العدل مع أهل السنة

[harth]

العدل فضيلة ٌ ، وخلقٌ من أخلاق الصالحين ومريدي الصلاح ، والظلم رذيلة وسيئة ، وهو من أخلاق أهل الفساد ومريديه .

قامت السماوات والأرض بالعدل ، وبه قوام المعيشة ، وسلامة الناس ، وأمن المجتمعات .
وبالمقابل .. فإن الظلم من أسباب الضياع والهدم ، وبه لا تستقيم المعيشة .

الأمر بالعدل والنهي عن الظلم ورد كثيراً في القرآن والسنة ، وهو مع ذلك مما يدرك بالفطر وتعرفه النفوس ، وترتضيه العقول ، وإن كانت كافرة أو بعيدة عن الوحي .

وحينما يتمثل المسلم العدل فإنه يتمثله في جميع شؤونه ، ويعدل في كل أحواله ما استطاع لذلك سبيلا .

ومن الأمور التي يتطلب طرقها العدل والإنصاف :
أخطاء الأشخاص والتعامل معها .

فالمسلم حينما يقوّم الناس يكون عادلاً في تقويمه ، مبتعداً عن التحامل ، مجتنباً للهوى .
( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )

وإنّ من الظلم : عدم العدل مع المخطئ ، وإغفال المحاسن ، وإبداء المساوئ ، وتتبع الزلات ، وترصد الأخطاء .

من المشتهر عند عموم الناس :
أجر المجتهد المخطئ ، ولكن من غير المشتهر عندهم تقدير ذلك والعمل به .

نرى بعض المنتسبين للعلم والدعوة يتبنى منهجاً سيئاً في التعامل مع الأخطاء ، فتجده يفرح بعثرة أخيه المسلم ، وينشرها بل ويرى نشرها مما يتقرب به إلى الله ، وينسى محاسنه بل ويرى في ذكرها ذنباً وإثماً عظيماً .

بل يتجاوز الأمر ذلك إلى إخراج المسلم من دائرة أهل السنة وتبديعه وربما تكفيره لأجل أخطاء هي من سيما البشر .
( كل بني آدم خطـّاء )

هل السني معصوم ؟
كلنا سيقول : لا ، ولكن واقع حال أولئك أنهم يرون السني معصوم ، فهو إذا أخطأ خرج من دائرة السنة – بزعمهم – .

" ثمة فرق بين بيان الخطأ وكشفه ، وبين إخراج المخطئ من دائرة المنهج الصحيح ، فالأول مشروع والثاني خطأ إذا كان المخطئ ممن عرف بالسنة "

" قاعدة ذكر المحاسن في التقويم ضرورية وواجبة ، والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) ، والمقصود بالعدل في تقويم الآخرين : العدل في ذكر المساوئ والمحاسن ، والموازنة بينهما ... لا أحد يسلم من الخطأ فلا ينبغي أن تدفن محاسن المرء لخطأ "

قال شيخ الإسلام : ( ليس لأحد أن يتبع زلات العلماء كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل )

وقال الإمام الذهبي : ( ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه لما سلم معنا ابن نصير ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفضاضة ) سير أعلام النبلاء 40/14

" ومن العلماء الذين برز إنصافهم لغيرهم : الحافظ الذهبي – رحمه الله – فمن خلال كتابه القيم [ سير أعلام النبلاء ] والذي ترجم فيه لعدد من العلماء الأجلاء ، وكذلك لعدد ممن اشتهر بين الناس وكان من أهل البدع أو الفسق أوالإلحاد ، تجده لم يبخسهم مالهم من صفات ، بل أنصفهم بذكر مالهم وما عليهم ، ومن الأمثلة على ذلك :
1- قوله عن الواقدي : ( والواقدي وإن كان لا نزاع في ضعفه فهو صادق اللسان ، كبير القدر )
2- قال عن المأمون : ( كان من رجال بني العباس حزماً وعزماً ورأياً وعقلاً وهيبة وحلماً ومحاسنه كثيرة في الجملة )
3- قال في ترجمة قتادة الدوسي : ( لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري .. )
ومنهج الذهبي في العدل في وصف الآخرين ، منهج علمي دقيق وهو منهج أهل السنة والجماعة في أحكامهم على غيرهم ، وهو نابع من قوله تعالى : ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )
ولذلك ينبغي لكل من رام الإنصاف أن لا يحيد عن هذا المنهج السوي ، وأن يتقي الله عز وجل في وصف غيره ، ويتكلم بعدل وإنصاف "

بعض أهل العلم الفضلاء من المعاصرين ، لهم رأي مخالف ، فهم يرون ذكر محاسن المخطئ دعوة لخطأه ، وهذا غير صحيح ، فذكر المحاسن عند التحذير من الخطأ هو الذي لا يناسب ، أما ذكرها عند التقويم فهو من العدل ، وهذا وضحه الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في قوله :
" عندما نريد أن نقوم الشخص فيجب أن نذكر المحاسن والمساوئ ، لأن هذا هو الميزان العدل وعندما نحذر من خطأ شخص فنذكر الخطأ فقط ، لأن المقام مقام تحذير وليس من الحكمة ذكر المحاسن .."

ومنهم من يستدل بما يناسبه من منهج المحدثين في الجرح والتعديل ، ويردّ على هؤلاء بمنهج الإمام الذهبي – رحمه الله – وهو من أئمة هذا الشأن .


اللهم ارزقنا العدل في القول والعمل ، وجنبنا الجور والحيف والزلل ، واغفر لنا ما كثر منه أو قل .





ما لون بالأسود نقلته من مذكرة لــ: د/ عبد الله الزايدي ، الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض .