العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديات العلمية > منتدى الحديث وعلومه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-10-11, 07:44 PM   رقم المشاركة : 1
درة الايمان
أملي في الله ربي







درة الايمان غير متصل

درة الايمان is on a distinguished road


التوجيهات البهية من خلال حديث النيّة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده..أما بعد فهذا – بتأييد الواحد الأحد- هو المقال الثاني ضمن سلسلة المقالات التي تعنى بشرح بعض أحاديث الحبيب الشفيع والوقوف عند فوائدها ودررها والاستمتاع بلآلئها وكنوزها، رجاءَ تحصيل الحسن والبهاء والنضارة والصفاء، ممّا دعا به خير الأنبياء –صلى الله عليه وسلم- حين قال:"نضّر الله امرءً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها..."

نص الحديث:
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكلّ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" رواه البخاري ومسلم.

1- عمر بن الخطاب: صحابي جليل مشهور، ثاني الخلفاء الراشدين المهديين، أول من لقب بأمير المؤمنين، وزير النبي –صلى الله عليه وسلم- وصهره..عمر بن الخطاب القرشي..أدركه دعاء النبي–صلى الله عليه وسلم-:"اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك.."..وقد كان من صناديد قريش حتى قال بعض الصحابة:"لا يسلم ابن الخطاب حتى يسلم حمار الخطاب..فلما أكرمه الله بالإسلام اعتز المسلمون.."لا زلنا أعزة منذ أسلم عمر" ابن مسعود..هو المحدّث الملهم...وموافقاته لربه مشهورة معروفة..كانت تهابه شياطين الإنس والجنّ...ومع ذلك: ارتسم على وجهه خطان أسودان من شدّة البكاء..حكم فعدل..وروي له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثا...استمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر ومات كصاحبيه وعمره ثلاث وستون سنة...رضي الله عنه وأرضاه ورحمه رحمة واسعة.

2-منـزلة الحديث: قال أبو عبد الله أحمد –رحمه الله-:" ليس في أخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- أجمع وأغنى فائدة من هذا الحديث".
- وقال الشافعي:" حديث النيّة يدخل في سبعين باباً من أبواب العلم" قال النووي: ولم يقصد الحصر في هذه الأبواب، بل هي أكثر من ذلك..
- قال عبد الرحمن بن مهدي –رحمه الله-:"من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث" ولأهميته ابتدأ به الإمام البخاري صحيحه. والإمام المقدسي في عمدة الأحكام..وبدأ به الإمام النووي في كتبه:الأذكار، رياض الصالحين، والأربعين النوويــة..تنبيها لطالب العلم على تصحيح النية قبل البدء في الطلب.

3- مفردات الحديث:
- إنما: للحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه.
-بالنيات: بتشديد الياء وتخفيفها جمع نية وهي عزم القلب. وفي الصحيح:"إنما العمل بالنية" وورد:"إنما الأعمال بالنية" والمعنى واحد، فإنه إذا أفرد العمل أو النية أريد بها الجنس، فتتفق رواية الإفراد مع رواية الجمع.
-(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى): هل هما جملتان بمعنى واحد أو مختلفتان؟ اختلف العلماء في ذلك، والرّاجح أنّ الأولى غير الثانية..ثم نظروا إلى المقصود بقوله:"إنما الأعمال بالنيات" فقال طائفة منهم: يعني: إنما الأعمال وقوعها مقبولة أو صحيحة بالنية الصالحة..و"إنما لكل امرئ ما نوى" يعني: وإنما يثاب المرء على العمل الذي عمله بما نواه..وقال آخرون: إنّ قوله -عليه الصلاة والسلام-:" إنما الأعمال بالنيات" راجع إلى أن الباء سببية أيضًا، والمقصود بها سبب العمل لا سبب قبوله، قالوا: لأننا لا نحتاج مع هذا إلى تقدير، فما من عمل يعمله أحد وهو عاقل مختار لا بد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً بغير نية...
-الهجرة معناها: الترك..والمقصود هنا:الانتقال من دار الشرك إلى دار الإسلام.
- إلى الله ورسوله: أي طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم نية وقصدا.
- فهجرته إلى الله ورسوله: أي ثوابا وأجرا.
- لدنيا: بضم الدال وكسرها من الدنو، أي لدنوها إلى الزوال، أو لدناءتها.
- يصيبها: يحصلها.
- ينكحها: يتزوجها.
- فهجرته إلى ما هاجر إليه: كائنا ما كان، فالأول تاجر والثاني خاطب.
4-قصة مهاجر أمّ قيس ثابتة عند الطبراني عن ابن مسعود، ولكن ليس عندنا ما يثبت أنها سبب لورود هذا الحديث..

5- النية قسمان:
نية متعلقة بالعبادة:وهي التي ترد في عبارات الفقهاء في الأحكام حين يتحدّثون عن الشروط..
ونية متوجهة للمعبود، وهذه هي التي يُتحدث عنها باسم الإخلاص..وهذا الحديث شمل نوعي النية، وقد عني هذا المقال بالحديث عن القسم الأول، بينما يختص المقال الثاني بالقسم الآخر.
6- أهمية النية الصالحة: إنّ مدار الثواب في الأعمال عند الله سبحانه مرتبط بالنية الصالحة وليس مجرّد الفعل، ومن هنا أُتي المنافقون ومن كان على شاكلتهم.
7- خطورة النية: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق" أبو داود وهو صحيح...وفي المقابل:"من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" رواه مسلم.

8- من فوائد النية بالنسبة للأعمال:
أ- تمييز العبادة عن العادة: مثل تمييز غسل الجنابة عن غسل التبرد والتنظّف..
ب- تمييز العبادات بعضها من بعض: مثل تمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر..وكذا التمييز بين الفرائض والنوافل.
ج- تمييز المقصود بالعمل أهو الله وحده أم لا؟...الخ.
9- بالنية الصالحة تتحول المباحات إلى مستحبات، والعادات إلى عبادات:قال معاذ بن جبل –رضي الله عنه:"إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"قال –صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه:"...وأنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك" رواه البخاري ومسلم.وفي صحيح مسلم:"..وفي بضع أحدكم صدقة.."الحديث.
10- بالنية الصالحة يؤجر المرء من غير عمل وقد يأثم من غير اقتراف:"...وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء...وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء" صحيح كما في صحيح الترغيب والترهيب.
11- النية عزم القلب وقصده، فلا ينبغي التلفظ بها.قال ابن تيمية:"التلفظ بالنية بدعــة لم يفعله الرسول ولا أصحابــه".
12-قال ابن المبارك: "ربّ عمل كبير تصغره النية"، وهذا ينطبق انطباقا تاما على الجهاد والهجرة ونحوهما من العبادات الجليلة إذا افتقدت الإخلاص.
13- الوساوس والخواطر والواردات التي ترد على النية لا تؤثر عليها مالم تغير أصلها "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها" فأصل نيته إرادة الدنيا..ومن عرف هذا الأصل سلم من شبهات الوساوس وخواطر النفس بإذن الله سبحانه.
14- لا بدّ لكلّ عمل من نية، وهذا يفيد الموسوسين الذين يعيدون الصلاة مرات والوضوء كرات زعما أنهم لم ينووا..أفاده الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-..
15-دلّ الحديث على أن إخلاص النية لله أمر سهل المنال بإذن الله، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بهذا الحديث الأعرابي في باديته، والعامي والأميّ والجاهل ولم يخص أناساً دون غيرهم.
16-يدخل في قوله:" إنما الأعمال بالنيات" كلّ ما يتعلق بالإيمان؛ لأن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، والذي يصدر عن الإنسان إما قول وإما عمل..وكلّ ذلك مفتقر إلى الإخلاص..ولذا خرّج البخاري الحديث ضمن كتاب الإيمان.
17- ليس في الحديث حجة لمن يعملون بالبدع والمحرّمات ويزعمون أنّ نيتهم حسنة، لأنّ معنى الحديث:"إنما تقبل الأعمال الصالحة بالنيات الصالحة..
18- حقارة من قصد غير وجه الله: ولذا لم يتكرر سبب الهجرة في قوله:"فهجرته إلى ما هاجر إليه" تحقيرا لهذا الشأن.
19- فضل الهجرة إلى الله ورسوله:"ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة..."
20- الهجرة باقية إلى قيام الساعــة:قال –صلى الله عليه وسلم-لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبـة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه أبو داود وهو صحيح كما في الإرواء.
21- وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين: الأول:_الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة، الثاني: _الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين. وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجبا...
22- ومن أنواع الهجرة التي يقرّها الشرع: الهجرة من أرض البدعة إلى أرض السنّة..والهجرة من بلد المعصية إلى بلد الطاعةكقصة قاتل المائة..
23- من لم يكن قادرا على الهجرة أو كان في بلد لا تجب فيه الهجرة فعليه التزام الطاعة وهجر المعصية:"العبادة في الهرج كهجرة إليّ" رواه مسلم.."المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" رواه البخاري..
24- التحذير من الدنيا وفتـنـتهـا، والزجر عن التماس الدنيا بعمل الآخرة:"..وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".وروى الدارمي وغيره بسند صحيح موقوفا عن ابن مسعود –رضي الله عنه-:"كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة! قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثرت قراؤكم وقلّت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلّت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين"..
25- التحذير من فتنة النساء: وإنما خصت بالذكر لشدة الافتتان بها كما في صحيح مسلم:"..فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإنّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".وفي هذا دليل على أنّ من أشد ملهيات الدنيا ومنقصات الدين الشهوة، ولذلك خصت بالذكر " أو امرأة ينكحها " مع أنها داخلة في قوله-صلى الله عليه وسلم:"ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها.." فصدق رسول الله:" ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". متفق عليه.
26- التحذير من الإقامة في بلاد الكفر.."إنّ الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولائك مأواهم جهنم وساءت مصيرا."..وفي الحديث :"لا يقبل الله من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين" حسن كما في السلسلة الصحيحة..ومعناه: إلا أن يفارق المشركين ويلحق بالمسلمين.
27- لا يجوز للمسلم العيش في كنف المشركين إلا لضرورة أو حاجة يقرّها الشرع، كعلاج لا يوجد عند المسلمين أو علم تحتاجه الأمة المسلمة ولا يوجد من يقوم على تعليمه في بلاد المسلمين، أو لغرض الدعوة وتبليغ الدين...ويشترط في مثل هذه الحالات أن يكون المبتعث متمتعا بعلم شرعي يحصنه من الشبهات وإيمان يحصنه من الشهوات..
28- من أساليب التعليم الناجحة: ذكر القاعدة ثم ذكر مثال يوضحها. ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة وهي:"إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر لها مثالاً يوضّحها وهو "الهجرة" و"بالمثال يتضح المقال" -كما يقال-. والعلم عند الله الكبير المتعال..

-ختاماً، هذا آخر ما أردنا تدوينه في هذا المقال الذي حوى بعض التوجيهات البهية المستقاة من حديث النية، وسيكون المقال الثاني بحول رب البرية مكملا لما قصدنا إيصاله إلى القراء الكرام من الفوائد والتوجيهات، أسأل ربي العظيم التوفيق والسداد والهداية والرشاد، إنه خير مسؤول، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

يتبع ان شاء الله






التوقيع :
...




***

قال بعض السلف :
متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم انه يريد ان يعطيك وذلك بصدق الوعد بإجابة من دعاه الم يقل الله تعالى : "فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"
من مواضيعي في المنتدى
»» الشهيد البطل المرحوم فرعون !
»» هجوم يستهدف نائب وزير النفط الإيراني بالعراق
»» من مناق الصوفية من كتب اهل التصوف
»» د. العريفي : جمعيات يهودية يقوم عليها رافضة تحارب الدعوة الإسلامية في الغرب
»» ميقاتي يسعى لـ"نزع سلاح" طرابلس السنية
 
قديم 11-10-11, 07:50 PM   رقم المشاركة : 2
درة الايمان
أملي في الله ربي







درة الايمان غير متصل

درة الايمان is on a distinguished road


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده..أما بعد فهذا –بتوفيق الله تعالى- هو المقال الثاني ضمن التوجيهات البهية المستفادة من حديث النية..نسأل الله القصد الحسن والنية الصالحة في الأمر كلّه..

- سبق في المقال الأول أنّ النية قسمان: نية متعلقة بالعبادة ونية متوجهة للمعبود. وقد عني المقال الأول بالحديث عن القسم الأول، بينما يختص المقال الثاني بالقسم الآخر وهو المعبر عنه بالإخلاص.

- بيان منـزلة الإخلاص:
قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الديــن حنفاء.." قال – صلى الله عليه وسلم- إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه) رواه النسائي وهو صحيح.

- من أقوال السلف في الإخلاص:
قال بعض السلف:"المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته".
قال سهل بن عبد الله:"ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب".
وقال يوسف بن الحسين:"أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر".
وقال نعيم بن حماد: "ضرب السياط أهون علينا من النيــة الصالحــة".
وقال ابن القيم:"العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعــه".

-نماذج من إخلاص السلف:
- كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائماً على أطرافــه، وكلّ ذلك ليخفي عليهم العمل.
-وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي فإذا دخل عليه الداخل نام على فراشــه.
-وحسان بن أبي سنان تقول عنه زوجته: كان يجيء فيدخل في فراشي، ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أني نمت سل نفسه فخرج، ثم يقوم فيصلي.
-قال أبو حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل.
-وعن محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينــة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل، فعلموا أنه كان يعيل مائة أهل بيت.
-وأقام عمرو بن قيس عشرين سنة صائماً، ما يعلم به أهله.
-قال ابن الجوزي: كان إبراهيم النخعي إذا قرأ في المصحف فدخل داخل غطاه.
-وقال محمد بن واسع: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأتـــه لا تعلم به.
- خوفهم من الرياء في العلم:
-قال الشافعي: "وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم_يقصد علمه_ على أن لا ينسب إليّ حرف منه."
-وقال هشام الدستوائي:"إنني لا أستطيع أن أقول إنني خرجت يوما واحدا أطلب الحديث أريد به وجه الله.."قال الذهبي في السير: واللهِ، ولا أنا..فقد كان السلف يطلبون العلم لوجه الله فنبلوا.."
-قال ابن المبارك: "ما لقيت واحدا من أهل العلم إلا قال: إياك والشهرة".
-وقال أبو الحسن القطان: "أصبت ببصري وأظن أني عوقبت بكثرة كلامي أثناء الرحلة" قال الذهبي –معلقا-:"صدق والله فإنهم كانوا مع حسن القصد وصحة النية غالبا يخافون من الكلام وإظهار المعرفة"..سير أعلام النبلاء.

- لا يقبل العمل إلا بشرطين:
الأول: أن يكون خالصا، لحديث الباب..والثاني: أن يكون موافقاً للسنة، لحديث عائشة:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ" مسلم..قال بعض العلماء:حديث (إنما الأعمال بالنيات...) ميزان للأعمال الباطنــة وحديث ( من أحدث في أمرنا...) ميزان للأعمال الظاهرة، فكل واحدٍ منهما نصف الدين..وكلّ منهما برهان الشهادتين، فبرهان شقها الأول: الإخلاص لله، وبرهان شقها الآخر: إخلاص المتابعة.. قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:"لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" قال: أخلصه وأصوبه، وقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، قال: والخالص إذا كان لله وحده والصواب إذا كان على السنة .أ.هـ

- فكيف السّبيل إلى إخلاص العمل لله تعالى؟
1-كثرة الدّعاء: قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم.."، ومن أحسن الأدعية ما جاء في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ –رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:" أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ! فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ:"وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّه؟! " قَالَ:"قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ".
2-تكلّف إخفاء العمل أحيانا، كصلاة النّافلة، والصّدقة، وغير ذلك أمام من تظهر أمامه هذه الأعمال غالبا، كصديق ملازم، أو زوجة ونحوهم...وقد كان السّلف يكرهون إظهار حسناتهم كما يكره أحدنا إظهار عيوبه وسيئاته..وقال بعض أهل العلم:"كان السلف يحبون أن يكون لأحدهم خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.."
3-الصّيام: فالصّيام مدرسة للإخلاص،وفي الحديث القدسي:"كلّ عمل ابن آدم له، إلاّ الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به" رواه البخاري.
4-مراقبة النّفس قبل العمل: قيل للحسن: تعال لنشهد جنازة فلان. فدخل بيته ثم خرج، فسئل: فقال: أخلصت النيّة.. بمعنى أنّه أشهد الله تعالى أنّه ما خرج لئلاّ يقال عنه متقاعس عن حضور الجنازة، ولولا الحياء من النّاس ما تكلّفت شهودها ! لا، ولكن خرجت طمعا في الأجر..
وكان بعضهم إذا قيل له حدِّثنا، قال: " لا..حتّى تأتي النيّة".لأنّ أوّل ما يطلب الإنسان العلم يأتيه الزّهو والغرور وحبّ المناظرة والمناقشة والبروز على الأقران وحظوظ الدّنيا، فمن أراد الله به خيرا في بداية الطّلب كسر قلبه لخشيته.
5-قراءة سير الصّالحين المخلصين، فالنّفس مجبولة على حبّ الائتساء، فلندعْها تستغلّ ذلك في الإخلاص ..قال أبو حنيفة: "لتراجم العلماء أحب إلي من كثير الفقه" وقيل:"تراجم الرجال مدارس الأجيال"، وقد سبق قريبا عدد من نماذج إخلاص السابقين..
- لطيفة: قال الفضيل بن عياض:"أدركنا أناسا يراءون بما يعملون فصار الناس اليوم يراءون بما لا يعملون" –هذا رحمني الله وإياك- في زمان الفضيل فما عسانا نقول في أبناء هذا الزمان؟!-
6-مخالطة من تتوسم فيه الإخلاص، مع كثرة الحديث عنه: فالصاحب ساحب والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض...كما أنّ ما تكرر على اللسان استقرّ في الجنان...وأوضح وأحسن من هذه العبارات كلها قوله –صلى الله عليه وسلم-:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل." رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن.
7- قراءة نصوص الوعد والوعيد..: ومن أعظمها "حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار.." فقد كان أبو هريرة يسقط مغشيا عليه كلما أراد التحديث به..ومنها حديث:"من سمّع سمّع الله به ومن يرائي يرائي الله به" متفق عليه."أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " وفي رواية: "فأنا منه بريء وهو للذي عمله" رواه مسلم.
8-المجاهدة: قال سفيان: "ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب.."
9- التفكير في حقارة الدنيا، والتأمل في حقيقتها: فإذا أدرك ذلك لم تغره بزخارفها ولم يسخط ربه إيثارا لها.
قال تعالى: " يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكـم الحياة الدنيا"..وقال –صلى الله عليه وسلم-:" لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء" رواه الترمذي وهو صحيح.
قيل لعلي –رضي الله عنه-: صف لنا الدنيا؟ فقال: ما أصف من دار: أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقــر فيها حَزن."
وقال الحسن البصري: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره".
أحلامُ نومٍ أو كظلٍ زائلٍ***إن اللبيبَ بمثلها لا يخـــــدع.
10-تذكر الموت: "أكثروا من ذكر هادم اللذات"..ومن عَلِمَ هذه الحقيقة لم يحتج إلى تزويق الألفاظ وسجع الوعاظ..
11-التفكير في عظمة الله: فما هجر أحد الإخلاص إلاّ لقلة تعظيمه لربّه العظيم..
12-تذكر نعمه وآلائه: قال تعالى: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها.." فعيب -والله- على المرء أن يرزقه ربه بجليل النعم ودقيقها ثم يصرف العبادة لغير مستحقها. فالإخلاص لوجه الله تعالى أن تستحي منه -إذ خلقك ورزقك وهداك وعلّمك وفهّمك وأكرمك- أن تعمل لغيره.

13-معرفة فوائد الإخلاص: ومنها:
أ- أعظم فوائده قبول العمل: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه"، ومثل المرائي كمثل المسافر يحمل جرابا من تراب، يُتعِبُهُ ولا ينفعه.فبضاعة الآخرة لا يرتفع بها إلا مخلص..
ب-النّجاة من الفواحش والمصائب، قال تعالى حكاية عن إبليس: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ". وهذا يوسف –عليه السلام- يقول تعالى عنه:" كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ". وها هي قصّة الثّلاثة الّذين آواهم المبيت إلى غار، فما أنجاهم إلاّ إخلاصهم..بل وإن الإخلاص ينجي عابد الوثن:"فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البرّ إذا هم يشركون."
ج-الثّبات على الاستقامة: قال مالك قولته المشهورة:" ما كان لله دام واتّصل**وما كان لغير الله انقطع وانفصل".. لذلك كان كلّ من زلّت به قدمه في الطّريق فلأجل عدم أو قلّة الإخلاص.

- أمور يظن أنها من الرياء وليست كذلك:
1-مدح الناس وثناؤهم بعد العمل دون قصد منك لذلك:"أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير فيحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن"..رواه مسلم.
2-النشاط في العبادة عند رؤية الصالحين: قال ابن قدامة-رحمه الله-:"إذا كان نشاطه لزوال العوائق (الفراش الوطيء، وجوده وحده،...) فنعمّا هو، وإن كان ليظنوا أنه لا يقل عنهم في العبادة فسحقا له"..ولقد نصح رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حينما قال:"فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أحمد وهو حسن.
3-كتمان الذنوب: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة.."الآية..وقال –صلى الله عليه وسلم-:"كلّ أمتي معافى إلا المجاهرين.." صحيح كما في صحيح الجامع.
4-تجميل الثياب والنعل: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. قال:"إن الله تعالى جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس" رواه مسلم.
5-إظهار شعائر الإسلام: من أذان وصلاة جماعة وذبح أضحية...الخ..فشأن هذه الشعائر الظهور ومن رام إخفاءها فقد أساء إلى دين الله تعالى.
6-التحديث بنعمة الله:"وأما بنعمة ربك فحدّث."
7-المصارحة ببعض أعمال الخير: فإن استطعت أن تورّي وتستعمل المعاريض فذاك، وإلا فاحذر الكذب. وإن وجدت شيئا في نفسك فعليك بالدعاء المأثور...وإن كانت المصلحة راجحة في التحديث فلعلك تثاب وتؤجر..
8-اكتساب الشهرة من غير طلبها: كعالم يعتني بتعليم الناس ونصحهم فيشتهر دون قصد منه لهذا الظهور، فلا حرج في ذلك بمشيئة الخالق..

-من علامات الإخلاص:
1-التحمّس لخدمة الدين ونشره في الخافقين، والتأثّر الصادق بكلّ ضربة توجه للإسلام والمسلمين.
2-أن يكون عمل السرّ أكثر من عمل العلانية.
3-الصبر والتحمل وترك الشكوى.
4-التيقن من النصوص الشرعية واحتساب الأجر في العمل بها..
5-إتقان العمل في السر والحرص على كثرته..
6-الخوف دائما من عدم القبول رغم الإتقان..
-ما الإخلاص؟
قال الفضيل بن عياض-رحمه الله-:"ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما" ...نسأله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القصد والقول والعمل، وأن يجنبنا الرياء والزيغ والزلل، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا..

هذا ما يسّر ربّ البرية جمعه من الفوائد والتوجيهات البهية المستقاة من حديث النية، فما ورد في هذه السطور من صواب فهو محض توفيق الله تعالى وحده لا شريك له، وإن يكن قد ندّ بي القلم أو أعوزني الفهم فذلك من نفسي الأمارة بالسوء ونزغات الشيطان الرجيم..أسأل الله تعالى أن يغفر زللي ويمحو ذنبي، وأن ينفع بصوابي وينير دربي، إنّه خير مسؤول.
راجي رحمة ربه : أبو زكرياء يوسف بن عاطي الجزائري







التوقيع :
...




***

قال بعض السلف :
متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم انه يريد ان يعطيك وذلك بصدق الوعد بإجابة من دعاه الم يقل الله تعالى : "فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"
من مواضيعي في المنتدى
»» عائض القرني: "اللهم أرنا بشار مشنوقًا واقصم ظَهْره"
»» جندي سوري تابع للنظام الغاشم يردد ويقول فينه الله خل ينصركم واسمع ما حدث بعد ذلك
»» المفتي حسون يرد على وزير خارجية السعودية و يدافع عن قتال حزب الشيطان في سورية
»» الشيعة .. جنس آخر
»» يخطئ من كان يظن بان الامام المهدي ( عج ) مسردب داخل السرداب
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:26 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "