العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتـــــــــديات العـــــــــــامـــة > الــــحــــــــــــوار العــــــــــــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-11-10, 08:17 PM   رقم المشاركة : 1
المهندس جاسم الشمري
مدلس و كذاب وحاطب ليل







المهندس جاسم الشمري غير متصل

المهندس جاسم الشمري is on a distinguished road


Lightbulb أول وحدة على أرض الجزيرة بعد دولة الإسلام أنجزها الملك عبد العزيز آل سعود




الملك عبد العزيز وبجواره الأمير سلمان في صورة التقطت عام 1938

قدم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض صورا حية لمواقف تاريخية وجوانب إنسانية من شخصية الملك عبد العزيز، كما قدم نماذج متعددة للفكر التربوي، الذي حرص عليه الملك المؤسس عند تربية أبنائه وجميع أفراد أسرته، معرجا على الحديث عن أساس الدولة السعودية وجهود الملك في تأسيس أول وحدة عربية في جزيرة العرب بعد دولة الإسلام الأولى.
وأفاض أمير منطقة الرياض في الحديث عن مواقف للملك المؤسس تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك، وروح العدل التي سادت كل نوازعه، ويد الجود التي اكتست بها هباته الوافرة.
وأورد الأمير سلمان في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز» سجلتها ذاكرته عن والده الملك، والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، فأراد إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال الآتية، ولتكون قصصا تروى عن شخصية المؤسس، الذي ملأ اليقين قلبه فأصبح ملكا في كل خصلة من خصال الخير وشمائل الوفاء، كما عبر عن ذلك الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز في تقديمه للكتاب الذي قامت الدارة بطباعته مؤخرا، ويعد أصله محاضرة ألقاها الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز في رحاب جامعة أم القرى في مارس (آذار) عام 2008، وألقى موجزا بأبرز عناصر المحاضرة. وشدد أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز على أن تاريخ الملك المؤسس لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فقط، وإنما يتضمن جوانب كثيرة عن شخصيته الإنسانية التي تنهل من مسيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، معتبرا أن رجال التاريخ وشخصياته مثل الملك عبد العزيز تتواصل الكتابة عنهم خلال السنين وتقدم عنهم إلى اليوم ومستقبلا رسائل علمية ودراسات جديدة.
بدأ الكتاب بالحديث عن الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية، كما شدد مؤلفه الأمير سلمان على أنها قامت على أساس الكتاب والسنة ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو آيديولوجي (فكر بشري) موردا في هذا الصدد ما ذكره المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان عام 1824 إثر سقوط الدرعية في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي» وتوقعه عودة قيام الدولة السعودية بقوله: «ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أُسٌّ خصبٌ يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد».
وضمن حديثه عن إعادة تأسيس الدولة السعودية التي بدأها الملك عبد العزيز في سن مبكرة وبأفراد قليلين، وبشعار أساسه كلمة التوحيد لمح الأمير سلمان إلى أنه وفي الوقت الذي كان بعض الناس ينادي بالوحدة العربية على أساس قومي دون تطبيق، انبرى الملك عبد العزيز يحقق تلك الوحدة عمليا في أغلب أراضي الجزيرة العربية، وفي مهبط الوحي، معيدا إلى الأذهان تلك الوحدة التي حققها نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أسس الدولة الإسلامية الأولى في الجزيرة العربية على الإسلام، وتوحدت فيها مجتمعات المهاجرين والأنصار دون اعتبار لعصبية، وبهدي هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصبح للعرب عزهم وقوتهم وانتشارهم.
* علاقته بوالده
* وحول طبيعة علاقة الملك المؤسس بوالده، أشار الأمير سلمان بالقول: ولد الملك عبد العزيز وتربى في الرياض على يدي والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ووالدته سارة بنت أحمد السديري، رحمهما الله، وحظي برعاية كبيرة من حيث التعليم والتنشئة الإسلامية، وغرس الشيم والقيم والمكارم التي هي أساس البيت السعودي، وتمكن من إقامة شعائر الإسلام، والحكم بما أنزل الله تعالى، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأمن السبل، وآخى بين المتناحرين، ودمج الأمة بعد أن كانت أجزاء متفرقة. ولم يكن هدفه توسيع الملك لأجل الحكم فقط، وإنما لخدمة دينه وشعبه، وخدمة المسلمين في كل مكان.
عرف عن الملك عبد العزيز تأدبه مع والده، وتقديره له، فعندما تمكن من دخول الرياض استقبله قادما من الكويت، وأعلن بكل أدب البيعة له في المسجد الجامع الكبير بالرياض، حاكما على البلاد، إلا أن والده نهض معلنا البيعة لابنه لثقته به، فقبل الملك عبد العزيز مشترطا جعل حق الرأي الأول في معالي الأمور المهمة لوالده الإمام. ومن شدة احترامه له لم يكن يمشي في غرفة علوية بينما والده في الغرفة التي أسفل منها، وقد أكد هذا محمد أسد في كتابه «الطريق إلى مكة» إذ ذكر أن الملك عبد العزيز لم يكن يسمح لنفسه ولا لغيره قط أن يضع قدمه في غرفة من القصر إذا كان أبوه في غرفة تحتها، ونقل عنه قوله: «كيف أسمح لنفسي أو لغيري أن يسير فرق رأس أبي؟». وأشار عبد الله فيلبي في كتابه «قلب الجزيرة العربية» إلى أنه عند زيارته الرياض سنة 1336هـ (1917م) لاحظ كيف كان الملك عبد العزيز يجلس بحضرة والده قائلا: «وفي الحياة العامة عند مقابلة المواطنين كان الابن بحضرة أبيه يجلس في مكان منخفض».
وروى لي عبد العزيز بن عبد الله بن ماضي أنه كان في مجلس خاص بالملك فيصل عندما كان نائبا لوالده في الحجاز، وكان الحديث عن الملك عبد العزيز، وقال له: كنا جلوسا على الحبوس (مواضع للجلوس من الحجر) والملك عبد العزيز كان جالسا على الأرض، فاستنكر الملك فيصل ذلك، واندهش لهذا القول، فأوضح ابن ماضي ذلك قائلا: جئت مع والدي عبد الله بن ماضي (أمير روضة سدير) إلى الرياض للسلام على الإمام عبد الرحمن، والملك عبد العزيز، وجلسنا على الحبوس التي وضعت في الديوانية لأجل جلوس الإمام بسبب الألم في ركبتيه، وعندما دخل الملك عبد العزيز سلم على والده، وقبل يده، ثم جلس على الأرض في آخر المجلس احتراما له، وهذا الذي أزال استغراب الملك فيصل. وكان الملك عبد العزيز لم يقبل أن يطلق عليه لقب «الإمام» في حياة والده، تأدبا، وتوقيرا له. وكان يلقب بالسلطان ثم الملك إلى أن توفي الإمام عبد الرحمن سنة 1346هـ وأصبح الملك عبد العزيز يلقب بالإمام بعد ذلك إلى جانب كونه ملكا.
ومن أدب الملك عبد العزيز مع والده وبرّه به أنه – كما يروي الأمير سلمان - كان يساعده كثيرا على امتطاء صهوة جواده، فيرفع قدميه بنفسه مع وجود مرافقيه، كما ذكر ذلك أخي الأمير طلال بن عبد العزيز في كتابه «صور من حياة عبد العزيز»، ونقل لنا السيد عبد الحميد الخطيب في كتابه «الإمام العادل» ما شاهده حينما جاء الملك عبد العزيز، واستقبل والده عند مدخل باب السلام، وحمله لكبر سنه، ودخل به إلى حيث مصلاه، ولم يشأ أن يتولى ذلك غيره.
وذكر أحمد حمدي الطاهر في كتابه «الحجاز مهبط الوحي» أن أحد العلماء من أهل مكة حدثه قائلا: كان الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في الحج فطافا معا، لكن الأب أدركه الإعياء في آخر أشواط الطواف، فحمله الملك عبد العزيز ليتم بقية الشوط دون أن يترك ذلك لرجاله.
ولم يكن بره بوالده أقل من بره بوالدته، التي اهتم بها ورعاها، وحرص على رضاها أحسن ما يكون البر والرعاية.
* تدينه أسباب نجاحه
* وأرجع الأمير سلمان أهم أسباب نجاح الملك عبد العزيز في تحقيق ما هدف إليه من إعادة تأسيس الدولة السعودية، ونشر الأمن والاستقرار، إلى تدينه الذي جعله مرتبطا بالخالق عز وجل عن معرفة ووعي. وقد ذكر الشيخ عبد الله خياط في كتابه «لمحات من الماضي» أن الملك عبد العزيز «إذا كان ثلث الليل الأخير تشعل له المصابيح الكهربائية، وينتهز هذه الفرصة الثمينة في قيام الليل، الفرصة التي يتجلى الله فيها لعباده، ويستمر في مناجاة ربه بآياته، ويضرع إليه، ويبكي بكاء الثكلى، ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل الفجر، فيوتر، ثم يصلي الصبح في جماعة».
أما مجالسه فكانت تحفل بقراءة القرآن الكريم والمصادر الشرعية والتراثية من قبل علماء أجلاء، ويعلق الملك ويتأمل معاني ما قرئ لينصح به نفسه والحاضرين.
ويروي الشيخ عبد الله خياط في كتابه «أن قارئا بدأ تلاوته بقول الله تبارك وتعالى: «ولمن خاف مقام ربه جنتان» (الرحمن: 46) فاستعبر الملك عبد العزيز، وطال بكاؤه حتى أبكى من حوله.. ولحظ القارئ في جلالته هذا التأثر فأخذ يحتاط، ويتجوز في القراءة، ويقتصر على تلاوة آيات معدودات.. فاستدعاه وخاطبه بلهجته الصريحة المعهودة قائلا: «إن البخل شين وفي هذه المسائل أشين، إذا قرأت فطول، ذكرنا بالله، وعظنا بآياته، القرآن كله بركة».
ويروي فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز» أنه «كان يقوم آخر الليل، ويشعل سراجا، ويتلو القرآن، وحينما أصبح جاءه أحد مرافقيه من كبار السن قائلا: إن قيامك الليلة الماضية في تلاوة القرآن ذكرني يا عبد العزيز بسنة جدك فيصل الذي كان إذا دنا الفجر قام، وتهجد وصلى وتلا القرآن إلى الفجر».
وأشار عبد العزيز الأحيدب في كتابه «من حياة الملك عبد العزيز» إلى أن أحد الملازمين للملك في حروبه قال: «كنت في إحدى الحروب أتفقد الخيل نصف الليل، فإذا بي أسمع صوتا صادرا من خيمة (أبي تركي) وكنت حاملا سلاحي، فتوجهت نحو الخيمة، فوجدت بوابها إبراهيم الحميدي (الملقب بالشويعر) واقفا عند مداخلها، فسألته: ما الخبر؟ قال: لقد سلم أربع تسليمات ثم وقف وسط الخيمة ليتضرع إلى الله يسأله من فضله ويجهش إلى ربه بالبكاء، والناس نيام». «وكان للملك عبد العزيز ورد جمعه من عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة لتكون في متناوله، رحمه الله، وطبعه عدة مرات لينتشر بين الناس طلبا للأجر والمثوبة».
ومن سمات شخصية الملك عبد العزيز أنه لا يقبل الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية. يروي عبد الحميد الخطيب في كتابه «الإمام العادل» أنه «بينما كان الملك عبد العزيز في استقبال الحجاج في منى سلم عليه أحد الحجاج الأفغان، وعندما اقترب من جلالته سجد أمامه توقيرا، فتألم جلالته من ذلك، وظهر الغضب على وجهه، وقال بصوت مرتفع: السجود لا يكون إلا لله، إنني لا أزيد عن أحدكم بشيء، فالإسلام ساوى بيننا جميعا».
وكشف أمير منطقة الرياض عن اهتمام الملك المؤسس بالمرأة وأسرته، موضحا بالقول: كان للمرأة في حياة الملك عبد العزيز اهتمام خاص، إذ كان يستشير أخته الكبرى نورة في شؤون أسرته، وشؤون النساء، لقوة شخصيتها وتدينها ومحبتها للخير، ويقبل شفاعتها للناس دون تردد، ففي رسالة منها سنة 1339هـ نشرها الشيخ عبد العزيز التويجري في كتابه «لسراة الليل هتف الصباح» نجده يوصيها بالاهتمام بوالدة أحد شيوخ القبائل الذي ناوأه واستقبالها، والحرص عليها تقديرا لابنها ولأسرته، على الرغم من مواقفه المعادية.
تقول نورة في تلك الرسالة: «والذي جنابكم يوصي عليها، إن شاء الله ما أمرتم على الرأس، ونوخت علينا وهي الآن عندنا».
وكان - رحمه الله - يخصص للنساء من أسرته وغير أسرته وقتا في المساء للاستماع إليهن، وقضاء حوائجهن، وليطلع على أحوالهن على الرغم من مشاغله المعروفة، وكان يزور الكبيرات من أسرته، صلة للرحم، وكان ضمن برنامجه اليومي إذا انتهى عند الظهر من مقابلة الناس، وإنجاز العمل في قصر الحكم زيارة أخته نورة في بيتها، تقديرا لها.
وكان أبناؤه وبناته غير المتزوجين المقيمون في بيته يتناولون الغداء معه بشكل يومي، حرصا منه على اجتماع أسرته، ويشاركهم من يرغب من بناته وأبنائه المتزوجين. كما كان الجميع يتناولون العشاء معه بعد المغرب. وكان ولي عهده الملك سعود يشارك أحيانا في العشاء مع والده، لأنه كان يقيم العشاء للناس في بيته، وكذلك الملك فيصل نائب الملك في الحجاز إذا حضر إلى الرياض.
لم تكن تربية عبد العزيز لأبنائه تربية ترف، وكان يخصص اجتماعا سنويا لأسرته رجالا ونساء ليقدم لهم النصح، ويذكرهم بأساس هذه البلاد القائم على الكتاب والسنة والتزام ذلك والمحافظة عليه، كما كان يوجههم بحسن معاملة الناس، والاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وحفظ حقوق الناس، وإبراء الذمة.
ويضيف الأمير سلمان: «وأذكر عندما كنت صغيرا أنه كان يتابعنا دائما في جميع الأمور ولا سيما الصلاة والدراسة، إذ كنا نصلي جميع الفروض معه وقد خصص غرفة خاصة في قصر المربع ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه، بما في ذلك صلاة الفجر، وقد كنت واحدا من أبنائه الذين جربوا تلك الغرفة في يوم من الأيام، وكنا نهاب سعود بن مسلم وعبد الله بن مبارك، وعبد الرحمن بن مسلم المكلفين بإيقاظنا ومتابعتنا يوميا لأداء الصلاة من هيبة الوالد، لعلمنا أنهم يتلقون أوامر صارمة منه لمتابعتنا، وكانت عمتي نورة هي من تشفع لنا عنده في مثل هذه الأحوال».
كما اهتم الملك عبد العزيز بتعليم أبناء أسرته وأبناء شعبه، وكان يكلف بعض المشايخ والمدرسين بتدريسهم، منهم، على سبيل المثال، محمد بن عبد الله السناري، وبعد ذلك خصص لأبنائه مدرسة في القصر، وعين لها مدرسين، معظمهم من مكة المكرمة، مثل الأستاذ أحمد العربي في بداية إنشاء مدرسة الأمراء والشيخ عبد الله خياط مدير المدرسة وأحمد بن علي الكاظمي وصالح خزامي وعبد الحميد الكاظمي.
ولحرصه على متابعتنا في الدراسة، كان يكلف محمد بن مسلم بالوقوف أمام المدرسة لتفقدنا عند الدخول وإبلاغ الوالد بمن يتغيب منا أو يتأخر عن الحضور.
وللشيخ عبد الله خياط والأستاذ أحمد الكاظمي ذكريات كثيرة حول تلك المدرسة، بينا فيها كيف كان الملك عبد العزيز يتابع أمورها، ويزورها للتعرف على أداء أبنائه وأداء المدرسين، فقد كتب الشيخ عبد الله خياط في كتابه «لمحات من الماضي»: أن «الملك عبد العزيز في إحدى زياراته لمدرسة الأمراء، وفي لفتة تشجيعية كريمة من جلالته لأحد أنجاله عندما رأى على ثوبه بقعة حبر حاول إخفاءها عن نظر والده، قال: لا تخفها، هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم».
كما كان يحرص على حضور حفل ختم القرآن لأبنائه، الذي يتم في بيته أو في غار المعذر المعروف، وحفل توزيع الشهادات الدراسية في نهاية العام، أو ينيب أحد أبنائه الكبار لذلك.
وينقل لنا خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» قول الملك فيصل: «إن والدي في تربيته لنا يجمع بين الرحمة والشدة، ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه، وليس للعدالة ميزانان يزن بأحدهما لأبنائه، ويزن بالآخر لأبناء شعبه، فالكل سواء عنده، والكل أبناؤه. ويحب جلالته المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام، ويمازح أبناءه وجلساءه، ويحادثهم أحاديث لا كلفة فيها».
تعامله مع خصومه وشدد الأمير سلمان على أن الملك المؤسس تعامل مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة تعاملا إنسانيا وكريما، حتى قيل: إنه ما من شخص عاداه، وبقي حيا يرزق إلا عاد إليه طوعا، بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس، معتبرا أنه من النادر أن تقترن صفة العفو مع صفة الشدة والحزم، خصوصا لدى القادة الذين ينشغلون بالتأسيس والمواجهات، لكن الملك عبد العزيز أثبت للجميع قدرته على العفو في أصعب الظروف شدة.
وتنعكس إنسانيته المميزة في حرصه على العفو حتى مع أشد الخصوم.. يقول هاشم الرفاعي في كتابه «من ذكرياتي» المنشور سنة 1358هـ: «ميز الله الملك عبد العزيز العبد الرحمن الفيصل السعود بمميزات حميدة قل أن تجدها مجتمعة في سواه من عظماء الرجال البارزين، ومنها انطباع نفسه الكبيرة بطابع احترام من ألوى الدهر عنان عزهم من الأمراء، وذوي الوجاهة بين قومهم، ومواساتهم بنفسه في جميع الحالات التي تستوجب راحتهم وتسليتهم، فيحفظ هيبتهم بين الناس، حفظا من شأنه أن يجعلهم ينسون أن سلطانهم قد دال، ونفوذهم قد ذهب».
ويضيف الأمير سلمان: «لأهمية هذا المبدأ لدى الملك عبد العزيز فإنني أشرحه لعدد من الضيوف الذين أقابلهم، وأوضح لهم كيف أصبحت هذه البلاد متماسكة وموحدة بفضل الله عز وجل أولا، ثم بفضل هذه الخصال الحميدة، والمبادئ العظيمة التي التزمها الملك المؤسس، رحمه الله، كما أبين لهم اهتمامه بتنظيم الجالسين، إذ كان يقرب أولئك الرجال الذين كانوا في يوم من الأيام خصومه، ثم أصبحوا من أخلص رجاله، فكانوا يجلسون عن يمينه وعن شماله مباشرة، بينما كان يجلس أمامهم غير قريبين من الملك كبار أسرته وإخوانه وولي عهده الملك سعود، ونائبه في الحجاز الملك فيصل، وأبناؤه الكبار إذا حضروا، وكان بقية أبنائه يجلسون في آخر المجلس عن يمينه».
ويقول خير الدين الزركلي في كتابه: «إن الملك عبد العزيز ابتسم مرة في مجلسه، وفي ضيافته الشيخ نوري الشعلان شيخ قبائل الرولة العنزية ففسر عبد العزيز ابتسامته للضيف قائلا: هل ترى هؤلاء الجالسين حولك يا أخ نوري؟! ما منهم أحد إلا حاربته وعاداني وواجهته. فرد الشيخ نوري قائلا: سيفك طويل يا طويل العمر. فأوضح عبد العزيز أن السبب لم يكن السيف فقط، قائلا: إنما أحللتهم المكانة التي لهم أيام سلطانهم، إنهم بين آل سعود كآل سعود».
فبإنسانيته وحسن تعامله ملك الملك عبد العزيز قلوب الرجال، حتى أصبح المحرضون عليه من المؤيدين له. ومن الأمثلة على هذا رشيد بن ناصر بن ليلى الذي كان وكيلا لخصمه في تركيا، وبعد دخول الملك عبد العزيز حائل أراد ابن ليلى العودة إلى البلاد، فكتب إليه مع خشيته من أن ماضيه قد لا يشفع له، وفوجئ بالإجابة التي احتوت على الترحيب به، بل أكثر من ذلك عينه الملك عبد العزيز عضوا في مجلس الشورى، وقال فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز»: إنه في إحدى المناسبات أشار عبد العزيز إلى إصابة في يده، وقال: إن هذه الإصابة هي من قنبلة المدفع الذي بعثه هذا الرجل، يقصد ابن ليلى. فرد ابن ليلى: إن ذلك من الماضي. فقال له عبد العزيز: إن عملك هذا هو عمل الأوفياء مع بني قومهم، فأصبح رشيد بن ليلى من رجاله المخلصين ومندوبا ثقة له في علاقاته مع تركيا، وغيرها.
ومن مواقف عبد العزيز الإنسانية التي حولت خصومه إلى رجال أوفياء ما حدث مع السيد عبد الحميد الخطيب وزملائه: إذ يقول في كتابه «الإمام العادل»: «كنا من أشد الناس خصومه لجلالة الملك، ونشرنا الدعاية الواسعة ضده، وبذلنا الأموال الطائلة في سبيل مقاومته بمختلف الطرق والوسائل إلى أن آمنا بخطئنا، ورجعنا إليه بطوعنا، وقد شملنا بعفوه، وأغدق علينا كرمه، بل لقد أحاطنا بمنتهى ثقته الغالية حيث عينني أولا عضوا في مجلس الشورى الذي يشرف على كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدولة، وعين السيد طاهر الدباغ مديرا للمعارف العامة، ثم عضوا في إدارة القصور الملكية، وعين الشيخ عبد الرؤوف الصبان عضوا في مجلس الشورى، ثم مديرا للأوقاف العامة، وأمينا للعاصمة المقدسة، وعين القائم مقام عبد الله صادق مديرا لإحصاء النفوس، فجعل منا رجالا أمناء نصارحه بالحق، ونخلص له بالنصح».
ومن تلك المواقف الإنسانية ما حدث مع عبد العزيز بن زيد الذي كان على رأس وفد لمفاوضته، ورفض الصلح، وقال للملك: بيننا وبينك السيف، فغضب عليه الملك وطرده، وعندما دخل حائل توارى ابن زيد وسط الرجال خشية الانتقام، إلا أن الملك عبد العزيز عندما رآه قابله بالرضا، وعينه وكيلا له في دمشق وبيروت ثم سفيرا للبلاد هناك، وأصبح من خيرة رجاله المخلصين، وهكذا فإن الملك عبد العزيز تمكن من تغيير أولئك الرجال ليستمروا في عطائهم، لأنه احترم فيهم وفاءهم لزعمائهم الذين كانوا خصومه، وأصبحوا أوفياء معه أيضا.
وتنعكس إنسانية الملك عبد العزيز أيضا في قصة السيد طاهر الدباغ التي رواها الدكتور محمد عبده يماني نقلا عن عبد الله بلخير حيث كتب إلى الملك راغبا في العودة إلى البلاد بعد أن ناوأه، ولجأ إلى العراق، فرحب الملك بذلك، وأمر بإرسال سيارات لإحضاره وأسرته. وعندما حضر الدباغ إلى الرياض كان الملك عبد العزيز قد غادرها إلى الأحساء للمشاركة في الصلاة على ابن عمه ورفيق دربه الأمير عبد الله بن جلوي الذي توفي هناك، فذهب الدباغ إلى هناك لمقابلة الملك الذي رحب به، وأقام في ضيافته عدة أيام، ثم استأذن الدباغ الملك ليسافر إلى أهله في الحجاز، فقال له الملك أمام الناس: مرحبا يا سيد، لكن سامحنا، لأنك عندما كنت في العراق وتكتب لأصدقائك ومعارفك في الحجاز كنا نفتح تلك الخطابات، وأنت تكتب فيها أنني ملك جاهل يحكم شعبا جاهلا، واليوم أصدرت قرارا بتعيينك، مديرا عاما للمعارف في البلاد لتعلم الجميع، فلم يتمالك السيد الدباغ هذا الموقف الإنساني النبيل، فجلس بعد أن كان واقفا ثم توجه إليه، وسلم عليه، واعتذر منه واعدا بأن يحقق الطلب الذي طلبه منه، وفعلا قام السيد طاهر بإدارة التعليم لسنوات طويلة، وكان من خيرة الرجال الذين بنوا أسس التعليم في المملكة.
ومن جوانب إنسانية الملك عبد العزيز، العفو والإحسان، فمنها موقفه تجاه الشيخ مشل التمياط - أحد مشايخ قبيلة شمر - كما ورد لدى فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز»، وكما سمعته من جلساء الملك. فقد لجأ الشيخ مشل إلى العراق، فضغط الملك على الحكومة العراقية لتنفيذ بنود اتفاقية التعاون بين البلدين وتسليم الشيخ له بموجبها. وبالفعل وافقت العراق على طلبه، وأوصى الملك رجاله الذين صحبوا الشيخ مشل إلى الرياض بإكرامه، والاعتناء به. وعندما وصل إلى الرياض جاءوا به إلى قصر الحكم لمقابلة الملك في المجلس العام، فلما دخل قال له: «وقف يا مشل، أنا جئت بك لكي أثبت لك أنني قادر على ذلك، أما أنت فلن تضرني، ولن تنفعني، لأن المنفعة والمضرة من عند الله عز وجل». ووجه رئيس تشريفاته إبراهيم بن جميعة في الحال لكي يجهزه، ويكرمه، ويهيئ له العودة إلى المكان الذي جاء منه. فقال الشيخ مشل: «يا عبد العزيز لو أن البلد الذي جئت منه سينفعني لما أرسلوني إليك، أنا أريدك على خيرك وشرك»، وأصبح الشيخ مشل واحدا من خيرة رجاله الأوفياء والمقربين.
وإذا نظرت إلى من كان يصحبه دائما في سيارته الخاصة فسوف تجد أن معظمهم كانوا من معارضيه، وأصبحوا من أخلص رجاله، بل أصبحوا من أقرب الناس إليه.
فتلك هي إنسانية الملك عبد العزيز التي حولت الخصوم إلى مخلصين، إلى درجة أن صار بعضهم من بين حراسه الشخصيين، ومن كبار موظفيه ومرافقيه، فها هو ذا سليمان بن عجلان أحد كبار حراس الملك عبد العزيز يقف على رأسه لحمايته على الرغم من أنه ابن لخصمه (عجلان) الذي انتصر عليه الملك، وقضى عليه في أثناء اقتحامه ورجاله الأوفياء المصمك لاسترداد الرياض.
وكان الملك عبد العزيز يحرص على تقريب الرجال المعروفين بحسن عملهم، حتى لو كانوا يعملون عند خصومه، فعلى سبيل المثال: عندما غضب أحد خصوم الملك عبد العزيز على إبراهيم بن جميعة الذي كان يعمل عنده اتجه إلى الملك لما سمعه عنه من خبرته ومعرفته بالرجال، وأصبح ابن جميعة رئيس تشريفات الملك عبد العزيز ومستقبل ضيوفه، ويكفي أن تنظر إلى بعض أسماء من عملوا معه في أموره الأمنية والعسكرية، مثل سعيد جودت (رئيس الحرس الملكي)، وسعيد كردي (قائد القوات)، وإبراهيم الطاسان (من كبار قادة القوات)، وحمدي الياور (رئيس مرافقي الملك فيصل في الحجاز)، ومهدي بك المصلح (رئيس الأمن)، وسوف تجد أنهم كانوا في يوم من الأيام من أبرز معاوني خصومه ومحاربيه.
وفي هذا دلالة واضحة على إنسانية الملك عبد العزيز وقدرته على استيعاب الجميع، ومحبته للخير، وخلو قلبه من الحقد أو الانتقام.
كما عرف عنه وفاؤه للرجال الذين يؤدون أعمالا إنسانية لمصلحة المحتاجين، فمن مواقفه الإنسانية أنه عندما دخل جدة أكرم الشيخ محمد الطويل واستقبله بكل ترحاب، وشكره على ما كان يقوم به للناس من شراء الاحتياجات وتدبير سكناهم، على الرغم من أنه كان من قبل في جانب خصمه، إلا أن الملك عبد العزيز عينه مديرا لمالية الأحساء، وأصبح من خيرة رجاله الأوفياء.
ومن خصائصه وفاؤه لمن وقف إلى جانبه في مرحلة مبكرة، وخصوصا في أثناء حملات توحيد البلاد. فقد كان له في كل مكان أنصار ومؤيدون، على الرغم من وقوع بعضهم تحت نفوذ خصومه آنذاك، وكان يحرص على تقديرهم، والعناية بهم لمواقفهم المخلصة تلك.
* العدل والإنصاف
* وركز الكتاب على جوانب من شخصية الملك حيث أوضح الأمير سلمان قائلا:
أما العدل في شخصية الملك عبد العزيز فسمة أساسية، لأنه من جوانب الدين، ومقتضى الحكم الصحيح، فكان عدله واضحا، لا يقبل الظلم أبدا، والشواهد كثيرة على عدل الملك عبد العزيز وإنسانيته، إذ كتب أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب»: «كان الملك عبد العزيز يراقب قافلة أناخت بالقرب من مخيمه في العقير، وكان بها جمل متعب، فطلب صاحبه، وأبلغه أن يترك الجمل يرعى، ولا يعيده إلى القافلة رأفة به، وقال الملك للريحاني: العدل عندنا يبدأ بالإبل، ومن لا ينصف بعيره يا حضرة الأستاذ لا ينصف الناس».
وفي موقف إنساني آخر نجد أنه يضع نفسه محاميا عن المحتاج إلى أن يحصل على حقوقه، فها هي ذي المرأة المسنة من أهل مكة المكرمة تصل إلى باب قصره بمكة وتشكو إليه أمرا في قضية ميراث لها قائلة: ليس لديها من يدافع عن قضيتها، فأخذ جلالته ما بيد تلك المرأة من أوراق قائلا: إنه وكيلها في هذا الأمر، وتابع الموضوع شخصيا مع المحكمة الشرعية حتى انتهت قضيتها.
ومن المواقف الإنسانية الأخرى حرصه على مصالح المواطنين وحاجتهم، والدفاع عنها، وإبراء ذمته. حيث يروي الدكتور محمد عبده يماني نقلا عن عبد الله كامل أنه عندما شحت الموارد المالية في بعض السنوات، وأصبح من الصعب دفع كامل رواتب الموظفين، بسبب الحالة الاقتصادية الضعيفة، طلب من عبد الله السليمان وزير المالية ومستشاره حافظ وهبة اقتراح حل لهذه المشكلة، فرفعا اقتراحا للملك مضمونه أن يسرح نصف الموظفين لكي تتمكن الدولة من دفع رواتب النصف الآخر، وانزعج الملك من هذا الاقتراح، وكلمهما كلاما شديدا، وقال: أنتما اثنان، وعليكما أن تبدآ بتطبيق هذا الاقتراح بتسريح أحدكما مثل الآخرين، فارتبكا ارتباكا شديدا، وقال لهما الملك: تسريح هؤلاء الناس في وقت لا توجد لهم فيه أعمال هو ضياع لهم، ومؤثر في مصالحهم وحياتهم، وبدلا منه عليكما تخفيض الرواتب إلى النصف على الجميع، وبذلك يتم الإبقاء على الجميع إلى أن يغير الله الحال، هذا هو عمق العدل والإنسانية والثقة بالله سبحانه وتعالى، والمحافظة على حقوق الجميع دون استثناء.
وفي سنة 1355هـ أبرق موظفو اللاسلكي إلى الملك المؤسس بأنهم وعائلاتهم في ضنك شديد، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي شملت البلاد وأنحاء العالم، ووجه برقية إلى وزير المالية قائلا: «وهذا حقيقة، إنهم كما ذكروا وأزود، وتركهم شيء مخالف للعقل والناموس.. حالا تشوفون مسألتهم بكل ممكن، وتصرفون لهم هم وغيرهم من الموظفين، وتجعلونهم دائما على بالكم» هذه هي إنسانية الملك عبد العزيز التي تشمل جميع المواطنين، وتحرص عليهم، وتؤكد تلبية احتياجاتهم وحقوقهم.
ومن جوانب إنسانيته مساواته بين جميع المواطنين، إذ يروي عبد الرحمن الرويشد أن عبد الله السليمان وزير المالية، بعث للملك برقية من أجل التوجيه حيال الاقتراح بإرسال بعض المواد الغذائية الأقل ثمنا وجودة في أثناء الحرب العالمية الثانية لاستخدام الأتباع، فبعث له الملك يؤنبه قائلا: «وهل الأتباع ما هم أوادم؟ يجب أن يكون لهم من الغذاء الشيء الطيب، إن باعوه استفادوا، وإن أكلوه سد حاجتهم».
ومن عدله أيضا أنه استوقفه رجل في طريق البديعة وقال له: «وين عدلك يا عبد العزيز؟». فسأله الملك عن مشكلته، فقال له: إن سيارة أحد الأمراء دهمت إبله ونفق منها ثلاثة، وطلب الملك إحضار الأمير إليه للنظر في الأمر، وعندما حضر جلس مع الرجل المشتكي أمام الملك للاستماع إلى ما حدث، وأمر الملك الأمير بدفع ثمن الجمال الثلاثة التي نفقت، وكان ثمن الجمل آنذاك لا يزيد على ثلاثمائة ريال، وطلب الرجل ألف ريال عن الجمل الواحد، فقال له الأمير: سأعوضك بثلاثة جمال إذن، ولكن البدوي رد عليه: هب أنك أعطيتني ثلاثة جمال، أفليس علي أن أروضها حتى تأنس إلي وآنس إليها؟ ودفع الأمير المبلغ فالتفت الرجل إلى الملك، وقال له: «الآن تأكد لدي عدلك يا عبد العزيز».
ومن نتائج عدله وسياسته أن أصبحت البلاد في أمن واستقرار، يروي عقيل بن فهد الخطيب، أحد مرافقي الملك عبد العزيز، قائلا: «صادف الملك عبد العزيز في إحدى نزهاته في الصحراء امرأة تسير وحدها، فلما أرسل وراءها أحد رجاله ليسألها عن مقصدها، علم أنها ترغب في الذهاب إلى الأحساء للتمون. فسألها الملك: أليس معك رجل؟ قالت له: نعم، معي الله، ثم عبد العزيز، فنزل الملك من سيارته وسجد شكرا لله، ثم التفت إلى من معه، وقال: من معه ورقة يا جماعة؟ فقال عقيل: حاضر. فقال الملك: اكتب: بمجرد أن تصلكم هذه المرأة أعطوها كل ما يلزمها من كساء ومؤونة.
وقال لها الملك: خذي هذه الورقة لتحصلي على ما تريدين.
فقالت المرأة: ما يعطي مثل هذا إلا عبد العزيز».
كما ارتبط عطف عبد العزيز بإنسانيته، ومحبته للناس، وحرصه على أن يكونوا في أحسن حال، وكان لا يرتاح عندما يشاهد وضعا يقتضي العطف، فيبادر بمواقفه الرائعة التي تنبض بالرفق واللين والإنسانية. فقد ذكر عبد العزيز الأحيدب في كتابه «من حياة الملك عبد العزيز» أنه «عندما جاء الملك عبد العزيز يتابع العمل في بناء القصر في المربع، وكان ذلك في رمضان، شاهد عمالا يعملون تحت الشمس الحارقة، فتوقف، وسأل عن رئيسهم، فعندما جاء سأله الملك عن مواعيد عملهم فأجابه أنه من الصباح الباكر حتى العصر، فقال: يا لله العجب ! أنا لا أعمل بيدي، وأستعمل السيارة، وأشعر بالعطش، من الآن فصاعدا لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات في أول النهار، ولكن أجركم كاملا».
العطف والكرم وأسهب الأمير سلمان في الحديث عن العطف والكرم من قبل الملك لشعبه قائلا: كان الملك عبد العزيز ينظر إلى شعبه دائما بأنهم جزء لا يتجزأ منه، وكان يستقبل المواطنين من أنحاء البلاد في الرياض أو أينما يكونون، ليقابلوه ويستفيدوا من كرمه الفطري، وكان يعتني بهم، ويسأل عن احتياجاتهم وأحوالهم، وعندما اشتدت الأزمة الاقتصادية، بسبب الحرب العالمية الثانية خصص مواقع متعددة للضيافة، وتقديم الطعام إلى المواطنين في أنحاء البلاد لرفع معاناتهم، وانتشرت المخيمات والمطابخ والمخابز والمبرات في أنحاء البلاد لتوفر للمواطنين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وكان يأخذ معه دائما صررا فيها نقود فضة في السيارة ليساعد بها من يقابلهم من المحتاجين في الطريق. فقد روى خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» أنه «في يوم من الأيام كان يتجه نحو عرفة، ورأى جَمَّالا، وتوقف بالقرب منه، وجاء وسلم عليه، وسأله الملك عن أحواله، ثم ناوله صرة نقود، وبعدما تحركت السيارة قال السائق للملك: إن الصرة التي أعطيت الرجل كانت ذهبا، وليست نقود فضة، فطلب الملك من السائق العودة إلى الرجل، وكان السائق يعتقد أن الملك سيستعيد تلك الصرة ويستبدل بها صرة أخرى، لكنه فوجئ بأن الملك يخبر الرجل أن الصرة التي أعطيت له هي صرة ذهب، وأن الواحد منها بعشرين من النقود العادية، ونبهه حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك، وأمر السائق أن يمضي في المسير قائلا: أعطاه الله».
وكان الملك عبد العزيز يربي أبناءه على الكرم، فقد حكى خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» أنه «كان في معيته في إحدى نزهاته برفقة أخيه الأمير عبد الله وبعض المستشارين، وكان في السيارة أحد أبناء الملك في سن الخامسة، فدفع إليه الملك قبضة من دراهم الفضة، وبدأ يلعب بها الطفل، ثم قال له الملك: وزع على الإخوان الذين في السيارة، فوزعها كلها، ثم التفت إليه، وسأله: أين الدراهم؟ فمد الأمير الصغير يديه فارغتين، فقال له الملك: سيعوضك الله عنها، فأعطاه غيرها، وما زال يعطيه وهو يوزع، فأدركنا على الفور أن الأب العظيم كان يلقن صغيره درسا عمليا في الكرم».
ومن جوانب كرمه كما أورد خير الدين الزركلي في كتابه أنه «نافس قلمه الذي أخطأ في كتابة رقم المبلغ المخصص لأحد المواطنين، فبدلا من أن يكون مائة ريال أصبح ألف ريال، وعندما ذهب الرجل إلى شلهوب المسؤول عن الشؤون الخاصة، نظر إلى المبلغ فوجده يزيد عشرة أضعاف على ما هو معتاد، فعاد شلهوب إلى الملك عبد العزيز، وأخبره بهذه الزيادة الكبيرة، فقال الملك: ليس القلم بأكرم مني».
كما ارتبط كرمه بإنسانيته؛ إذ كان يعطف على الناس، ويتفقد شؤونهم ويتولى بنفسه توزيع الصدقات.
كما كان يكلف أفرادا من أسرته، وغيرهم - رجالا ونساء - بتوزيع الصدقات على المحتاجين والمساكين، وتفقد أحوالهم في جميع أنحاء المملكة، فمن المواقف الإنسانية المؤثرة لكرم الملك عبد العزيز ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في إحدى خطبه رواية عن والده بشأن ما كان يقوم به ليلا بنفسه دون علم الآخرين من الإحسان للضعفاء والفقراء، خصوصا في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام، ومن بينهم امرأة عجوز من أسرة يعرفها.
يقول الملك عبد العزيز: «زودت لها حاجتها، وأعطيتها مبلغا من المال، فأمسكت بي والدنيا ظلام، وقالت: من أنت؟ ولم أقل لها شيئا، لأني لا أريد أن تعرفني، قالت: أنت عبد العزيز؟ قلت لها: نعم أنا عبد العزيز، فاستقبلت القبلة وفتحت جيبها وقالت: قل: آمين، إن الله يفتح لك خزائن الأرض. وبعد أن ظهر الزيت عندنا عرفت أن هذا هو خزائن الأرض».
وكان الملك عبد العزيز يحرص على إيصال المساعدات إلى المحتاجين في أماكنهم في أنحاء البلاد، ويوضح طريقة توزيعها، فها هو ذا في إحدى الوثائق المحفوظة بدارة الملك عبد العزيز يوجه رجاله المكلفين بتوزيع صدقاته قائلا: «أرسلنا على يد الولد عبد الله الفيصل صدقة دراهم وعيش وتمر لفقراء ديرتكم إن شاء الله يعمد من يوزعها على فقراكم، وهذي خاصة لاثنين: إما واحد فهو فقير لا يسأل إلحافا، والثاني فقير باين فقره، وأما الذين ركبوا يمنا أو ما ركبوا وهم مقتدرون على عيشتهم ولا هم ضعفاء فلا يعطون منها شيئا، وكذلك الأمير والمطوع ما لهم شيء». لأن لهم رواتب مخصصة، وكذلك نجد أن الملك عبد العزيز عندما أحس بأن الناس صعب عليهم القدوم إلى الرياض لتسلم عوائدهم السنوية أصدر توجيهاته الإنسانية حسب إحدى الوثائق الموجهة إلى بعض أمرائه في أنحاء البلاد قائلا: «نبهوا على جميع العربان الذين عندكم وحواليكم أن كل إنسان يبي شرهته وعادته التي عندنا ولاهو براكب لنا، فنحنا على موجب رأفتنا بهم وعدم مشقتهم نرسل لهم شرهتهم وعوائدهم لهم عندهم في المحل الذي يبون».
ومن إنسانية الملك عبد العزيز حرصه الشديد على حسن توزيع الصدقات، وتأكيده على رجاله وأمرائه بضرورة ذلك، فها هو ذا يوجه بعض المكلفين بتوزيع الصدقات قائلا: «بارك الله فيكم تفهمون أننا ما أرسلنا هذه الصدقة إلا خاصة للفقراء والمساكين والأرامل والمستحقين لها، وأنتم لازم تشتركون مع مندوبينا في توزيع الصدقة على المذكورين أعلاه وهذا أمر من ذمتنا في ذمتكم».
كما امتدت إنسانية الملك عبد العزيز لتشمل الأيتام والعناية بهم، ففي سنة 1355هـ كما جاء في صحيفة «أم القرى»: «وافق على إنشاء مدرسة دار الأيتام في مكة المكرمة، وكلف مهدي بك المصلح مدير الأمن العام برئاسة هيئة إدارتها، وعضوية كل من محمد سرور الصبان، والعقيد علي جميل، ومحمد شطا، وعبد الوهاب آشي، وعبد القادر أبو الخير. وكان يتفقد هذه الدار، ويلاطف الساكنين فيها، ليشعرهم بقيمتهم ومكانتهم، ويساعدهم ليعوضهم عن فقدان والديهم. كما أسس عددا من مدارس ودور الأيتام واليتيمات في أنحاء المملكة».
* مكانة مكة عند المؤسس
* وختم الكتاب بالحديث عن عناية الملك عبد العزيز بمكة المكرمة لمكانتها المقدسة، وما شهدته أرضها المباركة من أحداث مهمة كان أساسا للبناء الحضاري الذي شهدته البلاد فيما بعد حيث أشار الأمير سلمان إلى أن مكة المكرمة والمدينة المنورة تعدان أعز الأماكن في نفس الملك عبد العزيز حيث أعطاهما جل اهتمامه، وقدم إليهما عزيز ماله ووقته، وأعاد إليهما مكانتهما المستحقة من خلال خدمتهما وتطويرهما وتهيئتهما للمسلمين. ففي مكة المكرمة أرسى دعائم المشاركة الوطنية في إدارة شؤون البلاد الداخلية عندما أسس المجالس الأهلية والبلدية، وجعلها بالانتخاب، وأسس مجلس الشورى سنة 1345هـ، ومقره مكة المكرمة، وفيها أصدر أول صحيفة رسمية للمملكة العربية السعودية باسم «أم القرى» سنة 1343هـ، وجعل مقرها مكة المكرمة لتكون نافذة للحق، ولتشيع العلم والثقافة بين الناس.
وفي مكة المكرمة أيضا بويع الملك عبد العزيز ملكا على الحجاز، وسلطانا على نجد وملحقاتها في سنة 1344هـ حول باب الصفا بالمسجد الحرام، ثم طاف بالبيت العتيق، وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، شكرا لله، وحمدا للمولى عز وجل على توفيقه وتمكينه. وفي سنة 1351هـ ونتيجة للبرقية المرفوعة من عدد من الأعيان والمواطنين صدر القرار بإعلان اسم المملكة العربية السعودية.
استعان الملك عبد العزيز بعدد من رجالاته في أنحاء المملكة، وبخاصة الحجاز، ليسهموا في تأسيس البنية الإدارية والمالية المبكرة للبلاد، منهم على - سبيل المثال لا الحصر -: الشيخ عبد القادر الشيبي، والشيخ محمد حسين نصيف، والشريف شرف عدنان، والشيخ حسين باسلامة، والشيخ محمود شلهوب، والسيد محمد المرزوقي، والشيخ محمد سعيد أبو الخير، والسيد علي كتبي، والشيخ ماجد الكردي، والشريف حسين عدنان، والشيخ سليمان قابل، والحاج عبد الله زينل، والحاج عبد الله الدهلوي، وعبد الوهاب عطار، وعبد المقصود خوجة، ومحيي الدين حلمي، وعبد السلام فارسي.
وفي مكة المكرمة أيضا أصدر الملك عبد العزيز أول نظام شامل لإدارة البلاد وحكمها، وهي التعليمات الأساسية في سنة 1345هـ، أي: بمنزلة النظام الأساسي، كما صدرت في مكة المكرمة المئات من الأنظمة في عهد الملك عبد العزيز، لتساهم في بناء البلاد وتطوير جوانبها المختلفة، التي لا يزال معظمها يعمل به إلى يومنا هذا، وذلك لفاعليتها وقوة بنائها.
وشهدت مكة المكرمة إعلان نظام ولاية العهد أول مرة في البلاد، حينما رفع عدد من أعيان مكة المكرمة أولا، ثم أعيان المدينة المنورة، وتلاهما عدد من المدن الأخرى إلى الملك عبد العزيز خطابا يطلبون فيه تعيين الأمير سعود بن عبد العزيز وليا للعهد، ونتيجة لذلك صدر قرار مجلسي الشورى والوكلاء بمبايعة الأمير سعود بولاية العهد سنة 1352هـ محققين بذلك منهج الملك عبد العزيز في إدارة حكم البلاد على المنهج الشرعي الصحيح، وكان سبق أن عين ابنه الأمير فيصل نائبا عنه في مكة المكرمة سنة 1344هـ. فعل الملك ذلك كله هناك عرفانا بمكانة هذه الأرض المقدسة.
ومنذ دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة وهو يولي المسجد الحرام والمشاعر المقدسة والأهالي والحجاج والمعتمرين اهتمامه الخاص. ومن اهتماماته المبكرة ترميم المسجد الحرام، وإنارته بالكهرباء أول مرة، وتهيئة أماكن الطواف والسعي من خلال رصفها وتوسعتها، ونشر الأشرعة والمظلات لحماية المسلمين من حرارة الشمس أثناء أداء صلواتهم ومناسكهم، كما اهتم الملك عبد العزيز بتهيئة مياه الشرب، وبناء السبيل، وتعمير عين زبيدة، وبناء بئر زمزم، وإنشاء مصنع لكسوة الكعبة أول مرة في مكة المكرمة.
وعندما حدث السيل الكبير في مكة المكرمة سنة 1360هـ حرص الملك عبد العزيز على حماية المسجد الحرام من أي أضرار، فأبرق إلى عبد الله السليمان وزير المالية قائلا: «من طرف أبواب الحرم جميع ما ذكرتم طيب، نفذوه بكل ما يمكن من السرعة، ولكن ربما يجي سيل قبل أن تجهز هذه الأبواب، والذي أراه أن يعمل خشب قوي ويحط له مقبض حديد من يمين ويسار، ويسقط فيه الخشب على قدر الذي يحمي من السيل، ويحط فوق الخشب شيء ثقيل حتى لا يشيله السيل، وهذا مؤقت حتى تحضر الأبواب الحديد».
هذا هو الملك عبد العزيز في صدقه مع ربه، وحرصه على بيت الله، وأخذه الحيطة لأي أمر محتمل لمنع الضرر.
* ويضيف الأمير سلمان:
* «ومكة المكرمة بالنسبة إلينا - أبناء الملك عبد العزيز - لها مكانتها الخاصة في نفوسنا، وأتذكر أنني كنت أبشر من يأتيني عند سماعي من قرب سفرنا إلى مكة مع الملك آنذاك.
وكنا أيضا نفرح ونحن صغار عندما نأتي إلى مكة، ونستمتع بالإقامة بها، والدراسة في قصر السقاف الذي تنتقل إليه مدرستنا عند قدومنا إلى الحجاز، كحالها عند انتقالنا إلى أي مكان مع والدنا في البلاد.
هكذا حقق الملك عبد العزيز وحدة البلاد ووحدة المواطنين، وأنجز أسس البناء ليستكمله أبناؤه من بعده الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله - على نهجه وسياسته، وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - تواصلت مسيرة البناء في البلاد، وتحققت أضخم توسعة للحرمين الشريفين من منطلق العناية الخاصة التي يوليها قادة هذه البلاد لهذه الأماكن المقدسة.
فالملك فهد كان يتابع بنفسه مشاريع التوسعة، ويشرف عليها شخصيا، ويعطيها الأولوية دائما. كما يعد إصدار أنظمة الحكم الثلاثة (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق) في عهد الملك فهد من العلامات البارزة في مسيرة البلاد، التي انطلقت في الرياض مستمدة أساسها من تلك الأنظمة، التي صدرت في مكة المكرمة، ومعلنة أن الإسلام والعقيدة الإسلامية هما أساس المملكة العربية السعودية وحكومتها، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مشاركا أخاه الملك فهد بن عبد العزيز وهو يضيف المزيد من الإنجاز لهذه البقعة المباركة، وكان مثالا للوفاء معه في آخر حياته عند مرضه، وهذا يعكس قوة الأسرة في تماسكها وتلاحمها وتعاونها من أجل رفعة هذه البلاد وخدمة مواطنيها.
واليوم ها هو ذا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخوه ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز يواصلان هذه المسيرة التنموية الخاصة بالبلاد، ويقدمان المزيد من الإنجاز والاهتمام بالحرمين الشريفين، ويعد وقف الملك عبد العزيز الذي خصصه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لخدمة الحرمين الشريفين، وصدور أمره الكريم من مكة المكرمة بإنشاء هيئة البيعة سنة 1427هـ ولائحتها التنفيذية سنة 1428هـ من الإنجازات التاريخية المتعددة التي تسجل له حفظه الله».






 
قديم 29-11-10, 08:23 PM   رقم المشاركة : 2
المهندس جاسم الشمري
مدلس و كذاب وحاطب ليل







المهندس جاسم الشمري غير متصل

المهندس جاسم الشمري is on a distinguished road


Lightbulb أول وحدة على أرض الجزيرة بعد دولة الإسلام أنجزها الملك عبد العزيز آل سعود



الملك عبد العزيز وبجواره الأمير سلمان في صورة التقطت عام 1938


قدم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض صورا حية لمواقف تاريخية وجوانب إنسانية من شخصية الملك عبد العزيز، كما قدم نماذج متعددة للفكر التربوي، الذي حرص عليه الملك المؤسس عند تربية أبنائه وجميع أفراد أسرته، معرجا على الحديث عن أساس الدولة السعودية وجهود الملك في تأسيس أول وحدة عربية في جزيرة العرب بعد دولة الإسلام الأولى.
وأفاض أمير منطقة الرياض في الحديث عن مواقف للملك المؤسس تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك، وروح العدل التي سادت كل نوازعه، ويد الجود التي اكتست بها هباته الوافرة.
وأورد الأمير سلمان في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز» سجلتها ذاكرته عن والده الملك، والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، فأراد إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال الآتية، ولتكون قصصا تروى عن شخصية المؤسس، الذي ملأ اليقين قلبه فأصبح ملكا في كل خصلة من خصال الخير وشمائل الوفاء، كما عبر عن ذلك الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز في تقديمه للكتاب الذي قامت الدارة بطباعته مؤخرا، ويعد أصله محاضرة ألقاها الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز في رحاب جامعة أم القرى في مارس (آذار) عام 2008، وألقى موجزا بأبرز عناصر المحاضرة. وشدد أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز على أن تاريخ الملك المؤسس لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فقط، وإنما يتضمن جوانب كثيرة عن شخصيته الإنسانية التي تنهل من مسيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، معتبرا أن رجال التاريخ وشخصياته مثل الملك عبد العزيز تتواصل الكتابة عنهم خلال السنين وتقدم عنهم إلى اليوم ومستقبلا رسائل علمية ودراسات جديدة.
بدأ الكتاب بالحديث عن الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية، كما شدد مؤلفه الأمير سلمان على أنها قامت على أساس الكتاب والسنة ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو آيديولوجي (فكر بشري) موردا في هذا الصدد ما ذكره المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان عام 1824 إثر سقوط الدرعية في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي» وتوقعه عودة قيام الدولة السعودية بقوله: «ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أُسٌّ خصبٌ يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد».
وضمن حديثه عن إعادة تأسيس الدولة السعودية التي بدأها الملك عبد العزيز في سن مبكرة وبأفراد قليلين، وبشعار أساسه كلمة التوحيد لمح الأمير سلمان إلى أنه وفي الوقت الذي كان بعض الناس ينادي بالوحدة العربية على أساس قومي دون تطبيق، انبرى الملك عبد العزيز يحقق تلك الوحدة عمليا في أغلب أراضي الجزيرة العربية، وفي مهبط الوحي، معيدا إلى الأذهان تلك الوحدة التي حققها نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أسس الدولة الإسلامية الأولى في الجزيرة العربية على الإسلام، وتوحدت فيها مجتمعات المهاجرين والأنصار دون اعتبار لعصبية، وبهدي هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصبح للعرب عزهم وقوتهم وانتشارهم.
* علاقته بوالده
* وحول طبيعة علاقة الملك المؤسس بوالده، أشار الأمير سلمان بالقول: ولد الملك عبد العزيز وتربى في الرياض على يدي والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ووالدته سارة بنت أحمد السديري، رحمهما الله، وحظي برعاية كبيرة من حيث التعليم والتنشئة الإسلامية، وغرس الشيم والقيم والمكارم التي هي أساس البيت السعودي، وتمكن من إقامة شعائر الإسلام، والحكم بما أنزل الله تعالى، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأمن السبل، وآخى بين المتناحرين، ودمج الأمة بعد أن كانت أجزاء متفرقة. ولم يكن هدفه توسيع الملك لأجل الحكم فقط، وإنما لخدمة دينه وشعبه، وخدمة المسلمين في كل مكان.
عرف عن الملك عبد العزيز تأدبه مع والده، وتقديره له، فعندما تمكن من دخول الرياض استقبله قادما من الكويت، وأعلن بكل أدب البيعة له في المسجد الجامع الكبير بالرياض، حاكما على البلاد، إلا أن والده نهض معلنا البيعة لابنه لثقته به، فقبل الملك عبد العزيز مشترطا جعل حق الرأي الأول في معالي الأمور المهمة لوالده الإمام. ومن شدة احترامه له لم يكن يمشي في غرفة علوية بينما والده في الغرفة التي أسفل منها، وقد أكد هذا محمد أسد في كتابه «الطريق إلى مكة» إذ ذكر أن الملك عبد العزيز لم يكن يسمح لنفسه ولا لغيره قط أن يضع قدمه في غرفة من القصر إذا كان أبوه في غرفة تحتها، ونقل عنه قوله: «كيف أسمح لنفسي أو لغيري أن يسير فرق رأس أبي؟». وأشار عبد الله فيلبي في كتابه «قلب الجزيرة العربية» إلى أنه عند زيارته الرياض سنة 1336هـ (1917م) لاحظ كيف كان الملك عبد العزيز يجلس بحضرة والده قائلا: «وفي الحياة العامة عند مقابلة المواطنين كان الابن بحضرة أبيه يجلس في مكان منخفض».
وروى لي عبد العزيز بن عبد الله بن ماضي أنه كان في مجلس خاص بالملك فيصل عندما كان نائبا لوالده في الحجاز، وكان الحديث عن الملك عبد العزيز، وقال له: كنا جلوسا على الحبوس (مواضع للجلوس من الحجر) والملك عبد العزيز كان جالسا على الأرض، فاستنكر الملك فيصل ذلك، واندهش لهذا القول، فأوضح ابن ماضي ذلك قائلا: جئت مع والدي عبد الله بن ماضي (أمير روضة سدير) إلى الرياض للسلام على الإمام عبد الرحمن، والملك عبد العزيز، وجلسنا على الحبوس التي وضعت في الديوانية لأجل جلوس الإمام بسبب الألم في ركبتيه، وعندما دخل الملك عبد العزيز سلم على والده، وقبل يده، ثم جلس على الأرض في آخر المجلس احتراما له، وهذا الذي أزال استغراب الملك فيصل. وكان الملك عبد العزيز لم يقبل أن يطلق عليه لقب «الإمام» في حياة والده، تأدبا، وتوقيرا له. وكان يلقب بالسلطان ثم الملك إلى أن توفي الإمام عبد الرحمن سنة 1346هـ وأصبح الملك عبد العزيز يلقب بالإمام بعد ذلك إلى جانب كونه ملكا.
ومن أدب الملك عبد العزيز مع والده وبرّه به أنه – كما يروي الأمير سلمان - كان يساعده كثيرا على امتطاء صهوة جواده، فيرفع قدميه بنفسه مع وجود مرافقيه، كما ذكر ذلك أخي الأمير طلال بن عبد العزيز في كتابه «صور من حياة عبد العزيز»، ونقل لنا السيد عبد الحميد الخطيب في كتابه «الإمام العادل» ما شاهده حينما جاء الملك عبد العزيز، واستقبل والده عند مدخل باب السلام، وحمله لكبر سنه، ودخل به إلى حيث مصلاه، ولم يشأ أن يتولى ذلك غيره.
وذكر أحمد حمدي الطاهر في كتابه «الحجاز مهبط الوحي» أن أحد العلماء من أهل مكة حدثه قائلا: كان الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في الحج فطافا معا، لكن الأب أدركه الإعياء في آخر أشواط الطواف، فحمله الملك عبد العزيز ليتم بقية الشوط دون أن يترك ذلك لرجاله.
ولم يكن بره بوالده أقل من بره بوالدته، التي اهتم بها ورعاها، وحرص على رضاها أحسن ما يكون البر والرعاية.
* تدينه أسباب نجاحه
* وأرجع الأمير سلمان أهم أسباب نجاح الملك عبد العزيز في تحقيق ما هدف إليه من إعادة تأسيس الدولة السعودية، ونشر الأمن والاستقرار، إلى تدينه الذي جعله مرتبطا بالخالق عز وجل عن معرفة ووعي. وقد ذكر الشيخ عبد الله خياط في كتابه «لمحات من الماضي» أن الملك عبد العزيز «إذا كان ثلث الليل الأخير تشعل له المصابيح الكهربائية، وينتهز هذه الفرصة الثمينة في قيام الليل، الفرصة التي يتجلى الله فيها لعباده، ويستمر في مناجاة ربه بآياته، ويضرع إليه، ويبكي بكاء الثكلى، ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل الفجر، فيوتر، ثم يصلي الصبح في جماعة».
أما مجالسه فكانت تحفل بقراءة القرآن الكريم والمصادر الشرعية والتراثية من قبل علماء أجلاء، ويعلق الملك ويتأمل معاني ما قرئ لينصح به نفسه والحاضرين.
ويروي الشيخ عبد الله خياط في كتابه «أن قارئا بدأ تلاوته بقول الله تبارك وتعالى: «ولمن خاف مقام ربه جنتان» (الرحمن: 46) فاستعبر الملك عبد العزيز، وطال بكاؤه حتى أبكى من حوله.. ولحظ القارئ في جلالته هذا التأثر فأخذ يحتاط، ويتجوز في القراءة، ويقتصر على تلاوة آيات معدودات.. فاستدعاه وخاطبه بلهجته الصريحة المعهودة قائلا: «إن البخل شين وفي هذه المسائل أشين، إذا قرأت فطول، ذكرنا بالله، وعظنا بآياته، القرآن كله بركة».
ويروي فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز» أنه «كان يقوم آخر الليل، ويشعل سراجا، ويتلو القرآن، وحينما أصبح جاءه أحد مرافقيه من كبار السن قائلا: إن قيامك الليلة الماضية في تلاوة القرآن ذكرني يا عبد العزيز بسنة جدك فيصل الذي كان إذا دنا الفجر قام، وتهجد وصلى وتلا القرآن إلى الفجر».
وأشار عبد العزيز الأحيدب في كتابه «من حياة الملك عبد العزيز» إلى أن أحد الملازمين للملك في حروبه قال: «كنت في إحدى الحروب أتفقد الخيل نصف الليل، فإذا بي أسمع صوتا صادرا من خيمة (أبي تركي) وكنت حاملا سلاحي، فتوجهت نحو الخيمة، فوجدت بوابها إبراهيم الحميدي (الملقب بالشويعر) واقفا عند مداخلها، فسألته: ما الخبر؟ قال: لقد سلم أربع تسليمات ثم وقف وسط الخيمة ليتضرع إلى الله يسأله من فضله ويجهش إلى ربه بالبكاء، والناس نيام». «وكان للملك عبد العزيز ورد جمعه من عدد من الأحاديث النبوية الصحيحة لتكون في متناوله، رحمه الله، وطبعه عدة مرات لينتشر بين الناس طلبا للأجر والمثوبة».
ومن سمات شخصية الملك عبد العزيز أنه لا يقبل الممارسات المخالفة للشريعة الإسلامية. يروي عبد الحميد الخطيب في كتابه «الإمام العادل» أنه «بينما كان الملك عبد العزيز في استقبال الحجاج في منى سلم عليه أحد الحجاج الأفغان، وعندما اقترب من جلالته سجد أمامه توقيرا، فتألم جلالته من ذلك، وظهر الغضب على وجهه، وقال بصوت مرتفع: السجود لا يكون إلا لله، إنني لا أزيد عن أحدكم بشيء، فالإسلام ساوى بيننا جميعا».
وكشف أمير منطقة الرياض عن اهتمام الملك المؤسس بالمرأة وأسرته، موضحا بالقول: كان للمرأة في حياة الملك عبد العزيز اهتمام خاص، إذ كان يستشير أخته الكبرى نورة في شؤون أسرته، وشؤون النساء، لقوة شخصيتها وتدينها ومحبتها للخير، ويقبل شفاعتها للناس دون تردد، ففي رسالة منها سنة 1339هـ نشرها الشيخ عبد العزيز التويجري في كتابه «لسراة الليل هتف الصباح» نجده يوصيها بالاهتمام بوالدة أحد شيوخ القبائل الذي ناوأه واستقبالها، والحرص عليها تقديرا لابنها ولأسرته، على الرغم من مواقفه المعادية.
تقول نورة في تلك الرسالة: «والذي جنابكم يوصي عليها، إن شاء الله ما أمرتم على الرأس، ونوخت علينا وهي الآن عندنا».
وكان - رحمه الله - يخصص للنساء من أسرته وغير أسرته وقتا في المساء للاستماع إليهن، وقضاء حوائجهن، وليطلع على أحوالهن على الرغم من مشاغله المعروفة، وكان يزور الكبيرات من أسرته، صلة للرحم، وكان ضمن برنامجه اليومي إذا انتهى عند الظهر من مقابلة الناس، وإنجاز العمل في قصر الحكم زيارة أخته نورة في بيتها، تقديرا لها.
وكان أبناؤه وبناته غير المتزوجين المقيمون في بيته يتناولون الغداء معه بشكل يومي، حرصا منه على اجتماع أسرته، ويشاركهم من يرغب من بناته وأبنائه المتزوجين. كما كان الجميع يتناولون العشاء معه بعد المغرب. وكان ولي عهده الملك سعود يشارك أحيانا في العشاء مع والده، لأنه كان يقيم العشاء للناس في بيته، وكذلك الملك فيصل نائب الملك في الحجاز إذا حضر إلى الرياض.
لم تكن تربية عبد العزيز لأبنائه تربية ترف، وكان يخصص اجتماعا سنويا لأسرته رجالا ونساء ليقدم لهم النصح، ويذكرهم بأساس هذه البلاد القائم على الكتاب والسنة والتزام ذلك والمحافظة عليه، كما كان يوجههم بحسن معاملة الناس، والاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وحفظ حقوق الناس، وإبراء الذمة.
ويضيف الأمير سلمان: «وأذكر عندما كنت صغيرا أنه كان يتابعنا دائما في جميع الأمور ولا سيما الصلاة والدراسة، إذ كنا نصلي جميع الفروض معه وقد خصص غرفة خاصة في قصر المربع ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه، بما في ذلك صلاة الفجر، وقد كنت واحدا من أبنائه الذين جربوا تلك الغرفة في يوم من الأيام، وكنا نهاب سعود بن مسلم وعبد الله بن مبارك، وعبد الرحمن بن مسلم المكلفين بإيقاظنا ومتابعتنا يوميا لأداء الصلاة من هيبة الوالد، لعلمنا أنهم يتلقون أوامر صارمة منه لمتابعتنا، وكانت عمتي نورة هي من تشفع لنا عنده في مثل هذه الأحوال».
كما اهتم الملك عبد العزيز بتعليم أبناء أسرته وأبناء شعبه، وكان يكلف بعض المشايخ والمدرسين بتدريسهم، منهم، على سبيل المثال، محمد بن عبد الله السناري، وبعد ذلك خصص لأبنائه مدرسة في القصر، وعين لها مدرسين، معظمهم من مكة المكرمة، مثل الأستاذ أحمد العربي في بداية إنشاء مدرسة الأمراء والشيخ عبد الله خياط مدير المدرسة وأحمد بن علي الكاظمي وصالح خزامي وعبد الحميد الكاظمي.
ولحرصه على متابعتنا في الدراسة، كان يكلف محمد بن مسلم بالوقوف أمام المدرسة لتفقدنا عند الدخول وإبلاغ الوالد بمن يتغيب منا أو يتأخر عن الحضور.
وللشيخ عبد الله خياط والأستاذ أحمد الكاظمي ذكريات كثيرة حول تلك المدرسة، بينا فيها كيف كان الملك عبد العزيز يتابع أمورها، ويزورها للتعرف على أداء أبنائه وأداء المدرسين، فقد كتب الشيخ عبد الله خياط في كتابه «لمحات من الماضي»: أن «الملك عبد العزيز في إحدى زياراته لمدرسة الأمراء، وفي لفتة تشجيعية كريمة من جلالته لأحد أنجاله عندما رأى على ثوبه بقعة حبر حاول إخفاءها عن نظر والده، قال: لا تخفها، هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم».
كما كان يحرص على حضور حفل ختم القرآن لأبنائه، الذي يتم في بيته أو في غار المعذر المعروف، وحفل توزيع الشهادات الدراسية في نهاية العام، أو ينيب أحد أبنائه الكبار لذلك.
وينقل لنا خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» قول الملك فيصل: «إن والدي في تربيته لنا يجمع بين الرحمة والشدة، ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه، وليس للعدالة ميزانان يزن بأحدهما لأبنائه، ويزن بالآخر لأبناء شعبه، فالكل سواء عنده، والكل أبناؤه. ويحب جلالته المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام، ويمازح أبناءه وجلساءه، ويحادثهم أحاديث لا كلفة فيها».
تعامله مع خصومه وشدد الأمير سلمان على أن الملك المؤسس تعامل مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة تعاملا إنسانيا وكريما، حتى قيل: إنه ما من شخص عاداه، وبقي حيا يرزق إلا عاد إليه طوعا، بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس، معتبرا أنه من النادر أن تقترن صفة العفو مع صفة الشدة والحزم، خصوصا لدى القادة الذين ينشغلون بالتأسيس والمواجهات، لكن الملك عبد العزيز أثبت للجميع قدرته على العفو في أصعب الظروف شدة.
وتنعكس إنسانيته المميزة في حرصه على العفو حتى مع أشد الخصوم.. يقول هاشم الرفاعي في كتابه «من ذكرياتي» المنشور سنة 1358هـ: «ميز الله الملك عبد العزيز العبد الرحمن الفيصل السعود بمميزات حميدة قل أن تجدها مجتمعة في سواه من عظماء الرجال البارزين، ومنها انطباع نفسه الكبيرة بطابع احترام من ألوى الدهر عنان عزهم من الأمراء، وذوي الوجاهة بين قومهم، ومواساتهم بنفسه في جميع الحالات التي تستوجب راحتهم وتسليتهم، فيحفظ هيبتهم بين الناس، حفظا من شأنه أن يجعلهم ينسون أن سلطانهم قد دال، ونفوذهم قد ذهب».
ويضيف الأمير سلمان: «لأهمية هذا المبدأ لدى الملك عبد العزيز فإنني أشرحه لعدد من الضيوف الذين أقابلهم، وأوضح لهم كيف أصبحت هذه البلاد متماسكة وموحدة بفضل الله عز وجل أولا، ثم بفضل هذه الخصال الحميدة، والمبادئ العظيمة التي التزمها الملك المؤسس، رحمه الله، كما أبين لهم اهتمامه بتنظيم الجالسين، إذ كان يقرب أولئك الرجال الذين كانوا في يوم من الأيام خصومه، ثم أصبحوا من أخلص رجاله، فكانوا يجلسون عن يمينه وعن شماله مباشرة، بينما كان يجلس أمامهم غير قريبين من الملك كبار أسرته وإخوانه وولي عهده الملك سعود، ونائبه في الحجاز الملك فيصل، وأبناؤه الكبار إذا حضروا، وكان بقية أبنائه يجلسون في آخر المجلس عن يمينه».
ويقول خير الدين الزركلي في كتابه: «إن الملك عبد العزيز ابتسم مرة في مجلسه، وفي ضيافته الشيخ نوري الشعلان شيخ قبائل الرولة العنزية ففسر عبد العزيز ابتسامته للضيف قائلا: هل ترى هؤلاء الجالسين حولك يا أخ نوري؟! ما منهم أحد إلا حاربته وعاداني وواجهته. فرد الشيخ نوري قائلا: سيفك طويل يا طويل العمر. فأوضح عبد العزيز أن السبب لم يكن السيف فقط، قائلا: إنما أحللتهم المكانة التي لهم أيام سلطانهم، إنهم بين آل سعود كآل سعود».
فبإنسانيته وحسن تعامله ملك الملك عبد العزيز قلوب الرجال، حتى أصبح المحرضون عليه من المؤيدين له. ومن الأمثلة على هذا رشيد بن ناصر بن ليلى الذي كان وكيلا لخصمه في تركيا، وبعد دخول الملك عبد العزيز حائل أراد ابن ليلى العودة إلى البلاد، فكتب إليه مع خشيته من أن ماضيه قد لا يشفع له، وفوجئ بالإجابة التي احتوت على الترحيب به، بل أكثر من ذلك عينه الملك عبد العزيز عضوا في مجلس الشورى، وقال فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز»: إنه في إحدى المناسبات أشار عبد العزيز إلى إصابة في يده، وقال: إن هذه الإصابة هي من قنبلة المدفع الذي بعثه هذا الرجل، يقصد ابن ليلى. فرد ابن ليلى: إن ذلك من الماضي. فقال له عبد العزيز: إن عملك هذا هو عمل الأوفياء مع بني قومهم، فأصبح رشيد بن ليلى من رجاله المخلصين ومندوبا ثقة له في علاقاته مع تركيا، وغيرها.
ومن مواقف عبد العزيز الإنسانية التي حولت خصومه إلى رجال أوفياء ما حدث مع السيد عبد الحميد الخطيب وزملائه: إذ يقول في كتابه «الإمام العادل»: «كنا من أشد الناس خصومه لجلالة الملك، ونشرنا الدعاية الواسعة ضده، وبذلنا الأموال الطائلة في سبيل مقاومته بمختلف الطرق والوسائل إلى أن آمنا بخطئنا، ورجعنا إليه بطوعنا، وقد شملنا بعفوه، وأغدق علينا كرمه، بل لقد أحاطنا بمنتهى ثقته الغالية حيث عينني أولا عضوا في مجلس الشورى الذي يشرف على كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدولة، وعين السيد طاهر الدباغ مديرا للمعارف العامة، ثم عضوا في إدارة القصور الملكية، وعين الشيخ عبد الرؤوف الصبان عضوا في مجلس الشورى، ثم مديرا للأوقاف العامة، وأمينا للعاصمة المقدسة، وعين القائم مقام عبد الله صادق مديرا لإحصاء النفوس، فجعل منا رجالا أمناء نصارحه بالحق، ونخلص له بالنصح».
ومن تلك المواقف الإنسانية ما حدث مع عبد العزيز بن زيد الذي كان على رأس وفد لمفاوضته، ورفض الصلح، وقال للملك: بيننا وبينك السيف، فغضب عليه الملك وطرده، وعندما دخل حائل توارى ابن زيد وسط الرجال خشية الانتقام، إلا أن الملك عبد العزيز عندما رآه قابله بالرضا، وعينه وكيلا له في دمشق وبيروت ثم سفيرا للبلاد هناك، وأصبح من خيرة رجاله المخلصين، وهكذا فإن الملك عبد العزيز تمكن من تغيير أولئك الرجال ليستمروا في عطائهم، لأنه احترم فيهم وفاءهم لزعمائهم الذين كانوا خصومه، وأصبحوا أوفياء معه أيضا.
وتنعكس إنسانية الملك عبد العزيز أيضا في قصة السيد طاهر الدباغ التي رواها الدكتور محمد عبده يماني نقلا عن عبد الله بلخير حيث كتب إلى الملك راغبا في العودة إلى البلاد بعد أن ناوأه، ولجأ إلى العراق، فرحب الملك بذلك، وأمر بإرسال سيارات لإحضاره وأسرته. وعندما حضر الدباغ إلى الرياض كان الملك عبد العزيز قد غادرها إلى الأحساء للمشاركة في الصلاة على ابن عمه ورفيق دربه الأمير عبد الله بن جلوي الذي توفي هناك، فذهب الدباغ إلى هناك لمقابلة الملك الذي رحب به، وأقام في ضيافته عدة أيام، ثم استأذن الدباغ الملك ليسافر إلى أهله في الحجاز، فقال له الملك أمام الناس: مرحبا يا سيد، لكن سامحنا، لأنك عندما كنت في العراق وتكتب لأصدقائك ومعارفك في الحجاز كنا نفتح تلك الخطابات، وأنت تكتب فيها أنني ملك جاهل يحكم شعبا جاهلا، واليوم أصدرت قرارا بتعيينك، مديرا عاما للمعارف في البلاد لتعلم الجميع، فلم يتمالك السيد الدباغ هذا الموقف الإنساني النبيل، فجلس بعد أن كان واقفا ثم توجه إليه، وسلم عليه، واعتذر منه واعدا بأن يحقق الطلب الذي طلبه منه، وفعلا قام السيد طاهر بإدارة التعليم لسنوات طويلة، وكان من خيرة الرجال الذين بنوا أسس التعليم في المملكة.
ومن جوانب إنسانية الملك عبد العزيز، العفو والإحسان، فمنها موقفه تجاه الشيخ مشل التمياط - أحد مشايخ قبيلة شمر - كما ورد لدى فهد المارك في كتابه «من شيم الملك عبد العزيز»، وكما سمعته من جلساء الملك. فقد لجأ الشيخ مشل إلى العراق، فضغط الملك على الحكومة العراقية لتنفيذ بنود اتفاقية التعاون بين البلدين وتسليم الشيخ له بموجبها. وبالفعل وافقت العراق على طلبه، وأوصى الملك رجاله الذين صحبوا الشيخ مشل إلى الرياض بإكرامه، والاعتناء به. وعندما وصل إلى الرياض جاءوا به إلى قصر الحكم لمقابلة الملك في المجلس العام، فلما دخل قال له: «وقف يا مشل، أنا جئت بك لكي أثبت لك أنني قادر على ذلك، أما أنت فلن تضرني، ولن تنفعني، لأن المنفعة والمضرة من عند الله عز وجل». ووجه رئيس تشريفاته إبراهيم بن جميعة في الحال لكي يجهزه، ويكرمه، ويهيئ له العودة إلى المكان الذي جاء منه. فقال الشيخ مشل: «يا عبد العزيز لو أن البلد الذي جئت منه سينفعني لما أرسلوني إليك، أنا أريدك على خيرك وشرك»، وأصبح الشيخ مشل واحدا من خيرة رجاله الأوفياء والمقربين.
وإذا نظرت إلى من كان يصحبه دائما في سيارته الخاصة فسوف تجد أن معظمهم كانوا من معارضيه، وأصبحوا من أخلص رجاله، بل أصبحوا من أقرب الناس إليه.
فتلك هي إنسانية الملك عبد العزيز التي حولت الخصوم إلى مخلصين، إلى درجة أن صار بعضهم من بين حراسه الشخصيين، ومن كبار موظفيه ومرافقيه، فها هو ذا سليمان بن عجلان أحد كبار حراس الملك عبد العزيز يقف على رأسه لحمايته على الرغم من أنه ابن لخصمه (عجلان) الذي انتصر عليه الملك، وقضى عليه في أثناء اقتحامه ورجاله الأوفياء المصمك لاسترداد الرياض.
وكان الملك عبد العزيز يحرص على تقريب الرجال المعروفين بحسن عملهم، حتى لو كانوا يعملون عند خصومه، فعلى سبيل المثال: عندما غضب أحد خصوم الملك عبد العزيز على إبراهيم بن جميعة الذي كان يعمل عنده اتجه إلى الملك لما سمعه عنه من خبرته ومعرفته بالرجال، وأصبح ابن جميعة رئيس تشريفات الملك عبد العزيز ومستقبل ضيوفه، ويكفي أن تنظر إلى بعض أسماء من عملوا معه في أموره الأمنية والعسكرية، مثل سعيد جودت (رئيس الحرس الملكي)، وسعيد كردي (قائد القوات)، وإبراهيم الطاسان (من كبار قادة القوات)، وحمدي الياور (رئيس مرافقي الملك فيصل في الحجاز)، ومهدي بك المصلح (رئيس الأمن)، وسوف تجد أنهم كانوا في يوم من الأيام من أبرز معاوني خصومه ومحاربيه.
وفي هذا دلالة واضحة على إنسانية الملك عبد العزيز وقدرته على استيعاب الجميع، ومحبته للخير، وخلو قلبه من الحقد أو الانتقام.
كما عرف عنه وفاؤه للرجال الذين يؤدون أعمالا إنسانية لمصلحة المحتاجين، فمن مواقفه الإنسانية أنه عندما دخل جدة أكرم الشيخ محمد الطويل واستقبله بكل ترحاب، وشكره على ما كان يقوم به للناس من شراء الاحتياجات وتدبير سكناهم، على الرغم من أنه كان من قبل في جانب خصمه، إلا أن الملك عبد العزيز عينه مديرا لمالية الأحساء، وأصبح من خيرة رجاله الأوفياء.
ومن خصائصه وفاؤه لمن وقف إلى جانبه في مرحلة مبكرة، وخصوصا في أثناء حملات توحيد البلاد. فقد كان له في كل مكان أنصار ومؤيدون، على الرغم من وقوع بعضهم تحت نفوذ خصومه آنذاك، وكان يحرص على تقديرهم، والعناية بهم لمواقفهم المخلصة تلك.
* العدل والإنصاف
* وركز الكتاب على جوانب من شخصية الملك حيث أوضح الأمير سلمان قائلا:
أما العدل في شخصية الملك عبد العزيز فسمة أساسية، لأنه من جوانب الدين، ومقتضى الحكم الصحيح، فكان عدله واضحا، لا يقبل الظلم أبدا، والشواهد كثيرة على عدل الملك عبد العزيز وإنسانيته، إذ كتب أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب»: «كان الملك عبد العزيز يراقب قافلة أناخت بالقرب من مخيمه في العقير، وكان بها جمل متعب، فطلب صاحبه، وأبلغه أن يترك الجمل يرعى، ولا يعيده إلى القافلة رأفة به، وقال الملك للريحاني: العدل عندنا يبدأ بالإبل، ومن لا ينصف بعيره يا حضرة الأستاذ لا ينصف الناس».
وفي موقف إنساني آخر نجد أنه يضع نفسه محاميا عن المحتاج إلى أن يحصل على حقوقه، فها هي ذي المرأة المسنة من أهل مكة المكرمة تصل إلى باب قصره بمكة وتشكو إليه أمرا في قضية ميراث لها قائلة: ليس لديها من يدافع عن قضيتها، فأخذ جلالته ما بيد تلك المرأة من أوراق قائلا: إنه وكيلها في هذا الأمر، وتابع الموضوع شخصيا مع المحكمة الشرعية حتى انتهت قضيتها.
ومن المواقف الإنسانية الأخرى حرصه على مصالح المواطنين وحاجتهم، والدفاع عنها، وإبراء ذمته. حيث يروي الدكتور محمد عبده يماني نقلا عن عبد الله كامل أنه عندما شحت الموارد المالية في بعض السنوات، وأصبح من الصعب دفع كامل رواتب الموظفين، بسبب الحالة الاقتصادية الضعيفة، طلب من عبد الله السليمان وزير المالية ومستشاره حافظ وهبة اقتراح حل لهذه المشكلة، فرفعا اقتراحا للملك مضمونه أن يسرح نصف الموظفين لكي تتمكن الدولة من دفع رواتب النصف الآخر، وانزعج الملك من هذا الاقتراح، وكلمهما كلاما شديدا، وقال: أنتما اثنان، وعليكما أن تبدآ بتطبيق هذا الاقتراح بتسريح أحدكما مثل الآخرين، فارتبكا ارتباكا شديدا، وقال لهما الملك: تسريح هؤلاء الناس في وقت لا توجد لهم فيه أعمال هو ضياع لهم، ومؤثر في مصالحهم وحياتهم، وبدلا منه عليكما تخفيض الرواتب إلى النصف على الجميع، وبذلك يتم الإبقاء على الجميع إلى أن يغير الله الحال، هذا هو عمق العدل والإنسانية والثقة بالله سبحانه وتعالى، والمحافظة على حقوق الجميع دون استثناء.
وفي سنة 1355هـ أبرق موظفو اللاسلكي إلى الملك المؤسس بأنهم وعائلاتهم في ضنك شديد، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي شملت البلاد وأنحاء العالم، ووجه برقية إلى وزير المالية قائلا: «وهذا حقيقة، إنهم كما ذكروا وأزود، وتركهم شيء مخالف للعقل والناموس.. حالا تشوفون مسألتهم بكل ممكن، وتصرفون لهم هم وغيرهم من الموظفين، وتجعلونهم دائما على بالكم» هذه هي إنسانية الملك عبد العزيز التي تشمل جميع المواطنين، وتحرص عليهم، وتؤكد تلبية احتياجاتهم وحقوقهم.
ومن جوانب إنسانيته مساواته بين جميع المواطنين، إذ يروي عبد الرحمن الرويشد أن عبد الله السليمان وزير المالية، بعث للملك برقية من أجل التوجيه حيال الاقتراح بإرسال بعض المواد الغذائية الأقل ثمنا وجودة في أثناء الحرب العالمية الثانية لاستخدام الأتباع، فبعث له الملك يؤنبه قائلا: «وهل الأتباع ما هم أوادم؟ يجب أن يكون لهم من الغذاء الشيء الطيب، إن باعوه استفادوا، وإن أكلوه سد حاجتهم».
ومن عدله أيضا أنه استوقفه رجل في طريق البديعة وقال له: «وين عدلك يا عبد العزيز؟». فسأله الملك عن مشكلته، فقال له: إن سيارة أحد الأمراء دهمت إبله ونفق منها ثلاثة، وطلب الملك إحضار الأمير إليه للنظر في الأمر، وعندما حضر جلس مع الرجل المشتكي أمام الملك للاستماع إلى ما حدث، وأمر الملك الأمير بدفع ثمن الجمال الثلاثة التي نفقت، وكان ثمن الجمل آنذاك لا يزيد على ثلاثمائة ريال، وطلب الرجل ألف ريال عن الجمل الواحد، فقال له الأمير: سأعوضك بثلاثة جمال إذن، ولكن البدوي رد عليه: هب أنك أعطيتني ثلاثة جمال، أفليس علي أن أروضها حتى تأنس إلي وآنس إليها؟ ودفع الأمير المبلغ فالتفت الرجل إلى الملك، وقال له: «الآن تأكد لدي عدلك يا عبد العزيز».
ومن نتائج عدله وسياسته أن أصبحت البلاد في أمن واستقرار، يروي عقيل بن فهد الخطيب، أحد مرافقي الملك عبد العزيز، قائلا: «صادف الملك عبد العزيز في إحدى نزهاته في الصحراء امرأة تسير وحدها، فلما أرسل وراءها أحد رجاله ليسألها عن مقصدها، علم أنها ترغب في الذهاب إلى الأحساء للتمون. فسألها الملك: أليس معك رجل؟ قالت له: نعم، معي الله، ثم عبد العزيز، فنزل الملك من سيارته وسجد شكرا لله، ثم التفت إلى من معه، وقال: من معه ورقة يا جماعة؟ فقال عقيل: حاضر. فقال الملك: اكتب: بمجرد أن تصلكم هذه المرأة أعطوها كل ما يلزمها من كساء ومؤونة.
وقال لها الملك: خذي هذه الورقة لتحصلي على ما تريدين.
فقالت المرأة: ما يعطي مثل هذا إلا عبد العزيز».
كما ارتبط عطف عبد العزيز بإنسانيته، ومحبته للناس، وحرصه على أن يكونوا في أحسن حال، وكان لا يرتاح عندما يشاهد وضعا يقتضي العطف، فيبادر بمواقفه الرائعة التي تنبض بالرفق واللين والإنسانية. فقد ذكر عبد العزيز الأحيدب في كتابه «من حياة الملك عبد العزيز» أنه «عندما جاء الملك عبد العزيز يتابع العمل في بناء القصر في المربع، وكان ذلك في رمضان، شاهد عمالا يعملون تحت الشمس الحارقة، فتوقف، وسأل عن رئيسهم، فعندما جاء سأله الملك عن مواعيد عملهم فأجابه أنه من الصباح الباكر حتى العصر، فقال: يا لله العجب ! أنا لا أعمل بيدي، وأستعمل السيارة، وأشعر بالعطش، من الآن فصاعدا لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات في أول النهار، ولكن أجركم كاملا».
العطف والكرم وأسهب الأمير سلمان في الحديث عن العطف والكرم من قبل الملك لشعبه قائلا: كان الملك عبد العزيز ينظر إلى شعبه دائما بأنهم جزء لا يتجزأ منه، وكان يستقبل المواطنين من أنحاء البلاد في الرياض أو أينما يكونون، ليقابلوه ويستفيدوا من كرمه الفطري، وكان يعتني بهم، ويسأل عن احتياجاتهم وأحوالهم، وعندما اشتدت الأزمة الاقتصادية، بسبب الحرب العالمية الثانية خصص مواقع متعددة للضيافة، وتقديم الطعام إلى المواطنين في أنحاء البلاد لرفع معاناتهم، وانتشرت المخيمات والمطابخ والمخابز والمبرات في أنحاء البلاد لتوفر للمواطنين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وكان يأخذ معه دائما صررا فيها نقود فضة في السيارة ليساعد بها من يقابلهم من المحتاجين في الطريق. فقد روى خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» أنه «في يوم من الأيام كان يتجه نحو عرفة، ورأى جَمَّالا، وتوقف بالقرب منه، وجاء وسلم عليه، وسأله الملك عن أحواله، ثم ناوله صرة نقود، وبعدما تحركت السيارة قال السائق للملك: إن الصرة التي أعطيت الرجل كانت ذهبا، وليست نقود فضة، فطلب الملك من السائق العودة إلى الرجل، وكان السائق يعتقد أن الملك سيستعيد تلك الصرة ويستبدل بها صرة أخرى، لكنه فوجئ بأن الملك يخبر الرجل أن الصرة التي أعطيت له هي صرة ذهب، وأن الواحد منها بعشرين من النقود العادية، ونبهه حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك، وأمر السائق أن يمضي في المسير قائلا: أعطاه الله».
وكان الملك عبد العزيز يربي أبناءه على الكرم، فقد حكى خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» أنه «كان في معيته في إحدى نزهاته برفقة أخيه الأمير عبد الله وبعض المستشارين، وكان في السيارة أحد أبناء الملك في سن الخامسة، فدفع إليه الملك قبضة من دراهم الفضة، وبدأ يلعب بها الطفل، ثم قال له الملك: وزع على الإخوان الذين في السيارة، فوزعها كلها، ثم التفت إليه، وسأله: أين الدراهم؟ فمد الأمير الصغير يديه فارغتين، فقال له الملك: سيعوضك الله عنها، فأعطاه غيرها، وما زال يعطيه وهو يوزع، فأدركنا على الفور أن الأب العظيم كان يلقن صغيره درسا عمليا في الكرم».
ومن جوانب كرمه كما أورد خير الدين الزركلي في كتابه أنه «نافس قلمه الذي أخطأ في كتابة رقم المبلغ المخصص لأحد المواطنين، فبدلا من أن يكون مائة ريال أصبح ألف ريال، وعندما ذهب الرجل إلى شلهوب المسؤول عن الشؤون الخاصة، نظر إلى المبلغ فوجده يزيد عشرة أضعاف على ما هو معتاد، فعاد شلهوب إلى الملك عبد العزيز، وأخبره بهذه الزيادة الكبيرة، فقال الملك: ليس القلم بأكرم مني».
كما ارتبط كرمه بإنسانيته؛ إذ كان يعطف على الناس، ويتفقد شؤونهم ويتولى بنفسه توزيع الصدقات.
كما كان يكلف أفرادا من أسرته، وغيرهم - رجالا ونساء - بتوزيع الصدقات على المحتاجين والمساكين، وتفقد أحوالهم في جميع أنحاء المملكة، فمن المواقف الإنسانية المؤثرة لكرم الملك عبد العزيز ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في إحدى خطبه رواية عن والده بشأن ما كان يقوم به ليلا بنفسه دون علم الآخرين من الإحسان للضعفاء والفقراء، خصوصا في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام، ومن بينهم امرأة عجوز من أسرة يعرفها.
يقول الملك عبد العزيز: «زودت لها حاجتها، وأعطيتها مبلغا من المال، فأمسكت بي والدنيا ظلام، وقالت: من أنت؟ ولم أقل لها شيئا، لأني لا أريد أن تعرفني، قالت: أنت عبد العزيز؟ قلت لها: نعم أنا عبد العزيز، فاستقبلت القبلة وفتحت جيبها وقالت: قل: آمين، إن الله يفتح لك خزائن الأرض. وبعد أن ظهر الزيت عندنا عرفت أن هذا هو خزائن الأرض».
وكان الملك عبد العزيز يحرص على إيصال المساعدات إلى المحتاجين في أماكنهم في أنحاء البلاد، ويوضح طريقة توزيعها، فها هو ذا في إحدى الوثائق المحفوظة بدارة الملك عبد العزيز يوجه رجاله المكلفين بتوزيع صدقاته قائلا: «أرسلنا على يد الولد عبد الله الفيصل صدقة دراهم وعيش وتمر لفقراء ديرتكم إن شاء الله يعمد من يوزعها على فقراكم، وهذي خاصة لاثنين: إما واحد فهو فقير لا يسأل إلحافا، والثاني فقير باين فقره، وأما الذين ركبوا يمنا أو ما ركبوا وهم مقتدرون على عيشتهم ولا هم ضعفاء فلا يعطون منها شيئا، وكذلك الأمير والمطوع ما لهم شيء». لأن لهم رواتب مخصصة، وكذلك نجد أن الملك عبد العزيز عندما أحس بأن الناس صعب عليهم القدوم إلى الرياض لتسلم عوائدهم السنوية أصدر توجيهاته الإنسانية حسب إحدى الوثائق الموجهة إلى بعض أمرائه في أنحاء البلاد قائلا: «نبهوا على جميع العربان الذين عندكم وحواليكم أن كل إنسان يبي شرهته وعادته التي عندنا ولاهو براكب لنا، فنحنا على موجب رأفتنا بهم وعدم مشقتهم نرسل لهم شرهتهم وعوائدهم لهم عندهم في المحل الذي يبون».
ومن إنسانية الملك عبد العزيز حرصه الشديد على حسن توزيع الصدقات، وتأكيده على رجاله وأمرائه بضرورة ذلك، فها هو ذا يوجه بعض المكلفين بتوزيع الصدقات قائلا: «بارك الله فيكم تفهمون أننا ما أرسلنا هذه الصدقة إلا خاصة للفقراء والمساكين والأرامل والمستحقين لها، وأنتم لازم تشتركون مع مندوبينا في توزيع الصدقة على المذكورين أعلاه وهذا أمر من ذمتنا في ذمتكم».
كما امتدت إنسانية الملك عبد العزيز لتشمل الأيتام والعناية بهم، ففي سنة 1355هـ كما جاء في صحيفة «أم القرى»: «وافق على إنشاء مدرسة دار الأيتام في مكة المكرمة، وكلف مهدي بك المصلح مدير الأمن العام برئاسة هيئة إدارتها، وعضوية كل من محمد سرور الصبان، والعقيد علي جميل، ومحمد شطا، وعبد الوهاب آشي، وعبد القادر أبو الخير. وكان يتفقد هذه الدار، ويلاطف الساكنين فيها، ليشعرهم بقيمتهم ومكانتهم، ويساعدهم ليعوضهم عن فقدان والديهم. كما أسس عددا من مدارس ودور الأيتام واليتيمات في أنحاء المملكة».
* مكانة مكة عند المؤسس
* وختم الكتاب بالحديث عن عناية الملك عبد العزيز بمكة المكرمة لمكانتها المقدسة، وما شهدته أرضها المباركة من أحداث مهمة كان أساسا للبناء الحضاري الذي شهدته البلاد فيما بعد حيث أشار الأمير سلمان إلى أن مكة المكرمة والمدينة المنورة تعدان أعز الأماكن في نفس الملك عبد العزيز حيث أعطاهما جل اهتمامه، وقدم إليهما عزيز ماله ووقته، وأعاد إليهما مكانتهما المستحقة من خلال خدمتهما وتطويرهما وتهيئتهما للمسلمين. ففي مكة المكرمة أرسى دعائم المشاركة الوطنية في إدارة شؤون البلاد الداخلية عندما أسس المجالس الأهلية والبلدية، وجعلها بالانتخاب، وأسس مجلس الشورى سنة 1345هـ، ومقره مكة المكرمة، وفيها أصدر أول صحيفة رسمية للمملكة العربية السعودية باسم «أم القرى» سنة 1343هـ، وجعل مقرها مكة المكرمة لتكون نافذة للحق، ولتشيع العلم والثقافة بين الناس.
وفي مكة المكرمة أيضا بويع الملك عبد العزيز ملكا على الحجاز، وسلطانا على نجد وملحقاتها في سنة 1344هـ حول باب الصفا بالمسجد الحرام، ثم طاف بالبيت العتيق، وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، شكرا لله، وحمدا للمولى عز وجل على توفيقه وتمكينه. وفي سنة 1351هـ ونتيجة للبرقية المرفوعة من عدد من الأعيان والمواطنين صدر القرار بإعلان اسم المملكة العربية السعودية.
استعان الملك عبد العزيز بعدد من رجالاته في أنحاء المملكة، وبخاصة الحجاز، ليسهموا في تأسيس البنية الإدارية والمالية المبكرة للبلاد، منهم على - سبيل المثال لا الحصر -: الشيخ عبد القادر الشيبي، والشيخ محمد حسين نصيف، والشريف شرف عدنان، والشيخ حسين باسلامة، والشيخ محمود شلهوب، والسيد محمد المرزوقي، والشيخ محمد سعيد أبو الخير، والسيد علي كتبي، والشيخ ماجد الكردي، والشريف حسين عدنان، والشيخ سليمان قابل، والحاج عبد الله زينل، والحاج عبد الله الدهلوي، وعبد الوهاب عطار، وعبد المقصود خوجة، ومحيي الدين حلمي، وعبد السلام فارسي.
وفي مكة المكرمة أيضا أصدر الملك عبد العزيز أول نظام شامل لإدارة البلاد وحكمها، وهي التعليمات الأساسية في سنة 1345هـ، أي: بمنزلة النظام الأساسي، كما صدرت في مكة المكرمة المئات من الأنظمة في عهد الملك عبد العزيز، لتساهم في بناء البلاد وتطوير جوانبها المختلفة، التي لا يزال معظمها يعمل به إلى يومنا هذا، وذلك لفاعليتها وقوة بنائها.
وشهدت مكة المكرمة إعلان نظام ولاية العهد أول مرة في البلاد، حينما رفع عدد من أعيان مكة المكرمة أولا، ثم أعيان المدينة المنورة، وتلاهما عدد من المدن الأخرى إلى الملك عبد العزيز خطابا يطلبون فيه تعيين الأمير سعود بن عبد العزيز وليا للعهد، ونتيجة لذلك صدر قرار مجلسي الشورى والوكلاء بمبايعة الأمير سعود بولاية العهد سنة 1352هـ محققين بذلك منهج الملك عبد العزيز في إدارة حكم البلاد على المنهج الشرعي الصحيح، وكان سبق أن عين ابنه الأمير فيصل نائبا عنه في مكة المكرمة سنة 1344هـ. فعل الملك ذلك كله هناك عرفانا بمكانة هذه الأرض المقدسة.
ومنذ دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة وهو يولي المسجد الحرام والمشاعر المقدسة والأهالي والحجاج والمعتمرين اهتمامه الخاص. ومن اهتماماته المبكرة ترميم المسجد الحرام، وإنارته بالكهرباء أول مرة، وتهيئة أماكن الطواف والسعي من خلال رصفها وتوسعتها، ونشر الأشرعة والمظلات لحماية المسلمين من حرارة الشمس أثناء أداء صلواتهم ومناسكهم، كما اهتم الملك عبد العزيز بتهيئة مياه الشرب، وبناء السبيل، وتعمير عين زبيدة، وبناء بئر زمزم، وإنشاء مصنع لكسوة الكعبة أول مرة في مكة المكرمة.
وعندما حدث السيل الكبير في مكة المكرمة سنة 1360هـ حرص الملك عبد العزيز على حماية المسجد الحرام من أي أضرار، فأبرق إلى عبد الله السليمان وزير المالية قائلا: «من طرف أبواب الحرم جميع ما ذكرتم طيب، نفذوه بكل ما يمكن من السرعة، ولكن ربما يجي سيل قبل أن تجهز هذه الأبواب، والذي أراه أن يعمل خشب قوي ويحط له مقبض حديد من يمين ويسار، ويسقط فيه الخشب على قدر الذي يحمي من السيل، ويحط فوق الخشب شيء ثقيل حتى لا يشيله السيل، وهذا مؤقت حتى تحضر الأبواب الحديد».
هذا هو الملك عبد العزيز في صدقه مع ربه، وحرصه على بيت الله، وأخذه الحيطة لأي أمر محتمل لمنع الضرر.
* ويضيف الأمير سلمان:
* «ومكة المكرمة بالنسبة إلينا - أبناء الملك عبد العزيز - لها مكانتها الخاصة في نفوسنا، وأتذكر أنني كنت أبشر من يأتيني عند سماعي من قرب سفرنا إلى مكة مع الملك آنذاك.
وكنا أيضا نفرح ونحن صغار عندما نأتي إلى مكة، ونستمتع بالإقامة بها، والدراسة في قصر السقاف الذي تنتقل إليه مدرستنا عند قدومنا إلى الحجاز، كحالها عند انتقالنا إلى أي مكان مع والدنا في البلاد.
هكذا حقق الملك عبد العزيز وحدة البلاد ووحدة المواطنين، وأنجز أسس البناء ليستكمله أبناؤه من بعده الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله - على نهجه وسياسته، وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - تواصلت مسيرة البناء في البلاد، وتحققت أضخم توسعة للحرمين الشريفين من منطلق العناية الخاصة التي يوليها قادة هذه البلاد لهذه الأماكن المقدسة.
فالملك فهد كان يتابع بنفسه مشاريع التوسعة، ويشرف عليها شخصيا، ويعطيها الأولوية دائما. كما يعد إصدار أنظمة الحكم الثلاثة (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق) في عهد الملك فهد من العلامات البارزة في مسيرة البلاد، التي انطلقت في الرياض مستمدة أساسها من تلك الأنظمة، التي صدرت في مكة المكرمة، ومعلنة أن الإسلام والعقيدة الإسلامية هما أساس المملكة العربية السعودية وحكومتها، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مشاركا أخاه الملك فهد بن عبد العزيز وهو يضيف المزيد من الإنجاز لهذه البقعة المباركة، وكان مثالا للوفاء معه في آخر حياته عند مرضه، وهذا يعكس قوة الأسرة في تماسكها وتلاحمها وتعاونها من أجل رفعة هذه البلاد وخدمة مواطنيها.
واليوم ها هو ذا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخوه ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز يواصلان هذه المسيرة التنموية الخاصة بالبلاد، ويقدمان المزيد من الإنجاز والاهتمام بالحرمين الشريفين، ويعد وقف الملك عبد العزيز الذي خصصه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لخدمة الحرمين الشريفين، وصدور أمره الكريم من مكة المكرمة بإنشاء هيئة البيعة سنة 1427هـ ولائحتها التنفيذية سنة 1428هـ من الإنجازات التاريخية المتعددة التي تسجل له حفظه الله».






 
قديم 30-11-10, 06:14 AM   رقم المشاركة : 3
الحر الأشقر
حفيد الموحدين







الحر الأشقر غير متصل

الحر الأشقر is on a distinguished road


جزاك الله خير الجزاء
ومن كان جانب اخو نورهــ
هو الاصغر
عبد المجيد رحمه الله
سلمان حكم الرياض منذو 51 سنه

وعمرهــ بالسبعينات







التوقيع :
الحر الأشقرطير شلوى
مايوقع الى على ظهر خرب
من مواضيعي في المنتدى
»» كيف يصلي الروافض على السني
»» الزنديق الشاذ الرافضي المدرسي يقول : أغلب السعودية شيعة ! قوية قوية / فيديو
»» الحج عند الاسماعيلية
»» فينك ياعبعال يابو نقمة
»» إيقاف النظام المروري ( ساهر ) حتى إشعار آخر ??
 
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:31 AM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "