قال الإباضي :"الطريق الرابع من خرافة رواية العشرة المبشرين بالجنة : ما أخرجه الطبراني وعزاها للهيثمي
فالحاصل أن في الإسناد مدلـــس وليست صحيحة أصلا وفصــلا فالسؤال المهم ? من هو المدلس ?! وهل تقبل رواية المدلس مع القوم? وما شروط قبول رواية المدلس ?!الجواب يا أخوة الإسلام : المدلّس هو حبيب بن أبي ثابت) , رماه: الدارقطني ، وابن خزيمة والأعمش بالتدليس وكذلك ابن حجر العسقلاني عده من الطبقة الثالثة.
بقي الجواب على السؤالين : هل تقبل رواية المدلس ?! وما شرط قبولها ?! الجواب / ذكره لنا الحافظ ابن حجر في حكم الطبقة الثالثة , من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقاً..الحاصل أن حبيب بن أبي ثابت ( لم يصرح بالسماع ) ,وبهذا سقطت الرواية من طريقها الرابع .. علاوة على تدليس حبيب بن أبي ثابت فإن الرواية بها سفيان عيينة وهو ( مدلس ) وقد حاول ( بعـض أهل الصنعة ) أن يرفعوه بقولهم : روايته عن الثقات وهذا ليس صحيحاً البتة فإن قلت لي: ما الدليل على كلامك? أجيب عليك بما يلي :- أقول مجيبا :ً قولهم يدلس عن الثقات هذا كلام (لا يصح مطلقاً ) ، كما قدمنا ، وكذلك يظهر لنا من كلام الدارقطني أن سفيان بن عيينة يـــدلس عن الضعفــاء والكــذابين والمتروكين كما هو ظاهر لكم تدليسه من ( الحسن بن عمارة ) فــــإن قلت لي : لم لا يصــح الطــريق للاعتبار ?! أقول لك : لأنه غير معلوم عمن دلسوه فيحتمل تدليسهم عن ( الضعيف) أو الكذاب والوضاع الذي لا يصلح حديثه شاهدا أو معتبر وكل ما طــــــرقه الاحتــمال بطـــل به الاستدلال ، وبهذا يكون الطريق الرابع تالف" اهـ
قلت : إن في كلام هذا الجاهل الإباضي أغلاط كثيرة تدل على جهله منها :-
قوله : (ما أخرجه الطبراني وعزاها للهثيمي !)
الطبراني توفي سنة 360هـ , والهيثمي توفي سنة 807هـ , فكيف يعزو الطبراني للهيثمي يا كتلة الجهل؟! , ثم لما ذكرت له ذلك وعرف خطئه زعم بأن المقصود المحقق مع أن سياق كلامه يدل على خلاف ذلك , وإنما هو يتكلم بجهل ونسخ ولصق لكلام غيره.
كلامه عن التدليس , كان ينبغي عليه أن يبين ما هو التدليس ومراتبه ؟ لأنه لا يلزم أن كل من وصف بالتدليس أن حديثه مردود , فهم على طبقات , ولا يتعامل مع مروياتهم معاملة واحدة.( 1)
وأما الرواية المنتقدة عند هذا الغر : ما رواه الطبراني( 2) رحمه الله تعالى بإسناده قال : حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك أبو الشمقمق المؤدب بقصر بن هبيرة : حدثنا حامد بن يحيى البلخي : حدثنا سفيان بن عيينة عن سعير بن الخمس عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عشرة من قريش في الجنة : أبو بكر في الجنة , وعمر في الجنة , وعثمان في الجنة , وعلي في الجنة , وطلحة في الجنة , والزبير في الجنة , وسعيد بن زيد في الجنة , وعبد الرحمن بن عوف في الجنة , وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة "رضي الله عنهم أجمعين , لم يروه عن حبيب عن ابن عمر إلا سعير ولا عن سعير إلا سفيان تفرد به حامد بن يحيى.
وأما ما يتعلق عن حبيب بن أبي ثابت فالرواية عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما , فهو وإن كان معروف بالتدليس فقد قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى – الذي نقل هذا الخارجي الغبي وصفه لحبيب بالتدليس - , " قد سمع حبيب بن أبي ثابت من ابن عمر( 3) "اهـ . , فحبيب بن أبي ثابت قد ثبت أنه سمع من ابن عمر رضي الله عنهما , أما هذا الحديث فهل ثبت سماعه منه ؟ الجواب : أن حبيبًا كونه مدلسًا وعد في المرتبة الثالثة من المدلسين الذين لا يقبل خبرهم حتى يصرحوا بالسماع , فإن تفرد بالرواية فروايته ضعيفة , وإن تابعه أحد الثقات أو وجد للحديث شاهدًا , دل أن للحديث أصلًا فيكون ما جاء من طريقه صالح للاعتبار .
والحديث هذا يشهد له ما جاء عن حميد بن عبدالرحمن عن سعيد بن زيد رضي الله عنه , وقد سبق الكلام عنه.
وأما كلامه عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى يقول هذا البليد :"علاوة على تدليس حبيب بن أبي ثابت فإن الرواية بها سفيان عيينة وهو ( مدلس ) وقد حاول (بعـض أهل الصنعة ) أن يرفعوه بقولهم : روايته عن الثقات وهذا ليس صحيحاً البتة " اهـ
قلت : فهذا من اتِّباع الهوى , أو الجهل المركب وأحلاهما مر , فهو ينقل كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن المرتبة الثالثة من المدلسين حتى يبين بأن رواية حبيب بن أبي ثابت لا تقبل حتى يصرح بالتدليس , ثم يطعن في سفيان بن عيينة كونه مدلس مع أن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قال في مقدمته لطبقات المدلسين ذاكرًا المرتبة الثانية :" من احتمل الائمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري , أو كان لا يدلس الا عن ثقة كابن عيينة " اهـ , فإن كنت قد قبلت كلام الحافظ في حبيب بن أبي ثابت يلزمك قبوله كذلك في سفيان بن عيينة.
ثم افترى على الحافظ الدارقطني رحمه الله تعالى بأنه (يظهر من كلامه!!) أن سفيان رحمه الله يدلس عن الضعفاء والكذابين والمتروكين!! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
يقول الخارجي :" فإن قلت لي: ما الدليل على كلامك? أجيب عليك بما يلي :-أقول مجيبا :ً قولهم يدلس عن الثقات هذا كلام (لا يصح مطلقاً ) ، كما قدمنا ، وكذلك يظهر لنا من كلام الدارقطني أن سفيان بن عيينة يـــدلس عن الضعفــاء والكــذابين والمتروكين كما هو ظاهر لكم تدليسه من ( الحسن بن عمارة )" اهـ
مع أن في نفس المصدر الذي نقل عنه هذا الخارجي البليد قال الدارقطني :" فأما ابن عيينة فإنه يدلس عن الثقات."اهـ , فعلى ماذا اعتمد هذا البليد حتى يزعم بأنه يظهر من كلام الدارقطني أن ابن عيينة يدلس على الكذابين والمتروكين ( هكذا بالجمع!! ) ؟ , نقل من موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني (1/ 292 ):
فأما ابن عيينة فإنه يدلس عن الثقات (265) .
وقال الدَّارَقُطْنِيّ : حافظ ثقة. «العلل» 2 81.
وقال كان ابن عيينة يضطرب في هذا الحديث ، فربما قال عن أبي محمد بن عمرو بن حريث ، وربما قال عن أبي عمرو بن محمد ، ثم ثبت على أبي محمد بن عمرو، (يعني حديثه عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا ... الحديث) . «العلل» 10 280.
وقال ثقة. «السنن» 1 312.
وقال لم يسمع حديث علي في «أبي بكر وعمر هذان سيدا كهول أهل الجنة» من فراس ، إنما أخذه عن الحسن بن عمارة، عنه. «العلل» 3 144" اهـ
فزعم هذا الخارجي بأن قول الدارقطني رحمه الله تعالى :" وقال لم يسمع حديث علي في «أبي بكر وعمر هذان سيدا كهول أهل الجنة» من فراس ، إنما أخذه عن الحسن بن عمارة" اهـ , فيه دلالة على أن سفيان رحمه الله تعالى يروي عن الضعفاء والمتروكين هكذا بالإطلاق.
والمتأمل لكلام الحافظ الدارقطني يرى البون الشاسع بين كلام هذا الخارجي البليد وبين كلام الدارقطني رحمه الله تعالى , وما من حديث ثبت فيه تدليس سفيان بن عيينة إلا وبيّنه أئمة الحديث فإنهم قد سبروا أحاديث الأئمة وبينوا ما سمعوه من غيرهم وما لم يسمعوه ومثال ذلك حديث أبي بكر وعمر سيدا كهول الجنة فإن الدارقطني رحمه الله بيّن أن سفيان لم يسمعه من فراس وإنما يرويه عن الحسن بن عمارة , وأما حديث العشرة المبشرون بالجنة فإنه لم يتكلم فيه أحد من أئمة الحديث والعلل حتى جاء هذا الغر الخارجي ويعلل مرويات الأئمة بجهله المركب!.
فحديث العشرة من رواية سفيان عن سعير بن الخمس وهو من مشايخ سفيان بن عيينة وقد سمع منه , والأصل في من هم بمثل مرتبة سفيان بن عيينة أن مروياتهم تحمل على السماع حتى يثبت التدليس , فالحديث إسناده حسن , والحمد لله رب العالمين.
*****
( 1) انظر تفصيل ذلك في تدريب الراوي (1 / 352-366) , معجم المدلسين (9-42).
(2 )في معجمه الصغير(1/ 95 باب الألف من اسمه أحمد ح62).
( 3)(صحيح ابن خزيمة 2/ 197).