كثيرا ما يتغنى الرافضة حول روايات التمسك بالعترة وقد فنّدها الدكتور علي السالوس في كتابه مع الأثني عشرية في الأصول والفروع دراسة مقارنة في العقائد
يقول تحت عنوان "ثانيا : روايات التمسك بالكتاب والعترة ":
من هذه الروايات ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم ، وسبق ذكره عند الحديث عن آية التطهير ، وفى تلك الروايات الحث على التمسك بكتاب الله تعالى ، ثم قوله صلى الله عليه وسلم : " أذَّكركم الله في أهل بيتي " ، وقول زيد : " إن نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده " وقال " هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس " . وهذه الروايات تحثنا معشر المسلمين على أن نرعى حقوق آل البيت ، بيت نبينا صلى الله عليه وسلم ، فنحبهم ونوقرهم وننزلهم منازلهم ، فحبنا لرسولنا الأعظم يدفعنا لحبنا لآله الأطهار ، وعلينا أن نصلهم ، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال : " والذى نفسى بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتى" ، وقال " ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ".
وبالطبع لا تدل هذه الروايات على وجوب الإمامة لآل البيت ، ولا لأحد بعينه ، فلا صلة بين التذكير بأهله والنص على خلافة بعضهم .
وأما باقي الروايات فإنها جاءت في المسند ، وفى سنن الترمذي . وروايات المسند هي :-
1. حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا إسرائيل يعنى إسماعيل بن أبى إسحق الملائى ، عن عطية ، عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إنى تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ".
2.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد يعنى ابن طلحة ، عن الأعمش ، عن عطية العوفى ، عن أبى سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنى أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنى تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله عز وجل ، وعترتى ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فانظرونى بم تخلفونى فيهما ؟ " .
3.حدثنا عبد الله ، حدثنا أبى ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبدالملك يعنى ابن أبى سليمان ، عن عطية ، عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي. ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " .
4.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبدالملك بن أبى سليمان ، عن عطية العوفى ، عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى : الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي . ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " .
5.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا الأسود بن عامر ، ثنا شريك ، عن الركين، عن القاسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنى تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلى الأرض - وعترتى أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يرد ا على الحوض " .
6.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا أحمد الزبيرى ، ثنا شريك عن الركين ، عن القاسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض جميعاً " .
والترمذى أخرج روايتين هما :- حدثنا نصر بن عبدالرحمن الكوفي ، حدثنا زيد بن الحسن هو الأنماطى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : " ياأيها الناس ، قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى ، كتاب الله وعترتى أهل بيتي " (حسن غريب ) .
-حدثنا على بن المنذر كوفى ، حدثنا محمد بن فضيل قال ، حدثنا الأعمش ، عن عطية ، عن أبى سعيد ، والأعمش عن حبيب بن أبى ثابت ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ،أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما " . (حسن غريب) .
مناقشة الروايات
هذه هي روايات التمسك بالكتاب والعترة ، و بالنظر فيها نجد ما يأتي :-
عن أبى سعيد الخدري خمس روايات ، الأربع الأولى من المسند ، والثانية من سنن الترمذي ، وهذه الروايات كلها يرويها عطية عن أبى سعيد .
وعطية هو " عطية بن سعد بن جنادة العوفى " والإمام أحمد نفسه - صاحب المسند - تحدث عن عطية وعن روايته عن أبى سعيد فقال بأنه ضعيف الحديث ، وأن الثوري وهشيما كانا يضعفان حديثه ، وقال : بلغنى أن عطية كان يأتي الكلبى فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبى سعيد فيقول : قال أبو سعيد فيوهم أن الخدري .
وقال ابن حبان : سمع عطية من أبى سعيد الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبى ، فإذا قال الكلبى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، فيحفظه ، وكناه أبا سعيد ، وروى عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا ؟ فيقول : حدثني أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري ، وإنما أراد الكلبى ، قال : لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
وقال البخاري في حديث رواه عطية : أحاديث الكوفيين هذه مناكير ، وقال أيضاً : كان هشيم يتكلم فيه . وقد ضعفه النسائي أيضاً في الضعفاء ، وكذلك أبو حاتم . ومع هذا كله وثقه ابن سعد فقال : " كان ثقه إن شاء الله ، وله أحاديث صالحة ، ومن الناس من لا يحتج به " . وسئل يحيى بن معين : كيف حديث عطية ؟ قال : صالح
وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل . وقد يقُال هنا : إذا كان الإمام أحمد يرى ضعف حديث عطية فلماذا روى عنه ؟
والجواب أن الإمام إنما روى في مسنده ما اشتهر ، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم . ويدل على ذلك أن ابنه عبد الله قال : قلت لأبى : ما تقول في حديث ربعى بن خراش عن حذيفة ؟ قال : الذي يرويه عبدالعزيز بن أبى رواد ؟ قلت : نعم ، قال الأحاديث بخلافه ، قلت : فقد ذكرته في المسند ؟ قال : قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لن أرو من هذا المسند إلا الشئ اليسير . وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة من المسند ، ورد كثيراً مما روى ، ولم يقل به ، ولم يجعله مذهباً له .
وعندما عد ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرحها الإمام أحمد في مسنده ، وثار عليه من ثار ، ألف ابن حجر العسقلانى كتابه " القول المسدد في الذب عن المسند " ، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي ، ثم أجاب عنها ، ومما قال : " الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شئ من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام ، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع ، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا . وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا . وهكذا حال هذه الأحاديث .
وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسك بالعترة .
الرواية الثانية للترمذى رواها عن على بن المنذر الكوفي ، عن محمد بن فضيل ، ثم انقسم السند إلى طريقين : انتهى الأول إلى عطية عن أبى سعيد ، والثانى إلى زيد بن أرقم ، ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل . وإذا نظرنا إلى الروايات الأربع السابقة التي رواها عطية عن أبى سعيد نجد توافقاً تاماً في المعنى وفى كثير من اللفظ بينها وبين هذه الرواية ، مما يرجح أن هذا الطريق هو الأصل ، وهو المذكور أولاً في الإسناد ، ومن قبل تحدثنا عما رواه الإمامان أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم بطرق متعددة وفى تلك الروايات ذكر قوله صلى الله عليه وسلم " وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " .
وهذا يتفق بعض الشئ مع رواية الترمذي ، لكن بينهما اختلاف كبير يستوجب عدم الجمع ، مما يجعلنا نطمئن إلى ضم رواية الترمذي إلى الروايات الأربع التي رواها عطية عن أبى سعيد ، واستبعادها عن روايات زيد بن أرقم إلا في موضع الاتفاق .
والذى جمع بين الطريقين في هذا الإسناد على بن المنذر الكوفي أو محمد بن فضيل ، ولكن الثانى روى عنه مسلم في إحدى رواياته السابقة عن زيد بن أرقم ، فيُستبعد الجمع عن طريقه . فلم يبق إلا على بن المنذر ، وهو من شيعة الكوفة . قال ابن أبى حاتم : سمعت منه مع أبى ، وهو صدوق ثقة . وذكره ابن حبان في الثقات . وقال ابن نمير : هو ثقة صدوق . وقال الدار قطنى : لا بأس به ، وكذا قال مسلمة بن قاسم ، وزاد : كان يتشبع .
وقال الإسماعيلى : في القلب منه شىء لست أخيره . وقال ابن ماجه : سمعته يقول : حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلاً .
وما سمعه منه ابن ماجه يجعلنا نتردد كثيراً في الاحتجاج بقوله : فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلاً ؟ ليس من المستبعد إذن أن يجمع راوٍ شيعي كهذا روايتين في مناقب أهل البيت تتفقان في شىء وتختلفان في شىء آخر ، وهذا يجعلنا نزداد اطمئناناً إلى ما انتهينا إليه من جعل هذه الرواية مع الروايات الأخرى لعطية عن أبى سعيد ، وفصلها عن روايات زيد بن أرقم .
على أن هذه الرواية فيها ضعف آخر . وهو الانقطاع في موضعين ، فالأعمش وحبيب بن أبى ثابت مدلسان . وهما يرويان بالعنعنة . فلم يثبت سماع كل منهما هنا .
والأعمش وحبيب من الثقات . وثبت سماع الأعمش من حبيب ، وسماع حبيب من زيد بن أرقم . إلا أن في هذه الرواية لم يثبت السماع ، والأعمش فيه تشيع وهو كوفى ، وحبيب كوفى أيضاً ، وفى بيئة الكوفة يمكن أن تشيع مثل هذه الأحاديث دون دقة أو تمحيص .
وحبيب نفسه قال لابن جعفر النحاس : إذا حدثني رجل عنك بحديث ، ثم حدثت به عنك كنت صادقاً .
فحبيب كان صادقاً ليس بكاذب ، إلا أنه أبان عن رأيه ، فليس من الكذب عنه أن يسمع من راوٍ عن آخر ، فيروى عن الآخر مباشرة بما لايفيد السماع منه .
وفى المستدرك روى الحاكم هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب . وهذا ما يحتاج إلى مراجعة الإسناد الذي ذكره ، وما أكثر رجاله . غير أننا لسنا مضطرين إلى بذل هذا الجهد ، فإن ثبت سماع الأعمش بقى أكثر من موطن ضعف . والحاكم ذكر الحديث بروايتين :-
إحداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل ، وسيأتي أنه هو نفسه ضعف الحديث كما ذكر ابن تيمية ، والأخرى بين الذهبي وهَىْ إسنادها .
القاسم بن حسان العامرى الكوفي روى الروايتين الخامسة والسادسة من المسند عن زيد بن ثابت ، ورجح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال :
" وثقة أحمد بن صالح ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط ، ولم يذكر عنه شيئاً ، وترجمه ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً ، ثم نقل عن المنذرى أن البخاري قال : القاسم بن حسان سمع من زيد بن ثابت ، وعن عمه عبدالرحمن بن حرملة ، وروى عنه الركين بن الربيع ، لم يصح حديثه في الكوفيين " .
ثم عقب شاكر على هذا بقوله " والذى نقله المنذرى عن البخاري في شأن القاسم بن حسان لا ادرى من أين جاء به ، فإنه لم يذكر في التاريخ الكبير إلا اسمه فقط كما قلنا ، ثم لم يترجمه في الصغير ، ولم يذكره في الضعفاء ، وأخشى أن يكون المنذرى وهم فأخطأ ، فنقل كلام ابن أبى حاتم بمعناه منسوباً للبخاري ، وأنا أظن أن قول البخاري في عبدالرحمن بن حرملة " لا يصح حديثه " إنما مرده إلى أنه لم يعرف شيئاً عن القاسم بن حسان ، فلم يصح عنده لذلك حديث عمه عبدالرحمن "
وفى توثيق القاسم بن حسان نظر ، فابن حبان ذكره أيضاً في أتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت ، وقال ابن القطان : لايعرف حاله .
والبخاري ذكر اسمه فقط في التاريخ الكبير ، وليس في هذا توثيق و لا تضعيف . وفى الجرح والتعديل حقيقة لم يذكر فيه جرحاً ،ولكن لم يذكر فيه كذلك تعديلاً . وإذا كان الظن بأن البخاري ضعف عبدالرحمن بن حرملة من أجل القاسم، فمن باب أولى أن يدخل القاسم في الضعفاء ، ويبقى هنا الإشكال وهو أن البخاري لم يذكره في الضعفاء ، ولم يذكر فيه جرحاً في كتبه الأخرى المذكورة ، فمن أين جاء المنذرى بما نقله عن البخاري ؟
لعل المرحوم الشيخ شاكراً كان يتردد فيما كتب لو عرف أن البخاري له كتاب كبير في الضعفاء يقع في تسعة أجزاء ، وهو مخطوط و لا يوجد منه نسخ في مصر ، فلم لا يكون المنذرى نقل منه ؟ وفاته كذلك أن يقرأ ترجمة القاسم في ميزان الاعتدال ، فقد نقل الذهبي عن البخاري أن القاسم بن حسان حديثه منكر و لا يعرف ( ، وهذا قول لا يحتمل الوهم . فلا شك أن المنذرى والذهبي قد رجعا لما لم يتيسر لنا الرجوع إليه ، وأغلب الظن - إن لم يكن من المؤكد - أنهما نقلا عن كتاب الضعفاء الكبير للبخاري .
لم يبق إذن إلا الرواية الأولى للترمذى ، وفى سندها زيد بن الحسن الأنماطى الكوفي ، الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر بن عبد الله ، قال أبو حاتم عن زيد هذا : كوفى قدم بغداد ، منكر الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات .
وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر ، وليس فيها " وعترتى أهل بيتي " ، وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرق متعددة في مختلف كتب السنة ، وليس فيها جميعاً ذكر لهذه الزيادة .
الاختلاف حول الحديث
رأينا فيما سبق ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم ، وهذا لا خلاف حول صحته .
ورأينا الروايات الأخرى لهذا الحديث ، وظهر ما بها من ضعف . وهنا ملحظ هام وهو أن الضعف أساساً جاء من موطن واحد وهو الكوفة . وهذا يذكرنا بقول الإمام البخاري في حديث رواه عطية : أحاديث الكوفيين هذه مناكير .
ومن هنا ندرك لماذا اعتبر ابن الجوزي هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة ، وإن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع .
وفى فيض القدير شرح الجامع الصغير ذكر الحديث من مسند الإمام أحمد ، ومعجم الطبرانى رواية عن زيد بن ثابت ، وصحح الحديث السيوطى والمناوى ، وقال المناوى : " قال الهيثمى : رجاله موثقون ، ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به ، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر وزاد أنه قال : في حجة الوداع ، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي . قال السمهودى : وفى الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة " ا . هـ .
وتحدثنا من قبل عما رواه الإمام أحمد عن زيد بن ثابت ، وبينا ضعف الإسناد ، وبالنظر فيما رواه الطبرانى نجد موطن الضعف نفسه . فهو من رواية القاسم بن حسان ، فقول الهيثمى يعنى توثيق القاسم .
وما ذكره عن حجة الوداع هنا بيناه من قبل . فالتصحيح إذن غير مقبول ، غير أننا قد نوافق على عدم جعل الحديث من الموضوعات ، ومع هذا فابن الجوزي قد يكون له ما يؤيد رأيه ، فليس من المستبعد أن يكون الحديث كوفى النشأة ، وأن يكون مصنوعاً في دار الضرب التي أشار إليها الإمام مالك ، ومن هنا يمكن أن ينسب إلى عشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، بل إلى سبعين غير أنه لو صح عن صحابى واحد لكفى إلا أن يكون ممن لا يستحق شرف الصحبة .
ولعل من المهم هنا أن نذكر أن الإمام أحمد بن حنبل ، وهو ممن أخرج الحديث ، ذكر أنه ضعيف لا يصح ، فهو إذن غير صحيح بالنسبة إلى أي من الصحابة الكرام .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رفض هذا الحديث وقال : " وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعفه ، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا : لا يصح " .