بعد الجريمة الدنماركية ... جريمة عظمى قادمة ... ماذا نحن فاعلون ؟
بعد الجريمة الدنماركية ... جريمة عظمى قادمة ... ماذا نحن فاعلون ؟
ــــــــــ
( 1 )
في الثامنة مســـاء الثلاثاء الماضي ـ ( 25 / 11 / 1426 هـ ـ 27 / كانون الأول / 2005 م ) ـ دخل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين إلى " فرح بوت " ـ " الباخرة فرح " ـ حيث يلتقي الروائي الكبير نجيب محفوظ بأصدقائه كل أسبوع .
أبو الفتوح اصطحب في زيارته الدكتور " هشام الحمامي " وكيل نقابة الأطباء لتهنئة محفوظ بعيد ميلاده ، واصطحب معه أيضاً " قلماً " فاخراً هدية " الإخوان " للروائي الكبير ليؤكد به :
( كم نحن فرحون أن يدك عادت للكتابة مرة أخرى بعد أن أراد الظلاميون أن يسكتوا هذه اليد وهذا الصوت ) .
من هنا لم يكن اللقاء عادياً ؛ فالتوقيت تم اختياره بدقة : نجاح عدد كبير من الإخوان في مجلس الشعب ، وتخوّفات المثقفين من هذا النجاح ، خاصة أن الدورة البرلمانية الماضية قدم الإخوان فيها عدداً من الاستجوابات تخص الثقافة والفن والإعلام .
فهل كانت الزيارة " محاولة " من الإخوان لطمأنة المثقفين عبر اختيار رمز من رموزهم هو نجيب محفوظ ؟
وهل تعبر الآراء التي ذكرها الدكتور أبو الفتوح عن نفسه فقط ، أم تمتد لتشمل الإخوان كلهم ، خاصة أن كثيراً من قيادات الإخوان داخل مكتب الإرشاد ترى أن أبو الفتوح " متطرف " في آرائه " الانفتاحية " ويختلفون معه في كثير من هذه الآراء ؟ .
لكن سواء كان الدكتور عبد المنعم يعبر عن نفسه أو عن جماعة الإخوان كلها ..
فالزيارة " جيدة ولم تكن متوقعة " كما قال نجيب محفوظ ، ( وتاريخية ) كما أشار الروائي جمال الغيطاني الذي اعتبرها أيضاً فرصة لطرح تساؤلات عديدة تدور في أذهان المثقفين حول موقف الإخوان من الثقافة والأدب.
الدكتور أبو الفتوح حمل رسالة من الإخوان إلى محفوظ : ( تحمل لك الإعزاز والتقدير ، وتعتبر أن النجاح النسبي الذي حققوه في الانتخابات نتيجة لفضل " محفوظ " على مصر كلها ، بنشره الاستنارة والاعتدال في كتاباته ورواياته ) .
الحوار الذي دار بين أبو الفتوح ومجموعة من الأدباء في حضرة محفوظ حمل إجابات كثيرة لقضايا تعتبر شائكة ، منها موقف الإخوان من الثقافة والفن ، وموقفهم من الأقباط .
مصر التسامح
في بداية اللقاء أبدى المهندس عماد العبودي سعادته بخطاب الدكتور أبو الفتوح الذي يعبّر عن إسلام مصر الخاص بها ، فأكد أبو الفتوح أن هناك روحاً معينة للإسلام المصري تتمثل في السماحة والودّ والحب الذي لا يعرف حدوداً .
وأضاف : عندما ذهبت أيام إعصار تسونامي إلي إندونيسيا قابلت نائب رئيس جمهورية إندونيسيا ، وبعد أن استقبلني كأمين عام اتحاد الأطباء العرب ، أخبره مدير مكتبه أنني " مصري " ، فقام الرجل واقفاً ليحييني لأنني مصري ، وقال لي إن مصر علمت العالم كله الإسلام السمح المستنير الهيّن اللين الذي يفتح صدره للدنيا كلها ، ينشر فيها الخير والحب .
وأضاف مخاطباً نجيب محفوظ : " هذا حدث بفضل الكتاب الشرفاء أمثالك ، وهم الذين علمونا هذا اللين والاعتدال " .
تحدث الروائي يوسف القعيد مؤكداً أنه التقى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ثلاث مرات في مكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو وجه مستنير ، ولكن هناك فيما يبدو " صقور " داخل الإخوان ، وهناك أشخاص متعصبون ، لذلك فزع المثقفون العرب من نتائج الانتخابات الأخيرة خوفاً على الثقافة والأدب . وأضاف القعيد أن نجيب محفوظ قال في حوار أخير معه إن الإخوان يجب عليهم أن يطوّروا أنفسهم حتى يلتقوا مع الواقع .
لماذا جيل السبعينات منفتح ؟
أوضح أبو الفتوح أنه أعجب كثيراً بما قاله نجيب محفوظ عن دمج الإخوان في العملية السياسية وفي المجتمع لأن هذا كفيل بأن يساعدهم على التطوير . من أكثر الأشياء التي أثرت على تطوير حركة الإخوان في السبعينات أنهم عزلوا عن المجتمع ، وحينما يعزل أي إنسان عن مناخه الطبيعي وعن بيئته الطبيعية فمن الصعب أن تطلب منه أن يطوّر نفسه ، ويكون من الظلم أن تستنكر عليه فكرة متطرفة أو رأيا غريباً . فالواقع هو الذي يطور الإنسان لا العزلة ، والحقيقة أن من أجمل ما قرأت ما قاله الأستاذ محفوظ بأن يعطى الإخوان حقهم في العمل العام ، وأن يخطئوا ويصيبوا ويصطدموا بالواقع ، وجيلنا الذي يسمى جيل السبعينات حينما فتح لنا السادات أبواب الدخول إلى الساحة العامة وفي اتحادات الطلاب ،
واصطدمنا بالإخوة الشيوعيين واصطدموا بنا ، وكنا في وقت من الأوقات لا نتصور أن شاباً يجلس ليتحاور مع يساري أو شيوعي ، ولكن التجربة أفادتنا ، ورأينا أن الحوار يأتي بنتيجة وسمعناهم ، وهذا ما جعل جيل السبعينات في الإخوان المسلمين هو الذي يقود الجماعة في اتجاه الاندماج في المجتمع والتواصل مع الآخرين أياً كانوا ، وهو الذي ليَّن أفكارنا وجعلها أفكاراً واقعية ، والإسلام كله دين واقعي .
فالقاعدة الأصولية هي " أينما تكون المصلحة فثم شرع الله " ، وحال الناس كله قائم على البحث عن مصلحة البشر ، فحينما تكون في موضوع مصلحة البشر فهذا الموضوع من شرع الله سبحانه وتعالى لا أحتاج أحداً يقول لي هذه هي الآية أو الحديث ، وإنما أثبت لك أن هذا الموقف هو لمصلحة الشعب والناس ، إذن هو من الشرع ولا أحتاج إلى دليل يثبته .
وهناك الآن ، رغم ما حققه الإخوان في المجلس ، تخوفات مبررة لأن المفهوم الإسلامي الصحيح كان ضحية بعض الأطراف المتطرفة أو التجمعات المتطرفة وهي قليلة ولا تعبر عن التيار العام ، وقد شوهت هذه التيارات صورة الإسلام وأساءت إليه ، وصوتها زاعق لكونها متطرفة ، في ذات الوقت كان التيار المعتدل معزولاً وممنوعاً ، وأنا أتصــور أن هذه العزلة ضد مصلحة مصر .
هذه هي الرسائل التي وصلت المثقفين ، وأنا مع احترامي للإخوة في السعودية فأنا أسميه الفكر البدوي الذي يحرّم الغناء والموسيقى . الإسلام لم ينزل ليحرّم ، القاعدة الأصولية تقول إن الله خلق الإنسان بريء الذمة ، أي ذمته وخالية من التكليف خالية من أن تقول له هذا حرام وهذا حلال ، والشرع جاء بعدد قليل من المحرمات ليحمّل ذمة البشر بها .. نحن عانينا من كثرة التحريمات .
نجيب محفوظ علق على ما قاله أبو الفتوح: النبي | أهدى بردته إلى شاعر .
وأضاف أبو الفتوح : على مدار الدولة الإسلامية كلها كان الزنادقة يتحدثون ويجلسون في مقاعدهم ويحاورهم الفقهاء والعلماء ويختلفون معهم ، ولم نسمع عن حاكم مسلم سويّ قطع رقاب الزنادقة .. فما بال من يريد ألا يجعل للفن والإبداع والسينما وجوداً . هذا من الذوق العام ، يلينه ويجمّله ويظل الخطأ خطأ والسيئ سيئاً سواء كان في الفن أو كان في الطب .
قطب .. سيدان
تساءل الروائي جمال الغيطاني لماذا لا يصل هذا الكلام إلى العالم لأن صورتنا في العالم كمسلمين سيئة جداً ؟
كما تساءل يوسف القعيد عن مؤشرات موقف الإخوان من الأدب والفن : كتاب سيد قطب " معالم في الطريق " فيه فصل كامل عن الموقف من الأدب والفن ، وثانياً هناك فتاوى " جماعة الإخوان " التي كانت تنشر في مجلة الدعوة ، وثالثاً سلوكيات أعضائها في البرلمان ، وتحركاتهم والقضايا التي كانت تشغلهم ، وكل هذه المؤشرات لا تتفق مع ما ذكره الدكتور أبو الفتوح الآن بل تتناقض معه .
أجاب أبو الفتوح : هناك اثنان : " سيد قطب " الأول قبل عام 1954 ، والثاني بعد ( 54 ).. الأول لا يختلف أحد عليه وعلى تقديره ، حتى إن كثيراً من المثقفين لا يعرف أن مؤلفه " في ظلال القرآن " هو عبارة عن خواطر في القرآن الكريم وليس تفسيراً للقرآن ، لأنه لم يكن عالماً بل أديباً ، فكتب خواطر " في ظلال القرآن " ، الذي يباع الآن هو الذي كتب بعد ( 54 ) .
فقبل دخوله السجن كان قد كتب خواطر . حول الأجزاء الأربعة عشر الأولى من القرآن الكريم ، وأنا أبحث عما كتبه عن هذه الأجزاء ، وقد قرأها المستشار مأمون الهضيبي الذي قال لي إن ما كتبه قطب قبل السجن مختلف عما كتبه " في ظلال القرآن " بعد 54 ، فعندما دخل السجن وتعرض للتعذيب استكمل الكتاب ، وأعاد كتابة الـ ( 14 ) جزءاً مرة أخرى ، ولكن في ظل حالة خصومة مع الدنيا كلها .
وأنا كطبيب لا يمكن أن أؤاخذ إنساناً في حالة كحاله على تصرفاته ، وأتذكر أنني في عام ( 1979 ) كنت أجري عملية فتح خراج لمريض ، فقام بصفعي على وجهي ، لا يمكن أن أغضب أو ألوم هذا المريض على ما فعل . والتعذيب الذي تعرض له سيد قطب جعله في حالة غير طبيعية ، وأنا لا أبرر ما كتبه ، ولكن التعذيب الذي تعرض له جعله غاضباً من المجتمع كله ، وفي ظل التعذيب لا يستطع الإنسان أن يمتلك من الرشد والحكمة ما يجعله يلتمس العذر للشعب. ومع ذلك فإن ما كتبه قطب في كتابه " في ظلال القرآن " يختلف عما كتبه بعد ذلك بعد 54 ، ويختلف عما كتبه الإمام البنا ، ويتحمله سيد قطب وليس له علاقة بفكر الجماعة.
هل الإخوان مستنيرون؟
تساءل المحامي مجدي سعد هل الأغلبية من الإخوان لديها هذا الفهم المستنير للدين ؟!
أجاب أبو الفتوح : إن الأجيال الموجودة في الإخوان ، والتي حققت إنجازاً يحسب لمصر في البرلمان أو في النقابات المهنية أو نوادي هيئة التدريس معظمهم ، بل 99% منهم ، من الأجيال التي نشأت بعد سنة 1970.
وأضاف أبو الفتوح: لدى الإخوان مرحلتان :
الأولى : مرحلة الإمام البنا ، وهي التي استمرت حتى عام 1954.
أما المرحلة الثانية : فهي مرحلة ما بعد السبعينات ، وهي مرحلة جديدة دخلوا فيها المجتمع واتحادات الطلاب ، والنقابات والبرلمان .
وبالتالي فالأجيال الجديدة التي نشأت في السبعينات كلها تحمل هذا الفكر وهذه الآراء ، وإن كان ذلك لا ينفي أن يكون هناك بعض الأفراد يحملون بعض الأفكار المتطرفة فنحن شريحة بشرية ولسنا " قوالب طوب " ، ستجد بعض الأفراد يمكن أن يكونوا متطرفين ، ولكن الشريحة العامة في الإخوان المسلمين تحمل هذا الفكر الذي لولاه لما حققت النجاح في النقابات والبرلمانات وعاشت في خصومة مع أبناء وطنها ، وما كانت لتقوم بالأعمال الخدمية المتمثلة في المستوصفات والمدارس وما تفعله لمجتمعها. ولكن هذا لا يمنع أن يصدر فرد من الإخوان " فتوى " معينة ، نحن غير مسؤولين عنها لأن البعض يتصور أننا كمسؤولين عن الإخوان نقبض عليهم بيد من حديد وهذا غير صحيح ، هناك " التزام " ، بل نعتبر أكبر التجمعات السياسية التزاماً ونسميه " سمعاً وطاعة " ، وهو لا يختلف عما يسميه آخرون " الالتزام الحزبي " ، ولكن يظل أنك تتابع مجموعة من البشر بعضهم يخطئ والبعض يصيب .