الـرد عـلـى الـمـبـتـدع هـو الـجـهـاد الأكـبـر
إن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بافتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، والنجاة منها لفرقة واحدة على منهاج النبوة ، أيريد هؤلاء اختصار الأمة إلى فرقة
وجماعة واحدة مع قيام التّمايز العقدي المضطرب ؟! أم أنها دعوة إلى وحدة تصدّع كلمة التوحيد ، فاحذروا.
وما حجتهم إلاّ المقولات الباطلة :
لا تصدّعوا الصف من الداخل !
لا تثيروا الغبار من الخارج !
لا تحركوا الخلاف بين المسلمين !
نلتقي فيما اتّفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ! وهكذا .
وأضعف الإيمان أن يقال لهؤلاء : هل سكت المبطلون لنسكت ، أم أنهم يهاجمون الاعتقاد على مرأى ومسمع ، ويطلب السكوت ؟ اللهم لا...
ونعيذ بالله كل مسلم من تسرب حجة اليهود ، فهم مختلفون على الكتاب ، مخالفون للكتاب ، ومع هذا يظهرون الوحدة والاجتماع ، وقد كذبهم الله تعالى فقال سبحانه -
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى - ، وكان من أسباب لعنتهم ما ذكره الله بقوله - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه -
ولهذا فإذا رأيت من رد على مخالف في شذوذ فقهي أو قول بدعي ، فاشكر له دفاعه بقدر ما وسعه ، ولا تخذله بتلك المقولة المهينة - لماذا لا يرد على العلمانيين - ،
فالناس قدرات ومواهب ، ورد الباطل واجب مهما كانت رتبته ، وكل مسلم على ثغر من ثغور ملّته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في - منهاج السنة - 5 /235
- والأمر بالسنة والنهي عن البدعة ، هو أمر بمعروف ونهي عن منكر ، وهو من أفضل الأعمال الصالحة - انتهى .
وإذا كان كلما أراد المؤمن أن يقوّم المسار قيل له : ليس ذا الوقت والكفار متربصون ! فمتى يعرف أخطاءه ؟ ومتى يحجم عنها ؟ ومتى يصح المريض ويقوى
الضعيف ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في - الفتاوى - 2 / 123
متكلما على أهل البدع من الفرق الإسلامية قال :
- ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظّم كتبهم أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم ، بأن هذا الكلام لا
يُدرى ما هو ؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب ؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم ، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات لأنهم أفسدوا العقول والأديان على الخلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء ، وهم يسعون في الأرض فسادا
ويصدون عن سبيل الله - انتهى .
قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه - حكم الانتماء إلى الأحزاب -
- وفي الرد على المخالف دفاع عن الإسلام من جبهتين :
الأولى : الخطر الخارجي وهو الكافر المتمحض ، الذي لم يعرف نور الإسلام ، بما يكيده للإسلام والمسلمين من غزو يحطِم في مقوماتهم العقدية والسلوكية والسياسية والحكميّة....
الثانية : مواجهة التصدع الداخلي في الأمة بفشو فِرق ونحل طاف طائفها في أفئدة شباب الأمة ، إذ التصدع الداخلي تحت لباس الدين يمثل انكسارا في رأس مال المسلمين ، وقد كان للسالكين في ضوء الكتاب والسنة ( الطائفة المنصورة ) الحظ الوافر والمقام العظيم في جبر كسر المسلمين بردهم إلى الكتاب والسنة ، وذلك بتحطيم ما قامت عليه تلك الفرق المفرّقة من مآخذ باطلة في ميزان الشرع - انتهى بتصرف واختصار.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ومازالت سيرةالمسلمين على هذا ، ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه ، هذا مع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة ، وما روي من أنهم - شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتيل قتلوه - في الحديث الذي رواه أبو أمامة ، رواه الترمذي وغيره ،أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم ، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم : لا اليهود ولا النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين
لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم ، مكفّرين لهم ، وكانوا متديّنين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة. انهى من منهاج السنة 5 / 248
وقال رحمه الله في الفتاوى 28 / 232
إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا ، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : وكذلك جهاد المنافقين إنما هو تبليغ الحجة. إلى أن قال رحمه الله : فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار ، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل ، والقائمون به أفراد في العالم ، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا ، فهم الأعظمون عند الله قدرا .زاد المعاد3 / 5
ولما كان هؤلاء منضوين تحت صفوف المسلمين ، فإن أمرهم قد يخفى على كثير من الناس ، فكان بيان حالهم لمن ولاؤنا لهم فرض علينا آكد .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا كان أقوام ليسوا منافقين ولكنهم سمّاعون للمنافقين ، قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا ، وهو مخالف للكتاب ، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين ، كما قال تعالى ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم ). فلا بد من بيان حال هؤلاء ، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم ، فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم ، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين ، فلا بد من التحذير من تلك البدع ، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ، لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ، ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالهم. انتهى - مجموع الفتاوى 28 / 233
ولذلك كان أئمتنا أفقه من أن يداهنوا المنحرفين عن منهج السلف ، بل رأوا جهادهم أكبر الجهادَين.
قال يحيى بن يحيى شيخ البخاري ومسلم : الذب عن السنة أفضل من الجهاد .
وقال الحميدي شيخ البخاري : والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحب إلي من أن أغزو عِدّتهم من الأتراك.
وقال أبو عبيد القاسم ابن سلام : المتبع للسنة كالقابض على الجمر ، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله .
وقال ابن القيم : والجهاد بالحجة واللسان مقدّم على الجهاد بالسيف والسنان.
وإن كثيرا من إخواننا على الساحة الإسلامية يلوموننا ويعيبون علينا شدتنا على بعض المخالفين ، فأقول لهم أن الشدة المسلوكة معهم أحيانا باعثها الغيرة عليهم من أن
يُروا ملطخين بشيء من القاذورات ، والسعي في تمتين الصف وسد خروقه حتى لا يؤتى من قبله ، فليعلم.
وهذا ما وضحه شيخ الإسلام حين قال في الفتاوى 28 / 53-54
المؤمن للمؤمن كاليد تغسل إحداهما الأخرى ، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة ، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين . انتهى
ونختم أخيرا بقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله حيث قال في كتابه
مفتاح دار السعادة :
فقوام الدين بالعلم والجهاد ، ولهذا كان الجهاد نوعين : جهاد باليد والسنان ، وهذا المشارك فيه كثير.
والثاني : جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل ، وهو جهاد الأئمة ، وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدّة مؤنته وكثرة أعداءه ، قال تعالى في
سورة الفرقان وهي مكية ( ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا . فلا تطع الكافرين وجاهدهم جهادا كبيرا ) ، فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو جهاد المنافقين أيضا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوّهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى : ( يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ، ومعلوم أن جهاد المنافقين كان بالحجة والبرهان . انتهى
وليعلم ذاك المنحرف عن السنة أننا سنجاهده ونجاهده حتى تكون العزة لهذا الدين النقي .
والحمد لله رب العالمين .
للكاتب
بـــدر الـــكـــنـــدري .