د . مشهور الحنتوشي
إبان الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي كانت قوات هتلر تستعد للانقضاض على فرنسا واحتلالها، كانت هناك اذاعة تصدر من الطرف الألماني تُدعى اذاعة شتوتجارت يقوم عليها شخص فرنسي يُدعى بول فيردونت وكان متعاطفاً مع فكرة النازية، إلا أنه كان يقدم نفسه على أنه وطني مخلص ومحب لوطنه، وكان يخاطب الجماهير الفرنسية ويناقش همومها ويحثها على انقاذ وطنه بتحذيرها من غدر الحليف بريطانيا وأنها لا تقدم إلا السلاح وأما هم فيقدمون أرواحهم حماية لبريطانيا!
امتد تأثير فيردونت ليصل إلى الجنود الفرنسيين في جبهة القتال، فكان يقدح في الحكومة الفرنسية وكيف أن الساسة الفرنسيين لا يهتمون بالسلام مع الجارة ألمانيا ويعيشون حياة الترف والأطعمة الفاخرة، في مقابل ما يعانيه الجنود على جبهة القتال من الصقيع والجوع والموت والرواتب القليلة.. ومواجهة جيش لا يُقهر، وأنهم لا يدافعون إلا عن مجموعة من الفاسدين المترفين الذين سيهربون إلى خارج البلاد إذا سقطت في يد الألمان.
كان لهذه الاذاعة تأثيرها على معنويات الجنود الفرنسيين، الذين استمروا في الاستماع لها حتى بعد التحذيرات التي وصلتهم من القيادة بأنها اذاعة عدوة وذلك لأنها كانت أكثر امتاعاً لهم من اذاعاتهم الفرنسية وأكثر ملامسة لهمومهم.
كما ساهمت هذه الاذاعة في بلبلة الرأي العام الفرنسي ضد الحليف بريطانيا وأوجدت هوة بين الشعب الفرنسي والحكومة وتحكمت في تصرفات كثير من الجنود الفرنسيين ووجهتهم نحو القاء السلاح ومغادرة الجبهة.
ضاق الفرنسيون ذرعاً بهذه الاذاعة حتى أصبح فيردونت مطلوباً للمخابرات الفرنسية، ودارت الأيام ليتم تحرير فرنسا من قبضة النازية ويتم القبض عليه ومحاكمته واعدامه بتهمة الخيانة العظمى.
أسوق هذه القصة ونحن نخوض حرباً ضد قوات الحوثي والمخلوع صالح في اليمن ونرى ونسمع أكاذيب العدو الحوثي، وهذا طبيعي جداً من عدو لن يألو جهداً في سبيل شق صفنا، ولكن من غير الطبيعي أن يتلقفها بعض بني جلدتنا ويدّعون أنهم معنا، ويقومون بترويجها، ويجعلون من أنفسهم بوقاً لاعلام العدو في ثياب الوطني المخلص، فتارة يتهمون أطرافاً في التحالف العربي بالتخاذل وتارة بأن لديهم أجندة خاصة وتارة ثالثة بالخيانة، مع أن هذه الأطراف تدفع أغلى ما تملك وهم أرواح أبناءها في سبيل التصدي للحوثي وانقاذ اليمن من براثنه.
ولكي نسمي الأمور بمسمياتها فالأطراف المعنية في التحالف التي طالتها هذه الأراجيف هما مصر والامارات، والمرجفون هم منتمون أو متعاطفون مع جماعة الاخوان المسلمين المنهارة انتقاماً لجماعتهم التي كان لهاتين الدولتين دوراً رئيسياً مع السعودية في القضاء على أطماعها.
نعلم يقيناً أن هؤلاء يحاولون عبثاً شق التحالف العربي واضعافه ولن يصلوا لبغيتهم بحول الله، ولكن هذا لا يمنع من ايقافهم عند حدهم بل ومحاكمتهم كما فعلت فرنسا مع فيردونت حماية للرأي العام ومنعاً للشائعات والأراجيف.
———
طبيب و مثقف خليجي
http://khaleejipost.com/?p=5319