ثانيا : لم يثت وجود الخطبة في الكتب الأربعة المعتمدة عند الشيعة الإمامية .
اذا كان حال الامام علي على هذه الحال التي صورنا من تصدره ، وعلمه، وفضله ، وقضائه ، وقيادته ، وهو كذلك باتفاق فينبغي ان يكون الاعتناء بكلامه ، وبالصادر عنه كبيراً ، واكثر من الاعتناء بكلام غيره ممن هو دونه في المنزلة .
وبما ان النهج يحوي كما يدعى على خطب ينسب صدورها الى الامام علي حصراً ، ويزعم انه تكلم بها ، وخطب بها امام الناس فينبغي مع هذا الحال ان يكون لها نوع وجود ولو بقدر في الكتب المعتمدة عند الشيعة ، وان يرد لها ذكر مهما كان مقداره في ثناياها ، خصوصاً وانهم لم يبقوا في الممكن المتناول بين ايديهم شاردة ، او واردة تنسب لعلي رضي الله تعالى عنه او لاحد من الائمة المعصومين الا واوردوها ناقلين لها بانين عليها الاحكام ، مستدلين بمضامينها على الاحداث والمستحدثات .
واقصد بالكتب هنا الكتب الاربعة المعتمدة عند الشيعة ( الكافي ، الفقية، التهذيب ، الاستبصار ) والتي يعتبرها جمهور علماء الشيعة من الصحاح، تلك التي حوت كلام الأئمة الصادر عنهم مهما كان حال ذلك الكلام جوابا أم سؤالا , عرضا لقضية أو خطبة في محفل أو تجمع أخر .
الكتب الأربعة عماد دين الشيعة وهي كالصحاح الستة لدى العامة
قال السيد حسين بحر العلوم :ان الاجتهاد لدى الشيعة مرتكز على الكتب الأربعة :
الكافي للكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب ، والاستبصار للطوسي، وهي من الأصول المسلمة كالصحاح الستة لدى العامة.[ مقدمة تلخيص الشافي لشيخ الطائفة الطوسي / حسين بحر العلوم ص 29 ] .
* يقول مرتضى مطهري :ان اهم مصادرنا المقدسة بعد القران في الحديث هي الكتب الاربعة وهي:الكافي، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار .
[ معرفة القران / مرتضى مطهري ص 19 ]
* قال محمد جواد مغنية : وعند الشيعة الإمامية كتب أربعة للمحمدين الثلاثة : محمد الكليني ، ومحمد الصدوق، ومحمد الطوسي ، وهي :الاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، والكافي ، والتهذيب ، وهذه الكتب عند الشيعة تشبه الصحاح عند السنة.
[ كتاب الوحدة الاسلامية / مقال لمحمد جواد مغنية ص 261 ]
* قال الشهيد الثاني : كتب الحديث الأربعة التي هي عماد الدين ، وأساس دعائم الإسلام ، وهي:الكافي، والفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار.
[ الكليني والكافي / الدكتور الشيخ عبد الرسول عبد الحسن الغفار ص 415- 420 ] .
نقول : وأيضا لا أثر للخطبة المزعومة وخطب نهج البلاغة في كتب الأصول المعتمدة عند الشيعة الإمامية .
فهذه الكتب لو قلبتها صفحة صفحة ، وقراتها سطراً سطراً ، وكلمة كلمة لن تجد فيها اثراً لهذه الخطب التي حواها هذا الكتب ، واخص بالذكر من هذه الكتب الاربعة ( اصول الكافي ) المتضمن لادلة عقائد الامامة الذي جمع فيه صاحبه كل المتعلق بالامامة ، ضعيفاً كان او صحيحاً ، معقولاً كان او خيالياً كما اشرنا الى هذا ونعيده ونكرره .
فهذا الكتاب ايضاً على الرغم من اهميته في جانب الامامة لم يعتمد على شيء من المذكور المتداول على نهج البلاغة ، على الرغم من كون الخطب التي تضمنها النهج تحل كثيراً من اشكالات الامامة ، وتوضح صراحة بما ورد على لسان الامام علي كثيراً من الامور المبنية عليها ، والمتعلقة بها كالخطبة (الشقشقية) .
أقول : ومن سبب إنتفاء ذكر الخطب من الكتب المعتمدة .
ان الداعي لعدم ايراد هذه الخطب لا يخرج عن امرين :اما عدم الوجود ، او عدم الاعتبار .
بمعنى ان هؤلاء العلماء اما انهم لم يجدوا اصلاً مثل هذه الخطب في المنقول الروائي عن الامام علي ، او وجدوها ولكنهم لم يعتبروها ، لانتفاء الاسباب المؤدية الى هذا الاعتبار كالسند مثلاً الذي افتقرت اليه كتب الشيعة الإمامية ومنها نهج البلاغة المنسوب الي علي رضي الله تعالى عنه وأخص بالذكر الخطبة ( الشقشقية ) .
وعلى كلا الحالين فان الحكم الذي يثبت لهذه الخطب هو النقض والابطال سواءاً كانت غير موجودة وهو الاصل فيها ، او على فرض وجودها لانتفاء مرجح كونها معتبرة .
بالنتيجة فان علماء الشيعة انفسهم لم يتلقوا هذه الخطب ، ولا علم لهم بها، ولا يعرفون لها اصلاً ، او مرجعاً لانهم لو كانوا يعرفون ولو معرفة بسيطة، او قاصرة بوجود مثل هكذا خطب فلن يتاخروا لحظة عن ايرادها ، ولن يتغافلوا مطلقاً عن الاتيان بها ، لانها تخدمهم وتتماشى مع افكارهم ، ومعتقداتهم وتصب في مصلحتهم
وللحديث تتمة