قال الله تعالى :
(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )) سورة العكبوت "2"
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية :
استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان
كما جاء في الحديث الصحيح " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء "
وهذه الآية كقوله : " أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين "
ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " .
و قال ابن جرير - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية :
وأما قوله : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } فإن معناه : أظن الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم , أن نتركهم بغير اختبار , ولا ابتلاء امتحان , بأن قالوا : آمنا بك يا محمد , فصدقناك فيما جئتنا به من عند الله , كلا لنختبرهم , ليتبين الصادق منهم من الكاذب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : 21078 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , في قول الله { آمنا وهم لا يفتنون } قال : يبتلون في أنفسهم وأموالهم. *
حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله . 21079 -
حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وهم لا يفتنون } أي لا يبتلون . *
حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن أبي هاشم , عن مجاهد , في قوله { وهم لا يفتنون } قال : لا يبتلون . فإن الأولى منصوبة بحسب , والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية , بتعلق يتركوا بها ,
وأن معنى الكلام على قوله { أحسب الناس أن يتركوا } لأن يقولوا آمنا ; فلما حذفت اللام الخافضة من لأن , نصبت على ما ذكرت .
وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض , ولا تكاد العرب تقول : تركت فلانا أن يذهب , فتدخل أن في الكلام , وإنما تقول : تركته يذهب , وإنما أدخلت أن هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله { أن يتركوا }
إذ كان معناه : أحسب الناس أن يتركوا وهم لا يفتنون , من أجل أن يقولوا آمنا , فكان قوله : { أن يتركوا } مكتفية بوقوعها على الناس , دون أخبارهم . وإن جعلت " أن " في قوله { أن يقولوا } منصوبة بنية تكرير أحسب , كان جائزا , فيكون معنى الكلام : أحسب الناس أن يتركوا : أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون .