فصل الخطاب في سب أبي تراب
مقدمة :- من أكبر القوالب الفكرية التي تربينا عليها .. هي أن بني أمية كانوا يسبون علي بن أبي طالب (عليه السلام) .. فما هي درجة صحة ذلك ؟!
من كَتَبَ التاريخ ؟ هناك بضعة شواهد تاريخية .. في كتب التاريخ .. تشير إلى أنه حصل سب و لعن من بني أمية تجاه علي (عليه السلام) ..
فعلينا أن نسأل أولاً : من الذي كتبَ التاريخ الإسلامي ؟ هل هو محايد .. أم لا ؟
يعترف محمد حسين آل كاشف الغطاء (المرجع الأعلى للإثناعشرية في زمانه) أن المؤرخين ورواة التاريخ في الإسلام كانوا شيعة!! (أصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ص 154) .
ويبدو أن كلامه صحيح ! فإن أوائل رواة التاريخ و المؤرخين (اليعقوبي والثقفي والمسعودي وإبن رستم الطبري وأبو مخنف وإبن السائب الكلبي والواقدي) كانوا شيعة أو متشيّعين .. حتى المؤرخ الكبير .. إبن جرير الطبري السني .. شيخ المؤرخين .. كان فيه تشيّع يسير (لسان الميزان لإبن حجر 5/ 100 ) ..
وليس هذا فقط .. بل إنهم عاشوا في عهد العباسيين، الذين كانوا يكرهون الأمويين كثيراً ويرفضون كتابة أي كلمة لصالحهم ، فقد أصدر الخليفة المأمون العباسي قراراً : برئت الذمة ممن يذكر معاوية بخير (تاريخ الطبري 7/ 187 ) .
أما المؤرخين الذين جاءوا بعدهم (إبن كثير وإبن الأثير وإبن خلدون) فالمتوقع أنهم نقلوا عن أولئك الأوائل، خصوصاً في أحداث صدر الإسلام والقرن الأول الهجري.
فهل كُتِبَ التاريخ الإسلامي بنكهة ( شيعية عباسية ) معادية للأمويين ؟!
أظن أن ذلك صحيح إلى حد كبير ..
رأي الإثناعشرية في كتابة التاريخ :- الإثناعشرية أيضاً يؤمنون بأن كتابة التاريخ كانت منحازة ، ولم تكن محايدة ..
ولكنهم .. كعادتهم .. يقلبون الطاولة على الآخرين .. فيزعمون أن الأمويين هم الذين كتبوا التاريخ ضد أهل البيت وشيعتهم .. بينما في الحقيقة لم يُكتب في زمان الأمويين أي كتاب معتبر في التاريخ !! وقد إعترف مرجع الإثناعشرية الأكبر (كما أسلفنا) بأن التاريخ كتبه الشيعة !!
لكن الإثناعشرية تنظيم سياسي .. وليس فكراً دينياً خالصاً .. لذلك ، لديهم قدرة (وقحة) على تغيير الحقائق .. وترويج الأكاذيب .. وإغراق وسائل الإعلام بها .. بحيث يضطر السني (الساذج) لتصديقهم .. ظناً منه أنه لا يوجد كذاب جريء (وقح) إلى هذه الدرجة !!
كما قال الجن (الطيب) : (( وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً )) (سورة الجن 5) ..
مثال على إعلام الإثناعشرية :- لديهم كذبة مشهورة متواترة عنهم .. وهي أن معاوية قد دفع مالاً لأبي هريرة .. لكي يروي أحاديث .. تمدح بني أمية .. وتطعن في أهل البيت ..
وعندما بحثنا عن ذلك في كتب الإثناعشرية .. وجدنا العكس !!
فأبو هريرة روى أكثر من ثمانين حديثاً في مدح أهل البيت !! ويمكنك التأكد من ذلك عن طريق البحث عن كلمة (هريرة) في مكتبة أهل البيت / الإصدار الأول .. المصنوع في النجف .. بإشراف قم !!
وبدلاً من مدح معاوية والأمويين!! وجدنا أبا هريرة يروي أحاديث تقدح فيهم !!!
مثلاً:- يروون عن أبي هريرة:- إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثون، كان عباد الله خولاً (يتخذون الناس عبيداً لهم) (بحار الأنوار للمجلسي (إثناعشري) 2/ 85) .. ليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا (بحار الأنوار للمجلسي 18/ 133 ) .. وذات يوم أرسل معاوية إلى أبي هريرة ليخطب هند بنت سهيل بن عمرو لإبنه يزيد ، وكان الحسن بن علي يريدها ، فزوّجها أبو هريرة للحسن ، وخالف أمر معاوية ! (بحار الأنوار للمجلسي 44/ 173 ) .
لو كنتُ إثناعشرياً لبنيتُ تمثالاً لأبي هريرة ، وحججتُ إليه كل عام !
الدليل (الواهي) الوحيد عند الإثناعشرية .. هو كلام أبن أبي الحديد ! حيث زعم أن أبا هريرة إفترى أحاديث في ذم علي !! بتحريض من معاوية! وأبرزها رواية: (أشهدُ أن علياً أحدث (أذنب) فيها (في المدينة)) !!
وبعد الدراسة، وجدنا أن هذا الكلام قاله إبن أبي الحديد (توفي القرن السابع الهجري) في كتابه : شرح نهج البلاغة 4/ 63 ، نقلاً (بدون سند) عن شيخ المعتزلة أبي جعفر الإسكافي (المتوفي قبله بأربعة قرون !!! ) .
ولقد بحثنا ضمن مكتبة أهل البيت، فوجدنا كتاباً واحداً لهذا الإسكافي ، بعنوان: المعيار والموازنة (رقم 1900 ضمن قائمة الكتب في المكتبة) ، ولم نجد فيه تلك الأحاديث التي تذم علياً على لسان أبي هريرة، كما إدعى إبن أبي الحديد !!!
وبحثنا عن رواية (أشهدُ أن علياً أحدثَ فيها) ضمن مكتبة أهل البيت ، فلم نجدها في الكتب المعتبرة لأهل السنة!
بل لم نجدها في الكتب القديمة للإثناعشرية ، كتب الكليني والقمي والطوسي، والتي كتبوها أبان العهد البويهي، في القرنين الرابع والخامس الهجريين، والتي على أساسها شيدوا مذهبهم !!
فمن أين جاء بها إبن أبي الحديد في القرن السابع؟؟!!
خلاصة هذه النقطة :- القاعدة القانونية العامة .. التي يتفق عليها البشر جميعاً .. في كل زمان ومكان .. هي إن تبرئة إنسان لا تحتاج إلى دليل قوي .. فحتى المتهم الراقد في السجن .. هو في الحقيقة بريء .. حتى تثبت إدانته ..
إذاً ، لا توجد صعوبة في تبرئة أي شخص متهم في أي قضية كانت .. فإن أصل الأحكام هو البراءة ..
بل الإشكال يكمن في إتهام شخص ما في جريمة ما .. فهذا يحتاج إلى دليل مادي قوي .. لا يتطرقه الشك .. لأن الشك يُفسّر لصالح المتهم ، كما هو معروف .. حتى لو كان ذلك المتهم هو (في عِلم الله تعالى) مجرماً فعلاً !.. فبدون دليل قوي لا شك فيه .. لا يجوز إدانته ..
وقديماً قالوا : خير لنا أن نُبرّئ عشرين مجرماً .. من أن نتهم بريئاً واحداً ..
وبما أن كتابة التاريخ كانت مُنحازة .. لهذا أو ذاك .. وبإعتراف الجميع .. فالتاريخ لا يصلح أن يُدين أحداً ..
فالتاريخ ليس بصحيح إلى هذه الدرجة .. وفيه شك كبير !!
فكيف نتهم الناس على أساسه ؟!
أما إستخدام التاريخ لتبرئة ساحة شخص ما .. فلا أرى فيه بأساً .. لأن إثبات البراءة أصلاً لا يتطلب دليلاً ..
أما إستخدام التاريخ للطعن في الإشخاص وإتهامهم ولعنهم وتكفيرهم .. فهذه هي الطامة الكبرى .. التي أبتلينا بها .. بسبب الشيعة الذين كتبوا التاريخ .. الذي شكّ فيه الشيعة والسنة ، والناس جميعاً !!
سايكولوجية معاوية :- يختلف الناس في حكمهم على معاوية .. فالشيعة يعتبرونه فاسقاً فاجراً خائناً غادراً .. بل حتى كافراً .. أما الآخرين .. فلا يرونه بذلك السوء .. فقد تأول فأخطأ !..
المهم في الأمر .. أن الكل يُجمعون على أنه أحد دهاة عصره .. وأنه خبير في فنون السياسة وألاعيبها .. وأنه يستخدم المال .. أكثر من السيف .. لإستمالة الناس .. وأنه ليس بأخرق .. ولا أبله .. وأنه يفكر ملياً في كل قرار قبل أن يُنفذّه ..
لذا ، أجد من الغريب جداً أن يُفكّر في إستفزاز أهل البيت وشيعتهم .. بعد أن إتفق .. بصعوبة .. مع رئيسهم الحسن (ع) !!
سايكولوجية أهل البيت :- لا يختلف الناس كثيراً في حكمهم على أهل البيت الكرام .. عدا الإثناعشرية .. التي تزعم أنهم معصومون من الذنب والخطأ والنسيان والسهو ..
لكن الكل يجمعون على أنهم كرام ، أباة ، أعزاء ، شجعان ، لا يقبلون بالضيم .. ولا يتحملون الإهانة ..
لذا ، أجد أيضاً من الغريب أن يتحمّلوا سب أبي تراب مراراً وتكراراً !!
أثناء المعركة :- يُروى أن كلا الطرفين في معركة صفين كان يقنت في صلاته ويدعو على الطرف الآخر (المصنف للصنعاني 3/ 107 ) .. وهذا ليس بمستغرب .. ففي كل حرب ترى حرباً نفسية يشنها هذا الجيش ضد الجيش الآخر .. ولا تكاد تخلو معركة في التاريخ من هذا الأمر ..
بعد المعركة :- نتوقع إستمرار الحرب النفسية بين الطرفين .. ما دامت حالة العداء مستمرة .. لكنها تكون خاضعة للمناورات السياسية والدبلوماسية .. أكثر من الوضع العسكري ..
بعد توقيع الإتفاقية :- بعد أن تنازل الحسن (عليه السلام) عن الخلافة لمعاوية .. نتوقع حصول تغيير في الحرب الإعلامية بين الطرفين .. فلا معاوية يريد إستفزاز الحسن .. ولا الحسن يتحمل شتم أبيه !!
لا يُشتَم علي ، والحسن يسمع :- كان من بنود الصلح بين الإثنين ألا يُشتم علي في مكان يستطيع الحسن سماعه ( تاريخ الطبري 4/ 122 ) .
بغض النظر عن سند الرواية ، فهي تبدو منطقية جدأ !!
فالحسن بن علي (ع) كان واقعياً .. ويعلم أن الفتنة ونتائجها ولّدت – لدى البعض - كراهية كبيرة لأبيه .. فهناك من لا يزال يعتبر أباه مسؤولاً عما حصل .. ويحمّله الدماء التي أريقت في معركة الجمل وصفين ..
والإثناعشرية يروون ذلك في كتبهم .. فقد جاءت إمرأة متنقبة ، وأمير المؤمنين (ع) على المنبر ، وقد قَتَل أباها وأخاها ، فقالت : هذا قاتل الأحبة (البحار للمجلسي 34/ 256 ) ..
وبعد يوم الجمل ، قالت إحداهن ، وقد قُتِل زوجها في المعركة ، لعلي (ع) :- يا قاتل الأحبة ، يا مُفرّق الجماعة (البحار للمجلسي 41/ 310 ) .
هذه الجروح لا تندمل بسرعة .. فتخيلوا فرحتهم وشماتتهم بعد إنتهاء ولاية علي ، على يد إبنه !! ألا نتوقع خروج كلمات نابية من أفواه هؤلاء ضد علي ؟!
ولعل هذا كان من أسباب تنازل الحسن لمعاوية ، حيث قال الحسن :- خشيتُ أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر أو أقل .. كلهم تنضح أوداجهم دماً .. كلهم يستعدي الله فيمن أهريق دمه (تاريخ مدينة دمشق لإبن عساكر 13/ 281 ) ..
هذا ينسجم مع سايكولوجية الحسن (ع) المسالمة .. فعندما قرر علي الخروج لقتال معاوية قال له إبنه الحسن : يا أبتِ ، دع هذا ! فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الإختلاف بينهم . فرفض أبوه ، ودفع الراية إلى إبنه محمد (إبن الحنفية) ( البداية والنهاية لإبن كثير 7/257 ) .
إذاً ، فالحسن كان يتوقع أن يحصل سباب .. من هذا وذاك .. وبما أن نفسه الأبية لا تتحمّل ذلك .. فقد طلب من معاوية ألا يكون هناك سباب على مسمع منه ..
معاوية بعد أن أصبح خليفة :- قد تقول أي شيء عن معاوية .. لكنك لا تستطيع أن تقول إنه كان غبياً أخرقاً !!
بعد أن تم الإتفاق وأصبح معاوية أميراً للمؤمنين .. إستخدم سياسة اللين والتهدئة .. والمداراة بالمال .. لذلك ، لا يُعقل أن يقوم بإستفزاز أهل البيت بإصدار أمر إلى جميع البلاد والأقاليم بلعن أبي تراب على المنابر ، بشكل منهجي مستمر .. كما يزعم الشيعة !!
إن المؤرخين يُجمعون على أن معاوية كان يستخدم المال والليونة والمداراة لإستمالة الناس ، وخاصة الشيعة منهم ، لكسبهم إلى جانبه ، وقد نجح في ذلك إلى أبعد الحدود . فمثلاً :- زياد بن أبيه، كان في البداية من أخلص الشيعة لعلي (ع) ، وكان واليه على فارس ، فاستطاع معاوية بدهائه أن يستميله إلى جانبه، وجعله أخاه ، فانقلب زياد وبايع معاوية ، وأصبح يده التي يبطش بها ، وكان من أقسى ولاته ( راجع/ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 16/181 وما بعدها ) . وقيل أن كاتب زياد كان شيعياً ( كتاب سليم بن قيس ص281 ) . ويعترف الإثناعشرية أن الشيعة كانوا يأتون معاوية ، فيمدحون علياً (ع) أمامه ، ويذمّون الخليفة (معاوية) أمام الحاضرين ، فلا يُكذبهم ولا يمسّهم بسوء، بل يحاول كسبهم بالمال ( البحار 27/344 ) .
من الشعارات السياسية لمعاوية :-
أورد إبن أبي الحديد (رغم كونه شيعياً متعصباً) بعضاً من أقوال معاوية :-
إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت . فقيل له : كيف ؟ قال : إذا مدّوها خليتها ، وإذا خلّوها مددتها .
وقال الشعبي في معاوية : كان كالجمل الطب . إذا سُكِتَ عنه تقدم ، وإذا رُدّ تأخر .
وقال ليزيد ابنه : قد تبلغ بالوعيد ما لا تبلغ بالإيقاع ، وإياك والقتل ، فإن الله قاتل القتالين .
وأغلظ له رجل فحلم عنه ، فقيل له : أتحلم عن هذا ؟ قال : إنا لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا (ديموقراطية لا نجدها في العديد من بلاد العالم) .
وتفاخر سليم مولى زياد (بن أبيه) عند معاوية بن زياد ، فقال معاوية : اسكتْ ، ويحك ! فما أدرك صاحبك بسيفه شيئاً قط إلا وقد أدركتُ أكثر منه بلساني (بالدبلوماسية) (شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 15/ 102 ) ..
كم شيعياً ثبت مقتله في زمن معاوية ؟ حسب كتب الإثناعشرية ، ثمانية أو عشرة فقط :-
أولاً :- حجر بن عدي وستة من أصحابه، أرسلهم زياد بن أبيه من الكوفة إلى دمشق قائلاً أنهم خرجوا على الخليفة وأثاروا فتنة، وأشهد عليهم مجموعة من كبار أهل الكوفة ( تاريخ الطبري 4/188 ) .
ثانياً :- عمرو بن الحمق، الذي رفض الصلح بين الحسن ومعاوية ، وذهب إلى الموصل ، فقُتِل هناك ( الإختصاص للمفيد ص16 ) وكان إبن الحمق ممن شاركوا في قتل عثمان ( شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 2/158 ) .
ثالثاً :- واحد أو إثنان من الحضرميين ( الإحتجاج للطبرسي 2/17 بسند ضعيف ) .
(تحت كل حجر ومدر) :-
كثيراً ما قرأتُ في كتب الشيعة العبارة الآتية :-
معاوية أمر ولاته بتتبع أهل البيت وشيعتهم وقتلهم تحت كل حجر ومدر (!) ..
ويبدو أنها من العبارات المشهورة التي يستعملونها بكثرة للدلالة على مظلوميتهم ..
المفاجأة : هي أنني وجدتُ علماء الإثناعشرية الأوائل لم يذكروا هذه العبارة !! فلم أجدها في كتب الكليني أو القمي أو الطوسي أو المفيد أو الشريف المرتضى .. وهؤلاء هم مؤسسو المذهب الإثناعشري ، وعاشوا إبان العهد البويهي ، من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن الخامس الهجري (الفترة الذهبية الأولى للإثناعشرية) ..
لم أجدها سوى في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 317 ! ولكن هذا الكتاب (كما هو معروف) مفبرك ، تم تأليفه في أواخر القرن الأول الهجري لأسباب سياسية بحتة ..
ولهذا لم يقتنع به الإثناعشرية الأوائل ، فأهملوه ، وقلما نقلوا من رواياته ..
ثم جاء الطبرسي (صاحب كتاب الإحتجاج) في القرن السادس الهجري (توفي 548) .. وكان الإثناعشرية حينها يُعانون من تدهور وضعف سياسي كبير .. فإحتاجوا إلى كل ما يشد من أزرهم ، ولو كانت رواية ضعيفة أو مكذوبة !!
فأعاد الطبرسي ذكر هذه العبارة في كتابه (الإحتجاج) ج2 ص17 ، نقلاً عن كتاب سليم بن قيس المفبرك !
ثم جاء إبن أبي الحديد (مؤرخ شيعي معتزلي، توفي 656) ، فذكر هذه العبارة في كتابه (شرح نهج البلاغة) ج11 ص44 ، نقلاً عن كتاب (الأحكام) لعلي بن محمد المدائني ، المتوفي سنة 225 هجرية !
ولم نجد هذا الكتاب ، ولم نعرف كيف وصل إلى إبن أبي الحديد بعد أربعة قرون ، دون أن يراه إثناعشرية القرن الرابع الهجري (الكليني والقمي والطوسي) ؟
فيبدو أنه وجد كتاب (الأحداث) على رف أحد المكتبات ، ونقلها منه .. وهذه (الوجادة) هي أضعف طرق نقل الرواية ..
ثم جاء الإربلي (توفي 693) فذكرها في كتابه (كشف الغمة) ج2 ص89 .
ثم جاء المجلسي (توفي 1111) فذكر هذه العبارة ثلاث مرات في موسوعته (بحار الأنوار) 26/ 8 - 33/ 179 - 44/ 125 .
أما الإثناعشرية المعاصرون ، فقد ملأوا كتبهم بهذه العبارة بشكل مفرط ، حتى أن بعضهم كررها عدة مرات في كتاب واحد !!!
صيغة السب :- قد يتصور البعض أن بني أمية كانوا يشتمون علياً بأقذع ألوان السباب والطعن في الشرف والعرض (كما يفعل الإثناعشرية مع المخالفين) .. وهذا خطأ فادح ..
فبنو أمية كانوا يعلمون نسب علي (ع) الرفيع .. وكلاهما فرع لبني عبد مناف ..
حسب كلام إبن أبي الحديد (الشيعي المتعصب) فإن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة : اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذبه عذاباً أليماً (شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 4/ 56) ..
حبل الكذب قصير :- رغم إدعاءات الإثناعشرية هذه .. إذا بهم يناقضون أنفسهم ,يكذبونها .. فيقولون : أنبأنا التاريخ أنه بعد أن خلا الجو لمعاوية ، كانت الوفود تأتيه ، وتجرّعه السم الزعاف بذمه (ذم معاوية!) ، ومدح أمير المؤمنين (علي) ، وهو يسلم (لا يغضب ولا يُهدد ولا يتوعّد) ، ولا يجد مجالاً للتكذيب (الشيعة في الميزان لجواد مغنية ص 255 ) .. لاحظوا الجو الديمقراطي في زمن معاوية .. بإعتراف الشيعة أنفسهم !!
رسالة الحسين تبرئ معاوية من عدة أمور ، منها لعن أبي تراب :-
هناك رسالة لطيفة يرددها الإثناعشرية بكثرة في كتبهم .. يزعمون فيها أن الحسين (ع) أرسلها إلى معاوية .. بعد وفاة الحسن .. ويعدّد فيها مثالب وسيئات معاوية .. مثل قتله لحجر بن عدي وعمرو بن الحمق ، وإلحاقه لزياد بن أبيه إلى نسب أبي سفيان ، وغيرها ..
ولكن لا يوجد في الرسالة ذكر للعن أبي تراب .. ولا لمسألة دس السم لأخيه الحسن !!
راجعوا هذه الرسالة في مكتبة أهل البيت : الإحتجاج للطبرسي 2/ 20 ، الغدير للأميني 10/ 161 ، موسوعة كلمات الإمام الحسين للجنة الحديث في معهد باقر العلوم ص 313 ، الإمامة والسياسة لإبن قتيبة الدينوري 1/ 156 ، الدر النظيم لإبن حاتم العاملي ص 533 ، النصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص 66 ، الأئمة الإثني عشر لجعفر السبحاني ص 71 ، صلح الحسين لشرف الدين ص 308 ، من أخلاق الإمام الحسين للمهتدي البحراني ص 146 ، موسوعة الإمام علي للريشهري 5/ 303 ، شرح إحقاق الحق للمرعشي 27/ 171 ، الإمام الحسين لرضا الجلالي ص 118 ، الصحابة في القرآن والسنة لمركز الرسالة ص 104 ، على خطى الحسين لراسم النفيس ص 66 ، بالإضافة إلى عدة بحوث لمركز المصطفى التابع للسيستاني .
الرسائل بين الحسين وأهل الكوفة لا تذكر مسألة سب أبي تراب !!
إن الحسين .. في حياة معاوية .. راسله أهل الكوفة ليحرضوه على الثورة ، فرفض (ع) مادام معاوية حياً ( كلمات الحسين للشريفي ص238 وما بعدها ) .
لماذا؟ إذا كان معاوية (حسب السيناريو الشيعي) كافراً ظالماً، نكث بالعهد مع الحسن، وغدر به وقتله بالسم، فلماذا لا ينضم الحسين إلى أهل الكوفة ويقود الثورة ؟!
ولهذا لم يتعرض له معاوية بسوء ، فقال يوماً لمروان بن الحكم :- إياك أن تعرض للحسين في شيء ، واترك حسيناً ما تركك ، فإنّا لا نريد أن نعرض له في شيء ما دام قد وفى بيعتنا ولم ينازعنا سلطاننا ( البحار 44/212 ، معجم رجال الحديث للخوئي (إثناعشري) 19/212 ) .
ووصى معاوية إبنه يزيد ، فقال له :- وأما الحسينَ فقد عرفتَ حظه من رسول الله ، وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمتُ لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيّعونه ، فإن ظفرتَ به فإعرف حقه ومنزلته من رسول الله ، ولا تؤاخذه بفعله ، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحماً (قرابة) وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروهاً ( البحار 44/311 ) . فهذا يؤكد أن الصراع لم يكن بسبب الدين أو القبيلة أو الأحقاد الشخصية ، بل بسبب كرسي الحكم ، فمن لم يتحرش به ، فلا جناح عليه .
بعد وفاة معاوية .. تبودلت الرسائل بين الحسين وأهل الكوفة ليحرّضوه على الثورة ضد يزيد .. ولا يوجد ذكر لمسألة السب في تلك الرسائل !!
ففي رسالته (ع) لأهل الكوفة لم يذكر وصية أو حديث الغدير أو لعن أبي تراب ، بل قال:- وإني لأحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله ( البحار 44/382 ) فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله (كلمات الحسين للشريفي (إثناعشري) ص313 ) .
هل كان السب سُنّة أموية مُستمرة :-
كلا .. بدليل الحديث الذي رواه الإثناعشري نفسه .. عن/ العلل لأحمد بن حنبل ج 3 ص 176 : ح كان مروان أميراً علينا ست سنين ، فكان يسب عليا كل جمعة ، ثم عُزِل ، ثم استعمل سعيد بن العاص سنتين ، فكان لا يسبه ، ثم أعيد مروان ، فكان يسبه .
وفي النهاية ، إن السب قد توقف تماماً في زمن الخليفة الأموي عمر بن العزيز (شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 4/ 56) ..
الخلاصة :- قد يكون هناك سب متبادل أثناء المعركة وبعدها .. وقد يقوم بعض الولاة والخطباء بالسب لأسباب شخصية أو سياسية .. ولكن أن يقوم معاوية (بعد توقيعه الإتفاقية مع الحسن) بإصدار أمر عام بوجوب سب أبي تراب إلى جميع الولايات والأمصار !! فهذه مسألة فيها نظر .. لا تنسجم مع طبيعة معاوية السياسية .. ولا طبيعة أهل البيت الأبية .. والله أعلم ..