العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 11-12-07, 02:29 AM   رقم المشاركة : 1
الحنبلي
عضو ذهبي







الحنبلي غير متصل

الحنبلي is on a distinguished road


Post خـــواطـــر حـــول «الوهـــابــيــة» للشيخ د. محمد بن اسماعيل المقــدم

خـــواطـــر حـــول «الوهـــابــيــة»

د. محمد بن إسماعيل المقدم




• خلفيات مصطلح الوهابية :


كان مصطلح «الوهابية» اصطلاحاً سياسياً مغرضاً يرمي إلى التنفير عن الدعوة وأهلها، وكانوا يريدون بالوهابية أتباع أئمة الدعوة السلفية التي قام بها في نجد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مع أنه وأتباعه ليس لهم مذهب خاص، بل هم في العقيدة على معتقد السلف الصالح، والأئمة الأربعة، ومن تبعهم بإحسان، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام السنة والحديث، وهم لم يختصوا بشيء يقتضي تسميتهم بالوهابية، ولم يبتدعوا جديداً، ولأن القائم بالدعوة ليس هو عبد الوهاب، وإنما هو ابنه الشيخ محمد، فهم المحمديون أصلاً وفرعاً، ثم إن الوهابية على أية حال هي نسبة إلى الله ـ تعالى ـ الوهَّاب؛ فهو الذي وهبهم الهداية والعلم والعمل.

واقتباساً من قول الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ :



إن كان رفْضاً حُبُّ آلِ محمدٍ * * * فليشهدِ الثقلانِ أني رافضي



أجاب العـلاَّمة الشـيخ «مُلاَّ عمران بن رضوان» مبيناً أنه لا مُشَاحَّة في الاصطلاح، وردَّ على من يُعَيِّرون أهلَ التوحيد بوصف «الوهابية» فقال ـ رحمه الله تعالى ـ :



إن كان تابعُ أحمدٍ متوهِّبا * * * فأنا المُقِرُّ بأنني وهَّابي

أنفي الشريكَ عن الإلهِ فليس لي * * * ربٌّ سوى المتفردِ الوهَّابِ

لا رقيةٌ تُرجى ولا وثنٌ ولا * * * قبرٌ له سببٌ من الأسباب

أيضاً ولست مُعَلِّقاً لتَمِيمَة * * * أو حلقة أو وَدْعَةٍ أو نابِ

لرجاء نفعٍ أو لدفعِ بلية * * * اللهُ ينفعني وينفع ما بي[1]



وقد عاملهم الله بنقيض ما قصدوا من ذم الوهابية بهذا اللقب، فصار هذا الاسم الآن عَلَماً على متبعي الكتاب والسنة، والتمسك بالدليل، ومذهب السلف، ومحاربة البدع والخرافات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي هذا يقول الشيخ عبد الرحمن سليمان الرويشد: «لم يكن إطلاق كلمة (الوهابية) التي يراد بها التعريف بأصحاب الفكرة السلفية شائع الاستعمال في وسط السلفيين أنفسهم، بل كان أكثرهم يتهيب إطلاقه على الفكرة السلفية.

وقد يتورع الكثيرون من نعت القائمين بها بذلك الوصف، باعتباره وصفاً عدوانياً كان يُقصد به بلبلة الأفكار والتشويه، وإطلاق المزيد من الضباب لعرقلة مسيرة الدعوة، وحجب الرؤية عن حقائق أهدافها.

وبمرور الزمن، وإصابة محاولات التضليل بالعجز عن أداء دورها الهدام، تحوَّل ذلك اللقب بصورة تدريجية إلى مجرد لقب لا يحمل أيَّ طابَعٍِ للإحساس باستفزاز المشاعر، أو أي معنى من معاني الإساءة، وصار مجرد تعريف مميِّز لأصحاب الفكرة السلفية، وماهية الدعوة التي بشر بها الشيخ الإمام محمد بـن عبد الوهاب، وأصبح هذا اللقب شائعاً ورائجاً بين الكُتَّاب والمؤرخين، الشرقيين والغربيين على حد سواء.

ومـن ثـم فليس هـناك ما يسـوِّغ هجر استعمال تلك الكلمة، كتعريف شائع، أو تعبير يُستخدم في إطاره الصحيح للرمز إلى المضمون الفكري المقصود: وهو التمسك بالكتاب والسنة، ومحاربة مظاهر الشرك والبدع، وما زُجَّ به في العقيدة السلفية، وأُدخِلَ عليها من انحراف، مع ضرورة العيش في ظل قيادة إسلامية عادلة تُحكِّم الشريعة، وتلتزم تطبيق منهجها عملاً، وتحمل الرعية على امتثال ذلك بأسلوبي الترغيب والترهيب»[2] ا هـ.

لقد واجهت الدعوة التجديدية الوهابية أخطاراً عديدة، ولكن أخطر ما واجهته سلاح الدعاية والإعلام الكاذب، المتمثل في الكتابات والنشرات التي هاجمت الوهابية هجوماً ظالماً غاشماً قفزت فيه على كل المعايير الإسلامية والأخلاقية، فضلاً عن الأمانة العلمية.

ومـن سـوء حـظ أعـداء الدعوة السلفية الوهابية أن الله ـ سبحانـه وتعالى ـ كما بـارك في علم ودعوة شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ بارك في أبنائه وذريته وتلامذته، فبرز منهم علماء ربانيون أفذاذ استعملهم الله ـ تعالى ـ في الذب عن دعوة التوحيد بكل كفاءة واقتدار جيلاً بعد جيل، فصنفوا الكتب[3] للرد على الدعايات المغرضة بأسلوب علمي رصين يحيلها هباءً منثوراً، وهذه الخاصية العظيمة جعلت المؤرخ التركي «جودت باشا» - مع كونه خصماً من خصوم الدعوة السلفية - يقر ويعترف بضعف وضحالة حجة كل من صـنفوا ضد الوهابية مقارنة بكتابات علمائها الراسخين، فقال : «إن الرد على الوهابية يستوجب ثقافة واسعة، ومعرفة بأحوال البلاد العربية الدينية والاجتماعية والسياسية، ووقوفاً على علوم الدين، واطلاعاً واسعاً على الحركات الفلسفية، ومقدرة على الجدل والإقناع.. وكل ذلك مفقود عند العلماء الذين ردوا على الوهابية، وكل ردودهم مشحونة بالسخف والهراء.. وإنهم يقدمون بأيديهم وسيلة للسخرية منهم ومن ردودهم..» [4] ا هـ.



• خطأ تاريخي حول الوهابية يجب تصحيحه :


لقد بلغ التدليس ببعض المشنعين إلى حد أنهم نسبوا الوهابية إلى دعوة خارجية إباضية في شمال أفريقية دُفن خبرها في سجل التاريخ، وكانت قد نشأت في القرن الثاني الـهجري، وعرفت باسم «الوهابية» نسبة إلى عبـد الوهاب ابـن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي، الذي عطل الشرائع الإسلامية، وألغى الحج، وحصل بينه وبين معارضيه حروب، وقد توفي سنة (190هـ) أو (197هـ) بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي، وكان الونشريسي المتوفى في (914هـ) بفاس بالمغرب قد ذكر في كتابه «المعيار» (11/168) أن اللخمي (ت 478هـ) سئل عن أهل بلد بنى عندهم الوهابيون مسجداً، ما حكم الصلاة فيه ؟

فأجاب : «هذه فرقة خارجية ضالة كافرة، قطع الله دابرها من الأرض، يجب هدم المسجد، وإبعادهم عن ديار المسلمين» [5] ا هـ.

فطـار المدلِّـسون بـهــذا فــرحــاً، ونــشـروا تـلك الفتوى ونظـائـرهـا، مـع أن بـين وفـاة شـيخ الإسلام محمد بن عـبـد الوهـاب (ت 1206هـ) رحمه الله تعالى، وبين وفاة عبد الوهاب بن رستم أكثر من ألف سنة، وبينه وبين اللخمي (728) سنة، وبينه وبين الونشريسي (292) سنة، ومع ذلك طوعت لهم أنفسهم أن يشنِّعوا على دعوة شيخ الإسلام بهذا الأسلوب الظالم[6].

لقد تركت الحملات الإعلامية المناهضة أثراً لا يُستهان به في العامة والخاصة، وشكَّلت موقفهم العدائي المتعجل من الشيخ ودعوته، في وقت كان خصومه يملكون الآلة الإعلامية الفعالة، والآلة العسكرية القتَّالة، وكان مجرد التلويح بتهمة «الوهابية» كافياً في قمع من يُشَم منه رائحة السلفية، لا في البلاد العربية وحدها، بل في سائر أرجاء العالم الإسلامي.

ولْنضرِبْ الهند مثالاً :

فهذا ملك العلماء، وعالم الملوك، العلاَّمة «السيد صِدِّيق حسن القنوجي البخاري» (ت 1307هـ) بقي في الحكم أربع عشرة سنة ملأها عدلاً ونوراً وعلماً، ثم عُزل بسب الوشاة والنمامين من أعداء السنة والتوحيد، واتُّهم لدى الحكومة الإنكليزية المستعمِرة بأنه يحرِّض الناس على الجهاد، وينشر المذهب الوهابي[7].

وهذا الإمام «السيد نذير حسين بن جواد علي بن السيد أحمد شاه الدِّهْلَوي» (ت1320هـ 1902م عن مائة سنة) مجدد السنة النبوية في القارة الهندية، والملقب بشيخ الكل، وهو شيخ السهسواني صاحب «صيانة الإنسان» : عُذِّب كثيراً في سبيل نشر التوحيد، والدعوة إلى السنة النبوية، فسُجن في روالبندي سنة 1864م بتهمة الوهابية، وبقي في السجن مدة سنة كاملة، وسافر إلى الحج سنة 1300هـ، فسعى النمامون إلى الباشا في مكة المكرمة، فاتهمه أعداء التوحيد بأنه وهابي، ومعتزلي، ويبيح شحم الخنزير، ونكاح العمة والخالة، وقدَّموا إليه رسالة باسم: «جامع الشواهد في إخراج الوهابيين من المساجد»، ولكن الباشا لما علم بحقيقة الحال أكرمه أيَّما تكريم، ورجع الأعداء خائبين[8].

وبلغ الاضطهاد والقهر أن كل من كان يرفع يديه في الصلاة من الهنود أو جَهَر بآمين يتعرض لأشد أنواع الأذى لأنه «وهابي»[9].

وإليك هذه القصة العجيبة التي وقعت أيضاً في الهند :

كان أحد العلماء الفضلاء في الهند يستقبل طلابه ويلقي عليهم دروس التفسير والحديث، وكان هذا الشيخ يبدأ درسه بعد الحمد لله والصلاة والتسليم على رسوله بالدعاء على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعته، ويسأل الله أن يطهر الأرض من شرورهم وآثامهم.

وكان أحد أبناء نجد تلميذاً لهذا الشيخ، وكان من المستحيل عليه أن يرد الشيخ إلى الصواب، وسط هذه الأجواء من الادعاءات والافتراءات التي يشنها الأعداء، وتحرص دولة كبرى كدولة الخلافة العثمانية، ومِن ورائها الاستعمار وأذنابه، وكل أصحاب المذاهب والنِّحَل الباطلة على النَّيْل من هذه الجماعة وصاحبها.

وذات يوم فكر الطالب في أمرٍ يرد به شيخه إلى جادة الصواب، ويعرِّفه بحقيقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية؛ فما كان منه إلا أن نزع غلاف كتاب «التوحيد» للشيخ، وقدَّمه لأستاذه طالباً منه قراءته وإبداء حكمه عليه.

واستجاب الأستاذ لطلب تلميذه، وقرأ الكتاب، فأثنى عليه ثناء منقطع النظير، بل أضاف أنه من أحسن الكتب التي قرأها في هذا الباب، ومن أكثرها فائدة، وهنا كشف الطالب لأستاذه عن مؤلِّفه الذي يتقرب الشيخ إلى ربه بالنيل منه كل صباح.

فاستغفر الشيخ عما بدر منه في حق هذه الجماعة وصاحبها وصار من أكثر المدافعين عنها، الداعين لها[10].



• المصريون والوهابيون[11] :


أرسل «محمد علي باشا» أول بعثة مصرية إلى فرنسا، وكانت تتكون من أربعين شاباً من الأتراك والمصريين، ثم زاد عددهم بعد ذلك، ولما عاد أعضاء البعثة اعتمد عليهم «محمد علي باشا»، وأحلهم محل الأجانب، ومضى أبناؤه من بعده على ذلك في الاهتمـام بأمر مصر التي أصبحت ملكاً لهم، حتى وصل الأمر إلى حفيده «إسماعيل بن إبراهيم» الذي كان يقول: «إن بلادي ليست من أفريقيا، بل هي جزء من أوروبا».

ولم يشذ عن هذا الخط من أبناء «محمد على» إلا خليفتُهُ وابنُ ابنه الأكبر «طوسون» الذي ولي بعد وفاة «إبراهيم باشا» : وهو «عباس باشا الأول».

ولقد كان هذا الرجل قد تربى تربية دينية شرقية وعُرف عنه بغضه للفرنساويين، وبلغ به الأمر إلى أن عمل على إيقـاف إيفـاد البعثات إلى فرنسا، واتخذه الأوربيون عموماً ـ ولا سيما في فرنسا ـ التي كانت تعرف بغضه لها هدفاً لسهامهم.

لذلك يقول عنه بروكلمان : «إنه كان مسلماً متعصباً يزدري التربية الأوروبية ازدراءً بعيداً». ويتهمه بأنه كان طاغية، والحق أنه كان متديناً تقياً.

ويدل على ذلك أمران :


أحدهما : قبل ولايته : فقد استطاع «عباس الأول» محافظ مصر آنذاك لجده «محمد علي» أن يخرج الوهابيين من أبناء ابن سعود والذين سجنهم «محمد علي» في القلعة بحيلة دبرها، ولم يستطع الجنود أن يخبروا «محمد علي» إلا بعد ثلاثة أيام خوفاً منه، ولكنه على كل حال لم يفعل شيئاً؛ لأنه كان يثق بعباس، ومنذ ذلك الحين صار عباس صديقاً حميماً لفيصل بن سعود إلى نهاية حياتهما.
ولا ريب أن انتشار أئمة الدعوة في مصر كان له الفضل الأكبر في سريان حقائق الدعوة هناك، ولا سيما أن هؤلاء «الوهابيين» كانوا طلبة علم، فالتحقوا بالأزهر، ودرسوا فيه، ودرَّسوا.


والأمر الآخر : أن «عباساً الأول» كان الوحيد من أولاد «محمد علي» الذي كان يتردد إلى المساجد في شهر رمضان لاستماع الدروس والمواعظ الدينية، وفي أيام «عباس باشا» لم يكن أحد يستطيع أن يسير في الشوارع وقت الصلاة وإلا تعرض لسياط «الشاويشية» الأتراك، جنود عباس، وفيما عدا عباساً كان أبناء «محمد علي» جميعاً يميلون إلى أبيهم «محمد علي الكبير» ويتبعون سياسته في الحكم مائلين إلى الغرب.


• موقف بعض العلماء الأزهريين :


كان من المقرر أن يصطحب ستة من علماء الأزهر وفقهائه حملة «محمد علي» الأولى إلى جزيرة العرب تحت قيادة «طوسون باشا»، ولكنهم تخلفوا في الشرقية بأعذار مختلفة، وكلها من التكئات الواهية؛ فهم مطالَبون بمناظرة علماء التوحيد أمام الناس عند الغزو، كنوع من الإعلام يستخدمه الأتراك لإحراج علماء السعودية، وعلماء الأزهر يدركون أن ما يقوله العلماء هناك حق وصدق، وهو لب الدين وجوهره، ويصعب عليهم أن يقولوا ما لا يعتقدون، وإن قالوا؛ فلن يجدوا الأدلة على باطلهم من القرآن والسنة، وسيكون موقفهم مزرياً ومثيراً للخجل والاحتقار.

ولم يكن منتظراً منهم أن يذهبوا مع الحملة إلى جزيرة العرب، ثم يعلنوا انضمامهم إلى إخوانهم من العلماء، تاركين أهلهم وأولادهم في مصر تحت رحمة الباشا الطاغية، ثم هم ليسوا من طلاب الشهادة والاستبسال بوجهٍ عام[12].



• موقف «الجبرتي» فخر المؤرخين المصريين :


كان «عبد الرحمن الجبرتي» وهو أحد مشاهير علماء الأزهر يطالع، ويدوِّن في حذر ما يأتيه من أخبار الحركة الوهابية.

ولما قرأ الجبرتي بعض المنشورات الوهابية التي أحضرها الحُجَّاج من البلاد الحجازية، أثبت المنشور بطوله في كتابه، وفيه دعوة خالصة إلى التوحيد والسنة، ونبذ الشرك والبدعة مدعمة بأدلة الكتاب والسنة، وعلق الجبرتي ـ رحمه الله تعالى ـ قائلاً : « أقول : إن كان الحال كذلك، فهذا ما ندين الله به نحن أيضاً، وهو خلاصة لُباب التوحيد، وما علينا من المارقين والمتعصبين، وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه (إغاثـة اللهـفان)، والحافـظ المقـريـزي فـي (تجريد التوحيد)، والإمام اليوسي في (شرح الكبرى)، و (شرح الحِكَم) لابن عباد، وكتاب (جمع الفضائل وقمع الرذائل)، وكتاب (مصايد الشيطان)، وغير ذلك» [13] ا هـ.

لقد صار الجبرتي شديد الإعجاب بالوهابيين، يدافع عنهم في مجالسه، وفي أوراقه التي يكتبها، ولم يخش سلطان «محمد علي باشا» الذي كان يحكم مصر، برغم أن هؤلاء كانوا في عداد أعدائه.

وظل يُظهر تعاطفه مع الدعوة الوهابية، حتى تَحـوَّل تاريخه إلى دعاية صريحة للوهابيين، وقد كلَّفه هذا الموقف حياة ابنه ثم حياته نفسِه.




يقول الأستاذ محمد جلال كشك: «أستطيع أن أجزم بأن كتابات الجبرتي عن القضية الوهابية هي السبب الأساسي لما نزل به من تنكيل الباشا، إلى حد اغتيال ابنه، وتوقفه عن الكتابة، ثم نهايته الغامضة الظروف»[14].

وقال الزركلي في ترجمة الجبرتي : «وقُتل له ولد، فبكاه كثيراً حتى ذهب بصره، ولم يَطُلْ عماه، فقد عاجلته وفاته مخنوقاً»[15].

وقال الشيخ أحمد بن عبد العزيز الحصيِّن : «وبلغ حقدهم الدفين على هذه الدعوة المباركة حتى وصل الأمر إلى قتل ابن المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي وهو ممن يتحمسون لهذه الدعوة، بإيعاز من محمد علي حاكم مصر الذي حارب هو وأبناؤه الدعوة انتقاماً من أبيه لتعاطفه مع الوهابيين»[16].



• موقف الشيخ محمد رشيد رضا[17] :


لم يعـرف الشيخ «رشيد» عن دعوة «الشيخ محمد بن عبد الوهـاب» في الشام إلا ما يعرفه عامة الناس آنذاك، وما تتناقله الألسن من الكذب والافتراء على دعوة «الشيخ محمد ابن عبد الوهاب»، ولم يعرف الشيخ «رشيد» حقيقة هذه الدعوة إلا بعد قدومه مصر، واطلاعِه على تاريخ الـجبرتي، ولقد وصلت دعوة الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» إلى مصر عن طريق أولاده وأحفاده الذين أتى بهم واليها «محمد علي» ومعهم عِلمُهم وكتبهم، لقد قدم إلى مصر عدد كبير من أسرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ودرس بعضهم في الأزهر، وكانوا طلقاء يمشون بين الناس، ولهذا السبب، ولأنهم دَرَسوا في الأزهر، ودرَّسوا، وصنفوا، انتشرت هذه الدعوة بمصر، وعُرفت.

لقد بقي «عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب» تلميذ الجبرتي مدة ثماني سنوات في مصر قبـل عـودتـه إلـى وطـنـه فـي ســنـة (1241هـ)، وبقـي ابـنـه «عبد اللطيف» ثلاثين عاماً في الأزهر.

ومن هذا يتضح أن دعوة الشيخ محمد وصلت مصرَ مبكراً، وهناك عرفها الشيخ رشيد رضا على حقيقتها؛ فماذا عرف عنها؟

يقول الشيخ رشيد : «لم يخلُ قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه الأمة أمر دينها، بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين... ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شرائع الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة...».

إنه لا يسع منصفاً مهما اختلف مع الشيخ رشيد رضا[18] إلا أن يقر بأنه «أبو السلفية» في مصر، وأن له في عنق السلفيين، شاؤوا أم أبوا شكروا له أو جحدوا، مِنَّةً وفضلاً، وآية ذلك دوره الرائد في نشر التراث السلفي، ومنافحته عن عقيدة السلف، ورموزها مـمثلة في شيخـي الإسلام ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وذلك من خلال مجلته «المنار».

لقد بدأ رشيد رضا الدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1320هـ (1903م)، ففي تلك السنة أقيمت بمصر احتفالات بمناسبة مرور مائة عام على مُلك أسرة «محمد علي» على مصر، وزُيِّنَتَ المساجد والجوامع بالأنوار، فهـاجـم رشـيد ذلك العـمل، وقال: «إن المساجد بيوت الله، ولا يصح أن تُزَين للاحتفال بذكرى الملوك والأمراء المستبدين». ثم تطرق إلى مساوئ سياسة «محمد علي» ومنها قتاله للوهابيين وقضاؤه عليهم، وهم الذين نهضوا بالإصلاح الديني في جزيرة العرب مهدِ الإسلام ومعقله»[19] ا هـ.

وقال أيضاً : «هذه نُبذة صحيحة من تاريخ مجدد الإسلام في القرن الثـاني عـشر محمد بن عبد الوهاب، وقد اتفق الواقفون على تأثيـر ذلك الإصـلاح من مؤرخي الشرق والغرب على أنه يشبه نشأة الإسلام الأولى، وأنه لولا الموانع التي اعـترضته لجدد للإسلام مجده الديني والدنيوي معاً، وأعظـم تلك الموانع: مقـاومـة الدولة العثـمانية له، ومساعدة محمد علي باشا لها على قتال الوهابيين، وتدمير قوتهم، وكان المحرك الخـفي لهذه المقـاومة دولة الدسـائس الشيطانية ـ يقصد بها بريطانيا ـ وعدوة الشرق ولا سيما الأمة الإسلامية»[20] ا هـ.

وقال الأمير شكيب أرسلان : تصدى رشيد رضا للدعاية المناوئة لعلماء نجد، وعندما انتشرت الأراجيف ضدهم بعد افتتاح الطائف وزع ألوفاً من رسالة «الهدية السنية والتحفة النجدية»، ونشر مقالات في الدفاع عنهم، والرد على خصومهم، وقد قال له شيخ الأزهر أمام ملأ من العلماء : «جزاك الله خيراً بما أزلت عن الناس من الغمة في أمر الوهابية» [21] .

وما زال أعداء الدعوة السلفية يروِّجون لهذه الكتب المملوءة بالكذب والتدليس، مما أوحاه الشيطان وزخرفه إبليس، وينفخون في رمادها، ويكررون صدى صوتها، {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53] ، ولا عجب، فإن أعداء الحق في كل عصر على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والوساوس، وتلك سُنَّة ماضية، وكأنما التاريخ يعيد نفسه :



ألا إنما الأيامُ أبناءُ واحدٍ * * * وهذي الليالي كلُّها أخواتُ

فلا تطلبن من عند يومٍ ولا غدٍ * * * خلافَ الذي مرت به السنواتُ

ومن سنة الله ـ تعالى ـ أيضاً أنه يسلط جند الحق على أهل الباطل، فيذبُّون عن شريعته الغراء ما يُكدِّر صَفْوَها، ويُميطون أذى المبتدعين عنها.

من الدين كشف الستر عن كل كاذب * * * وعن كل بِدْعيٍّ أتى بالعجائبِ

ولولا رجال مؤمنون لهدمت * * * صوامع دين الله من كل جانبِ



وما أكثر المصنفات النافعة المباركة التي صنفها المئات من علماء أهل السنة ودعاتهم يذبون فيها عن دعوة شيخ الإسلام، ويدحضون شُبَهَ خصومها، ويكشفون حقائقها الناصعة.

رحم الله أمواتهم، وبارك في عمر أحيائهم. واستقصاء ذلك له موضع آخر.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:15 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "