تأثير المجوسية على عقائد الشيعة الجعفرية
وليست المتعة وحدها ما تسرّب من المجوسية إلى التشيّع، فالندب، واللطم، والنواح على الموتى، وعلى المرضى، من عادات الديلم[«أحسن التقاسيم» (ص 369)].
قال ابن مسكويه ــ العارف بأحوال البويهيين، والديالمة ــ : «اشتدت علّة معزّ الدولة، وامتنع عليه البول، فاشتدّ جزعه وقلقه، واستدعى الوزير أبا محمّد المهلّبى فى الليل، والحاجب سبكتكين، فأصلح بينهما عن وحشة قديمة، وبكى، وندب على نفسه على عادة الديلم»[«تجارب الأمم»(6/222)].
وكان من عادات البويهيين ــ إضافة إلى اللطم، والنواح على الميت ــ لبس الثياب السود حداداً، والجلوس أرضاً لتقبل العزاء[«تاريخ الدولة البويهية» (ص 294)].
وقد كوّنت هذه العادة المتأصلة في الديلم، أساس التعزية والتطبير عند الشيع، فقد ذكر ابن سعد القرطبي في أحداث سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فقال: «في هذه السنة، خرج النساء منتشرات الشعور، مسودات الوجوه، يلطمن في الشوارع يوم عاشوراء على الحسين ــ رضى الله عنه ــ ، وغلقت الاسواق»[«صلة تاريخ الطبري» لابن سعد القرطبي (11/367)].
وقال ابن كثير: «دخلت سنة ثنتين وخمسين وثلثمائة في عاشر المحرم من هذه السنة، أمر معز الدولة بن بويه ــ قبحه الله ــ أن تغلق الأسواق، وأن يلبس النساء المسوح من الشعر، وأن يخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوهن، ناشرات شعورهن، يلطمن وجوههن، ينحن على الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يمكن أهل السنة منع ذلك، لكثرة الشيعة وظهورهم، وكون السلطان معهم»[«البداية والنهاية» (11/276)].
وذكر الذهبي في «العبر» مثل ذلك، فقال: «فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة، أهل بغداد بالنَّوح والمآتم، على الحسين بن علي ــ رضي الله عنه ــ ، وأمر بغلق الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة، منشّرات الشعور، مضخّمات الوجوه، يلطمن، ويفتنّ الناس، وهذا أول ما نيح عليه، اللهم ثبت علينا عقولنا» [«العبر في خبر من غبر» (2/89)].
وذكر ابن الأثير، وابن الجوزي، وغيرهم مثل ذلك، في أحداث سنة 352 هجرية [«الكامل» (7/245) ، «المنتظم» (14/150)].
ولم يسجل المؤرخون ظهور هذه العادة، في مجتمع شيعي قبل تلك السنة. وقد ذكرها المؤرخون باهتمام في تلك السنة وما بعدها، مما يشير إلى أنها كانت السنة الأولى التي تظهر فيها تلك العادة عند الشيعة، وهي من عادات الديلم.
وحتى الاحتفال بعيد الغدير لم يكن معروفاً عند الشيعة، ولا نقل عن أئمتهم، ولم يشرعه إلا معز الدولة كذلك، فقد ذكر ابن كثير، أنه في تلك السنة، أمر معز الدولة بإظهار الزينة في بغداد، وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد، وأن تضرب الدبادب والبوقات، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط، فرحاً بعيد الغدير»[«البداية والنهاية» (11/276)].
وقال المقريزي في «المواعظ»: «اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً، ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق، أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيداً»[«المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار» (2/255)].
إلا أنه يجدر بنا القول؛ أن تأثير المجوسية في المذهب الشيعي لم يبدأ بدخول الديلم في الاسلام، بل سبقهم في ذلك. وهذا التأثر قديم، إثر ظهور نفوذ الفرس في عهد المنصور، وهارون الرشيد، وبدء حركة الترجمة، وبدء تأثيرهم في الناحية الفكرية والدينية للعرب، ولغتهم. فابتدأ تأثير المجوسية، حيث حرص بعض العجم في نقلها إلى الدين الجديد، ونجحوا في إلصاقها بالمذهب الشيعي الإمامي.
وساعد ذلك طبيعة الظروف التي مر بها المذهب الشيعي الإمامي في مراحل تكوينه، مما ناسبه الأخذ ببعض معتقدات المجوس.
وقد اقتبس الشيعة من المجوس الطاعة العمياء لرجال الدين والعشر، فقد كان رجال الدين الزرادشتي يأخذون العشر، ورجال الدين الشيعة يأخذون الخمس.
أما السلطة الدينية التي حظي بها رجال الدين في الدين الزرادشتي، فقد انتقلت إلى الشيعة، فلرجال الدين الشيعة السمع، والطاعة العمياء، وأوجبوا على العاميّ التقليد، ولا يجوز الاعتراض على قولهم ورأيهم وأمرهم.
كما نجحوا في نقل التقية بعد أن ألبسوها الثوب الإسلامي. فأصل التقية موجود أيضاً في الزرادشتية، حيث يقول زرادشت ناصحاً أتباعه: «أفضل شيء هو الصدق، وأسوأ شيء هو الكذب، ولكن يحدث أن أحداً ما يقول الصدق وبسببه يصير آثماً، ويحدث أن أحداً ما يقول الكذب وبسببه يصير تقياً» [«أفستا» زند أفستا: (فصل 20 ، ص840)].
ولعلنا نرى بوضوح هنا التقية الشيعية، في أصلها الزرادشتي الخالص.
والفرس لا يألفون الاختيار والشورى، ولا يعهدون إلا الاستبداد في الحكم، والتأليه، والتقديس لملوكه وقادته، فنظرية الإمامة في أهل البيت أقرب إلى اعتقادات الفرس، وتراثهم وثقافتهم، لذا فإننا نجد في كتب الشيعة تقديساً وتعظيماً لأهل البيت، يشبه إلى حد كبير تقديس الفرس لملوكهم. وقد وصل التقديس إلى حد ادعاء العصمة، وعلم الغيب لأئمة أهل البيت.
وقد دفعت الظروف التاريخية التي مرّت على المذهب الشيعي الإمامي، لاعتناق فكرة الاثني عشر إماماً، وذلك بعد موت إمامهم العسكري الحادي عشر، فاضطروا لاختلاق قصة المهدي لإنقاذ نظريتهم في الإمامة، والتي كانت تقتضي ضرورة وجود إمام في كل زمانٍ، وأن لا يخل الزمان من إمام حجة.
والشيعة تزعم أن الإمام الثاني عشر ــ ابن الإمام الحسن العسكري ــ ولد سنة 255 هجرية، ولم يزل حيّاً حتى الآن، وغائب في مكان ما، وسيظهر في آخر الزمان، ويظهر الحق ويقهر الباطل، وينتقم لآل محمد. وهو عين اعتقاد المجوس الزرادشتيين.
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: «والمجوس تدّعي أن لهم منتظراً، حياً باقياً من ولد بشتاسف بن بهراسف، يقال له أبشاوثن، وإنه في حصن عظيم من خراسان والصين، ومعه كثير، لا يكذبون، ولا يعصون الله، ولا يقع منهم خطيئة صغيرة، ولا كبيرة، وأنهم صاروا إلى ذلك المكان، عند زمن زرادشت الذي تدعي نبوته. وأنهم لا يبكون، ولا يموتون، وأن أبشاوثن لا يحتاج إلى أكل ولا إلى شرب، ولا يكون منه بول، ولا غائط، ولا شيء من الأذى. هذا الذي تيقنته مما قد ذكره أذرباد بن أميذ ــ الموبذ ــ في وصفه أبشاوثن، أنه لا يأكل ولا يشرب، ولا يبول ولا يتغوط»[«دلائل تثبيت النبوة» (1/179)].
قلت: قد أصاب القاضي وأخطأ، فاسم من ذكر هو (بيشوتان)وليس (أبشاوثن)، واسم أبيه (فيشتاسف) وليس (بشتاسف)، وهذا الأخير ملكٌ من ملوكهم، وراعي زرادشت، وناصر دعوته، ومؤسس أول مجتمع زرادشتي في سيستان[«أفستا»: عجائب وعالم بلاد سيستان (ص852)].
وهذه القصة التي ذكرها القاضي، قد نقلتها أنا إلى كبير الكهنة الزرادشتيين في الولايات المتحدة، الموبذ (سولي داستور)، فقال لي: «لم أسمع بمثل هذه القصة بهذه التفاصيل، والقصة التي نؤمن بها؛ أن الله منح (بيشوتان)الخلود، ولم يزل حياً يرزق لوحده، ومن ثم سيخرج معه مئة وخمسين من أنصاره. كما أننا لا نعرف عن أمر مطمعه ومشربه، إن كان يحتاج إلى طعام وشراب أم لا» ــ انتهى كلام الموبذ.
وهذا الذي قاله الموبذ (داستور) منسجمٌ مع النصوص الزرادشتية، إذ أنها لم تشر إلى مسألة قوت (بيشوتان) في غيبته، وأشارت إلى تخليده هو، دون أنصاره وأصحابه. بل إنها أشارت إلى أن أصحابه سيخرجون معه، ولم تشر إلى غيبتهم، ومكوثهم معه في غيبته.
وتقول بعض الأدبيات الزرادشتية، البهلوية القديمة، أنه مخبّأ في قلعة في الشرق، في مكان يقال له (كانغديز)، وهو المنقذ الذي يسبق المخلّص المسمى عندهم (سوشيانتس)، والذي سيظهر آخر الزمان.
وقد ورد في «الأفستا» أن (سوشيانتس)المنقذ يولد من بذرة زرادشت نفسه، وأنها محفوظة في بركة يعرفونها في سيستان [المصدر السابق،(ص852- 853)]، حتى إذا جاء موعد ولادته، أتت عذراء تسبح في البركة وتغتسل فيها، فتصيبها بذرة زرادشت، فتحمل منها، وتنجب صبياً، اسمه (استفات إيريتا). وهو المخلّص الذي سيعيد الحق والخير، ويقضي على الشر، ويقتل الظلمة، ويملأ الدنيا عدلاً[«أفستا»: (فصل32 ، ص 831) ، «الزرادشتيون» (ص 42)].
وعقيدة الرجعة هذه، متشابهة إلى حد كبيرٍ مع عقيدة الرجعة والظهور عند الشيعة الاثني عشرية.
وعقيدة انتظار المخلّص، من أبرز سمات العقيدة الزراشتية، وهي كذلك من أصول العقيدة عند الشيعة أيضاً، كما روي في «الكافي»، باب«دعائم الإسلام»، عن الصادق أنه قال في الدين الذي يقبل فيه العمل، فقال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وتقر بما جاء من عند الله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، والورع والتواضع، وانتظار قائمنا، فإن لنا دولة، إذا شاء الله جاء بها»[«الكافي» (2/32)].
ورواه النعماني ــ تلميذ الكليني ــ : «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد إلّا به؟ فقلت: بلى، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم عليه السلام»[«الغيبة» للنعماني (ص200)].
فعدّوا انتظار القائم ــ وهو المهدي المزعوم ــ من أصول الإيمان التي لا يقبل الله الأعمال إلا بها، وهو أمر عجيب أن يجعل الله من انتظار المهدي شرطاً لقبول الأعمال، دون أن يقيم حجة للناس عليه، ودون وجود دليل على وجوده، فضلاً عن غيبته، ودون ذكره في كتابه الكريم، ولا وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمشهد الذي رسمه الشيعة عن المهدي، وظهوره في آخر الزمان، يتشابه ــ إن لم يتطابق في كثير من الأحيان ــ مع مشهد آخر الزمان الذي تنبّأت به الزرادشتية.
فقد زعمت الشيعة أن الباقر ذكر آيتين تكونان قبل قيام القائم، لم تكونا منذ أهبط الله آدم صلوات الله عليه أبداً، وذلك أن الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره[«الكافي»(8/212) ، «الغيبة» للنعماني (ص 271)].
وتزعم المجوس أن الشمس ستتوارى، وتتحوّل إلى بقعة مظلمة [«أفستا»: (فصل 2، ص734)]، وزعموا أنه قبل ظهور بيشوتان، ستظهر علامات من الشمس، والظلام، ويضيء القمر بألوان مختلفة [«أفستا»: (فصل 3، ص 740)]، ويفسّرها المجوس بالكسوف والخسوف.
وزعمت الشيعة أنه لا يقوم القائم إلّا علي خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس[«الغيبة» للنعماني (ص 254)].
ويزعم المجوس أن الخوف، والفوضى، والاغتصاب، ستظهر كلها بين الناس[«أفستا»: (فصل 2 ، ص734)]، وستزداد الزلازل، وستهب الريح بعنف[«أفستا»: زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ، ص740)].
فكلاهما تكلم عن كسوف الشمس والقمر والزلازل.
وزعمت الشيعة أن أوّل الفرج سيكون ناراً من أذربيجان، لا يقوم لها شيء [«الغيبة» للنعماني، (ص 263)]، ورووا عن الصادق، عن أبيه الباقر: أنه قال: «لا بد لنارٍ من أذربيجان، لا يقوم لها شيء»[المصدر السابق (ص263)].
ورووا عن أبي جعفر ــ محمد بن علي ــ أنه قال: «إذا رأيتم ناراً من قبل المشرق، شبه الهردى العظيم، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة، فتوقعوا فرج آل محمد عليهم السلام، إن شاء الله» [المصدر السابق (ص253)].
وأذربيجان هي بلد زرادشت، ومهد المجوسية، والتي سيبدأ الفرج منها.
ويزعم المجوس أن أنصار بيشوتان سينصبون النار المسماة (روشن كيرب) في مكان يليق بها، ويحتفلون رسمياً بنيران (فاربناك) و (أمارداد) [«أفستا»: (فصل 3، ص 744)].
ويزعمون أن بيشوتان سيتقدم أكثر بمساعدة هذه النيران، نحو معابد الأصنام الكبيرة، حيث مسكن الأبالسة، وأنصارهم المشوهين المقززين [«أفستا»:زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ، ص744)].
والشيعة زعمت أن أبا جعفر ــ محمد بن على ــ يقول: «لو قد خرج قائم آل محمد عليهم السلام، لنصره الله بالملائكة المسومين، والمردفين، والمنزلين، والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه، وخلفه، وعن يمينه، وعن شماله، والملائكة المقرّبون حذاه»[«الغيبة» للنعماني (ص234)].
وورد عند المجوس: «سيتقدم المجيد (بيشوتان)، أبعد من البلدان الآرية التي خلقتها أنا أورمازد، نحو (أرفاندا) ونهر فيخ، وعندما يرون الأبالسة، وأنسال الظلام، والناس غير الجديرين، سيصيبهم الذعر»[«أفستا: زند فاهومان ياشت، (فصل 3، ص 745)].
ونهر فيخ هو نفسه نهر الفرات، كما فسّره في الفصل العشرين، الذي يتكلم عن خصائص الأنهار«أفستا»: (فصل 20 ، ص 815).
فنلاحظ كيف أن كليهما أعطى صفة النصر بالرعب لمخلّصيهما.
وقصة نهر الفرات عند الزرادشتيين، وقتالهم الأبالسة، وأنسال الظلام، يذكّرنا بما ترويه الشيعة، عن علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ ، حيث قال: «لا بد من رحى تطحن، فإذا قامت على قطبها، وثبتت على ساقها، بعث الله عليها عبداً عنيفاً، خاملاً أصله، يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم، أصحاب السبال، سود ثيابهم، أصحاب رايات سود، ويلٌ لمن ناواهم، يقتلونهم هرجاً، والله لكأنى أنظر إليهم، وإلى أفعالهم، وما يلقى الفجار منهم، والأعراب الجفاة، يسلطهم الله عليهم بلا رحمة، فيقتلونهم هرجاً على مدينتهم، بشاطئ الفرات البرية والبحرية، جزاءً بما عملوا، وما ربك بظلام للعبيد» [«الغيبة» للنعماني(ص357)].
فها هم يذكرون قتال المهدي للأعراب الجفاة، وقتلهم هرجاً بشاطئ الفرات.
كما أن كليهما تكلّم عن نزول الملائكة، للقتال مع المخلّص. فقد زعمت المجوس أن الله قال: إنه سيرسل الملاك (نيريوسانك)، (وسرواش) [«أفستا»: زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ص 734)]، وذلك لينصر المخلّص.
وكذلك جبريل وميكائيل، سينزلان لمساعدة المهدي[«الغيبة» للنعماني (ص 234)].
وتزعم المجوس أن بيشوتان سيخرج مع مئة وخمسين من أنصاره [«أفستا»: زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ص 744)].
وورد عند الشيعة عن أبى الجارود، عن أبى جعفر الباقر، أنه قال:«أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم»[«الغيبة» للنعماني (ص 315)].
فكلاهما حدّد عدد أنصار المخلّص، وهو بالمئات عند الطرفين، وليس الفرق ببعيد بين العددين.
وحديث علي بن أبي طالب فيه: «بعث الله عليها عبداً عنيفاً، خاملاً أصله، يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم، أصحاب السبال، سود ثيابهم، أصحاب رايات سود»... إلى آخر الخبر[«الغيبة»(ص256-257)].
وأصحاب الشعور الطويلة والشوارب، صفة مميزة للزرادشتيين، وأنصار المخلّص (بيشوتان)، ولا أدري من أين أتوا بهذه الصفة لأنصار المهدي، إن لم يكن استقوها من المجوسية.
وقد ورد في «الأفستا» أن (بيشوتان) سيقاتل مع مئة وخمسين من أنصاره بثياب ذات ألوان سود [«أفستا»: زند فاهومان ياشت ، (فصل 3 ص 744)].
وورد أيضاً: «ومن ثم، سيأتي (بيشوتان)المجيد، مع مئة وخمسين من أنصاره، لابسين السواد، وسيعيدون حكم الديانة، ويرفعون مجده عالياً»[المصدر السابق (فصل 3، ص 746)].
والشيعة زعمت أن منادياً ينادي من السماء ــ جبريل عليه السلام ــ باسم القائم، واسم أبيه[«الغيبة»للنعماني (ص257)].
وروى الكليني عن الصادق أن المنادي ينادي من السماء في أول النهار «ألا إن علياً وشيعته هم الفائزون، وينادي مناد في آخر النهار: ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون»[«الكافي»(8/310) ، «الغيبة» للطوسي (ص 435)].
وعند النعماني: «إن المنادي ينادي: إن المهدي من آل محمد فلان بن فلان ــ باسمه واسم أبيه ــ ، فينادي الشيطان: إن فلانا وشيعته على الحق، يعني رجلا من بني أمية» [«الغيبة» للنعماني(ص 260)، (ص 264)].
وهذا الحوار، وسماع صوت الملائكة والشيطان، من صميم الحكاية الزرادشيتة، فقد ذكر الزرادشتيون أن الله سيقول: «إذهبوا لمساعدة المجيد (بيشوتان)»[«أفستا»: زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ص 745)]. وأن الله سينادي: «أعد سلطة الأيمان الكاملة» المصدر السابق ، (فصل 3 ، ص744)].
وزعموا أن إبليس الأبالسة (إنكرامانييو) يقول لزرادشت: «لا تهلك مخلوقاتي، لأنك ابن (باوشاسبا)، وولدت من أم زائلة، تبرّأ من ديانة (مازداياسنا) الخيرة، وستجد السعادة» [«أفستا»:خورد أفستا: (ص722)]، وأن جمهرة الأبالسة، ستزعق في وجه (ميهر): «إذهب إلى السماء يا (ميهر)» [«أفستا»:زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ، ص745)].
وزعمت الشيعة أن المهدي سيبعث أناساً من قبورهم، كما هو متداول في كتبهم.
وكذلك يؤمن المجوس أن المنقذ المخلص سيبعث الموتى، وسيبعث الصالحين والمدينين، وسيكون (كاي خسرو) أحد الذين سيقومون بالبعث، مع (سوشيانتس) المخلّص[«أفستا»:جوهر البعث، (ص 828)].
وزعمت الشيعة أن المهدي سيهدم كل أوكار الشر والباطل، وأعداء الله.
وكذلك يزعم الزرادشتيون أن (بيشوتان) سيهدم الأصنام، ومعابد الأوثان[«أفستا»: (فصل 3، ص744)].
وسيقول (بيشوتان): «فليهلك الأبالسة، ليهلك أنسال الأبالسة المظلمين، فلتزدهر ديانة (مازداياسنا). فلتزدهر هي أبداً. فلتزدهر عائلة الشرف» [المصدر السابق (فصل 3 ص 746)].
وزعمت الشيعة أن الصادق قال: «إن علياً قال: كان لي أن أقتل المولي، وأجهز على الجريح، ولكني تركت ذلك للعاقبة من أصحابي، إن جرحوا لم يقتلوا، والقائم له أن يقتل المولي، ويجهز على الجريح»[«الغيبة»للنعماني (ص 232)].وعن الباقر أنه قال: «إن القائم يسير بالقتل، ولا يستتيب أحداً[«الغيبة» للنعماني (ص 231)].
وهذا يشير إلى كثرة القتل، وقسوة قلب القائم المخلّص.
وكذلك تزعم المجوس، أنه سيأتي جيش الإنقاذ من الشرق، لنجدة البلدان الآرية، وستتقدم أرتاله نحو مساكن الأبالسة ــ يعني أعداءهم ــ وسيبيدون رجالاً كثيرين، بحيث يبقى رجل واحد لكل ألف امرأة[«أفستا»:زند فاهومان ياشت، (فصل 3 ، ص743)].
ويزعمون أنه في نهاية الزمان، ستزيد المصائب، وسيكثر القتل وسيهلك كل فاضل [«أفستا»: (فصل 2 ص733)]، وأن الأرض ستمتلئ بالجثث[«أفستا»: (فصل 2 ، ص 735)].
وزعمت الشيعة أن الإمام الصادق قال: «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس»[«الغيبة»:للنعماني (ص274)].
وتزعم المجوس أنه سيهلك تسعة من أصل عشرة[«أفستا»: (فصل 2 ، ص737)].
وزعمت الشيعة عن علي بن أبي طالب، أنه قال: «ملك بني العباس يسر لا عسر فيه، لو اجتمع عليهم الترك، والديلم، والسند، والهند، والبربر، والطيلسان، لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة من ملكهم، حتى يشذ عنهم مواليهم، وأصحاب دولتهم، ويسلط الله عليهم علجاً، يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدّها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر، ويدفع بظفره إلى رجل يقول الحق، ويعمل به» [«الغيبة» للنعماني (ص249)].
والطيلسان: بفتح أوّله، وسكون ثانيه، ولام مفتوحة، وسين مهملة، وآخره نون:إقليم واسع، كثير البلدان والسكان، من نواحى الديلم والخزر، والخزر بلاد الترك، وهم صنف من الترك. والخبر يصرّح أن الله سيأتي بالعلج ــ وهم الفرس العجم ــ .
وكذلك ما جاء في ذكر جيش الغضب عند الشيعة، وهم أصحاب القائم [المصدر السابق (ص 311)].
والنصوص الزرادشتية كذلك تكثر من ترديد صفة الغضب في ذلك الزمان، فتصف الجيوش بأرتال الغضب، وتذكر مملكة الغضب [«أفستا»: (فصل 2 ، ص735)].
وزعمت الشيعة أن المهدي سيشفي كل شيعي من عاهته، ويرد إليه قوته، كما ذكر النعماني في «الغيبة»، عن علي بن الحسين، أنه قال:«إذا قام القائم، أذهب الله عن كل مؤمن العاهة، ورد إليه قوته» [«الغيبة» للنعماني (ص 317)].
وكذلك يؤمن الزرادشتيون أن مريضهم سيشفى آخر الزمان ببركة المخلّص، وأن الطب سيقوى، لدرجة أنه سيمكن تجنب الموت، ولن تعود ضربات السيف مخيفة [«أفستا»: زند فاهومان ياشت، (فصل3 ، ص 748)].
وزعمت الشيعة أن المهدي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً [«الغيبة» للنعماني(ص189)].
والمجوس تزعم أنه بمجيئ المخلّص سينتهي زمن النهب، ويحل زمن الهناء [«أفستا»: زند فاهومان ياشت ، (فصل 3، ص 746)]، وسيعطي التأويل الحقيقي للديانة [المصدر السابق (فصل 3 ، ص 746)].
وتزعم المجوس عن (أوشيدار) ابن زرادشت، أنه عندما يُبعث في آخر الزمان يستطيع أن يأمر الشمس أن تتوقف [«أفستا» (فصل 3، ص747)].
وكذلك زعمت الشيعة أن علي بن أبي طالب دعا الله أن يرد عليه الشمس، فردها له بعد أن غربت [«بصائر الدرجات» (ص 237)].
ومما يعتقده الشيعة، كذلك أن كل الناس أولاد بغايا، ما عدا شيعتهم [«الكافي» (8/285)].
وقد تكلم البحراني على هذا الحديث، فقال: «إن من أوضح الواضحات في جواز غيبة المخالفين، طعن الأئمة عليهم السلام أنه أولاد زنا» [«الحدائق الناضرة» (18/155)]، ثم ذكر حديث «الكافي»، وهذا دليل أنهم يؤمنون بما ورد، ولا يشكون في ذلك.
والمجوس كذلك يعتقدون أنهم وحدهم الأشراف، وأن كل من لا يتبع ديانتهم فهو غير شريف. نجد ذلك واضحاً في نصوصهم، كما جاء مثلا: «الإنسان الشريف؛ هو الذي يتمنطق بحزام كوست المقدس» [«أفستا»: (فصل 2 ، ص735)].
وورد كذلك عندهم: «الذين يؤمنون بالديانة الكاذبة آثمون، وأشرار، وغير شرفاء» [المصدر السابق(فصل 2 ، ص735)].
ويعتقد الشيعة أن كتاب الجفر مكتوبٌ على جلد ثور أو شاة، وصرّحت بعض أحاديثهم، أنه مكتوب على جلد ثور، حيث روى الصفار عن علي بن سعيد، أنه قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أما قوله في الجفر؛ إنما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب، فيه كتب، وعلم ما يحتاج إليه الناس، إلى يوم القيامة» [«بصائر الدرجات»(1/264، 266)].
وكذلك المجوس الزرادشتيون يعتقدون أن كتاب الأفستا المقدس لزرادشت، يحوي كل ما يحتاجه الزرادشتي في الدين، والحياة، والجغرافيا، والفلسفة، وعلم النجوم، والطب [«إيران في عهد الساسانيين» (ص132)].
وزعموا كذلك أن الأفستا كتبت في جلود البقر [«البدء والتاريخ» (3/153)، «تعاليم زرادشت، وفلسفة الديانة الفارسية» (ص93)].
ومن مظاهر تأثرهم بالمجوس أنهم نقلوا للإسلام عيد النيروز، وهو عيد مجوسي مقدس للمجوس. فقد ذكر الحر العاملي في «الوسائل» باب«استحباب غسل يوم النيروز»، خبراً عن جعفر الصادق يقول فيه: «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك»[«وسائل الشيعة» (2/960) ، (5/288)].
وروى النوري الطبرسي في«مستدرك الوسائل» عن معلى بن خنيس قال: «دخلت على الصادق ــ عليه السلام ــ يوم النيروز، فقال: أتعرف هذا اليوم؟ فقلت: جعلت فداك هذا يومٌ تعظمه العجم، وتتهادى فيه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: والبيت العتيق الذي بمكة، ما هذا إلا لأمر قديم، أفسره لك حتى تفهمه؟ قلت: يا سيدي إن علم هذا من عندك أحب أليّ من أن يعيش أمواتي، وتموت أعدائي.
فقال: يا معلى إن يوم النيروز، هو اليوم الذي أخذ الله فيه مواثيق العباد أن يعبدوه، ولا شركوا به شيئاً،...، إلى أن قال: وهو أول يوم من سنة الفرس. قال: قلت: يا سيدي ألا تعرفني جعلت فداك أسماء الأيام بالفارسية؟
فقال عليه السلام: يا معلى هي أيام قديمة من الشهور القديمة، كل شهر ثلاثون يوماً، لا زيادة فيه ولا نقصان: فأول يوم من كل شهر (هرمرز روز)، اسم من اسماء الله تعالى، خلق الله عز وجل فيه آدم، تقول الفرس: إنه يوم جيد صالح للشرب وللفرح. ويقول الصادق: إنه يوم سعيد مبارك، يوم سرور، فكلموا فيه الأمراء والكبراء، واطلبوا فيه الحوائج، فإنها تنجح باذن الله تعالى . . .» [«مستدرك وسائل الشيعة» (8/158)] إلى آخر الخبر المنسوب إلى الجعفر الصادق.
وهم يؤمنون بهذا، وليس كما قد يزعم البعض منهم بضعف تلك الأخبار.
فقد قال علّامتهم الحلي في«منتهى الطلب»: «مسألة: ويستحب الغسل ليلة الفطر، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، ويوم الغدير، ويوم المباهلة، ويوم عرفة، ويوم التروية، ويوم النيروز للفرس» [«منتهى الطلب» (1/130)].
وقال أقا رضا الهمداني: «وعن جملة من الأصحاب، التصريح باستحباب الغسل يوم النيروز، بل لعله هو المشهور بين المتأخرين» [«مصباح الفقيه» (1/438)].
وقال عباس القمي: «وأما أعمال يوم النيروز: فهي ما علمها الصادق »... إلى آخر الخبر [«مفاتيح الجنان» (ص355)].
وقد خلت كتب متقدميهم ومجاميعهم الأربعة من تلك الأخبار، مما دل أن ما ذكروه مستحدث، ودخيل على مذهبهم.
ومن المعلوم أن يوم النيروز، هو بداية فصل الربيع بالنسبة للسنة الفارسية الجديدة، وهو يوم عظيم عند الفرس، وسائر المجوس من فرس، وكرد، وميديين وغيرهم، ويزعم فيه المجوس أنه اليوم الذي خلق الله فيه الخلق.
ويعظّم المجوس هذا اليوم، ويوقدون فيه النار، واحتفل الناس به زمن البويهيين، واحتفل به حكام بني بويه أنفسهم.
وهذا مما لم يرد مثله في شرعنا، فلم يكن هذا اليوم عيداً عظيماً عند المسلمين، وقد سبق وذكرنا بطلان النيروز في الشريعة، وبطلان قولهم فيه.
ومن مظاهر تأثرهم بالمجوس؛ إجازتهم الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء دون عذر، فصارت عندهم ثلاثة أوقات للصلاة، فيها خمس صلوات. وهي نفس الشعائر الزرادشتية، التي تتكلم عن ثلاث صلوات رئيسية بثلاثة أوقات [«أفستا»: خورد أفستا (ص709)، «الزرادشتيون» (ص 32)].
وأكثر ما يتضح الشبه بينهما في مراسم الجنازات، ودفن الميت وتكفينه. فطقوس الطهارة من أهم الطقوس عند المجوس، وتتمتع بميزة خاصة، ولذلك نجد تأثير بعضها واضح في التشريع الفقهي الشيعي، فالشيعة يوجبون الغسل من مس الميت، فقد رووا عن أبي عبد الله أنه قال: «من غسل ميتاً فليغتسل. قيل: فإن مسّه ما دام حاراً؟ قال: لا غسل عليه. وإذا برد ثم مسّه فليغتسل» [«الكافي» (3/160)، «من لا يحضره الفقيه» (1/143)، «تهذيب الأحكام» (1/108)، «الاستبصار» (1/99)].
ولا يجب الغسل على من غسّل ميتاً في قول أكثر أهل العلم من سائر الفرق، إلا أن الغسل من مجرد مس الميت، ليس له أصل يُعرف في شرعنا.
والديانة الزرادشتية تتعامل مع جثة الميت باعتبارها نجسة، ومراسم الدفن وطقوس الطهارة عندهم شاقة، ويتعاملون معها بقدر كبير من الحذر والتنبه، لأن عدم التطهر من النجاسة، من أكبر الآثام في شرعهم، ويستوجب عقوبة تصل إلى حد الجلد.
والتفريق في كون الجثة حارة أو باردة، وبمعنى آخر طرية أو متيبسة، مما لا يُعرف له أصل في شريعتنا، ولكن له أصل في الزرادشتية. فتشير طقوسهم أن من اصطدم بجثة متيبسة، يمكنه أن يتطهر عبر الاغتسال ببول الثور، وطقوس أخرى [«أفستا»:فاركارد (8 : 34)].
وكذلك تكفين الميت عند الشيعة، وعند المجوس، يكاد يكون متطابقاً. فثوب الكفن عند الشيعة يتألف من ثلاث قطع، من غير العمامة: قميص يصل حتى أخمص القدمين، وحزام من السرة إلى الركبة، وقماش كتاني واسع وطويل، بحيث يمكن عقد نهايتيه.
وثوب الكفن عند الزرادشتيين قميص طويل، وسروال قطني يصل حتى الركبة، مع لفائف للقدمين، وقماشُ قطنٍ طويلٍ، وطاقية [«أفستا»: فاركارد 8 ، الهامش: (ص 302)].
وكلاهما يغطي رأس الميت، فالزرادشتيون يستعملون الطاقية، والشيعة يستعملون العمامة.
وذكر الشيعة عن الباقر، أنه قال: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة سنة» [«الكافي» (3/144) ، «تهذيب الأحكام» (1/291) ،«وسائل الشيعة» (3/8)].
وقال الصادق: «الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة، والخرقة يشد بها وركيه لكي لا يبدو منه شيء، والخرقة والعمامة لا بد منهما، وليستا من الكفن» [«الكافي»(3/144) ، «تهذيب الأحكام» (1/293) ، «وسائل الشيعة» (3/8)].
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كُفِّن بثلاثة أثواب، ليس فيهن قميص ولا عمامة رواه البخاري (1264) ، ومسلم (941)].
ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتبع جنازة بمجمرة [«الكافي»(3/147) ، «تهذيب الأحكام» (1/295) ، «وسائل الشيعة» (3/17)].
وعنه، عن علي بن أبي طالب: «لا تجمّروا الأكفان، ولا تمسحوا موتاكم بالطيب، إلّا الكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم» [«الكافي» (3/147)، «تهذيب الأحكام» (1/295) ، «وسائل الشيعة» (3/17)].
وقال الباقر: «لا تقربوا موتاكم النار ــ يعني الدخنة ــ» [«تهذيب الأحكام» (1/295) ، «وسائل الشيعة» (3/20)].
وتجمير الكفن هو تبخيره بالعود، بأن يترك العود على النار في مجمر، ثم يبخر الكفن به.
وهذا ينسجم مع الطقوس الزرادشتية، التي توجب إبعاد جثة الميت عن النار، مسافة ثلاثين خطوة على الأقل [«أفستا»: فاركارد (8: 7).
وقد ذكر ابن حبان في «صحيحه» عن جابر ــ رضي الله عنه ــ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا جمرتم الميت ، فأوتروا» [صحيح ابن حبان (3031)].
وروت الشيعة عن الإمام جعفر، أنه قال: «الكفن يكون برداً، فإن لم يكن برداً، فاجعله كله قطناً، فإن لم تجد عمامة قطن، فاجعل العمامة سابريا» [«تهذيب الأحكام» (1/297) ، «وسائل الشيعة» (3/30)].
والقطن هو اللباس الشائع والمحبّب إلى الزرادشتية، ويحرصون على استعماله في التكفين. ولم يرد في شرعنا أي تفصيلٍ في مادة الكفن.
روت الشيعة عن الصادق، أنه قال: «التكفين أن تبدأ بالقميص، ثم بالخرقة فوق القميص، على إلييه، وفخذيه، وعورته، ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفاً، وعرضها شبراً ونصفا، ثم يشد الإزار أربعة ، ثم اللفافة، ثم العمامة» [«تهذيب الأحكام» (1/306)، «وسائل الشيعة» (3/34)].
وهو يشبه إلى حد كبير، مراسيم الدفن عند الزرادشتيين، وموافق لترتيبها كذلك [«أفستا»: فاركارد (7 : 9)].
وروى الشيعة عن الصادق، قوله: «إن السُنّة في رش الماء على القبر، بأن تستقبل القبلة، وتبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر، ثم يرش على وسط القبر» [«تهذيب الأحكام» (1/321) ، «وسائل الشيعة» (3/196)].
وفي«الكافي» عن الصادق، أنه يستحب أن ينضح على القبر الماء [«الكافي»(3/199)].
وروي عن الصادق قوله: «يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب» [«الكافي» (3/200) ، «وسائل الشيعة» (3/196)].
ورش الماء للمغفرة والشفاعة من العذاب، مما لا يُعرف في شريعتنا أبداً، ولا ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو هادي الأنام إلى ما فيه الخير والسلام، ولو أن الأمر حق، لنبّهنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رش الماء على قبر ابنه إبراهيم، ثم وضع عليه الحصباء. إلّا أنه لم يرد عنه أنه فعل ذلك للمغفرة والشفاعة.
ولعل الحكمة منه هو حفظ التراب أن يتناثر، وينسفه الريح. ومن لم تتبين له الحكمة منه، ندب إليه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأمر معروفٌ في المجوسية، فتطهير الماء للمذنب من آثامه أمر مشهور عندهم، وثابت عنهم، ويكون بأن يغسل المذنب نفسه مرتين بالماء [«أفستا»:فاركارد (19: 22)]، وكذلك رشّ الماء على الجثة [«أفستا»:فاركارد (7: 30-34)].
وروت الشيعة عن الصادق قوله: «إذا قطع من الرجل قطعة، فهي ميتة. فإذا مسّه إنسان، فكل ما كان فيه عظم، فقد وجب على من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل» [«الكافي» (3/212) ، «وسائل الشيعة» (3/294)].
ونلاحظ تعلق الحكم الشرعي بما كان فيه عظم، وهو أمر غريب عن شرعنا، لأنه لا خصوصية في عظم الميت عن غيره من الأجزاء والأعضاء.
ولهذا الأمر خصوصية في الديانة الزرادشتية، التي تحرّم رمي عظم إنسان ميت على الأرض، أو مسها، وذلك دوناً عن سائر الأعضاء [«أفستا»: فاركارد (6 : 10)].
والشيعة ينهون عن البول من قيام، ورووا عن الإمام جعفر أنه سئل: أيبول الرجل وهو قائم؟ قال: «نعم ولكن يتخوّف عليه من الشيطان» [«من لا يحضره الفقيه» (1/22)].
وفي رواية أخرى: «نعم، ولكن يتخوّف أن يلتبس به الشيطان، أي يخبله» [«تهذيب الأحكام» (1/352) ، «وسائل الشيعة» (1/353)].
والبول من قيام، وإن كان نهى عنه جماعة من أهل السنة، إلّا أنه لم يرجع أحدهم السبب إلى تلبيس الشيطان، ولا يخفى أن هذا مما لا قول فيه إلا بالنقل، ولا مجال فيه للاجتهاد.
وهو عين التحذير الذي ورد في الزرادشتية، فقد حذّر منه زرادشت بقوله «لا تبول واقفاً، كي لا تصير خاضعاً لسلطة الشياطين» [«أفستا»: زند أفستا ، نسك بركة زرادشت،(ص756)].
وبهذا يزول اللبس والحيرة عن الرواية، وغريب ما فيها، وأنها مستقاة من المجوسية الزرادشتية، وإلّا؛ فأنّى للإمام الجعفر أن يدرك العلة. ولا ريب في بطلانها، إذ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بال واقفاً.
ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم أصحابه كل شيء، ووجّههم إلى كل أسباب الخير، ولو كان في هذا الأمر شر، وتلبيس شيطان، لذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه والناس، ولنقله الصحابة عنه، إلا أننا لم نسمع هذا التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حتى من علي بن أبي طالب وسائر أئمة أهل البيت، فهل ابتدع الإمام الصادق ما لم يقل به الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت ؟
فعلم بطلان هذا القول عن الصادق، وأنه قول مستمد من المجوسية كما أشرنا، ويعرفه المجوس ويعهدونه.
وكذلك تغزّل الشيعة بالعنب في كتبهم، وتبرّكوا به، وأنه يذهب الغم، حيث ورد في «الكافي» عن جعفر الصادق أن الله أوحى لنوح عليه السلام أن «كل العنب الأسود ليذهب غمك» [«الكافي» (6/350) حديث (12028)].
وعن الباقر كذلك، أنه قال عن العنب أنه يؤكل حبتين حبتين، فإنه مستحب [«الكافي» (6/350) حديث(12032)].
وعن الباقر، أنه قال: «مع كل تمرة حسنة» [«الكافي» (6/345) حديث(12007)].
وهذا الذي ذكروه عن الباقر غريب، إذ أنه يضفي على العنب والتمر قدسية، بمعنى أنه جعل أكلهما، مما يقرّب إلى الله.
والزرادشية كذلك تزعم أن العنب والتمر فاكهة مقدسة، وأنهما الأهم، والأفضل بين الفواكه [«أفستا»: أحكام روح العقل، (ص768)].
وكذلك رووا عن الصادق أنه قال: «لا تأكل وأنت ماش إلاّ أن تضطر إلى ذلك» [«مستدرك الوسائل» (16/230) ، «المحاسن» (2/459)].
ورووا عن الحسن أنه سئل عن السفلة؟ فقال: «الذي يأكل في الأسواق»[«وسائل الشيعة» (24/395)].
بل إن يحيي الحلي قد رد شهادة من يأكل الطعام في الأسواق [«الجامع للشرائع» (2/541)].
وبالرغم من أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأكل في السوق دناءة» [«وسائل الشيعة» (24/308)]، وقد رواه كذلك الطبراني، والبزّار من أهل السنة والجماعة، إلّا أنه لم يصحّح هذا الحديث أحدٌ من أهل السنة، فقد رد الحديث وأنكره كل من ابن الجوزي [«الموضوعات»(3/37)] والعقيلي [«الضعفاء الكبير» (3/190)]، والشيباني [«ذخيرة الحفاظ» (2/1080)]، وابن عدي [«الكامل في ضعفاء الرجال» (2/276)]، والبغدادي [«تاريخ بغداد» (4/274)، والذهبي [«ميزان الاعتدال(3/225)]، وابن حجر [«لسان الميزان» (3/446)]، والسخاوي «المقاصد الحسنة» (1/147)]، وأبي الفداء الدمشقي «كشف الخفاء» (1/197)]، والسيوطي [«اللآلئ المصنوعة» (2/217)، والشوكاني [«الفوائد المجموعة» (1/158)]، والألباني [«السلسلة الضعيفة والموضوعة» (5/484)].
فكل هؤلاء العلماء من أهل السنة والجماعة، أنكروا الحديث وردّوه، وهو مخالفٌ لما أخرجه الترمذي، وصححه، عن ابن عمر، قوله: «كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام» [«سنن الترمذي»(3/364)].
فبينما رد أهل السنة هذا الحديث، مقابل ما صحّ عن ابن عمر، تمسك الشيعة به واعتمدوه في كتبهم، ورووا مثله عن الصادق.
وهو موافقٌ لعادات المجوس وآدابهم، حيث أنهم يستنكرون تناول شيء من الطعام والشراب على قارعة الطريق [«قصة الحضارة» (2/439)].
ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ركعتان مع العمامة، خير من أربع ركعات بغير عمامة» [«وسائل الشيعة» (4/464)].
وهذا أمر غريب لم يعرف عن شريعتنا، ولكنه معروف في شريعة الزرادشتية، حيث يحرص المصلّي عندهم، على تغطية الرأس في الصلاة ففيها أجر عظيم، وبركة من الله، ومغفرة.
ومن مظاهر تأثرهم بالمجوس؛ أنهم زعموا أن الدب، والقرد، والأرنب، والثعلب، والذئب، والفيل من المسوخ، حيث ذكر الطوسي إجماعهم على هذا [«الخلاف» (3/184)].
لذا فإنهم حرّموا أكل لحومها، خلافاً لسائر الطوائف التي أباحت أكل الأرنب وغيره.
وهذا الذي قالوه موافقٌ لقول الزرادشتية؛ أن تلك الحيوانات من نسل الشيطان، حيث تذكر النصوص أسطورة مفادها: «أن(ييما) اتخذ الإبليسة زوجة له، بسبب خوفه من الأبالسة، وأعطى أخته (إيماك) زوجة لإبليس. وظهر من ذلك التزاوج القرد، والدب، وأنواع بشعة أخرى» [«أفستا»: زند أفستا: أسس خلق الكون ( فصل 23 ، ص820)]. وهم يعنون بتلك الأنواع الأخرى: الأرانب، والثعالب، والذئاب، والفيلة.وكل هذه الحيوانات التي من أنسال الشيطان، يحرم أكلها عند المجوس.
والشيعة كذلك تحرّم أكل الطحال، وقد رووا عن الصادق أنه حرّم أكل الطحال، لأنه مضغة الشيطان [«الكافي» (6/220)، «من لا يحضره الفقيه» (3/339)، «تهذيب الأحكام»(9/4)، «وسائل الشيعة» (24/130)]، وهذا الأمر لم يُعرف في شريعتنا، ولم يرد عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، بل إن أهل العلم على إباحته، ولكنه موافقٌ للزرادشتية التي تحرّم الطحال، وتعتبره شراً من الشيطان، وسائر أنواع الدم.
وكذلك تقسيم الشيعة للحيوانات والبهائم، إلى موالي ومخالف، وكذلك بعض أنواع الطعام، هو اعتقاد زرادشتي، تصنف البهائم والمأكولات بموجبه إلى صالح وفاسد، وطيب وشرير، كما هو مبيّن في النصوص البهلوية القديمة للأفستا.
وكذلك زعم الشيعة أن الله خلق الشيعة من طينة الجنة من عليين، وخلق أعداءهم من طينة خبيثة من سجين، وهي عين اعتقاد المجوس، أن الله خلقهم من العالم العلوي، وخلق غيرهم من العالم السفلي.
وقد تغلغلت الزرادشتية في حياة المواطن الإيراني، وأثّرت على لغته وثقافته، حتى في العصور الاسلامية، ومن بعد اعتناقهم الإسلام.
فقصيدة (الشاهنامة) للفردوسي ــ الذي عاش زمن البويهيين ــ تحدثت مطوّلاً عن تاريخ الدولة الإيرانية في عصور ما قبل الإسلام، ومجدت الزرادشتية، وأثرها في حياة الإيرانيين.
وقد شكّلت القصيدة تراثاً كلاسيكياً للأدب الإيراني، وعاشت في وجدان الشعب الإيراني قروناً طويلة، لدرجة أن البعض وصفها أنها قرآن الفرس، وكان الرجل الفارسي يحفظ أجزاء كبيرة منها.
ولا يقال أن الروايات التي ذكرناها لم يثبت صحتها، فإن موضوعنا ليس ثبوت صحة الروايات أم لا، فإننا نقطع بعدم صحة هذه الروايات، ولكن موضوعنا هو وجود هذه الروايات في كتبهم، دون كتب باقي الفرق، وقولهم بها، مع غرابتها عن روح الإسلام، وغيابها عن القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يرجح فكرة تأثر الكليني بالمجوسية، واستقائه لكثير من الأفكار والاعتقادات منها.
ونظرة كذلك على حال رواة الشيعة الجعفرية، لوجدنا أكثر أحوالهم من المجاهيل، ومن الفرس أو من الموالي.
وفارسية الراوي مع جهالة حاله، تفسر لنا هذا الكم الهائل من الاقتباسات من المجوسية إلى الجعفرية.
وحاصل القول أن شواهد عديدة، تؤكد تسرب أفكار المجوسية واعتقاداتهم إلى الشيعة الاثني عشرية. وبتظافر هذه الشواهد، وتعزيزها لبعضها، تنقلب إلى أدلة علمية على هذا الزعم.
قال الإمام يحيى ــ أبو طالب الهاروني ــ وهو من أهل البيت ، في كتابه «الدعامة» عندما ذكر الشيعة الإمامية: «وحكي عن بعضهم، أنه كان يجمع حكايات لبزرجمهر، وينسبها إلى الأئمة بأسانيد يضعها. فقيل له في ذلك، فقال: ألحق الحكمة بأهلها» [«الدعامة في الإمامة» (ص 174)].
أما (بزرجمهر)؛ فهو (بزرجمهر بن بختكان)، وزيرٌ لكسرى الفرس، وكان معروفاً عندهم بحكمته، وعدله.
وبعد كل هذا الذي ذكرناه في هذا الباب، فلا شيء أظهر من تأثر التشيع بالمجوسية، واستقاء الأحكام والعقائد منها، ولا أوضح من ذلك، إلاّ شمس الربيع في واضحة النهار.
النكاح في فارس القديمة (1)
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=160987
المرأة بين الشيعة والمجوس (2)
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=161113
بين البويهيين والمجوس (3)
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=161470