ولو شمل الحرق كل الكتب لكان نهج البلاغة أولى :
ولا ينبغي اهمال ذكر حقيقة مهمة تتعلق بكتاب النهج نفسه ، وعلاقته بالتحريق، المدعى هنا هذه الحقيقة هي ان التحريق قد حصل واقعاً كما ذكر الخطيب بعد كتابة النهج ، ولو كان الحرق قد اكل المصادر التي اعتمد عليها صاحب النهج لكان من الاولى ان يشمل النهج نفسه في هذا الحكم من جهة اشتماله على هذه الخطبة المسماة بـ ( الشقشقية ) المتضمنة حسب الزعم على اثبات الامامة لعلي ، ونفيها عن ( ابي بكر ، وعمر ، وعثمان ) ، خصوصاً وان جميع دواعي الاحراق قد تحققت في كتاب النهج وثبتت له .
وفي محاولة من الخطيب بايهام وتلبيس الحقائق :
فلماذا لم يستدرك الخطيب هذا الامر ؟ ولماذا لم يشر اليه موجهاً له ؟ ولماذا الحق حكم الاحراق بالمصادر التي ربما هي حاوية لاجزاء متفرقة من الخطب ونفاه عن الاصل الذي جمع فيه كل هذه الخطب المتفرقة في بطون الكتب .
لذا فالذي فعله الخطيب هنا لا يتعدى كونه محاولة ايهام وتلبيس للحقائق يغري بها بعض الجاهلين ، ويوجد تخريجاً ولو ظنياً ، او موهوماً للمطعن الوارد على كتاب نهج البلاغة
إن البحث عن ذريعة أخرة يلزم عبد الزهراء الخطيب .
وبما اننا قد تكلمنا عن التحريق كجريمة يدعي الشيعة ارتكاب اهل السنة لها عليهم وعلى كتبهم تجنياً وعدواناً ، فلا ينبغي ان تنسى الجرائم التي وقعت على كتب اهل السنة ، وخصوصاً عندما احتل اراضيهم المغول فهم قاموا باحراق المكتبات، ورمي الكتب في مياه نهر دجلة حتى قيل ان لونه تغير الى لون المداد المنحل فيه ومعلوم من كان مع المغول ، ومن الذي وجههم لارتكاب هذه الجريمة .
ونحن لا نقصد هنا المقابلة ، لكننا نرفع الاختصاص المزعوم الموهم لمظلومية جانب ، واعتداء جانب اخر ، كما اننا نرفع كون هذه الذريعة ذات تاثير فعلي على المصادر وعلى الكتب ، لانتشار النسخ في بقاع البلاد المختلفة، واشتهار عملية النسخ في تلك الاوقات ، فالكتاب تجد له عشرات ، ومئات النسخ ، وفقد نسخة لا يعني انتهاء الامر .
فليبحث الخطيب عن ذريعة اخرى يتسلل اليها لاجل محاولة اثبات مدعاه، فهذه التي ذكرها بكل المقاييس عليه لا له .
وليعلم عبد الزهراء الخطيب أن ما بني على فاسد فهو فاسد .
ان ابطال الذريعة التي حاول الخطيب ان يجعل منها اساساً واصلاً ينطلق منه الى محاولة اثبات ما يدعيه من مصادر لكتاب نهج البلاغة ابطال لوجود هذه المصادر لان ما بني على الفاسد فاسد ، فمع فساد كون هذه الذريعة سبباً لاختفاء المصادر يفسد ما بناه من ادعاء وجودها ولكنه على الرغم من ذلك حاول ان يأتي بمصادر يحاول من خلالها باي طريقة ان يجعل منها مصدراً يمكن ان يعتمد عليه في تقوية كتاب نهج البلاغة .
فقال عبد الزهراء الخطيب في كتابه :
أقول : تناقض ودور
فهو ها هنا قد وقع في اشكال كبير جداً منطلقه من امرين :
الامر الاول : انه بعد ان نفى المصادر متذرعاً بالتحريق ، والظلم الواقع عليهم ، ذكر بعد ذلك ان هناك مصادر يمكن ان يرجع لها في اثبات نهج البلاغة ، وهذا تناقض مع كونه دور .
لا فائدة من المصادر ما دامت غير مسندة :
الأمر الثاني : ان المصادر وحدها لا تغني في مورد البحث هنا لان الكلام عن المصادر، وكذلك عن الاسانيد فحتى لو جاء بمصادر يحاول بمجموع المتفرق بينها ان
يثبت اصلاً لنهج البلاغة فعليه ان ياتي باسانيد تحقق المذكور في هذه المصادر، وتثبت المتداول في صفحاتها ، والا فالكلام واحد عن النهج ، وعن هذه المصادر والحكم عليها لن يختلف فكلها دائرة في نفس الفلك ينطبق عليها نفس الحكم .
وعليه فان نقله لهذه المصادر لا يخرج عن كونه زعماً انقدح في ذهنه متوصلاً اليه عن طريق استنتاج لان الواقع مع كل ما يحويه وبجميع الذي فيه لا يخدمه مطلقاً في امكانية اخراج أي مصدر .
ولذا نجده ايضاً هنا قام بالاعتذار مقدماً عن ايراده لهذه المصادر التي جاء بها فذكر الاختلاف ، والزيادة ، والنقصان ، او سقوط اجزاء معترفاً ضمناً انها لا يمكن ان تكون مصدراً حقيقياً لانتفاء التطابق ما بين المنقول فيها والمذكور في النهج، مقراً بان جعلها مصدراً انما هو تخمين وتخرص يؤتى به على سبيل الظن .
ثم اخذ عبد الزهراء يبرر فعلته عند نقل تلك المصادر التي زعمها وكذلك يبرر الانتفاء في التطابق بين كتاب نهج البلاغة والكتب المزعومة التي أوردها للنهج فكأن من تلك المبررات التي كان عبد الزهراء يضعها .
يقول عبد الزهراء :
أقول :
فقد ذكرنا نحن ان هذه العلة عليلة لا يمكن ان يستنتج منها حكم ، لانها غير ممكنة الاثبات في وقت النهج ، او ما قبله فلا تخرج هذه العلة عن كونها ادعاءً مجرداً بعيداً كل البعد عن الواقع المعلوم ، وكذلك الحال المنقول عن تلك الفترة.
اضافة الى ذلك فان اثبات هذا الامر لا يمكن ان يعلق حكمه على الكتاب هذا بالذات، او على مصادره الا بدليل مثبت ، مع كوننا عندما نتكلم عن المصادر ، او نطالب بالطرق والاسانيد ، فاننا نتكلم عنها في الكتاب نفسه ، ونطالب بها صاحب الكتاب عندما يروي هذه الخطب ، فما علاقة المصادر ، والكتب الاخرى غير نهج البلاغة بهذا الامر ؟
ويقول عبد الزهراء في كتابه :
أقول :
وهذا الذي انتقاه من ديباجة الكتاب مبرراً عن طريقه الاختلاف الحاصل بين الخطب الواردة في الكتاب ، مع الموجود في غيره من الكتب اكبر دليل على ان الشريف الرضي نفسه لا حكم له جازم بثبوت هذه الخطب عن سيدنا علي، وانما هي عبارة عن كلام نسب اليه ، يذكر للاستئناس ، ولذا لم يعتن صاحب هذا الكتاب بنقل الاسانيد ، ولا للتغيرات الحاصلة للخطب سواءاً كانت بزيادة، او بتغيير عبارات ، او بتحويل مواضع الكلام الى اخره من الاختلافات المتحققة.فالتبرير هنا اثبات لانتفاء امكانية نسبة هذه الخطب لسيدنا علي .
ويثبت لنا الخطيب بأن نهج البلاغة بلا أسانيد :
ثم انتقل الى التبرير الاخر الذي ينسف اصلاً أي امكانية للاعتماد على هذه الخطب ، ويؤكد ما ذكرناه من كونها عبارة عن كلام يؤتى به للاستئناس فقط .
فقال عبد الزهراء :
أقول :
وهنا مربط الفرس فالكتاب لا وزن له من حيث القيمة العلمية ، وانما هو عبارة عن جمع لمتفرقات تنسب الى الامام علي يذكر لاجل بيان ما في كلامه ان كان صادراً منه من عجائب اللغة ، والبلاغة ، وغرائب الفصاحة .
ولذا فان قضية الاسانيد لم تكن في فكر صاحب هذا الكتاب ، ولا وجود لها عنده اصلاً ، لان موضوع الكتاب خارج عن الاعتماد ، وبعيد عن الموارد التي يحتاج لاجلها الاثبات ، وهذا ما صرح به الخطيب نفسه عندما قال : [ لذا تراه لم يذكر الاسانيد ، ولم يتعرض للمصادر الا فيما ندر ] .
ونحن نقول النادر لا حكم له ، ولا اثر يظهر من وجوده ، لذا فهو حكماً لم يتعرض حتى للمصادر .
وعليه فيثبت في حق هذا الكتاب ان النسبة لسيدنا علي عنه مرتفعة ، ولا يمكن ان يجزم بهذه النسبة ، ولا ان يحكم عليها حتى بظن ، لانتفاء أي مرجح يؤدي الى هذا الحكم ، او يحقق نوعاً من انواعه لا لخطبه على انفراد ، ولا للكتاب كله .
للحديث تتمة