الأخ المكرم تقي الدين الغزي (الأثري!) أصلحك الله.
اطلعت على كتابك بالأمس وتصفّحت فهرسه، وأثارني فضولٌ لقراءة محتوى الحديث الثالث عشر - دون أن أقرأ سواه - وليتني لم أقرأ ! فقد وجدت فيه جهالات شديدة، وضلالات شنيعة، وأكاذيب نقلتها من شيخك أصلحه الله وهداه.
ويؤسفني أن أقول لك أن شيخك محمد الأمين ليس له من اسمه نصيب، ولا يتحرّى النقل بأمانة، وهو حاطب ليل لا يقرأ كثيراً ، وإن قرأ لا يفقه كثيراً مما يقرأ.
أما أنت أخي تقي الدين الغزي فقد أبعدت النُّجعة، وحسبك من الإثم أن تتقلّد العلم وتدّعيه وتركب الإفك وتحكيه، فما هكذا تنتصر الأديان، فاتق الله في نفسك ولا تكن من المبطلين. فإما أن تسلك مسلك الأئمة المهديين، أو خلّ عنك العناء واعط القوس باريها، فإنما هو جد ودين لا لهو ومراء.
وعهدي بك أخي تقي الدين الغزّي محباً للسلف غيوراً على السُنّة، فأرجو أن تراجع نفسك في جلّ ما كتبته وما نقلته عن شيخك، فإن بعض ما كتبته لا يليق بطويلب علم. فلعلّ الله يفتح عليك ويشرح صدرك للحق.
ومروان بن الحكم قد مات رحمه الله وأفضى إلى ما قدّم، وركب فتنة وقانا الله منها وهمدت، وله مناقب وخسائس حاله حال غيره، ومنهج أهل السنة قائم على العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه دون تهويل أو تبخيس فلا بأس في الدفاع عنه، ولكني أرى شيخك قد أشفق على مروان لافتراء الناس عليه، وانبرى للدفاع عنه، فإذا به يرفعه مقاماً علياً لا حظّ له به، ثم يفتري على ثُلّة من الرجال هم خير من ملء الأرض مثل مروان، فخفض رفعتهم ليرفع خسيسة مروان! فما بال الأمين يفصم عقله عن وجدانه فيدفع الفرية بالفرية تلو الفرية؟ أجعل الله قلبين في جوفه أم ران على قلبه ما سطّر بقلمه ؟
وقد بدا واضحاً أيها الأخ المكرم أنكما لم تتبعا منهج السلف وطريقة أهل العلم المهديين في التحقيق وتقصي كافة الروايات والاطلاع على المتابعات والشواهد، ثم الأخذ بأبسط قواعد الترجيح وفقاً للأصول المرعية. ولو حدث ذلك لهان الأمر، ولكنكما اتبعتما طريقة أهل الأهواء المبنية على انتقاء ما يعجبني والإعراض عما لا يعجبني، مما يدل على فقر باعكما إلى العلم وعدم إلمامكما بأبجديّات البحث العلمي، وأفضى ذلك إلى تخبّطكما خبط عشواء وصيد ظلماء، منفردين خارج السرب بلا إمام تحتمون به خلفكم أو أثر تسندون إليه أمركم، فوقعتما في الجهل المبين وخضتما مع الخائضين. فلا أحد من السلف الصالح تسنّم الذي ركبتم ولا زبر الذي نفثتم، ولا أحسب هذا الشطط في الوقوع في المجازفات الكبيرة بتحمل تلك الآراء دون تمحيصٍ وافٍ إلا من باب الغرور بالنفس، وعدم تقدير العلوم قدرها ولا تحميلها المحمل اللائق بها.
والعجيب أنك تكنّي نفسك بالأثري، وشيخك يكنّي نفسه بالأمين، فلا أنت اقتفيت آثار السلف، ولا هو كان أميناً في النقل، فسبحان الله الذي لا تنقضي عجائبه في خلقه أن يتخاصم المرء مع اسمه كتخاصم غربه مع شرقه، وأخشى أن تصيبكما فتنة، فأسأل الله لي ولكما ولسائر المسلمين السلامة من الزيغ، وأن يثبّتنا على دينه حتى نلقاه.
ولا تغضب لشدتي عليك، فلعلّ ذلك خير لك. وقد تعمّدت الكتابة على العام لسببين، الأول: لأبيّن للقارئ أن ما كتبته يمثّلك وشيخك ولا يمثّل أهل السنة والجماعة عافاهم الله من تخبطكما وتناقضكما. والثاني: لأنبّهك وأوقظك من غفلتك قبل أن تصيبك فتنة ما أنت عنها ببعيد، فقد اقتحمت لجّة أنت أعجز من خوضها، وارتقيت مركباً صعباً بينك وبينه مفاوز انقطعت لأجله أكباد الإبل، وزلّت فيها أقدام من هم خير منك وأكثر علماً وحلماً. فلا تستعجل - وفّقك الله - في الكتابة قبل أن ترسخ قدمك في العلوم الشرعية، وتشتد ساعداك في طلب العلم من مظانه الصحيحة، وتعرف أهل العلم الثقات الذين يؤخذ عنهم، فإن معرفتهم نصف الدين.
واعلم أن اختلاف همم النفوس بحسب اختلافها في الفضل، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فاخلص قلبك له يفقهك في دينه، واكتسب العلم عن السلف الأكابر يغنـيك الله عن جهالات الأصاغر، فوالله لولا الأئمة الأوائل، لمات دوننا الأفاضل وساس ديننا الأراذل. فالله المستعان، وإليه المشتكى. والسلام على من اتبع الهدى.
للفائدة.