أما بعد فيقول خادم علوم الدين و راصد أسرار الأئمة المعصومين محمد بن مرتضى المدعو بمحسن أحسن اللَّه تعالى حاله و جعل إلى الرفيق الأعلى مآله هذا يا إخواني كتاب واف في فنون علوم الدين يحتوي على جملة ما ورد منها في القرآن المبين و جميع ما تضمنته أصولنا الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار أعني الكافي و الفقيه و التهذيب و الاستبصار من أحاديث الأئمة الأطهار س حداني[4] إلى تأليفه ما رأيت من قصور كل من الكتب الأربعة عن الكفاية و عدم وفائه بمهمات الأخبار الواردة
للهداية و تعسر الرجوع إلى المجموع لاختلاف أبوابها في العنوانات و تباينها في مواضع الروايات و طولها المنبعث عن
[1] المكررات.
أما الكافي فهو و إن كان أشرفها و أوثقها و أتمها و أجمعها لاشتماله على الأصول من بينها و خلوه من الفضول و شينها
إلا أنه أهمل كثيرا من الأحكام و لم يأت بأبوابها على التمام و ربما اقتصر على أحد طرفي الخلاف من الأخبار الموهمة للتنافي و لم يأت بالمنافي ثم إنه لم يشرح المبهمات و المشكلات و أخل بحسن الترتيب في بعض الكتب و الأبواب و الروايات.
و ربما أورد حديثا في غير بابه و ربما أهمل العنوان لأبوابه و ربما أخل بالعنوان لما يستدعيه و ربما عنون ما لا يقتضيه.
و أما الفقيه فهو كالكافي في أكثر ذلك مع خلوه من الأصول و قصوره عن كثير من
[2] الأبواب و الفصول.
و ربما يشبه الحديث فيه بكلامه و يشبه كلامه في ذيل الحديث بتمامه و ربما يرسل الحديث إرسالا و يهمل الأسناد إهمالا.
و أما التهذيب فهو و إن كان جامعا للأحكام موردا لها قريبا من التمام إلا أنه كالفقيه في الخلو من
[3] الأصول مع
اشتماله على تأويلات بعيدة و توفيقات غير سديدة و تفريق
لما ينبغي أن يجمع و جمع لما ينبغي أن يفرق و وضع لكثير من الأخبار في غير موضعها و إهمال لكثير منها في موضعها و تكررات مملة و تطويلات للأبواب مع عنوانات قاصرة مخلة.
و أما الإستبصار فهو بضعة من التهذيب أفردها منه مقتصرا على الأخبار المختلفة و الجمع بينها بالقريب و الغريب.
و بالجملة فالمشايخ الثلاثة شكر اللَّه مساعيهم و إن بذلوا جهدهم فيما أرادوا و سعوا في نقل الأحاديث و جمع شتاتها و أجادوا إلا أنهم لم يأتوا فيها بنظام تام و لا وفى كل واحد منهم بجميع الأصول و الأحكام و لم يشرحوا المبهمات منها شرحا شافيا و لم يكشفوا كثيرا مما كان منها خافيا و لم يتعاطوا حل غوامضه و لا تفرغوا[1] لتفسير[2] مغامضه و لكن الإنصاف أن الجمع بين ما فعلوا و بين ما تركوا أمر غير ميسر بل خطب لا تبلغه مقدرة البشر فهم قد فعلوا ما كان عليهم و إنما بقي ما لم يكن موكولا إليهم فكم من سرائر بقيت تحت السواتر و كم ترك الأول للآخر فجزاهم اللَّه عنا خير الجزاء بما بلغوا إلينا و أسكنهم الجنان في العقبى لما تلوا علينا.