تابع:.............
قال ابن طاووس:
هل كان هؤلاء الأربعة المذاهب في زمان واحد وعلى دين واحد؟
الجواب: نفس السؤال يطرح على ابن طاووس، هل كان أئمتكم في زمان واحد وعلى دين واحد؟ وكأني بك ستقول: لم يكونوا في زمن واحد لكنهم كانوا على دين واحد، وعندنا من مصادركم ما يثب بطلان زعمكم أنهم كانوا على دين واحد.
الاختلاف بدأ في المهدي، فرقة منكم قالت: إن الإمام المهدي هو أبو القاسم محمد بن علي بن عمر بن الحسين السبط حبسه المعتصم فنقبت شيعته الحبس وأخرجوه وذهبوا به فلم يعرف له خبر.
أخرى قالت: إن الإمام المهدي، هو: محمد بن الحنفية، قيل: فقد بعد أخويه السبطين، وقيل: قبلهما، وأنه حي بجبال رضوى.
ولم تعدوا من أهل البيت زيد بن علي بن الحسين مع أنه إمام جليل من الطبقة الثانية من التابعين بايعه كثيرون بالكوفة وطلبتم منه أن يتبرأ من الشيخين لتنصروه فقال: بل أتولاهما، فقلتم: إذا نرفضك، فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة.
وزعمتم أن الإمام الغائب لطف من الله تعالى، وينقضه قولكم بنفي تكليف ما لا يطاق.
هذه كانت بعض الأمثلة لدعوى الاتفاق المزعوم فيما بينكم وهي من أصول الدين، فكيف لو أتينا على الفروع؟
قال ابن طاووس:
فقيل: لا بل كانوا في أزمان متفرقة وعلى عقائد مختلفة وبعضهم يكفر بعضا.
الجواب: هذا غيض من فيض اشتهر به الشيعة الروافض عبر العصور مع كل من انتسب إلى سلف الأمة، والأئمة الأربعة، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد –رحمهم الله جميعا- كلهم من أئمة أهل السنة والجماعة، وممن اقتفوا أثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين عقيدة وشريعة، أصولا وفروعا، علما وعملا، فهم في أبواب العقيدة متفقون، وفي مسائلها غير مفترقين.
وهذه حقيقة شهد لهم بها القاصي والداني من المعتبرين من أهل العلم خلفا عن سلف، رادين بذلك الزعم الباطل والوهم الحابط لدى الشيعة الروافض من أمثال ابن طاووس وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي، وأحمد بن حنبل، ومالك، وأبي حنيفة: من الاعتقادات ما لم يقولوا، ويقولون لمن اتبعهم: هذا اعتقاد الإمام الفلاني؛ فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة تبين كذبهم».
وقال أبو زكريا السلماسي في كتابه "منازل الأئمة الأربعة": «فهم وإن اختلفت عنهم العبارات فقد اتفقت منهم الاعتقدات، كل واحد منهم مزكي الأمة وإمام الأئمة، محكم تعديله وجرحه، مسلم قبوله وطرحه، لا يخالف أحدهم صاحبه إلا في فرع مختلف فيه، لا يفسقه ولا يغويه، مثل لقطة الحرم وتوريث ذوي الأرحام، وأما الكلام في صفات ذي الجلال والإكرام، وما يتعلق بأسمائه الحسنى وصفاته المباينة لصفات الأنام، فلا خلاف في ذلك بينهم، ولا يؤثر فيق عنهم يوجب كذبهم ومينهم، بل كلمتهم فيها متفقة وأقوالهم متسقة، سلكوا سبيل الاتباع دون الابتداع فيما نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه –رضي الله عنهم- ورووا».
قال ابن طاووس:
فقلت: هذا أيضا عجيب من هذه الأمة التي تذكر أن نبيهم أشرف الأنبياء وأن أمته أشرف الأمم، فكيف اتفق أكثرهم على الاقتداء بأربعة أنفس على هذا الاختلاف الذي خرجوا به عن طريق نبيهم محمد صلى الله عليه وآله في الاتفاق والائتلاف وتباعدوا بذلك عما يذكرونه من قواعد الأسلاف.
الجواب: نحن اقتدينا بأئمة تركوا من العلم الغزير ما لا يحصى في شتى الفنون، وهذه كتبهم مطبوعة ومنتشرة في كل الآفاق، لا ينكرها إلا مكابر معاند من أمثال الشيعة الروافض، فماذا ترك من تزعمون أنكم تقتدون بهم من أئمكتم الاثني عشر من علم ونال ما نالته من تبجيل مثل كتب علمائنا الأجلاء؟
قال ابن طاووس:
ثم سألت: عن معنى ما تضمنه كتابهم: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[؟
الجواب: هو صحيح أن كتاب الله خاص بأهل السنة وليس بالشيعة، لأن الشيعة يعتقدون تحريفه.
قال ابن طاووس:
فقالوا: هذه الآية نزلت على نبيهم في أواخر عمره حيث كمل الله دينه.
الجواب: وهذه أيضا صحيحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نبينا وليس هو نبي الشيعة الروافض، يشهد على ذلك عالمهم وحجة إسلامهم نعمة الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية" (2/278) حين قال: «إنا لا نجتمع معهم -أي مع السنة- على إله، ولا نبي، ولا إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد نبيَّه، وخليفته من بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبيّ، بل نقول: إن الرب الذي خليفةُ نبيِّه أبو بكر ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبينا».
قال ابن طاووس:
فقلت: كان دينه قد تكمل في حياته فما هذا الاختلاف العظيم بعد وفاتهمع قرب بعض هؤلاء الأربعة المذاهب من الصدر الأول؟.
الجواب: لو أن ابن طاووس ضرب لنا بعض الأمثلة لهذا الاختلاف الذي حصل بين هؤلاء الأئمة حتى نصدقه فيما يقول أو نكذبه، وحيث لم يفعل فهو كذاب أشر ومدلس محترف.
قال ابن طاووس:
فإن كان هذا الاختلاف من الرواة الذين رووا عنهم فقد شهدوا على رواة أحاديثهم بالكذب أو الغفلة أو الضلال وتبديل الإسلام، فكيف يوثق بهم فيما نقلوه عنهم؟
الجواب: لو أن ابن طاووس كان ممن يخشون الله تعالى لما نعق بما نعق به، فهذه جهود علماء أهل السنة التي بذلوها في تقعيد علم الحديث، وتقسيمه إلى رواية ودراية, ولما ظهر الوضع –من أمثال ابن طاووس- في الحديث ضاعفوا –رحمهم الله- نشاطهم في الرواية والدراية على حد سواء.
ففي الرواية: هرعوا إلى من بقي من الصحابة رضي الله عنهم يسألونهم عما يسمعون من الأحاديث وهل قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أم هي كذب مصنوع، ولحكمة يعلمها الله لقد مد في أعمار بعض الصحابة كعبد الله بن عباس، وأم المؤمنين عائشة، وجابر، وأنس، وعامر بن الطفيل –رضي الله عنهم جميعا-, فساعدوا في حفظ السنة من الضياع, وكذلك فعل الأتباع مع التابعين, يقول الأوزاعي: «كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزائف على الصيارفة, فما عرفوا منه أخذنا, وما تركوا تركنا».
وفي علم الرواية أيضاً: نشأ ما يسمى بـ "الرحلات" فقد قطع الرواة الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه، خشية خطأ الراوي أو تعمده في الزيادة.
فهذا جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يسير شهراً إلى الشام ليسأل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حديثاً سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا سعيد بن المسيب يقول: «إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد».
ويقول أبو العالية: «كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم».
أما علم الحديث دراية: فقد كان من ثمار نشاطهم فيه الشيء الكثير, فقد وضع العلماء قوانين مخصوصة يتميز بها الغث من السمين, وجعلوها قائمة على أصول أسسوها ليبنوا عليها أحكامهم, ومنها:
1 - فن التواريخ, ليعلم منه تاريخ الراوي ووفاته, يقول سفيان الثوري: «لما استعمل الرواة الكذب, استعملنا لهم التاريخ».
2 - فن الجرح والتعديل, وبه استطاعوا معرفة أحوال الرواة, فانكشف لهم الوضاعون.
3 - النظر في كيفية التحمل وأخذ الرواة بعضهم عن بعض, وعن طريقه عرف العلماء اتصال الروايات من انقطاعها.. إلى غير ذلك من القواعد التي وضعوها لدراية الحديث, وبها حققوا أقصى ما في الوسع الإنساني، احتياطاً لدينهم, وأرسوا أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأرقاها والشيعة الروافض وابن طاووس منهم عيال على هذه الكتب، وعلماء الفنون النقلية الأخرى من لغة وأدب وتاريخ ونحوها قلدوهم أيضا في هذا التقعيد، فابن قتيبة الذي يعد من أوائل نقاد الأدباء, استمد ذلك من معارفه الحديثية, وكذلك فعل ابن خلدون في تمييزه الزائف من أخبار المؤرخين, فمقاييسه التي طبقها هي بعينها الأمثلة التي وضعها مسلم لمعرفة المنكر من الحديث.
يقول مصطفى السباعي -رحمه الله تعالى-: «وقد ألف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية, اعتمد فيها على قواعد مصطلح الحديث, واعترف بأنها أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات».
هل بقي لابن طاووس بعد هذا أن يقول ما قال في حق من حملوا هذا الدين؟
قال ابن طاووس:
وان كان هذا الاختلاف من هؤلاء الأربعة المذاهب لحاجه دعتهم إلى ذلك أو لطلب ما ضاع والتبس من شرع نبيهم فهذا يدل على أن هؤلاء الأربعة المذاهب قد شهدوا على أن دين نبيهم ما كان محفوظا ولا ترك لهم من يقوم مقامه، ويحفظ شرعه ويحتج به عليهم، فكيف يجوز الاقتداء بمن يشهد على ربه تعالى ونبيه وشريعته بمثل ذلك؟
الجواب: هذا يقال لابن طاووس الذي يأخذ دينه عن المجاهيل والأشباح، أما الأئمة –رحمه الله تعالى- فلم يختلفوا فيما بينهم إلا في أمور فرعية لا تستدعي كل هذا التشويش التي تثيره ابن طاووس وغيره من الشيعة الروافض وقد أوضحنا ذلك فيما سبق.
قال ابن طاووس:
وإن كان قد كان تاما محفوظا فأي شيء ضاع منهم غير دينهم وشريعة نبيهم حتى فتشوا عليه واختلفوا لأجله هذا الاختلاف؟.
الجواب: الذين ضاع منهم هذا الدين هم الشيعة الروافض، فهم من كتبهم مملوءة بالخرافات وما لا يقبله عقل إنس ولا جان، وإلا فهل يعقل أن الدين الذي يجوز الكذب يسمى دينا؟
قال ابن طاووس:
وان كانوا اختلفوا من غير حاجة لهم إلى الاختلاف فقد قبحوا ذكر نبيهم وأساؤا سمعته وزهدوا الناس في اتباع شريعته وزادوا ونقصوا بذلك ما لم يكن في زمانه، فكيف يجوز الاقتداء بمن يكون بهذه الصفات؟.
الجواب: الذين أساءوا سمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قالوا: إن أصحابه ارتدوا جميعا، وأن فيهم من كان يلاط به، وقذفوا زوجته بالزنا والعياذ بالله، ووصفوه بما فوق البعوضة، وجعلوا الحمار يفديه بأبيه وأمه، هؤلاء هم من يقال عنهم: أنهم أساءوا له صلى الله عليه وسلم لا الذين دافعوا عنه وعن صحابته وزوجاته.
قال ابن طاووس:
وان كان هؤلاء الأربعة أنفس يزعمون أو يزعم بعضهم أنهم أعرف بالشريعة من ربهم ونبيهم وأنهم يزيدون وينقصون بحسب اختيارهم وأنهم قد أتوا بما لم يأت به نبيهم من الهداية فهذا خلاف عقول العقلاء وضد مذاهب أمم الأنبياء.
الجواب: الذي يعرفه الخاص والعام من أهل السنة أن الشيعة الروافض هم من يدعون أنهم أعرف من ربنا سبحانه وتعالى، حيث عرفوا أن الملتفين من حول نبينا صلى الله عليه وسلم جميعهم سيرتدون من بعد وفاته صلى اله عليه وسلم ولم يعلم بخبرهم ربنا سبحانه بذلك، وأنهم عرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم متزوج بزانية –والعياذ بالله- ولم يطلع على ذلك ربنا سبحانه وتعالى ليخبر نبيه الكريم بذلك، أما النقص والزيادة في الدين فمن مذهب الشيعة الروافض وكتبكم شاهدة عليهم.
قال ابن طاووس:
ثم قلت لبعض أتباعهم: إذا كانوا (كذا) هؤلاء الأربعة أنفس في أزمان متفرقة وعلى مذاهب مختلفة فلأي حال كانوا جميعا على صواب مع أن بعضهم يلعن بعضا ويكفر بعضهم بعضا، وهلا كان بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل أو جميعهم على الباطل.
الجواب: اللعن والتكفير ديدن الشيعة الروافض، ولولا خشية الإطالة على القارئ الكريم لفصلناها تفصيلا.
قال ابن طاووس:
فيكون الحق مع من كان قبلهم من الصحابة والتابعين الذين لزموا بمحمد صلى الله عليه وآله وشريعته وتبعوا طريقته التي هي طريقة واحده؟
الجواب: نسي ابن طاووس أنه قال بعد أسطر قليلة أن الحق في الاتباع يكون بالحق والصواب لا بالعدد، فهو متناقض في كل الأحوال.
قال ابن طاووس:
ثم قلت لبعض أتباعهم: كيف اقتصرتم على أربعة أنفس تقتدون بهم؟ فهلا كان الذين يقتدون أكثر عددا أو أقل؟ ومن حدد هذا التحديد؟ وجعل رؤساء المذاهب أربعة أنفس فحسب، وليس هذا التحديد في كتابكم ولا شريعة نبيكم.
الجواب: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ولم يكن من هو أعلم من هؤلاء الأربعة في زمنهم ولا بعدهم.
يتبع إن شاء الله تعالى:...........