العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-12-09, 10:52 PM   رقم المشاركة : 1
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


الحجج السلفية في الرد على آراء ابن فرحان المالكي البدعية للريس

الحجج السلفية في الرد على
آراء
ابن فرحان المالكي البدعية


رد على كتابه " قراءة في كتب العقائد "




تقديم
فضيلة الشيخ / عبد المحسن العبيكان



إعداد
عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
www.islamancient.net



مقدمة
فضيلة الشيخ/ عبد المحسن العبيكان

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي جعله الله رحمة للعالمين، وقدوة للمهتدين، وعلى آله وصحابته الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد

فقد اطلعت على الرسالة المسماة " الحجج السلفية في الرد على آراء ابن فرحان المالكي البدعية " والتي قام بتأليفها صاحب الفضيلة الأخ الشيخ عبد العزيز بن ريس آل ريس ولقد أجاد وأفاد، وبلغ الغاية في المراد، فنسأل الله الكريم لنا وله التوفيق والسداد، والإعانة من رب العباد، والسير على نهج خير هادٍ صلى الله عليه وسلم .
فلقد دحض شبه وأباطيل هذا الرجل المسمى ابن فرحان المالكي الذي أراد تمييع العقيدة السلفية، وتشويه سمعة رجال الملة الحنيفية، وما أبداه من آراء لا تعدو أن تكون سوى هدم لعقيدة التوحيد، ونيل من أئمة التقوى والدين القويم، وإني أنصح بقراءة هذه الرسالة، وعدم الالتفات إلى آراء ذلك المضلل، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه .



عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان

29 / 3 / 1423

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة السلفيين عقيدة موروثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأهلها الجامعون للحق كله دون غيرهم؛ لأن سيماهم الاتباع والتحذير من الابتداع، فمعتقدهم هو معتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم – وليس لهم رأس وإنما إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم من الطوائف، فإن رأس الجهمية جهم بن صفوان الذي أخذ معتقده عن الجعد بن درهم، ورأس المعتزلة واصل بن عطاء، ورأس الأشاعرة أبو الحسن الأشعري، ورأس الماتريدية أبو منصور الماتريدي وهكذا… ، وبقي أهل السنة السلفيون هكذا يتوارثون معتقدهم جيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، مصداقاً لما ثبت في الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".
وما إن يلبس ملبس الحق بالباطل، أو يعترض معترض على معتقدهم الأثري، إلا وتراهم لميدان المعركة متسابقين، ولكشف زيف الملبس مبدعين، ولرد اعتراضه بالنقل والعقل متقنين مذهلين، وهذا من نصرة الله وتأييده لهم، كما قال تعالى)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ( ومن حفظه لدينه الحق قال)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( . وهم في هذا محتسبون متقربون، بل يعدونه أزكى أعمالهم عند مليكهم وأنفسها.
فلما امتنع قبائل من العرب عن دفع الزكاة، وتردد طائفة من الصحابة عن قتالهم؛ لكونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، قام الصديق قومته، ورد ما اشتبه على أصحابه بنور الهدى وفرقان الوحي، وقاتل – مسدداً منصوراً - هؤلاء المرتدين حتى حفظ الله به الدين .
ولما قويت شوكة المعتزلة، وصاروا يأوون إلى ركن السلطان، وامتحنوا الناس على الكفر – وهو القول بأن القرآن مخلوق – تعذيباً وسجناً وقتلاً تدرع أئمة السنة بالصبر، ولبسوا لامة اليقين، وكان على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، فنصر الله به الدين، حتى صار يطلق على كل ذي معتقد سلفي حنبليٌّ، وعلى العقيدة السلفية عقيدةٌ حنبليةٌ، نسبة إلى هذا الإمام الصابر الذي نصر الله به السنة. وهكذا حال أهل السنة في كل عصر ومصر تجاه أهل البدعة، فأهل البدعة يهدمون ويفسدون، وأهل السنة يبنون ويصلحون، فلله درهم ما أصبرهم وأقواهم على كشف الشبه وردها، وأرحمهم وأنفعهم للخلق، فبجهادهم المقدام لأهل البدع، وحمايتهم المستميتة للشرع من كل دخيل أجنبي عليه صاروا أولياء الله وأحباءه فهم شامة الزمان، وحسنة بين الأنام جعلنا الله بفضله وكرمه منهم .
وفي هذا العصر طلع علينا حسن بن فرحان المالكي – وما أكثر طلائعه المنحرفة سواء المسموعة أو المقروءة – بكتاب عنوانه "قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجاً " فحشد فيه أموراً عظاماً، ومصائب جساماً من سب وشتم واتنقاص وافتراء وجهل على أئمة الدعوة السلفية وعقيدتهم المرضية .
وقد أراد بقوله: عقيدة الحنابلة، أي: عقيدة السلف الصالح كما صرح بذلك فقال: وكان أهل الحديث المسمون فيما بعد بالسلفية أو الحنابلة ا.هـ(1)وقال: وهذا لا يتعارض مع نقدي لأخطاء المسلمين أو السنة أو السلفية أو الحنابلة، ولا يتناقض مع الاعتراف بما عند المذاهب الأخرى من حق ا.هـ(2) وقال: وكان الحنابلة يسمون أنفسهم (أهل السنة والجماعة) أو ( أتباع السلف الصالح) مدعين السير على منهجهم ا.هـ(3)
وحتى تعرف حقيقة قدحه لعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم، وحتى لا تظن أخاك متقولاً عليه، فإليك طرفاً من قدحه المقدوح، وطعنه المطعون، الراجع على راسمه وزابره بالخسران؛ لأن مصدره الافتراء المحض أو الجهل بنوعيه المشينين، فمن دعاويه :
1-أن الغالب على كتب العقيدة السلفية الباطل من الهوى والظلم والجهل فقال في كتب العقائد ومنها كتب العقائد السنية: -: وكتب العقيدة رغم ما فيها من حق قليل إلا أن فيها الكثير من الباطل بل هو الغالب عليها – ثم قال – وغير ذلك من الهوى والظلم والجهل سواء كان ذلك في كتب العقائد عند الشيعة أو السنة أو الإباضية …ا.هـ(4)
2-أن كل عيب تُذَم به العقائدُ الأخرى ففي عقيدة السلف مثله، بل فيها من التناقض الذي لا مثيل له فقال –مخصصاً كتب العقائد السلفية من بين العقائد الأخرى-: فكتب الأحكام والآداب بل والتاريخ والأدب والجغرافيا .. وسائر العلوم ليس فيها شيء من التناقض الواضح الموجود في كتب العقيدة – ثم قال – أما تناقضات كتب العقيدة بين النظريات التي تدعو إليها والمخالفات التطبيقية التي تمارسها فلم أجد له مثيلاً إلى الآن . وإلى الآن لم أجد وصفاً نذم به الآخرين إلا وهو فينا كما لم أجد وصفاً لفرقة من الفرق تذم به فرقة أخرى إلا وهو فيها . ا.هـ(1)وقال : لكن التناقض من سماتنا وما ذممنا المعتزلة والأشاعرة بعيب في مكان إلا ارتكبناه في مكان آخر، ولا نبالي بهذا التناقض أو لا نعقله ولا نعقل ماذا نفعل . ا.هـ(2)
3-أن عقيدة السلف متأثرة بالكفار فقال: وهذا التأثر – أي بالكفار – لم تسلم منه فرقة من الفرق الإسلامية بما فيها السلفية كما سيأتي . ا.هـ(3)
4-أن عقيدة الأشاعرة والمعتزلة خير من عقيدة الحنابلة؛ لأن عقيدتهم بحسب ما يهوون فقال: : لكنني أقول في الخلاصة هنا إنني لم أجد غلاة الحنابلة ينهون عن شيء إلا ارتكبوه عندما يريدون ولم يأمروا بأمر إلا خالفوه عندما يريدون ذلك، وهذه مصيبة عامة لا تكاد تنجو منها فرقة من فرق المسلمين للأسف لكنها في غلاة الحنابلة تبدو أكثر وضوحاً من الأشاعرة والمعتزلة على الأقل .ا.هـ(1) .



5- أن عقيدة السلف جامعة لكثير من العيوب الكبيرة كالكذب، وتفضيل الكفار على المسلمين، وتزهيد المسلمين في عودتهم إلى القرآن الكريم ونشر الأقوال الشاذة . فقال: وقد احتوت كتب العقائد – ومن أبرزها عقائد الحنابلة -على كثير من العيوب الكبيرة التي لا تزال تفتك بالأمة ولعل من أبرزها – ثم ذكر من هذه العيوب- الكذب ، تفضيل الكفار على المسلمين ، التناقض ، التزهيد من العودة للقرآن الكريم مع المبالغة في نشر أقوال العلماء الشاذة – إلى أن قال – وغير ذلك من الأمراض التي نعلمها ابناءنا في المدارس والجامعات فيخرجون فاقدين لأهلية التفكير الصحيح وجاهلين أبرز أسس العدل والإنصاف، ثم نستغرب بعد هذا كله لماذا هذا التوتر في المجتمع الإسلامي!!ا.هـ(2)
وقد تمادى في قدحه وطعنه حتى طال أئمة الدين السابقين واللاحقين منه شيء كثير، وتهمتهم المخولة له تسفيههم واستنقاصهم أنهم على عقيدة سلفية عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فيا ترى من بدأ بقدحه ؟ بدأ بالخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر فقال: لكن السبب في بيعتهم أبا بكر وتركهم علياً أن علياً لم يكن موجوداً في السقيفة أثناء المجادلة والمناظرة مع الأنصار، وربما لو كان موجوداً لتم له الأمر – ثم قال – فهذا يضعف عندهم شرعية البيعة – لأبي بكر – ويجعلها أشبه ما تكون بالقهر والغلبة التي تتنافى مع الشورى المأمور بها شرعاً) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ( الشورى: من الآية38)) .ا.هـ(1) وقال مستنقصاً عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في سياق تعظيم ومدح علي – رضي الله عنه –: إضافة أن علياً كان أكثر جهاداً ونكاية في المشركين من عمر إذ قتل العشرات بينما عمر لم يقتل إلا واحداً فقط .ا.هـ (2)، وقد شكك في أفضلية أبي بكر على علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – (3) مع كون أفضليته مجمعاً عليها والأدلة عليها كثيرة .
ولما كان عند المالكي تشيع وغلو في آل البيت – كما سيأتي إثباته – صار يرمي المعتدلين السائرين على الصراط المستقيم بأنهم نواصب أي ناصبوا آل البيت العداء، كما رمى بذلك طائفة من الصحابة كخال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وطائفة آخرين من العلماء المرضيين وهو في ذلك كله كذاب أشر – كما سيأتي بيانه – فقال:وكان من أبرز النواصب بالشام ثم عدد جماعة منهم معاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة – ثم قال – وابن كثير – رحمه الله – (كان فيه نصب إلى حد كبير ) والذهبي ( إلى حد ما ) أما ابن تيمية ( إلى حد لا ينكره باحث منصف ) فاشتهر عنه النصب وكتبه تشهد بذلك، ثم عد ابن بطة وابن حامد والبربهاري وابن أبي يعلى . – ثم قال – وكاد النصب أن ينتهي من الشام لولا ابن تيمية سامحه الله الذي أحياه في بداية القرن الثامن في كثير من أقواله ورسائله كان من آخرها كتابه (منهاج السنة) الذي ملأه بالأفكار الشامية المتحاملة على علي المدافعة بالباطل عن معاوية وزاد الطين بله دعواه بأن ذلك هو (عقيدة أهل السنة والجماعة !!) ا.هـ (1) . وقال: ثم تتابع علماء الشام كابن تيمية وابن كثير وابن القيم – وأشدهم ابن تيمية – على التوجس من فضائل علي وأهل بيته وتضعيف الأحاديث الصحيحة في فضلهم مع المبالغة في مدح غيرهم…!! ا.هـ(2).
وقد خصص الإمام أحمد بن حنبل وابنه عبد الله والإمام ابن تيمية وشيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان في مواطن من كتابه بالقدح والذم، بل وبالكذب عليهم كما سيأتي ذكره، والرد عليه – إن شاء الله -.
وبعد أن عرفت إجحافه وظلمه للمعتقد السلفي وأئمته فما موقفه من رؤوس البدع والضلالة كالجهم بن صفوان مؤسس المعتقد الجهمي وغيلان الدمشقي رأس المعتقد القدري ؟ بل وما موقفه من المعتقدات المنحرفة كالشيعة والمعتزلة والأشاعرة ؟
قال: وقد كان غيلان – أي الدمشقي القدري – يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينكر على بني أمية سياستهم المالية ورفض نظريتهم في الخلافة وحرض على الثورة عليهم فلذلك قتله هشام بن عبد الملك شر قتله مظهراً للناس بأنه قتله لأجل البدعة والضلالة!! وليس لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر!! وقد نسب إلى غيلان رأس القدرية أمور منها: - ثم قال – والأفكار الثلاثة الأخيرة أرقت بني أمية ومن ناصرهم من علماء أهل السنة ولذلك لا تستغرب وصفهم للقدرية بأنهم مجوس هذه الأمة وروايتهم في ذلك الأحاديث!! ا.هـ(1) . وزعم أن الجهم بن صفوان رأس الجهمية النفاة لأسماء الله وصفاته كان من الدعاة للكتاب والسنة وتحقيق العدالة ا.هـ(2). ومن قرأ ما دوّنه أئمة السنة الموثوقون علم أن الجهم بن صفوان من أعظم الناس هدماً للكتاب والسنة، واعتداء على ذات الباري سبحانه فقد جرد الرب سبحانه من أسماء حسنى وصفات عُلى، وانتقص صفاته فزعم أن كلامه مخلوق ..الخ
وقال – أيضاً -: وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيماً للقرآن واستدلالاً به منهم ا.هـ (3) .
وزعم أن أئمة السلف مجسمة ومشبهة للخالق الباري بالمخلوق الفاني فقال: لما قام تيار جهم بن صفوان بنفي الصفات قام الحنابلة والسلفية فجسموا ا.هـ (4) وقال: يدل على ذلك اجتماعهم في التجسيم والتشبيه ا.هـ(5) . وقال : فتلك الفرق والطوائف ( الجهمية والقدرية والشيعة والمعتزلة ) كانت في الجملة طوائف إسلامية تدعو للكتاب والسنة وتنادي برفع الظلم ونشر العدالة هذه كلمة أبتغي بها وجه الله وقد سبقني لها كل من قرأ بإنصاف عن هذه الطوائف ا.هـ (6) وقال: إن لهم – أي المعتزلة – فضلاً عظيماً في الرد على الزنادقة الذين انتشروا في بداية العصر العباسي وقد كان دعاتهم يجوبون آفاق الدولة الإسلامية يدعون إلى الله عز وجل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فأسلم على أيديهم الآلاف من البشر ويكاد يتفق دارسوا التاريخ على إثبات دورهم الكبير في صد شبه الملحدين والزنادقة الذين كان لهم صولة كبيرة في العصر العباسي الأول. لكن المعتزلة مثل غيرهم من الفرق أصابوا في أشياء وأخطأوا في أشياء لكنهم في الجملة لا يستغنى عنهم ولا عن تراثهم وعلومهم وهم مسلمون متدينون بدين الإسلام باطناً وظاهراً وهذا يوجب لهم حق الإسلام كما لا يخفى على عاقل . ا.هـ (1)، وقال: ولذلك كان أكثر بل كل التيارات التي نصمها بالبدعة كالجهمية والقدرية والمعتزلة والشيعة والزيدية وغيرهم وكل هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة وكانوا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لكن غلاة السلفية ومنهم غلاة الحنابلة كان لهم ارتباط قوي بالثقافة الشامية التي لا ترى في هؤلاء إلا دعاة فتنة!! وأنهم مجوس الأمة!! ا.هـ(2) .
ومن مغالطاته وهواه المكشوف أنه عظم المأمون الخليفة العباسي الذي امتحن الناس على الكفر الأكبر وهو القول بخلق القرآن فقال: وكان من أعدل ملوك بني العباس وأكثرهم علماً ا.هـ(3). كذبت بل كان ظالماً امتحن أئمة الإسلام والمسلمين على الكفر، وعذب وسجن من شاء الله منهم، قال مؤرخ الإسلام الإمام الذهبي: وكان شيعياً(4) – ثم قال – أما مسألة القرآن، فما رجع عنها، وصمم على امتحان العلماء في سنة ثماني عشرة وشدد عليهم، فأخذه الله ا.هـ (1). أما المتوكل الذي رفع المحنة والظلم عن أئمة الإسلام فجعله مبتدعاً ظالماً .
فعجباً أفيحظى الصحابة كأبي بكر وعمر ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وأئمة الهدى كأحمد وابنه عبد الله وابن تيمية وابن القيم وابن كثير ومحمد بن عبد الوهاب وشيخنا صالح الفوزان بالذم والقدح ، وغيلان الدمشقي القدري - مستنقص علم الله وتقديره -، والجهم بن صفوان البدعي - نافي صفات الله - بالمدح والثناء؟
إن التطفيف في الكيل والميزان ظلم وجناية إذا كان في الأموال وفي حق عامة الناس، فكيف به في الأديان والمعتقدات، ومع سادات الأولياء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
فلما رأيت حسن بن فرحان المالكي قد ظلم أئمة السنة ، وجنى على عقيدة السلف التي هي عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين سالكاً في ذلك مسلك لبس الحق بالباطل تارة، وتارة مسلك البهتان والكذب الصراح، استعنت المولى نصرة للدين، وكشفاً لشبهة الملبسين، ورداً لظلم المجحفين، وفضحاً لأقوال الكاذبين، وتعرية لجهل المتعالمين، وإنكاراً للتطفيف في الحكم على العالمين، وجهاداً ضد المبتدعين، وذوداً لحياض معتقد السلفيين في الرد على كتاب " قراءة في كتب العقائد المذهب الحنبلي نموذجاً " وأسميت هذا الرد "الحجج السلفية في الرد على أراء ابن فرحان المالكي البدعية" ورتبت هذا الرد على ما يلي :
- الرد على أهل البدع من أعظم إنكار المنكر .
- التمهيد بعشرة أسس علمية .
- التعقيب على كتاب قراءة في كتب العقائد بأحد عشر تعقيباً .
- تبرئة أئمة السنة السلفية من مطاعن ابن فرحان المالكي البدعية .
- مَنْ ابن فرحان المالكي في ميزان السلف .
- خاتمة .
وفي أواخر هذه المقدمة، أبشر القارئ أن شيخنا العلامة محدث المدينة النبوية المدرس في الحرم النبوي/ عبد المحسن بن حمد العباد البدر – حفظه الله - قد رد على أباطيل المالكي المتعلقة بالصحابة في كتاب أسماه " الانتصار للصحابة الأخيار في رد أباطيل حسن المالكي، فحوى كتابه هذا حججاً سلفية، وبراهين علمية، وأدلة شرعية، أظهر الله به الحق المبين، وأزهق به الباطل المشين، فصار بشرى يتناقله أهل الإيمان ويتسابق عليه أهل البرهان، جازاه الله الفردوس الأعلى في الجنان


تنبيه / لن أتعرض للدفاع عن الصحابة الذين خصهم المالكي بقدحه وتنقصه؛ لأن شيخنا العلامة عبد المحسن العباد في كتابه المذكور آنفاً قد شفى وكفى .

الرد على أهل البدع من أعظم إنكار المنكر /
كثيرٌ من المسلمين يقومون – ولله الحمد – بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة لربهم القائل ) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ((آل عمران: من الآية110) والقائل ) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ((آل عمران: من الآية104) ) ولنبيهم القائل في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه -:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " ولفظ "المنكر" في الآيتين عام لكون الألف واللام لاستغراق الجنس، وأيضاً لفظ " منكراً" في الحديث عام؛ لكونه نكرة في سياق الشرط. فدل هذا أن كل منكر صغير أو كبير يجب إنكاره . قال الإمام ابن تيمية: وأما المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله فأعظمه الشرك بالله، وهو أن يدعو مع الله إلهاً آخر كالشمس والقمر والكواكب، أو كملك من الملائكة، أو نبي من الأنبياء، أو رجل من الصالحين، أو أحد من الجن، أو تماثيل هؤلاء أو قبورهم، أو غير ذلك مما يدعى من دون الله تعالى، أو يستغاث به، أو يسجد له. فكل هذا وأشباهه من الشرك الذي حرمه الله على لسان جميع رسله. ومن المنكر كل ما حرمه الله، كقتل النفس بغير الحق، وأكل أموال الناس بالباطل، بالغصب أو الربا أو الميسر، والبيوع والمعاملات التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وتطفيف المكيال والميزان، والبغي . وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ا.هـ(1) .
ومن المعلوم لأهل العلم أن المنكرات درجات، فما كان منكراً شبهاتياً كالبدع، فهو أعظم مما كان منكراً شهوانياً كالزنى واللواط، مع أن كليهما من الكبائر. ومع ذلك فإن بعض المسلمين إذا علم بمنكر شهواني هاجت نفسه حتى تبلغ أوجها، واشتدت حماسته حتى تبلغ أقصاها، وهذا خير، لكن إذا علم بمنكر شبهاتي من البدع لم تر الحماسة نفسها، بل لعله يكتفي من الرأس بالهز، ومن اللسان بالاسترجاع. وهذا خطأ شنيع مخالف للأدلة الشرعية، ولما عليه سلف الأمة الزكية، بل إن لسلف الأمة الذين هم خير القرون كلاماً شديداً في البدع أعظم بكثير من المعاصي الشهوانية بل وسهلوا في المعاصي الشهوانية لا مطلقاً، وإنما مقارنة بالبدع، قال الإمام البربهاري: وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً صاحب معاصي ضالاً وهو على السنة؛ فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس يضرك معصيته، وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى، فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته؛ فتهلك معه. ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال:" يا بني من أين جئت؟ قال: من عند فلان، قال: يا بني! لأن أراك خرجت من بيت خنثى، أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ولأن تلقى الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً، أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان " ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفر ؟!ا.هـ(1)
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى ا.هـ(2) وقال الإمام أحمد – رحمه الله – :وقبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل البدعة أعداء الله ا.هـ(3) وقال أرطاة بن المنذر: لأن يكون ابني فاسقاً من الفساق أحب إلي من أن يكون صاحب هوى ا.هـ(4) وقال سعيد بن جبير: لأن يصحب ابني فاسقاً شاطراً سنياً أحب إلي من أن يصحب عابداً مبتدعاً ا.هـ(5) وقال ابن تيمية: أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ا.هـ(6)وقال ابن القيم: بل ما أكثر من يتعبد الله بما حرمه الله عليه، ويعتقد أنه طاعة وقربة، وحاله في ذلك شر من حال من يعتقد ذلك معصية وإثماً، كأصحاب السماع الشعري الذين يتقربون به إلى الله تعالى، ويظنون أنهم من أولياء الرحمن، وهم في الحقيقة من أولياء الشيطان ا .هـ(7) وإن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها. فيا شباب الاستقامة ويا شيب الهداية عودوا لما كان عليه سلفكم، وأشهروا راية الرد على المخالف حفظاً للشرع وتنقية للصف، وأعرضوا صفحاً عما يتحجج به العاطفيون الجاهلون من أن جمع الأمة على اعوجاج مقدم على الصدع بكلمة الحق في المبتدعة اللجاج، فبهذا خالفوا هدي أسلافهم، ووقعوا في شباك الشيطان وحبائله الذي غررهم بالكثرة، ونسي هؤلاء لجهلهم قوله تعالى ) وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً((التوبة: من الآية25)) وتناسوا لعاطفتهم المفرطة أن النصر معلق بإقامة الدين على هدي السلف الصالحين كما جاء من عند الله رب العالمين ، قال تعالى )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ((النور: من الآية55)) وهذا وعد من الله، ووعده لا يخلف كما قال تعالى )وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( (الروم:6) .











التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» بل السلفيون أحبّتنا وتاج رؤوسنا!!
»» مبتعثى المانيا .. لم ينجح احد
»» الخمينى يقول أن الشعب الأيراني في عصرنا الحاضر افضل من شعب الحجاز في عهد الرسول
»» قصيدة كفرية قيلت في أحد مجالس الصوفية في اليمن
»» بعض الأخطاء الشائعة في قراءة سورة الفاتحة !
 
قديم 08-12-09, 11:02 PM   رقم المشاركة : 2
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


التمهيد بعشرة أسس علمية /
قد جمعت من كلام أئمة السنة الذين هم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أسساً علمية، مدعمة بالأدلة الشرعية، والقواعد المرعية، مفيدة في الرد على المبتدعة المتطاولين على أهل السنة عموماً – وما أكثرهم لا كثرهم الله -، وعلى ابن فرحان المالكي خصوصاً :
الأساس الأول / أننا مأمورون عند التنازع والاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة لمعرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، قال تعالى) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر(النساء: من الآية59) وقال )وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ((الشورى: من الآية10)) فإذا استبان الحق من الباطل، والخطأ من الصواب، فلا يسع المسلم إلا الانقياد والتسليم مطرحاً عقله وهواه قال تعالى )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ((الأحزاب: من الآية36) وقال تعالى )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( (النساء:65) فإن لم يفعل ذلك فهو ممن اتبع هواه قال تعالى ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم((القصص: من الآية50) والأهواء تفسد الأديان وتردي بأصحابها النيران؛ لذا حذر السلف منها، قال الشعبي: إنما سميت الأهواء لأنها تهوي بصاحبها في النار(1)قال مجاهد: ما أدري أي النعمتين عليَّ أعظم أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء .(2)
ومن مقتضى التسليم للكتاب والسنة الصحيحة أن كل ما دلا على أنه حجة فهو حجة كالإجماع - على ما سيأتي – والقياس الصحيح (الميزان) وهكذا …، ومن رد الاحتجاج بما دل الكتاب والسنة على أنه حجة فقد رد الكتاب والسنة .

الأساس الثاني / العقيدة من الدين فهي داخلة في عموم قوله تعالى ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً((المائدة: من الآية3) وفي عموم ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر لما جاء جبريل وسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم " ونحوه في الصحيحين من حديث أبي هريرة، فإن الدين ما بين أمور اعتقادية ( كإثبات الصفات الحسنى لله ) أو عملية ( كالصلاة والزكاة ) . فعلى هذا كل ما يثبت به الدين تثبت به العقيدة؛ لأنها منه، والدين يثبت بالأدلة اليقينية القطعية ( كالقرآن والسنة المتواترة ) والأدلة المفيدة غلبة الظن (كصحيح السنة مما ليس متواتراً ) فإن الشريعة علقت أحكاماً على غلبة الظن كحديث ابن مسعود المتفق عليه :" فليتحر الصواب فليتم عليه " وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم :" إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " فإن بقاءه في الصلاة بعد الشك راجع إلى غلبة الظن .، بل وسمَّت الجميع علماً كما قال تعالى) فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ((الممتحنة: من الآية10)وعلمنا بالإيمان ممن يدعيه ليس يقيناً وإنما راجع إلى غلبة الظن (1)، وأيضاً اتباع الأرجح إما في التصحيح والتضعيف، أو في دلالة المتن ، من اتباع الأحسن الذي أمر الله بالأخذ به وهو العلم كما قال تعالى ) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ((الزمر: من الآية55) قال ابن تيمية: وهو أن كل ما أمر الله تعالى به فإنما أمر بالعلم – ثم قال – فلا بد أن ينتهي الأمر إلى رجحان معلوم عنده فيكون متبعاً لما علم أنه أرجح، وهذا اتباع للعلم لا للظن وهو اتباع الأحسن، كما قال )فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ((لأعراف: من الآية145)وقال )الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ((الزمر: من الآية18) وقال )وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ((الزمر: من الآية55)) فإذا كان أحد الدليلين هو الأرجح فاتباعه هو الأحسن، وهذا معلوم ا.هـ (2).
وغالط بعض المبتدعة واشترط في النصوص التي يحتج بها في العقائد أن تكون كلها قطعية يقينية لا من الظن الغالب، وهذا خطأ لأوجه كثيرة بسطها أهل العلم والإيمان أكتفي منها بثلاثة أوجه:

1- أنه ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن فقال:" إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل …الحديث " وجه الدلالة / أن خبر معاذ - رضي الله عنه – ليس خبراً متواتراً ومع ذلك اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير العقيدة .فدل هذا على أن غلبة الظن كاف لإقامة الحجة في العقائد .
2-أنه ثبت – كما سبق – أن العقيدة من الدين فهي تثبت بما ثبت به عموم وباقي الدين، فمن أراد التفريق فعليه بالدليل الذي تثبت قدماه عند الاحتجاج ولا مناص .
3- أن الأمور العملية التي ليست عقدية تتضمن اعتقاداً، فمثلاً التسوك هو أمر عملي لكنه عقدي أيضاً؛ لأنه يتضمن اعتقاد استحبابه ؛ فإن التسوك من غير اعتقاد استحبابه لا يعد من الأمور الشرعية، فبهذا يتبين أن قبولهم للأدلة المفيدة الظن الغالب في الأمور العملية دون الاعتقادية تناقض لا مفر منه .
تنبيه : درج المتكلمون وتبعهم بعض أهل السنة إلى تعريف الاعتقاد بأنه حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد. وهذا التعريف خطأ ومزلة قدم، وهو لوثة كلامية دخلت علينا من أهل البدع، وذلك أن مقتضاه ألا يحتج في العقيدة إلا باليقينيات القطعيات دون ما كان من الظن الغالب – وقد سبق رده -، قال ابن تيمية: وأما قوله: هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو لا بد من الوصول إلى القطع؟ فيقال: الصواب في ذلك التفصيل، فإنه وإن كان طوائف من أهل الكلام يزعمون أن المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل الأصول يجب القطع فيها جميعاً، ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين، وقد يوجبون القطع فيها كلها على كل أحد. فهذا الذي قالوه على اطلاقه وعمومه: خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.ا.هـ(1)
فائدتان /
الفائدة الأولى /قال ابن تيمية: وأن تخصيص لفظ العلم بالقطعيات اصطلاح المتكلمين …ا.هـ(2) .
الفائدة الثانية/ قد أطلق الشرع الظن بمعنى اليقين كما قال تعالى )الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ((البقرة:46) ، وأطلقه بمعنى الظن المرجوح ( الوهم) كقوله تعالى )إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً((لنجم: من الآية28) ، وأطلقه بمعنى الشك كقوله ) مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً((الكهف: من الآية35) وقوله) وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ( (البقرة: من الآية78)(3). ولم يأت ذم في شرع الله لمن اتبع الظن الغالب، وإنما جاء الذم في كتاب الله لمن اتبع الظن بمعنى الوهم في مقابل رد النصوص الشرعية كما قال تعالى ) إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً( (النجم: من الآية28)(4)

الأساس الثالث / معرفة معنى الإجماع، وأقسامه،وبعض المهمات المتعلقة به . فإن من أهم الأدلة الشرعية التي بها تهدم قواعد وأصول الطوائف البدعية الإجماع، لذا كان المبتدعة ومن تأثر بهم تجاهه – في الجملة – قسمين:

القسم الأول / أنكره ولم يعتبره حجة، وأول هؤلاء وعلى رأسهم النظام المعتزلي، قال ابن قدامة: إن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر فيه أحد خلافاً إلى زمن النظام ا.هـ(1)
القسم الثاني / لم ينكره صراحة لكن جعله كالمستحيل كما قال أبو بكر الباقلاني: لا ينعقد الإجماع مع مخالفة العوام . وتابعه الآمدي فقال: ذهب الأكثرون إلى أنه لا اعتبار بموافقة العامي من أهل الملة في انعقاد الإجماع . ولا بمخالفته . واعتبره الأقلون . وإليه ميل القاضي أبي بكر الباقلاني وهو المختار ا.هـ(2) . وهذا القول يؤدي إلى نفي وجود الإجماع وإبطاله لذا قال ابن قدامة: وهذا القول يرجع إلى إبطال الإجماع: إذ لا يتصور قول الأمة كلهم في حادثة واحدة ا.هـ (3) .
ومن ذلك قول جمع من الأصوليين: إن الصحابي إذا قال قولاً ، ولو انتشر ، وسكت الباقون عنه فإنه ليس إجماعاً ولا حجة وهذا من الإجماع السكوتي الذي لا يحتج به . كما قال الغزالي: مسألة: إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى وسكت الآخرون لم ينعقد الإجماع ولا ينسب إلى ساكت قول – ثم قال – والمختار أنه ليس بإجماع ولا حجة ا.هـ (1) ، ثم أورد احتمالات نظرية تمنع من الاحتجاج به ، وعند النظر والتحقيق يتضح أنها لا تقوى على إسقاط الاحتجاج به وإنما غاية ما تفيد أنها تجعل الاحتجاج بإجماع الصحابة السكوتي من الظن الغالب كما قال ابن القيم: وذلك يفيد ظناً غالباً قوياً على أن الصواب في قوله دون ما خالفة من أقوال من بعده، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين ا.هـ(2) وما كان كذلك فهو دليل في شرع الله، لذا رد ابن قدامة قول الغزالي في المستصفى وناقش ما أورده من احتمالات واحدة واحدة (3).
وقد أطال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية في تأكيد أن ما اشتهر إجماع وحجة فقال: وإن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع، وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعاً ولا حجة، وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم هل اشتهر أم لا فاختلف الناس: هل يكون حجة أم لا؟ فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية، صرح به محمد بن الحسن، وذكر عن أبي حنيفة نصاً، وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في موطئه دليل عليه، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي عبيد ، وهو منصوص الإمام أحمد في غير موضع عنه واختيار جمهور أصحابه، وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد – ثم قال – وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة ا.هـ (1) .
واشتراط نطق الجميع متعذر وهذا يؤدي إلى تعذر وقوع الإجماع ، قال ابن قدامة: ومن وجه آخر: أنه لو لم يكن هذا إجماعاً لتعذر وجود الإجماع؛ إذ لم ينقل إلينا في مسألة واحدة قول كل عالم في العصر مصرحاً به ا.هـ(2).
وبعد أن تبين موقف أهل البدع ومن تأثر بهم من الإجماع، فإليك أربع مسائل مهمة تتعلق بالإجماع:

- المسألة الأولى / الإجماع في قوة ثبوته ليس على درجة واحدة، لكن أقله ما كان من الظن الغالب، قال ابن تيمية: والإجماع نوعان: قطعي . فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص. وأما الظني فهو الإجماع الاقراري والاستقرائي – ثم قال – وتنازعوا في الإجماع: هل هو حجة قطعية أو ظنية؟ والتحقيق أن قطعيه قطعي وظنيه ظني ، والله أعلم ا.هـ (3) وقال: الإجماع هل هو قطعي الدلالة أو ظني الدلالة؟ فإن من الناس من يطلق الإثبات بهذا أو هذا، ومنهم من يطلق النفي لهذا ولهذا . والصواب التفصيل بين ما يقطع به من الإجماع، ويعلم يقيناً أنه ليس فيه منازع من المؤمنين أصلاً؛ فهذا يجب القطع بأنه حق؛ وهذا لابد أن يكون مما بين فيه الرسول الهدى؛ كما قد بسط هذا في موضع آخر ا.هـ (1) .
- المسألة الثانية / لا تجمع الأمة على حكم إلا ولهذا الحكم مستند من الشرع علمه من علمه، وجهله من جهله. قال الآمدي: اتفق الكل على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها خلافاً لطائفة شاذة، فإنهم قالوا بجواز انعقاد الإجماع عن توفيق لا توقيف بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب من غير مستند. ا.هـ (2) قال ابن تيمية: وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصاً عن الرسول – ثم قال – فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به – ثم قال – فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص . – ثم قال – لكن استقرأنا موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة، وكثير من العلماء لم يعلم النص، وقد وافق الجماعة ا.هـ (1) .
ومما يؤكد أن الإجماع لا يكون إلا مستنداً للشرع أن أول من تكلم بحل أو حرمة المسألة المجمع عليها كالصحابي مثلاً لايخلو من حالتين: أن يكون مستنده الشرع، أو الهامات مجردة عن نصوص، والثاني باطل قطعاً؛ لأن الله تعالى يقول ) ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً( (الاسراء:36)
وقال )وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ((البقرة: من الآية169) فالمتقول بلا نص قال على الله بغير علم، فإذا كان الاحتمال الثاني باطلاً فما بني عليه فباطل، ولم يبق إلا الاحتمال الأول وهو المطلوب .
- المسألة الثالثة / إذا أجمع العلماء على قول فمعنى هذا أن ما أجمعوا عليه هو الحق دون غيره، والحق لا يتعدد، فإذا أحدث أحد قولاً ثانياً فهذا القول المحدث ساقط مردود؛ لكونه مخالفاً للإجماع، ولأنه من جملة المحدثات التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهم رد " متفق عليه من حديث عائشة واللفظ لمسلم. وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ونسبه بعضهم إلى أئمة المذاهب الأربعة (2) . قال ابن تيمية: وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً؛ لأن كثيراً من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام، مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً، كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة، المعلومة وإجماع الصحابة . ا.هـ(1) . ومن ذلك إحداث قول ملفق من أقوال أهل العلم؛ لأنه يلزم من تجويز مثل هذا القول الملفق أن يكون هناك خير ليس موجوداً فيمن سلف، وأنه ليس هناك طائفة منصورة قائمة بالحق (2). أما الاستدلال بما لم يستدل به من قبله فالباب فيه واسع مع الحذر .
فائدة / بناء على ما سبق ، ذكر ابن تيمية أن كل قول تفردت به الظاهرية فهو خطأ لا يعول عليه، قال – رحمه الله : وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف. ا.هـ(3) لأن المذهب الظاهري لم ينشأ إلا في القرن الثالث، فإذا انفرد بقول دون الأمة فهو محدث، ومثل هذا الأقوال التي ينفرد بها المتأخرون من أصحاب المذاهب الأربعة عن الأمة .
- المسألة الرابعة / ظن بعضهم أن أهل الحديث لا يحتجون بالإجماع لأجل أن الإمام أحمد قال في رواية ابنه عبد الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم للناس اختلافاً إذ لم يبلغه، وقال في رواية المروزي: كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا، إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لا أعلم مخالفاً كان أسلم، وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون، لكن يقول: ما أعلم فيه اختلافاً، فهو أحسن من قوله إجماع الناس، وقال في رواية أبي الحارث، لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا (1). وهذا الظن خطأ لما يلي:
1/ أن الإمام أحمد نفسه احتج بالإجماع في عدة مسائل من ذلك قوله: الدم لم يختلف الناس فيه – يعني في نجاسته(2) ، وقوله في قوله تعالى )وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( (لأعراف:204) أجمع العلماء على أنها في الصلاة (3) ، وقوله في رواية الحسن بن ثواب: أذهب في التكبير من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟ قال: بالإجماع ا.هـ(4)
2/ أنه نص على حجية الإجماع فقال – رحمه الله – في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج من أقاويلهم: أرأيت إن أجمعوا، له أن يخرج من أقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قو ل أهل البدع، لا ينبغي أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا ا.هـ(1) .
بعد أن تبين أن الإمام أحمد لا ينكر الإجماع فما توجيه كلامه السابق ؟ اختلف العلماء في توجيهه :
قال ابن حزم: صدق أحمد – رضي الله عنه – من ادعى الإجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحد منهم: فقد كذب على الأمة كلها وقطع بظنه عليهم، وقد قال عليه السلام:" الظن أكذب الحديث " ا.هـ(2).
وقال أبو يعلى الفراء:وظاهر هذا الكلام أنه قد منع صحة الإجماع، وليس ذلك على ظاهره، وإنما قال هذا على طريق الورع، نحو أن يكون هناك خلاف لم يبلغه. أو قال هذا في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأنه قد أطلق القول بصحة الإجماع في رواية عبد الله وأبي الحارث ..ا.هـ (3) وقال ابن تيمية:الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم، وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة، مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث، وكلامه في إجماع كل عصر إنما هو في التابعين، ثم هذا منه نهي عن دعوى الإجماع العام النطقي، وهو كالإجماع السكوتي، أو إجماع الجمهور من غير علم بالمخالف. ا.هـ(1)وقال ابن القيم: ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده . ا.هـ (2) .
والقول بأن الإمام أحمد أراد هذا في حق من ليس له معرفة بالأقوال فتعجل وحكى الإجماع قوي، كما قال أبو يعلى وقريب منه ما ذكره ابن القيم، وقد يقال: إن الإمام أحمد أراد بنفيه لإجماع ما بعد القرون المفضلة إذ بعدهم يستحيل استقراء أقوال أهل العلم لاتساع الخلاف. وعلى كلٍ فليس لأحد أن يقول في مسألة بقول إلا وله فيها إمام، كما قال الإمام أحمد – رحمه الله -(3) .

الأساس الرابع / قد دلّ الكتاب والسنة – اللذان هما المرجع عند التنازع – أن فهم السلف لنصوص الكتاب والسنة حجة يجب الرجوع إليه، والأدلة على ذلك ما يلي :
1/ قوله تعالى )وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( (النساء:115) وجه الدلالة / رتب الله سبحانه الوعيد على مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتباع غير سبيل المؤمنين، فلو لم تكن مخالفة سبيل المؤمنين سبباً من أسباب الوعيد، لكان ذكره لغواً تعالى الله وتقدس؛ وأول المؤمنين دخولاً في هذه الآية هم الصحابة الكرام، فالمأثور عنهم هو الحق الذي يجب اتباعه، فلا يصح لأحد من التابعين مخالفته ومن وافقهم من التابعين فهو سائر على سبيل المؤمنين الممتدح وهكذا …
أما إذا لم ينقل عن الصحابة الكرام شيء، ونقل عن التابعين الأخيار، فإن السبيل سبيلهم؛ لأن الله بحكمته وعدله لم يكن ليخفي الحق، ويظهر الباطل وقد قال نبيه صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين…" أخرجه مسلم عن ثوبان ونحوه في الصحيحين عن معاوية والمغيرة بن شعبة، وقال:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه من حديث عائشة واللفظ للبخاري، فمن خالف وأحدث فهماً أو اتبع فهماً محدثاً خلاف ما عليه الأوائل من السلف الصالح في الفهم، فما فهم أو اتبع مردود . وإذا تدبرت علمت أن كل دليل على حجية الإجماع، دليل على حجية فهم السلف؛ فإنهم إذا فهموا فهماً من غير مخالف منهم، فهو إجماع منهم على هذا الفهم .
2/ عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم …" متفق عليه ، وجاء نحوه من حديث عمران بن حصين متفق عليه، وفي صحيح مسلم نحوه من حديث عائشة وأبي هريرة .
فثبت بهذه النصوص خيريتهم على من بعدهم، فلا يكون من بعدهم ظافراً بخير ليس عندهم وإلا لصار من بعدهم خيراً منهم من هذا الوجه، والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت لهم الخيرية المطلقة من كل وجه على من بعدهم، فدل هذا أن فهمهم للنصوص متعين، قال ابن القيم: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه، فلا يكونون خير القرون مطلقاً، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب – وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطأوا هم – لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه؛ لأن القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن، ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة ا.هـ(1)
3/ عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون " رواه مسلم، قال ابن القيم: وجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه، وكنسبة النجوم إلى السماء، ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم ، وأيضاً فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم، وحرزاً من الشر وأسبابه، فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزاً لهم، وهذا من المحال .ا.هـ(1) .
4/ عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال:" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "(2) أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر (3). قال ابن القيم: وهذا حديث حسن، إسناده لا بأس به، فقرن سنة خلفائه بسنته، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للأمة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شيء، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق ذلك بما سنّه الخلفاء الراشدون، ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين ا.هـ (1) .
5/ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" متفق عليه واللفظ لمسلم . ونحوه في الصحيحين عن معاوية، وفي مسلم عن ثوبان وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وسعد بن أبي وقاص نحوه . وجه الدلالة / أن هذا الحديث المتواتر(2) دال على أن أهل الحق القائمين به موجودون منذ عهد الصحابة إلى قيام الساعة، فإذا رأيت في أمر شرعي عقدي أو أمر شرعي منهجي قولين: أحدهما عليه المتقدمون دون الآخر، فاشدد يدك على ما عليه المتقدمون فإنه الحق؛ لأنهم هم الطائفة المنصورة الظاهرون على الحق قديماً وأبداً إلى قبيل قيام الساعة؛ فإن الحق قديم وباقٍ إلى قبيل قيام الساعة بخلاف ما عداه من الأفهام فإنها حادثة بعد، قال ابن القيم: أنهم إذا قالوا قولاً أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتدياً لذلك القول ومبتدعاً له – ثم قال – وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور فلا يجوز اتباعهم ا.هـ(3) .
والأدلة المقررة لهذا الأصل كثيرة متظافرة وأقوال أهل العلم في تقرير هذا كثيرة أكتفي بثلاثة :
- قال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول " أخرجه الخطيب البغدادي والآجري وابن عبد البر .
- قال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم " رواه اللالكائي (1).

- قال ابن تيمية: إنما المتبع في إثبات أحكام الله: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين أو الأولين، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة، نصاً واستنباطاً بحال ا.هـ(2) .







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» سقوط الحركات الصوفية بلهيب الثورة السورية !!
»» أجمل طريقة لنمص الحواجب
»» العلامة البراك : تمثيل الأنبياء كفر وتمثيل الصحابة وكذلك سادات الأمة حرام
»» 27 من رجب ليلة الإسراء والمعراج !!
»» سؤال : هل صحيح أن التصوف بوابة للتشيع ؟ ورد الشيخ عبدالرحمن دمشقية
 
قديم 08-12-09, 11:05 PM   رقم المشاركة : 3
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


الأساس الخامس / أن طائفة أهل السنة والجماعة السلفيين جمعوا الحق كله، أما من عداهم فعندهم من الحق بقدر موافقتهم لهم .
هذا الأساس العظيم يتضح بإدراك الأسس السابقة إدراكاً صحيحاً لا غبش فيه لا سيما الأساس الثالث والرابع؛ وذلك أن إمام السلفيين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده الذين هم الصحابة، وهم على الحق الذي أرشدهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم وسار على هديهم المبين وهم أهل السنة والجماعة السلفيون وهكذا إلى يومنا هذا فعلامتهم التي بها يعرفون، وميزانهم الذي به يقيسون غيرهم هو الاتباع لا الابتداع، فمن كان كذلك فهو من أهل السنة والجماعة السلفيين، وإلا فهو من أهل البدع الهالكين على قدر بدعته، قال أبو الدرداء:" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، إنك إن تتبع خير من أن تبتدع، ولن تخطئ الطريق ما اتبعت الأثر" (1) .
قال أبو المظفر السمعاني: وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح وتركهم كل ما هو مبتدع محدث ا.هـ(2) ، وقال: إن كل فريق من المبتدعة إنما يدعي أن الذي يعتقده هو ما كان عليه رسول الله لأنهم كلهم يدعون شريعة الإسلام ملتزمون في شعائرها يرون أن ما جاء به محمد هو الحق غير أن الطرق تفرقت بهم بعد ذلك وأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فزعم كل فريق أنه هو المتمسك بشريعة الإسلام وأن الحق الذي قام به رسول الله هو الذي يعتقده وينتحله غير أن الله تعالى أبى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفاً عن سلف وقرناً عن قرن إلى أن انتهوا إلى التابعين وأخذه التابعون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم والصراط القويم إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث ا.هـ(3) ، ولأجل تمسكهم بالكتاب والسنة، وما عليه الصحابة صارت أقوالهم في الاعتقاد واحدة لا تباين بينها، ولا اختلاف. قال أبو المظفر السمعاني: ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها قولهم في ذلك واحد وفعلهم واحد لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا، قال الله تعالى)أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً( (النساء:82) وقال تعالى )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً( (آل عمران: من الآية103)، وأما إذا نظرت إلى الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين وشيعاً وأحزاباً لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد يبدع بعضهم بعضاً بل يرتقون إلى التكفير يكفر الابن أباه والرجل أخاه والجار جاره، تراهم أبداً في تنازع وتباغض واختلاف تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغداديين، ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم، وسائر المبتدعة بمثابتهم. وهل على الباطل دليل أظهر من هذا؟ قال تعالى)إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ((الأنعام: من الآية159) وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل فأورثهم الاتفاق والائتلاف وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف…ا.هـ (1)
وعلى هذا فذام السلفيين ذام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأن هدي السلفيين الذي هم عليه هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن خالف هذا الهدي وادعى أنه سلفي فدعواه مردودة؛ فإن العبرة بواقع الحال لا بدعوى اللسان كمثل هذا المالكي الطعان .
وبهذا تعلم لماذا جمع السلفيون الحق كله، وغيرهم لهم نصيب من الحق بقدر قربهم إليهم . ويحسن ههنا الإشارة إلى أمور:
الأمر الأول/ أن أهل السنة أهل اجتماع، وأهل البدع أهل افتراق؛ وذلك أن الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الهدي النبوي، ومن خرج عن ذلك من أهل البدع في عهد التابعين ومن بعدهم فهم دعاة للافتراق عما كان عليه الجماعة المرضية. فإذا رأيت الرجل يدعو الناس إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه، فاعلم أنه داعية اجتماع، فهو يرد المتفرقين إلى ما كانت عليه الجماعة الأولى، وقد ذكر المفسرون أن أهل الأهواء والبدع هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وأنهم المتبعون للسبل المضلة .
الأمر الثاني / ليس لأهل السنة السلفيين مرجع إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل السابقين الأولين – كما تقدم – وليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم من الطوائف والأحزاب المحدثة، كالجهمية فإن رأسهم الجهم بن صفوان، والمعتزلة فإن رأسهم واصل بن عطاء وهكذا .. قال ابن القيم: ومنها- أي علامات أهل الحديث- أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها، إذا انتسب سواهم إلى المقالات المحدثة وأربابها كما قال بعض أئمة أهل السنة، وقد سئل عنها فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة، وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة كالقدرية والمرجئة، وإلى القائل تارة كالهاشمية والنجارية والضراوية، وإلى الفعل تارة كالخوارج والروافض ، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها، وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة ا.هـ(1).
الأمر الثالث / من كان على الحق فهو الجماعة الحقة الممدوحة شرعاً، ولو كان وحده ومن خالف الحق فهو مخالف للجماعة، ولو كانوا ألوفاً، فالعبرة بموافقة الجماعة الأولى لا بالكثرة لأن كل من خالف الجماعة الأولى فهو مبتدع ضال زائغ عن الحق قال أبو عصمة: سألت أبا حنيفة من أهل الجماعة ؟ قال: من فضل أبا بكر وعمر، وأحب علياً وعثمان، وآمن بالقدر خيره وشره من الله، ومسح على الخفين، ولم يكفر مؤمناً بذنب، ولم يتكلم في الله بشيء ا.هـ (1) ففسر أبو حنيفة الجماعة باتباع الحق. وقال عمرو بن ميمون: فقيل لعبد الله بن مسعود: وكيف لنا بالجماعة ؟ فقال لي: يا عمرو بن ميمون إن جمهور الجماعة هي التي تفارق الجماعة؟! إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك ا.هـ(2). قال ابن القيم: واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودي: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيولي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة، قال: قلت: يا أصحاب محمد ما أدري ما تحدثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي: صل الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟ قلت: لا ، قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة! الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. وفي لفظ آخر: فضرب على فخذي وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى . وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقي وغيره . وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم، فقال: أتدري ما السواد الأعظم ؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً، فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل وأحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمه لذلك، فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل، فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المَهْيَع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً( (الأحزاب:23) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ا.هـ(1)







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» أوجه التشابه بين عقيدتي اليهود والشيعة حقيقة لاخيال
»» وأخيراً وصلوا في استنطاقهم لتأييد اختلاط الجنسين إلى مؤسسة دينية ثالثة
»» بدعُ و أخطاء آخرِ العامِ
»» لماذا نرفض العلمانية ؟ !! [فيديو]
»» هل تعلم أنّ عيد الأضحى أفضل من عيد الفطر ؟ كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
 
قديم 08-12-09, 11:08 PM   رقم المشاركة : 4
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


الأساس السادس / أهل السنة السلفيون يعتمدون – كما سبق – على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ويدعمون كلامهم بالنقل عن العلماء الموثوقين؛ لأن عقيدتهم موروثة منقولة عمن سبق؛ لذا إذا قرروا قولاً في المعتقد بالأدلة الشرعية نسبوه إلى من سبق من العلماء، وهذا لا يعني بحال أنهم يحتجون بأقوال هؤلاء الرجال؛ فإن كلماتهم منثورة وعلى الأوراق مسطورة في تقرير أن أقوال الأئمة والعلماء لا يحتج بها وإذا عارضت دليلاً شرعياً فإنها ترد على قائلها، ولا يحل الاحتجاج بها. قال الإمام مالك والإمام أحمد: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ا.هـ ونسب هذا القول لابن عباس ومجاهد (1).
وقال الإمام الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس(2) .







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» فضائل شهر رجب وبدعة
»» هذا بعض ما قاله الامام الشافعي رحمه الله عن الصوفية
»» منذ متى يا صويلح الشيحي اصبح الفسوق ادبا ؟ و عمك عبده يقاد الى السجن صاغرا
»» الصحفيين .. برأي غازي القصيبي ! [فيديو]
»» إهداء لكل ليبرالي ناهق !! أكاديميون في الولايات المتحدة الأمريكية يؤيديون التعليم الغ
 
قديم 08-12-09, 11:09 PM   رقم المشاركة : 5
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


تنبيه/ لا يوجد عالم معصوم جامع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل عالم تخفى عليه شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن تيمية: وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه قط ، واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأحواله، خصوصاً الصديق رضي الله عنه ؛ الذي لم يكن يفارقه حضراً ولا سفراً، بل كان يكون معه في غالب الأوقات، حتى إنه يسمر عنده بالليل في أمور المسلمين. وكذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فإنه صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، ثم مع ذلك لما سئل أبو بكر – رضي الله عنه- عن ميراث الجدة قال: مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن اسأل الناس ! فسألهم، فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة فشهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس ، وقد بلغ هذه السنة عمران بن حصين أيضاً، وليس هؤلاء الثلاثة مثل أبي بكر وغيره من الخلفاء، ثم قد اختصوا بعلم هذه السنة التي قد اتفقت الأمة على العمل بها . وكذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يكن يعلم سنة الاستئذان، حتى أخبره بها أبو موسى واستشهد بالأنصار، وعمر أعلم ممن حدثه بهذه السنة .– ثم قال – فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة أو إماماً معيناً فهو مخطئ خطأ فاحشاً قبيحاً ا.هـ(1) إلا أن علماء السنة في دينهم وتقريراتهم العلمية لا يخرجون عمن سبق بقول محدث، فهم متبعون في عقيدتهم ( التي هي مبنية على النقل المحض والتسليم ) لذا الخلاف فيها قليل، ومن أخطأ منهم فخطؤه عليه لا ينسب إلى معتقد أهل السنة السلفيين . وهم – أيضاً – متبعون في المسائل الفقهية لا يخرجون عن أقوال سلفهم – كما سبق – إلا أن الخلاف في المسائل الفقهية كثير، لكون الشريعة جعلت فيها مجالاً للاجتهاد أكثر فعليه سمحت للخلاف فيها أكثر من غيرها كما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم " وسبب كثرة الخلاف في هذا النوع أن للاجتهاد فيه مجالاً كثيراً







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» مضاوي الرشيد تهاجم السعودية والكويت بسبب إلغاء ‎‫ملتقى_النهضة‪‏ / صورة .
»» الفرق بين خطاب وتشي جيفارا
»» عمر بن الخطاب حِصْنٌ للمسلمين من الفتن
»» اياك نعني يا الصفار / تحذير
»» ماجاء في صحيفة الصلاة اهم كتب الاسماعيلية / 2 اكرمكم الله عما يوجد بالداخل
 
قديم 08-12-09, 11:11 PM   رقم المشاركة : 6
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


الأساس السابع / المسائل الشرعية الخلافية نوعان:
النوع الأول / لا ينكر ولا يعنف فيه على القائل، ولا يلزم بتركه، أما القول نفسه فللمجتهد المخالف أن يبين ضعفه وكونه مرجوحاً، هذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الاجتهادية. وهو كل قول لم يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة .
النوع الثاني / ينكر ويعنف فيه على القائل، ويلزمه من له ولاية بتركه، والقول نفسه يرد ويبدع، وهذا النوع هو المسمى عند العلماء بالمسائل الخلافية، وهو كل قول يخالف إجماعاً أو سنة ظاهرة صريحة، قال ابن مفلح: وقال – أي ابن تيمية – في كتاب " بطلان التحليل – قولهم: ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل: أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء . وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيه مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس. والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد، ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ – إذا عدم ذلك – الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها .ا.هـ (1) قال أبو المظفر السمعاني: فأما الضرب الذي لا يسوغ فيه الاختلاف، كأصول الديانات من التوحيد وصفات الباري عز اسمه، وهي تكون على وجه واحد، لا يجوز فيه الاختلاف، وكذلك فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك المناهي الثابتة بدليل مقطوع به، فلا يجوز اختلاف القول في شيء من ذلك . فأما الذي يسوغ فيه الاختلاف، وهي فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعاني الاستنباط، فاختلاف العلماء فيه مسوغ، ولكل واحد منهم أن يعمل فيه بما يؤدي إليه اجتهاده ا.هـ(2)
وقال ابن القيم: وهذا يرد قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف إجماع الأئمة، ولا يعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك…ا.هـ(1) وقال النووي: ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه .- ثم قال – لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ا.هـ(2)
تنبيه / إذا فهمت ما سلف عرفت أن المخالفين في الباب طائفتان :
الأولى / شددت على مخالفها في كل مسألة متنازع فيها حتى عاملت المسائل الاجتهادية معاملة المسائل الخلافية وهذا خطأ كما تقدم .
الثانية / سهلت وتميعت وعاملت المسائل الخلافية معاملة المسائل الاجتهادية، فلم تنكر على من وقع في مسألة خلافية بزعم أن لكلٍ وجهة نظر. ومن مرادفات هذه العبارة ذم التوجه الأحادي أو ذم تقسيم الأمور إلى أسود وأبيض . وهذه الطائفة مخطئة وإنما يصح كلامها هذا في المسائل الاجتهادية لا المسائل الخلافية، ثم من لوازم كلامهم عدم الرد على المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والشيعة والأشاعرة وهكذا …، ولا يُلزم أحدٌ باعتقاد سلف الأمة . وهذا – وللأسف – هو ما طبقه عملياً حسن البنا(3)وإخوانه المسمون بجماعة الإخوان المسلمين انطلاقاً من قاعدة:نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» بيان مهم من علماء السعودية بشأن ملتقى النهضة في الكويت ~
»» صور/الافراج عن الشيخ الزعير ووصوله لمنزله وسط إستقبال من محبيه..
»» حكم الذكر بالاسم المفرد( الله الله الله ) بدعة
»» ماحكم ذكر الصحابة بعد الصلاة على النبي صلِّ الله عليه وآله وصحبه
»» شبهات حول عائشة رضي الله عنها وتفنيدها
 
قديم 08-12-09, 11:23 PM   رقم المشاركة : 7
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


الأساس الثامن/ إثبات أهل السنة السلفيين الأسماء والصفات ( الذاتية والفعلية) لله لا يعني التشبيه، بل هو إثبات خاص يليق بجلال الله وعظيم سلطانه على غرار قوله تعالى)لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ((الشورى: من الآية11). قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: فقلنا لهذا المعارض المدلس بالتشنيع: أما قولك: إن كيفية هذه الصفات وتشبيهها بما هو موجود في الخلق خطأ، فإنا لا نقول: إنه خطأ كما قلت، بل هو عندنا كفر، ونحن لكيفيتها وتشبيهها بما هو موجود في الخلق أشد أنفاً منكم، غير أنا كما لا نشبهها ولا نكيفها لا نكفر بها، ولا نكذب ولا نبطلها بتأويل الضلال، كما أبطلها إمامك المريسي في أماكن من كتابك، سنبينها لمن غفل عنها ممن حواليك من الأغمار إن شاء الله تعالى ا.هـ(1) ويوضح ذلك عدة مسالك أقتصر على ثلاثة منها :
المسلك الأول / أن أهل السنة نفوا عن أنفسهم التشبيه بل كفروا المشبهة المجسمة.
قال أبو القاسم اللالكائي: سياق ما روي في تكفير المشبهة ثم روى بسنده عن علي بن عاصم قال: تكلم داود الجواربي في التشبيه فاجتمع فيها أهل واسط منهم: محمد بن يزيد وخالد الطحان وهشيم وغيرهم فأتوا الأمير وأخبروه بمقالته فأجمعوا على سفك دمه . فمات في أيامه فلم يصل عليه علماء أهل واسط . وروى بسنده عن يزيد بن هارون قال في الجهمية: يستتابون: إن الجهمية غلت ففرغت في غلوها إلى أن نفت وإن المشبهة غلت ففرغت في غلوها حتى مثلت . فالجهمية يستتابون والمشبهة – كذى – رماهم بأمر عظيم . وروى بإسناده عن نعيم بن حماد قال: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه . وروى عن إسحاق بن راهويه أنه قال: من وصف الله فشبه صفاته بصفات أحد من خلق الله فهو كافر بالله العظيم لأنه وصف بصفاته إنما هو استسلام لأمر الله ولما سن الرسول . ا.هـ (1)
فهل يكون مشبهاً من كانت هذه أقواله ؟!
المسلك الثاني / أن أهل السنة نفوا علمهم بكيفيات الصفات وبدعوا من سأل عنها فضلاً عن الخوض فيها ، فلو كانوا مشبهين صفات الخالق بالمخلوق لعلموا كنه صفات الخالق ؛ لأنها كصفات المخلوقين المعلومة للبشر .
روى اللالكائي بإسناده عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا: أمروها بلا كيف ا.هـ(1) وروى اللالكائي والبيهقي عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة عن قوله: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى( (طـه:5) كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق ا.هـ (2)وروى اللالكائي والبيهقي عن مالك نحوه . قال ابن تيمية: وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك وقد روى هذا الجواب عن أم سلمة – رضي الله عنها – موقوفاً ومرفوعاً ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك ا.هـ (3) . وقال الذهبي: هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي ومالك الإمام وأبي جعفر الترمذي، فأما أم سلمة فلا يصح … ا.هـ(4) وقال: هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة ا.هـ (5).
المسلك الثالث / أن أهل السنة جعلوا من علامات أهل البدع رميهم لهم بأنهم مشبهة ومجسمة، فلو كانوا كذلك لما عابوا صنيع أهل البدع .
روى اللالكائي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل الجماعة، وما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة بل هم المعطلة، ولو جاز أن يقال لهم: هم المشبهة لاحتمل ذلك …ا.هـ (1) . وروى اللالكائي عن الإمام أبي حاتم أنه قال: وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية، يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة ا.هـ (2) وقال الإمام أبو محمد البربهاري: وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي ا.هـ (3)

الأساس التاسع / أهل الأهواء والبدع يعمدون إلى الكلام المتشابه المجمل دون البين المفصل لخديعة الجهال .
بسلوك أهل البدع هذا المسلك غرروا بالجهال، ولبسوا عليهم الحق بالباطل، فما إن يأتي السلفي ويبين المجمل من كلامهم، ويحكم المتشابه من قولهم، إلا وتراهم مفلسين منقلبين خاسرين كما قال تعالى ) أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ( (النور: من الآية39) . قال ابن تيمية: وما يذكرون من الألفاظ المجملة، فإني أبينه وأفصله، لأن أهل الأهواء، كما قال الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولت غير تأويله، قال – ثم ذكر نقلاً عن الإمام أحمد في وصف أهل البدع -: مختلفون في الكتاب، مجتمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين. فقد أخبر أن أهل البدع والأهواء يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ا.هـ(1)

الأساس العاشر/ أسماء الله وصفاته توقيفية، فيثبت منها ما أثبته الكتاب والسنة الصحيحة، وينفى منها ما نفاه الكتاب والسنة الصحيحة، وما لم يثبت ولم ينف فلا ننفيه ولا نثبته بل نكل علمه إلى الله، فمن نفى ما لم ينفه الله، أو أثبت ما لم يثبته الله، فهو قائل على الله بغير علم، قال تعالى)وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً( (الإسراء:36) وقال)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ( (الأعراف:33)
قال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله ينزل إلى السماء الدنيا "؟ فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئاً منها إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على رسول الله قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق حتى قلت لأبي عبد الله: ينزل الله إلى سماء الدنيا قال: قلت: نزوله بعلمه بماذا ؟ فقال لي: اسكت عن هذا، مالك ولهذا، امض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد إنما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب . قال الله عز وجل )فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ( (النحل: من الآية74) ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته أحاط بكل شيء علماً لا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هرب هارب ا.هـ (1) . وقال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ا.هـ(2) وقال ابن خزيمة: لست أحتج في شيء من صفات خالقي عز وجل إلا بما هو مسطور في الكتاب أو منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة الثابتة ا.هـ(3) قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني – رحمه الله -: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة – حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم – يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم – ثم قال – وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر …ا.هـ(4) وقال ابن قدامة – رحمه الله –: وكل ما جاء في القرآن، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن، وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول – ثم قال – فهذا وما أشبهه مما صح سنده، وعدلت رواته، نؤمن به، ولا نرده، ولا نجحده،…ا.هـ(1) قال ابن تيمية: ثم القول الشامل في جميع هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وبما وصفه به السابقون، الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث– ثم قال – ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي؛ بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه؛ لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد ا.هـ(2) . وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في رده على الصابوني المعاصر: ثم ذكر الصابوني - هداه الله – تنزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصماخ واللسان والحنجرة وهذا ليس بمذهب أهل السنة، بل هو من أقوال أهل الكلام المذموم وتكلفهم، فإن أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أو نفاه رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يثبتون له إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يرد في النصوص نفي هذه الأمور ولا إثباتها فالواجب الكف عنها وعدم التعرض لها بنفي ولا إثبات ا.هـ(3)
فإذا تقرر أنهم في هذا الباب ما بين ثلاث حالات :
الأولى / الإثبات لما أثبته الله وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
الثانية / النفي لما نفاه الله وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
الثالثة / التوقف؛ وذلك بأن لا ينفوا ما لم ينفه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبتوا ما لم يثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ويخطئ البعض فتراه ينفي ما لم يره مثبتاً في الكتاب والسنة الصحيحة، وهذا خطأ لأنه قول على الله بغير علم ، لذا لم يقل السلف أن ما لم يثبت بالكتاب أو السنة الصحيحة ينفى، ولو كان عدم ثبوت الصفة في الكتاب أو السنة الصحيحة يقتضي النفي لبينه سلف الأمة .
تنبيه / قَصْرُ أئمة السلف هذا الباب على الكتاب والسنة برهان على أنهم لا يعتبرون ضعيفها دليلاً؛ لأن الحديث الضعيف ليس حجة، فهو من الشك أو الظن المرجوح، فكيف وقد صرحوا في عباراتهم باعتماد الحديث الصحيح – كما سبق – ويزيد هذا يقيناً – أيضاً – أنهم في باب الأحكام الفقهية لم يعتبروا إلا ما ثبت دون غيره كما قال الشافعي للإمام أحمد: أنتم أعلم بالرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أي شيء يكون: كوفياً أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً ا.هـ(1) .
وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي ا.هـ(2) حتى إن الرجل عندهم إذا لم يعرف صحيح الحديث من ضعيفه لا يسمى عالماً، كما قال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم، والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً ا.هـ (1) .
فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وصنيعهم في كتب الاعتقاد من إيراد الأحاديث الضعيفة ؟
فيقال: إن كتب الاعتقاد ما بين أن تروى الأحاديث والآثار بإسنادها أو لا . فإن كانت تروى بأسانيدها فالجواب من أوجه:
1- أن هذا على قاعدة العلماء المعروفة وهي: أن من أسند فقد أحالك (2) ولا يلزم مثل هذا أن يبين صحيحها من سقيمها، ولا أن يقتصر على صحيحها .
2- أن إيراد الأحاديث والآثار الضعيفة بأسانيدها مفيد؛ وذلك بأن يعلم الناظر أنه ضعيف، أو قد يكون من جنس ما يختلف في تصحيحها وتضعيفها، واعتبار الشواهد بها فإلغاؤها يسد الباب على الآخرين الذين قد يخالفون في الحكم .
3- أن في بعض الأحاديث الضعيفة ما يصلح أن يكون امتحاناً لمن كان ضعيف التسليم في هذا الباب فما إن يرى الحديث المتضمن لصفة إلا وينكر هذه الصفة استبشاعاً لها. فبهذا ضعف التسليم عنده، وفرق عند أهل السنة بين عدم إثبات الصفة لضعف الحديث من جهة الإسناد عند المجتهد، وعدم إثبات الحديث استبشاعاً للصفة؛ لأن ما لم يثبت صفة من جهة الصناعة الحديثة لا يُثبت لله لكن لا ينفى ولا يستنكر – كما تقدم – لأن النفي يفتقر إلى دليل، كما أن الإثبات يفتقر إلى دليل .
روى عبد الله في السنة أثراً من طريق عبد الله بن خليفة عن عمر – رضي الله عنه – قال :" إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي " فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع فغضب وكيع وقال :" أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها " (1).
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله ( أحمد بن حنبل ) عن عبد الله التيمي فقال: صدوق، وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال: مثل الزرع الضحك وهذا كلام الجهمية، قلت: ما تقول في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر :" فضحك حتى بدت ( يعني لهواته وأضراسه) قال: هذا يشنع به، قلت: فقد حدثت به، قال: ما أعلم أنى حدثت به إلا محمد بن داود يعني المصيصي؛ وذلك أنه طلب إليّ فيه، قلت: أفليس العلماء تلقته بالقبول؟ قال: بلى ا.هـ (2)
فقوله: يشنع به مع إقرار أن العلماء تلقوه بالقبول دليل على أن السلف لم يستنكروه بل شنعوا به على المبتدعة . وقوله: إنه لم يحدث به إلا المصيصي دليل على عدم صحته عنده - والله أعلم .
قال أبو يعلى: قال الخلال: إنما نروي هذا الحديث، وإن كان في إسناده شيء، تصحيحاً لغيره؛ ولأن الجهمية تنكره ا.هـ(3). فأثر عمر – رضي الله عنه – ضعيف لأن عبد الله بن خليفة لا يكاد يعرف كما قال الذهبي(4)وحديث جابر في اللهات والأضراس ضعيف لا يثبت بهذه الزيادة، فإن المحفوظ من حديث جابر في صحيح مسلم وغيره بدونها .
أما إذا كانت كتب الاعتقاد لا تروى بأسانيدها فالجواب ما يلي :
1/ أن التضعيف والتصحيح في كثير من صوره تختلف فيه أنظار العالمين به، فليس قول أحد قاضياً على قول الآخر، فقد يكون الحديث الضعيف عندك من هذا النوع الذي يخالفك فيه المصنف لمخالفته في توثيق من تختار ضعفه، أو لكونه وقف على طريق لم تقف عليه . قال ابن تيمية: ولا يقولن قائل: إن الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفاؤها – والحال هذه – بعيد . لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين - رحمهم الله -. ومع هذا فلا يجوز أن يدعى انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة. ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم. ولا يكاد ذلك يحصل لأحد. بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة، وهو لا يحيط بما فيها. بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير. لأن كثيراً مما بلغهم – وصح عندهم – قد لا يبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية. فلقد كانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين . وهذا أمر لا يشك فيه من علم بالقضية ا.هـ(1)
2/ أن إيراد الحديث الضعيف قد يكون من قبيل الخطأ الذي وقع فيه المصنف؛ فإن آحاد أهل السنة ليسوا معصومين، وإنما هم معصومون فيما يجمعون عليه؛ لأنهم أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما تقدم . ولعل من هذا القبيل ما عاب به بعضهم أبا يعلى الفراء في كتابه إبطال التأويلات لإيراده الأحاديث الضعيفة (1).
3/ أن في بعض الأحاديث الضعيفة ما يصلح أن يكون امتحاناً لمن كان ضعيف التسليم في هذا الباب… وقد تقدم في الوجه الثالث من الكلام على كتب العقائد المسندة فليراجع .

بعد هذه الأسس العشرة، التي هي بوابة الرد على ابن فرحان المالكي، فإني أبدأ – بتوفيق الله – في بيان ظلمه وجنايته وجهله تجاه كتب العقائد السلفية وأئمتها الذين هم مصابيح الدجى وأعلام الهدى، لترى بعيني رأسك وتعقل بقلبك، وتلمس بيدك ظلمه وجنايته وجهله، بل –وللأسف– كذبه. وقد سلكت في ذلك مسلك الاختصار







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» (اكفروا بهذه الطرق الصوفية كلها ..و الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله بريء من هذه !!
»» روائع
»» سؤال نرجو إفادتنا في اسرع وقت ؟
»» شاهد من أين تأتيك المكسرات - صور
»» حكم التهنئة بالعام الهجري
 
قديم 08-12-09, 11:34 PM   رقم المشاركة : 8
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


التعقيبات الأحد عشر :
قد بلغت عدد التعقيبات على ضلالاته وجهالاته أحد عشر تعقيباً وإليكها تعقيباً تعقيباً:
التعقيب الأول / أنكر تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة: ربوبية وألوهية وأسماء وصفات، وزعم أنه تقسيم مبتدع فقال: والتفريق نفسه تفريق مبتدع ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولم يقل بهذا التفريق أحد من الصحابة ولا التابعين ا.هـ(1) .
فإن تعجب فاعجب لمثل هذا التقرير العاطل الباطل الدال – لزاماً – على جهل المالكي بضابط البدعة، أو جهله بحقيقة هذا التقسيم، أو بكلا الأمرين. وهذا ليس ببعيد عن رجل لم يفهم المعتقد السلفي الواضح في تقريراته وأدلته، فزاد على جهله به أن عاد ناقداً وذاماً له فصدق في حقه:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
وإليك التدليل على جهله بأحد هذين الأمرين، أو كليهما ؛ وذلك من وجهين:
1/ أن من شروط المحدث حتى يكون بدعة أن يكون مقتضى ( أي سبب ) فعله موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يفعلوا، أما إذا لم يكن مقتضى الفعل موجوداً ثم وجد المقتضى بعد ذلك ففعل ما هو كذلك ليس بدعة، وذلك مثل جمع أبي بكر وعمر للمصحف خشية ذهابه، فمقتضى ( أي سبب ) هذا الفعل ليس موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه بين أظهرهم فلا يخشى ذهاب القرآن فلا داعي لجمعه، لكن بعد موته خشي ذهابه، لذا أدرك أبو بكر بفقهه الدقيق ضرورة الجمع حتى لا يذهب(1) . ومثله يقال في تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، ومن تقسيم العلم الشرعي إلى فقه وتوحيد وتفسير، وتقسيم علوم الآلة إلى أصول الفقه ومصطلح الحديث وأصول التفسير وهكذا … فإن المراد منه تقريب العلم وتسهيله، وهذا كله لم يكن مقتضى (سبب) إيجادها موجوداً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، وإنما وجد بعدُ؛ وذلك لأن الأقوال المنسوبة للعلم كثرت، فإن العلم كلما بعد عن عهد النبوة كثر الكلام فيه، وهؤلاء المتكلمون ما بين مصيبين أومخطئين، وكل منهم يدلل على صحة قوله بالنسبة لمخالفه وهكذا … ذكر عن علي – رضي الله عنه – أنه قال:" العلم نقطة كثرها الجاهلون " (2) ، وأيضاً مما زاد كمية العلم شرح العلماء لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلام من سبقهم لتقريب العلم وتسهيله على المبتدئ، وهذا خير – ولله الحمد -، وأيضاً مما زاده الرد على المخالفين من المبتدعة الضالين، فإن هذا مطلب شرعي واجب تمايز به أهل الحق عمن عداهم، مع كونه مكثراً للعلم إلا أنه ضروري لتنقية ميراث النبوة مما هو دخيل عليه. ومع تضاعف كمية المنسوب للعلم زمناً بعد زمن فإن أذهاننا – في الجملة – خملت وحفظنا ضعف بالنسبة لمن قبلنا .
وذكر الإمام ابن القيم عن الصحابة كلاماً يفيد في بيان الفارق بين الصحابة ومن بعدهم، ومثل هذا من بعض الوجوه يصلح للتفريق بين من بعد الصحابة بالنسبة لمن بعدهم وهكذا … قال – رحمه الله-: فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران، أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا، والثاني: معناه كذا وكذا، وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهمهم متشعبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة، وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها، وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة، وهذا أمر يحس به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها، ثم صار إليها وافاها بذهن كالّ وقوة ضعيفة ا.هـ(1)فإذا عرفت ماسبق تقريره عرفت أن الموجب لهذا التقسيم تقريب العلم، وأن الداعي له لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لذا لم يفعلوه، ومثل هذا لا يوصف بالبدعة إلا عند من يهرف بما لا يعرف .
2/ ليس في تقسيم العلوم إلى ما سبق، أو التوحيد إلى أقسامه الثلاثة أي ضرر ؛ لأنه تقسيم استقراء لما هو مذكور في الكتاب والسنة، وليس فيه إيجاد شيء لم يكن موجوداً .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: وقد دلّ استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام ا.هـ . وقال الشيخ بكر أبو زيد: هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن ،كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء ا.هـ(1) فبان لك – إن شاء الله – أن هذا التقسيم من المصالح المرسلة لا البدع المحدثة، والخلط بينهما يؤدي إلى تجويز البدع أو تحريم المصالح المرسلة قال الشاطبي: فإن كثيراً من الناس عدو أكثر المصالح المرسلة بدعاً، ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وجعلوها حجة فيما ذهبوا إليه من اختراع العبادات ا.هـ(2)

- التعقيب الثاني / قال : وهذا التفريق هو الذي جعل مقلدي ابن تيمية يزعمون ( أن الله لم يبعث الرسل إلا من أجل توحيد الألوهية أما توحيد الربوبية فقد أقر به الكفار!!) ونسوا أن فرعون قال ) أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى((النازعـات: من الآية24) وقوله) يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي((القصص: من الآية38) وأن صاحب إبراهيم قال) أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ((البقرة: من الآية258)ا.هـ (1) في كلامه هذا عدة جهالات من أوجه :
الوجه الأول / أن كلامه هذا يؤكد جهله بمعنى التقسيم الثلاثي لأنواع التوحيد، وذلك أن غاية ما في هذا التقسيم إبراز لما هو موجود في الكتاب والسنة وتقريبه لا إحداث أقسام جديدة فقوله تعالى ) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ((لأعراف: من الآية54)راجع إلى توحيد الربوبية الذي هو إقرار بأفعاله ، وقوله تعالى )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً( (النساء: من الآية36)راجع إلى توحيد الألوهية الذي معناه : إفراد الله بالعبادة دون أحد سواه، وقوله تعالى )وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى((لأعراف: من الآية180)راجع إلى توحيد الأسماء والصفات الذي هو إثبات أسماء الله وصفاته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فإذا تبين هذا تبين أن هذا التقسيم لا يحدث شيئاً . وما يحصل بسببه هو حاصل قبل إبرازه وتقسيمه والله يحبه؛ لأنه موجود قبل ذكر هذه الأقسام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني / أنه يوهم بكلامه أن الإمام ابن تيمية تفرد بهذا التقسيم، وهذا يدل على جهله وقلة اطلاعه، وإلا فإن هذا التقسيم معروف عن جماعة من أهل العلم كأبي حنيفة وصاحبه أبي يوسف وابن بطة وابن مندة وغيرهم – كما تراه في كتاب القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد - ثم على فرض أن ابن تيمية انفرد بهذا التقسيم، فما الضير بما أن هذه الأقسام الثلاثة موجودة في كتاب الله ؟ لاسيما والإمام ابن تيمية معروف بالاستقراء وسعة الاطلاع لنصوص الوحيين وبالأخص ما يتعلق بعلم التوحيد .
الوجه الثالث/ يكابر هذا الجهول في رد ما قرره القرآن الكريم كثيراً من أن كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وزاد على جهله الكذب على مثل الإمام أبي العباس ابن تيمية – رحمه الله – ولا غرابة؛ فإن الرجل كلما علت إمامته في السنة كثر أعداؤه من أهل البدعة، وهذه محمدة لهذا الإمام لا مذمة، قال ابن تيمية: وهذا التوحيد – أي الربوبية - كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ((لقمان: من الآية25) وقال تعالى)قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ( (المؤمنون:86) وقال عنهم )وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ( (يوسف:106) قال طائفة من السلف: يقول لهم من خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون : الله، وهم مع هذا يعبدون غيره. وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية، المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً، فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، فيحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله، ويتوكلون عليه – ثم قال – فالتوحيد الأول – أي الأسماء والصفات -: يتضمن إثبات نعوت الكمال لله، بإثبات أسمائه الحسنى، وما تتضمنه من صفاته . والثاني : يتضمن إخلاص الدين له كما قال )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ((التوبة: من الآية31)فالأول: براءة من التعطيل، والثاني: براءة من الشرك . وأصل الشرك: إما التعطيل مثل تعطيل فرعون موسى، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم إبراهيم، والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله خصوم جمهور الأنبياء. وفي خصوم إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم معطلة ومشركة. لكن التعطيل المحض للذات قليل، وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال، وهو مستلزم لتعطيل الذات ا.هـ (1) وقال: والمشركون كانوا يقرون بهذا التوحيد الذي هو نفي خالقين، لم يكن مشركو العرب تنازع فيه. ولهذا قال الله لهم )أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17) فكانوا يعترفون بأن آلهتهم لا تخلق . ولهذا ذكر الله تعالى هذا التقرير بعد قوله ( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ .بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ . عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( (المؤمنون:84 - 92) ولم يكن إشراكهم أنهم جعلوهم خالقين، بل أن جعلوهم وسائط في العبادة، فاتخذوهم شفعاء، وقالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . كما قال الله تعالى عنهم ) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( (يونس:18) ا.هـ(1) وقال : ومعلوم أن أحداً من الخلق لم يزعم أن الأنبياء والأحبار والرهبان أو المسيح بن مريم شاركوا الله في خلق السماوات والأرض، بل ولا زعم أحد من الناس أن العالم له صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، بل ولا أثبت أحد من بني آدم إلهاً مساوياً لله في جميع صفاته، بل عامة المشركين بالله مقرون بأنه ليس شريكه مثله، بل عامتهم مقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكاً أو نبياً أو كوكباً أو صنماً، كما كان مشركو العرب يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، فقال:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". وقد ذكر أرباب المقالات ما جمعوا من مقالات الأولين والآخرين في الملل والنحل والأراء والديانات، فلم ينقلوا عن أحد إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات، ولا مماثل له في جميع الصفات، بل من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية، الذين يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر، ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين: أحدهما: أنها محدثة، فتكون من جملة المخلوقات له، والثاني: أنها قديمة، لكنها لم تفعل إلا الشر، فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولاتها عن النور. – ثم قال- ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولاً لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا مقرين بالقدر أيضاً، وهم مع هذا مشركون . وقد تبين أنه ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك، ولكن غاية ما يقال: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقاً لغير الله، كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا: إنهم خالقوا أفعالهم . – ثم قال – فأما من أنكر الصانع فذلك جاحد معطل للصانع، كالقول الذي أظهره فرعون، والكلام الآن مع المشركين بالله المقرين بوجوده، فإذاً هذا التوحيد الذي قرروه لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون، بل يقرون به مع أنهم مشركون، كما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وكما علم بالاضطرار من دين الإسلام. ا.هـ(1) وقال: وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقناً في الباطن، كما قال له موسى )قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ((الاسراء: من الآية102) وقال تعالى عنه وعن قومه )وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ((النمل: من الآية14) ا.هـ (2) .
من كلام ابن تيمية السابق والأدلة التي أوردها يتبين أن كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وإن كان في الكفار المعادين لإبراهيم عليه السلام من أنكر الربوبية، لكن ليسوا من كفار قريش، فابن تيمية لم يعمم كلامه، وإنما كلامه في كفار قريش. ثم هؤلاء المنكرون لوجوده قلة، وإنكارهم مكابرة، وإلا فهم مستيقنون به في أنفسهم . وقد ذكر ابن كثير أن ملك بابل نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم عليه السلام كان معانداً مكابراً (1).
ومن عجيب أمر هذا المالكي أنه نسب إلى ابن تيمية تكفير المسلمين ودافع هذه الفرية الجهل والظلم، أما الجهل: فهو عدم معرفته الفرق بين النوع والعين – كما سيأتي -، أما الظلم: فهو مخالفته لكلام ابن تيمية الصريح في بيان حاله لما قال – رحمه الله - : هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية ا.هـ(2)
وقال: ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ا.هـ(1) .
بعد أن عرفت – أيها القارئ – ابن تيمية وأنه من أقل الناس تكفيراً للمعين، وشدة إعذاره للمخالف، فلماذا يصر المالكي على افترائه، والتقول عليه؟ ولماذا لا نراه يتسلط على الرافضة مكفرة الصحابة ومكفرة أكثر المسلمين عياناً لا نوعاً فحسب؟ أدع الجواب للقارئ العارف بحال المالكي .

التعقيب الثالث / قوله : وهذا التفريق والاستنتاجات السابقة جرأت مقلدي ابن تيمية – رحمه الله وسامحه- على تكفير المسلمين الذين حصل لهم خطأ في الاعتقاد وكان الأولى أن يخطأوا أو يبدعوا – إن ثبت عليهم ذلك – لا أن يتهموا بالشرك وهم قائمون بأركان الإسلام وأركان الإيمان ا.هـ(2) في كلامه هذا جهالات عظام من أوجه :
الوجه الأول / جعل هذا التقسيم سبباً في تكفير المسلمين عند مقلدي ابن تيمية – على حد قوله – من البهتان، وذلك أنه قد سبق بيان أن مدلول هذا التقسيم موجود في كتاب الله ويعرفه كل أهل العلم، فلا يصح تخصيص مقلدي ابن تيمية به لاسيما وقد نطق بهذا التقسيم من هو أقدم من ابن تيمية كما سبق، والذي دعاه إلى تخصيص من سماهم مقلدي ابن تيمية مرض في قلبه يعرفه من عرف حال هذا المالكي الظلوم .
الوجه الثاني / أن جهل المالكي أو ظلمه هو الذي جعله يعتبر هذا التقسيم الثلاثي سبباً في تكفير المسلمين، فأين يا ظلوم من كفر المسلمين؟ وإن من كفر من وقع في شرك الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات تكفير نوع أو تكفير عين لمن توافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع فهو مكفر من كفره الشرع لأن الشرع كفره، ومن كفر بناء على دليل شرعي صحيح فهذه من محامده، لأنه استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يذم من خالف ذلك كهذا المالكي الجهول.
الوجه الثالث / لم يبين المالكي من مقلدو ابن تيمية حتى ننظر في مصداق قوله – لاسيما وهو ممن لا يوثق بنقله ولا بفهمه لما سبق – وإلا فالذي يعرف ابن تيمية يعرف أنه لم ينفرد بمعتقده في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، بل إنه – رحمه الله – دعا لما كان عليه السلف الصالح كما قال في صدر العقيدة التي كتبها لرجل بواسط: أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة …ا.هـ وقال:ما جمعت إلا عقيدة السلف الصالح جميعهم، ليس للإمام أحمد اختصاص بهذا، والإمام أحمد إنما هو مبلغ العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قال أحمد من تلقاء نفسه ما لم يجئ به الرسول لم نقبله، وهذه عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم !! وقلت مرات: قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين، فإن جاء بحرف واحد عن أحد القرون الثلاثة – التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:" خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " – يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك ا.هـ(1) . فالمالكي مطالب ببيان من يقصد بمقلدي ابن تيمية، وإلا فإن الكلام بالمجملات التي هي طريقة أهل البدع لا تسمن ولا تغني من جوع .
الوجه الرابع / قرر المالكي الجهول أن من كان قائماً بأركان الإسلام وأركان الإيمان لا يكفر، ولو وقع في مكفر، وههنا وقع في خطأين :
الأول : أنه تصور رجلاً قائماً بأركان الإسلام وأركان الإيمان حقيقة مع وقوعه في الكفر والشرك الأكبر، وهذا ممتنع شرعاً؛ لأن القيام بهذه الأمور لا يجتمع مع الكفر والشرك الأكبرين؛ فإنهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان .
الثاني: أنه على فرض قيام المسلم بهذه الأمور فإنه بمجرد وقوعه في الكفر تحبط أعماله كلها ولا تنفعه ويصير كافراً مرتداً بعد كونه مسلماً كما قال تعالى ) لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ((الزمر: من الآية65) وقال)وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (الأنعام: من الآية88) .
الوجه الخامس/ لا يفرق ابن فرحان المالكي بين تكفير العمل، وتكفير العامل، وبعبارة أخرى: بين تكفير النوع وتكفير العين، فلما رأى كلام الإمام ابن تيمية وأئمة السنة في تكفير أعمال ظنهم يكفرون كل معين يعمل بهذه الأعمال، وهذا من الجهل والتقول عليهم، فإن هؤلاء الأئمة لا يحكمون على عمل بأنه كفر إلا بدليل شرعي معتبر، وإذا وجد معين عمل بهذا المكفر لم يكفروه حتى تتوافر في حقه الشروط وتنتفي عنه الموانع، قال ابن تيمية: : وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم ، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً ، فيتعارض عندهم الدليلان ، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه . فإن الإمام أحمد – مثلاً – قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ؛ بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم : يكفرون كل من لم يكن جهمياً موافقاً لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن – ثم قال – ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم ؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب . ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون : القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة – ثم قال – أو يحمل الأمر على التفصيل . فيقال : من كفّر بعينه فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ومن لم يكفره بعينه فلنتفاء ذلك في حقه هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم . والدليل على هذا الأصل : الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ا.هـ(1) وقال : فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين … - ثم قال – والأصل الثاني: أن التكفير العام – كالوعيد العام – يجب القول بإطلاقه وعمومه . وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ا.هـ(2)
تنبيه / إذا تبين لك أن هذا المالكي يجهل مسلمات وبدهيات مسائل توحيد الألوهية القائمة على الأدلة المتواترة من الكتاب والسنة عجِبْتَ كيف سمحت له نفسه أن يتطاول بظلم وبغي وافتراء على كتاب من خيرة ما كتب الإمام المجدد المصلح محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – ألا وهو كتاب كشف الشبهات، لكن إذا عرفت مَنْ المالكي؟ وما قدر فهمه؟ وإلى أي حد بلغ به الجهل في مسائل التوحيد، لم تستنكر صدور مثل هذا منه. وكما قيل: لا يبلغ الأعداء من الجاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه .
التعقيب الرابع / يذم المالكي الحنابلة كثيراً في كتابه ويردد قوله: إنه مذهب قائم على الاجتهاد، وأنهم لم يجمعوا الحق كله، بل عند مخالفيهم من الحق ما ليس عندهم والعكس. وذم المالكي للحنابلة هو من جملة الكلام بالمجمل، ولبس الحق بالباطل ليلتبس الحال على الجهال، وهذه هي طريقة أهل البدع كما سبق تقريره في الأساس التاسع . وإلا فإن ذم الحنابلة له حالتان:
1- أنه يريد المذهب الحنبلي الفقهي قسيم الحنفية والمالكية والشافعية، فما ذكر من أنهم لم يجمعوا الحق، وأن عند غيرهم من الشافعية حقاً ليس عندهم فهذا صحيح معروف، وهكذا بقية المذاهب الفقهية الإسلامية كالمالكية والحنفية والظاهرية . لكن ذم الحنابلة والقدح فيهم خطأ؛ لأن مجتهديهم في هذه المسائل الفقهية ما بين مصيب له أجران، أو مخطئ له أجر واحد، كما ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " ثم لماذا يخصص الحنابلة من بين المذاهب الأخرى الفقهية.
2- أنه يريد الحنابلة في المعتقد، وهم المسمون بالسلفية وأهل الحديث، فهؤلاء جمعوا الحق كله فيما لم يختلف فيه السلف الصالح، فمخالفهم على الباطل يقيناً؛ لأن هؤلاء على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق تقريره في الأساس الخامس. وليس هؤلاء قسيماً للشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية، بل إن كل من كان سلفياً فهو حنبلي بهذا المعنى؛ لذا لما أراد أبو الحسن الأشعري التوبة من عقيدته الاعتزالية إلى عقيدة السلفيين قال: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفخم، وعلى جميع أئمة المسلمين ا.هـ(1) . فأبو الحسن الأشعري انتسب إلى الحنابلة مذهباً عقدياً لا مذهباً فقهياً؛ لذا بين أنه مغاير للمعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة، وهذه مذاهب عقدية لا فقهية . وأبان في ثنايا كلامه سبب الانتساب إلى معتقد أحمد بن حنبل مع أنه ذكر أنه على معتقد رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه والتابعين وهؤلاء سابقون للإمام أحمد، والسبب هو أن الإمام أحمد نصر الله به السنة في وقت تقهقر كثير من أئمة المسلمين. قال ابن تيمية: وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى، ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها، وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى )وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ( (السجدة:24) ، فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين، فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعاً لمن بعده، كما كان تابعاً لمن قبله. وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ا.هـ(1) .
فقول المالكي أو غيره في الحنابلة أنه مذهب قائم على الاجتهاد وأن فيه حقاً وصواباً وهكذا… لا يقبل إذا عنى به الحنابلة معتقداً – كما سبق - . وبالفعل هذا ما صنعه المالكي فإنه يقدح في الحنابلة معتقداً لا مذهباً فقهياً، يلبس على الدهماء بأنه يريد الحنابلة مذهباً فقهياً فقال: وكان أهل الحديث المسمّون فيما بعد بالسلفية أو الحنابلة ا.هـ(2)وقال: وهذا لا يتعارض مع نقدي لأخطاء المسلمين أو السنة أو السلفية أو الحنابلة، ولا يتناقض مع الاعتراف بما عند المذاهب الأخرى من حق ا.هـ(3) وقال: وكان الحنابلة يسمون أنفسهم (أهل السنة والجماعة ) أو ( أتباع السلف الصالح) مدعين السير على منهجهم، لكن لا يقر لهم بذلك مخالفوهم من الشافعية والحنفية والمالكية والظاهرية فضلاً عن المعتزلة والشيعة ا.هـ(4) أرأيت كيف خلط بين الحنابلة بالمعنيين، وألبس الحق بالباطل ليتمكن من الطعن في المعتقد السلفي الحق. فعاقبة مكره راجعة عليه كما قال تعالى) وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ((فاطر: من الآية43).

التعقيب الخامس / لما علم المبتدعة ومنهم هذا المالكي أن الاحتجاج بفهم السلف الصالح يقتضي الحكم على مذاهبهم كلها بأنها باطلة مردودة غير مقبولة لكونها مذاهب مبتدعة سعوا جاهدين في رد الاحتجاج به أو التشكيك في صلاحيته . قال المالكي: بدعة اشتراط فهم السلف – ثم قال – ترى أصحاب العقائد وأخص هنا أصحاب السلفية يشترطون شروطاً ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقطعوا به كل آمال الاتفاق . فالله عز وجل أرشدنا عند اختلافنا مع المسلمين أن نرجع للكتاب والسنة لقوله تعالى ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً((النساء: من الآية59) ا.هـ(1) وقال: وهكذا أصبح المصطلح ( مصطلح السلف الصالح) مصطلح عائم يدور مع المذهبية أينما كانت ا.هـ(2) وقد سبق وأن أبنت في الأساس الرابع أن فهم السلف حجة في الشريعة، دلنا على ذلك كتاب ربنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللذان أمرنا برد النزاع إليهما، و أبنت هناك أن أهل البدع لا يتمسكون بفهم السلف الصالح؛ لأن (مقتضى) كونهم أهل بدع ينافي اتباع السلف؛ فهم طوائف مبتدعة، والسلف وأتباعهم متبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا مبتدعون، وذكرت أنه وإن وجد أحد من المبتدعة يدعي اتباع السلف؛ فإنه يُحَجُّ بمذهب السلف الذي يدعي اتباعهم في ترك بدعته التي هو قائم عليها ، وبهذا كله تدرك أن محاولة المبتدعة، ومنهم المالكي في إسقاط حجية فهم السلف، لم تزدهم إلا خبالاً وانكشافاً لمخالفتهم الشديدة للكتاب والسنة الصحيحة .

التعقيب السادس / ومن عجيب تعالم المالكي أنه أدى به إلى القول بأن لفظة ( عقيدة ) بدعة محدثة فقال: أيضاً لم ترد (العقيدة ) في حديث صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، ولا موضوع ا.هـ(1) وقال: ولأن هذا اللفظ مبتدع وليس له أصل شرعي لا في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ا.هـ(2) وقد سبق في التعقيب الأول تأصيل معنى البدعة، وأنه لا يشترط في هذه الألفاظ الاتباع لأنها من المصالح المرسلة لا من البدع المحدثة فليراجع، لذا لم يسبق المالكي – فيما أعلم - أحد في تبديع هذا اللفظ من العلماء المعتبرين . وهل يبدع المالكي تقسيم علوم الآلة إلى علم مصطلح الحديث وأصول الفقه وأصول التفسير ؟ وهل يبدع تقسيم العلوم الشرعية إلى فقه وتوحيد وتفسير؟ هذا ما لا أظنه. فلماذا - إذاً- خصص لفظ العقيدة بالتبديع؟ .

التعقيب السابع/ قد نقلت في أوائل هذا الرد – الذي أسأل الله أن يحق به الحق ويبطل به الباطل – شيئاً من كلمات المالكي في وصف كتب السلف بأنها كتب تجسيم. وقد سبق أن أبنت في الأساس الثامن أن السلف الصالح بريئون من هذه الفرية، بل وذكروا بأنه لا يرميهم بها إلا من كان معطلاً، وصدقوا، أماتني الله على عقيدتهم، وإلا فهل إثبات الصفات الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه؟ متى كان إثبات اليدين والسمع والبصر والنزول إثباتاً على مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً ؟ وقد أورد المالكي أمثلة أراد بها إلصاق تهمة التشبيه بالسلف الصالح، وأنى له ذلك، وهم الذين أنكروا التشبيه غاية الإنكار، ومنعوا الخوض في الكيفيات؛ لذا لا يوجد في أمثلته التي أوردها من كلام السلف شيء يتعلق بكيفية صفات الله، فعاد هذا الباغي الخاسر خاسئاً، وصدق في حقه:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
قال ابن خزيمة: فهل يخطر – يا ذوي الحجا – ببال عاقل مركب فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شبيه بذالك الوجه؟ وهل ها هنا – أيها العقلاء – تشبيه وجه ربنا – جل ثناؤه – الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم، التي ذكرناها ووصفناها ؟ غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم، كما سمى الله وجهه وجهاً، ولو كان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل: أن لبني آدم وجهاً وللخنازير والقردة والكلاب والسباع والحمير والبغال والحيات والعقارب وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب وغيرها مما ذكرت . ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه، لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد والدب والكلب والحمار والبغل ونحو هذا إلا غضب؛ لأنه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه . ولست أحسب أن عاقلاً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب والزور والبهت أو بالعته والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا . فتفكروا يا ذوي الألباب: أوجوه ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟ فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع – واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم – فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبهة ؟ ا.هـ(1)







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» حينما يكون الإسلاميون سفراء لليبرالية !
»» شكرا د. محمد الهرفي الليبراليون السعوديون خيانةٌ للمبادئ أم شهوةٌ في الانتقام ؟
»» أنا السلفي
»» قناة المجد وتيار جديد يدخلها لهدمها من داخلها
»» مناظرة للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان يفحم فيها الخوارج
 
قديم 08-12-09, 11:40 PM   رقم المشاركة : 9
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


التعقيب الثامن / قدح المالكي في كتب العقائد؛ لأنه يوجد بها أحاديث ضعيفة ومكذوبة تتعلق بالصفات تفيد التجسيم والتشبيه (2). وقد سبق بيان هذا في الأساس العاشر فراجعه تعلم أنه قد انكشف حال المالكي بمعايير السلف، وتبين أن لديه في هذا الباب خللاً كغيره من أبواب الاعتقاد. فالحمد لله أولاً وآخراً من قبل ومن بعد.

التعقيب التاسع / قد وصف المالكي بعض الأحاديث بأن فيها تجسيماً، وأن هذا في كتب الحنابلة. لأجل هذه الدعوى أقف مع بعضها حتى أريك أنه لا تجسيم فيها إلا عند المبتدعة أهل التعطيل :
الحديث الأول / قال: وروى عبد الله بن أحمد بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن الله عز وجل يجلس على الكرسي فما يفضل من الكرسي إلا قيد أربع أصابع، وأن له أطيطاً كأطيط الرحل إذا ركب ". وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تجسيم واضح . ا.هـ(1) وهذا الحديث– كما قال – لا يصح؛ لأن في إسناده عبد الله بن خليفة، وقد قال الذهبي: لا يكاد يعرف – كما سبق – ورجح يحيى بن معين الوجه المرسل(2) .
لكن أين التشبيه والتجسيم المزعوم فيه؟ أيريد أن إثبات صفة الجلوس يقتضي التشبيه؟ – إذاً – فليصرح أن إثبات صفة الاستواء لله المذكورة في سبع مواضع من القرآن تقتضي التشبيه؛ لأن المانع الذي يوجد في قلب المعطل من إثبات الجلوس هو نفسه متحقق في صفة الاستواء . ثم ليعلم السلفيون أن من معاني الاستواء الاستقرار . قال ابن القيم في الكافية الشافية :
فلهـم عبــارات عليـه أربــع قد حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران
وكذا قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسـيره أدرى من الجـهمي بالقرآن
وهذا الحديث خرجه غير عبد الله بن أحمد في السنة كابن خزيمة في كتاب التوحيد(1)، وابن جرير في تفسيره والدار قطني في الصفات (2)، وقد ساق ابن القيم عدة أحاديث فيها إثبات صفة القعود والجلوس فلتراجع(3).
الحديث الثاني / قال : روى عبد الله بن أحمد – وساق إسناده – عن أبي عطاف قال: " كتب الله التوراة لموسى عليه السلام بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة في ألواح در فسمع صريف القلم ليس بينه وبينه إلا الحجاب " أقول: فهذا من الإسرائيليات المكذوبة أو خزعبلات العوام وتوهمات الأعراب ا.هـ(4) مثل هذا ليس حجة يحتج به، ولا دليلاً يعتمد عليه، وقوله: وهو مسند ظهره…الخ إما أنه يعود على الله سبحانه، أو على موسى عليه السلام؛ فإن كان يعود على الله سبحانه فلا إشكال فيه ولو كان ثابتاً لآمنا به إيماناً يليق بجلال الله وعظيم سلطانه، مثله مثل الاستواء تماماً، بل لعل الاستواء عند أهل التعطيل أشنع . إما إذا كان يعود على موسى عليه السلام فحتى أهل التعطيل لا يستشكلونه، وهذا المالكي المعطل هوّل واندفع وجزم أنه كذب إن كان من الإسرائيليات، فخالف لجهله ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال:" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " .
الحديث الثالث / قال: وروى ابن أحمد أيضاً بإسناده عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة ملك في صورة رجل وملك في صورة أسد وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر في روضة خضراء دونه فراش من ذهب " !! أقول: هذا الأثر مكذوب على ابن عباس وفيه تجسيم ا.هـ(1)
أخرج هذا الأثر غير الإمام عبد الله بن أحمد كابن أبي شيبة(2) ، وابن خزيمة(3)، والآجري (4) فإن ثبت سماع عبد الله بن أبي سلمة الماجشون من ابن عمر، وثبت تصريح ابن اسحاق بالسماع، فالأثر صحيح ولا إشكال فيه. وليس له علاقة بالتشبيه لا من قريب ولا من بعيد، فإنه وصف كيفية المخلوقات كالكرسي والملائكة الحاملة للعرش لا الباري سبحانه، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه إلا رؤيا منام لا رؤيا عيان يقظان، ورؤيته المنامية ليست على صورة الله سبحانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عمر بن ثابت الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت " رواه مسلم . ومثل هذا لو كان فيه تشبيه فهو إلى الصورة المرئية لا إلى صورة الله الحقيقية . قال ابن تيمية: هذا مع أن عامة ما فيه من تأويل الأحاديث الصحيحة هي تأويلات المريسي وأمثاله من الجهمية. وقد يكون الحديث مناماً كحديث رؤية ربه في أحسن صورة، فيجعلونه يقظة، ويجعلونه ليلة المعراج، ثم يتأولونه ا.هـ(1) .
تنبيه / لم يختلف الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه عياناً ببصره. قال ابن القيم: وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد له، إجماع الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك، وشيخنا ( أي ابن تيمية ) يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة. فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه، وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال: أنه صلى الله عليه وسلم رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه، ولفظ أحمد كلفظ ابن عباس – رضي الله عنهما – ويدل على صحة ما قاله شيخنا في معنى حديث أبي ذر – رضي الله عنه – قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: حجابه النور . فهذا النور هو – والله أعلم – النور المذكور في حديث أبي ذر – رضي الله عنه – رأيت نوراً .ا.هـ(2)
الحديث الرابع / قال: وروى عبد الله بن أحمد أيضاً بإسناده عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "لما كلم موسى عليه السلام ربه عز وجل كان عليه جبة صوف وعمامة صوف ونعلان من جلد حمار غير زكي" وقد أخرج هذا الأثر الآجري في الشريعة وابن بطة وهما من الحنابلة، والأثر مكذوب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه تجسيم يلزم منه استهانة بالذات الإلهية لكن لازم القول ليس بقول وقد يقول البعض إن هذا يريد منه القائل وصفاً لموسى لا لله عز وجل، أقول: أرجو ذلك ولكن يعكر على هذا الاعتذار أن سياق الآثار في الباب كله إثبات صفات الله عز وجل – ثم قال – ولا فائدة لهم هنا في ذكر لبس موسى فإن هذا مما لا دخل له بالعقيدة ولا السنة !! ا.هـ (1) .
أراد المالكي أن يلبس على القراء بأن الحنابلة ( قسيم الشافعية وبقية المذاهب الفقهية ) تفردوا بإخراج هذا الحديث ليقوي دعواه بأنهم مجسمة، لكن – ولله الحمد – كان سعيه هذا مردوداً، ولأهل البصائر مكشوفاً؛ فإن هذا الحديث خرجه أهل السنة السلفيون قبل ولادة عبد الله بن الإمام أحمد كسعيد بن منصور(2)، وأخرجه غير الحنابلة كالترمذي(3)، والحاكم في المستدرك(4)، وابن جرير في تفسيره (5) . وقد بين الإمام ابن جرير أن اللابس للجبة والعمامة والنعلين هو موسى عليه السلام، وحكم على الحديث بالضعف، وضعفه الذهبي في تلخيصه للمستدرك. وقد جزم المالكي بأن الإمام عبد الله بن أحمد أورده على أن الله هو اللابس بدلالة أنه لو لم يكن كذلك لما رواه في كتاب من كتب العقيدة. وهذا الاعتراض باطل عاطل؛ لأن الحديث متعلق بالصفات وإن لم تكن فيه ذكر الجبة والعمامة والنعلين، وهو إثبات صفة كلام الله لموسى عليه السلام. فهل بعد هذا يدرك القراء الكرام مدى استيعاب المالكي العقلي وفهمه؟!
الحديث الخامس / قال: وأنه ينزل كل عشية ما بين المغرب والعصر ينظر لأعمال بني آدم ا.هـ(1)
قد أورد المالكي المعطل هذا مثالاً على التجسيم والتشبيه الموجود في كتب الحنابلة، وهذا مما يؤكد أن المالكي معطل غالٍ في التعطيل، وإلا فما الفرق بين هذا وحديث أبي هريرة المتفق على صحته من أنه سبحانه ينزل كل ليلة إذا بقي الثلث الآخر من الليل فيقول: هل من داع فأستجيب له … الحديث؟
وإن طالت بكم حياة سترون كيف أن المالكي يشنع على هذه الأحاديث، قال الإمام البربهاري في شرح السنة: وإذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع، فاحذره؛ فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر ا.هـ وقال: مثل أصحاب البدع مثل العقارب، يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا. وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلّغوا ما يريدون ا.هـ(2).
الحديث السادس / قال: وأن هذه الرياح من نفس الرحمن ا.هـ (3)يعني ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب قال:" لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن " فهم المالكي لجهله أو لسوء طويته أو لكليهما أن المراد بالنفس نفس تخرج من الله، وقد سبق المالكي إلى هذا الظن الكذوب أشياخه المعطلة وعلى رأسهم بشر المريسي، فرد عليه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي فقال – رحمه الله– في نقضه:فممن سمعت أيها المعارض أن هذا نفس يخرج من جوف الله تعالى، وهذا الحديث معروف معقول المعنى، جهلت معناه، فصرفته إلى غيره مما لم نر أحداً يقوله، أو يذهب إليه، إنما فسره العلماء على الروح الذي يأتي بها الريح من نحو اليمن، لأن مهب الريح من هناك من عندهم، فأما أن يقول أحد: هو نفس يخرج من جوف الرحمن، فما سمعنا أحداً يقوله قبلك، وأدنى ما عليك في الكذب أن ترمي قوماً مشنعاً عليهم، ثم لا تقدر أن تثبته عليهم، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم :" الإيمان يمان والحكمة يمانية " أي أنه جاء من قبل مكة ا.هـ(1) وقال أبو يعلى: اعلم أن شيخنا أبا عبد الله ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره في أن الريح صفة ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه أن الريح مما يفرج الله عز وجل بها عن المكروب والمغموم، فيكون معنى النفس معنى التنفيس وذلك معروف في قولهم: نفست عن فلان، أي فرجت عنه، وكلمت زيداً في التنفيس عن غريمه، ويقال نفس الله عن فلان كربة أي فرج عنه، وروي في الخبر" من نفس عن مكروب كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة "، وروى في الخبر أن الله فرج عن نبيه بالريح يوم الأحزاب فقال سبحانه) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ((الأحزاب: من الآية9) .ا.هـ(2)
تنبيه / مما يؤسف ويؤلم كل سني سلفي، ويفرح ويسعد كل بدعي خلفي ما قام به محقق كتاب السنة للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل محمد بن سعيد القحطاني – هداه الله – في تحقيقه لهذا الكتاب العظيم؛ إذ سود على الكتاب حواشي وتعليقات يعيب فيها على الإمام عبد الله بن أحمد إيراده لبعض الأحاديث والآثار لزعمه أن فيها تجسيماً وتشبيهاً. وقد استفاد من كلامه هذا أهل البدع كالمالكي وغيره كما في شبكة الإنترنت؛ لذا كان لزاماً الإشارة إلى أن في تعليقاته أخطاء وافق فيها أهل البدع، وأهل السنة السلفيون بريئون منها. ومن ذلك قوله – سامحه الله – على قول ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة …الحديث – وقد سبق رد كلام المالكي عليه -: ثم هو دخول في الكيفية وهو على خلاف مذهب السلف الذي يقرر أن الكلام في كيفية الذات أو الصفات من الأمور البدعية ا.هـ(1) أين الكلام عن كيفية صفة الله ؟ راجع ما سبق ذكره من الرد على المالكي .
وقال على أثر أبي عطاف أن الله كتب التوراة لموسى وهو مسند ظهره …الأثر- وقد سبق رد كلام المالكي عليه -: هذا من الإسرائيليات المقطوع ببطلانها …ا.هـ(2)سبحان الله ما موجب البطلان ؟ وهل في الأثر تجسيم؟ راجع الرد على كلام المالكي . وقال على قول خالد بن معدان:" إن الرحمن سبحانه وتعالى ليثقل على حملة العرش…"الأثر: والذي أراه أن هذا كلام في كيفية الصفة …ا.هـ(3) قل لي بربك أين الكلام في كيفية الصفة؟ والذي يظهر أنه لضعف الإثبات عنده صار يعد إثبات صفة من الصفات خوضاً في الكيفيات .
وقال: ثم هو دخول في الكيفية والكلام فيها مخالف لصريح مذهب السلف، بل هذا الكلام أقرب إلى الفكر البرهيمي منه إلى غيره كما هو معلوم في ديانة البراهمة ا.هـ(1) وقال: وهذا الأثر يقال فيه ما قيل فيما شاكله، وهو أن الكلام في كيفية الصفة ليس من مذهب السلف ا.هـ(2) .
فهذا الكلام ومثله مما تركت ذكره دليل على ضعف الإثبات عنده، وقد تقدم قول وكيع والإمام أحمد بن حنبل فيمن استنكر مثل هذا، وكان ينبغي للقحطاني قبل تعجله في زعمه أن بكتاب السنة تجسيماً أن يتساءل: أين سلف الأمة والمحققون من السلفيين عن نقد هذا الكتاب ؟ كيف يجمعون على الثناء عليه، والوصاية به من غير نكير، بل جعلوه مرجعاً من مراجع كتب الاعتقاد، وفيه ما فيه من التجسيم ؟ ولو تروى لعلم أن ما نقده لم ينفرد به عبد الله في كتاب السنة، بل وغيره من أهل السنة يروونه في كتب الاعتقاد، فأين هم عما فطن له لو كان حقاً؟
ومن نافلة القول أن تعلم أن القحطاني خلّط في تصحيحه وتضعيفه لأحاديث وآثار الكتاب(3) .
وأنبه الإخوة بأن لهذا المحقق تحقيقاً على كتاب الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني، وقد عظم في المقدمة هذا الكتاب وجعله من خيرة كتب أهل السنة، فكان مما قال: فكان هذا الإمام علماً من أعلام أهل السنة والجماعة ا.هـ(1) بعد أن تذمر من انتشار الأشاعرة في علماء القراءات . وقال: أن هذه الرسالة من أروع ما قرأت واطلعت عليه في كتب العقيدة، حيث لا يوجد فيها كلمة واحدة من مصطلحات علم الكلام ا.هـ(2) وقال: إخراج هذه الرسالة برهان ساطع على اتفاق أهل السنة والجماعة في أمور العقيدة ا.هـ(3)، وقال: وأدعوه تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة العظيمة، وأن تكون زاداً لطلاب العلم في معرفة الدين الحق ا.هـ(4) وقال: اعتماده اعتماداً كلياً على نصوص الوحيين في كل مسألة عرض لها، وفي نفس الوقت ابتعد ابتعاداً كلياً عن مصطلحات علم الكلام والفلسفة ا.هـ(5)، وقال أيضاً: من الثابت لدى المتأمل في تاريخ الفرق أن توحيد الأسماء والصفات هو أكثر أنواع التوحيد التي وقع فيها الخلاف، ولهذا حرص المصنف- رحمه الله – على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل صفة ورد النص الشرعي بها أثبتها وساق أدلتها، ومن ذلك كلامه في النزول، والاستواء، والعلو، والغضب، والرضا وغير ذلك مما تجده في ثنايا هذه الرسالة القيمة ا.هـ(1) وقال: لذا أهيب بكل غيور على دينه وعقيدته أن يحرص عليها ويعلمها لمن حوله، وأن يجعلها طلاب العلم والعلماء في طليعة ما يدرسونه لطلابهم في مسائل الاعتقاد ا.هـ(2)
وبعد مدحه وثنائه وتبجيله لهذا الكتاب الذي يجعل من لا دراية له يقبل على تحفظه واعتقاد ما فيه، تجد أن المؤلف كتب الكتاب مقرراً عقيدة أهل البدع كالأشاعرة . وإليك شيئاً من تقريرات أبي عمرو الداني لتعرف حقيقة الحال:
1- قال – رحمه الله - : أن أول ما افترضه الله تعالى على جميع العباد إذا بلغوا حد التكليف: النظر في آياته، والاعتبار بمقدوراته ا.هـ(3).
2- قال: إن الله تعالى لم يزل مريداً، وشائياً، ومحباً، وراضياً، وساخطاً، وموالياً، ومعادياً، ورحيماً، ورحماناً، وأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته في خلقه ا.هـ(4) وقال: ومشيئته تبارك وتعالى، ومحبته، ورضاه، ورحمته وغضبه، وسخطه، وولايته، وعداوته هو أجمع راجع إلى إرادته ا.هـ(5) .
3- قال: واستواؤه جل جلاله: علوه بغير كيفية، ولا تحديد ، ولا مجاورة، ولا مماسة ا.هـ(6)
4- قال: ونزوله تبارك وتعالى كيف شاء، لا حد تكييف ولا وصف بانتقال، ولا زوال. وقال بعض أصحابنا: ينزل أمره تبارك وتعالى، واحتج بقوله عز وجل )اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ((الطلاق: من الآية12) وكذا روى حبيب عن مالك بن أنس - رحمه الله - . ا.هـ(1) وحبيب هذا قال النسائي: أحاديثه كلها موضوعة عن مالك وغيره . وانظر كلام ابن القيم في مختصر الصواعق (2).
5- قال: ومعنى قوله )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( (الذريات:56) الخصوص يريد بعضهم وهم الذين علم أنهم يعبدونه، لأنه قال في آية أخرى )وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ ((لأعراف: من الآية179) ومن ذرأه لجهنم لم يخلقه لعبادته ا.هـ(3) وكلام أبي عمرو الداني هذا مبني على عقيدة الجبر عند الأشاعرة، فجعل اللام موجبة ؛ لأن الإرادة عندهم الكونية دون الشرعية، وقول أهل السنة أن اللام غائية وأن إرادة الله عبادة العباد له إرادة شرعية لا كونية يلزم وقوعها (4).
6- قال: ومن قولهم: إن كلام الله صفة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفاً به ا.هـ(5)
وهذا مبني على عقيدة الأشاعرة وهي: أن كلام الله صفة ذاتية لا فعلية، لذا هي عندهم صفات قديمة لا تتجدد آحادها بحسب الحوادث . وهذا ما قرره أبو عمرو الداني نفسه في أرجوزته التي أثنى عليها المحقق نفسه – كما في المقدمة - إذ قال:
كلامه وقوله قديم وهو فوق عرشه العظيم
7- قال: ورؤيته تعالى بغير حد ولا نهاية ولا مقابلة ولا محادة ا.هـ(1) ومؤدى هذا كما يعلم أهل السنة إنكار الرؤية .
8- قال: فإن قال قائل: فما الإيمان عند المتكلمين من أصحابكم؟ قلت: التصديق كما قدمناه أولاً، ودللنا على صحته. فإن قال: وما الطاعات عندهم ؟ قلنا: شرائع الإيمان، بدليل قوله تعالى في غير موضع )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ((البقرة: من الآية277) فوصفهم بالإيمان ووصفهم بعمل الصالحات، فدل على أن الأعمال الصالحة شرائع الإيمان، وأن الإيمان هو التصديق . فإن قال: تأويل ابن عباس والبراء لقوله ) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ((البقرة: من الآية143)يعني صلاتكم، يدل على أن الإيمان: الطاعات، وأن كل طاعة إيمان ؟ قلت: ليس بدال على ذلك؛ إذ ممكن أن يحمل ذلك على التوسع، فلذلك سمينا الصلاة إيماناً إذ كانت من شرائع الإيمان ، وبالله التوفيق ا.هـ(2) هذا منه إرجاء فإن الأشاعرة في باب الإيمان مرجئة، فالإيمان عندهم التصديق، وليس العمل منه، أما أهل السنة السلفيون فالإيمان عندهم: قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والكفر عندهم يكون بالقول كالسب والاستهزاء والقول بأن الله ثالث ثلاثة، والعمل كإهانة المصحف وقتل النبي والسجود للأصنام، والاعتقاد كاعتقاد أن أحداً غير الله يعلم الغيب .
9- قال: والخلق عاجزون غير مستطيعين إلا شيئاً قدره الله تعالى . والاستطاعة مع الفعل لا قبله، بدليل أنها سبب له، يوجد الفعل بوجودها، ويعدم بعدمها، والكل عاجزون عن طاعته إلا بتوفيقه، وغير قادرين على معصيته إلا بتقديره ا.هـ(1) وفي هذا تقرير لعقيدة الجبر؛ فإن الأشاعرة في باب القدر جبرية .أما أهل السنة السلفيون فالاستطاعة عندهم نوعان: قبل الفعل، ومع الفعل .
وإني لأهيب بأهل السنة أن يتبرؤوا من هذه التحقيقات حماية وذوداً عن المعتقد السلفي، وأهيب بمحمد بن سعيد القحطاني أن يتراجع ويعلن تراجعه، قال تعالى )إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ((البقرة: من الآية160) . وقد بُشّرتُ بأن الكتاب طُبع طبعة جديدة لمحقق آخر سليم مما وقع فيه القحطاني، بل واستدرك على أبي عمرو الداني فليتأكد.

التعقيب العاشر / قال: من سمات كتب العقائد عند غلاة الحنابلة أنهم يتساهلون مع اليهود والنصارى ويفضلون مخالطتهم ومآكلتهم على إخوانهم المسلمين. نقل البربهاري أثراً ص139 يقول( آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع) !!(2)
هذا الذي عابه المالكي على سلف الأمة هو من مناقبهم ومحاسنهم؛ لأنهم في ذلك متبعون للأسوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ رجاء ما عند الله القائل) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ( (الأحزاب:21) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شدد على المبتدعة كالخوارج المسلمين بإجماع الصحابة(1)، وحظ على قتلهم بخلاف غيرهم من الكفار كالمعاهدين الذين روى عبد الله بن عمرو فيهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً " رواه البخاري .
فمما جاء في حق الخوارج ما أخرجه الشيخان عن عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة " . وقد فهم الصحابة الكرام هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا به خير قيام، كما ثبت أن عمر بن الخطاب جلد صبيغ بن عسل العراقي (2) . قال ابن تيمية: وكذلك أمر عمر – رضي الله عنه – المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته. فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيع من المظهرين للبدع، الداعين إليها . ا.هـ(1) وقال:وعمر – رضي الله عنه – نفى صبيغ بن عسل التميمي لما أظهر اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وضربه، وأمر المسلمين بهجره سنة بعد أن أظهر التوبة، فلما تاب أمر المسلمين بكلامه . وبهذا أخذ أحمد وغيره في الداعي إلى البدعة إذا تاب يؤجل سنة، كما أجل عمر صبيغاً ا.هـ(2) .
إليك أمثلة من كلامهم الشديد على المبتدعة :
قال شريك بن عبد الله النخعي: لئن يكون في كل قبيلة حمار أحب إلي من أن يكون فيها رجل من أصحاب أبي فلان رجل كان مبتدعاً ا.هـ(3) وقال مالك بن أنس: لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تحدث عنهم الأحاديث ا.هـ(4) وقال سفيان الثوري: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه ا.هـ(5).
وقال الفضيل بن عياض: لأن آكل عند اليهودي والنصراني أحب إليّ من أن آكل عند صاحب بدعة، فإني إذا أكلت عندهما لا يقتدى بي، وإذا أكلت عند صاحب بدعة اقتدى بي الناس، أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ا.هـ(6) .
تنبيه / إن أئمة السلف يشددون على المبتدعة أشد من شدتهم على الكفار من حيث التعامل في الدنيا والتحذير منهم، وإن كان المبتدع في الآخرة خيراً من الكافر؛ لأن المبتدع لا يزال مسلماً، وسبب تشديد السلف أن المبتدع يخشى من ضرره على الإسلام والمسلمين أكثر من الكافر؛ لأنه يتكلم باسم الدين. ومثله يغتر به من لا علم عنده؛ لأنه مسلم؛ ولأنه يمزج الباطل بشيء من الحق، أما الكافر فلا يقبل كلامه في الإسلام لكون كفره معلوماً ظاهراً فلا يغتر به .
فالمالكي دلس على القراء، وأوهمهم أن هذا خاص بالحنابلة، وقد أبنت لك أن هذا عام في أهل السنة كلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى يومنا هذا، وليس للحنابلة فيه اختصاص، وبهذا تنكشف تدليسات المالكي، ويعود تدبيره تدميراً عليه) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ( (يونس:58) .

التعقيب الحادي عشر /قد شكك المالكي الجهول في حجية إجماع أهل السنة دون أهل البدعة مدعياً أنه قد يشترط في حجية الإجماع أن يجتمع أهل البدعة مع أهل السنة. أشار لذلك في كتابه قراءة في كتب العقائد(1)، وأوضح ذلك أكثر في كتابه "الصحابة بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية" (2) . وهذا – إن كان منه بحسن نية لا سوء طوية – دليل على جهله الشديد بمعنى الإجماع، ومعنى أهل السنة السلفيين، راجع الأساس الثالث والأساس الخامس لتعرف أنه جمع بين جهل مظلم وتعالم مؤلم، إن لم يكن متعمداً هدم السنة باسمها والسلفية برسمها .

فصل / تبرئة أئمة السنة السلفية من مطاعن ابن فرحان المالكي البدعية :
قد ذكرت في أوائل هذا الرد طرفاً من سباب وشتائم المالكي لأئمة السنة الماضين والمعاصرين، ورميه كثيراً منهم ببدعة النصب، وهي نصب العداء لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً، بل وافترى على بعضهم افتراء صريحاً لا يقبل تأويلاً إلا أن الكذب الصراح طبعه وهو المنفق لبضاعته الكاسدة، كل ذلك حباً للعلو في الأرض أو الإفساد فيها أو كليهما ، قال تعالى )تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ( (القصص:83).







التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» وأخيراً وصلوا في استنطاقهم لتأييد اختلاط الجنسين إلى مؤسسة دينية ثالثة
»» الغناء هل له علاقة بالامراض العصرية ؟
»» و احسرتاه يا أهل السنّة معذرةً إلى ربكم هذا حديث مدير قناة صفا
»» سالي الفرنسية ..في ملتقى المرأة السعودية – بقلم / هند عامر
»» سلسلة مجالس الرسول في شرح رياض الصالحين الشيخ عائض القرني
 
قديم 08-12-09, 11:48 PM   رقم المشاركة : 10
مناصرة الدعوة
مشرف سابق








مناصرة الدعوة غير متصل

مناصرة الدعوة is on a distinguished road


بدأ المالكي بالقدح في أبي بكر وعمر وجماعة من الصحابة، ولن أشتغل برد هذا؛ لأن شيخنا العلامة محدث المدينة النبوية عبد المحسن العباد – حفظه الله – قد قام بهذا خير قيام، وأيضاً قد تناول المالكي السباب جمعاً كثيراً من علماء السنة بالقدح والذم، لذا سأقتصر في الدفاع عن طائفة منهم متغايرة أزمانهم، وبه يعلم ما في باقي كلام المالكي من جور وظلم، وهم: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أحمد بن تيمية، والشيخ العلامة صالح الفوزان .

أولاً / الإمام أحمد بن حنبل : قد وصف المالكي الإمام أحمد بن حنبل بأنه غالٍ في التكفير؛ لأنه يكفر من قال: بأن القرآن مخلوق، وتجاهل المالكي أن الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع المسلمين على كفر من قال بأن القرآن مخلوق .
· أما الأدلة من الكتاب /
قوله تعالى)أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ((لأعراف: من الآية54)، فعطف الأمر على الخلق يدل أنهما متغايران؛ لأن الأصل في العطف أن يقتضي المغايرة. فالخلق فعله، والأمر قوله، ويؤكد هذا أن الخلق لا يكون إلا بالأمر كما قال تعالى )إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ( (يّـس:82) فبكلمة (كن) كان المخلوق، فأول مخلوق كان بكلمة ( كن )، فدل هذا على أن كلام الله غير مخلوق، والله جعل القرآن كلامه فقال )وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ( (التوبة:6) وهو القرآن ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر؛ لأنه مكذب لكلام الله . هذا ما قرره غير واحد من أئمة الإسلام منهم سفيان بن عيينة والبخاري(1) ، ونقله اللالكائي عن جماعة(2) .
ومن الحجج على أن القرآن كلام الله غير مخلوق ما ذكره الإمام الدارمي حيث قال: لا يحق لمخلوق يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدعي الربوبية، ويدعو الخلق إلى عبادته فيقول )إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ((طـه: من الآية14)و )إِنِّي أَنَا رَبُّكَ( (طـه: من الآية12) ) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ((طـه: من الآية13) ) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي. اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي( (طـه:41- 42) ) إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى((طـه: من الآية46) )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( (الذريات:56) )أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ( (يّـس:60- 61) . قد علم الخلق إلا من أضله الله أنه لا حق لأحد أن يقول هذا وما أشبهه غير الخالق، بل القائل به والداعي إلى عبادته غير الله كافر كفرعون الذي قال ) أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى((النازعـات: من الآية24)والمجيب له والمؤمن بدعواه أكفر وأكذب . ا.هـ(1) وهذا ما ذكره سليمان بن داود الهاشمي (2).
* أما الأدلة من السنة الصحيحة /
ما ثبت في صحيح مسلم من حديث خولة بنت حكيم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق . لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك " فالاستعاذة من كل شر أمر خاص بالله لا يقدر عليه إلا هو ، فصرفه لغير الله شرك أكبر، فدل هذا على أن كلمات الله صفته غير مخلوقة . قال نعيم بن حماد الخزاعي: لا يستعاذ بالمخلوق، ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة، وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق، وأن سواه مخلوق ا.هـ(3) .


· أما الإجماع /
فلم ينفرد الحنابلة ولا الإمام أحمد بتكفير القائل بأن القرآن مخلوق، بل أجمع على هذا الأئمة قبل الإمام أحمد وبعده. قال أبو عثمان الصابوني: ويشهد أصحاب الحديث، ويعتقدون: أن القرآن كلام الله وكتابه، وخطابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم ا.هـ(1)
وقال اللالكائي: قالوا كلهم: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر. فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفساً أو أكثر من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة الخيرين على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام. وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم. ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفاً كثيرة . لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار ونقلت عن هؤلاء عصراً بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه . ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق " جعد بن درهم " في سني نيف وعشرين ثم " جهم بن صفوان " ا.هـ(2) وقال ابن القيم: فالكلام عندهم مخلوق، والرب لم يقم به عندهم كلام ولا أمر ولا نهي، وهؤلاء الذين اتفق السلف وأئمة الإسلام على تكفيرهم ا.هـ(3)
فمحاولة المالكي المدلس التدليس على القراء بأن الإمام أحمد تفرد بتكفير القائل بخلق القرآن؛ ولأجل ذلك جعله غالياً في التكفير محاولة مفضوحة لدى كل عالم وما أحسن ما قال الإمام البخاري: وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم ا.هـ(1)
اعلم أيها السني السلفي أن طعن المالكي على الإمام أحمد بأنه غالٍ في التكفير – لأنه كفر من قال إن القرآن مخلوق - طعن على أئمة السلف كلهم ومعتقدهم، بل لازمه طعن في القرآن والسنة، لأن فيهما تقرير أن القرآن كلام الله غير مخلوق – كما سبق – فانظر لنفسك ما أنت عازم عليه تجاه ضلالات المالكي .








التوقيع :

قضتِ الحياةُ أنْ يكونَ النّصرُ لمن يحتملُ الضّربات لا لمنْ يضربُها !
~
ستنصرون .. ستنصرون .. أهل الشام الطيبون .

العلم مقبرة التصوف
من مواضيعي في المنتدى
»» **لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك **مجله خاصه بالحج ...
»» عمر بن الخطاب حِصْنٌ للمسلمين من الفتن
»» ماذا تعرفين عن فلسطين ؟
»» وفاة العلامة عبدالعزيز اليحيى في محافظة الأحساء !!
»» الفرق الضالة .. أشداء على أهل السنة رحماء على غيرهم ؟؟!!
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:00 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "