد، فمن المرجح أن ابن فارس أراد أن يشوه سمعته ويثأر منه، فألصق به تهمة الزندقة، وأراد أن ينسب إلى ابن عباد الغيرة على الدين، فزعم أنه هم يقتل أبي حيان، ولكنه هرب منه.


4-كان ابن فارس معاصراً لأبي حيان، وقد ذمه أبو حيان ذماً شنيعاً، وتنقصه في مجلس ابن سعدان بقوله: "إنه شيخ فيه محاسن ومساوئ، إلا أن الرجحان لما يُذم به، لا لما يحمد عليه، فمن ذلك أنه له خبرة بالتصوف، وهناك أيضاً قسط من العلم بأوائل الهندسة، وتشبه بأصحاب البلاغة؛ إلا أن هذا كله مردود بالرعونة والمكر والإيهام والخسة والكذب والغيبة...".


5-ابن فارس الذي يسند إليه اتهام أبي حيان بالزندقة والموت في الاستتار قد مات قبل أبي حيان، وسواء أكانت وفاة ابن فارس سنة 360 أو 369هـ أو 375هـ أو 390 أو 395هـ فإنها كانت قبل وفاة أبي حيان. فكيف يقرر وفاة شخص آخر لم يمت بعد ؟
وإذا أراد أحد أن يأخذ بشق رأيه وهو الاتهام بالزندقة، وذهب إلى أن الشق الثاني مدخول عليه، فإن اتهامه بالتحيز لابن عباد وابن العميد ما زال قائماً يقدح في طعنه أبا حيان، وموت الوزير المهلبي قبل أبي حيان يقطع ببطلان تعقبه ليقتله.
على أني لا أستبعد أن يكون خصوم أبي حيان هم الذين فعلوا ذلك، ولكنهم أسندوه لابن فارس، ليزيدوه قبولاً وثثبيتاً في نفوس سامعيه.


6-ابن الجوزي –كما ذكر السبكي- متعصب على الصوفية، مبغض لهم، لهذا زاد من عنده قوله: "وأشدهم على الإسلام أبو حيان، لأنه مجمج، ولم يصرح" وقد وصفه ياقوت بأنه كثير التخليط، ولهذا لا يعتمد على ما تفرد به.


7-إذا وازنا بين أبي حيان وابن الراوندي وأبي العلاء المعري لم نجد تشابها يبيح لابن الجوزي أن يجعله أشد الثلاثة ضرراً على الإسلام، أو يسلكه في عداد المعادي للإسلام.
أما ابن الراوندي فلا جدال في زندقته وكفره، لأنه زعم أن في كلام أكثم بن صيفي ماهو أحسن من بعض القرآن؛ وادعى أن القرآن غير معجز بأن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي العرب، فلم يقدروا على معارضته، فيقال لهم: لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن فقال: الدليل على صدق بطليموس أن إقليدس ادعى أن الخلق يعجزون عن أن يأتوا بمثل كتابه لكانت نبوته ثبتت !!
وأما أبو العلاء فقد اتهم بالإلحاد، لبعض آرائه التي رددها في لزومياته، ولما قيل إنه عارض القرآن بكتابه الفصول والغايات، على نسق السور والآيات، وإن كان مظلوماً في اتهامه بالمعارضة، لأن كتابه لا يشير إلى ذلك.
وأما أبو حيان فليس في كلامه ما ينبئ عن زندقة أو إلحاد.


8-بل إن في كلام أبي حيان ما ينقض دعوى خصومه نقضاً لا يبقي ولا يذر، فقد كان يغار على الدين منذ حداثته.
ذكر رأياً لأبي سعيد البسطامي، ثم عقب عليه بقوله: "وكان شديد التهور، عظيم العجرفة، ولم أجد نكراً من أحد حضر من أصحابه ومن غير أصحابه، وكنت حينئذ غريباً حديث السن فوقدتني الحمية لله ورسوله عند جهله".
وقد نقل تدليل أبي سليمان المنطقي على صحة البعث، وزاد على أدلته.


وذكر في أحد أسئلته لابن مسكويه حيرته في معرفة حقيقة ما سأل عنه، وقال: إن هذا يدل على توحيد من هو محيط بهذه الغوامض والحقائق، ويبعث على عبادة من هو عالم بهذه السرائر والدقائق.


وفي مقدمة البصائر والذخائر دعاء مؤمن متصوف، وفيه بعد ذلك إقرار صادق بجلال القرآن وإعجازه: "كتاب الله عز وجل الذي حارت العقول الناصعة في رصفه، وكلت الألسن البارعة عن وصفه، لأنه المُطْمِعُ بظاهره في نفسه، والممتنع في باطنه بنفسه، والدني بإفهامه إياك إليك، والعالي بأسرار غيوبه عليك، لا يطار بحواشيه، ولا يملُّ من تلاوته، ولا يُحسُّ بإخلاق جدته، كما قال علي بن أبي طالب عليه السلام: ظاهره أنيق، وباطنه عميق، ظاهره حكم، وباطنه علم".
وفيه تمجيد لأحاديث الرسول كقوله: "فإنها الشَرَكُ الواضح، والنجم اللائح ، والقائد الناصح، والعلم المنصوب، والأمَم المقصود، والغاية في البيان، والنهاية في البرهان، والمفزع عند الخصام، والقدوة لجميع الأنام" وفيه بعد هذا تصوف وحض على الثقة في الله وحده.


وفي مقدمة كتابه (الإشارات الإلهية) قوله:
"اللهم إنا نسألك ما يُسأل، لا عن ثقة ببياض وجوهنا عندك، وأفعالنا معك، وسوالف إحساننا قبلك، ولكن عن ثقة بكرمك الفائض، وطمعاً في رحمتك الواسعة، نعم وعن توحيد لا يشوبه إشراك، ومعرفة لا يخالطها إنكار، وإن كانت أعمارنا قاصرة عن غايات حقائق التوحيد والمعرفة، نسألك ألا ترد علينا هذه الثقة بك، فتشمت بنا من لم يكن له هذه الوسيلة إليك، يا حافظ الأسرار، ويا مسبل الأستار، ويا واهب الأعمار، ويا منشئ الأخبار، ويا مولج الليل في النهار، ويا مصافي الأخيار، ويا مداري الأشرار، ويا منقذ الأبرار من النار والعار، عد علينا بصفحك عن زلاتنا، وأنعشنا عند تتابع صرعاتنا، وحطة حالنا معك في اختلاف سكراتنا، وصحواتنا، وكن لنا وإن لم نكن لأنفسنا، لأنك أولى بنا. وإذا خفنا منك فأبرح خوفنا برجائنا فيك، وإذا غلب علينا يأسنا منك فتلفَّه بأمل فيك.
ثم يقول بعد بضع صفحات: "حرام على قلب استنار بنور الله أن يفكر في غير عظمة الله، حرام على لسان تعود ذكر الله أن يذكر غير الله، حرام على نفس طهرت من أدناس الدنيا أن تدنس بشيء من مخالفة، حرام على عين نظرت إلى مملكة الله أن تحدق إلى غير الله، حرام على كبد ابتلَّت بالثقة بالله أن تظمأ إلى غير الله، حرام على من لم ير الخير إلا من الله أن يُجدد طمعاً في غير الله، حرام على من تلذذ بمناجاة الله أن يناجي غير الله، حرام على من وقع في فقه الله أن يعبد غير الله".


9-وفي سلوكه ما يكفي لنقض هذا الاتهام، لأنه كان يصلي بالمسجد، ويشكو أنه لا يرى بجواره إلا قصاباً أو ندّافاً الخ، وقد حج سنة 354هـ، ولأنه كان متصوفاً طول حياته، ثم منقطعاً للتصوف في أخريات حياته، إذ قضى سنواته الأخيرة بين الصوفية، وانطبع بطابعهم، ومات بينهم، ودفن بجوار علم من أعلامهم.
ولم يكن تدينه ليخفى على معاصريه، ولهذا يقول ياقوت إنه كان يَتَألَّه والناس على ثقة من دينه".


أما صوفيته : فلا شك فيها. فقد وصفه ياقوت بأنه شيخ في الصوفية، وبأنه صوفي السمت والهيئة، وعلل السبكي تحامل الذهبي عليه بأن أبا حيان صوفي والذهبي يبغض المتصوفة، ووصفه أبو العباس أحمد زركوب بأنه إمام في المتصوفة لا نظير له،.. ثم إن أبا حيان نفسه يحدثنا بأنه حج في رفقة من إخوانه المتصوفة سنة 354هـ، ويصف ما احتملوا في عودتهم إلى بغداد من مشقات جسام كادت تودي بهم.


وكان يتزيا بزي المتصوفة، وينطبع بطابعهم وسمتهم، في شبابه ورجولته وأيام جهاده للاتصال بالوزراء، وقبل أن يندمج بالصوفية اندماجه العلمي الأخير.


وكان يأنس إليهم، ويصاحبهم، فقد سأله ابن سعدان عن شخص، فقال له: والله الذي لا إله إلا هو ما كان بيني وبينه ما يقتضي هذا الأنس والاسترسال، وإنما ركنت إليه لمرقعته وتاسُومَتِهِ عندما رأيته سنة 369هـ.
وقد عابه أبو الوفاء المهندس بمخالطة الصوفية. وله أدعية كثيرة مستوحاة من تصوف معتدل رفيع (!)، منها كتابه الإشارات الإلهية، كقوله: " اللهم خذ بأيدينا، فقد عثرنا، واستر علينا فقد أعورنا، وارزقنا الألفة التي تصلح القلوب، وتُنقي الجيوب، حتى نعيش في هذه الدار مصطلحين على خير، مؤثرين للتقوى، عاملين بشرائط الدين، آخذين بأطراف المروءة، آنفين من ملابسة ما يقدح في ذات البين، متزودين للعافية التي لابد من الشخوص إليها، ولا محيد عن الإطلاع عليها، إنك تؤتي من تشاء ما تشاء ".


على أنه اختار شيراز مقاماً له، لأنها عامرة بالصوفية، ومات بها، ودفن في قبر بجوار المتصوف ابن عفيف.


ذكر آدم متز أن التصوف البغدادي قد ذاع في العالم الإسلامي في أواخر القرن الثالث الهجري "إذ حمل تلاميذ السري السقطي مذاهب الصوفية البغداديين إلى أنحاء المملكة الإسلامية، فحملها موسى الأنصاري (المتوفى حوالي 320هـ) إلى خراسان، والروذباري (المتوفي سنة 322 هـ بالفسطاط) إلى مصر، وأبو زيد الآدمي (المتوفى عام 341هـ) إلى جزيرة العرب.
وكذلك ظهر التصوف بمدينة نيسابور على يد أبي علي محمد ابن عبدالوهاب الثقفي (المتوفى 328هـ) وكانت شيراز بنوع خاص مملوءة بالصوفية حوالي آخر القرن الرابع".


لكن أبا حيان يأبى إلا أن يكون في تصوفه كما كان في أدبه وثقافته صاحب رأي، وصاحب شخصية متميزة، ولهذا لم يتصوف تصوفاً عامياً أو شعبياً، ولم يتصوف تصوف الذين يمسهم (الجذب) وفقدان الإدراك ، بل إنه يرى أن التصوف قد أصابه التخليط، وأفسده الدخلاء.
يقول: إن الطريقة قد لحقها حيف لكثرة الدخلاء فيها، كما لحق البلاغة لكثرة مدعيها، وهذا هو السبب في أنه ليس صاحب مذهب خاص في التصوف.
ويظهر أنه كان يمزج الفلسفة بالتصوف، ويجمع بين مذهب النساك والمتصوفة، ومذهب أهل التفكير والفلسفة، لأنني لا أجد له مذهباً مستقلاً في تصوفه، ولا مذهباً معيناً في تفلسفه "فقد عرف كل المذاهب، وانتقى منها، وحمل على التقليد في كل منها، سواءً أكان في الدين أم في الفلسفة".


وإن هذا الحكم ليزداد وضوحاً بعد عرض بعض العقائد الكبيرة عند المتصوفة والموازنة بينها وبين موقف أبي حيان منها.
1-غالى بعضهم في الحالة التي تعتريه، سواء أفسرناها بأنها دعوى وحدة الوجود أم فسرناها بأنها وحدة الشهود.
ولست أجد في كتب أبي حيان شيئاً من هذا كله.


2-ظهرت عند بعض الصوفية نزعة إلى التحرر مما في هذه الدنيا حتى الشريعة، يحكي ابن حزم أن "منهم من يقول إن من عرف الله سقطت عنه الشرائع. نعوذ بالله من الضلال"، ويذكر أن بعضهم فضل بعض الأولياء على جميع الرسل والأنبياء. ويذكر القشيري في رسالته التي ألفها سنة 437هـ أن أكثر شيوخ الصوفية المحققين قد انقرضوا، وصار المتصوفة يعدون قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة، ويرفضون التمييز بين الحرام والحلال، ويستخفون بأداء العبادات، ويستهينون بالصوم والصلاة، ولم يكتفوا بذلك، بل ادعوا أنهم تحرروا من رق الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، وزالت عنهم أحكام البشرية، وليس لله عليهم عتب ولا لوم !
ولم يكن أبو حيان يدين بشيء من هذا، فقد حج في جماعة من إخوانه الصوفية سنة 354هـ، فأدى الفريضة، وكان كما وصفه ياقوت يتعبد والناس على ثقة من دينه.


3- اشتهر كثير من المتصوفة في القرن الرابع والخامس بمعاشرة المخالفين، ورفقة النساء، وصحبة الأحداث، ولكن أبا حيان لم يخالط هؤلاء، وكانت صلاته بالعلماء والأدباء والحكام والمتصوفة.


4-غلبت العزوبة على المتصوفة في القرن الرابع، على الرغم من أن أكثر الصوفية القدماء كانوا متزوجين.
والسبب في إيثارهم العزوبة أن تخلو قلوبهم من المشاغل، وأن يبرءوا من الشهوات والمعاصي.
وبعضهم تزوج، لكنهم كانوا في شغل عن زوجاتهم وأبنائهم، والمعروف أن أبا حيان لم يتزوج، ولكن الباعث له على العزوبة غير معروف، أهو التصوف أم العزوف لسبب آخر ؟
والذي أرجحه أنه أعرض عن الزواج في شبابه لأسباب موصولة بمزاجه وقلقه وحاجته إلى المال، فلما تقدمت به السن عاف الزواج ، وعلى فرض أنه عزف عن الزواج لتصوفه، فإن هذا لا يكفي لوصفه بالتأثر الكبير بمذاهب الصوفية ومحاكاتهم في عقائدهم ورسومهم محاكاة كاملة.


5-تغالي الصوفية في تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام تغالياً لم يعرفه سواهم، ولكن أبا حيان –كسائر المسلمين- يعظم النبي ويمجده في حدود رسالته وبشريته.


6-الصوفية يعتقدون في الولاية والأولياء اعتقاداً خاصاً والأولياء في نظرهم طبقات وأنواع. ولهم كرامات لا شك فيها. وهم يفرقون بينها وبين المعجزات بأن المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء ولخيار المسلمين، وقد ذكر الطوسي أقوالهم في صدق الكرامات، وأورد أمثلة كثيرة لكراماتهم، ورد على من أنكروها.
أما أبو حيان فلم يعتقد في الكرامات ولا في ولاية الأولياء بهذا المعنى. يدل على ذلك قوله: "فأما أصحاب النسك ومن عرف بالعبادة والصلاح، فقد ادعى لهم أن الصفر يصير لهم ذهباً وشيئاً آخر يصير لهم فضة، وأن الله عز وجل يزلزل لهم الجبل، وينـزل لهم القطر، وينبت لهم الأرض، وغير ذلك مما هو كالآيات للأنبياء. وربما يسمي كثير من الناس ما يظهر للزهاد والعباد من هذا الضرب كرامات، ولا يسميها معجزات، والحقائق لا تنقلب بالأسماء، فإن المسمى بالكرامة هو المسمى بالمعجزة الإلهية".
وهو يرد ما يحدث من أشباه ذلك إلى الاتفاق والمصادفة ويعتقد أن التقوى هي السبيل إلى الكرامة، إذ يروي ما قاله القاضي أو حمد المروزي في أن التقوى هي السبيل إلى الكرامة "السبب أولى من النسب، والسبب التقوى، وبها تظهر الكرامة" قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).


7-من أساس التصوف الزهادة في المال والجاه ومتاع الدنيا، والقناعة بالنـزر الذي يحفظ الحياة، والرضا بشظف العيش، وضيق الميد
ولكن أبا حيان كان ساخطاً على حظه، وكان متبرماً بفقره، وكان كثير الشكوى من بؤسه، وكان دائب الاتصال بالوزراء لينال منهم.


8-على أن أبا حيان يوافق الصوفية في أنه كان صوفيّ السمت والهيئة كما وصفه ياقوت، وقد صرح له أبو الوفاء المهندس، بأن منظره وبزَّته وملابسه لا تؤهله للاتصال الوزراء. قال له أبو الوفاء المهندس: "أتظنن بغمارتك وذهابك في فسولتك التي اكتسبتها بمخالطة الصوفية والغرباء والمجتدين الأدنياء الأردياء، أنك تقدر على مثل هذا الحال –يريد قطيعته له وتهديده بالعقاب- وأنام منك على حسن الظن بك ؟ ".


وهكذا يبدو أبو حيان في رداء المتصوفة، رث الهندام، قصير الذيل، زري الهيئة، كما سجل هو نفسه ما وصفه به أبو الوفاء المهندس، ينطبق عليه وصف ابن عبدالعزيز السوسي لنفسه في قوله :
سلكت في مسلك التصوف تنميـ ـاً فكم للذيـول قصـرت
سويت سجـادة بيوم وأخفيــ ـت سبالاً قد كنـت طولت


ولقد يخطر بالبال أن أبا حيان كان طلعةً إلى المال وإلى الشهرة فكيف يتفق هذا مع التصوف ؟


والحق أنه كان يأخذ نفسه بقدر من التصوف –قبل أن يعتزل الناس ويندمج في المتصوفة- ليس فيه إغراق ولا مغالاة، ولهذا تطلع إلى أن يعيش كما يعيش كثير من العباد الذين يستمتعون بما أحل الله في غير إسراف ولا مخيلة.
ومعنى هذا أنه لم يجف الدنيا كما جفاها كثير من المتصوفة المغرقين في تصوفهم، ولم يحظر على نفسه خيراتها مثلما حظروا .


وكأنما كان سلوكه هذا تمهيداً لما ذكره ابن الجوزي فيما بعد، إذ عقد فصلاً بعنوان (حماقة الصوفية في كراهية الدنيا) فنَّد فيه دعوى الذين يحرمون على أنفسهم متاع الدنيا بدعوى الزهد والتصوف.
ومما ذكره في الرد عليهم أن الأرض وما عليها من ماء وزرع وحيوان، كله لصالح الناس، وفيه حفظ حياتهم، وبقاء البشر سبب لمعرفتهم ربهم وطاعتهم إياه، والذي يوصلهم إلى البقاء يمدح ولا يذم.




طعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما :


و السبب الرسالة التي ادعى أبو حيان أن أبا بكر وعمر أرسلاها إلى علي حينما تأخر عن بيعة أبي بكر، فجاء علي وحاورهما وحاوراه، وكان أبو عبيدة بن الجراح حامل الرسالة الشفهية إلى علي.


1-وهي رسالة طويلة ذكر أبو حيان أنه سمعها من القاضي أبي حامد المرورزي رواية عن عيسى بن دأب، عن صالح بن كيسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة ابن الزبير، عن أبي عبيدة بن الجراح، مع اختلاف في سلسلة الرواة في بعض مراجع الرسالة.


2-أما الذين نفوها فهم الذهبي وابن حجر وابن أبي الحديد والسندوبي وزكي مبارك.
ذكر الذهبي عن جعفر بن يحيى الحكاك أنه سمع من أبي النصر الشجري أنه سمع الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر –مع أبي عبيدة إلى علي - على أبي حيان، فقال لي: هذه الرسالة عملتها رداً على الرافضة، لأنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، ويغالون في حال علي، فعملت هذه الرسالة.

وعلق الذهبي على هذا بقوله: فقد اعترف بوضعها.
وأنكرها ابن حجر، واتهم أبا حيان بوضعها.


3-والذي أراه أن الرسالة موضوعة، ولست أشك في أنها مصنوعة، لكن من ذلك الذي وضعها ؟
أهو القاضي أبو حامد ؟ أم أبو حيان ؟ كلا الفرضين محتمل .





ترجمة أبي حيان


https://ar.wikipedia.org/wiki/أبو_حيان_التوحيدي











  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:09 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "