حديث صفة التردد

[بو عمر العنزي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ألهِ وصحبهِ ومن والاه أما بعد :-

هذا الرد المفصل على الموضوع الذي جرى النقاش فيه , بيني وبين الأخ ظافر , على موضوعنا المسمى بـ [هل توجد رواية إسرائلية في صحيح البخاري؟ حوار جاد بين ظافر وأحمد ]

http://alharah2.net/alharah/showthread.php?t=36106

وقد أستدل أخينا الكريم بالرواية التي يرويها البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه الجامع الصحيح المسند , في كتاب الرقاق باب التواضع حديث رقم 6021 والحديث هو :-

" حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " اهـ

فالعلة هنا - بنظر أخينا ظافر – هي :-

في السند :- أ) خالد بن مخلد القطواني

ب) شريك بن عبد الله .

في المتن :- أ) التردد الصفة المذمومة التي لا تليق بالله جل جلاله .

والجواب على هذا سيكون أولاً بخصوص السند

أ‌) خالد بن مخلد القطواني

تكلمت في مشاركات سابقة وذكرت اقوال المعدلين لخالد بن مخلد وأنه ثقة صدوق وروايته مقبولة إن حدث عن أهل المدينة , وفي هذا الحديث هو يحدث عن سليمان بن بلال وهو ثقة من مشيخة خالد المدنيين كما جاء في شرح العلل لأبن رجب :

ذكر الغلابي في تاريخ قال [: (( القطواني يؤخذ عنه مشيخه المدينة ، وابن بلال فقط )) . يريد سليمان بن بلال .

ويعني بهذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة ، وسليمان ابن بلال منهم ، لكنه أفرده بالذكر ] اهـ

أما أقوال المجرحين والمعدلين لخالد بن مخلد :-

1- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : له أحاديث مناكير .

2- قال ابن سعد : كان متشيعا منكر الحديث ، فى التشيع مفرطا ، و كتبوا عنه للضرورة

3- قال الجوزجانى : كان شتاما معلنا لسوء مذهبه .

4- الذهبى في الميزان : قال أبو أحمد : يكتب حديثه و لا يحتج به .

* ومن عدله :-

1- البخاري رحمه الله تعالى فخرج له في صحيحه الذي اشترط فيه الصحة .

2- قال عثمان بن سعيد الدارمى ، عن يحيى بن معين : ما به بأس .

3- قال أبو حاتم : يكتب حديثه

4- قال أبو عبيد الآجرى : سئل أبو داود عنه فقال : صدوق و لكنه يتشيع

5- قال أبو أحمد بن عدى : هو من المكثرين فى محدثى الكوفة ، و هو عندى إن شاء الله لا بأس به .

6- قال العجلى : ثقة فيه قليل تشيع ، و كان كثير الحديث .

7- قال صالح بن محمد جزرة : ثقة فى الحديث إلا أنه كان متهما بالغلو .

8- قال الأزدى : فى حديثه بعض المناكير ، و هو عندنا فى عداد أهل الصدق

9- قال ابن شاهين فى " الثقات " : قال عثمان بن أبى شيبة : هو ثقة صدوق .

مناقشة أقوال المجرحين :-

أما قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى " له أحاديث مناكير "

قال ابن حجر " وقول أحمد ( منكر الحديث ) هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث ، عرف ذلك بالاستقراء من حاله . وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم " اهـ

قال أبو الحسنات اللكنوي : " بين قولهم : هذا حديث منكر ، وبين قولهم : هذا الراوي منكر الحديث ، وبين قولهم : يروي المناكير فرق ، ومن لم يطلع عليه زلَّ وأضلَّ وابتلي بالغَرْق " اهـ أنظر الرفع والتكميل (ص 143)

و قال كذلك " قلت فعليك يا من ينتفع من " ميزان الاعتدال " وغيره من كتب أسماء الرجال ألا تَغْتر بلفظ الإنكار الذي تجده منقولاً من أهل النقد في الأسفار ، بل يجب عليك أن تَثَّبت وتفهم أن المنكر إذا أطلقه البخاري على الراوي فهو ممن لا تحل الرواية عنه ، وأما إذا أطلقه أحمد ومن يحذو حذوه فلا يلزم أن يكون الراوي ممن لا يحتج به .

وأن تفرق بين " روى المناكير " ، أو " يروي المناكير " أو في " حديثه نكارة " ونحو ذلك وبين قولهم : " منكر الحديث " ونحو ذلك بأن العبارات الأولى لا تقدح الراوي قدحاً يعتد به والأخرى تجرحه جرحاً معتداً به .

وأن تفرق بين قول القدماء : هذا حديث منكر ، وبين قول المتأخرين : هذا حديث منكر ؛ فان القدماء كثيراً ما يطلقونه على مجرَّد ما تفرد به راويه وإن كان من الأثبات ، والمتأخرون يطلقونه على رواية راو ضعيف خالف الثقات " اهـ الرفع والتكميل ( ص 150 )

و قال ابن دقيق العيد " في قولهم روى مناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه : منكر الحديث ؛ لان منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة " اهـ

شرح الإلمام " انظر " فتح المغيث " للسخاوي (1/373) ، و " الرفع والتكميل " (1/ 103) .

قال ابن القطان" وفرق عند المحدثين بأن يقولوا : " روى مناكير " أو " منكر الحديث " .

" منكر الحديث " : هو الذي يقولونه لمن سقطت الثقة بما يروي ، لكثرة المنكرات على لسانه ، كالذي يشتهر فيما بيننا بِقلة التوقي فيما يحدث به ، وتتكرر فضيحته ، حتى يكون إذا سمعنا حديثاً منكراً نقول : فلان حدث به ؛ إلا لما قدم عَهْدنا من نكارة حديثه . فهذا عندهم هو الذي يطلقون عليه أنه : " منكر الحديث " ولا تحل الراواية عنه .

أما الذي يقولون فيه : " عنده مناكير " أو روى أحاديث منكرة " فإنه رجل روى ما لا يعرفه غيره ، وحاله مع ذلك صالحة ، فهذا لا يضره الانفراد ؛ إلا أن يكثر بعد قبوله " اهـ

"النظر في أحكام النظر بحاسة البصر " (ص 395) ، و " الوهم والإيهام " (3/481) .

هذا الكلام في جميع الأقوال المذكورة سابقاً في أطلاق النكارة وممن جمع مناكير خالد بن قطوان ابن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء ذكر الأحاديث المنكرة وأنا أذكرها هنا :-

1- ثنا بن حماد ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السفر قطعة من العذاب فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليسرع الرجوع إلى أهله قال الشيخ وهذا لا يعرف لمالك عن سهيل إنما يرويه مالك في الموطأ عن سمي عن أبي صالح

2- ثنا زكريا بن يحيى بن حيويه ثنا يوسف بن موسى القطان ثنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره ثم قال أبو هريرة ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم قال الشيخ وهذا الحديث لا يعرف عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه ورواه مالك في الموطأ عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة .

3- ثنا أحمد بن محمد بن الحسن الذهبي البلخي ثنا محمد بن عثمان بن كرامة ثنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه و سلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال الشيخ وهذا لا يعرف عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه وعند مالك في الموطأ عن نافع عن بن عمر.

4- ثنا وصيف بن عبد الله الحافظ بأنطاكية ثنا بن أبي العنبس ثنا خالد بن مخلد عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم قال الشيخ ولا يعرف هذا الحديث عن مالك عن أبي الزناد إلا من رواية خالد عنه ولم أكتبه إلا عن وصيف وهذا في الموطأ عن مالك عن نافع عن بن عمر.

5- أنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن أنا محمد بن بندار أبو عبد الله السباك ثنا خالد بن مخلد القطواني ثنا مالك عن نافع عن بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل مسكر حرام وكل مسكر خمر قال الشيخ وهذا قد رفعه عن خالد عن مالك عبد العزيز الماجشون وعصام بن يوسف وغيرهما وهو في الموطأ موقوف .

6- ثنا عيسى بن أحمد الصدفي ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوي بالليل .

7- ثناه موسى بن العباس ثنا أبو أيوب بن إسحاق بن سافري ثنا خالد بن مخلد ثنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبإسناده قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطرق فإنها مأوى الهوام بالليل .

8- ثنا قسطنطين بن عبد الله الرومي مولى المعتمد على الله أمير المؤمنين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال قال حدثني عمارة بن غزية الأنصاري قال سمعت عبد الله بن علي بن الحسن يحدث عن أبيه عن جده قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي صلى الله عليه و سلم قال الشيخ وهذا الحديث بهذا الإسناد يرويه سليمان بن بلال وأظن أن غير خالد قد رواه عنه أيضا.

9- ثنا أحمد بن محمد الشرقي ثنا أحمد بن يوسف أملى من أصله مرارا ثنا خالد بن مخلد حدثني سليمان بن بلال حدثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب الله على العباد خمس صلوات فمن أتى بهن وقد أدى حقهن كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة ومن أتى بهن وقد ضيع حقهن استخفافا بهن لم يكن له عهد وإن شاء عذبه وإن شاء رحمه قال بن عدي قال لنا الشرقي سألت صالح جزرة عن هذا الحديث فقال هذا ليس له أصل عن سهيل وأخاف أنه دخل لحمدان السلمي إسناد في إسناده .

10- ثنا بن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد القطواني ثنا موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني عبد الله بن كيسان أخبرني عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه عن بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة صلى الله عليه و سلم قال بن عدي وهذا أيضا يرويه خالد عن موسى بن يعقوب في الصلاة عن النبي وحدث قسطنطين الذي تقدم أيضا في الصلاة على النبي يرويه خالد عن سليمان وخالد بن مخلد القطواني له عن مالك وسليمان بن بلال وغيرهما وله شيوخ كثيرة ونسخ وعنده نسخة عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو من ماية حديث وله عن يوسف بن عبد الرحمن المدني عن العلاء نسخة وله عن عبد العزيز بن الحصين نسخة وهو من المكثرين في محدثي أهل الكوفة وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك وعن غيره لعله توهما منه أنه كما يرويه أو حمل على حفظه لأني قد اعتبرت حديثه ما روى الناس عنه من الكوفيين محمد بن عثمان بن كرامة ومن الغرباء أحمد بن سعيد الدارمي وعندي من حديثهما عن خالد صدر صالح ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته فلعله توهما منه أو حملا على الحفظ وهو عندي إن شاء الله لا بأس به.

هذا بخصوص المناكير التي ذكروها عن خالد بن مخلد وقد جمعها ابن عدي رحمه الله في كامله , وقال وهو المهم هنا [ ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته فلعله توهما منه أو حملا على الحفظ ] اهـ

وقام بتعديله فقال [ وهو عندي إن شاء الله لا بأس به ] اهـ .

أما الجوزجاني رحمه الله قال: كان شتاما معلنا لسوء مذهبه أهـ .

قلت الجوزجاني من المتشددين المتعنتين في الجرح وخاصة في من نسب إلى تشيع أو رفض .. قال الذهبي رحمه الله " وهو ممن يُبالغ في الجرح " اهـ أنظر ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ( ص 179 )

وقد أتهم الجوزجاني بالنصب فقال ابن عدي رحمه الله " كان شديدَ الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على عليَّ " اهـ ميزان الأعتدال 1/76 وتهذيب التهذيب

وقال ابن حجر رحمه الله " وممن ينبغي أن يُتوقف في قبول قوله في الجرح مَن كان بينه وبين من جرحه عداوةٌ سببها الاختلاف في الأعتقاد , فإن الحاذق إذا تأمل ثلب [ أبي إسحاق الجوزجاني ] لأهل الكوفة رأى العجب و ولذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيُّع , فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسانٍ ذَلِقَةٍ , وعبارةٍ طّلِقَةٍ , حتى إنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية " اهـ انظر هدي الساري ( 461 ) ولسان الميزان 1/ 16 ولقداشترط الجوزجاني رحمه الله شرطاً للرواية عن المبتدع غير الداعية وهو أن يكون الحديث الذي يرويه غير مؤيد لبدعته فقال " ومنهم زائغٌ عن الحق – أي عن السنة – صادقُ اللهجة فليس فيه حيلةٌ إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون مُنكراً إذا لم يُقوِّ به بدعته " اهـ علوم الحديث 114 – 115

ووافقه الحافظ ابن حجر رحمه الله وقال " ما قاله الجوزجاني مُتجهٌ , لأن العلة التي رُد لها حديث الداعية واردةٌ فيما إذا كان ظاهر المروي يُوافق مذهب المبتدع ولم يكن داعية " اهـ شرح النخبة ص 104

وقال الإمام النووي رحمه الله " ومن لم يُكفَّر ببدعتهِ قيل : لا يُحتجُّ به وقيل : يُحتج به إن لم يكن داعيةً إلى بدعته وهذا هو الأظهرُ الأعدلُ وقولُ الكثير أو الأكثر , وضُعف الأولُ باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدُعاة " اهـ التقريب ص 216 – 217

وسأل محمد بن عبد العزيز الأبيوردي أحمد بن حنبل رحمه الله " أيُكتب الحديث عن المرجئ والقدري ؟ قال نعم إذا لم يكن داعية " اهـ الكفاية ص 205

وقال الحسين بن إدريس : سألتُ محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن علي بن غراب فقال : كان صاحب حديثٍ بصيراً به , قلتُ أليس هو ضعيفٌ ؟ قال كان يتشيع ولست بتارك الرواية عن رجلٍ يبصر الحديث بعد أن لا يكون كذوباً للتشيُع أو للقدر ولستُ براوٍ عن رجلٍ لا يبصر الحديث ولا يعقله ولو كان أفضل من فتح الموصلي " اهـ الكفاية 207

والنصوص كثيرة , وخالد بن مخلد لم يثبت بأنه داعية إلى بدعته أما قوله معلناً لسوء بدعته فليس فيه دليل أنه داعية في الحديث الذي يرويه .

أما قول ابي حاتم [ يكتب حديثه ولا يحتج به ]

من المعروف أن ابي حاتم رحمه الله من المتشددين في التوثيق , فالمتشدد إن كان يجرح ينظر من وافقه من المعتدلين في تجريحه فلا يؤخذ بقول المتشدد في التجريح بأطلاقه , و ابي حاتم يكثر من قول صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به والصدوق من مراتب التعديل التي يكون فيها الاشعار بالعدالة مع خفة الضبط وحديثهم يكون من قسم الحسن لذاته وقال ابي حاتم رحمه الله في " عبّاد بن عبّاد المهلبي [ صدوق لا بأس به ] قيل له : يُحتج بحديثه ؟ قال لا " الجرح والتعديل . فأنت ترى بأن هذا الوصف غير معقول ! كيف صدوق ولا يحتج بحديثه ؟

السبب أن ابي حاتم رحمه الله صعب التزكية للرواة ويتحرز في ذلك فهو لا يوثق إلا من يطمئن لثقته فإن وثق راوي فلك أن تعض على توثيقه بالنواجذ أما إن جرح فالأولى أن تتابع من يتابعه من المعتدلين في ذلك .

أما قوله يكتب حديثه ولا يحتج به نعطي مثالاً :

قال ابن ابي حاتم رحمهم الله تعالى " سمعت أبى يقول إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي هو وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض محلهم عندنا محل الصدق يكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم قلت لأبي ما معنى لا يحتج بحديثهم قال كانوا قوما لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت " الجرح والتعديل .

قال الذهبي في الميزان معلقاً على قول أبو حاتم الرازي يكتب حديثه: " مع أن قول أبى حاتم هذا ليس بصيغة توثيق ولا هو بصيغة إهدار " اهـ

قال عبد الفتاح ابو غدة معلقاً " ليس بصيغة اهدار لانه ليس ضعيفاً جداً , بحيث لا يصلح حديثه للمتابعات والشواهد , بل يكتب حديثه لصلاحيته لذلك , فهو بمثابة قولهم في هذه المرتبة " يعتبر به " ويقابله قولهم " لا يكتب حديثه " " اهـ الرفع والتكميل 164

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وأما قول أبي حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به؛ فأبو حاتم يقول مثل هذا لكثير من رجال الصحيحين (مع أنهم تجاوزوا القنطرة) وذلك أن شرطه في التعديل صعب، والحجة في اصطلاحه ليس هو الحجة في اصطلاح جمهور أهل العلم ". اهـ مجموع الفتاوى

وأما قول ابن سعد " كان متشيعا منكر الحديث ، فى التشيع مفرطا ، و كتبوا عنه للضرورة "

فقوله مخالف لمن عدل خالد وأقوالهم مقدمة على أبن سعد رحمه الله أمثال البخاري ويحيي بن معين وابن عدي وصالح جزرة والعجلي وغيرهم رحمهم الله .

وأخيراً قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة خالد

"خالد بن مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم من كبار شيوخ البخاري روى عنه وروى عن واحد عنه .

قال العجلي: ثقة فيه تشيع .

وقال ابن سعد : كان متشيعاً مفرطاً

وقال صالح جزرة : ثقة إلا أنه كان متهماً بالغلو في التشيع

وقال أحمد بن حنبل : له مناكير

وقال ابو داود : صدوق إلا أنه يتشيع

وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .

قلت [ ابن حجر ] : أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه وأما المناكير فقد تتبعها ابو أحمد بن عدي من حديث وأوردها في كامله وليس فيها شئ مما أخرجه له البخاري بل لم أرى له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث ابي هريرة من عادي لي وليا .. الحديث وروى له الباقون سوى ابي داود " اهـ مقدمة الفتح 569

فجميع هذه الأقوال لا تساوي شئ عند ظافر لكن لا يهم ذلك لأن المعتمد هو قول أهل هذا الفن رحمهم الله وحفظ الباقين منهم .

ب) شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي

قال المزي في تهذيب الكمال :

( خ م د تم س ق ) : شريك بن عبد الله بن أبى نمر القرشى ، أبو عبد الله المدنى

. و قال الواقدى : الليثى من أنفسهم . اهـ .

و قال المزى :

قال عباس الدورى عن يحيى بن معين ، و النسائى : ليس به بأس .

و قال محمد بن سعد : كان ثقة كثير الحديث .

قال أبو أحمد بن عدى : شريك رجل مشهور من أهل المدينة ، حديث عنه مالك ، و غير

مالك من الثقات ، و حديثه إذا روى عنه ثقة فلا بأس بروايته إلا أن يروى عنه ضعيف .

قال الواقدى : توفى قبل خروج محمد بن عبد الله بن حسن بعد سنة أربعين و مئة .

روى له الجماعة ; الترمذى فى " الشمائل " . اهـ .

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 338 :

و قال ابن عبد البر : مات سنة أربع و أربعين .

و قال الآجرى ، عن أبى داود : ثقة .

و قال النسائى أيضا : ليس بالقوى .

و ذكره ابن حبان فى " الثقات " ، و قال : ربما أخطأ .

و قال ابن الجارود : ليس به بأس ، و ليس بالقوى ، و كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه .

قال الساجى : كان يرى القدر . اهـ .

مناقشة هذه الترجمة :-

لقد وثقه العلماء وهو ثقة, وقول يحيى بن معين انه " لا بأس به " وهذا عنده بمعنى ثقة , ويحيى معروف انه من طبقة المتشددين قال ابن ابي خيثمة رحمه الله قلتُ ليحيى بن معين : إنك تقول ( فلانٌ ليس به بأس ) و ( فلانٌ ضعيف ) ؟ قال : " إذا قلتُ ليس به بأسٌ فهو ثقة , وإذا قلتُ لك ( هو ضعيفٌ ) فليس هو بثقةٍ ولا يُكتب حديثه " اهـ تاريخ ابن ابي خيثمة ص 315 فالتمسك بتوثيق المتشددين هو منهج المحدثين .

قال الذهبي رحمه الله " وقد قيل في جماعات ليس بالقوي واحتج به وهذا النسائي قد قال في عدةٍ : ليس بالقوي ويخرج لهم في كتابه , فإن قولنا ( ليس بالقوي ) ليس بجرح مفسد " اهـ الموقظة ص 82

وأما قول الساجي رحمه الله انه يرى القدر فلم أجد ما يدل على ذلك فإن كان فعلاً كان يرى القدر فالقول فيه كالقول في المبتدع الغير داعية إلى بدعته وإن لم يكن يرى القدر فلله الحمد وعلى كل حال فهو ثقة .

ثانياً بخصوص المتن والعلة هي

أ‌) التردد

لنفهم ما هي مشكلة ظافر حول هذا [ التردد ] وذلك بأقتباس بعض أقواله بهذا الخصوص

قال :-

"1 ـ الله عز وجل لا يتردد والتردد صفة ذميمة لا تليق برجل حازم, فكيف بالخالق جل في علاه. قال تعالى في سورة يس36: 82

(( إنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَاد َشَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))"

وأنتم ترون بأنه قام بقياس صفة الخالق بالمخلوق فمثل الخالق بصفة مخلوقه فأستنكر هذا النقص فبحجة التنزيه عطل صفة الله تعالى ..

وقال كذلك

" وقد ورد التردد في حق المنافقين؟؟ فقال جل شأنه في سورة التوبة: 45:

(( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ

وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ))

2 ـ ( ... عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي...)، وكأنهم يقولون: يختلف تردد الله جـل جلالــه (نستغفر الله) الذي يتردده عادة عن تردده في قبض نفس الولي! .

وهذا افتراء واجتراء على الله عز وجل؛ وكل شيء هين عليه جل شأنه؛ وكأن القوم لم يسمعوا بقوله تعالى:

(( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَىفِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))

[سورة الروم 30: 27 ].

وقوله تعالى :

(( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا

إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًاوَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))

[سورة المائدة 5: 17 ].

4 ـ وقال القوم: باعتبار أن الله عز وجل يدلل عبده الولي المؤمن والعبد هذا يكره المـوت ولهذا فإن الله عز وجل يكره الإساءة إلى هذا العبد باعتباره يكره الموت.

وهذا المنطق قد جافاه الصواب, وحاد عن النهج الإسلامي الراقي إلى النهج الهوى, فأصابه الاعوجاج في نقاط عدة: فالنقطة الأولى: من المعيب بل من الوقاحة أمام الله جل جلاله أن نقول عنه بأنه رِجْـلٌ لعبده المؤمن، ذلك الوصف الذي لم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم - ولا أي من الصحابة الكرام قد وُصِفَ به! ولا شك أن من يجرؤ على وقاحة كهذه هم يهود! الذين جعلوا بين الله عز وجل وبين يعقوب عليه السلام صراعاً، ألا صرعهم الله أنى يؤفكون! ولهذا فحديث البخاري حديث إسرائيلي المنشأ. " اهـ كلامه

وقال كذلك " التردد صفة لا يرتضيها رجل لنفسه – وهي صفة ذميمة في غاية البشاعة إن اتصف بها قائد .. " اهـ

أكتفي بهذا القدر الأخ ظافر لم يفهم المقصود بالتردد المذكور في الحديث ولقد أكثرت من توضيح ذلك له في عدة مشاركات ولا فائدة من ذلك , والأن أقوم بتوضيح مسألة التردد من أقوال العلماء الواردة في الحديث رد لا معقب بعده وليس ذنبي إن لم يستوعب الأخ ظافر الكلام , أو أنه لا يوافق فهمه فلكل وجهةٌ هو موليها ..

فأقول أن في مسألة التردد في هذا الحديث هناك مسلكان , مسلك يجري هذه الصفة على ظاهرها ومسلك يجري مسلك التأويل وما يهم هنا هو ما يسلكه أتباع السلف الصالح رضوان الله عليهم وهو أجراء النصوص على ظاهرها .. قال شيخ الإسلام رحم الله تعالى في مجموع الفتاوى :

" هذا حديث شريف قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا : إن الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور والله أعلم بالعواقب . وربما قال بعضهم : إن الله يعامل معاملة المتردد .

والتحقيق : أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانا منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس ؛ وأجهلهم وأسوئهم أدبا، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة.

ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه كما قيل :

الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب وفي الصحيح " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " وقال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث، فإنه قال : " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".

فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق، محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه .

والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادا للحق من وجه، مكروها له من وجه.

وهذا حقيقة التردد وهو : أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته." اهـ كلامه رحمه الله , وما أوضح كلامه ...

والتردد صفة تليق بالله جل جلاله , نؤمن بأن الله تعالى يتصف بصفة التردد لكن لا نعلم كيفية هذه الصفة , والقول في بعض الصفات كالقول في جميع الصفات فلو قلنا بأن سمع الله تعالى كسمع الإنسان لكان هذا القول قول قبيح مستنكر فالله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ولا نقول بأن الله تعالى يبصر كما يبصر الإنسان , وجميع الصفات لا نقول بأنها كصفات الإنسان لأنه هذا تمثيل الخالق بالمخلوق فلا يجوز وفاعله من أجهل الخلق , فالذي يستنكر صفة التردد هو قام بتمثيل هذه الصفة , أي صفة الخالق , بصفة المخلوق فشبه الله تعالى بخلقه ثم أراد تنزيهه بتعطيل هذه الصفة !! وهو فعل [ الجهمية ]

ولا أعلم ما الذي يضر هذا المعطل لصفة الله تعالى لو أجرى هذه الصفة على ظاهرها بدون أن يمثل الله تعالى بخلقه ويقول الله أعلم بكيفية صفته هذه والله تعالى ليس كمثله شيئ لا في أسماءه ولا في صفاته .

أما قول ظافر وهو قول يدل على جهل نسأل الله العافية :-

"الحديث الترددي الذي في البخاري يعني أن من يحبه الله عز وجل يكافؤه بما يلي:

1 ـ يصبح جل شأنه سمعه الذي يسمع به.

2 ـ يصبح جل شأنه بصره الذي يبصر به.

3 ـ يصبح جل شأنه يده الذي يبطش بها.

4 ـ يصبح جل شأنه رجله الذي يمشي بها. (يعني: أربع أعضاء من جسمه فقط). " اهـ

وقال كذلك " من المعيب بل من الوقاحة أمام الله جل جلاله أن نقول عنه بأنه رِجْـلٌ لعبده المؤمن، ذلك الوصف الذي لم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم - ولا أي من الصحابة الكرام قد وُصِفَ به " اهـ

فهل أهل السنة والجماعة قالوا بأن الله سمع الإنسان وبصره ورجله ويده !!!! سبحانك هذا بهتان عظيم

لنفهم المقصود من الحديث :-

قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم " فمعنى الحديث: أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل؛ فلا يسمع إلا لله، ولا يبصر إلا لله؛ أي: ما شرعه الله له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل، مستعيناً بالله في ذلك كله.

ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح بعد قوله: "ورجله التي يمشي بها": فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولهذا قال تعالى: ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) كقوله تعالى في الآية الأخرى: ( قل هو الذي أنشاكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون * قل هو الذي درأكم في الأرض وإليه تحشرون ) " اهـ

قال العلامة الحكمي في معارج القبول نقلاً عن كلام أبن رجب في جامع العلوم والحكم " وليس معنى ذلك أن يكون جوارح للعبد؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا، وإنما المراد: أن من اجتهد بالتقرب إلى الله عز وجل بالفرائض ثم بالنوافل قربة إليه؛ ورقّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان؛ فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة؛ فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره؛ فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش بطش به " اهـ

فهل يفهم أحد من هذا الكلام أن الله جل جلاله وتقدست أسماءه أنه يكون جارحاً لأعضاء الإنسان !! سبحانك سبحانك يارب على فهم الجهّلة ..

قال شيخ الإسلام رحمه الله " والحديث حق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فإن ولي الله لكمال محبته لله وطاعته لله يبقى إدراكه لله وبالله وعمله لله وبالله ؛ فما يسمعه مما يحبه الحق أحبه وما يسمعه مما يبغضه الحق أبغضه وما يراه مما يحبه الحق أحبه وما يراه مما يبغضه الحق أبغضه، ويبقى في سمعه وبصره من النور ما يميز به بين الحق والباطل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:" اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا " . فولي الله فيه من الموافقة لله : ما يتحد به المحبوب والمكروه والمأمور والمنهي ونحو ذلك فيبقى محبوب الحق محبوبه ومكروه الحق مكروهه ومأمور الحق مأموره وولي الحق وليه وعدو الحق عدوه. " اهـ مجموع الفتاوى

وفي قوله "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته"

قال شيخ الإسلام رحمه الله " هذا تصريح بأنه عبده، ليس الرب جزءا منه، ولا صفة له، وأنه يقبض ويموت، ومعلوم أن الله حي لا يموت، فضلا عن أن يكون بعضا، أو صفة لمن يموت، فإنه لو كان ظاهره أن الله نفس عين العبد وسمعه ويده ورجله، لكانت هذه الأعضاء تموت بموت الجملة " أهـ مجموع الفتاوى

فهذا هو تفسير التردد وتفسير اليد والرجل والسمع والبصر الوارد في الحديث القدسي الصحيح , ولا يضر تشويه القادحين في شرعنا , فالقول قول العلماء لا قول السفهاء .. فتمسك بأقوال العلماء وعض عليها بالنواجذ أخي القارئ .

وبقت مسألة واحدة وهي أتهامه للحديث بأنه اسرائيلي المنشأ !

ودليله على ذلك هي رواية ساقطة مذكورة في الحلية لأبي نعيم الأصبهاني رحمه الله " حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حمشاذ الفوال المعروف بالقنديل، حدثنا محمد بن سمويه، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم، حدثني أبي ، حدثني وهب بن منبه، قال: إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن الله تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن روح المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه. " اهـ

وهذا السند فيه علل أولها جهالة بن حمشاذ الفوال , ومحمد بن سمويه , والجرح الشديد في إبراهيم بن الحكم , فأقل شىء نقوله حكماً على هذه الرواية هي لا تصلح للأحتجاج وهي منكرة بسبب ابراهيم بن الحكم ..

هذه الرواية هي دليل ظافر على أن الحديث الصحيح الذي في البخاري رحمه الله هي رواية اسرائيلية المنشأ !! كيف يستدل برواية متهالكة ليثبت أن الحديث الصحيح هو حديث اسرائيلي المنشأ وضعيف !! الله أعلم فليس هذا منهج أهل الحديث لأنه يدل على جهل مركب نسأل الله السلامة

ثم لو فرضنا أن هذه الرواية صحيحة السند , فالرواية التي في صحيح البخاري رحمه الله ليست عن طريق وهب ابن منبه رحمه الله ولا يوجد أتصال من رواة الصحيح بأحد من أهل الكتاب فكيف نقول بأن الرواية اخذها الرواة التي في الصحيح من أهل الكتاب – من وهب ابن منبه – مع أن وهب رحمه الله من التابعين الصالحين !!

هذه محاولة يائسة للطعن في سنة المصطفى صلوات ربي وسلام عليه والحمد لله الذي سخر من يذب عن سنة النبي صلى الله عليه واله وسلم والله اسأل أن يجعلني منهم .

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .

بحث

أحمد العنزي

الأحد 8 محرم 1433 من الهجرة النبوية

[تقي الدين السني]

بارك الله فيك ، قد كتبتُ مسودة حول هذا الخبر ولكني لم أجد الوقت لتفريغها ونشرها .

[بو عمر العنزي]

وفيكم بارك الله شيخنا تقي .. وخيراً فعلت .. يهمني تعليقكم حول الموضوع ..

[سني من السلطنة]

بارك الله فيك أخي الفاضل ... فقد استفدت من موضوعك ...

[الحق أحق أن يُتَبع]

جزاك الله خيراً و سددك و وفقك و أعانك

[بو عمر العنزي]

بارك الله فيكم يا أحبة ونفعنا وإياكم .