الحمد لله تعالى . . . والصلوات الطيبات الزاكيات على محمد وآله تتوالى . . .
أسأل الله أن ينفع بهذا المبحث عقولا تحررت من التعصب والتقليد , باحثة عن الحق بلا تقييد ,
عزيزي القارئ / أرجوك إقرأ بإنصاف وتأمل وتدبر , لا تتعجل وتحكم قبل أن تتم قرآئتك ـــ
ملاحظة : كاتب هذه النقد هو شيخ شيعي منصف ـــــــــــ ,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العصمة وكتاب الألفين والمنهج الاستقرائي
- هناك مشكلة رئيسة اصطدم فيها التنظير العقلي الشيعي مع «بيان النص»، فأسفر ذلك عن اعلان التقنين الخاص بعلاقة العقل بالنص كعلاقة محكم بمتشابه، وهي المشكلة التي سُميت بمسألة (العصمة)، الامر الذي يكشف عن خطورة هذه المسألة وأهميتها. فمن الأولويات المعيارية للعقل الشيعي تأسيسه لعصمة الأنبياء والأئمة بنحو مطلق وشامل. وقد جاء هذا التأسيس على حساب «بيان النص»، حيث تحول البيان الى متشابه مورست في حقه عملية التأويل، وأحياناً تعرض النص الى الطرح والرفض إن كان خبراً ورواية[1].
- دعنا اولاً نتعرف على موارد الاتفاق والخلاف بين المذاهب الاسلامية حول هذه القضية. فقد اتفقت الامة الاسلامية على الاعتقاد بوجوب عصمة الانبياء عن كل ما يناقض مدلول المعجزة وهو صدقهم فيما يبلغون. كما واتفقت على وجوب عصمتهم عن جميع الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة. فبعضهم رأى العقل دالاً على ذلك، وبعض اخر رأى الاجماع هو الدال لا العقل. أما مورد الخلاف فقد كان دائراً حول الصغائر من الذنوب والاخطاء والسهو والنسيان. فبعضهم اجاز عليهم هذه الصغائر، وبعض اخر أنكرها عقلاً، كما أن بعضاً ثالثاً اعترف بعدم قيام الدليل النقلي القطعي على كلا الوجهين، وهو الموقف الذي اتخذه إمام الحرمين الجويني[2].
- كما هناك خلاف بين المسلمين حول العصمة قبل زمن النبوة، فبعضهم اعتقد بأن الواجب من العصمة، سواء في الصغائر او الكبائر، انما هو في زمن النبوة فحسب، كالذي ذهب اليه أبو هذيل العلاف وأبو علي الجبائي مع أكثر الاشاعرة. وقد أيد القاضي الهمداني هذا الوجوب إلا أنه حدده فيما يخص الرسالة والتبليغ[3]، ومع ذلك فهو ينفي الكبائر ويجوّز الصغائر طالما لا تستحق الذم، لهذا فسّر إخراج ادم وحواء من الجنة بأمر لا يتعلق بالذم والعقوبة، بل لصلاح يراه الله في ذلك[4].
- هكذا فمورد الخلاف بين المسلمين لم يكن بصدد تلقي الوحي ولا تبليغ الرسالة ولا حتى الوقوع في الكبائر من الذنوب حال النبوة، فكل ذلك يكون فيه النبي معصوماً، إنما ينحصر الخلاف قبل النبوة او خلالها بما يخص صغائر الذنوب البسيطة غير المنفرة، وكذا الخطأ والسهو والنسيان فيما هو خارج عن التبليغ.
- دعنا في البداية نحدد ما كان عليه سلف الامامية من خلاف يخص هذه المسألة، وكيف تم التنظير لها فيما بعد عقلياً، ومن ثم حاول بعض المتأخرين ان يدعم هذا التنظير العقلي بشواهد من نصوص القرآن، كما هو الحال مع العلامة الحلي.
- لقد انقسم قدماء الشيعة حول العصمة الى عدد من الطوائف. فالكثير منهم ذهب الى ان الائمة معصومون - تماماً - ويحملون العلم اللدني وانهم لا يختلفون فيما بينهم، رغم ان شواهد البحث في الرواية والرجال لا تؤيد هذا الاعتقاد كما فصلنا الحديث عن ذلك في كتابنا (مشكلة الحديث)[5]. وفي قبال هؤلاء ذهب جماعة الى ان الائمة هم من كمّل المؤمنين مع نفي العصمة، لكن شاء المغالون والوضاعون ان يدسوا في الإمامة كل ما يريدونه حتى رفعوها الى حد الربوبية عبر ما يطلق عليه (الولاية التكوينية) ربما تأثراً باسقاطات النظام الوجودي[6]. فقد ذكر الوحيد البهبهاني في (الفوائد الرجالية) ان كثيراً من القدماء لا سيما القميين وابن الغضائري كانوا يعتقدون بان للائمة مكانة لا يجوز تعديها والارتفاع عنها، وكانوا يعدون التعدي ارتفاعاً وغلواً، فاعتبروا مثل نفي سهو النبي عنهم غلواً، بل وربما جعلوا نسبة مطلق التفويض اليهم او التفويض المختلف فيه او الاغراق في اعظامهم وحكاية المعجزات وخوارق العادات عنهم او المبالغة في تنزيههم عن كثير من النقائص واظهار سعة القدرة واحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء والارض ارتفاعاً وموجباً للتهمة، خصوصاً والغلاة كانوا مخلوطين بهم يتدلسون فيهم. ثم اشار البهبهاني الى ان القدماء كانوا يختلفون في المسائل الاصولية كالفرعية، فربما كان بعض الاعتقادات عند بعضهم كفراً او غلواً او تفويضاً او جبراً او تشبيهاً او نحو ذلك، وعند اخرين مما يجب اعتقاده[7].
- وسبق للشيخ المفيد أن نقل عن جماعة من القميين انهم يعتقدون بأن الأئمة كانوا لا يعرفون الكثير من الاحكام الدينية حتى يلهمون في قلوبهم، ومنهم من يقول انهم كانوا يلجأون في الأحكام الشرعية الى الرأي والظنون[8]. وقد كان ابن الجنيد يرى أن الأئمة يجتهدون ويعملون بالرأي، وذلك عندما وجد الأقوال المنقولة عنهم متضاربة، حيث جمع مسائل وكتبها الى اهل مصر وسماها (المسائل المصرية)، ذكر فيها أن أخبار الائمة مختلفة في معانيها لإعتمادهم على الرأي [9]. كذلك صرح الشهيد الثاني ان جلّ رواة الائمة وشيعتهم كانوا يعدون الائمة علماء ابرار افترض الله طاعتهم مع عدم الاعتقاد بعصمتهم[10].
تابع . . . .