من المعروف أن أي تنظيم في مثل حالة حرب العصابات والمجموعات الصغيرة يتكون من قادة كثر بقدر عدد تلك المجموعات . وفي هذه الحالة يقل الاعتماد على القيادة الموحدة ـ لصعوبة التواصل معها ـ ولذا فكل مجموعة تمتلك غالباً تفويضاً عاماً باتخاذ القرار حسب طبيعة المكان والزمان ، خاصة أن تلك المجموعات تعرف أهدافها بشكل مجمل وعام . وإذا مضى وقت طويله على هذه تشكل هذه المجموعات يصبح عملها أشبه بالعمل الميكا************ي الرتيب .
ولذا فرحيل قائد المجموعة يصبح في احيان كثيرة أكثر تأثيراً ميدانياً من رحيل أحدٍ في القيادة العامة . وفي الحالة العراقية فإن رحيل قائد عام لا يؤثر بشكل مباشر على التشكيل العام . كما يؤثر رحيل القائد العام للجنود النظاميين الذين تعودوا أن يأخذوا كل التوجيهات من قيادتهم العامة .
وفي حالة العراق كذلك فالقيادة العامة لكل تنظيمات المقاومة تدرك قوة احتمالية رحيل أي فرد في القيادة العامة في أي وقت . ولهذا فقطعاً هناك ترتيبات محكمة تقضي باستمرار قوة التنظيم وتماسكه في كل الحالات . وهذه من البدهيات .
ماذا عن أبي مصعب ؟
لابد أن نعرف أن تنظيم القاعدة في العراق لايمثل إلا جزءً ليس كبيراً من تشكيلات تنظيمات المقاومة العراقية ـ فلا يقارن مثلاً بالجيش الإسلامي ـ . ولكن الأمريكان ضخموا من تنظيم أبي مصعب ( غير العراقي جنسية)وكأنه هو اللاعب الوحيد . فهم ـ كعادتهم ـ يضعون رمزاً يخوِّفون به ، ويلاحقونه . فإن لم يقبضوا عليه خوفوا به شعبهم وباقي الدول ، وبرروا بفعله فضائعهم وإن قبضوا عليه أعلنوا للناس انتصارهم . وهذه من ألاعيبهم المعروفة . (قبل أسبوع قال رامسفيلد بعد فضيحة حديثة : أخطاؤنا لا تقارن بفضائع الزرقاوي!!)
عدة أمور :
الأول : احتمالية أن يكون خليفة الزرقاوي أشد شراسة ، وقوة ، وحنكة ، وتمرساً ، تبقى موجوده وغير مستبعدة . ولذا فرحيله قد يؤدي إلى انتقال قيادة التنظيم من شديد إلى أشد ، ومن صلب إلى أكثر صلابة . ولذا كانت تصريحات الغربيين فرحة لكنها غير متفائله كثيراً بتغير الحال .
الثاني : أجزم أن أبا مصعب ومن معه قد أخذ كامل فرصته ووقته ـ ثلاث سنوات ـ بتشكيل تنظيم مقاومة مترابط لايسهل خلخلته بهزة مثل مقتل قائده .
الثالث : بعد رحيل أبي مصب تحولت القيادة إلى عراقي . وهذه ستحرج المحتلين والحكومة لأنهم كانوا يرون أبا مصعب لايمثل العراقيين . وبهذا انظم النظيم لباقي التشكيلات العراقية بقيادة عراقية .
الرابع : فرحُ المحتلين والصفويين كان يخفي وراءة هزيمة معنوية كبيرة حاولوا إخفاءها بطقوس احتفالية ظاهرية .تمثلت تلك الهزيمة بعدم مقدرتهم على القبض عليه حياً . وبهذا فاتت عليهم فرصة عظيمة للحصول على معلومات خطيرة جداً (وكان بوش وعد شعبه أنه سيجلبه للعدالة الامريكية!) ، وفاتت عليهم كذلك فرصة مسرحية محاكمةٍ كانت ستتفوق على مسرحية محاكمة صدام .
الخامس : قدّر الله ـ وهو الحكيم العليم ـ أن لا يكون للصفويين التكفيريين أي يد في مقتله وهم قد بذلوا كل ما يملكون من جهد لتتبعه والظفر به . لكن أبى الله ذلك . (الطريف أن الصفوي نوري كاملي أعلن براءة الحكومة من المشاركة في قتله) (حتى بعد موته يهابونه)
النتيجة :
لن يحصل أي تراجع ميداني ، بل ربما تتطور الأمور أكثر .