هذا ما قاله علماء الجرح والتعديل. وملخص ما قالوه:
- أن أبا عبيدة بصري، إذ يروي عنه معتمر والبصريون
- أنه يروي عن ضمام عن جابر بن زيد
- وروى عن عمارة بن حيان عن جابر بن زيد
- وروى عن صالح الدهان عن جابر بن زيد
وقد مضى أن هؤلاء الثلاثة من شيوخ أبي عبيدة، وهم كلهم إباضية.
وأما تسمية أبي عبيدة بعبدالله القاسم فهو خلط بينه وبين أبي عبيدة الصغير أحد أعلام الإباضية توفي حوالي سنة 170 هـ، وهو من طبقة تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم. وأبو عبيدة عبدالله بن القاسم ليس راوية للحديث خلافا لأبي عبيدة مسلم الفقيه الراوي.
وعليه فمن سمى أبا عبيدة مسلما بعبدالله القاسم قد عرفه ذاتا وجهله اسما. وعليه يحمل قول ابن معين: ((أبو عبيدة لم يسمع من جابر بن زيد، عن رجل عنه)) فهذا أبو عبيدة الصغير، أما أبو عبيدة الإمام فقد لازم جابرا ملازمة طويلة.
أما تلقيبه بكورين فالظاهر أن ذلك لقب لأبيه أبي كريمة.
وقد ذكر ذلك:
(5)- الجاحظ المعتزلي فقال في كتابه "البيان والتبيين" الطبعة الأولى 1414هـ 1993، دار "إحياء العلوم": جـ1 ص 523: ((ومن الخوارج وعلمائهم ورواتهم: مسلم بن كورين وكنيته أبو عبيدة، وكان إباضيا، ومن علماء الصفرية))
وهذا صريح في أن كورين اسم أبيه، وأما عده أبا عبيدة من الخوارج فهو كعادة غير الإباضية في إلصاقهم بالخوارج، وهو خلط اعتدنا عليه، ونحوه قول الجاحظ ((وكان إباضيا، ومن علماء الصفرية)) إذ لا علاقة للإباضية بالصفرية.
وقول الجاحظ هذا في أبي عبيدة بأنه مسلم بن كورين يفسر كلامه الثاني جـ2 ص907 عند الحديث عن الذين أطلق عليهم الخوارج: ((ومن علمائهم: مليل، وأصغر بن عبدالرحمن، وأبو عبيدة كورين واسمه مسلم، وهو مولى لعروة بن أذينة))
وربما سقطت كلمة "بن" بين "أبوعبيدة" وبين "كورين" في المطبوع.
وأما ما ذكره الدولابي عن ابن معين من أن اللقب "رزين" بدلا من "كورين" فالظاهر أنه تحريف.
هذا وقد ذكر أبا عبيدة مسلم بن كريمة أيضا:
(6)- أحمد بن يحيى الناصر أحد علماء الزيدية المتوفي سنة 315هـ في كتابه "النجاة" دار النشر: فرانز شتاينر، 1405هـ- 1985م: قال ص 337: ((فصار الذكر هو الرسول، وهذا ما لم يدفع، فصار أهل البيت عليهم السلام المأمور المخلق بسؤالهم، ولم يكلفوا أن يسألوا عبدالله بن يزيد البغداذي ولا عبدالرحمن بن خليل ولا عبدالكريم بن نعيم، ولا مسلم بن أبي كريمة، ولا عبدالصمد ولا المعلم ولا نجدة بن عامر ولا أبا مؤرج السدوسي))
هذا وقد ذكر مسلم بن أبي كريمة أيضا كثيرون:
- الإمام البخاري في "التاريخ الكبير" جـ7 ص271 رقم 1144: قال: ((مسلم بن أبي كريمة ، يذكر عن علي))
- عبدالرحمن بن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" جـ8 ص193 رقم 1845: قال: ((مسلم بن أبي كريمة، روى عن علي رضي الله عنه، روى عنه ... .. سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو مجهول)).
- ابن حبان في كتابه "الثقات" جـ5 ص401 قال: ((مسلم بن عقال، ومسلم بن عمار ، ومسلم بن أبي كريمة ، ومسلم بن هرمز ، ومسلم مولى علي ، رووا هؤلاء عن علي بن أبي طالب، إلا أني لست أعتمد عليهم، ولا يعجبني الاحتجاج بهم لما كانوا فيه من المذهب الردي)) وقد فسر كلام ابن حبان هذا ابن حجر في كتابه "اللسان" جـ6 ص37 رقم 1572/8357، فبعد أن نقل قول ابن حبان قال: ((يعني لأجل التشيع))
وملخص هذه الأقوال:
- أن مسلم ابن أبي كريمة روى عن علي، فإن كان يقصد الرواية المباشرة والسماع منه فهو لا يتأتى لأبي عبيدة الإمام الإباضي، لأنه ولد بعد وفاته بزمن، بل حتى شيخه أبو الشعثاء يروي عن علي بالبلاغ، وإن كان يقصد مجرد الرواية فإن أبا عبيدة روى عن علي كذلك كما في المسند رقم (412).
وأما عده شيعيا فهو تفسير ابن حجر لكلام ابن حبان، ولم يصرح ابن حبان بمذهبه. ولكن الناصر الشيعي الزيدي يدل كلامه على أن مسلم بن أبي كريمة الذي ذكره ليس شيعيا، لا سيما أن الناصر ذكر من الإباضية أيضا عبدالله بن يزيد البغداذي وهو أحد تلامذة الإمام الربيع، وأبا مؤرج السدوسي وقد تقدم أنه أحد تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم، فالجمع بينهم يفيد أن مسلم بن أبي كريمة الذي ذكره هو الإمام الإباضي. يضاف إلى ذلك أن الناصر عده أحد العلماء الذين يرجع إليهم، هذا عدا كلام الجاحظ في أن أبا عبيدة مسلما من علماء الإباضية ورواتهم.
ولعل ابن حجر نظر إلى رواية مسلم بن أبي كريمة عن علي فجعله لذلك شيعيا وأما جعل ابن حبان مذهبه "رديا" فليس بغريب عليه وعلى جميع الحشوية والحانقين على هذا المذهب العزيز ورجاله، أوليس سعد الحميد يتهم الإباضية بالكذب والانتحال، وسوف يلاقي جزاءه على هذه التهمة الشنيعة والجريمة القبيحة، إلا أن يعلن توبته عن هذه الفرية المهلكة.
وإذا كان أبو حاتم يقول عن مسلم أبي كريمة: مجهول وتبعه عليه الذهبي في الميزان، فذلك عائد إلى عدم معرفته به، فجهالته إياه لا تضره، كما جهله علامة الرجال وشيخ الجرح والتعديل سعد الحميد.
وأما ابن حبان الذي لا يعجبه الاحتجاج به فمناقض لإيراده إياه في كتابه "الثقات" فلماذا لم يذكره في "المجروحين" إذن؟ وهذا منهج عدد من المحدثين لا يحتجون بكلام مخالفيهم في المذهب.
ومع كل هذا نكتفي بقول ابن معين في أبي عبيدة ((لا بأس به)) كما سبق ذكره، وقد اتفق علماء المصطلح والجرح والتعديل أن قول ابن معين: ((لا بأس به)) هو بمنزلة قوله ((ثقة)).
كيف لا وهو حجة حجة وثقة ثقة وإمام جليل وعالم نبيل.
وأخيرا إلى العلامة #####: كيف تقطع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع
أسأله تعالى العفو والسلامة والمغفرة والتوفيق
وإلى لقاء
الظافر