العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الحــوار مع الــصـوفــيـــة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-03-08, 10:08 AM   رقم المشاركة : 1
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


الطرق الصوفية و عمالتها للاستعمار الفرنسي التيجانية

الطرقية وعلاقتها بالاستعمار



الموضوع: ملفات الشهاب


بقلم: عبد المجيد عنتر


كان الاحتلال الفرنسي يعلم مسبقًا عمق وشدة تمسك الشعب الجزائري بحصنه الحصين، ودرعه المتين الواقي له من كل اعتداء وعدوان، الإسلام. وتأكد له ذلك بعد دخوله غازيًا قاتلاً مدمرًا، من خلال استماتة الشعب في رد العدوان، والحفاظ على هويته وإسلامه، خصوصًا وأن كل حركة، وكل ثورة، وكل انتفاضة وكل موقف باسل، كان وقودها ومحركها في النفوس الإسلام ومؤسساته الممثلة في المساجد والزوايا والكتاتيب.

وفي ذلك العهد انتشرت الطرقية والزوايا وتعددت وتنوعت في البلاد، وخول لها الإمساك بالعالم الثقافي، والتكوين الإسلامي للمجتمع الذي لم يكن يرى الإسلام إلا الطرقية. ولم يكن هذا فحسب، بل كان لمشايخ الطرق والمرابطين نفوذ عظيم، ومكانة لا تساويها مكانة عند الأهالي.. حتى إن العلماء والمفتشين والقضاة وأئمة المساجد، لا يكادون يكونون شيئًا بالقياس إلى المرابطين ومشيخة الطرق(1)، ولم يكن بوسع عالم سواء أكان مدرسًا أو أراد الوعظ والإرشاد والسعي في إصلاح العباد، أداء مهمة "إلا إذا كان ينتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية، المنتشرة في البلاد، لأن العقيدة الراسخة في النفوس، أنه من لا شيخ له، فالشيطان شيخه"(2). وبالتالي كان من الصعب، وأحيانا من المستحيل التنكر لها، وعدم الاعتراف بها، لأن نكرانها جميعًا وعدم الانتساب إلى واحدة منها، يؤدي إلى الرمي بالمروق من الدين، والإلحاد فيه. ويدفع بالعامة إلى الانصراف عن ذلك العالم أو المصلح، لأنه مهما بلغ من العلم والفهم لا يجد في مجتمعه أنصارًا، ولا من يسمع إليه ويقتدي به، إلا انتسب إلى طريقة من الطرق الصوفية.

أمام هذا المشهد الذي آلت إليه الأمة، والذي أحكمت الطرقية فيه زمامها، كان لزامًا عليها أداء واجبات رسالية هامة على رأسها حمل راية الجهاد ومقاومة المحتل الغازي. ويسجل التاريخ لكثير من الطرق الصوفية مواقف لا تنقصها الشجاعة إزاء مواجهة العدو، ورد الظلم والدفاع عن مصالح الأمة، وخير المثال ما شهد به الأعداء. فقد كشف الضابط "دي نوفو" في كتابه "الإخوان" الصادر سنة 1845 م عن الدور الرئيس الذي أدته الطرق الصوفية في مقاومة الاحتلال، وتحدث النقيب "ريتشارد" عن ثورة الظهرة التي قامت سنة 1845 م مبرزا الدور المهم الذي قامت به الطرق الصوفية في هذه الثورة. ومن تقرير للمفتشية العامة حرر بالجزائر سنة 1864 م يعترف بالدور الخطير الذي تقوم به الطريقة الدرقاوية : "الدرقاوية كانوا معادين لنا كل العداء لأن غايتهم كانت سياسية بوجه خاص، أرادوا أن يشيدوا من جديد صرح إمبراطورية إسلامية ويطردوننا، إن هذه الطريقة منتشرة جدا في الجنوب ومن الصعب جدا مراقبتهم، لقد كانت ندوات الإخوان سرية وكانت أغلبية رؤسائهم معروفة". لقد كانت السرية التامة التي تحيط بالزوايا، وما يجري داخلها، من نشاط شيوخها والتي لم يستطع الاستعمار بما لديه من إمكانيات ووسائل الإطلاع عليها من أهم عوامل نجاحهم وصمودهم، يقول ماك ماهون سنة 1851: "يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها في الزاوية حتى يعرف ما يجري فيها وما يقال فيها".

وجاء في تقرير القائد الأعلى "دي توربيل" بتاريخ 4 أوت 1859 م، بعد الاضطرابات التي رافقت المعارك التي خاضوها ضد الجزائريين ما يلي: "إن مبعوثين وفدوا من مختلف أنحاء الشرق وينتمون إلى مجموعة سيدي عبد الرحمن بوقبرين الدينية الرحمانية، التي يسكن مقدمها الأكبر سي المختار بواحة أولاد جلال (بسكرة) ليسوا غرباء عما يجري، وقد كانت أشغال لجان التجمعات التي شرع فيها من نواح عدة في نفس الوقت موضوعا لخطبهم ومواعظهم". ويؤكد السيد "أوكتاف ديبون" المفتش العام للبلديات الممتزجة بالجزائر (ومن مؤلفي كتاب الطرق الدينية في الجزائر 1897 م) في تقرير بعث به إلى لجنة مجلس الشيوخ المكلفة بالجيش والتي كان يرأسها "كليمانصو" : "إننا سلفا نجد يدا مرابطية وراء كل هذه الثورات التي يقوم بها الأهالي ضدنا".

ويقول المؤرخ الفرنسي مارسيل إيميري: "إن معظم الثورات التي وقعت خلال القرن التاسع عشر في الجزائر كانت قد أعدت ونظمت ونفذت بوحي من الطرق الصوفية، فالأمير عبد القادر كان رئيسا لواحدة منها وهي الجمعية القادرية، ومن بين الجمعيات المشهورة التي أدت دورا أساسيا في هذه الثورات : الرحمانية السنوسية الدرقاوية الطيبية".

إن للانتفاضات والثورات الشعبية التي قامت بها الطريقة الصوفية خلال القرن التاسع عشر أسس دينية، وهي الجهاد ضد النصارى المعادين للإسلام، وبناء على ذلك أدت الزوايا دورا كبيرا ورائعا في معظم تلك الانتفاضات وأثّرت بشكل جلي على مسارها واستمرارها، فنجد أن الشيخ "محي الدين" حمل راية الجهاد وحملها بعده ابنه "الأمير عبد القادر" لمدة سبعة عشر عاماً ذاقت فيها فرنسا ويلات الهزيمة واعترفت بدولة الأمير.. وكان من أبرز المجاهدين في جيش "الأمير عبد القادر" الشيخ "محمد بن علال" بن الولي الصالح الشيخ "مبارك" دفين القليعة وشيخ زاويتها، الذي تولى قيادة الجيوش وخاض كبريات المعارك في نواحي وهران إلى أن سقط شهيدا في معركة وقطعت رأسه ووضعت في حراب من جلد وأرسلت إلى مريديه وأتباعه. كما شهدت منطقة الظهرة في شهر يناير من عام 1845 م معركة هامة أطلق عليها الفرنسيون "انتفاضة الطرق الصوفية"، وذلك لمشاركة عديد الطرق فيها كـ: الرحمانية، القادرية، الطيببية، وانتقم المحتل من عرش أولاد رياح الساكن جنوب مدينة تنس والذي كان له شرف المشاركة في هذه الثورة.

وشهد ربوع القطر عديد الثورات كان من أبرزها، ثورة "الشريف محمد بن عبد الله" المعروف بـ "بو معزة" في منطقتي الشلف والونشريس (1846 – 1847 م) : من أتباع الطريقة الطيبيبة، استنفر القبائل والأعراش بمنطقة الظهرة والشلف والونشريس، واتسعت لتشمل التيطري والحضنة وجبال ديرة وسور الغزلان، ثم امتدت إلى نواحي أولاد جلال، حيث وجدت الزاوية المختارية وشيخها الجليل الشيخ "المختار بن عبد الرحمن" مقدم الطريقة الرحمانية كامل الدعم والمساعدة.

وثورة البطل الشيخ "بوعمامة"، التي انتشرت عبر مناطق عين الصفراء وتيارت وفرندة وسعيدة وعين صالح وتوات، وكرزاز، واستمرت ثلاثة عقود من الكفاح. وكانت ثورته امتداد لثورة سبقتها بقيادة أولاد سيدي الشيخ جنوب وهران، استمرت من سنة 1864 إلى 1880 م، وامتدت إلى جبل عمور التيطري متليلي، ورقلة، أدرار، سعيدة، غليزان، سور الغزلان....

وثورة "بن ناصر بن شهرة" من الطريقة القادرية، الذي بدأ يعد للثورة سنة 1846 م، اعتقل سنة 1851 م ووضع تحت الإقامة الجبرية رفقة عدد كبير من أتباعه من رجال الأرباع في محتشد قريبا من "بوغار". قال عنه الضابط الفرنسي "لويس رين": " كان ابن ناصر بن شهرة الملاح الحقيقي للصحراء". كما وجد المساعدة في الزاوية الرحمانية بنفطة لشيخها "مصطفى بن عزوز" التي كانت قبلة الثوار والمجاهدين، واستمر بن شهرة في كفاحه ضد الاستعمار إلى سنة 1875 م حين أرغمه باي تونس على مغادرة بلاده، فختار التوجه بحرا إلى بيروت ثم دمشق التي توفي بها سنة 1882 م.

وثورة المقراني والشيخ الحداد سنة 1871 م، التي كان الشيخ الحداد زعيمها الروحي وهو شيخ الطريقة الرحمانية التي كان لها الدور الرائد في قيام هذه الثورة بخروج طلاب الزوايا من سيدي موسى اويدير وآث وغليس وغيرها من الزوايا التابعة للطريقة الرحمانية استجابة لدعوة الجهاد...

وهكذا كان حال الطرقية والزوايا في – غالبه – إلا أن تفطن الاحتلال لقوة نفوذها فسعى لاحتوائها واستيعابها والسيطرة عليها لبسط نفوذه وإحكام سيطرته بعد أن عجز على تحقيق أمانيه باحتلال الجزائر في شهر...

وقد ورد في تقرير الملازم "بوسري" بعد اشتداد الانتفاضات والثورات سنة 1846 م : "إن مشائخ الزوايا يختارون في تدريسهم للقراءة نصوصا من القرآن معادية لنا، مما يحطم فيهم وبسرعة الشعور الذي سعينا لتطويره فيهم من طرف مؤسساتنا وتعتبر التأثيرات الدينية من ألد أعدائنا والتي يجب أن نخشاها ونخطط لها سياستنا، ولقد كانت القبائل الأشد عداء لنا هي التي تلك التي ينتشر فيها التعليم الإسلامي".

وهناك دراسة مفصلة كتبها الباحثان الفرنسيان دي بون وكوبولاني(1غ) بعنوان :"الطرق الصوفية الإسلامية، خريطة الجزائر وافريقيا وآسيا وتركيا الأوروبية"(2غ). وقد صدر هذا الكتاب سنة 1897 وتضمن 567 صفحة بالاضافة إلى العديد من الخرائط والصور التوضيحية. وأهمية الكتاب تظهر في كونه صدر برعاية حاكم الجزائر في ذلك الوقت وهو جول كانبون(3غ).

وهذه الدراسة الهامة جعلت من الطرق الجزائرية هي المحور الأساسي، وقامت بمسح شامل ودراسة عميقة وموسعة لكل ما يتعلق بهذه الطرق.

تضمن الفصل الأول دراسة موسعة للدين الإسلامي وتاريخ الإسلام والعرب. وتضمن الفصل الثاني التصوف أصله وتطوره. وتضمن هذا الفصل دراسة شاملة ودقيقة عن تطور التصوف ونشأة الطرق الصوفية وبشكل مفصل ومدقق. وفي الفصل الثالث تناول الباحثان تنظيم الطرق الصوفية(4غ) من الشيخ والخليفة والنائب والمقدم والرقيب والشاوش ..الخ.

ثم تأتي الفصول الحيوية الهامة في بناء الاستراتيجية المستقبلة للاستعمار التي تعتمد على خطة الاحتواء المزدوج بالترغيب والترهيب ودراسة نقاط القوة والضعف.

تناول الفصل الرابع(5غ) دراسة مختلف التشكيلات الطرقية المنتشرة في الجزائر وتصنيفها. وفي الفصل الخامس درس كيفية تمويل هذه الطرق الصوفية(6غ) حيث ركز التقرير عن الأوقاف والصدقات والكفارة والزيارة والتويزة ثم درس التأثير السياسي لهذه الطرق في الفصل السادس وتناولا في هذا الفصل علاقة الادارة الاستعمارية بهذه الطرق.

وهكذا يمضي التقرير المفصل في دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بالطرق الصوفية المنتشرة في الجزائر وفي غيرها من البلاد الاسلامية. ويذكر الأمير شكيب أرسلان عن دائرة المعرف الإسلامية الفرنسية "أن في بر الجزائر بحسب تحقيقات "دوبون" و"كوبلاني" في سنة 1897 م، 23 طريقة صوفية، لها 295189 مريدًا، عليها 57 شيخًا و6000 مقدمًا، وعندها 349 زاوية. وتجبي من الإخوان كل سنة ما يقدر بسبعة ملايين فرنك"(3). فيما سجل آجيرون سنة 1851 م حوالي 533026 مريدًا على مستوى القطر واعتبر الطريقة الرحمانية أوسع الطرق انتشارا في الجزائر في ق19م(4).

ولكي يتفادى الفرنسيون مثل تلك الأحداث إلى جانب المعارضة السياسية والمعنوية، عمدوا إلى السيطرة على كل المؤسسات الدينية، وكانت أولى المؤسسات التي سعى الاستعمار للسيطرة عليها – بعد مؤسسة المسجد – مؤسسة الأوقاف وأملاكها، فأصدر قرارا بمقتضاه تم الاستيلاء على جميع أملاك الأوقاف في المناطق التي احتلها، ثم دعمه بقرار آخر يخول له الحق والشرعية لنفسه في أن يتصرف في أملاكها بالتأجير والكراء والمصادرة والتمليك وغير ذلك.. ونتيجة ذلك لم يبق بمدينة الجزائر وحدها سوى أربعة مساجد من بين 160 مسجدًا وزاوية، حولت كلها إلى كنائس ومراكز شرطة، وإصطبلات للجيوش.. والشيء نفسه وقع غداة سقوط معظم المدن.. فاختفت الكثير من المساجد والزوايا والكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم الإسلامي، التي يصرح في شأنها "دي توكفيل" مبينًا فعلهم الشنيع في حق الأوقاف، فيقول : "لقد وضعنا أيدينا في كل مكان على هذه الأملاك (الأوقاف)، ثم وجهناها غير الوجهة التي كانت تستعمل فيها في الماضي، لقد عطلنا المؤسسات الخيرية، وهكذا تركنا المدارس تموت، والندوات العلمية تندثر"(5).

وأحكمت سلطات الاحتلال قبضتها على المساجد والزوايا والكتاتيب ومن يديرها، حتى لا تبقى مراكز إشعاع وجمع لشمل الأمة وتوجيه لها، ودفع لها لجهاد الكفار المعتدين. وتحقيقا لذلك أسندت إدارة التصرف في المساجد والمكاتب إلى أفراد بارعين في الكيد والدس. ولم يكن – في الغالب – يقدر إمام أو مدرس على إمامة الناس وتعليم الدين ولغته إلا إذ أظهر ولاءً كبيرًا أو طاعة عمياء لإدارة الاستعمار. يقول مدير مكتب الشؤون الإسلامية في الجزائر : "لقد أذللنا الدين الإسلامي، وبلغ الأمر أن لا يعين إمام وفقيه، إلا إذا شارك في أعمال الجاسوسية الإفرنسية، ثم عليه كي يرتقي في الدرجة أن يثبت قدرًا كبيراً من الحماسة والإخلاص، للإدارة الفرنسية"(6).

وتألفت تلك الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس، وقد شارك في صياغتهم "ليون روش" الفرنسي في الرحلة التي قام بها إلى مصر سنة 1842 م متنكراً في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من العلماء على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثم ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر، وعدم شرعية المقاومة التي يقودها الأمير عبد القادر الجزائري(7).

وعلينا أن نذكر هنا الدور الخطير الذي لعبه الراهب شارل دو فوكو الذي أدخل بدعا كثيرة.. في عقول السذج من.. وجعل لكل قرية قديسها (الولي الصالح).. يحتفلون به على عادات الرومان وأرباب الكنيسة وأتباعها، وتذبح له القرابين وتوجه له الدعوات وذلك في كل الشمال الافريقي.. وقد ظهر عدد كبير من القديسين (الأولياء).. مثل قديس طنجة في المغرب سيدي بوعراقية وقديس الدار البيضاء سيدي بليوط وقديس سطات سيدي الغنيمي وقديس أزمور في دكالة مولاي بوشعيب، وقديس ورقلة سيدي بلخير الشطي وقديس مكناس سيدي الكامل.. !! وهكذا...!!

وقصة هذا الراهب تستحق وقفة خاصة، لما فيه من الجهد والعناء لخدمة الديانة المسيحية بكل اخلاص. إن مذهب شارل دي فوكو، تلخصه عبارته الشهيرة:"إن أفضل طريقة، لكي تُحبّ حبّا حقيقيّا، هي أن تشارك الناس في حياتهـم الواقعيّة، بأفراحها وأتراحها فيستقر في قلبك حبّ الله ذاته".
لقد ولد شارل دي فوكو في الخامس عشر من أيلول عام 1858 وترعرع في عائلة ارستقراطيّة فرنسية ثرية. فقد والديه وهو بعد في السادسة من عمره. فتعهّد جدّه بتربيته تربية مسيحيّة. ولكنه ابتعد عن الايمان في مرحلة مراهقته تدريجيا حتى فقده تماما. ولما تخرج ضابطا، استسلم لحياة ماجنة، لا أثر فيها البتة لأي شعور ايماني، فلم يلق سوى الفراغ. لقد ’’سئم ‘‘ حياة الثكنة، لكن حملة ’’عسكريّة ‘‘ أفاقة النخوة لديه، فأحب حياة المعسكرات. ويوم أعادوه الى الثكنة، قدم استقالته وأعدّ باهتمام رحلة استكشافية علمية الى المغرب ليقتحم مناطق لم تكن قد وطئتها قدم "أوروبي".

وهنا جاء تحوله فقد تأثر بالمسلمين تأثرا شديدا حيث يقول:"إن مرأى ذلك الايمان، وتلك النفوس التي كانت تعيش في حضرة الله المتواصلة، كشفا له أن ثمة ما هو أعظم وأصدق من الاهتمامات الدنيويّة‘‘. قرر أخذ دروس في الدين المسيحي الكاثوليكي ليرى ’’هل ينبغي الايمان بما يقول‘‘؟ فالتفّ حول كاهن مثقف جدا هو الاب هيفلان.

وبتوجيه من معرّفه، قََـَبِـِلَ عام 1900 في فرنسا الرُّتب المقدسة وسر الكهنوت المقدس، وحط رحاله عام 1901 في واحة بني عبّاس في الصحراء الجزائرية، قرب الحدود المغربية.

ثم بلغه أن بالامكان التغلغل في الصحراء باتجاه الجنوب، نحو منطقة الهوغار، حيث تعيش أقوام مهملة في تلك المجاهل نحو منطقة الهوغات البعيدة. فقرر المضي من دون تردد، وكتب الى مطرانه: ’’إنك تسألني هل أنا مستعدّ لأن أذهب الى أقصى المعمورة وأن أحيا الى الدينونة العامة‘‘. وهكذا قضى الأحد عشر عاما الأخيرة من حياته عند الطوارق، في منطقة (Tamanraset ) تامنراست.

أقام بضعة أكواخ بسيطة، شبيهة بأكواخ سكان القرية. لقد ترك فكرة حصن الدير، وصار يتجوّل بحريّة في القرية التي صار أحد أفرادها، يشاركهم حياتهم اليومية. وهنا لجا إلى فكرة ’’عــدم اتخاذ زيّ رهباني خاص، مـثــل يسـوع في الناصرة

كان الطوارق يتكلمون لغة يجهلها الاوروبيون، فانكبّ شارل عليها، ووضع لها عدّة معاجم وقواعد، وجمع قصائدها الشعبية في دواوين، بدقة بالغة تضفي على مؤلفاته قيمة علمية عالية. لقد كان الدين في خدمة الأهداف الاستعمارية بلا منازع.

نتائج السياسة الاستعمارية

وكان من نتيجة هذه السياسة التي مارسها الاستدمار أن آل وضع المجتمع إلى تخلف حضاري عام وشامل، لم يسلم من ذلك تدين المجتمع عامة الذي أخذ طابع الوراثة والتقليد والجمود لا أكثر، وقد زاد ضلالهم ما كانوا يرون من الجامدين والمغرورين من المنتسبين للطرق الصوفية من التمسك بها والتأييد لشيوخها الذين جعلت منهم سلطات الاحتلال مراصد لبث فكر تخديري، ومعتقدات فاسدة تزيد من قابلية الشعب للاستعمار.



فشاعت في أوساط المجتمع ظاهرة زيارة شيوخ الطرق، والعباد الصالحين الأحياء منهم والأموات، للتبرك بهم وطلب الحوائج منهم، وإقامة الولائم المكلفة حول أضرحتهم، وسط مواكب بشرية تأتي من كل حدب وصوب، لتحقق لها ما عجزوا عن تحقيقه، - بعجزهم وكسلهم وتخلفهم وقابليتهم للاستعمار – في عالم الأسباب والمسببات "فتراهم يدعون من يعتقدون فيهم الصلاح من الأحياء والأموات، يسألونهم حوائجهم من دفع الضر، وجلب النفع وتيسير الرزق وإعطاء النسل، وإنزال الغيث وغير ذلك مما يسألون. ويذهبون إلى الأضرحة التي شيدت عليها القباب، أو ظلمت بها المساجد، فيدعون من فيهت ويدقون قبورهم وينذرون لهم، ويستثيرون حميتهم بأنهم خدامهم وأتباعهم. فكيف يتركونهم وقد يهددونهم بقطع الزيارة، وحبس النذور. وتراهم هناك في ذل وخضوع وتوجه، قد لا يكون في صلاة من يصلي منهم"(8).

وأصبح الناس يعتقدون عصمة هؤلاء الأولياء، الذين أضفى عليهم طول الزمان وشيوع الجهل، نوعًا من القداسة في الاعتقاد فيهم، وشاع آنذاك مقولة "اعتقد ولا تنتقد" وطن الجميع استحالة زوال سلطانهم، فصرفوا الناس عن العمل وحببوا لهم التواكل، وأنكروا عليهم حرية الإرادة، وكادوا يجردونهم من قيمهم الإنسانية، وشاعت المنكرات في الموالد (والزردات)، وساعد في ذلك عون الإدارة الفرنسية. يصف الرئيس "فيليب قونداس" من المستعمرين الفرنسيين، كيف أن الكثير من الطرق ثابرت على انحرافها عن الطريق السوي فكانت أروع انقياداً للمستعمرين من الزنوج الوثنين فيقول : "لقد اضطر حكامنا الإداريون وجنودنا في أفريقيا إلى تنشيط دعوة الطرق الدينية الإسلامية لأنها كانت أطوع للسلطة الفرنسية، وأكثر تفهماً وانتظاماً من الطرق الوثنية التي تعرف باسم (بيليدو، وهاجون) أو من بعض كبار الكهان أو السحرة السود"(9).


ولإعطاء صورة أكثر إيضاحًا للطرقية، ومدى انصياعها للمستعمر عندما يعتقد الصوفية أنه إذا سلط الله على قوم ظالماً فليس لأحد أن يقاوم إرادة الله أو أن يتأفف منها. لدى لا ريب أن الأوروبيين قد عرفوا في الصوفية هذا المعتقد فاستغلوه في أعمالهم، فقد ذكر الزعيم الوطني مصطفى كامل المصري في كتابه "المسألة الشرقية" قصة غريبة عن سقوط "القيروان" قال : "ومن الأمور المشهورة عن الاحتلال الفرنسي للقيروان في تونس أن رجلاً فرنسياً دخل الإسلام وسمى نفسه "سيد أحمد الهادي"، واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجة عالية، وعيّن إماماً لمسجد كبير بالقيروان.. فلما اقترب الجنود الفرنسيون من المدينة استعد أهلها للدفاع عنها.. وجاءوا يسألونه أن يستشير الضريح الذي في المسجد، ودخل "سيدي أحمد الهادي" الضريح.. ثم خرج يقول : إن الشيخ ينصحكم بالتسليم لأن وقوع البلاد صار محتماً.. فاتبع القوم كلمته، ودخل الفرنسيون آمنين في 26 أكتوبر سنة 1881".

وفي كتاب "تاريخ العرب الحديث والمعاصر" تحت عنوان: "المتعاونون مع فرنسا في الجزائر: "وتتألف هذه الفئة من بعض الشباب الذين تثقفوا في المدارس الفرنسية، وقضى الاستعمار على كل صلة لهم بالعروبة، ويضاف إليهم بعض أصحاب الطرق الصوفية الذين أشاعوا الخرافات والبدع، وبثوا روح الانهزامية والسلبية في النضال فاستخدمهم الاستعمار كجواسيس" [ص 373].



ثم يعقب الدكتور "عمر فروخ" بقوله: "من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين لا يبخلون بالمال أو التأييد بالجاه للطرق الصوفية.. وكل مندوب سامي أو نائب الملك.. لابد أنه يقدم شيخ الطرق الصوفية في كل مكان، وقد يشترك المستعمر إمعاناً في المداهنة في حلقات الذكر.

وخدمة الصوفية للاستعمار الفرنسي في مصر أيضاً معروفة، وخدمتها للإنجليز.. هل تعرف السبب الحقيقي في هزيمة "عرابي".. لقد شغل أهل الصوفية الجنود في التل الكبير في أذكار حتى نصف الليل.. ثم نام الجنود.. فدخل الإنجليز في الفجر!!

فنجد مثلاً : شيخ الطريقة التيجانية - التي كانت تسيطر على الجزائر أيام الاستعمار، معروف أنها كانت تستمد وجودها من فرنسا – صاحب السجادة الكبرى "محمد الكبير" يقول في خطبة ألقاها أمام الكولونيل يسكوني في زيارة له: "إن من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً ! ولهذا فإني أقول لا على سبيل المن والافتخار ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف بالقيام بالواجب... أن أجدادي قد أحسنوا صنعًا في انضمامهم إلى فرنسا، قبل أن تصل إلى بلادنا. ففي سنة 1838 كان أحد أجدادي - سيدي محمد الصغير رئيس التيجانية يومئذ - قد أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا الأمير عبد القادر الجزائري، ومع أن هذا العدو – عبد القادر - حاصر بلدتنا (عين ماضي) وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر فإن هذا الحصار تم بتسليمِ فيه شرف لنا نحن المغلوبين وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين؛ وذلك أن جدي أبى وامتنع أن يرى وجهاً لأكبر عدو لفرنسا فلم يقابل الأمير عبد القادر.. وفي عام 1870 حمل سيدي أحمد تشكرات الجزائريين، وبرهن على ارتباطه بفرنسا قلبيًا، فتزوج من أوريلي بيكار"(10).

وكان سيدي أحمد أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية (هي إحدى الفرنسيات من عميلات المخابرات) على يد الكاردينال لافيجري، وفق الطقوس المسيحية، فلما مات تزوجت بشقيقه، وكان الأتباع يطلقون عليها "زوجة السيدين" ويحملون التراب الذي تمشي عليه لكي يتيمموا به، وهي كاثوليكية بقية على شركها، وقد أنعمت عليها فرنسا بوسام الشرق، وجاء في أسباب منحها الوسام، أنها كانت تعمل على تجنيد مريدين يحاربون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص...



ونرى من واجبنا خدمة للحقيقة والتاريخ ذكر أن الحكومة الفرنسية في زمن الانتداب على سورية حاولت نشر هذه الطريقة، واستأجرت بعض الشيوخ لهذه المهمة، فقدمت لهم المال والمكان لتنشئة جيل يميل إلى فرنسا؛ لكن مجاهدي المغرب لفتوا انتباه المخلصين من أهل البلاد إلى خطر الطريقة التيجانية، وأنها فرنسية استعمارية تتستر بالدين، فهبت دمشق عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة(11).

كما نجد رجلاً آخر من رجال الطرقية المنحرفة وهو الدوَّاجي عبد القادر إمام مدرس بمسجد شرشال، يحطب عند الاختفال بتدشين المسجد سنة 1904 م فيقول : "وأعلموا أن هذه الدولة (أي فرنسا) رحمة من الرحمن، تحث على نشر العلوم وإصلاح ما فسد وقمع أهل البهتان. فلا يمكننا أن نتجاسر، فنلقي العداوة في قلوب حكومتنا، بل نبذل جهدنا في الطاعة والشكر لها، لمنافعها العظيمة"(12).

وهكذا آل مآل الإسلام على يد الطرقية ورجالها، إلى صورة باهتة من التعاليم والهدايات، تخدر شعبا بكامله وتسلمه لنوم عميق، لا يعود يحس معه بآلامه، ومشاكله وبتعسف الاستعمار في حقه. وكان على حركة عبد الحميد بن باديس الإصلاحية الجهادية أن تتحمل عبء إنقاذ الإسلام، وتجديد أمره وإحيائه، بعد أن صار غريبًا ميتًا. وأن تواجه أضدادًا أشداء ما بين مستعمر صليبي حقود، وطرقي متعصب، وشباب متفرنج منحل، وأذناب من الموظفين الدينيين(13). وأن تجابه أوضاعًا مزرية تعيشها الأمة في جميع جوانب حياتها، أوضاعًا صنعتها تخلف عقود طويلة من السنين، أوجدت مناخ القابلية للاستعمار في نفوس وواقع الأمة، وعمَّقها غزو حضاري شرس، يريد الإجهاز على أمة ومحوها من الوجود باستعماره الاستيطاني، ويعترف الإمام بن باديس أن الناس قبل نجاح حركة الإصلاح كانوا يظنون أن الإسلام إلا ما تصوره الطرق الصوفية. ومما زاد في ترويج هذه الفكرة الضالة ما رأوه من مسلك علماء الدين ضيقي الأفق الذين ساندوا الطرقية، وأيدوا شيوخها. فلما شرع هو في محاربتها في كل من رسالته "رسالة جواب سؤال عن سوء مقال" وعبر صفحه "المنتقد" و"الشهاب" ومساعدة إخوانه من رجال الإصلاح في جمعية العلماء المسلمين وصحفها.. ظن الناس أن هدم هذه الأباطيل، التي رسخت في النفوس مع الزمن وأيدها المستعمر محال. لكن الله وفق الجزائريين إلى معرفة حقيقة هذه الطرق وإلى الكشف عن أهدافها من إشاعة العقائد الباطلة وتحريف الإسلام وتشويهه، وتحطيم القيم الأخلاقية الإسلامية، ومن مساندة دولة الباطل حتى إذا دعاها داعي السلطان لبت خاضعة مندفعة، وإذا دعاها داعي الأمة ولت على أعقابها مدبرة.



والحق أن الاستعمار قد أخذ على غرة عندما سقط أعوانه من أصحاب الطرق الصوفية، فحاول حمايتهم، وبدأت صحفه(14) تدافع عن هؤلاء العملاء، وتصفهم بأنهم فرنسيين المخلصين، وتستشهد بما قاله بعض المرابطين : "إذا كنا أصبحنا فرنسيين فقد أراد الله ذلك، وهو على كل شيء قدير. فإذا أراد الله أن يكسح الفرنسيين من هذه البلاد فعل، وكان ذلك عليه أمرًا يسيرًا.. ولكنه كما ترون يمدهم بالقوة، وهي مظهر قدرته الإلهية، فلنحمد الله ولنخضع لإرادته".

لقد تلقف المتعصب هذه العثرة التي لا تُقال، وضرب لها الطبل، واستدل بها على ضعاف العقول حين أوصاهم بالتمسك بهذه الخطة - خطة الضيم - بتمويه وتضليل عجيبين، وأدرك المحتل أنها بوابة لبقائه كما قال بونابرت في خطابه لأهل مصر: "أيها العلماء والأشراف! أَعْلِموا أمتكم ومعاشر رعيتكم بأن الذي يعاديني ويخاصمني إنما خصامه من ضلال عقله، وفساد فكره؛ فلا يجد ملجأ ولا مخلصاً ينجيه مني في هذا العالم، ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى، والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله - تعالى - وإرادته وقضائه، ومن يشك في ذلك فهو أحمق أعمى البصيرة! وأعلموا أيضاً أمتكم أن الله قدَّر في الأزل هلاك أعداء الإسلام، وتكسير الصلبان على يديَّ! وقدَّر في الأزل أني أجيء من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها! وإجراء الأمر الذي أمرت به، ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وقضائه. وأعلموا أيضا أمتكم أن القرآن العظيم صرح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل، وأشار في آيات أخرى إلى أمور تقع في المستقبل، وكلام الله صدق وحق لا يتخلف!!"(15).

فانظر إلى تطابق هذا الخطاب وموافقته لخطاب المرابط من أصحاب الطرق الصوفية يتضح لك خطورة مثل هذا الطرح والآثار السيئة المترتبة عليه. وقد تأسفت الصحيفة الفرنسية على مضي زمن الطرقية الذي كان يستمع فيه الجزائريون ويخضعون فيه لكل ما يوحي به إليهم شيوخها. ولإفساد العلماء المسلمون الجزائريون كل شيء منذ عشر سنوات. فقد بذلوا الجهد في هدم سلطان المرابطين وسحق مذهبهم بآيات القرآن، وهزموهم في كل مجال بما يقتبسونه من أحاديث الرسول مما يجهله خصومهم كل الجهل. واتهموهم بأنهم خونة للإسلام وأعداء المسلمين. وعمدت الصحيفة إلى تحريض الإدارة الفرنسية على التنكيل بالعلماء فتقول : "وقد نجح هؤلاء في حمل الناس على البراءة من مواطنيهم الذين قبلوا أن يعدوا من الفرنسيين وامتنعوا عن دفنهم في مقابر المسلمين. وهؤلاء القادة ينفذون أوامر تأتيهم من القاهرة ودمشق ومكة وهي المدن التي تعمل فيها جماعات خفية لتنفيذ أغراض على جانب كبير من الخطورة. والتبعة في ذلك تقع على الحكومة الفرنسية، فهي التي تركت هؤلاء المتعصبين أو الخبيثين يبثون دعوتهم ويضعون من سلطان أصدقائنا المرابطين".

ويقول الإمام بن باديس ردًا على هذا الاستعداء بالإدارة الفرنسية في الجزائر : إنه لا يهم جماعة العلماء المسلمين أن تجهز على هذا الجريح المثخن، ويعترف بأنه حارب الطرقية لما عرف فيها من أنها بلاء على الأمة من الداخل والخارج، فبذل هو وأصحابه كل الجهد في القضاء عليها بعد أن كشف أهدافها. وهو يؤكد لمواطنيه في عام 1938 م أن جماعة العلماء قد بلغت الغاية، وأنها عزمت على أن تترك أمر فلول الطرق الصوفية للأمة حتى تتولى القضاء عليها بنفسها. ومع ذلك فإنه لا يرفض أن يمد لمن بقى من هذه الفلول، حتى تشتري نفسها، وتعمل مع بقية المسلمين يدًا واحدة، على شريطة "ألا يكونوا آلة مسخرة في يد نواح اعتادت تسخيرهم. فكل طرقي مستقل في نفسه عن التسخير فنحن نمد يدنا له للعمل في الصالح العام. وله عقليته لا يسمع منا فيها كلمة وكل طرقي أو غير طرقي يكون أدنًا سماعة وآلة مسخرة فلا هوادة بيننا وبينه حتى يتوب إلى الله. قد نبذنا إليكم على سواء.. إن الله لا يحب الخائنين"(16).

وحقيقة نجح ابن باديس وأصحابه في تصحيح المفاهيم الإسلامية، وفي بعث الجزائر بعثًا روحيا مكنها من الخلاص نهائيًا من المستعمر وعملائه.

-------------------------------------------------

الهوامش :
1- الشهاب : س1، ع13، ص : 3.
2- الشهاب : المرجع نفسه.
3- القانون الأساس للجمعية وأصولها العشرون ملحق عربي فرنسي سجل مؤتمر جمعية العلماء، دار الكتب، الجزائر، 1982 م، ص:16.
4- عن محاضرة الأستاذ عبد المنعم قاسمي الحسيني : دور الطرقية في مقاومة الاستعمار الفرنسي - الطريقة الرحمانية نموذجا -.
5- د.أبو القاسم سعد الله : الحركة الوطنية الجزائرية، ج2 1900-1930 م،ط2، الشركة الوطنية للنشر والتزيع، الجزائر، 1983م، ص : 62-63.
6- بسام العسيلي : عبد الحميد بن باديس وبناء قاعدة الثورة الجزائرية، ط2، دار النفائس، بيروت، 1983 م، ص : 65.
7- انظر: الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية من إصدار دارة الملك عبد العزيز بالرياض، 1/249، وتاريخ الجزيرة لمسعود الجزائري، ص 284.
8- الشهاب : ج12، م6، ص : 8.
9- من كتاب [التصوف الإسلامي] للدكتور زكي مبارك، 2/301.
10- انظر دراسات في التصوف لإحسان ظهير، ص 274 نقلاً عن نشرت جريدة (لابريس ليبر) وهي جريدة فرنسية يومية استعمارية كانت تصدر في الجزائر .
11- من كتاب [في التصوف] لمحمد فهر شقفة السوري، ص217.
12- مجلة الثقافة : س1، ع6، تصدر عن وزارة الإعلام والثقافة. مطبعة بولعيد، الجزائر، نوفمبر 1972 م، ص : 33.
13- د.محمد ناصر : المقالة الصحفية الجزائرية، نشأتها، تطورها، أعلامها من 1903-1931، م1، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1978 م، ص : 92.
14- جريدة الربييليكان 22/06/1938 عن مجلة الشهاب، ج7، م14.
15- أنظر تاريخ الجبرتي.
16- الشهاب، ج11، م14، محرم 1357 – مارس 1938، ص : 204.

مراجع غربية

(1غ) Octave DEPONT et Xavier COPPOLANI
(2غ) Les confréries religieuses musulmanes. contenant 2 gravures tirées à part, 64 dans le texte et une carte en couleurs Paris, 1897, gr. in-8° br., XXVII-1 pages n. ch., 576 pages, 11 planches et 55 vignettes Avec une grande carte en couleurs se dépliant, divisée en : Cartes de l'Algérie, l'Afrique, l'Asie et la Turquie d'Europe, désignant le Domaine géographique des Confréries religieuses musulmanes. Réimpression 1987, reliure toile verte.
(3غ) Publié sous le patronage de M. Jules Cambon, Gouverneur général de l'Algérie.
(4غ) Chap. III Organisation des confréries : Cheikh — Khalifa — Naib — Moqaddem — Rakeb, Chaouch — Khouan, Derouich, Faqir, Khoddam — Moqaddemat — Khaouniat — Idjeza — Investiture, initiation — Mourid — Rapports du Cheikh et du Mourid.
(5غ) ~ Chap. IV. Dénombrements des confréries religieuses : Nature du dénombrement — Confréries répandues en Algérie, leurs principales ramifications — Enumération rapide des divers pays de l'Islam où les confréries exercent une certaine influence.
(6غ) Chap. V. Système financier : Revenus divers, dépenses : Les dignitaires des confréries bénéficiaient des aumônes obligatoires, - la masse y trouvait avantage et profit, - la Zerda, prépondérance des marabouts. — Réunion des hobous au domaine de l'Etat - Mé****************************ement des croyants - Affermissement des confréries - Ressources ordinaires et recettes accidentelles: la sadaqa ou ghafara - la ziara, droits d'investiture, - la touiza, dons volontaires de diverses natures — Un Etat dans l'Etat : Les représentants des confréries sont devenus des personnages politiques exclusivement préoccupés de leurs intérêts matériels - Evolution spirituelle et désagrégation temporelle provoquées par l'Apreté au gain - Etat des esprits - Epoque de transition — Une partie des ressources de nos sujets musulmans est envoyée dans les divers pays de l'Islam - Appauvrissement de la masse indigène - Danger économique. ~ Chap. VI. - Rôle politique des confréries religieuses : Aperçu général sur leur action politique aux différentes époques de l'histoire - leur rôle en Algérie - elles sont l'Ame du mouvement panislamique — Détente de certaines confréries en faveur des gouvernements établis — Nos relations avec les Cheikhïa, les Taïbïa, les Tidjanïa et les Qadrïa. Situation de certaines corporations hostiles par rapport à l'Algérie et aux voies de pénétration dans notre hinterland africain. ~ Chap. VII. Conclusions DEUXIEME PARTIE : NOTICES ET DOCUMENTS ~ Chap. VIII Confrérie Mère (tariqa-el-ouçoul) des Qadrïa : Son origine, sa formation, ses principes fondamentaux, son domaine géographique - Ramifications: Azaouadïa (Azaouad), Fadelïa et Lessidïa, Akbarïa, Bakkaouïa ou Bakkaïa. — Confréries dérivées des Qadrïa (trouq-el-fourou'a) : Rafa'ïa, Sa'adïa ou Djebaouïra. — Confréries aux principes extatiques similaires : Djichtïa, Badaouïa ou Ahmedïa, Beïoumïa, Doussoukïa, Maoulenïa, A'roussïa-Selamïaa ou Soulamïa, A'ïssaouïa (A'ïssaoua), Boua'lïa, Ammarïa. — Corporations de jongleurs, de visionnaires, de charmeurs, d'exorcistes, etc..., placées sous le patronage de thaumaturges vénérés : Oulad-Moussa, Oulad ben A'ouda, Beni.A.bbas Oulad-Nahal, etc. ~ Chap. IX. Ecoles des Khelouatïa : Confrérie Mère des Khelouatïa : son origine, ses principes fondamentaux, son évolution, son domaine géographique. — Confréries et ramifications issues des Khelouatïa : Sounboulïa, Goulchinïa, Ouchakïa, Djelouatïa, Bakrïa, Cherkaouïa, Semmanïa, Hafnaouïa et dérivés : saouïa, derdirïa, lessïa, deïfïa, messellamïa. Rahmanïa -les Tidjanïa. ~ Chap. X. Ecoles des Chadelïa : Confrérie mère des Chadelïa : Sa formation, ses principes fondamentaux, son domaine géographique. — Confréries dérivées des Chadelïa : Djazoulïa, zerrouqïa, youcefïa, Ghazïa, cheikhïa, Nacerïa, Chabbïa, Taïbïa, Hansalïa, Derqaoua, Madanïa, Les moukhalia. ~ Chap. XI. Confrérie mère des Naqechabendïa : Son origine, ses pratiques, ses règles mystiques, son domaine géographique — Confréries dérivées et similaires : Soleïmanïa, Baktachïa, Alouanïa, Beiramïa. Les Melamïa. ~ Chap. XII. Saharaouardïa : Ecole mystique des Saharaouardïa : son origine, ses doctrines. ~ Chap. XIII. Les Khadirïa : Ecole des Khadirïa et confréries dérivées : Mirghanïa, Senoussïa.












صورة صاحب الدور الخطير الراهب شارل دو فوكو الذي أدخل بدعا كثيرة.. في عقول السذج من.. وجعل لكل قرية قديسها (الولي الصالح).. يحتفلون به على عادات الرومان وأرباب الكنيسة وأتباعها، وتذبح له القرابين وتوجه له الدعوات وذلك في كل الشمال الافريقي.. وقد ظهر عدد كبير من القديسين (الأولياء).. مثل قديس طنجة في المغرب سيدي بوعراقية وقديس الدار البيضاء سيدي بليوط وقديس سطات سيدي الغنيمي وقديس أزمور في دكالة مولاي بوشعيب، وقديس ورقلة سيدي بلخير الشطي وقديس مكناس سيدي الكامل.. !! وهكذا...!!



http://www.chihab.net/modules.php?na...print&sid=1422






 
قديم 15-03-08, 10:23 AM   رقم المشاركة : 2
حسينا
موقوف





حسينا غير متصل

حسينا is on a distinguished road


عبد الحميد بن باديس وأزمة التخلف الحضاري في الجزائر


بقلم : الدكتور محمد الأمين بلغيث - جامعة الجزائر

الجزائر بالنسبة للغرب الصليبي البوابة الحديدية التي تحطمت على أسوارها الأطماع الأسبانية والفرنسية، منذ دخولها ضمن دائرة الحضارة العربية الإسلامية، وقد نبه "الداي شعبان"(1) في العصر الحديث على مكانة الجزائر الدولية، في مواجهة أطماع الغرب، ومخاطر سقوط الجزائر المحروسة الذي قد ينجر عنه بداية تداعي، وحدة المسلمين في مواجهة الهجمة الصليبية الحديثة.

وقد ظهر هذا الحس التاريخي للمكانة "الجيوسياسية للجزائر" كحقيقة ثابتة وهي أن حملة فرنسا على الجزائر قد شكلت رأس الحربة لتمزيق وحدة المسلمين في إطار الغارة الشاملة للصليبيين الجدد على العالم الإسلامي(2).

إن أزمة التخلف التي تطرحها هذه الدراسة، وهي الإشكالية التي لا تزال تطرح إلى يومنا هذا، حاولت ربط مفهومها وتجلّياتها، من خلال شخصية فذة في تاريخ الجزائر المعاصرة؛ولا أعتقد أن الأدبيات السياسية والثقافية بعيدة عن البحث؛وجدير بنا ونحن نطرح هذا الموضوع- والإجابة عن هذا الاستفهام المطروح يقودنا إلى أن تقترب بلطف من هذه الشخصية العلمية والسياسية التي لعبت دورا كبيرا في إحياء أمة من الجهل والتهميش وأعادت لها روح المبادرة والتحدي لاستكمال ما بناه من جهود.

إنه الإمام المصلح والرجل القرآني عبد الحميد بن باديس، الذي وصفته التقارير الفرنسية حينما انتقل إلى جوار ربه، قالت: »إن الشيخ عبد الحميد بن باديس، رئيس جمعية العلماء المصلحين الجزائريين الذي كانت صحته متدهورة وسيئة للغاية منذ شهور قد توفي يوم 16 أفريل 1940 في قسنطينة، وشيعت جنازته في اليوم التالي، في وسط جموع غفيرة، تعد بعشرات الآلاف من سكان المدينة ، ومن الذين جاءوا من مختلف أنحاء القطر« (3).

ولعل ما سجلته التقارير الفرنسية بمناسبة وفاته كان أصدق تصوير لتعلق المسلمين الجزائريين بشخصيته الفذة حتى أولئك الذين كانوا موظفين لدى الإدارة.

وكانت وفاة ابن باديس كما يقول المرحوم مالك بن نبي: قد فوتت على الإدارة الاستعمارية المنال من الحركة الإصلاحية، لأن وفاته كانت حياة لأفكاره، وذلك أن موت هذا الزعيم قد حرر نهائيا الفكرة الإصلاحية التي كانت "فكرة متجسدة " من خلال صاحبها، فأصبحت بموته» فكرة مجردة لا يجد الاستعمار إليها سبيلا، حيث بقيت وفية لأفكار زعيمها الأول ومنهجيته في العمل«(4).

هذا الرجل القرآني، الذي أقلق الاستعمار وأذنابه، خلال مسيرته الإصلاحية في الجزائر طوال ربع قرن من الزمن، هو الذي أيقظ الشعور بالمأساة التي حلت بالمجتمع في ضمير المسلم الجزائري، فقد كان رائدا حينما بدأ العمل لإعادة تنظيم الجزائر، فتقوم بأداء واجبها الشرعي والحضاري كبقية شعوب العالم الإسلامي.

فكيف أقام الحركة الإصلاحية الناشئة، وبماذا تميز مفهوم التجديد والتغيير في عصره؟ ثم بماذا هيأ الجزائريين للمشاركة في الفعل الإصلاحي، وكيف حسم علاقتهم مع الظاهرة الاستعمارية؟

إن الصراع الذي أدى إلى هذا الوضع، الذي ظهرت فيه الحركة الإصلاحية، هي مرحلة القطيعة التي أحدثها الاستعمار، من خلال تشويه النخب القائمة، حيث أزاح الزعامات التقليدية الوسيطة، وأنهى جميع الرموز التي يمكن أن تذكر بالسيادة الجزائرية، وكنتيجة لهذا لا بد أن تأتي المبادرة لدفع الاستعمار من الأطراف (الأوراس، الشمال القسنطيني) لا من المركز، وأن تكون الشعارات المرفوعة وقتها إسلامية المحتوى، ما دامت تنبع من الأوساط التي حافظت على هويتها العربية الإسلامية، ومن الطبيعي في هذا الإطار أن تجد الاتجاهات الإيديولوجية التي وجدت رواجا في هذه الظرفية التاريخية، هي التي تدافع عن الهوية العربية الإسلامية من ناحية، وعن الحس الشعبي من ناحية أخرى.

وقد أجمع الباحثون على أن الحركة الوطنية، قد نمت منذ ظهورها في الأوساط المهجرية، مع تكوين "نجم شمال إفريقيا"، وفي الأوساط الإصلاحية للعلماء كـ"حركة الشيخ عبد الحميد بن باديس"(5).

ومعالجة الحركة الإصلاحية تحت لواء الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس لا تختلف في طرحها عن أزمة العالم الإسلامي في القرن العشرين، ولا أبالغ إن قلت إن الحس المدرك لعمق الأزمة، قد نضج عند رجال الإصلاح، على تفاوت ثقافتهم ووعيهم السياسي، وشمولية رؤيتهم للأشياء من خلال "حرارة المأساة التي كانت تعيش فيها الجزائر، مأساة الاستعمار والاستعلاء والسلب واستخدام أرفع النظريات العلمية لأحط الغايات وأخس الأهداف"(6).

ولهذه الأسباب جميعها، أصبحت الحركة الإصلاحية، محل اهتمام وعناية كبيرين من قبل المؤرخين ورجال القانون، وعلماء الاجتماع، وأصحاب الدراسات الإستراتيجية، ورجال المخابرات، والفلاسفة وأخص بالذكر ، دول الغرب الذين هزتهم الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي بل في عقر ديارهم(7).

إن الإمام عبد الحميد بن باديس ، وهو يجيب على إشكالية التخلف الحضاري في الجزائر، والعالم الإسلامي، يطرح مسألة من أخطر المسائل التي عاشها جيله بكل ما تحمله هذه المسألة من خطر، إنها ضخامة وشمولية الغزو الأوروبي المنظم لدار الإسلام وكان قبله السياسي والمفكر خير الدين التونسي (8) قد حذر من خطورة هذا الغزو قائلا: »إن التمدن الأوروبي تدفق سيله على الأرض، فلا يعارضه شيء إلا استأصلته قوة تياره المتتابع، فيخشى على الممالك المجاورة لأوروبا من ذلك التيار«(9).

وكان أول من وقعت عليه مسؤولية مواجهة الاقتحام الأوروبي، هي السلطة العثمانية وأجهزتها، لقد حدث هذا في مصر، والجزائر، ولكن سرعان ما انهارت مؤسسات السلطة المركزية بمختلف أشكالها العسكرية والشعبية »إذ أن عوامل الاختراق التدريجي، والضعف المتزايد، كانت قد فعلت فعلها«(10)، وهكذا انهارت الدولة المركزية في الجزائر، ممثلة في سقوط مدينة الجزائر، وانتهاء المقاومة المنظمة من قبل الأمير عبد القادر، وأحمد باي قسنطينة، وكل الثورات الشعبية في القرن التاسع عشر، ولكن رغم هذا الفشل، ورغم البطولات والتضحيات، فإن المقاومة العسكرية، في كامل تراب القطر الجزائري، قد أدت دورا مركزيا، شكلت سدا منيعا أمام محاولات النسف الفرنسي لتدمير الشعب الجزائري، وطمس شخصيته وهويـته وانتمائه، ولم تتحول الجزائر ومدنيتها إلى تراث غابر كما وقع في أمريكا في العصر الحديث مع حضارات محلية، ذات تقاليد شعبية متطورة في تضامنها وقيمها أمام الغزو الشامل للرجل الأبيض، الذي مثلته جحافل الغزاة الأسبان والإنجليز والفرنسيين.

وفي ظل سياسة الإبادة الجماعية للجزائريين(11)وحركة التنفير من الإسلام التي قام بها "لا فيجري" والآباء البيض وتجفيف الينابيع،وقطع صلة الجزائر بعمقها المشرقي عرفت الجزائر في العشرينيات من القرن العشرين؛ حركة إصلاحية مبشرة بميلاد فجر جديد؛ ونهضة علمية وأدبية؛ ومرحلة جديدة لإعادة تشكيل العقل الإسلامي في الجزائر وتحريك ضمائر الناس؛ وتحمل مسؤولية البناء؛ ومواجهة سياسة المسخ التي كادت أن تأتي على ما بقي من هذا المجتمع المنهك القوى(12)؛ وكانت مبادئ الإسلام قوام هذه الحركة المباركة لإنقاذ البلاد والعباد من مخالب الجهل ومظاهر الشرك والاستبداد الاستعماري(13).

إن ميراث الهجوم الاستعماري الشامل على الجزائر قد ترك -في العقد الثاني من القرن العشرين- أوضاعا تثير الأسى، فبعد ما كانت الجزائر في بداية الاحتلال، تتجاوز نسبة المتعلمين فيها 40%؛ من السكان(14)؛ وهذا بشهادة الجنرال الفرنسي دوماس (DAUMAS)؛ وبعد قرن من الاحتلال أصبح الوضع الثقافي مترديا؛حيث وصلت الأمية في أوساط الشعب الجزائري إلى 90% (...) ويرجع الدارسون السبب في كل هذا إلى تعسف السلطات الاستعمارية تجاه الأطر التعليمية الجزائرية، التي كانت موجودة آنذاك، حيث عطلت الزوايا عن أداء مهامها التعليمية والخيرية؛ وأغلقت الكتاتيب القرآنية والمدارس بحد القانون الاستعماري الجائر(15) لأن النظام الاستعماري، منبع الجهالة والظلامية على حد تعبير عَمَّار أوزقان في كتابه(16) الجهاد الأفضل.

هذا الميراث النكد لشجرة الزقوم، نقطة مهمة على طريق فهم عبد الحميد بن باديس لأزمة الإنسان الجزائري على المستوى الفكري والحضاري، وإدماجه أو إلحاقه بدائرة التأثير الاستعماري، فإن النقطة الثانية لفهم الظاهرة الاستعمارية، هي ما قام به الساسة الاستعماريون، من خلال سياسة دينية صليبية حاقدة لقلع الإسلام من صدور الجزائريين، بعد إبادة وتشريد أو سجن العلماء والمثقفين الجزائريين(17).

وبهذا الصدد يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: »إننا لن ننتصر على الجزائـريين، ما داموا يقرأون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم«(18)، وبهذا يهمش الجزائري عن أداء دوره الرسالي، ويفقد صلته بجذوره ووطنه، كما يفقد إحساسه بحركة التاريخ المتصاعدة، لأن هذا الإنسان الذي افتقد مفهوم الزمن التاريخي لحياة الأمم، هو الغاية القصوى التي يسعى للوصول إليها كبار الساسة في فرنسا وحثالة الغرب من المعمرين بالجزائر، وخلاصة ما تسعى إليه هذه النظرة المنحطة للإنسان الجزائري: هو إفراغ الجزائري من روحه وإدخاله إلى متاحف الحيوانات المنقرضة في أوروبا، كما وصف أبو الحسن الندوي(19) هذه الحالة التي يرغب الغرب في الوصول إليها مع شعوب العالم الإسلامي.

والقضية الثالثة التي عاصرها الإمام عبد الحميد بن باديس، وكان لها أكبر الأثر في نفسه، وفي منهجه الدعوي، هي معاصرته لفشل ثورة الأوراس عام 1916م والدمار الشامل الذي تركته الحرب العالمية الأولى، والتي كان أبناء الجزائر الوقود السهل والحزام الذي يحمي فرنسا الاستعمارية، وكانت النخبة الجزائرية، جد متناقضة في تعاملها مع قانون التجنيد الإجباري، بين المشاركة والهجرة أو الثورة وقد أدى هذا الموقف إلى إحداث شرخ فضيع في الذهنية الجزائرية (20).

الخيانات الروحية، وخيانة الأشراف(21)

القضية الرابعة والحساسة التي شكلت بقية الصورة في ذهن الإمام عبد الحميد بن باديس هي دور الطابور الخامس الذي مثلته -في العالم الإسلامي- بعض الطرق الصوفية وبعض العائلات المنسوبة إلى الشرف والعلم وفي هذا المقام يقول شكيب أرسلان(22): "إنه من الأسباب الموضوعية التي كانت من وراء بقاء دوام الاستعمار الغربي الصليبي، في ديار المسلمين، يعود إلى الخيانات الروحية، حيث كانت الطرق الصوفية العين الساهرة على حماية مصالح الاستعمار بما يلقاه شيوخ الطرق الصوفية من تبجيل وهذا بعد شراء ذممهم بدراهم بخسة" ونكتفي في هذا المقام أن نبرز هذه القضية التي عاصرها الإمام ابن باديس من خلال نموذجين:

الأول : يتمثل في الخيانة الروحية لبعض الطرق الصوفية في الجزائر والمغرب الأقصى، وهذا ما تؤكده وثائق جديدة لم تنشر، وهي شهادة ثابتة، وتتمثل في خيانة "شرفاء وزان" بالمغرب الأقصى، وهي شهادة في ذمة التاريخ، إذ لعب هؤلاء الأشراف دور الطابور الخامس في الجزائر، وهذا من خلال أعوانهم ومريديهم، منذ نهاية القرن التاسع عشر.

تسجل هذه الوثائق تبعية شرفاء وزان وعمالتهم للاستعمار الفرنسي الصليبي منذ الساعات الأولى للاحتلال وتتطور درجة العمالة مع حاكم الجزائر العام "جيل كامبو"، نظرا لما كان لهذه الطريقة الصوفية -التي يشرف عليها شرفاء وزان- من تأثير على أتباعها في كامل القطر الجزائري وبصورة خاصة بالوسط والشمال القسنطيني، وقارئ هذه الوثائق المدعمة للبحث يحس بخيانة النخبة الروحية الفاسدة، وتعاملها مع فرنسا الاستعمارية، وأسوأ ما تركته هذه النخبة التي فرضها الاستعمار على الشعب، هو تزييفها وتحريفها للعقيدة، ومسخها للإنسان المسلم وتقديمه هدية بسيطة إلى الغرب الأوروبي، كما تهدى الحيوانات ا لنادرة إلى الرؤساء والسفراء.

وأما خيانات الأشراف المحليين فيمثلهم في عصر الإمام ابن باديس "أولاد ناصر(24)، الذين يمثلون واحدة من أربعة عائلات شريفة بالجنوب القسنطيني، وينتمي هؤلاء إلى جدهم الأعلى سي مبارك بن قاسم بن حاج الذي ينسب إلى الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه.وأما جدهم الثاني فهو سيدي ناجي، والشخصية المحورية التي غيرت مسار هذه العائلة العالمة الشريفة والذي يصدق فيه قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}، هو القائد الأزهر الناصري الذي تحدى الجزائريين الرافضين لمبدأ التجنيد الإجباري، وخان ثوار الأوراس عام 1916م، وكوّن أول فرقة عسكرية: وهم: "قوم خنشلة"، الذين شاركوا مع القوات الفرنسية في قتال إخوانهم الجزائريين، والقضاء على قبيلة "أولاد ملول". ويُوصَفُ سي الأزهر الناصري بأكبر أصدقاء فرنسا في منطقة ششار، وبقية الأوراس كما جاء في التقارير الفرنسية(25).

هؤلاء هم النماذج المخزية لتاريخ "المرابطين" والأشراف الذين عاصرهم الإمام عبد الحميد بن باديس وقد تحددت أرضيته في معالجة أزمة التخلف الحضاري من خلال هذه الدعائم والقضايا التي شكلت مبدأ سعيه المحمود لترميم الذاكرة الجزائرية في مواجهة آلة المسخ والتشويه التي أحدثتها معاول الهدم الفرنسية.

وأما القضية الخامسة، التي هي قوام فهم الإمام لأزمة المجتمع الجزائري المسلم فتتمثل في الخيانات الفكرية والسياسية، وقد مثلتهم شخصيات دينية وسياسية ربطت مصيرها بالإدارة الفرنسية أو شخصيات فكرية عميلة ساعدت على تزييف الوعي عند الجزائريين.

وأما العامل السادس الذي ساعد على تكوين الرؤيا الشاملة للعملية الإصلاحية والمنهج التغييري عند الإمام ابن باديس، فهي القوانين الجائرة للإدارة الاستعمارية، هذه القواعد التي اختصرتها كإجابات، على تساؤلات هذه البحث،والتي مفادها: كيف استوعب الإمام أزمة التخلف في العالم الإسلامي، وفي الجزائر بصورة أخص؟ ومن هذه الإشكالية المطروحة ستكون إجابتنا على هذا الفهم الذي شكل خطوات التغيير من خلال رحلة طويلة مع هذه النماذج التي كونت الإكراهات التي وقفت في وجه الإقلاع الحضاري للحركة الإصلاحية الجزائرية.

لا يمكن وفي هذه الوضعية المريضة بكل هذه الإحباطات والمعوقات أن تقوم حركة التغيير إلا إذا نهجت منهج الأنبياء والمرسلين لإصلاح ما أفسدته الذمم وأيدي الناس، وعقول المستبدين والمفسدين في الأرض. وفي هذا المقام بالذات يعد ابن باديس نموذجا سليما لمحاربة الاستعمار.

لقد فهم بعمق أبعاد القضية، وأعطى للموضوع إطاره المستقيم فكانت مواقفه وتحركاته ثابتة، هادفة موجهة إلى صميم المشكل مما أدى به إلى صراع طويل انتهى به إلى الاستشهاد(27)، بعد أن حقق الجزء الأعظم من مسيرة العمل الإصلاحي بالوسيلة والأسلوب القويم بعيدا عن اختلافات السياسيين، وعقم خطبهم الجوفاء، وتضييعهم للوقت الثمين في ما لا يجدي نفعا للأمة، وتبديد الجهود ومنطلقات خاطئة ومع ذلك قال فيهم عبد الحميد بن باديس:" يا هؤلاء... إن الجمعية ليست عاجزة عن مقاومتكم وإظهار خطتكم وكشف باطلكم، و لكنها تعلم ما تحتاج إليه الأمة اليوم، من اجتماع الكلمة، وعدم الفرقة وتوحيد الصفوف، فلهذا تركتكم راجية لكم أن تدركوا حقيقة الموقف فتعملوا بما يقتضيه" (28).

وهنا تقتضي مكانة هذه الإكراهات -التي واجهها ابن باديس في بداية عمله الإصلاحي- أن نحدد مفهومه لتعريف ظاهرة التخلف الحضاري وتحرير الأوطان من الاستعمار الغربي الصليبي المتعصب وأن نحدد المناهج المطروحة وهي:

- طريق المواجهة المسلحة الشعبية، وقد فشلت كلها في تحرير الإنسان والبلاد منذ 1832م إلى غاية ثورة الأوراس 1916م.

- طريق النضال السياسي والعمل الحزبي والمشاركة في المؤسسات المحلية (النظام البرلماني والمشاركة في تسيير البلديات والمجالس المالية).

- طريق البناء الدعوي أو بناء القاعدة الصلبة(29).

وهذه الأساليب والمناهج هي التي عرفت في مسرح الأحداث واليوميات الجزائرية، فأي السبل اتخذها الإمام عبد الحميد بن باديس لنفسه؟ إنه السبيل الذي رسمه الإمام لدعوته الإصلاحية يتجلى في اختياره لسبيل الإصلاح التربوي، وبناء الإنسان الجزائري الذي ينتمي إلى أمة معوانة على الخير منطوية على استعدادات الكمال وأنها -أي الأمة الجزائرية- ذات نسب عريق في المحامد والفضائل(30).

وقد ساعد ابن باديس في عمله سعة علمه ومعاصرته لجيل رسالي أمثال جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا محمد الطاهر بن عاشور، حمدان لونيسي محمد النخلي، شكيب أرسلان، الشهيد العربي بن بلقاسم التبسي، محمد البشير الإبراهيمي الطيب العقبى، الشيخ مبارك الميلي، وغير هؤلاء القمم التي صاغها القرآن صياغة نادرة.

والقرآن الكريم هو الذي صاغ نفس الإمام عبد الحميد بن باديس وهز كيانه واستولى على قلبه فاستوحاه في منهجه طوال حياته وترسم خطاه في دعوته وصاحبه طوال ربع قرن من الزمن في سبيل الكفاح لبناء الأمة وإرجاعها إلى الحقيقة القرآنية منبع الهداية الأخلاقية والنهوض الحضاري، فكان همه أن يكوّن رجالا قرآنيين يوجهون التاريخ ويغيرون الأمة: »فإننا -والحمد لله- نربي تلامذتنا على القرآن من أول يوم،ونوجه نفوسهم إلى القرآن في كل يوم«. هكذا عبر الإمام ابن باديس عن منهجه التربوي والإصلاحي(31).

ولما كانت غاية الإمام ابن باديس إصلاح المجتمع، بادر إلى التربية والتعليم و"ترميم"ما أفسدته يد الشيطان الصليبي، إذ أن فرنسا ما إن استقرت بالجزائر حتى مدت يدها إلى التعليم(32) تشوهه وتستأصله وتتخذه قاعدة ثانية في التدمير والتخريب.

لأنها تعلم أن التعليم هو الذي يصنع العقول المفكرة الرافضة ويعطي للشخصية عمقا واعيا وبالتالي يمثل حصنا يجعل كل محاولات الفرنسة والتغريب والذوبان عبثا ومجهودا ضائعا(33).ولقد وضع ابن باديس خطته على أساس مبتكر يتلخص في أن يحاصر فرنسا في رفق وعزم صارم في الوقت الذي تظن أنها تحاصر الجزائر، ولم تتفطن فرنسا إلى مهارة هذه الخطة إلا بعد فوات الوقت، فوجدت نفسها محاصرة بعد أن استمال إليه أعوانها طائفة بعد أخرى وكان من الضروري أن يفلح في تنفيذ خطته بعيدة المدى، وهي القيام بانقلاب جذري يرتكز في المقام الأول والأخير على إعداد جيل صالح ينهض نهضة إسلامية، بحيث يأخذ من عظمة الماضي، ومن يقظة الحاضر ما يعصمه من الزلل والانحراف، ويسير في طريق المستقبل المشرّف(34) الذي يقوم منهجه على العودة إلى منهج السلف، وهو بذلك قد كشف عن هذه القوة الهائلة التي حققت يقظة الجزائر ونهضتها المعاصرة(35).

والأستاذ الإمام كما يصفه رفيقه في الدرب : الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بقوله: "إنه هو الذي وضع القانون الأساسي (يقصد جمعية العلماء)على قواعد من العلم والدين لا تثير شكا ولا تخيف، وكانت الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت تستهين بأعمال العالم المسلم، وتعتقد أننا لا نضطلع بالأعمال العظيمة، فخيبنا ظنها والحمد لله"(35).

فقد كان هذا المسلك العملي في بناء الأمة سببا في تحقيق هذا النجاح البارز، وذلك لبعده عن المهاترات الحزبية التي كانت تدور في فلك حدده الاستعمار سلفا كما حدثنا عنها مؤرخ الحضارة الأستاذ: مالك بن نبي في كتابه الرائد: "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة": "فأنشأت المدارس في كل بقعة من بقاع الجزائر وأرسلت الوعاظ يجوبون المدن والقرى وكانوا يعرفون جيدا ماذا يصنعون إنهم كانوا بصدد القيام بالتعبئة الدينية والقومية الشاملة"(36).

وكان هذا العمل البذرة الأولى التي اتفق ابن باديس ورفيقه الإبراهيمي على غرسها في الجزائر ،يقول الإبراهيمي:»كانت الطريقة التي اتفقنا عليها أنا وابن باديس في اجتماعنا بالمدينة المنورة (عام 1913م) في تربية النشء هي:ألا نتوسع في العلم وإنما نربيه على فكرة صحيحة ولو مع علم قليل، فتمت لنا هذه التجربة في الحديث الذي أعددناه من تلامذتنا«(37).

إن ابن باديس الذي استوعب أزمة العصر، وتفاعل مع قضايا الجزائر بإيجابية ظاهرة كان مشغولا بتربية الرجال(38) أولا وابتعد عن الجدل الفلسفي العقيم الذي يشوش الأفكار ويثير الخصومات بين العلماء والأتباع، فقد كان ذكيا مستوعبا لآثار أمته وتاريخها الثقافي والعلمي وآثار الرجال والعلماء على مرّ العصور، فأدرك أن أزمة تخلف المسلمين الحضارية تعود إلى تركها للعلم الصحيح، وابتعادها عن الإسلام بفعل الاستعمار والطرقية(39) ولهذا فإن معادلة العلم والحضارة لا تساوي عند الإمام معادلة الجهل والسقوط في وحل الجاهلية والتبعية الفاسدة في العادات والأخلاق والقيم.

ولهذا كان ابن باديس يفكر تفكيرا صحيحا، مؤسسا على أصل التنبه واليقظة والإدراك(40) من المؤامرة التي يديرها الاستعمار وأذنابه بإحكام، ولكن المؤامرة الاستعمارية والطرقية، انتصرت فيها الحركة الإصلاحية في الجزائر بشهادة الأستاذ مالك بن نبي الذي عالج قضايا الاستعمار وأدواره في العالم الإسلامي بحكمة عالية(41)، وقد نبه (محمد النخلي)(42) ابن باديس إلى السبيل الصحيح لفهم القرآن والإسلام، فأدرك هذه الحقائق، والتي يقول فيها مالك بن نبي: »... إلى جانب هذا كله تقف عيوب ذات طابع جماعي، كالجدل والحرفية والتشبث بأذيال الماضي وبتحليق في الخيال، وهي بالطبع ثقافة ما بعد الموحدين (...) فأية مقارنة لتلك التقاليد بالإسلام تنقي الثقافة الإسلامية من تلك المقدسات الوهمية التي تسمى (تقاليد)،ولقد قام بتلك المهمة على خير وجه الشيخ (عبدالحميد بن باديس)، فاستطاع أن يخلص الجزائر من تلك التقاليد الزائفة التي كانت تتجسد في الطريقة (المرابطية)؛ولكن فردا واحدا يعجز عن القيام بتلك المهمة وحده(43).

وهذه اللفتة الأخيرة من المفكر مالك بن نبي هي التي أوحت إلى العلماء بالعمل الجماعي الهادف فأسسوا "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"(44) وإن كانت فكرة هذه المؤسسة الفاعلة تعود كما يشهد بذلك الإبراهيمي إلى أيام اللقاء التاريخي بين المصلحَين (ابن باديس والإبراهيمي)، بالمدينة المنورة، فكانت الثورة الجزائرية نتيجة حتمية لحركة الأفكار التي بدأت في عهد الأمير عبد القادر، واستأنفها في بداية القرن الحالي، الأمير خالد و أحمد مصالي الحاج وعبد الحميد بن باديس ومن حذا حذوهم (45).{والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا}.والشيخ عبد الحميد بن باديس الذي نشأ نشأة صالحة، فتكون في مسقط رأسه تكوينا جادا، في جو أسري محافظ على تقاليد العربية والإسلام.

وكأن العناية الإلهية التي وفرت له كل هذه الظروف، والإمكانيات كانت تعده لمهمة كبرى سيقوم بها في مستقبل قريب، وهي قيادة حركة التجديد الإسلامي في الجزائر والمغرب العربي، والعمل على بعث العروبة والإسلام في الجزائر(46).

ولما أدرك العلماء، وعلى رأسهم الإمام عبد الحميد بن باديس حاجة الأمة إلى المدارس والنوادي والصحف التي تعمل على تزكية النفوس ورفع الجهل عن العقول فقد هيأ الله لهم أهل الخير فأصلحوا شؤون الطلبة وأسسوا أزيد من 400 مدرسة مبثوثة في جميع أركان القطر الجزائري، تؤدي الرسالة بوفاء وصدق ووعي، هيأ حقيقة إلى تكوين جيش كبير كما عبر -الإبراهيمي- من المعلمين والوعاظ والصحفيين الذين كان لهم الفضل بعد الله عزّ وجل في إحياء وترميم ما هدم وأمات الاستعمار الفرنسي، ولقد كان ابن باديس وجمعه بصدد أمة بل إنسانية تعيش في محيط آسن خانق، ومهمة هذا الجيل الرسالي نقل الأمة من محيط الفقر والجوع والفساد الأخلاقي والعقدي، إلى محيط الربانية، فأنشأوا لهذا الغرض كل الوسائل الممكنة(47)، من مساجد، ومدارس، وصحافة، ونواد ثقافية وكل ما تدعو إليه ضرورة الحياة الجديدة في مواجهة الصليبية الغربية، وما تحمل من بغض للإسلام والمسلمين في أرض الجزائر (دار الجهاد والاتحاد)(48) وتقدم التاريخ خطوة كبيرة في الثلاثينيات نحو جيل جديد من المصلحين، إنه الرعيل الثاني المتتلمذ على أفكار وصيحات الرواد، فيحدثنا المرحوم مالك بن نبي عن الفعل الإصلاحي الذي عاصره، هذا التيار الكهربائي الذي مس كل أطراف المجتمع، والذي نجح في بثه الشيخ عبد الحميد بن باديس بين الشعب الجزائري ولهذا بدأ الواقع الجزائري، وكأن: "شعاع الفجر قد بدأ ينساب بين نجوم الليل من قمة الجبل فلم يلبث أن محت آياته الظلمة من سماء الجزائر، فحوالي عام 1922 بدأت في الأرض "هيمنة" وحركة وكان ذلك إعلانا لنهار جديد، وبعثا لحياة جديدة، فكأن هذه الأصوات استمدت من صوت جمال الدين(49) قوتها الباعثة، بل كأنها صدى لصوته البعيد، لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فكانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب يتحرك... فتحولت المناجاة إلى خطب ومحادثات ومناقشات وجدل، وهكذا استيقظ المعنى الجماعي، وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث شعب"(50).

والإشكالية الثانية في فهم الأزمة الحضارية التي عرفتها الجزائر في عصر الإمام ابن باديس تتمثل في احتكار السلطات الاستعمارية "لصوت المسجد" وتأميم الأوقاف وتخريب المحاكم الشرعية، هذا من جانب، ومن جانب آخر هو قيام الدوائر الإعلامية الغربية عموما والفرنسية خصوصا بنشر الإلحاد وتشويه صورة الإسلام النقية في نفوس أبناء المسلمين الجزائريين نظرا لقلة زادهم الشرعي والثقافي، ومن هؤلاء : لوي بيرتران - خصم الشرقيين الألد، وعدو المسلمين الأزرق، فهو ممن { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} ومنهم من يدسّ السم في الدسم ويدعو شباب الجزائر إلى التفرنج والاندماج(51) وفي هذا الأمر نافح الإمام عن دينه ولغته أمام هجمات فرنسا الاستعمارية فيقول: "إن أعداء الأمة الذين تمثلهم الجزائر الاستعمارية الكبرى هنا وهناك ويصدع بأمرهم كراسي متنوعة ما فتئوا يوالون ضرباتهم ويعيدون هجماتهم على الجمعية لأنهم يرون فيها حياة الأمة، ويشاهدون فيها السدّ الحصين دون ما يرغبون من ذوبان الأمة وانحلالها لإفنائها وابتلائها وتنقصها من أطرافها، فكل ما تجتازه الأمة اليوم، وما تعانيه وما تلاقيه، هو ما تجتازه الجمعية وتلاقيه على أبلغه وأشده، لأن الجمعية هي الأمة، والأمة هي الجمعية(52) فقد وعت الجمعية بأنه:"لا مندوحة من تربية جيل جديد تربية دينية صحيحة يتولى أمرها أناس يأخذون على أنفسهم عهدا أن لا يقرعوا بابا لسلطان ولا تضعضعهم الحدثان، ولا يثني عزمهم الوعيد ولا يغريهم الوعد بالمنصب ولا تلهيهم التجارة ولا المكسب بل يرون في المتاعب وتحمل المكاره لنجاة الوطن من الاستعباد غاية المغنم وفي عكسه المغرم"(53).

إن الحركة الإصلاحية أدركت بعمق أن الغرب مناهض للشرق، والروح الصليبية لم تبرح كامنة في الصدور كما كانت قبل بطرس الناسك، ولم يزل التعصب كامنا في عناصرها، وهي تحاول بكل الوسائل القضاء على كل حركة يحولها المسلمون للإصلاح والنهضة(54).

وهكذا نجد إذن كيف تعددت مصادر الإصلاح في الفكر الجزائري الحديث(55) من مصادر داخلية كالرد على الطرقية وسلطاتها الروحية المهددة للعقيدة الإسلامية الصحيحة والمهمشة للشعب من الفعالية لمواجهة واقعه البائس، إلى الرد على الصليبية الجديدة التي حملت معاول هدمها الإدارة الفرنسية في الجزائر ورموز مثقفيها وصحافتها، ثم إلى مصادر خارجية، كالتيار الجارف للثورة الإسلامية الذي قام به موقظ الشرق "جمال الدين الأفغاني"، ومدرسة الإصلاح المحلية، التي بنت القاعدة الأولى لحركة الإمام عبد الحميد بن باديس. والتي قام بإعدادها الشيخ صالح بن مهنا القسنطيني، والشيخ عبد الحليم بن سماية ناقل آراء محمد عبده الإصلاحية، والشيخ رشيد رضا صاحب "المنار"،والأستاذ:محب الدين الخطيب، صاحب "الزهراء" و"الفتح المبين"، والحق أن الشيخ صالح بن مهنا، ذلك الشيخ الوقور كان طليعة المصلحين، غير أن الحكومة ا لساهرة على الهدوء عملت على إبعاده، وعاقبته بمصادرة مكتبته الثمينة، وفرقت أمثاله من مقلقي النوم العام كما يقول مالك بن نبي، ولقد كان الخطاب الإصلاحي عند الإمام عبد الحميد بن باديس جذريا تجاه الطرقية، حليفة الاستعمار والتخلف بما تركه رواد الزوايا المرابطين(55)، من شرك وفساد اجتماعي، وتحالف منكر ومكشوف مع عدو الإسلام والمسلمين، وفي هذا يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:"إن علماء الجمعية يعتبرون القضاء على الطرقية، هو قضاء على كل باطل وضلال، وأنه لا يتم، رقي الأمة الجزائرية، أو أي إصلاح في ميادين الحياة مع وجود هذه الطرق، وما لها من سلطان على الأرواح والأبدان، وإفساد للعقول، وقتل للمواهب، والواقع أن محاربة الجمعية لشيوخ المرابطين، كانت ضرورة حتمية أوجبها الوضع المتدهور في البلاد، إذ أن الإصلاح الشامل يتطلب مسحا عاما لكل مظاهر الانحطاط والجمود الفكري(56). لهذا اعتبر العلماء المصلحون، الطرقية علة العلل في الفساد، ومنبع كل الشرور وتحريف العقيدة وإلحاد الناشئة، لذلك عمدت الجمعية إلى محاربة هذه الطرق المنحرفة من أوكد الواجبات الشرعية لأنها الاستعمار الثاني للإنسان الجزائري المسلم كما وصفها الإمام العلامة محمد البشير الإبراهيمي"(57).

ومن المثقفين السلفيين الذين كانوا حربا على الطرقية الأستاذ: الطيب العقبى المصلح الثائر، الذي هدم تصورات الطرقية واعتقاداتها الباطلة، وكان المؤرخ مبارك الميلي في "رسالة الشرك ومظاهره" يمثل بحق حجر الزاوية في تصور الجمعية، وآثار الإبراهيمي وابن باديس، والطيب العقبى ومبارك الميلي، وأحمد توفيق المدني، وحمزة بوكوشة، والعربي التبسي وأضرابهم تدل على الخطر الكبير الذي مثلته الطرقية على عقيدة وسلوك الجزائريين، ولهذا فإن أزمة التخلف الفكري والحضاري في فهم ابن باديس، تعتمد اعتمادا واضحا في فهم جدلية "الإسلام والعمل" و"التخلف والتقدم"، "الشرك وآثاره على الإنسان المسلم".

والجدير بالملاحظة أن هذه الظاهرة قد طوقت كل العالم الإسلامي، أفقدت المسلم روح المبادرة والإبداع وأصبحت الزوايا ملاذا للمجرمين فدنست شرف الأمة(58).

وانطلاقا من فهم روح التقدم من خلال رسالة الإسلام، واستيعاب الإمام عبد الحميد بن باديس لحقيقة الأزمة، فقد كان مثل سابقه الأفغاني من المنادين بحرارة بعدم الخوف من مظاهر التمدن الغربي(59).ودعا الشباب الجزائري المسلم أن يحثوا الخطى إلى الإمام لطلب العلم والمدنية لأن الإسلام قادر على صياغة هذه المدنية صياغة رائعة بما تقتضيه الضرورة ودعوة الإمام للشباب الجزائري أن يتمكنوا من العلم الذي كان أساس تقدم الغرب وما بلغه من مدنية وتطور(60)، وقد أجمع علماء الإسلام أن من أسباب أزمة المسلمين في العصر الحديث أيضا الاستبداد السياسي وغياب الشورى، وهو ما أشار إليه الإمام عبد الحميد بن باديس في دروسه وفي تصوره للحكم الإسلامي الأمثل، مما يدل على عمق الفهم وحتى وهو يعيش أزمة غياب الحكومة الإسلامية، فقد كان يوجه النقد اللاذع للحكومة الفرنسية في الجزائر وانحرافها عن مبادئ العدل التي تتطلع إلى نشرها في عالم مستعمراتها المقهورة(61) ومما يدل على وعي الشيخ ابن باديس بصيرورة التاريخ وعمق فهمه، واستشرافه للمستقبل القريب فهمه العميق لمبادئ العدل والإحسان وعاقبة الظلم والقهر والاستعباد.

كما أن معالجته للظلم والظلمة وغش الحكومات لرعاياها، من المفردات السياسية التي لم تغب عن آثار الإمام وهو الداعية الرباني على طريق السلف الصالح العالم بمقومات الشخصية الإسلامية ورسالة العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن آثار ابن باديس الداعية إلى الإصلاح، تحدد بشكل دقيق مسؤولية فئات المجتمع مباشرة -إسلاميا واجتماعيا- عن انحطاط وتدهور المجتمع الإسلامي، كما تقدم التفسير القرآني لتخلف المسلمين المرتبط بقانون العقوبات الإلهي، الخاص بهذا المجتمع عندما ينحرف، والذي يختلف عن قانون عقوبة غير المسلمين وهذا التفسير الذي تؤيده وقائع التاريخ والتجربة وهو يتعارض مع نظريات "العلمانيين"الذين قضوا أكثر من نصف قرن في البحث عن أسباب ما يعانيه العرب والمسلمون من تخلف وانقسام وهوان دون أن يصلوا إلى نتيجة أو يهتدوا إلى علاج(62)، ومما أثار مخاوف علماء الغرب المنصفين أن المجتمع الإسلامي أصبح أمام خطر حقيقي، يتجلى في التحديات الجديدة؛ غير أن الإسلام وفقا للدراسات المنصفة أصبح بإمكانه أن يتكيف مع المعطيات الجديدة للحداثة والمعاصرة رغم ما يشوب هذه المصطلحات نفسها من ضلال وشكوك. غير أن ما فهمه ابن باديس حقا لإزالة هذه الوساوس والشكوك حول الإسلام، فقد اقتنع بعمق خلافا لحالة الانبهار والذهول التي عرفتها شخصيات كبيرة مؤثرة في العالم الإسلامي، فقد أيقن الإمام أن مستقبل المسلمين يتعلق بمدى وفائهم لعقيدة التوحيد، وبقدرتهم على إعادة بناء عالمهم الروحي الأصيل وتجديد ثقافتهم الحقيقية، وعلى هذا الأساس عمل ابن باديس على بعث روح الإسلام عقيدة وسلوكا في أذهان وقلوب الجزائريين، فهو يعيش للإسلام كما حبب إليهم الوطن الجزائري الذي هو أمانة في أعناق كل المسلمين الجزائريين الذين يتميزون عن غيرهم من المعمرين وغلاة المستعمرين بمميزات وخصائص، وشخصية تختلف في أصولها وأعراقها، عما تتميز به الأمة الفرنسية و"حثالة" الغرب من المستوطنين الذين يعودون بأصولهم إلى السجناء والمجرمين والمشردين والمهمشين الأسبان والمالطيين الكورسيكيين والفرنسيين والألمان، وكل الذين لم يجدوا لهم موضع قدم في بلدانهم الأصلية، أو من لا وطن له في أوروبا وغيرها.

** الإمام عبد الحميد بن باديس والنخبة الفرانكفونية (شجرة الزقوم) **

إن النخبة الجزائرية المقصودة في هذه النقطة، أولئك الذين تمتعوا بحظ من التعليم في المدارس الفرنسية وشكلوا في مطلع الثلاثينيات ما يعرف في أدبيات التاريخ الجزائري المعاصر بالشبان الجزائريين وغالبيتهم العظمى من الطلبة الفرنكفونيين الاندماجيين وهم فئة هجينة إذ لا يمكن اعتبارهم في آخر المطاف لا جزائريين بالمفهوم الشامل، ولا فرنسيين لذا قال الحاكم العام الفرنسي ناجيلان (NAEGELEN) عام 1949: "إن مستقبل الجزائر المسلمة الفرنسية يحضر الآن في المدارس الفرنسية برغم الأنبياء التعساء"(63).

والمقصود بالأنبياء التعساء هنا: هم رواد الحركة الإصلاحية والاستقلالية في الجزائر رغم ما يشوب النخبة المثقفة في الحركة الاستقلالية من ازدواجية بائسة في ترجمة جدلية الصراع الحضاري في الجزائر.

وقد تعددت مواقف النخبة منذ مطلع القرن العشرين من تطلع إلى الثورة على السياسة الكولونيالية ممثلة في شخصية خوالدية صالح بن عمار (64) إلى دعوة حارة إلى نشر التعليم بين كل الجزائريين ممثلة في الشخصية المخلصة: امحمد بن رحال(65) إلى حركة الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر(66) الذي بدأ إصلاحيا وانتهى استقلاليا ثوريا. كما تذهب إلى ذلك الوثائق المكتشفة والمدروسة من خلال مطالبه إلى مؤتمر الصلح، إلى شخصية برجوازية ذات تناقضات كبيرة في مسارها السياسي ممثلة في شخصية فرحات عباس(67). ولكن على الرغم من تفاوت تصورات هذه الرموز ومواقف عبد الحميدبن باديس من تحركاتها فقد كانت لابن باديس مواقف واضحة من فرحات عباس الذي يعتبر رمزا للنخبة الفرنكفونية التي دافعت عن ثقافتها الجديدة المكتسبة وهو كما عبر العلامة عبد الرحمن بن خلدون عن هؤلاء بمقولته الشهيرة "ولع المغلوب باتباع الغالب أبدا"حتى دفعته المسيرة التاريخية إلى الالتحاق بالثورة بعد أن راهن على مبادئ الثورة الفرنسية إلى آخر المطاف.

وعلى العموم فإن ابن باديس كان علما من أعلام النخبة الإصلاحية العاملة على تحقيق مصير الجزائر من خلال إعادة تشكيل شخصيتها العربية الإسلامية، وكلما انحرف واحد من المحسوبين على مجتمعنا ذكره بالتي هي أحسن بأن الجزائر أمة عربية اللسان إسلامية العقيدة مستقلة في كل سلوكها مع اعترافه الدائم بارتباط هذه الأمة بمصير الأمة الفرنسية إلى حين،وقد كان يعد إلى هذا ((الحين)) جيشا من المتعلمين الذين يحسنون قراءة القرآن وترجمته ترجمة صحيحة لا تعرف الخيبة والفشل، لأن الفشل معناه نهاية هذا الجيل الذي تراهن عليه الأمة لتحقيق مصيرها.

وقف الإمام يوما من أيام 1938م على منصة نادي ا لترقي، وارتجل خطابا جاء فيه: "الساعة قد دقت وآن وقت العمل، وبعد العمل الموت، وأخيرا استعدوا ليوم عظيم"(68)، وأما رواد الخيانات الروحية والفكرية من الفرانكفونيين الاندماجيين المطالبين بالجنسية الفرنسية، فقد ردّ عليهم ابن باديس ردّا عنيفا وفقا لوفائه الصارم لخطه الإسلامي والفكري الذي ينبع من مسؤوليته التي دعمها بالقاعدة الشرعية "من كثر سواد قوم فهو منهم".

ولهذا رفض الاندماج والإلحاق والتجنس على الرغم من الاتهامات المجانية لأصحاب "شجرة الزقوم" الذين يبحثون عن متكئ يعطيهم شرعية الارتماء ،وإلى الأبد تحت أقدام فرنسا الاستعمارية قديما وحديثا.

"...إن الذي قصم ظهر حركة الاستغراب كما يقول الدكتور سعد الله هو الحركة الإصلاحية التي كشفت عن هوية المجتمع الجزائري ودافعت عنها وصقلتها،وقدمتها في الصحافة والخطب والأناشيد والكتب فاهتدى بها من اهتدى وبقي الضالون قلة متوارية لا تجرؤ على المواجهة إلا في حالة غفلة شعبية كما حدث بعد الاستقلال"(69).

ظل الإنسان في تفكير ابن باديس أساس كل نهضة ومرجعيته تتحدد في الإسلام والعربية(70).

أما مواقف الإمام ابن باديس من الإدارة الاستعمارية فقد تنوعت، من الاعتراف بالاحتلال كواقع مر مفروض على أمة ضعيفة أنهكها الاحتلال وزاد في خيبتها الفشل الذريع الذي منيت به الثورات الشعبية في القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، ولما بلغ قمة النضج السياسي أعلن المفاصلة مع الإدارة الاستعمارية في مقال يدل على بعد ثوري جديد بدأ يثير اهتمام الإدارة الاستعمارية التي وصفته مع فرحات عباس في نهاية الأربعينيات(71) بأنهما يعملان على استقلال الجزائر، ومقال ابن باديس: "هل آن أوان اليأس من فرنسا"(72)، يدل على روح جديدة في تغيير الأسلوب المنهجي المتبع منذ العشرينيات كما أن معاصري الإمام من رواد الجمعية أشاروا في أكثر من مرة أن ابن باديس لما بلغ السيل الزبا قالوا له فما الحل "أشار بيده إلى جبال الأوراس" وقال هناك في جبال الأوراس، ويذكر الدارسون أن عبد الحميد بن باديس ومصالي الحاج توأمان، الأول كان يكوّن أمة كادت أن تندرس، والثاني يسعى إلى تجديد وإحياء الدولة الجزائرية، والأهداف واحدة في الوصول بالجزائر إلى دولة وأمة ذات سيادة في إطار الفضاء العربي الإسلامي(73).

وأزمة التخلف عند عبد الحميد بن باديس لا تكمن في إعداد جيل رباني برجاله فقط، فقد كانت المرأة والدفاع عن تعليمها وحمايتها من الانحلال والتبرج والاختلاط الذي تدعو إليه النخبة المتفرنجة(74) مجال اهتمامه ويظهر من خلال حديثه وتذكيره بنساء السلف.

والمرأة الجزائرية التي يريدها ابن باديس ليست امرأة تطير بل حرة تلد لنا رجالا يطيرون ويعملون على إحياء الأمة، وتقدمها بين الأمم، ولهذا كان رده قويا على رواد التغريب من المسلمين أمثال: الطاهر الحداد من خلال كتابه:"امرأتنا بين الشريعة والقانون"(75)، إن النهوض بشقنا المعطل، وتأصيل دور المرأة المسلمة، كان قاعدة ثابتة في منهجية البناء والتغيير في فلسفة الإمام عبد الحميد بن باديس.

ولا يكمن فهم الخط الفكري الذي رسمه الأستاذ الإمام لنفسه حول أزمة التخلف الحضاري الشامل للجزائر إلا إذا ربطنا أفكاره الخاصة بعالم المسلمين الذي طرحها في مسائل الوحدة العربية، والخلافة الإسلامية والتضامن الإسلامي،وكذلك جهوده الواضحة في بناء التضامن الوطني والإنساني.

** الإمام عبد الحميد بن باديس والخلافة الإسلامية **

لقد اكتوى الإمام ابن باديس كغيره من رجال الإصلاح بحرقة انفصام عرى الوحدة والتضامن الإسلامي الذي شهدته الأمة الإسلامية منذ سقوط الخلافة عام 1924م وتكالب قوى الاستعمار على البقية الباقية من أقطاره،والتي دخلت هي الأخرى تحت الدائرة المباشرة للاحتلالين الإنجليزي والفرنسي، وهي أقطار بلاد الشام والعراق.

وموضوع الخلافة ونهايتها على يد كمال أتاتورك (قرأه الإمام عبد الحميد بن باديس من زاوية أخرى هي مجال عرضنا في هذا المبحث الأخير ضمن دائرة فهم الإمام لأزمة التخلف عند المسلمين. "وقد أصيب العالم الإسلامي بأقسى محنة في تاريخه الطويل منذ ظهوره وهي سقوط الخلافة الإسلامية ووقف العالم الإسلامي كله مذهولا إزاء هذا الحدث الشنيع الذي رج العالم الإسلامي رجا عنيفا، ولم لا، وقد قطع أوصال الرباط الذي كان يربط المسلمين في شتى البقاع"(76).

وقد عبر أحمد شوقي عن هذا الذهول بقصيدة باكية يقول فيها:

عادت أغاني العرس رجع نـواح ونُعيت بين معالم الأفـــراح

كُفنت في ليل الزفاف بثوبــه ودفنت عند تبلـج الإصبــاح

شيعت من هلع بعبرة ضاحـك في كــل ناحية وسكرة صـاح

ضجت عليك مآذن ومنابــر وبكت عليك ممالك ونـــواح

الهند والهة ومصر حزينـــة تبكي عليك بمـدمع سـجـاح

والشام تسأل والعراق وفـارس أمحا من الأرض الخلافة مـــاح

وقد أجمع الكتاب والساسة في ذلك العصر على نعي الخلافة وتنوعت الأطروحات والمقالات حسب مشارب كتابها، وسأقتصر في بيان مشاركة الجزائريين في هذا الأمر الخطير على مواقف الإمام عبد الحميد بن باديس، من الخلافة، ومن كمال أتاتورك من خلال الآراء السياسية التي عرضها في مقالاته المتعددة في جرائد حرة وجرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأولى انطباعات الإمام جاءت على نفس النسق الفكري الذي يشاطره فيه معظم المصلحين في عصره وعصرنا هذا ونشر هذه الانطباعات تحت عنوان: "الفاجعة الكبرى أو جنايات الكماليين على الإسلام والمسلمين ومروقهم من الدين" مؤرخة في 8 شعبان، ونشرتها جريدة النجاح(77) عدد 152 بتاريخ 28 مارس 1924م فقـال: "إن الإسلام لا يقدس الرجال - وإنما يسير الأعمال- فلئن والينا الكماليين بالأمر جناهم فلأنهم قاموا يذبون عن حمى الخلافة وينتشلون أمة إسلامية عظيمة من مخالب الظالمين وقد سمعناهم يقولون في دستورهم (إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام) ولئن تبرأنا منهم اليوم وعاديناهم فلأنهم تبرأوا من الدين وخلعوا خليفة المسلمين، فكانوا ممن عمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فعمل بعمل أهل النار فكان من الخاسرين، وإنما الأمور بخواتمها والعاقبة للمتقين"، وعلى نفس هذا النسق الفكري والإطلاع الكبير على آراء وأفكار الكماليين والاتحاد والترقي اللادينية يسير ابن باديس في نقده ولخص الإمام جنايات الكماليين على الإسلام والمسلمين في المعالم الآتية:

- الجناية الأولى على الخلافة: الرباط الروحي للأمة الإسلامية.

- الجناية الثانية على الخليفة رغم موالاته للكماليين وهو الناطق الرسمي الذي أعلن الجهاد في الحرب العالمية الأولى كما تبرزه الوثائق ( أنظر الوثائق ).

- الجناية الثالثة: إهانة عائلة الخليفة و طردها نحو ا لغرب.

- الجناية الرابعة على الدين: تعطيل أحكام الإسلام وطرد طلاب العلوم الدينية وغلق المدارس الإسلامية وتشبعهم بإلحاد أوربا.

ثم ثنى الإمام على مقاله السالف بمقال آخر عنوانه: " على مقالنا السابق في جنايات الكماليين ومروقهم " نشر في جريدة النجاح العدد 153 بتاريخ 4 أفريل 1924م، وفيه قراءة تراثية لمنصب الإمامة أو الخلافة، تدل على براعة ابن باديس في توظيف ثقافته الإسلامية وفهمه العميق للسياسة الشرعية، بل وتفوقه في رسم قواعد النظام السياسي الإسلامي الأصيل.وانتقد: " الخلافة الروحية " أي تنزيل منصب الإمامة على منصب البابوية بالغرب المسيحي الكاثوليكي ثم قال: "... وبعد فإن الإسلام دين الحقائق والعلوم لا دين التقاليد والرسوم فلنرفض الأوهام و إن لأمتنا - ولنقبل الحقائق وإن آلمتنا - ولنقل عن علم وإنصاف أن خلافة الكماليين باطلة من أصلها، وأن لا خلافة اليوم، هذا وأن العالم الإسلامي، لا يسكت عن مسألة الخلافة ولا يهمل أمرها، وإن أعظم الرجاء معلق على الأمة العربية أمة كنانة الله، الأمة المصرية العزيزة، مصدر العلم و التهذيب للعالم الإسلامي أيام بؤسها ومصدر الحرية والنهوض، هذه الأيام أيام عزها واستقلالها، وقد حمل البرق نبأ تعلق علماء الأزهر الشريف على عقد مؤتمر إسلامي لهذا الأمر، وأنه يكون في شهر مارس من السنة القابلة - وإن غدا لناظره قريب -ونحن من المنتظرين والله ولي المؤمنين " ولا يمكن فهم آراء الإمام إلا إذا عدنا مرة أخرى لقراءة ما كتب بعد أربعة عشرة سنة خلت من مقالاته السابقة التي يشاطره فيها كل الذين تسكنهم هموم الوحدة الإسلامية وعلى رأسها الرئـاسة العامة لمسلمي الشرق، وهي الخلافة الإسلامية و لا يستقيم الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه إلا إذا عرضت مقالته حول أتاتورك الذي نشره في غرة رمضان 1357 هـ، نوفمبر 1938م. وعنوانه: " مصطفى كمال رحمه الله "، جاء فيه: (78) في السابع عشر من رمضان المعظم ختمت أنفاس أعظم رجل عرفته البشرية في التاريخ الحديث عبقري من أعظم عباقرة الشرق، الذين يطلعون على العالم في مختلف الأحقاب فيحولون مجرى التاريخ و يخلقونه خلقا جديدا ذلك هو مصطفى كمال بطل غاليبولي في الدردنيل، وبطل سقاريا في الأناضول، وباعث تركيا من شبه الموت إلى حيث هي اليوم من الغنى والعز والسمو.

وإذا قلنا بطل غاليبولي فقد قلنا غالب الإنجليز أعظم دولة بحرية الذي هزمها في الحرب الكبرى شر هزيمة لم تعرفها في تاريخها الطويل، وإذا قلنا بطل سقاريا فقد قلنا قاهر الإنجليز وخلفائهم من يونان، وطليان، وفرنسيين بعد الحرب الكبرى ومجليهم عن أرض تركيا، بعد احتلال عاصمتها و التهام أطرافها وشواطئها.

وإذا قلنا باعث تركيا فقد قلنا باعث الشرق الإسلامي كله.

فمنزلة تركيا التي تبوأتها من قلب العالم الإسلامي في قرون عديدة هي منزلتها فلا عجب أن يكون بعثه مرتبطا ببعثها، لقد كانت تركيا قبل الحرب الكبرى هي جبهة صراع الشرق إزاء هجمات الغرب ومرمى قذائف الشره الاستعماري و التعصب النصراني من دول الغرب فلما انتهت الحرب، فخرجت تركيا منها مهمشة مفككة تناولت الدول الغربية أمم الشرق الإسلامي تمتلكها تحت أسماء استعمارية ملطفة واحتلت تركيا نفسها، واحتلت عاصمة الخلافة و أصبح الخليفة طوع يدها، و تحت تصرفها وقال المارشال اللنبي - وقد دخل القدس - (اليوم انتهت الحروب الصليبية) فلو لم يخلق الله المعجزة على يد كمال لذهبت تركيا و ذهب الشرق الإسلامي معها لكن كمالا الذي جمع تلك الفلول المبعثرة، فالتف به إخوانه من أبناء تركيا البررة ونفخ من روحه في أرض أناضول حيث الأرومة التركية الكريمة و غيل ذلك الشعب النبيل وقاوم ذلك الخليفة الأسير و حكومته المتداعية، وشيوخه الدجالين من الداخل، وقهر دول الغرب و في مقدمتها إنكلترا من الخارج - لكن كمالا هذا أوقف الغرب المغير عند حده و كبح من جماحه و كسر من غلوائه، وبعث في الشرق الإسلامي أمله وضرب له المثل العالي في المقاومة والتضحية، فنهض يكافح ويجاهد، فلم يكن مصطفى محي تركيا وحدها، بل محي الشرق الإسلامي كله، وبهذا غير مجرى التاريخ، ووضع للشرق الإسلامي أساس تكوين جديد، فكان بحق كما قلنا - من أعظم عباقرة الشرق العظام الذين أثروا في دين البشرية و دنياها من أقدم عصور التاريخ.

إن الإحاطة بنواحي البحث في شخصية أتاتورك ( أبي الترك ) مما يقصر عنه الباع، و يضيق عنه المجال، ولكني أرى من المناسب أو من الواجب أن أقول كلمة في موقفه إزاء الإسلام. فهذه هي الناحية الوحيدة من نواحي عظمة مصطفى أتاتورك التي ينقبض لها قلب المسلم ويقف متأسفا و يكاد يولي مصطفى في موقفه هذا الملامة كلها حتى يعرف المسؤولين الحقيقيين الذين أوقفوا مصطفى ذلك الموقف، فمن هم هؤلاء المسؤولون ؟. . .

المسؤولون الذين كانوا يمثلون الإسلام وينطقون باسمه، ويتولون أمر الناس بمفرده ويعدون أنفسهم أهله وأولى الناس به.

هؤلاء هم خليفة المسلمين شيخ إسلام المسلمين ومن معه من علماء الدين، شيوخ الطرق الصوفية والأمم الإسلامية التي كانت تعد السلطان العثماني خليفة لها.

أما خليفة المسلمين فيجلس في قصره تحت سلطة الإنجليز المحتلين لعاصمته ساكتا ساكنا مستغفرا لله، بل متحركا في يدهم تحرك الآلة لقتل حركة المجاهدين بالأناضول، ناطقا بإعلان الجهاد ضد مصطفى كمال ومن معه الخارجين عن طاعة أمير المؤمنين.

وأما شيخ الإسلام وعلماؤه فيكتبون للخليفة منشورا يمضيه باسمه ويوزعه على الناس بإذنه وتلقيه الطائرات اليونانية على القرى برضاه، ويبيح دم مصطفى كمال ويعلن خيانته ويضمن السعادة لمن يقتله.

وأما شيوخ الطرق الضالون وأتباعهم المنومون فقد كانوا أعوانا للإنجليز وللخليفة الواقع تحت قبضتهم يوزعون ذلك المنشور، ويثيرون الناس ضد المجاهدين.

وأما الأمم الإسلامية التي كانت تعد السلطان العثماني خليفة لها فمنها - إلا قليلا - من كانوا في بيعته فانتفضوا عليه ثم كانوا في صف أعدائهم وأعدائه ومنها من جاءت من مستعبديها حاملة السلاح على المسلمين شاهرة له في وجه خليفتهم.

فأين هوا لإسلام في هذه (الكليتيات)* كلها ؟، و أين يبصره مصطفى الثائر المحارب والمجاهد الموتور بها ؟

لقد ثار مصطفى كمال حقيقة ثورة جامحة و لكنه لم يثر على الإسلام و إنما على هؤلاء الذين يسمون بالمسلمين، فألغى الخلافة الزائفة وقطع يد أولئك العلماء عن الحكم فرفض مجلة الأحكام واقتلع شجرة زقوم الطرقية من جذورها، وقال للأمم الإسلامية عليكم أنفسكم، وعلي نفسي،لا خير لي في الاتصال بكم مادمتم على ما أنتم عليه.

فكونوا أنفسكم ثم تعالوا نتعاهد ونتعاون كما نتعاهد وتتعاون الأمم ذوات السيادة والسلطان.

أما الإسلام فقد ترجم القرآن لأمته التركية بلغتها لتأخذ الإسلام من معدنه أو تستقيه من نبعه، ومكنها من إقامة شعائره فكانت مظاهر الإسلام في مساجده ومواسمه تتزايد في الظهور عاما بعد عام حتى كان المظهر الإسلامي العظيم يوم دفنه والصلاة عليه تغمده الله برحمته؛لسنا نبرر صنيعه من رفض مجلة الأحكام، ولكننا نريد أن نذكر الناس أن تلك المجلة المبنية على مشهور و راجح مذهب الحنفية ما كانت تسع حاجة أمة من الأمم؛ في كل عصر؛ لأن الذي يسع البشرية كلها في جميع عصورها هو الإسلام بجميع مذاهبه، لا مذهب واحد أو جملة مذاهب محصورة كائنا ما كان، وكائنه ما كانت أو نريد أن يذكر الناس أيضا أن أولئك العلماء الجامدين ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا غير ما عرفوه من صغرهم من مذهبهم، وما كانت حواصلهم الضيقة لتتسع أكثر من ذلك، كما يجب أن يذكروا أن مصر، بلد الأزهر الشريف مازالت إلى اليوم الأحكام الشرعية - غير الشخصية - معطلة فيها، ومازال ( كود) نابليون مصدر أحكامها إلى اليوم، ومازال الانتفاع بالمذاهب الإسلامية في القضاء - غير المذهب الحنفي - مهجورا كذلك إلا قليلا جدا.

نعم إن مصطفى أتاتورك نزع عن الأتراك الأحكام الشرعية ليس مسؤولا في ذلك وحده، وفي إمكانهم أن يسترجعوها متى شاءوا و كيفما شاءوا، و لكنه رجع لهم حريتهم واستقلالهم وسيادتهم وعظمتهم بين أمم الأرض، وذلك ما لا يسهل استرجاعه لو ضاع، وهو وحده كان مبعثه ومصدره، ثم إخوانه المخلصون، فأما الذين رفضوا الأحكام الشرعية إلى (كود ) نابليون فماذا أعطوا أمتهم ؟ و ماذا قال علماؤهم ؟

فرحم الله مصطفى و رجح ميزان حسناته في الموازين و تقبل إحسانه في المحسنين.

وإلى الأمة التركية الشقيقة الكريمة الماجدة، التي لنا فيها حفدة و أخوال، والتي تربطنا بها أواصر الدين والدم والتاريخ والجوار، والتي تذكر الجزائر أيامها بالجميل أو ترى شخصها دائما ماثلا فيما تركت لها من مساجد ومعاهد للدين الشريف أو الشرع الجليل، إلى تركيا العزيزة نرفع تعازي الجزائر كلها مشاركين لهافي مصابها راجين لها الخلف الصالح من أبنائها و مزيد التقدم في حاضرها ومستقبلها.

وإلى هذا فنحن نهيبها برئيس جمهوريتها الجديد عصمت إينونو، بطل (إينونو) ومؤتمر لوزان و ثني مصطفى كمال، وإن في إجماعها على انتخابه دليلا على ما بلغته تركيا الكريمة من الرشد في الحياة الذي تبلغ به - إن شاء الله - من السعادة والكمال، ما يناسب مجدها القدموس وتاريخها الحافل بأعاظم الرجال، وجلائل الأعمال. انتهى مقال الإمام ابن باديس. أ.هـ.

إن الأسلوب الذي عرض به الإمام عبد الحميد بن باديس آراءه في شخصية بارزة في العالم الإسلامي أثارت جدلا كبيرا بين تيارات الفكر الإسلامي والوطني هي الدعامة الأولى التي تركتني أعرض المقال بتمامه.

وثانيا لأن هذا المقال شهادة من شخصية نزيهة مطلعة على أفكار وآراء العالم الإسلامي، وهي جديرة في عصره أن تثير الأحاسيس والآلام، ولأن عرض كل المقال فرصة لصاحبه أن يكون في الصورة الكاملة، لما سأعرضه من آراء مخالفة وأفكار مناقضة لما ذهب إليه في تمجيد شخصية " كمال أتاتورك "، بعد رحيله من هذا العالم، وما ترك من آثار في بلاده أولا، ومن صدى في العالم الإسلامي كله وهذا بإلغائه للخلافة في 3 مارس 1924م.

ونستطيع بعد هذا العرض أن نحدد مجموعة من المحاور الكبرى التي تطرق إليها مقال الأستاذ الإمام وهي:

- مصطفى كمال أتاتورك عبقري من أعظم عباقرة الشرق.

- مسؤولية علماء العصر أكبر فيما حدث بإلغاء الخلافة من كمال أتاتورك.

- فساد الخلافة الإسلامية في عهد السلطان محمد رشاد و تبعيته للغرب.

- فساد رجال الطرق الصوفية، وهوانهم و تبعيتهم للإنجليز.

- إن الانقلاب الكمالي على رمز الخلافة مسألة طبيعية لأن جوهر الخلافة قد زال منذ مدة طويلة فما إلغاء الخلافة في مارس 1924م إلا صورة هينة لإلغاء صورة ميتة.

- أطماع ملك مصر وزعماء العرب في رمز الخلافة يدل دلالة واضحة على أنهم في غير مستوى الوعي السياسي المطلوب في قواعد وأصول النظام السياسي المعروف في الحكومة الإسلامية.

- لقد ألغى مصطفى كمال مجلة الأحكام الشرعية في تركيا لأنها اقتصرت على مشهور مذهب الحنـفية فقط، والذي يسع الناس هو الإسلام بمذاهبه.

- حرية الأتراك بعد إلغاء مجلة الأحكام الشرعية في العودة متى شاءوا وكيفما شاءوا في إعادة هذه الأحكام من جديد.

- تفاؤل الإمام ابن باديس بالرئيس الذي خلف كمال أتاتورك ومدى قيامه بنفس العمل الذي سار عليه سابقه ورفيقه في الكفاح العسكري والسياسي.

هذه مجمل أفكار الإمام ابن باديس في هذا المقال البليغ والذي سنحاول تقييمه من خلال ما تمكنا من قراءة الوثائق المعاصرة للحدث.إن هذه الآراء التي أطلقها الإمام ابن باديس في حق كمال أتاتورك جديرة بعرض الآراء المخالفة لها حتى تستقيم الصورة، فإذا كان الإمام قد وصف أتاتورك جديرة بعرض الآراء المخالفة لها حتى تستقيم الصورة، فإذا كان الإمام قد وصف أتاتورك بأنه من أعظم عباقرة الشرق فهذه المسألة فيها نظر لأن الأحداث والوثائق تنبئ عكس ما وصف به أتاتورك.

فالذين عاصروا هذا الرجل تحدثوا عن سيرته و نشأته، فقد شككوا في نسبته إلى أرومة تركية، بل هو نفسه قد صرح لصديقه الدكتور رضا نور(79) الذي تعاون معه مدة حياته، بأن مصطفى كان يقول إنه " سلافي " وقد كان يشرب الخمر كثيرا حتى أصيب بالتلف الكبدي في آخر حياته كما كان يلهو بالنساء كثيرا وقد بلغ درك في الفحش لم يطاوله فيها أحد ومغامراته النسائية كما تبرز الوثائق جد لصيقة به، وما علاقته المشبوهة مع " خالدة أديب " الكاتبة التركية الشهيرة، وحدها تقوم مقام الشاهد على فساد كمال أتاتورك الأخلاقي وهي من المسائل الهامة التي لا تليق بأعظم شخصية في الشرق (80) كما وصفه الإمام ابن باديس، وقد يرد ابن باديس على هذه التهم كلها فيقول: بأن هذه التهم كلها جاءت بها قريحة خصومه من الشرق والغرب.

كما تميزت الأعوام التي أمضاها في الحكم كرئيس للجمهورية بسلسلة من أحط أنواع الغصب والسرقة واستغلال النفوذ وقتل الخصوم، وقد وصفه مصطفى صادق الرافعي بالدكتاتور الذي لم يكن يحتمل أي نقد ولو من أقرب المقربين إليه،وهذه الصفة التي أصبح عليها كمال أتاتورك هي نتيجة طبيعية لما قام به اتجاه خصومه من المعارضين بما فيهم أعضاء الاتحاد والترقي، كما سحق كل الطرق الصوفية وعلى رأسها زعماء وشيوخ وأتباع الطريقة النقشبندية.وما مأساة العالم الرباني "بديع الزمان سعيد النورسي " إلا شاهد عيان على إرهاب دولة كمال أتاتورك وفظاعة تعاملها مع رجال الفكر الإسلامي النزهاء المخلصين كما أن نهاية شيخ الإسلام "مصطفى صبري " دعامة ثانية على عدم نزاهة هذا الحكم الجديد والذين جاءوا من بعده لحكم الجمهورية التركية العلمانية المعادية لكل ما يصدر عن النزهاء المخلصين من رجالات الإصلاح السياسي والاجتماعي، والحكام الذين جاءوا من بعده مثلوا القشرة العفنة في الكيان الإسلامي التركي المهزوز على مر العقود الستة.

وإن لا أوافق أخيرا الإمام ابن باديس رحمة الله عليه في وصف كمال بما وصفه فأقول: إن كمال أتاتورك هو صناعة بريطانية محكمة (81) ليقوم بنفسه وباسم الأمة التركية وبرلمانها المنتخب بإلغاء الخلافة الإسلامية - الشعرة البسيطة التي تجمع الشعور العاطفي والسياج السياسي الذي يجمع الأمة الإسلامية مهما قضم الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، والهولاندي أطرافها. إن القضاء على الدولة العثمانية وتقسيم أملاكها بين الدول الاستعمارية كان الهدف الذي سارت فيه السياسة الدولية آنذاك، وقد أشار الإمام ابن باديس إلى هذا الأمر ببيان ووصف دقيق لا يحتاج إلى مجلدات لتبيانه، وحتى ندرك خطورة السلطنة أو الخلافة العثمانية، نقول إن الوثائق التاريخية المعاصرة للأحداث تنبئ عن مؤامرة يهودية كانت وراء الأحداث التي عرفتها الخلافة الإسلامية في العقود الأربعة التي سبق إلغاء مصطفى كمال لها من الخارطة السياسية والروحية للأمة الإسلامية.

لأن الوفاق الصهيوني، الدولي، والمحلي لخلع السلطان عبد الحميد الثاني آخر الخلفاء الذين وقفوا في وجه العلمانيين من حزب وجماعة الاتحاد والترقي، وشباب تركيا الذين درسوا في الغرب وكذلك وقوفه الصلب في وجه أطماع اليهود في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كذلك الوقوف بحزم أمام ثورات الأقليات في الأقاليم العثمانية، والتي تحركها أصابع السياسة البريطانية في المنطقة كلها، كانت وراء الصيحات التي انطلقت معارضة حكم السلطان عبد الحميد الثاني سواء من الأتراك أو من باقي القوميات المختلفة، وهذه كلها لعبت دورا فاعلا في مساعدة الدول الأوربية والحركة الصهيونية لاستغلال هذه لمعارضة، والاستفادة منها (82).

وتؤكد "الموسوعة اليهودية " بأن السلطان عبد الحميد الثاني عامل يهود الدولة العثمانية معاملة طيبة، ومع ذلك كان دور اليهود في ثورة 1908م وخلع السلطان في عام 1909م واضحة المعالم بعد نشر الوثائق المعاصرة للأحداث.

والمعلومات التي بين أيدينا تبين أن جمعية الاتحاد والترقي غير تركية وغير إسلامية، كما أكدت الأحداث المعاصرة عظم نفوذ اليهود وكثرتهم الغالبة في هذه الحركة، و أبرزت الأحداث مدى المهانة التي ألحقت هذه العناصر بالسلطان المظلوم عبد الحميد الثاني، لسبب واحد أنه رفض مغريات اليهود، وفي نظر غالبية المؤرخين بعيدا عن العواطف الجياشة أن الخلافة الإسلامية قد تم إهانتها وإلغاؤها في عام 1909م(83)، وليس في مارس 1924م، ونترك السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله يبث شكواه إلى زعيمه الروحي أبي الشامات في دمشق، يؤكد فيها أن سبب خلعه عن العرش إنما لرفضه الموافقة على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين "... بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم، وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآنية كأمانة في ذمة التاريخ: إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية، لسبب ما سوى أنني - بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم "جون تورك " وتهديدهم - اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية، إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة - فلسطين - ورغم إصرارهم، وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية. أيضا وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي: إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فضلا عن مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهبا فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الإسلامية، والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة، فلن أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضا.

وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي و أبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سلا************، فقبلت بهذا التكليف الأخير، هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة " فلسطين "(84). هذه شهادة مؤلمة، ولا ينسى تاريخ الإسلام والمسلمين الطريقة التي خلع بها السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، فهي قمة الإهانة والاستهانة برمز المسلمين في عصرهم، وأنه بعد الخلع هللت الصحف اليهودية في سلا************ للتخلص من " مضطهد إسرائيل " على حد قول لوثر (85) في رسالته إلى غراي(86) بتاريخ 29 ماي 1910م.

والجدير بالذكر أن بعض كبار زعماء المسيحيين السياسيين و الروحيين في لبنان لم رحبوا كثيرا بعزل السلطان عبد الحميد الثاني، بل أن البطريك الماروني " إلياس الحوبك " أوضح قائلا: لقد عاش لبنان وعاشت طائفتنا المارونية بألف خير وطمأنينة في عهد عبد الحميد الثاني، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام من بعده "(87).

ومذكرات عبد الحميد الثاني (88) حافلة بالشواهد الدامغة التي أثبتت صحتها الوثائق المعاصرة المنشورة على المؤامرة الدولية اليهودية و سقوط زعماء الاتحاد والترقي في هذا الخطأ القاتل الذي اعترفوا به ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن سلخوا تركيا من عمقها الشرقي، وعزلوها من مكانتها وريادتها للعالم الإسلامي طيلة أربعة قرون من الزمن الحافل، بالأمجاد والجهاد، وفي زمن الردة والمد الشعوبي القوي، وفي زمن "الهرولة إلى بني صهيون "(89).

هان الإسلام وهانت أمته المجيدة، فهل غابت كل هذه الوثائق والمعلومات رغم أن العلامة الأستاذ رشيد رضا في حياة الإمام عبد الحميد بن باديس قد دبج المقالات الكثيرة التي نبه فيها الرأي العام الإسلامي إلى المخاطر التي تحدق بالأمة في العقد الرابع من القرن العشرين، ومع ذلك خالف الإمام عبد الحميد بن باديس كل معاصريه في موقفهم من" كمال أتاتورك "، وكذلك من خلال موقفه من الانقلاب السياسي الذي عرفته تركيا في عصره، وحتى ننصف الرجل أقول ، إن الدعاية التي صنعت البطل " كمال أتاتورك " قد فعلت فعلتها لأنها تدرك أن ضرب رأس الحية يكمن في ضرب تركيا رمز الإسلام التاريخي، ورمز قوة الإسلام في منطقة الأناضول، كما أن منطلق ابن باديس في موقفه من كمال أتاتورك، تعود حسب اعتقادي إلى موقف ابن باديس من تفسيره الخاص للتضامن الإسلامي ونظريته الخاصة حول السياسية في الإسلام والتي تطرق إليها من خلال تصوره للحكومة الإسلامية في مقال له تحت عنوان " الخلافة أم جماعة المسلمين "(90) قال فيه: " إن الخلافة هي المنصب الإسلامي الأعلى الذي يقوم على تنفيذ الشرع وحياطته بواسطة الشورى من أهل الحل والعقد من ذوي العلم والخبرة والنظر وبالقوة من الجنود والقواد وسائر وسائل الدفاع.

ولقد أمكن أن يتولى هذا المنصب شخص واحد صدر الإسلام وزمنا بعده - على فرقة واضطراب - ثم قضت الضرورة بتعدده في الشرق والغرب، ثم انسلخ عن معناه الأصلي، وبقي رمزا ظاهريا تقديسا ليس من أوضاع الإسلام في شيء. فيوم ألغى الأتراك الخلافة - ولسنا نبرر كل أعمالهم - لم يلغوا الخلافة الإسلامية بمعناها الإسلامي، وإنما ألغوا نظاما حكوميا خاصا بهم، وأزالوا رمزا خياليا فتن به المسلمون لغير جدوى ،وحاربتهم من أجله الدول الغربية المتعصبة للنصرانية والمتخوفة من شبح الإسلام.

علمت الدول الغربية المستعمرة فتنة المسلمين باسم خليفة، فأرادت أن تستغل ذلك مرات عديدة، أصيبت فيها كلها بالفشل، كفى غرورا وانخداعا.

إن الأمم الإسلامية اليوم - حتى المستعبدة منها - أصبحت لا تخدعها التهاويل، ولو جاءتها من تحت الجبب والعمائم (. . . ) نعم ليس - والحمد لله - في الإسلام بعد محمد صلى الله عليه و آله وسلم شخص مقدس الذات، والقول تدعى له العصمة، ويعتبر قوله تنزيلا من حكيم حميد، ولكن لنا جماعة المسلمين، وهم أهل العلم والخبرة، الذين ينظرون في مصالح المسلمين من الناحية الدينية والأدبية ويصدرون عن تشاور ما فيه خير أنفسها بعيدة كل البعد عن السياسة وتدخل، الحكومات الإسلامية ولا غيرها.

لقد كنت كاتبت صاحب الفضيلة شيخ الأزهر الشريف بهذا، ولكنني لم أتلق منه جوابا، وعرفت السبب يوم بلغنا أن إخواننا الأزهريين هتفوا يوما بالخلافة لملك مصر "السابق "، وسيرى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر، أن خيال الخلافة لن يتحقق، وأن المسلمين سينتهون يوما ما - إن شاء الله - إلى هذا الرأيً.

لقد كانت غاية عبد الحميد بن باديس الكبرى ، التجديد في معرفة قواعد الحكم الإسلامي بنظرة أكثر واقعية، وقد حدد أصول الولاية في الإسلام من خلال قاعدة جوهرية، هي خطبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه والتي جاء فيها:" أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، و أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ".

وقد قسم عبد الحميد بن باديس هذه الجواهر الثمينة في بناء الحكومة الإسلامية إلى ثلاثة عشرة جوهرة هي الأصول والقواعد المعتمدة (91) في النظام الإسلامي الشوري الذي شرحه ابن باديس شرحا رائعا.

هذه هي المنطلقات التي أحسب أن الأستاذ عبد الحميد بن باديس قد انطلق منها في تحليل منصب الخلافة الإسلامية في عصر السلطنة العثمانية، وأحسبه قد توافق في تصوره لمسألة الخلافة في كثير من النقاط مع الأستاذ الشيخ الأزهري علي عبد الرازق صاحب الكتاب المشهور في عصره " الإسلام و أصول الحكم " (92)، وهذا رغم وضوح الفكر السياسي الإسلامي عند ابن باديس وغموضه عند الشيخ علي عبد الرازق إضافة إلى ملابسات العصر التي شوهت صورة الشيخ الأزهري وعمق الفكرة ونضجها لدى الإمام ابن باديس الجزائري، الذي يتبين لي من خلال آثاره ونظراته للولاية في الإسلام أنه: " ذو تفكير أصيل قلما تميز به معاصروه من الإصلاحيين ".

كان العثمانيون يعتبرون ماضيهم يتطابق مع ماضي الإسلام وهي ظاهرة عادية إجمالا، إلا أن الكماليين لم يكتفوا بإنجازات عسكرية ودبلوماسية لإزالة عار عام 1919م.

فاعتقدوا أنه من الضروري إنشاء تركيا لا علاقة لها بالإمبراطورية العثمانية وبماضيها الإسلامي، وقد كان الأتراك عام 1931م يقيمون خطا فاصلا مع ماضيهم الإسلامي، ويكتشفون لأنفسهم مجددا هوية آسيوية، وتبدو الكتابات المدرسية في عصر كمال أتاتورك بصورتها العلمانية المعادية للإسلام والمحرفة لأخباره والمعادية للعرب والموسوعة المدرسية (93) لإصلاح التاريخ التركي لو وقعت بين يدي الإمام عبد الحميد ابن باديس لكفته حتى يغير موقفه من " أعظم رجال الشرق " كما نعته وعلل تعليله بكثير من البلاغة التي لا يستحقها هذا "الرجل الصنم " الذي قطع الجسور الممتدة بين الأرومتين العربية والتركية، ولا تزال إلى اليوم أطروحات الكتابات التاريخية التركية معادية للعرب بارزة للعيان رغم مرور العقود الكثيرة على هذا الانقطاع الخطير الذي أصاب الأمة في العمق.

أما بقية الآراء والأفكار التي جاد بها يراع الإمام ابن باديس حول زعماء العرب ورجال الأزهر وحكومة مصر الطرقية فلن أعلق عليها لأن الرجل من الثائرين في عصره على الظلمة وأصحاب البدع وأحلافهم من الطرقيين والقبوريين وهي ركن الزاوية التي تقوم عليها ثورة ا لإمام في الجزائر في الثلاثينيات.

وخلاصة القول: إن الإمام عبد الحميد بن باديس المسلم الثائر والرجل القرآني شخصية ملتزمة بخطها الفكري، وهو مصلح، صاحب نظرة مستقبلية تنبئ عن إخلاصه لدينه وعروبته، وجزائريته وانتمائه إلى أمة شريفة تعيش في عصره السقوط الحضاري، والغزو الفكري، والاستلاب الطرقي والتخلف الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وهو ذلك الرجل الذي مد الجسور ومتن الحبال التي ربطت بين جيل عصر الإصلاح والتنوير، وجيل النصر والتمكين ولكن بعد استقلال بلاده الجزائر كعبة المجاهدين قطعت الحبال ونسفت الجسور (94). فهل نقدر في هذا الزمن الرديء أن ننصف الرجل، ونقرأ دوره العلمي في بناء هذه الأمة، أم علينا أن نسكت، سكوت الجبناء عبيد الدرهم والدينار، الذين ركنوا إلى الأرض، واستسلموا للعبودية، أين نحن من أشواق ابن باديس للحرية، وأين نحن من هذا الرجل الرسالي وقضايا العرب والمسلمين؟

لقد كان الإمام عبد الحميد بن باديس أمة تجلت في شخص الإمام فتحدث عن آلامها وآمالها وعبر عن مأساة فلسطين ونبه الأمة إلى الخطر الصهيوني المتربص بالأقصى، وناضل من أجل التضامن الإسلامي ووحدة العرب، ونافح بقلمه عن القضايا العادلة في العالم، ورد على تخرصات المستشرقين وغلاة المستوطنين الاستعماريين المتعصبين فهل أنصفنا الرجل الذي التزم بالآية القرآنية:{ إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }(95).فرحمة الله عليك أيها الإمام في الخالدين واجتباك الله إلى جانبه مع الصالحين.





**الإحالات**



(1)- أرسل الداي شعبان رسالة إلى لويس الرابع عشر، مؤرخة في الفاتح من سبتمبر 1694م، جاء فيها: "إن السلطان العثماني، يعتمد في الحفاظ على إمبراطوريته، علىأيالة الجزائر وأسطولها البحري ".وقد كان الداي شعبان من الحكام الأقوياء في الدولة الجزائرية الحديثة وقد عاصر من الجهة الغربي مولاي اسماعيل الذي كان من حكام القرن السابع عشر الأقوياء.

أنظر: Belhamissi M MARINE ET MARINS D,ALGER (1518-1830)

TOME II (FACE A L,EUROPE) BNA. ALGER 1996 PP13-14.

(2) -بسام( العسلي )، الأمير خالد الهاشمي الجزائري (انطلاقة الاستعمار من الجزائر إلى العالم الإسلامي) ، دار النفائس بيروت:1984.ص: 15.

(3) -عبد الكريم ( بو الصفصاف )، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلاقتها بالحركات الجزائرية الأخرى -1931-1945 ( دراسة تاريخية وإيديولوجية مقارنة)، منشورات المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر 1996: ص: 168 وما بعدها.

(4) - مالك ( بن نبي ) الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، دار الفكر ( د ت ) ص 16 / مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، الطبعة الخامسة، دار الفكر دمشق 1986 ص 47، مالك بن نبي، شروط النهضة، دار الفكر المعاصر، لبنان، دار الفكر المعاصر، لبنان، دار الفكر دمشق (طبعة مصورة)، 1993، ص:25 وما بعدها.

(5) -د / محمد عبد الباقي ( الهرماسي )، المجتمع والدولة في المغرب العربي، مركز الدراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان: 1987م: ص:642.

د/ أبو القاسم( سعد الله )، مدارس الثقافة العربية في المغرب العربي - 1830 - 1954. دراسة مركزة على الجزائر ( أفكار جامحة )، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1986، ص:89 وما بعدها، د/ يوسف مناصرية ، الاتجاه الثوري في الحركة الوطنية الجزائرية بين الحربـين العالمتين (1919 - 1939)، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1988م: ص: 35.

Burhan Ghalioun , Le Malaise Arabe ( Etat contre Nation ) collection , SAD , ENAG ALGER.1991. p 16

(6) -محمد ( المبارك )، مقدمة وجهة العالم الإسلامي لمالك بن نبي ص:9 - 10.

انظر كيف كانت الحكومة العامة تزور التاريخ من خلال ردها على عريضة المناضل المغفور له الشاذلي المكي أحد رواد تنظيم مظاهرات الثامن ماي 1945م وهو من القاهرة يفضح الاستعمار الفرنسي في الجزائر.

Gouverneur général de l’Algérie,service d’information et de documentation-réponse au factum de MEKKI CHADLI sur la question Algérienne (document d’archives 80 pages Algérie 1951) p:3

انظر أيضًا محمد الأمين بلغيث؛ الجزائر ومؤتمر باندونغ حقائق ووثائق(مخطوط تحت الطبع).

(7)-الإمام ابن باديس شخصية محورية في الحركة الإصلاحية، وأحد الرواد الكبار في نهضة الجزائر الحديثة، ومع هذا فإنه لم يحظ بدراسات وافية تنفي عنه غبار الوهم، الذي شوه صورته النظرة "بفعل فاعل "، ومن الدراسات المؤسسة للكتابة حول هذا الموضوع، كتابي الأستاذ: علي مراد، من جامعة السوربون الجديدة، "ابن باديس مفسر القرآن" و"الحركة الإصلاحية الجزائرية"، أنظر كذلك :

Luc Willy Deheuvels, Islam et pensée contemporaine en Algérie éditions du CNRS PARIS 1994.

أنظر أيضًا:A.O.M. 8 H 61. Aix -en- Provence -deux Tomes, Tome I-6 Brochures concernants (La vie politique, sociale, économique culturel de l’Algérie), Tome II les partis politiques et association des Oulémas

أ/ محمد الأمين (بلغيث)، الصراع الفكري في الجزائر المستقلة، من خلال مجلة الأصالة، (1971-1981)، ملتقى مولود قاسم، الأوراس باتنة أفريل 1996م.ص:3. مازن صالح
(مطبقاني)، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و دورها في الحركة الوطنية الجزائرية 1931 - 1939 رسالة ماجستير جامعة الملك عبد العزيز، قسم التاريخ العربية السعودية 1985.

(8)-خير الدين التونسي ( 1822 - 1889 ) شخصية تونسية، تنتمي إلى النخبة العثمانية التي تبنت الإصلاحات الإدارية و السياسية و العسكرية على النمط الأوروبي والمعروف أن التجارب النهضوية والتنموية التي تبنتها النخبة السياسية في القرن 19م في مصر: محمد علي باشا، وفي تونس عهد أحمد باي، قد فشلت، فشلا ذريعا، وهذا يعود إلى تقليد الغرب، و عدم فهم الأزمة الحقيقية التي هزت كيان الإنسان المسلم في عصرهم، وحول هذه الإشكالية راجع: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، لخير الدين التونسي، تحقيق: منصف الشنوف، الدار التونسية للنشر، تونس 1972 ( مقدمة الناشر ).ساطع ( الحصري)، الكتابة ا لسياسية عند خير الدين التونسي( الأنتلجنسيا في المغرب العربي )- مجموعة أعمال بإشراف د/ عبد القادر جغلول، دار الحداثة بيروت 1984م ص.ص 85، 103، سمير (أمين)، الأمة العربية، موفم للنشر- الجزائر 1990 ص 52 وما بعدها.

(9) - فهمي ( جدعان ) أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت 1981م ص:387.

(10) - فادي ( إسماعيل)، الخطاب العربي المعاصر، ( قراءة في مفاهيم النهضة والتقدم والحداثة ) (1978-1987 )، المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن - سلسلة الرسائل الجامعية رقم 3 - أمريكا 1981م ص:95.

(11)- أنظر Djilali (SARI),Le désastre démographique, SNED ALGER 1982

JURQUET,jacquess, la révolution nationale algérienne et le parti communiste français (tome1)(1847-1920)éditons du centenaire2eme éditions Paris 1979.P:20 et suivante

(12) - د/ أبو القاسم ( سعد الله )، الحركة الوطنية الجزائرية، ( 1830-1900)، الجزء الأول، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1992م ص: 79.

محمد الطيب ( العلوي )، مظاهر المقاومة الجزائرية ( 1830- 1954 ) منشورات المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر، ص 75 و ما بعدها.

(13) - محمد الخضر ( حسين )، الدعوة إلى الإصلاح، المطبعة السلفية القاهرة 1346 هـ ص 36. BARAKA and Bureaucracy , ( Algerian muslim judges and the colonial state ( 1854 - 1892) by Allan chrestelow P.H.D(History) university of Michigan - 1977(456 p) pp: 1 , 333, 334 , 340- 348

(14) -يمكن معرفة أوضاع التعليم وسياسية فرنسا التعليمية من خلال الوثائق الآتية:

A.O.M. Aix - en - Provence Mémoire sur l’enseignement des indigènes en Algérie (((Rapport de 13 pages ,))

la formation des Algériens à l’université d,el Azhar, lettre du 2- 12- 1916

- Bendrissou ( salah ) , Institut « AL HAYAT « 1925 -1962 ( un exemple d’école réformiste Ibadite au M’zab , Point de repère sur le projet de mémoire,deD.E.A(Paris 50pages)

د/ تركي رابح، الشيخ عبد الحميد بن باديس - فلسفته وجهوده في التربية و التعليم، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الطبعة الثانية الجزائر. د/ عبد الله ( حمادي )، الحركة الطلابية الجزائرية ( 1871 - 1962 )، مشارب ثقافية و إيديولوجية، الطبعة الثانية، منشورات المتحف الوطني للمجاهد الجزائر، 1995: ص 10 وما بعدها.

د/ عمار هلال ، التعليم الرسمي في الجزائر خلال العهد الاستعماري الفرنسي 1850 - 1962( أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة (1830-1962 )، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1995: ص.ص 104 - 146 ).

د/ أبو القاسم سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية 1900 - 1930 - الجزء الثاني، دارالغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الرابعة 1992 ص 62 وما بعدها. محمد الأمين (بلغيث )، الطلبة الجزائريون بجامع الأزهر وعيون المخابرات الفرنسية بين الحربين من خلال وثائق جديدة
(مجلة الموافقات ) المعهد الوطني العالي لأصول الدين، العدد الرابع الجزائر جوان 1995. ص.ص ( 364 - 378).

Guy ( Pervillé ) , Les étudiants Algériens de l’université Française - 1880 - 1962 populisme et Nationalisme chez les étudiants et intellectuels musulmans Algériens de formation française préface de Charles Robert Ageron édition du ( C N R S ) PARIS 1984 p 75.

(15) - د/عبد الله حمادي، الحركة الطلابية الجزائرية، ص 10.

(16) - عمار أوزقان زعيم الحزب الشيوعي الجزائري في مرحلة حساسة من تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، فضح أساليب فرنسا وعملائها في كتابه: الجهاد الأفضل.

(17) - أنظر حول سياسة فرنسا التبشيرية بالجزائر الوثائق الآتية:

- Aperçu sur L’Islam Moderne , évolution de nos territoires sous mandat de levant et de nos possessions musulmanes de l’Afrique du Nord depuis 1939. ( Très secret ) , Etat Major Avril 1944.

Aly El Hammamy,Idris(Roman) préface en langue Arabe de l’emir Abdelkrim préface en langue française de cheikh Bouamrane,Alger, S.N.E.D.1976

Charnay ( Jean Paul ) La vie musulmane en Algérie d’après la jurisprudence de la première moitié du XX siécle P.U.F Paris 1991 PP207-251).

-Charny , ( J-p) sociologie religieuse de l’Islam , Hachette PARIS 1994.

(18) - جلال ( العالم )، قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله: ص 33.

(19) - أبو الحسن ( الندوي )، ( بين الصورة والحقيقة ) مقالة ضمن كتاب: إلى الإسلام من جديد، طبعة القاهرة - نقلا عن د/ عبد الحليم عويس، الحضارة الإسلامية بين أسباب الجمود و عوامل النهضة ( كتاب الأصالة )، محاضرات الملتقى الثالث عشر للفكر الإسلامي، تمنغست 07/06 شوال 1399 هـ / 30 أغسطس - 08 سبتمبر 1979م - الجزء الثاني، منشورات وزارة الشؤون الدينية، الجزائر 1995 ص 264.

ولن أترك هذا الهامش دون أن أذكر ما كانت الأدبيات الاستعمارية تصف به الإنسان العربي أو القبائلي أو المسلم ،ولمن أن يعرف حقيقة فرنسا الاستعمارية و الأسلوب المنحط الذي كانت تصف به الجزائريين من خلال أدب الأقدام السوداء العنصري المنحط .أنظر:الدكتور أبو القاسم سعد الله "الإستعمار والثقافة الشعبية في الجزائر" وهو عمل مترجم "(أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ، بيروت ، دار الغرب الإسلامي 1996م ص ص47-98.

(20) - لقد عبر الشيخ عبد الحليم بن سماية يوم 25 جويلية 1911م عن رفضه التام لقانون التجنيد الإجباري للجزائريين، والذي كان قد طرح قبل هذا التاريخ ( أي عام 1907 ) ثم تطورت الظروف لغير صالح الجزائريين، فكانت النخبة الجزائرية المتفرنجة قد عبرت عن مساندتها للمبدأ ولكن معظم شرائح المجتمع قد عبرت عن مواقفها المختلفة بالتمرد أو الثورة
أو الالتحاق بالجبال أو الهجرة إلى المغرب أو المشرق: "ويمكن أن ننوه بأن قانون التجنيد كان محكا فكريا وعمليا وكان سببا في تصريحات متناقضة ، فالمثقفون بالفرنسية والنواب والأعيان الذين كانوا يلقبون بالشبيبة الجزائرية قد قبلوا قانون التجنيد مقابل بعض الإصلاحات (طلب المساواة وخاصة التمثيل البرلماني) وأما النخبة التقليدية والإصلاحية والمتنورة من رجال الصحافة فكان رائدهم الشيخ عبد الحليم بن سماية حيث صرح أمام المجلس البلدي ورئيسه حينما طلب منه أن يتكلم بالنيابة عن المسلمين :"فتقدم واستدل بآيات قرآنية على أن المسلمين إذا أدوا الخدمة العسكرية للدولة الفرنسية لا يكونون مسلمين بجميع معاني الكلمة ، ولا نالوا من الحرية ما يخول نبغاءهم التربع في دست رئاسة الجمهورية" ودعا جنابه إلى أن الحرية والحقوق السياسية إذا منحت للمسلمين مقابل تجنيدهم تكون هناك الضربة القاضية على القومية الدينية والجنسية ، إذْ يقع اندماجهم بالأمة الفرنسوية نهائيا" وأما الأستاذ عمر راسم فقد كان يكتب المناشير بخطه ويعلقها على الحائط في الأماكن الاستراتيجية ضد قانون التجنيد.

وثالث هؤلاء الأستاذ القدير عمر بن قدور الجزائري الذي نشر مقالا مشهورا في جريدة الحضارة الصادر يوم 07 أغسطس سنة 1911م الذي قال فيه:"إننا قوم لنا قومية عروبتها متينة ، وملة قيمتها ثمينة ، وإن أصيب أعضاؤها بخدر نتيجة الحوادث ، فإن الأمل أنه خدر قصير المدة وسينقطع وتتحرك أعضاؤنا بنشاط تام ، فما لنا رغبة في نيل حقوق تجر علينا الويل والدمار ...إننا لا نريد من فرنسا أن تمن علينا بتمدنها وعدلها لأن لنا تمدنا وعدلا ذقناهما فصار كل شئ عندنا بعدهما مرا ، وهل بعد ذوق العسل نذوق الحنظل.أنظر:محمد قنانش ، محفوظ قداش ، نجم الشمال الإفريقي (1926-1937) وثائق وشهادات لدراسة تاريخ الحركة الوطنية ، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية،ط.2 1994م ص:14-15.

عبد السلام ( بوشارب )، تبسة: معالم ومآثر، الطبعة الأولى، مطبوعات المتحف الوطني للمجاهد، الجزائر 1996م ص:26، د/عبدالله حمادي ،الحركة الطلابية الجزائرية، ص 22 وما بعدها.

(21) - من المصطلحات التاريخية الشائعة في العصر الاستعماري، في مجال البحث، نجد مايعرف في التاريخ: " الأشراف أو الشرفاء و المرابطين " أو أصحاب العمائم وهذه العائلات المرابطية انحرفت عن رسالتها التاريخية كنخبة في المجتمع الجزائري، وعملت في ركاب الاستعمار، ومن الشخصيات الثقافية التي كان لها المجال الواسع لمعالجة هذه الظاهرة بصورة مميزة، الشيخ صالح بن مهنا القسنطيني، أحد رواد الحركة الإصلاحية الجزائرية، حيث فند هذا الشرف المزيف الذي تدعيه كثير من الشخصيات والقبائل الجزائـرية، كما كان رائدا من رواد نقد المرابطين وانحرافهم العقدي والسلوكي، حيث أصبح هؤلاء منذ العقد الثاني، من القرن العشرين مطية للاستعمار، وساهموا بفعالية في تنويم وتثبيط روح التمرد عند الجزائريين - راجع: بن نبي: شروط النهضة: ص 26. د/ سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية: ( 1900 - 1930)، الجزء الثاني، ص 403، وما بعدها.

د/ هلال، ثورة الأوراس 1916: ص 171. د/ بو الصفصاف، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ص 199. أ / سليمان ( الصيد ) المحامي: صالح بن مهنا القسنطيني، الطبعة الأولى، دار البعث، قسنطينة الجزائر 1982.أنظر الظروف التي كان عليها المغرب العربي من خلال الغزو الإيطالي و إعلان الحماية على المغرب الأقصى ثم التمرد وحرب العصابات الذي انتهجها الجزائريون من خلال التناغم الذي حدث بين ثورة الأوراس وثورة بني شقران التي تزعمها الشيخ عثمان الراشدي الأزهري والذي حكمت عليه فرنسا بالإعدام هو وتلاميذه وأقاربه كما تمكنت فرنسا الاستعمارية من سحقهم بأبشع الأساليب البربرية.أنظر: سعدالله، الحركة الوطنية ، الجزء الثاني ص:212هامش رقم:49.والكلام ينسبه الأستاذ سعد الله إلى الشيخ المهدي البوعبدلي.

(22) - يحمل شكيب ( أرسلان ) حملة قاسية على أدعياء الدين و على المنتسبين زورا إلى علماء المسلمين، وعلى فريق من المعممين لهم " عمائم مكورة وطيالس محررة مجررة أو رقاب غليظة، و بطون عظيمة " ولكنهم لا يحفظون حرمة الدين والوطن، بل اتخذوا الدين مصيدة للدنيا، وتزلفوا إلى أهل الجاه السياسي والجاه المادي ، فهم " باعة ضمائر، رواد سفاسف، وطلاب وظائف " وشكيب أرسلان شخصية لعبت دورا في الحركة الوطنية و الإصلاحية لما له من علاقات متعددة مع زعامات جزائرية كبيرة، كتوفيق المدني والفضيل الورتلاني، والبشير الإبراهيمي ومصالي الحاج، بل يذهب الدكتور سعد الله أبعد من هذا، فيعتقد أن أرسلان أكبر من هذا، بل كان له الدور الفعال في تقريب وجهة نظر العلماء ، مع رجال الحركة الوطنية، ولهذا فشخصية أرسلان(1869-1946) في حاجة إلى من ينفض عنها الغبار ويوضح هذه العلاقة القائمة مدعمة بالوثيقة والدراسة الجادة: أنظر: د/ أحمد ( الشرباصي )، شكيب أرسلان داعية العروبة والإسلام، دار الجيل بيروت 1978، ص 191، د/ سعد الله، الأمير شكيب أرسلان و الجزائر ( مجلة عالم السياسة )، العدد الثالث الجزائر 1992 ص 66.سعد الله ، الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية ( أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ، الجزء الرابع ص ص :114-138 أ / محمد الأمين ( بلغيث )ـ الطلبة الجزائـريون بجامع الأزهر: ص 375 بوشارب، تبسة، ص25. أحمد توفيق ( المدني)، حياة كفاح ( مذكرات ) القسم الثاني - في الجزائر - 1925 - 1954 - الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1977م ص 232 وما بعدها، شكيب (أرسلان ) لماذا تأخر المسلمون، و لماذا تقدم غيرهم ؟ مراجعة حسن تميم، منشورات مكتبة الحياة بيروت 1975 ص 75.

وقد نعته الشيخ أحمد سحنون في قصيدة رثاء بحارس الشرق ويقول عبد الكريم العقون عن وفاته:

هوى كوكب الشرق أرسلان *** فكل فؤاد فيه همّ وأحزان.

سعد الله ، الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية ،(أبحاث وآراء)الجزء الرابع ص:134-135.

(23) -حول شرفاء وزان بالمغرب الأقصى وعلاقاتهم بالطيبية في قسنطينة والغرب الجزائري أنظر:

au sujet de la subvention des Chorfa d’Ouzan (( documents. d’archives )).

Aix - en - Provence A.O M 30 H 11.

Au sujet du Moqaddam des Taibia à Constantine Tanger - le 07 janvier 1895- G G N ° 37 - cabinet - Affaires Indigènes A.O.M. 30H 9

(24) - تنتمي عائلة ابن ناصر أو أولاد ناصر إلى العالم الصالح، سيدي ناجي ابن سيدي امبارك، وهذا الجد الأعلى للعائلة، شخصية فاضلة تعود جذورها وأصولها إلى موطنها الأول بتونس، وبعد ذلك اختار سيدي امبارك طريق الهجرة إلى تلمسان في نهاية القرن السادس عشر الميلادي، و اعترضت طريقه بعض قبائل الطوارق في رحلة، له إلىغرب إفريقيا، فعاد إلى الجنوب الشرقي الجزائري، عن طريق مدينة ورقلة ونجا من الموت بأعجوبة، ثم مر بالوادي، ومنه إلى جنوب الأوراس، حيث معاقل أولاد نابــل (NABEUL ) ، وفتيسة،واستقر به المقام بمنطقة تقابل جبال تابردقة في عام 1011 هـ / 1602م، وهناك أسس مدينة " خنقة سيدي ناجي " كذكرى طيبة لجده سيدي ناجي، و بعد مرحلة تاريخية قرر أولاده وأحفاده محمد والطيب بن أحمد بن امبارك وغيرهم الانضمام إلى الطريقة الناصرية وهذا في تمام القرن 17 م، وهي طريقة الولي الشهير أحمد بن يوسف الملياني وفي كتب ا لتاريخ التي عدت إليها ترجع نسب أولاد ناصر بالخنقة إلى الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر "ق 4 هـ/10م ونصوص أخرى، ترجع نسب هذه العائلة إلى الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه و أرضاه. و أكبر أولاد ناصر، القائد سي محمد الأزهر بن ناصر المعروف بالقائد الأزهر حول حياته وتعامله، وتعامل أسلافه منذ عهد الدوق دومال - مع فرنسا ومحاربتهم لخلفاء الأمير عبد القادر إلى غاية أفريل 1917 م، عصر ابن باديس أنظر: Marthe , et Edmond Gouvain , Ketab A Ayane El Marharibe Imprimerie orientale Fontaine Frères Alger 1920-PP:50.51.52.53)

(25)-يُنعت هؤلاء العملاء في الإصطلاح الفرنسي بـــ " خدام فرنسا الأوفياء "

« Loyaux serviteurs de la France »

أنظر:د: عبد الله حمادي، الحركة الطلابية الجزائرية: ص ص 30 - 31 - 32.

(26) - يقول فيه المؤرخان السيد والسيدة: قوفان ومارث:

" Le kaid lazhar est un esprit cultivé , ami de la France , qu’il aime avec dévouement et (...) il est une impeccable prolité apanage de la famille BEN NACER Rapport du mois d’Avril 1917 (Taberdga et Khangat sidi Nadji) ( Aurés ) Avril 1917 document page 54.

(27)-صلاح الدين ( الجورشي )، ابن باديس ( تجربة في الإصلاح )، دار الراية - تونس 1978 ص: 5.

(28) - عبد الحميد( بن باديس ) دعوة وبيان إلى عموم الشعب المسلم الجزائري الكريم، 5 جمادى الثانية 1356 هـ، ( آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ) الجزء السادس )، منشورات وزارة الشؤون الدينية الجزائر 1415 هـ / 1994 م ص 173.

(29) - لقد أدرك الإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس دور العمل التربوي لإنقاذ الجزائري المسلم من تخلفه ، وانسلاخه من إنسانيته، بفعل العمل الاستعماري والفعل الطرقي البائس وضلال النخبة الفرنكفونية (رمز شجرة الزقوم )، فأعاد قراءة خطوات التغبير من خلال منهج الأنبياء والمرسلين، وعلى صراط مصابيح الهدى، انطلق الإمام باسم الله لرسم الطريق الطويل لإنقاذ الجزائر من البؤس والتهميش، للمؤانسة أنظر: أبو جرة ( سلطاني )، خطوات في العمل الإسلامي كما رسمها ابن باديس، الطبعة الأولى دار البعث قسنطينة الجزائر 1982م، أبو جرة ( سلطاني )، السلوك المثالي في منهج الحركة الإسلامية ( مجلة التضامن)العدد الثاني، السنة الأولى، الجزائر 1412 هـ 1992م ص 64.

Mérad ( A) , Le réformisme musulman en Algérie de 1925 à 1940 , Paris , La Haye Mouton , 1967.

د/ أبو القاسم ( سعد الله )، الحركة الوطنية الجزائرية، 1930- 1945 - الجزء ا لثالث دار الغرب الإسلامي بيروت 1992 م ص 83 وما بعدها، الأستاذ الكبير سيد قطب، كفاح مرير، البصائر العدد 214، السنة الخامسة مذكرات الشيخ محمد خير الدين الجزء الأول، مطبعة دحلب الجزائر 1985ص.401.الجورشي، تجربة في الإصلاح:ص:5

Amar Belkhodja; Abdelhamid-Ben-Ben-Badis-in- Ali El HAMMAMI et la Montée du nationalisme Algérien ,éditions Dahlab, Alger 1991 (( P 192 - 201

لقد أثار الإمام عبد الحميد بن باديس مسألة تربوية حساسة في العالم الإسلامي ، هي المشكلة التريرية؛وإعادة بناء الأفكار والمعارف والعلوم ؛وفق التصورات الصحيحة للإسلام؛وتشكيل العقل المسلم وتنسيقه معرفيا وعلميا ، وفق معالم التنزيل المطلقة ، والخروج به من عمليات التسول والإستلحاف التي درج عليها-ردحا من الزمن-مستهلكا لنفايات الفكر الغربي الصليبي والوثني".انظر:الدكتور أحمد عيساوي ، الإعلان من منظور إسلامي ، "كتاب الأمة"، العدد:71 ، السنة التاسعة عشرة ، قطر 1999م ص ص:25-26.

(30) -د: عمار ، الطالبي ، مدخل إلى آثار ابن باديس ( ابن باديس حياته وآثاره ) الجزء الأول، دار مكتبة الشركة الجزائرية، دار ا ليقظة العربية الجزائر، بيروت 1968 ص:79.

(31)-ابن باديس حياته و آثاره / 1/ 79. ( القرآن شفاء ورحمة 1/ 327 وما بعدها.

(32)- إن موضوع سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر، من الموضوعات الجديرة بالبحث في خزائن الأرشيف الفرنسي، وعلى الرغم من المحاولات المتوفرة، فإنها لا تجيب على كل الأسئلة المطروحة حول أسلوب المسخ الحضاري الرهيب الذي قامت به أقلام ومعاول الهدم الفرنسي منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه أقدام مغول القرن العشرين ( فرنسا الاستدمارية ) بلاد الجزائر المقدسة أرض الرباط والشهادة كما وصفها المرحوم الداي شعبان للتوسع أنظر: نور الدين (غولي)، التعليم العربي في الجزائر ما بين 1830 - 1900 - مذكرة السنة التمهيدية للماجستير - إشراف د/ جمال قنان، معهد ا لتاريخ جامعة الجزائر 1985م.ولنفس الباحث ( غولي ) سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر 1870 - 1904 - مذكرة السنة الأولى ماجستير في التاريخ الحديث بإشراف د/ جمال قنان، معهد التاريخ جامعة الجزائر 1986م.د/ أبو القاسم ( سعد الله )، الحركة الوطنية الجزائرية 1830-1900 الجزء الأول: ص: 89 وما بعدها.

سعد الله، الاتجاهات الفكرية والثقافية للحركة الوطنية ( أفكار جامحة )،ص: 32، 33.

Henri Masset , les études Arabes en Algérie ( 1830 - 1930) Revue Africaine N°= 356 - 357 Alger 1933.

Deheuvels , Islam et pensée contemporaine en Algérie ,op.cit-P:37.

Djeghloul ( A) , M ‘hamed ben Rahal et la question de l’instruction des Algériens ( 1886 - 1925 , in huit études sur l’Algérie P:33.

Pervillé(Guy);les étudiants Algériens,P:25.

(33) - الجورشي، تجربة في الإصلاح، ص 7.

(34) - د/ محمود ( قاسم ) الإمام عبد الحميد بن باديس، الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية، دار المعارف مصر 1979م ص 23.

(35)-محمد البشير ( الإبراهيمي )، خلاصة تاريخ حياتي، ( مجلة الموافقات ) العدد الرابع ص 389 وما بعدها، سعد الله، مدارس الثقافة العربية، ص:95.

(36) - د: قاسم، الإمام عبد الحميد بن باديس، ص:29

(37) - الإبراهيمي، حياتي: ص 389.

(38) - سئل الإمام ابن باديس يوما، لم لا تؤلف الكتب ا لعلمية والأدبية والاجتماعية ؟ فكان جوابه لهم جواب المؤمن الذي يرى بنور الله، ويستشرف المستقبل من خلال ممارسة الجهاد الأكبر، فأجاب:" أنا الآن مشغول بتأليف الرجال " راجع: محمد الطاهر ( فضلاء )، قال الشيخ الرئيس الإمام عبد الحميد بن باديس، الطبعة الأولى، دار البعث قسنطينة الجزائر 1968 ص 20، وحول نفس الفكرة يقول مالك بن نبي ". . . فمأساة الجزائر مثلا حتى سنة 1918م لم تكن إلا رواية صامتة، أو أثرا من الآثار التاريخية، وضع في متحف، أي في صدور قوم صامتين يعلمون السر الخفي للمأساة، حتى أرقت ضمائرهم، واحتوته أيضا ملفات الحكومة ا لتي كانت تعلم من أمرها ما تعلم حتى ظهرت الفكرة الإصلاحية حوالي سنة 1925م، تحركت المشكلة الجزائرية، و قد أوتيت لسانا ينطق، وفكرة تنير لها الطريق "مالك بن نبي: شروط النهضة، ص.ص 24،25.

(39) - يقول الإبراهيمي: " كان من نتائج الدراسات المتكررة للمجتمع الجزائري بيني و بين ابن باديس، منذ اجتماعنا في المدينة المنذورة: أن البلاء المنصب على هذا الشعب المسكين آت من جهتين متعاونتين عليه، وبعبارة أوضح: من استعمارين مشتركين يمتصان دمه، و يتعرقان لحمه، ويفسدان عليه دينه ودنياه، استعمار مادي، هو الاستعمار الفرنسي، يعتمد على الحديد والنار، و استعمار روحاني يمثله مشايخ الطرق المؤثرة في الشعب، والمتغلغلون في جميع أوساطه، المتاجرون باسم الدين، المتعاونون مع الاستعمار عن رضي وطواعية (. . . ) ومظهرهما معا تجهيل الأمة لئلا تفيق بالعلم فتسعى إلى الانفلات، وتفقيرها لئلا تستعين بالمال على الثورة، أنظر:الإبراهيمي: حياتي: ص:391.

AMAR Belkhodja ( Ali el-hammami et la Montée du nationalisme ) P 219.

(40) - مالك بن نبي، في مهب المعركة ( إرهاصات الثورة ) مقدمة الشيخ محمود محمد شاكر، دار الفكر الجزائر، دار الفكر دمشق، الطبعة الأولى 1991. ص 14.

(41) - مالك بن نبي: في مهب المعركة: ص 85.

(42) - الأستاذ محمد النخلي القيرواني، من الأساتذة الكبار بالزيتونية الذين يجلهم الإمام عبد الحميد بن باديس، وقد حفظ له هذا المقام فقال فيه: " و أذكر للثاني
(بعد حديثه عن أستاذه الأول حمدان لونيسي دفين المدينة المنورة ) كلمة لا تقل أثرها في ناحيتي العلمية عن أثر تلك الوصية في ناحيتي العلمية، و ذلك إني كنت متبرما بأساليب المفسرين و إدخالهم لتأويلاتهم الجدلية، واصطلاحاتهم المذهبية في كلام الله. . . فذاكرت يوما الشيخ النخلي، فيما أجده في نفسي من التبرم و القلق فقال لي: " اجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذها لأقوال المختلفة، وهذه الآراء المضطربة، يسقط الساقط، ويبقى الصحيح وتستريح (. . . ) فو الله لقد فتح بهذه الكلمة القليلة عن ذهني آفاقا واسعة لا عهد لي بها " انظر: ابن باديس حياته وآثاره :1/ 78، محمد صالح (الجابري ) النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس، الطبعة الأولى، الدار العربية للكتاب، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1981 ص75

(43) - مالك بن نبي: وجهة العالم الإسلامي، ص57.

(44) - حول الملابسات والظروف التي نشأت فيها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين راجع: الإبراهيمي: حياتي: ص 389، المدني ( أحمد توفيق المدني )، المذكرات 2/172، محمد خير الدين، المذكرات 1/15، بو الصفصاف، جمعية العلماء، ص 99،

د/ سعد الله، الحركة الوطنية 1930 - 1940 -الجزء الثالث: ص 81 و ما بعدها.

د/ سعد الله، رأي في دور جمعية العلماء ( أفكار جامحة )، ص ص 47 / 54.

Les Partis politique et l’association des Oulémas(TOME II) A.O.M. 8 H 61.

د/ أسعد ( السحمراني )، مالك بن نبي " مفكرا إصلاحيا، دار النفائس بيروت، 1984 م ص: 58 وما بعدها. د/ قاسم، الإمام عبد الحميد بن باديس: ص22 وما بعدها.

(45)-د/عبد اللطيف ( عبادة )، سوسيولوجية الثورة و فلسفتها في الفكر الجزائري المعاصر مجلة المستقبل العربي،العدد 117 - مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 11/1988م ص 5.

(46)-لقد كان الغزو والتدمير لغة تاريخية معروفة عند فرنسا البنت البكر للكرسي الرسولي في روما ولغة التعنت والسيطرة على الشعب الجزائري والشعوب الشرقية معروفة منذ فرانسوا الأول وإذا أردنا أكثر فإن حملة نابليون على مصر هي جزء من المخطط الصليبي الرهيب للقضاء على السلطنة العثمانية والسيطرة على المشرق وإفريقيا والإستعانة باليهود ونصارى الشام والأقباط لتحقيق هذا المشروع ولذلك فالجزائر من هذا المنظور وفي هذه المرحلة هي الجزء المتبقي من مشروع المستشرقين المتعصبين تلاميذ دي ساسي ولويس ماسينيون ، وميرانت ، ولوسياني وفيرو ، وريكارد قنصل فرنسا العام في طرابلس الغرب أنظر حول هذه المسألة بتوسع:أبو القاسم سعد الله ،تاريخ الإسلام في فرنسا ،(هموم حضارية) الجزائر ، دار الأمة ، 1993م 160 وما بعدها.غريغوار منصور مرشو ، حملة نابليون على مصر بين الحقيقة والأسطورة (مقدمات الاستتباع(الشرق موجود بغيره لا بذاته) ، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن أمريكا ، سلسلة إسلامية المعرفة رقم:18. 1996م ص ص:123-136.

(47) -رابح تركي، الشيخ عبد الحميد بن باديس، ص ص 173 - 174.

(48) -لمعرفة مدارس جمعية العلماء ونواديها الكثيرة، وتاريخ صحافتها المباركة راجع: د / تركي رابح الشيخ عبد الحميد بن باديس، ص 349 وما بعدها، د/ الطالبي، ابن باديس حياته، وآثاره 1/ ص114

- الزبير سيف الإسلام، تاريخ الصحافة في الجزائر، الجزء السادس، ( الصحافة في الجزائر بين الحربين ( 1920 - 1940 )، الطبعة ا لثانية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1985، ص 110،الإحتفال بدار طلبة معهد ابن باديس ، جريدة المنار العدد:49 السنة الثالثة الجمعة 14 ربيع الأول 1373هـ/ص:2.

MERAD (A) , Le réformisme musulman en Algérie P 138 ) Chrestelow
( Allan ) , culture and politics of Islamic réformisme in Algeria ( Middle East ).Vol 23 jul 1987 N ° = 255 - 273.

(49)-جمال الدين الأفغاني الحسيني، رائد الثورة الإسلامية الشاملة على استبداد حكام المسلمين وعلى الغرب الصليبي، توفي رحمه الله يوم 9 مارس 1897م، وفي9 مارس من هذا العام تمر الذكرى المئوية الأولى لوفاته ( 1897 - 1997م)، ومن الملفت للانتباه أن يجتمع أكثر من باحث ومفكر جزائري في التنويه بشخصية هذا الثائر الإسلامي الكبير الذي تعرض لحملات تشويه منكرة لدوره ومسيرته من أدعياء الإسلام أكبر مما تعرضت له أقلام خصومه الطبيعيين وخصوم القيادات الراشدة في العالم الإسلامي، فأول من نبه إلى عظمة شخصية الأفغاني الكاتب الجزائري علي الحمامي ( 1902 - 1949م) فقال عنه مالك بن نبي " فقد تحدت الكاتب الجزائري (علي الحمامي المقيم في مصر )-( زمن تأليفه للكتاب ) عن السيد جمال الدين الأفغاني في كتاب له عن سيرته فقال:" لسوف تذكر البلاد الإسلامية جميعا اسم جمال الدين كما تذكر بلاد اليونان اسم ( هوميروس ) بين الخالدين من أبنائها".ومن الجزائريين أيضا الذين نوهوا بدور جمال الدين في الحركة الإصلاحية الأستاذ مالك بن نبي في نصوص متناثرة تدل على وعي برسالة هذا العالم والمفكر الكبير، أما الشخصية الثالثة الذي نوهت بدور الأفغاني فهو المناضل والكاتب محمد قنانش (الظريف التلمساني) وأهم شخصية جزائرية، عرفت بجمال الدين في مرحلة الاستقلال، المرحوم مولود قاسم والدكتور أبي القاسم سعد الله أنظر: مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص: 52.

محمد قنانش: المواقف السياسية بين الإصلاح والوطنية ( في فجر النهضة الحديثة ) المكتبةالشعبية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر، مولود قاسم، محاضرة حول السيد جمال الدين الأفغاني ( رمز كفاح أمة) جمع ونشر د/ أحمد بن نعمان، دار الأمة الجزائر 1993) ص ص 106، 117.د. سعد الله / الاتجاهات الفكرية والثقافية للحركة الوطنية، ص 33. Aly El HAMMAMY IDRIS ( ROMAN ) P 251

مالك بن نبي، شروط النهضة: ص: 26. دار السحمراني، مالك بن نبي: ص:114.

عبد الغني ( بوصنوبرة )، علي الحمامي ( 1902 - 1949 )، من أرشيف الحركة الوطنية الجزائرية (جريدة الخبر الجزائرية) يوم الإثنين 03 شوال 1417 هـ:ص:19.

د/ وجيه ( كوثراني )، رشيد رضا فقيه يبحث عن الدولة و الإصلاح في إطار الإسلام ( مجلة الباحث العربي ) بيروت 1981م:ص: 18 وما بعدها.

أنظر نبذة عن حياة ومأساة علي الحَمَّامِي ، سعد الله(أبو القاسم) ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، الجزء الرابع ، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان 1996م ص:124 هامش رقم:4.ص:133.هامش:2..

(50) - مالك بن نبي، شروط النهضة: ص 114.

(51) - محمد السعيد (الزاهري )، الإسلام في حاجة إلى دعاية و تبشير، الطبعة الثانية دار الكتب الجزائر ص 108.

(52)-عبد الحميد بن باديس، دعوة وبيان إلى عموم الشعب المسلم الكريم،
(البصائر) يوم 05 جمادى الثانية 1356 هـ، السنة الثانيةالعدد:72- 12 جمادى الثانية 1356 هـ- 20 أوت 1937م (آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ) الجزء الخامس ، منشورات وزارة الشؤون الدينية الجزائر 1412هـ/1991م ص:339.

(53)-(54)-محمد قنانش المواقف السياسية: ص:29. 30 .

(55)-وقع اختلاف بين المؤرخين حول مصطلح المرابطين اختلافا كبيرا، لضبط المصطلح ضمن دائرة تاريخ الأفكار في المنظومة الثقافية للغرب الإسلامي راجع: محمد الأمين ( بلغيث )، الرُبُطُ بالمغرب الإسلامي ودورها في عصري المرابطين والموحدين ( رسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي ) رسالة مرقونة ، وانظر حول المرابطين أصحاب الزوايا و بداية انحرافهم منذ عصر المازوني، ( أبو زكريا يحي المازوني )، الدرر المكنونة في نوازل مازونة ، السفر الثاني مخطوط المكتبة الوطنية الجزائرية رقم: 1336 ورقة 132 /ظ.

وأنظر كذلك توظيف فرنسا للطرق الصوقية لمواجهة الحركة الإصلاحية في الجزائر التي تحالفت مع عبد العزيز الثعالبي رائد النخبة الوطنية في تونس أنظر:الأخضر (لطيفة) الإسلام الطُّرُقي (دراسة في موقعه من المجتمع ومن القضية الوطنية) الطبعة الأولى سراس للنشر تونس 1993م ص:117، 118 ، 119.

(56)-الإبراهيمي، سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ط.2. الجزائر 1982: ص 54. آثار ابن باديس 4/368 وما بعدها. بو الصفصاف: جمعية العلماء: ص 214.

(57) - بو الصفصاف: جمعية العلماء: ص 208.

(58) - عبد العزيز ( الثعالبي )، روح التحرر في القرآن، نقله من الفرنسية حمادي الساحلي راجعه ووضع حواشيه، محمد المختار السلامي، دار الغرب الإسلامي بيروت 1985م، ص.83.

(59)-محمد قنانش، المواقف السياسية: ص: 31.

(60)- أنظر:- Lahouari ( ADDI ) , L’impasse du populisme , ( L’Algérie collectivité politique et Etat en construction ) E.N.A.L.Alger 1990.P:35.

عبد الحميد بن باديس / " بمخالطة المتمدنين، تترقى في المدنية، الشهاب العدد 16، 12شعبان 1344 هـ / 25 فبراير 1926 م، ( آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ) الجزء الخامس: ص 429 وما بعدها، ( يقول علي الحمامي أن مشروع عبد الحميد بن باديس قد حقق ( الحركية الاجتماعية، والتاريخ الوطني الجزائري،والجوانب ا لتربوية أي تعليم الشعب راجع ) BEL KHODJA , ALI EL HAMMAMI P: 215.

Yousfi M’hemed, L’Algerie en marche tome 1 Alger (E.N.A.L).1984p:40.

(61) - عبد الحميد بن باديس، حقوق الأمة الجزائرية التي تطلبها من الأمة الفرنسوية ( آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ) الجزء الخامس،ص:311 وما بعدها.

(62)-أبو عبد الله( الكتاني )، نصيحة أهل الإسلام ( تحليل إسلامي علمي لعوامل سقوط الدولة الإسلامية وعوامل نهوضها ) تحقيق، إدريس الكتاني، مكتبة بدر الرباط 1989 ص:19 وما بعدها.

(63) -د:حمادي عبدالله، الحركة الطلابية الجزائرية:ص:14.

(64) -خوالدية( صالح بن عمار )(1879-1906م ) من رواد النخبة المستنيرة التي فضحت أساليب الصليبية في المشرق والمغرب وهو بحق يمثل بداية ظهور النخبة الجزائرية المتعلمة الواعية بشخصيتها العربية الإسلامية، أنظر عن حياته وآثاره: د:هلال، مساهمة الخالد صالح بن عمار في التعريف بالقضية الجزائرية مغاربيا عربيا وإسلاميا فيما بين سنتي (1903-1906)(أبحاث ودراسات):مصطفى(حداد):خوالدية صالح بن عمر أو قضية الانتلجنسيا الجزائرية في بداية القرن الحالي(محاضرة)نشرت في دورية د/ عبد الجليل التميمي التونسي، العدد:61، 62 جويلية تونس 1991م.

Stora et Daoud , Ferhat Abbas. op. cit.: P 43.

(65)-أمحمد(بن رحال)(1857-1928) شخصية مسكونة بهموم الجزائريين خلال المرحلة الاستعمارية البغيضة، اهتم اهتماما كبيرا بتمدرس الجزائريين وهو الذي اقترح ما يعرف ( بالمدرسة الكوخ l’école Gourbi)حتى تسعف الجزائريين في تعلمهم واستنارتهم ولكن سياسة فرنسا معروفة هي سياسة إبادة وتجهيل.

وقد نوه به بعض الجزائريين أمثال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وقد كتب عنه كل من شارل أندري جوليان أكثر من دراسة كما كتب عنه الأستاذ عبد القادر جغلول دراسة أشرنا إليها أنظر: M’hamed Ben RAHAL et la question de l'instruction des Algériens ( 1886 - 1925 ) op cit. pp. ( 33 - 74).. Djeghloul

Ageron (Charles Robert) si M’hamed BEN RAHAL ( 1856 - 1928 ) ou le destin d’un Algérien double culture ( conférence ) Stuttgart 1987

عبد الرحمن ( الجيلالي )، تاريخ الجزائر العام، الجـزء الرابع، الطبعة الرابعة دار الثقافة بيروت لبنان 1980 ص ص 463 - 466.

(66)-حول شخصية الأمير خالد:راجع:مناصريه. الاتجاه الثوري:ص ص 45 - 69.

د/ سعد الله، مدارس الثقافة العربية: ص ص:90 -91.

(67) - فرحات عباس شخصية فاعلة في تاريخ الجزائـر الحديث، وقد مثل النخبة التي راهنت على ثقافتها الفرنسية إلى أن غيرته رياح التجديد والثورة التي عرفتها الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية وقد رد ابن باديس ردا صريحا لدحض أطروحته الاندماجية كما رد على مواقفه من الشخصية التاريخية للأمة الجزائرية ويمكن اعتبار سنة 1943م سنة ميلاد جديدة لشخصية فرحات عباس بعد ظهور حزب البيان ولمعرفة منحنيات هذه الشخصية الكبيرة وما تحمل من متناقضات راسخة راجع:

BENJAMIN ( STORA) - ZAKYA DAOUD, Ferhat Abbas op-cit P:23.

Rédha ( MALEK ) , L’Algérie à EVIAN , éditions DAHLAB Alger 1995

pp. ( 285 - 287 ).

Abdelkerim ( MEZIANI ) , Le Président Fèrhat Abbas - et le manifeste du peuple Algérien ( Mémoire ) journal El Watan N° = 1897 du jeudi 13 février 1997 PP:12

للإشارة أن أحدث دراسة عالجت تطور شخصية فرحات عباس يمكن مراجعتها من خلال: د: محمد العربي الزبيري-الحركة الوطنية في مرحلة النضج(1942-1954).
"مجلة الرؤية " المركز الوطني للدراسات والأبحاث الجزائر 1994، العدد الأول ص ص 130 - 173. أنظر أيضا ما جاء عند بلخوجة حول السيد فرحات عباس:

d’après le discours de Férhat Abbas , secrétaire de l’U.D.M.A PP:113-117..

BELKHODJA (A) ALI EL HAMMAMI p 113 et suite..

(68) - محمد الطاهر فضلاء ، قال الشيخ الرئيس: ص:6 (الغلاف الداخلي).

(69)-أبو القاسم سعد الله ،تاريخ الجزائر الثقافي ،الجزء السادس،بيروت،دار الغرب الإسلامي،1998م ص:265.

. Aperçu sur l’Islam Moderne (Etat major )trés secret Avril 1944 , p 6

(70)-لقد نظر جيل(النصر والتمكين ) بعد استقلال الجزائر إلى عبد الحميد بن باديس نظرة قاصرة شوهت المسيرة العظيمة التي بدأها وعبدت للجزائر طريقا واضحا. فحول الصورة المتباينة لجيل الاستقلال أنظر:حميد( مزيان )، ذكرى عبد الحميد بن باديس (1889-1940)،الدروس التي لم تفهم (جريدة الحرية) السنة الثانية، العدد 67 من 25 إلى 25 أفريل الجزائر، 1996 ص:16، أ/ محمد الأمين بلغيث، الطلبة الجزائريون بجامع الأزهر، ص:374 الهامش رقم: 10. د:الزبيري، الحركة الوطنية في مرحلة النضج، ص:130 وما بعدها.

(71) - أنظر: Aperçu sur l’Islam Moderne , p 6

(72) - عبد الحميد بن باديس،هل آن أوان اليأس من فرنسا ( فضلاء - قال الشيخ الرئيس)، المرجع السابق:ص:153.آثار الإمام عبد الحميد بن باديس الجزء الخامس، ص:337 وما بعدها.

(73)-أنظر:M. Lachref , L’Algérie nation et société S.N.E.D ALGER 1974 .PP196-285 , Stora et Zakia Daoud, Farhat Abbas , op-cit P:37

ADDi Lahouari ,l’impasse du populisme ,OP-CIT P:50.

(74) -الزاهري، الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير: ص 60 وما بعدها.

(75) -عبد الحميد بن باديس، كتاب امرأتنا للشيخ الطاهر الحداد، 06 رجب 1349 هـ /ديسمبر 1930م ( ابن باديس حياته و آثاره ): 3/475.

وحول مسألة الحجاب و المؤامرة الاستعمارية راجع: د / عبادة، سوسيولوجية الثورة:ص 8 وما بعدها، الزاهري الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير:ص 62 .الشهيد أحمد رضا حوحو، غادة أم القرى، الطبعة الثانية تقديم أحمد منور، ومقدمة بقلم الأستاذ أحمد بوشناق المدني، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1988 (راجع الإهداء ) ومقدمة بوشناق).

(76)- مجدي عبد المجيد (الصافوري )، سقوط الدولة العثمانية وأثره على الدعوةالإسلامية، الطبعة الأولى، دار الصحوة للنشر القاهرة 1990 ص 140 وما بعدها.أحمد ( الشقيري ) صفحات من القضية العربية، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1979 ص:81.

(77) - لقد انخدع أحمد شوقي، كما انخدع الشيخ رشيد رضا صاحب " المنار " بحكومة الاتحاد والترقي، وبعد أن كشف الواقع السياسي حقيقة هذه النخبة العلمانية المتفرنجة ا لتي كانت محاضن ا لغرب قد دفعت بها إلى الخلافة ودولة الإسلام لتقويض أركانها وهدم أسس المجتمع الإسلامي وقد تبرم الشيخ رشيد رضا بحكومة الاتحاد والترقي، على حد تعبير ابن باديس وأيد عبد العزيز بن سعود في الحجاز فأما شوقي، فقد تعلق بكمال أتاتورك، ومدحه بقصيدته الشهيرة ومطلعها:

الله أكبر كم في الفتح من عجب *** يا خالد الترك جدد خالد العرب.

أنظر: الصافوري: سقوط الدولة العثمانية: ص 142 آثار ابن باديس 4/208.

محمد قربان نبازيلا: السلطان عبد الحميد الثاني وأثره في نشر الدعوة الإسلامية مكتبة المنارة مكة المكرمة 1988م (راجع الفصل الخاص بعلاقة السلطان (( بمدحت باشا وهرتزل )).وقد انتبه محمد رشيد رضا بعد مدة إلى حزب تركيا الفتاة وأصحاب العصبية التركية المتعصبة ووصفهم في كتابه الخلافة بأوصاف شتى أنظر:محمد رشيد رضا ، الخلافة ، (فصل حزب المتفرنجين) وانظر حديثه عن خالدة أديب وزيرة المعارف في حكومة أنقرة ، وقد عرف توجهها الطوراني من خلال قصتها (قميص من نار) ،التي يسميها الكاتبة الإسرائيلية النسب التركية السياسة والمذهب.ص، ص:101-102.

(78)- ابن باديس حياته وآثاره 4/213 - 217. آثار الإمام ( طبعة الشؤون الدينية ) الجزء السادس: ص:20.

(*) المقصود بالكليتات أصحاب العمائم من العلماء.

(79) - الدكتور رضا نور، صديق حميم لمصطفى كمال، ومتعاون معه في كامل أعوام الكفاح وفي كتابه " حياتي وذكرياتي " يتحدث عن شخصية رفيقه أتاتورك بوضوح بعيدا عن التضخيم والعواطف وقد اعتمد هذا الكتاب الذي لم يلق الرواج الكامل - في دراسة الأستاذ عبد الله عبد الرحمن الموسوم بـ " الرجل الصنم " مؤسسة الرسالة الطبعة الرابعة بيروت 1982 م، كما أن كتاب " الذئب الأغبر " لأمسترونغ، شهادة مهمةلمعرفة هذه الشخصية الخطيرة على أمته ودولته فهو رائد الدكتاتورية العسكرية الجديدة في العالم الإسلامي الحديث، راجع أيضا رشيد رضا، الخلافة، موفم للنشر الجزائر 1992م ص: 237 وما بعدها.

(80) - الصافوري، سقوط الدولة العثمانية: ص 136.

(81) - الشيخ مصطفى صبري رحمه الله، شيخ الإسلام في أواخر الخلافة العثمانية أهانته حكومة الاتحاد والترقي، كما أهين في مصر و حكومتها الطرقية، و لم يجد الشيخ مساحة صغيرة في جرائد عصره لنشر أفكاره حول الفكر الإلحادي الوافد على ديار المسلمين، صاحب مؤلفات متقنة وهو من العلماء القلائل في عصره ألف في العقيدة و الفكر السياسي و أهم كتبه التي تعالج قضية الخلافة "النكير على منكري النعمة، من الخلافة والأمة "، كما تظهر شخصية شيخ الإسلام مصطفى صبري في موسوعته الكبيرة:" موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين و عباده المرسلين " وقد نشر في طبعة أنيقة في أربعة أجزاء بدار ا لتراث عام 1981م، و أما " النكير " فقد قدم له الدكتور مصطفى حلمي في دراسة وافية ضمن عمله " الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة الإسلامية "، والعبارة المذكورة في النص هي جزء من تعبير شيخ الإسلام يقول: " تساهل الإنجليز مع مصطفى كمال ليجعلوا منه بطلا في حين تشددوا مع الخليفة وحيد الدين حـتى أعجزوه، وذلك لتعظم الفتنة لكمال أتاتورك في أبصار المسلمين وبصائرهم " ثم قال: " والرجل من لا تجد إنجلترا مثله ولو جدت في طلبه من حيث أنه يهدم ماديات الإسلام وأدبياته ولاسيما أدبياته في اليوم ما لا تهدمه إنجلترا في عام، فاستخلفته لنفسها و انسحبت من بلادنا، راجع: د/ علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة بيروت 1983 م ص 273، الصافوري، سقوط الدولة العثمانية ، 149.

(82) - د/ حسان علي ( حلاق )، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية
(1897-1909 م) الطبعة الثالثة الدار الجامعية، بيروت 1986، ص 282.

(83) -صارع الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني ( 1842 - 1918م) الغرب الصليبي والصهيونية العالمية و أبناء تركيا المتفرنجين ونصارى الشام رأس الحربة الصليبية في الجسد الإسلامي المنهك بالطعنات المسمومة، فكان خلع السلطان مؤامرة دولية يهودية، شاركت الصحافة والمال اليهودي، والسلطان يدرك هذه المؤامرة و لكن أين المفر وقد طعن من أبنائه ورعيته العربية والتركية قبل اليهود.

وبذهاب هذا الرجل القوي، انتهى الدور الحاسم الذي قامت به الخلافة العثمانية في تاريخ المسلمين في العصر الحديث.

راجع: عبد السلام ياسين، الإسلام والقومية العلمانية، الطبعة الأولى، مطبعة فضالة المغرب 1989م ص 135، هاملتون جب، هارولد بوود " المجتمع الإسلامي "، ترجمة أحمد عبد الرحيم مصطفى، دار المعارف بمصر 1971 م ص 41 وما بعدها. نيازيلا، السلطان عبد الحميد ا لثاني وأثره في نشر الدعوة الإسلامية ( راجع الفصل الخاص بالكواكبي، الأفغاني والقوميين العرب، نصارى الشام، للتوسع حول دور نصارى الشام كحملة للمشروع الغربي راجع: أليكسي جورا فسكي، الإسلام والمسيحية ترجمة د/ خلف محمد الجراد، راجعه د/ محمود حمدي زقزوق، سلسلة (عالم المعرفة ) رقم 215، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت (1417 هـ / 1996م ) ( أنظر الفصل الخاص ) ( البحث عن وسائل القضاء على التشرذم الطائفي: المنورون المسيحيون. و" أيديولوجية العروبة في ضوء إشكالية العلاقات الإسلامية المسيحية المتبادلة في الشرق الأدنى " ص ص 198 - 226.

(88)-أنظر مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني(1842-1918م) ، بيروت ، ط.3. -1984م.

(85)- لوثر (LOWTHER) شخصية محورية في عصر السلطان عبد الحميد الثاني، كان سفيرا بالقسطنطينية، وهو الذي يزود وزارة الخارجية ا لبريطانية بأدق المعلومات عن أحوال الدولة العثمانية من خلال شبكة مهمة من العلاقات مع رجال الاتحاد والترقي ورجال الصحافة ورؤساء الجمعيات والمحافل الماسونية أنظر د/ حلاق، موقف الدولة العثمانية: ص 378 - ص 11 ص 3. أحمد الشقيري، رجال صنعوا وعد بلفور (صفحات من القضية العربية ) ص 75.

د:فهمي الشناوي، المؤامرة على إسقاط الخلافة العثمانية ( سلسلة الرسالة) الطبعة الثالثة ، بيروت 1986، الخطر اليهودي( بروتوكولات حكماء صهيون )ترجمة محمد خليفة التونسي تقديم عباس محمود العقاد ، قصر الكتاب بالبليدة الجزائرص 79.

(86)-إدوار غراي (E.GREY) من الخبراء الكبار بقضايا الدولة العثمانية في عصرها الأخير وهو الذي نبه اللُّور "روتشيلد" إلى عدم إمكانية إقامة دولة يهودية بفلسطين.

(87)-حلاف، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية ص:321.

(88)-السلطان عبد الحميد الثاني ، المذكرات المرجع السابق.

(89)- - الهرولة: قصيدة للشاعر نزار قباني يتهكم فيها من سرعة هرولة زعماء العرب نحو إسرائيل لتطبيع علاقاتهم مع العدو التاريخي للأمة وما أشبه اليوم بالبارحة.

(90) - عبد الحميد بن باديس، الخلافة أم جماعة المسلمين ( ماي 1938 م ) ( ابن باديس حياته و آثاره ) 3/ 410 - 412.

(91) -أنظر:شرح الأصول وقوام النظرية السياسية المعاصرة: في قمة عدلها و تجليها وللعجب العجاب أن في عصره، عصر الاستعمار الغربي البغيض، وعصر الشتات الإسلامي المنكر، يتمكن من هذا الفهم الصادق ويستنبط من خطبة أبي بكرالصديق جواهر النظام السياسي المثالي الصالح لأمة الإسلام لإعادة بناء مؤسساتنا ا لإسلامية. راجع: - ابن باديس حياته وآثاره 3/410. أنظر أيضا:وثائق جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.القانون الأساسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومبادئها الاصلاحية الجزائر المطبعة الإسلامية،(د.ت).كذلك التقرير الذي قدمه المجلس الإداري باسم الجمعية إلى رجال الحكومة الجزائرية في أواسط رمضان 1363هـ يتضمن خلاصة مطالبها الدينية في التعليم العربي ، والمساجد والقضاء ، الجزائر ، المطبعة الجزائرية الاسلامية بقسنطينة 5 أوت 1944م.انظر أيضًا مطالب زعماء المغرب العربي في مرحلة العشرينات وكيف صوروا حالة تونس والجزائر من خلال عرائض وأعمال صالح الشريف واسماعيل الصفائحي ونقد مسار رشيد رضا من طرف هذه النخبة:الشيخان المجاهدان:صالح الشريف وإسماعيل الصفائحي،دراسة ونشر أحمد العباسي ، (سلسلة ما أهمله ...التاريخ ،الطبعة الأولى 1407هـ/1987م ص:114 وما بعدها ، محمد الهادي الحسني ، الشيخ صالح الشريف العالم الجزائري المجاهد المجهول ، (جريدة الشعب) الجزائر العدد:70232 السبت 8 رمضان 1416هـ/17 ماي 1986م.المنصف الشنوفي ، علائق رشيد رضا صاحب مجلة المنار مع التونسيين (1898-1935)حوليات الجامعة التونسية العدد 4. ص:131 وما بعدها.

(92) -رغم المآخذ التي تظهر على كتاب ( الإسلام وأصول الحكم )، فإن صدوره قد أثار معركة فكرية كبيرة و لكنها أقبرت أطماع الملك فؤاد في منصب الخلافة، وهو نفس الدور الذي قام به عبد الحميد بن باديس مع الفارق الزمني وفهم المسائل المتعلقة بالنظام السياسي الإسلامي، فلما ثارت مسألة الخلافة من جديد في عهد فاروق كان لابن باديس موقفه الشخصي من أن الخلافة قد ذهبت ولن تعود وقد تحقق رأيه وموقفه إلى اليوم. بخصوص هذه المسائل راجع: الإسلام و أصول الحكم - دراسة ووثائق بقلم د/ محمد عمارة المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1972 ص: 7، د/ يوسف مناصرية، الحزب الدستوري التونسي ( 1919- 1934 ) دار الغرب الإسلامي بيروت 1988 م ص 216.

Le congre Islamique du Caire pour le KHALIFAT ( AFRIQUE Française ). 35eme année N ° = Mars 1925 PP. 133 - 135.

(93) -حول النظرة الكمالية للعرب والإسلام أنظر: إتيان ( كوبون )، صورة العرب والإسلام عند الأتراك، ( مجلة شؤون الأوسط) العدد 31 - مركز الدراسات الاستراتيجية، بيروت 1994، ص ص9-25 ) رشيد رضا، الخلافة، ص 163، 236.

(94) -وردت هذه العبارة في مراسلة خاصة بين الدكتور أبي القاسم سعد الله من جامعة آل البيت بالأردن إلى الأستاذ:محمد الهادي الحسني رئيس تحرير مجلة الموافقات بتاريخ 19 ديسمبر 1996م يدعو فيها الأستاذ سعد الله إلى ترك الإمام ابن باديس وشأنه لأننا لا نقدر الرجل قدره وهذا طبعا حينما استكتبه ليشارك بمقال أو دراسة في الملف الرئيسي الخاص بالإمام الرسالي عبد الحميد بن باديس رحمه الله.

(95)- سورة الرعد :الآية: 11.

كتاب : تاريخ الجزائر المعاصر دراسات و وثائق - "وثائق جديدة وصور نادرة تُنشَرُ لأول مرة" - طبعة ثانية منزيدة ومنقحة

http://www.binbadis.net/Dirasat/lire...in_belkhit.htm







 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:20 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "