العودة   شبكة الدفاع عن السنة > المنتديـــــــــــــات الحوارية > الــــحــــــــــــوار مع الاثني عشرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-06-10, 01:56 AM   رقم المشاركة : 61
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road


الهدية رقم " 46 " لكل شيعي .


أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

العباس بن عبد المطلب وبعض بنيه رضي الله عنهم

الحمد لله حمدَ الذاكرين الشاكرين الأبْرار، أحمده سبحانَه على فضله المدرار،
وأشكُره على نعمه الغزار، وأتوب إليه وأستغفره وهو العزيز الغفار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الواحدُ القهار، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، وأزواجه وأهل بيته الأطهار، صلاةً وسلاماً دائمين متعاقبين ما تعاقب الليل والنهار

.

((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
أما بعـــد:
أيها المسلمون! إن من أفضل القربِ رِعاية حقوقِ أهل الرُّتَب، ومن الرُّتَبِ العالية الكريمة رتبةُ أهل البيت الأصفياء، فإن أهل بيت المصطفى قد ندب الشرع الحنيف إلى ذكر ورعاية حقوقهم من وجوهٍ ليس بها خفاء.
وموضوعُ خطبتنا اليوم صحابي جليل أسلم قديماً، وكان يكتم إسلامه، وهو أبو حبر هذه الأمة، إنه العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل.
كان العباس رضي الله عنه أكبر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنوات، وكان يقول إذا سئل: (أيكما أكبر أنت أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقول: هو أكبر وأنا وُلِدتُ قبله).
قال الكلبي: كان العباس شريفاً مهاباً عاقلاً جميلاً، أبيض، معتدلَ القامة.
وقال الذهبي: «كان أطولَ الرجال، وأحسنَهم صورةً وأبهاهم، وأجْهرَهُم صوتاً، مع الحلم الوافر والسؤدد».
وكان للعباس رضي الله عنه ثوبٌ لعاري بني هاشم، وجَفْنةٌ لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم، وكان يمنع الجار ويبذل المال ويعطي في النوائب.
وكان له عشرةٌ من الأولاد، أكبرهم حبرُ هذه الأمة وترجمانها، عبد الله بن العباس، الذي لا تكاد ترى كتاباً ولا ديواناً من دواوين أهل الإسلام قاطبة إلا وهو مذكور فيها.
وقد كان للعباسِ مكانته عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك أنه كان إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما؛ إجلالاً لعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما استُخلفَ عمرُ وفُتحت عليه الفتوح، جاءه مال فَفَضَّل المجاهدين والأنصار، ففرض لمن شهد بدراً خمسة آلاف، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفاً.
وكان علي رضي الله عنه يقبل يد العباس ورجله، ويقول: (يا عم! ارض عني)، رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال سعيد بن المسيب: (العباس خير هذه الأمة).
ومن مواقف العباس رضي الله عنه:
ما رواه مسلم في صحيحه عن كثير بن العباس رضي الله عنهما قال: قال العباس: (شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حُنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله لم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فَروة بن نُفَاثَة الجُذَمِي، فلما التقى المسلمون والكفار، وولى المسلمون مدبرين، فَطِفَق رسول الله يركض ببغلته قِبَل الكفار، قال العباس: وأنا آخذٌ بركاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله: أَيْ عباس! نادِ أصحابَ الشجرة، فقال العباس -وكان رجلاً صيِّتاً-: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحابُ الشجرة؟ قال: فوالله لكأنَّ عَطفتَهُم حين سمعوا صوتي عَطْفَةَ البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشرَ الأنصار، يا معشر الأنصار! يا بني الخزرج، يا بني الخزرج! فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا حين حَمِيَ الوَطِيْسُ، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حَصَيَاتٍ فرمى بِهنَّ وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا وربِّ محمد، قال: فذهبتُ أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بِحَصَياتِهِ، فما زلت أرى حدَّهم كليلاً، وأمرهم مدبراً).
تأمَّل يا عبد الله! إلى هذا التلاحم الإيماني، يوم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم العباس بالنداء، فما هي إلا لحظات حتى اجتمع الصحابة.
هذا هو العباس.. مناصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمدافع عنه.. هذا هو عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تنسب إليه دولة إسلامية عظيمة، هي الدولة العباسية.
ولقد أعتقَ العباسُ رضي الله عنه عند موته سبعين مملوكاً.
وورد أن عمَر عَمَد إلى مِيزَابٍ للعباس على ممر الناس فقلعه، فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي وضعه في مكانه، فأقسم عمر على العباس: لتصعدنَّ على ظهري ولتضعنَّه موضِعه.
أخي! انظر إلى هذا الأدب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتأمَّل كيف يتعامل مع عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أثر من آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما نحن فيا ترى كيف تعاملنا مع آبائنا وإخواننا المسلمين؟! بل كيف تعاملنا مع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟!
إنك تجد الرجل منا يقعد ويأكل ويمسح بالمجلات والجرائد التي فيها اسم الله جل جلاله، دون احترام ولا تقدير، ولا خوف من العلي القدير.
بسم الله الرحمن الرحيم: ((وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))[العصر1-3].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العرش العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين.
أما بعد:
عباد الله! إن في سيرة الصحابة الكثير من الأدب والحكم والمواعظ، وقد يقول قائل: ما هو السبب في أن الصحابة رضوان الله عليهم لهم هذه الأخبار والآثار؟
والجواب على ذلك: أنهم حملة رسالة رسول رب العالمين.. فعلى أيديهم كان الفتح والجهاد، وقد تلقوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغوه، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدينة العلم وهم أبوابها.
ومن هنا نالَ العباس رضي الله عنه وبنوه المرتبةَ العليا في العلم والجهاد، فرأس العلم وحبر هذه الأمة هو عبد الله بن العباس، وأمُّ هذا الحبر هي ثاني امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله عنها، وهي أم الفضل لبابةُ بنت الحارث الهلالية، ومن أولاده قُثَمُ بن العباس بن عبد المطلب، وكان يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، استشهد رضي الله عنه في سمرقند، ومن أولاده مَعْبد، وكَثير، وتمام، وعبيد الله، والفضل، وبه كان يُكنى.
أما أشهرهم فهو حبر الأمة، وفقيهها، وإمام التفسير، أبو العباس عبد الله ابن العباس، وهو رديف : النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال(اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، كما في صحيح البخاري ومسلم.
أخي المسلم! هذا بيت من بيوت أهل البيت الكرام، فيهم الإمام والشهيد والزاهد والسابق إلى الإسلام، والسؤال هو: من منا كان له ذلك الفضل في تربية أهل بيته على الإيمانِ والقرآنِ والجهاد والعلم؟!
من منا دعا لنفسه ولأهل بيته بمرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه الكرام في الجنة؟!
عباد الله! إن الثناء والدعاء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدلائل على حب الرجل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))[الحشر:10]، ففي هذه الآية دلالة على أن الدعاء لأصحاب رسول الله فيه إشارة إلى طلب سلامة القلب نحوهم، ودليل ذلك قوله تعالى: ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا))[الحشر:10].
وأصحاب رسول الله هم قوم شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل.
عباد الله! إن الله عز وجل افترض على عباده محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسد الطريق إلى الجنة إلا من طريقه صلى الله عليه وآله وسلم، الذي شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، وجعل الذل والصغار على من خالف أمره، وقد قام الصحابة الكرام بلوازم هذه المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم، وقاتلوا على دينه، ورفعوا رايته، وأعزوا سنته، ونصروا شريعته، حتى وصل إلينا غضاً طرياً.
أخي المسلم! ما فارق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا حتى دانتِ الجزيرةُ للإسلام، وواصل أصحابه الكرام المسيرة بعده، يفتحون البلاد وقلوب العباد بلا إله إلا الله، وظهرت آيات الصدق والمحبة في أصحابه رضي الله عنهم، فما أحوَجَنا أن نقف على سير سلفنا الصالح، علّها أن تشحذ هممنا في التأسي برسولنا صلى الله عليه وآله وسلم والمسارعة في اتباع سنته، ولزوم شريعته.
ومحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عقد من عقود الإيمان، ولزوم سنته واتباع هديه علامة المحبة الصادقة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنه من أعظم أسباب محبة الله عز وجل.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ كلمة الدين، اللهم اكتب لنا في هذه الحياة الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والنجاة من النار.
عباد الله! أوصيكم بتقوى الله ومراقبته، ومحاسبة الأنفس، وزنة الأعمال قبل أن توزن.
وصلوا على نبينا محمد بن عبد الله صلاةً أبديةً سرمديةً ما دامت الدنيا والآخرى، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله الجليل العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.









التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» إلى الجنان يا أبطال السُنة
»» ( الأسئلة اليامية عن العقيدة الإسماعيلية )
»» أفلاطون تفضل هُنا
»» شبهة إنكار صفات الله
»» فضيحة الشيعه الكبرى اللواط لايفطر الصائم
 
قديم 21-06-10, 01:57 AM   رقم المشاركة : 62
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road




الهدية رقم " 47 " لكل شيعي .

أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة


جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
الحمد لله الذي زيَّن السماء بمصابيح ليهتدي بها في ظلمات البر والبحر كلُّ سالك، وأنار الأرض ببدورٍ ساطِعةٍ في سماء العلم ليهتدي بها من ظلَّ في ظلمات الجهل والمهالك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا ندّ له ولا مشارِك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم من كلِّ مقتفٍ وناسِك.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعــد:
أيها المسلمون! إن الكلام عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له مكانة في نفوس المسلمين، فهم أقرب الناس إلى رسول الله دماً، وفضائل أهل البيت الكريم كثيرة جداً، والسؤال هو: من هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
وجواب ذلك: هم من تَحرُم عليه الصدقة من أزواجه وذريته وكل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب، وهم بنو هاشم بن عبد مناف.
ولعل قائلاً يقول: من هم أبرزُ شخصيات أهل البيت الكريم؟
فنقول له: هم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجعفر، وعقيل، والحمزة، والعباس، وعبد الله بن العباس، والفضل بن العباس، وغيرهم، إلا أن هؤلاء هم أبرز الشخصيات التي كتب لهم التاريخ كتابة حافلة بجميع أنواع المحافل، وفي هذه الخطبة نكتفي بذكر شخص من تلك الشخصيات البارزة، وعلم من أعلام الصحابة.. إنه أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسفير المسلمين إلى بلاد الحبشة.
إنه جعفر بن أبي طالب، كنيته أبو عبد الله، وحَسْبُ جعفرَ رضي الله عنه أنه من تلك الشجرة التي بارك الله في فروعها وأغصانها.
وفي صحيح البخاري عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجعفر بن أبي طالب: (أشبهتَ خَلقي وخُلقي).
كان جعفرُ رضي الله عنه أكبر من أخويه علي وعقيل رضي الله عنهم أجمعين.
نشأ رضي الله عنه تحتَ رعاية عمه العباس، في ثراء ورعاية وحماية، حتى بعث الله نبيه بدين الحق، والتحق بدين مبدد جحافل الظلام، فأسلم جعفر هو وزوجته أسماء بنت عميس على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، انضم جعفر إلى ركب النور هو وزوجته منذ أول الطريق.
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر تلقاه جعفر، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبل بين عينيه وقال: (ما أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدومِ جعفر)، وفي رواية: (أنه ضمه واعتنقه). وهو حديث حسن.
قال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين جعفر ومعاذ ابن جبل رضي الله عنهما.
وعندما ازداد عدد المسلمين بمكة شعر كفار قريش بخطورة الوضع، فقاموا بتعذيب المسلمين وسجنهم، وأرادوا فتنتهم عن دينهم، فأشار عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهاجروا إلى الحبشة؛ لأن فيها ملِكاً من أهل الكتاب يجير من استجار به، ويَحمي من احتمى به، ولا يُظلم عنده أحد، فكانت أول طليعة من المهاجرين أحدَ عشرَ رجلاً وأربع نسوة، وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة.
ثم عادوا لما سمعوا أن أذى المشركين قد خف، وأصبح بإمكانهم أن يعيشوا بأمان، وما أن وصلوا أبواب مكة حتى علموا كذب ذلك كله؛ بل إنهم ما إن عادوا حتى لقوا من قومهم الأذى الأشد والأنكى.
فعاد الركب مرة أخرى إلى الحبشة، وكان على رأسهم جعفر بن أبي طالب، وكان أميرَهم، والمتكلمَ باسمهم وباسم الإسلام، فاستقر بهم الأمر عند النجاشي، وذاقوا لأول مرة طعم الأمن، واستمتعوا بحلاوة العبادة دون أي تَعْكير أو كَدَر، قالت أم سلمة رضي الله عنها: (لما نزلنا أرض الحبشة لقينا فيها خير جوار ومأمن على ديننا، فلما علمت قريش بذلك أرسلت إلى النجاشي برجلين جَدِلَيْنِ هما: عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة، ومعهم هدايا للنجاشي، فأتيا النجاشي وقَدَّما له الهدايا، فأعجب بها، ثم كلَّماه فقالا له: أيها الملك! إنه قد أوى إلى مملكتك طائفة أشرار من غلماننا، قد جاءوا بدين لا نعرفه نحن ولا أنتم، ففارقوا ديننا، ولم يدخلوا دينكم، وقد بعثنا إليك أشراف قريش لتردهم إليهم. فنظر النجاشي إلى بطارقته فقالوا: صدقا، فإن قومهم أبصر بهم، وأعلم بما صنعوا، فَرُدَّهم إليهم، فغضب الملك من كلام بطارقته، وقال: لا والله لا أسلمهم حتى أدعوهم، وأسألهم عما نسب إليهم، فإن كانوا كما قال هذان الرجلان أسلمتهم إليهما، وإن كانوا غير ذلك حميتهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت أم سلمة: فلما اجتمعنا عند النجاشي تشاورنا على أن يتكلم عنا جعفر ابن أبي طالب ولا يتكلم أحد غيره.
فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي أحدثتموه وفارقتم بسببه دين قومكم؟
فقال جعفر: كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسِيءُ الجوار، ويأكلُ القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله منا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى توحيد الله، وأن نخلع ما كنا نعبد من دون الله من حجارة وأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحُسْنِ الجوار، والكف عن المحارم، وحَقْن الدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة...
فما كان من قومنا إلا أن استعْدوا علينا، فظلمونا وقهرونا، وضيقوا علينا، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك).
والقصة مشهورة ومعروفة، ولكن الشاهد فيها أن جعفراً رضي الله عنه كان متكلماً بليغاً، قوي الحجة والمنطق، دافع عن دينه الذي اعتنقه عن قناعة وإيمان صادق، واليوم نرى أبناء المسلمين يفرطون أيما تفريط في هذا الدين؛ بل إنك لا تراهم إلا وهم يهزءون بإخوانهم المسلمين، وهم بذلك لا يدرون أنهم يهزءون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.. يهزءون بآبائهم وأجدادهم العلماء والدعاة الفاتحين والمجاهدين.
إن جعفراً رضي الله عنه ضرب لنا مثلاً عظيماً بهذه المناظرة من أقوى الأمثلة والحِكَم، منها: أن الإسلام لن يموت ولكن قد يضعف، وأن الإسلام هو في أصله عزيز بعز الله، وأن لا نجاة ولا أمان إلا بهذه العزة.
بقي جعفر رضي الله عنه هو وزوجته أسماء بنت عُمَيس عشر سنوات في الحبشة، وفي السنة السابعة من الهجرة عاد جعفر وأصحابه المهاجرون إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم عائداً من خيبر بعد أن دك حصونها وفتحها الله عليه، ففرح صلى الله عليه وآله وسلم بلقاء جعفر فرحاً شديداً، ولم تكن فرحة المسلمين عامة والفقراء منهم خاصة بعودة جعفر بأقل من فرحة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد كان جعفر شديد العطف على الضفعاء كثير البر بهم، حتى أنه كان يلقب بأبي المساكين، وأخبر عنه أبو هريرة رضي الله عنه فقال: (كان خيرُ الناس لنا - معشر المساكين - جعفرَ بن أبي طالب)، أخرجه البخاري.
وقال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب).
هذه إشارة خاطفة إلى شيء من مكانة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فرحمه الله ورضي عنه وأرضاه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على رسولنا المصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم..
أمـا بعـــــد:
عباد الله! إن فضائل أهل البيت كثيرة كما أسلفنا، وهي شَيِّقَةٌ وجميلة، وجعفر رضي الله عنه له الصدارة في هذه الشجرة المباركة.
لقد كان لجعفر رضي الله عنه من الإخوة اثنان هما: عقيلٌ وعلي رضي الله عنهما، أما علي فهو كالشمس في رابعة النهار، وكالبدر يوم اكتماله، وأما عقيلٌ فهو أكبر إخوته وآخرهم موتاً.
ونعود إلى جعفر الطيار، فهو أحد شهداء معارك التاريخ، ولم يَطُلْ مُكثُ جعفر في المدينة، ففي أوائل السنة الثامنة للهجرة جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً لمنازلة الروم في بلاد الشام، وأمَّر على الجيش زيد بن حارثة، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن قتل زيد وأصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر أو أصيب فالأمير عبد الله ابن رواحة، قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية)، وقد بلغ عدد مقاتلي الروم قرابة (مائتي ألف)، وعدد جيش المسلمين (ثلاثة آلاف)، وما أن التقى الجمعان ودارت رحى المعركة حتى فاز زيد بن حارثة بالشهادة مقبلاً غير مدبر، فما أسرع أن وثب جعفر بن أبي طالب عن ظهر فرس شقراء، ثم عقرها حتى لا ينتفع بها الأعداء من بعده، وحمل الراية، وأوغل في صفوف الروم.
أيها المسلم! إنه يسابق إلى الجنة، دفعه الاشتياق إليها، فهو الذي قال شوقاً إليها في يوم مؤتة:

يَا حبَّذَا الجنةُ واقترابُها طيِّبَةٌ وبَاردٌ شرابُها كَافِرةٌ بعيْدةٌ أَنسَابها
والرومُ رومٌ قَد دَنَا عَذابُها عليَّ إنْ لاقيتُهـا ضِـرَابُهـا
إنها الجنة الجزاء الخالص الفريد.. إنها الجنة التي غرسها الرحمن بيده، فرحم الله أقواماً عرفوا من غرسها وقدَّروا قدر الغرس، ((فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[السجدة].
فالله أكبر كم يفيض الله على عباده من كرمه! وكم يغمرهم سبحانه من فضله! ومن هم حتى يتولى الله جل جلاله إعداد ما يدخره لهم من جزاء في عناية ورعاية وود واحتفاء!! إنه الكريم المنان، الفاتح لأبواب الجنان.
ظل جعفر رضي الله عنه يجول في صفوف الأعداء بسيفه ويصول، حتى أصابته ضربة قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، فما لبث أن أصابته أخرى قطعت شماله، فأخذ الراية بصدره وَعضُدَيه، فما لبث أن أصابته ثالثةٌ شَطَرَته شَطْرين.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة) والجزاء من جنس العمل.
استشهد فتى بني هاشم؛ ليأخذ مقعده في جنان الخلد في مقدمة شهداء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو في الثالثة والثلاثين، ترك خلفه أبناء لا متاع لهم ولا مال، وكانت أسماء يومها تقوم بتنظيف الأولاد وتطييبهم وهي تتأهَّبُ للقاء زوجِها الغائب، فأتاهم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (ائتيني بِبَني جعفر، فأتته بهم، فتشمَّمهم وذرفتْ عيناه بالدموع، فقالت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، لقد استشهدوا هذا اليوم)، فأخذت تبكي وتصيح، واجتمعت نساء حولَها، عند ذلك غاضت البسمة من وجوه الصغار، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمضى يُكَفكفُ عبراتِه ويقول: (اللهم اخلف جعفراً في ولده، اللهم اخلف جعفراً في أهله، ثم قال: لا تُغْفِلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً؛ فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم)، وهو حديث حسن.
وهكذا سنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة ماضية، وهي إعداد الطعام من قبل ذوي القربى والجيران لأهل المصيبة لمدة ثلاثة أيام؛ لانشغالهم بمصابهم، لا كما يقام اليوم في ديار الإسلام.
وأتت أسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت يُتم أطفالها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما صح عنه: (العَيلَةَ تخافينَ عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة).
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا لقي عبد الله بن جعفر يقول له: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين).
لقد مات جعفر، فوجد المسلمون فيما بقي من جسده تسعين ضربةً بين طعنة برمح وضربة بسيف.
فسلام على جعفر بن أبي طالب، فقد ملأَ الدنيا جهاداً حتى استشهد، وسلام عليه يوم أبدل بجناحين يطير بهما في جنان الخلد حيث يشاء، ورضي الله عنك يا جعفر، لقد صدقتَ ما عاهدتَ الله عليه، حتى قضيتَ نحبك.
إن سيرةَ الشهداء لا تنتهي، ولكن العبرة التي لا تنسى هي أننا نربي أبناءنا على الإيمان والجهاد والقرآن والسنة.. هذه هي سيرة جعفر الطيار.. هذه هي سيرة صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين سطَّروا لنا صفحاتٍ من التاريخ الحي، بل هي كل التاريخ، فبمثل هذه السير تحيا الأمم.
عباد الله! صلوا على النبي الزكي صلاة ما تعاقب الجديدان، اللهم فصلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم بلغنا منازل الشهداء، وأحينا حياة الشهداء، وتوفنا شهداء، اللهم إنا نسألك مرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارحم موتانا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم أصلح شباب المسلمين، واجعلهم من أنصار سنة سيد المرسلين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وأهلك الكفرة من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.














التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» لاتترك عبيدك ياعلي ؟
»» "The particulars of entering the Religion of Islâm"
»» Jurer par autre qu’Allah
»» De************************ion of Hajj and Umrah with صفة الحج والعمرة مع أدعية مختارة بلغات أخرى
»» أسْلاَفُنَا فِيْ رَمَضَانْ
 
قديم 21-06-10, 02:00 AM   رقم المشاركة : 63
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road


الهدية رقم " 48 " لكل شيعي .

أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما


الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بمواد العناية، ويسَّر لهم تفصيل مجملات أنبائه بتكثير أسبابِ الهداية، وألهمهم الاعترافَ بعدم الإحاطةِ بحصر نَعمائه التي لا تُدْرَكُ لها غاية، وأعجزَهم عن استيعاب شكرِ آلائه وإن اتسعت الدراية والرواية.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً منوطةً باليقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير خلقه أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فيقول تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، فقد طهر الله أهل البيت تطهيراً، وجملهم بالأخلاق صغيراً وكبيراً، فكانوا للسالكين إلى الله سراجاً منيراً، وقمراً مستنيراً.. فيا باغي الأخلاق هذا سمتهم.. ويا طالبَ الآدابِ لا تَغِبْ عن هديهم.. ويا قاصدَ المعرفةِ هذا علمهم.
من أجل ذلك أحببتُ أن أتحفَـكم في خطبة اليوم -بإذن الله- بشيء من سيرة سيد من ساداتهم، وحبرٍ من أحبارهم، وإمام من أئمتهم.. هو اللَّقِنُ المعلَّم، والفطن المفُهَّم.. فخر الفخار، وبدر الأحبار، والبحر الزخار، والعينُ المدرار.. مفسِّرُ التنزيل، ومبينُ التأويل.. المتفرسُ الحساس، والوضيءُ اللباس.. مكرمُ الجلَّاس، ومطعم الأُناس: عبد الله بن العباس، ابن عم رسول الجِنة والناس صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد أمسك هذا الإمام النبيل والصحابي الجليل المجد من أطرافه؛ فقد نال شرف الصحبة، وكفى بها من منزلة عَليَّة، ومكانة سَنِيَّة، لا يصل إليها أحدٌ إلى يوم الدين بعد موت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
كما حاز منزلة القرابة؛ فهو ابن عم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن آل بيته الأطهار.
كما ظفر بمجد العلم؛ فهو حبر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبحر علمها الزخَّار.
كما فاز بمجد التقى والورع؛ فقد كان قوَّام الليل صوَّام النهار، متضرعاً بكَّاءً من خشية الله الواحد القهار.
ولد ابن العباس قبل الهجرة بثلاث سنوات، ولما توفي ابن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له ثلاثَ عشرةَ سنة فقط، ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم ألفاً وستمائة وستين حديثاً، أثبتها البخاري ومسلم إماما المحدثين، ومرجع العلماء المحققين، في صحيحيهما اللذين اتفقت الأمة وأجمعت الأئمة على أنهما أصح الكتبِ بعد كتاب الله.
ذلك أنه لما وضعته أمه حملته إلى ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم، فحنَّكهُ بِريقه، فكان أول ما دخل جوفه رِيقُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم المبارك الطاهر، ودخلت معه التقوى والحكمة.. ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً))[البقرة:269]، ونشأ رضي الله عنه في بيوت النبوة، بين أكناف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالته أم المؤمنين ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة العين لأختها، فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا هم أن يتوضأ، ويصلي معه إذا وقف للصلاة من الليل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يردفه خلفه إذا عزم على السفر والتنقل، حتى غدا له كظله يسير معه أنَّى سار، ويدور في فلكه كيفما دار.
وهو في كل ذلك يَحمِل بين جنبيه قلباً واعياً، وذهناً صافياً، وحافظةً دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث.
دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد صح عنه رضي الله عنه قوله: (ضمَّني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه وقال: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب) رواه البخاري، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن عمر دعا ابن عباس رضي الله عنهما وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوماً فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، رواه البخاري ومسلم.
وكان إعجابُ عمر بن الخطاب بابن عباس يزداد كلَّ يوم، حتى إنه كان يقول عنه: (ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول). وبذلك صار حبر الأمة، وبحر الأمة، وموسوعتها الحية، حتى أجمعت العلماء على أنه كان ترجمان القرآن، ونعم ما وصفه به ابن عمر رضي الله عنهما إذ قال: (ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد)، وقال عنه محمد ابن الحنفية وهو ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان ابنُ عباسٍ حبرُ هذه الأمة).
كما قال عنه الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إن ابن عباسٍ كان من القرآن بمنزل).
ذلك أنه مع دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له سلك إلى العلم كل سبيل، وركب من أجله الصَّعْبَ والذَّليل، وظل ينهل من معين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما امتدت به الحياة، فلما لحق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بجوار ربه اتجه إلى البقية الباقية من علماء الصحابة، وطَفِقَ يأخذ منهم ويتلقى عنهم، ولم يمنعه نسبه الرفيع وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ من غيره، فكان يذل نفسه في طلب العلم، وفي المقابل كان يعلي قدر العلماء، فقد كان يأتي زيد بن ثابت رضي الله عنه ويتوسد رداءه عند عتبة بابه والرياح تَسفُّه بالتراب، فإذا خرج زَيدٌ وهمَّ بركوب دابته، وقف ابن عباس وأمسكَ له ركابه وأخذَ بزمامِ دابته، فيقول له زيد: (دع عنك يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فيقول: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال له زيد: أرني يدك، فقبلها وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا)، وكان يحب الشيخين أبا بكر وعمر، ويهتم بعلومهما، حتى قال عبد الله بن عتبة: (ما رأيت أحداً أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم من ابن عباس رضي الله عنهما).
أيها المؤمنون! وقد غدا ابن عباس بفضل علمه وفقهه مستشاراً للخلافة الراشدة على الرغم من حداثة سنة، فكان إذا عرض لعمر بن الخطاب فاروق هذه الأمة رضي الله عنه أمراً وواجهته مُعضِلة -وهو الإمام المحدَّث الملهم- دعا جلّة الصحابة، ودعا معهم إمامنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فإذا حضر رفع منزلته، وأدنى مجلسه، حتى عُوتِب مرة في تقديمه له وجعله مع الشيوخ وهو ما زال فتى، فقال: (إنه فتى الكهول، وله لسانٌ سؤول، وقلبٌ عقول).
ولما كمل لابن عباس ما طمح إليه من العلم تحول إلى معلم يعظ العامة، ويعلم الخاصة، حتى أصبح بيته جامعةً للمسلمين بكل ما تعنيه الكلمة في عصرنا، يُدَرَّس فيها كل العلوم، غير أنها تقوم كلها على أكتاف مدرِّسٍ واحد، هو حبر الأمة، وترجمان القرآن والسنة.
روى أحد أصحابه قائلاً: (لقد رأيت من ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش افتخرت به لكان لها مفخرة، فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطرق المؤدية إلى بيته حتى ضاقت بهم، وسدوها في وجوه الناس، فدخلتُ عليه وأخبرته باحتشاد الناس، فقال: ضع لي وضوءاً، فتوضأ وجلس وقال: اخرج وقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه فليدخل، فخرجت وقلت لهم، فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر، ثم قال لهم: أَفسِحوا الطريقَ لإخوانكم، فخرجوا، ثم قال لي: اخرج فأَدْخِل من أراد أن يسأل عن القرآن وتأويله فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: من أراد أن يسأل عن العربية فليدخل، فدخلوا، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم).
ثم رأى ابن عباس الحَبرُ تقسيم العلوم على الأيام؛ حتى لا يحدث في بابه مثل ذلك الزِّحام، فكان يجلس يوماً للفقه، وآخراً للتأويل والتفسير، وثالثاً للمغازي، ورابعاً للشعر وأيام العرب.. وخامساً وسادساً، وما جلس إليه عالم إلا خضع له، ولا سأله سائل إلا وجد عنده علماً.
ومع ذلك لم ينس ابن عباس رضي الله عنهما حين انصرف إلى الخاصة ليعلمهم ويفقههم حق العامة عليه، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتذكير؛ فَتذرِفُ العيون، وتخشع القلوب لعلَّام الغيوب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده عددَ خلقهِ ورضا نفسِه وزنةَ عرشِه ومدادَ كلماتِه، ونسألُه من فضلِه ولا نعوِّل إلَّا عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
أيها المؤمنون عباد الله!
لم يكن ابن عباس رضي الله عنهما ذا ذاكرةٍ قويةٍ خارِقةٍ فقط؛ بل كان صاحب ذكاءٍ نافذ، وفِطرة بالغة، وحجةٍ دامغة، كانت حجته إذا حاجج مثل الشمس في رابعة النهار بَهجَةً ووضوحاً وتألُّقاً. وما كان يحاور ويحاجج زهواً بعلمه، ولا إظهاراً لقوة منطِقه، وصلابة موقفه، بل كان يرى ذلك سبيلاً لإظهار الحق ومعرفة الصواب، وقد عرف ذلك ابن عمه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجهه إلى الخوارج لما خرجوا عليه وكفَّروه، فحاورهم حِواراً رائعاً، بيَّنَ فيه الحق، وساق الحجة بما يَبْهَرُ الألباب، فما كاد النِّقاش ينتهي حتى نهض منهم عشرون ألفاً راجعين عن خروجهم على أمير المؤمنين الإمام علي رضي الله عنه، منقادين له، مذعنين بأحقيته فيما سار إليه.
ولم يكن ما للحَبر ابن عباس من الثروة العلمية بأقل مما له من ثروة الخلق والكرم، وسخاؤه بالمال لم يكن بأقل من سخائهِ بالعلم، يقول عنه أحد أصحابه: (ما رأيت بيتاً أكثر طعاماً ولا شراباً ولا فاكهة ولا علماً من بيت ابن عباس رضي الله عنهما).
تَخلَّق ابن عباس بأخلاقِ الإسلام، وتمثَّل آدابَ علمائه الكرام، كبقية آل البيت العظام، والصحابة الكرام.. فكان طاهر القلب، نقي النفس، لا يحمل ضِغْناً لإنسان، يتمنى الخيرَ لكل مخلوقٍ، يقول رضي الله عنه عن نفسه: (إني لآتي على الآية من كتاب الله فأودُّ لو أن الناس جميعاً علموا مثل الذي أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضاً فأفرح به، وما كان لي بتلك الأرض سائمة).
ولئن قال الله تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ))[فاطر:28]، فإن ابن عباس لمن أشد الناس خشيةً لله جل جلاله، وأكثرهم تعبداً وتضرعاً، وأغزرهم بكاءً إذا صلى أو قرأ القرآن.
فأبداً لم يكن من الذين يقولون ما لا يفعلون، وإنما صوَّاماً لنهاره، قوَّاماً لليله، مستغفراً بالأسحار، مبتهلاً إلى الرحيم الغفار.
حدث عبد الله بن أبي مليكة فقال: (صحبتُ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من مكةَ إلى المدينة، فكنا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ الليل والناس نيام، ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)) [ق:19]، فظل يُكرِرُها ويَنْشُج حتى طلعَ عليه الفجر).
وعن أبي رجاء قال: (رأيتُ ابن عباس رضي الله عنهما وأسفلَ من عينيه مثل الشِّرَاك البالي من البكاء).
ولقد عُمِّر ابن عباس رضي الله عنهما إحدى وسبعين سنة، ملأ فيها الدنيا علماً وفهماً وحكمةً وتقى، فلما أتاه اليقين صلى عليه ابنُ ابن عمه، الإمام محمد ابن الإمام علي بن أبي طالب، المعروف بمحمد بن الحنفية، مع البقيةِ الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجُلَّة التابعين، وقال فيه محمد بن الحنفية: (اليومَ مات ربانيُّ هذه الأمة).
وبينما كانوا يوارونه في التراب إذ سمعوا صوتاً يقول: ((يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي))[الفجر].
فرحم الله حبرَ الأمة عبد الله بن العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان على نهج ابن عمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سائراً، وكان إماماً من أئمة أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين.
أيها المؤمنون! ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[الأحزاب]، اللهم فصلِّ وسلم وبارك على إمام الحنفاء، وسيد الأنبياء، وقدوة الأتقياء، وأصفى الأصفياء، محمد المصطفى، وآله وصحبه بدور الدجى.
اللهم إنا نستمد بك المنحة كما نستدفعُ بك المحْنَة، ونسألك العِصمَة كما نستوهِب منك الرحمة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسِّر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلاً يهدي إليك، وافتح بيننا وبينك باباً نَفِدُ منه عليك، لك مقاليد السموات والأرض، وأنت على كل شيء قدير.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والملحدين، ودمر أعداء الدين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.












التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» دلق البرهان في حجة البيان
»» بدعة جديدة في المذهب الشيعي....زيارة القبور و المشاهد عن بعد!! عبر الهاتف و الانترنت
»» الفاروق لكَ القلبْ يَامَالكُه
»» تحيّة طيبة ..!
»» بَكتْ العِـراقُ ودَمعُها هطـّالُ
 
قديم 21-06-10, 02:00 AM   رقم المشاركة : 64
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road


الهدية رقم " 49 " لكل شيعي .
أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة


فاطمة الزهراء رضي الله عنها


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي نشر محاسن سيدة نساء العالمين، وابنة خاتم المرسلين، وزوجة علي أمير المؤمنين، وأم سيِّدَي شباب أهل الجنة أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه المنتخبين، وعنا معهم إلى يوم الدين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))[الحجرات:13].
أما بعــــد:
فأوصيكم بما أوصى الله به الأولين والآخرين، تقوى الله رب العالمين: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ))[النساء:131].
عباد الله! إن للنساء في الإسلام مكانةً عالية، ومنزلةً رفيعةً غالية، كيف لا وهي أم الرجل وأخته، وزوجته وبنته! وقد أكثر الخطباء وأفاض الأدباء ووسع العلماء الحديث عن الصالحين والأولياء، ولم يعطوا ذلك القدر للنساء، مع أن فيهن من بلغت في الزهد غايته، وفي الورع نهايته، وكانت في التعبد من حملة رايته، ونالت في العلم حظاً وافراً من حفظه وروايته.
من أجل ذلك سوف تكون خطبتنا اليوم -إن شاء الله- عن امرأة وأي امرأة؟! امرأة ما عرف التاريخ بعدها من يقاربها؛ فضلاً عمن يساويها منزلة ورفعة وسمواً.
جُمِعَتْ لها المحاسنُ فصُبَّت عليها صباً، فأنَّى لخطبة بل لخطب أن تأتي عليها، وقد عجز البنان عن تَعدادها كما عجز اللسان عن تردادها.
ولكني أستميحها عذراً في ذكر قطرات من بحر محاسنها، وشذرات من حلل مناقبها، أهديها إلى كل امرأة تريد القدوة الصالحة، والأسوة الناصحة، والمُثُل الناصعة..
وَأَينَ منْ كانتِ الزَّهراءُ أُسوتها ممَّن تَقفَّت خُطَى حَمَّالةِ الحَطَبِ
إنها فاطمة البضعة النبوية، الزهراء الطاهرة الساجدة، البتول: المنقطعة إلى الله، العابدة.
كانت زاهدة متقشِّفَة، تصوم نهارها وتسهر ليلها ساجدة في عبادة الله وتسبيحه وحمده وشكره، كرهت زخارف الدنيا وشهواتها، ومتعها ولذاتها، وانصرفت للعبادة والصلاة وتلاوة القرآن؛ لأنها عرفت وهي في سن مبكرة أن الآخرة خير من الأولى، ولذلك ملأت نفسها بالزهد في الدنيا والتمسك بالدين، ولعلها في ذلك كانت المثل الأعلى، والقدوة الحسنة التي تقدمها ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبنات جنسها..

هيَ بنتُ منْ؟! هيَ زوجُ منْ؟! هيَ أُمُّ منْ؟! منْ ذا يُساويْ في الوُجُودِ عُلاهَا؟!
إنها بنت سيد ولد آدم النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، أكرم خلق الله على الله، وأفضل خلق الله عند الله، وأحب خلق الله إلى الله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم!!
وأما أمها فهي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، الصديقة المبشرة في الدنيا بقصر في الجنة من قَصَب، لا صَخَب فيه ولا نَصَب، كما في صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. فإذا كانت هذه هي الشجرة فكيف تتوقعون أن تكون الثمرةُ إلا الشَّهدَ المحلى، والعسلَ المصفَّى، وإلا الجوهرَ المكنون، والدرَّ المصُون.
كانت فاطمة أصغر بناته صلى الله عليه وآله وسلم -وهي الكبرى عند الله- وُلِدت قبل البعثة.
وقد كانت من أحب الناس إلى أبيها، وكيف لا تكون كذلك وقد ارتشفت من معين أخلاقه ارتشافاً، ورضعت من كرم آدابه ولم تُفطم، حتى كانت أقرب الناس إليه، وأشبههم به، ومن يشابه أبه فما ظلم!
ولذلك فقد قالت أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحب أزواجه إليه: (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلَّاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها وأجلسها في مجلسه، كما كانت تصنع هي به)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وأصله في صحيح البخاري ومسلم.
فأشارت بالسمت إلى ما كان يظهر على الزهراء عليها السلام من الخشوع والتواضع لله تعالى.
وبالهدي إلى ما كانت تتحلى به من السكينة والوقار، وإلى ما كانت تسلكه من المنهج الرضي والصراط السوي.
وأشارت بالدَّلِ إلى حسن خلقها ولطف حديثها رضي الله عنها.
عباد الله! لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُسِرُّ إليها من حبه لها تطييباً لخاطرها، وتسليةً لنفسها، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم إماما المحدثين، وقدوة العلماء المحققين في الصحيحين، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده فلم تغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة عليها السلام تمشي ما تخطئُ مِشيتُها مِشيةَ أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: مرحباً بابنتي! فأقعدها عن يمينه أو عن شماله، فسارَّها بشيء فبكت، ثم سارَّها بشيء فضحكت، فقلت لها: خصَّكِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيننا بالسِّرَار فتبكين؟! فلما قام قلت لها: أخبريني بما سارَّك. فقالت: ما كنت لأُفشي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سِرَّه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت لها: أسألك بما لي عليك من حق لما أخبرتِني. فقالت: أما الآن فنعم، فقالت: سارَّني فقال: إن جبريل عليه السلام كان يعارضُني بالقرآن في كل سنة مرةً وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا عند اقتراب الأجل، فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك، فبكيتُ، ثم سارني فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو قال: سيدة نساء هذه الأمة...)، فهنيئاً لها تلكم المنزلة السامية، والشرف العالي.
وعن أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (حَسبُك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وآسية امرأة فرعون)، أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه.
لقد تزوجت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله الخليفة الرابع الراشد، والناسك العابد الزاهد.. زوجها الله به رضي الله عنه ليلتقي الشمس بالقمر، ليكون النتاج بنجمين ساطعين، وكوكبين دُرِّيَّين، وبدرين نيِّرين، هما سيدا شباب أهل الجنان، وهما: الحسنان، عليهما من الله الرضوان.
فكيف كان زواجها رضي الله عنها؟
لقد كان مهرها درعَ علي الحُطَميَّة. الله أكبر!!
فإلى أولياء الأمور الذين يغالون في المهور، خذوا هذا الدرس من سيدة نساء العالمين التي بلغت من النسب أشرفه وأعلاه، ومن الخلق أحسنه وأزكاه، كان مهرها درعاً حُطَميَّة، وهي التي لو جمعت كنوز الأرض لتكون لها مهراً لما بلغت مهر مثلها، ولكنه الدرس الذي ينبهنا إليه الشرع، وهو أن لا نغالي في المهور.
أهديت عليها السلام إلى الإمام علي رضي الله عنه ومعها خَميلة ومِرْفَقَةٌ من أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وقِرْبَة ومُنخُل وقَدَحٌ ورَحى وجِرابَانِ، ودخلت عليه وما لها فراش غير جلد كبش ينامان عليه بالليل، وتعلف عليه الناضح بالنهار، وكانت هي خادمة نفسها.
قمَّت رضي الله عنها البيت حتى اغبرّت، وطحنت حتى مَجِلت يداها -أي: ثخن جلدها وظهر فيها ما يشبه البثر- وأثرت الرحى في صدرها، واستعانت على خدمة البيت بالتسبيح، ولما علم زوجها علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جاءه خدم قال لفاطمة رضي الله عنها: (لو أتيت أباك فسألته خادماً؟ فأتته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الغد، فقال: ما كانت حاجتك؟ فسكتت، فقال علي: أنا أحدثك يا رسول الله! جَرَّت الرحى حتى أثَّرت في يدها، وحملت القِربة حتى أثرت في نَحْرها، فلما أن جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها التعب، وما هي فيه من الشدة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصُّفَّة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم.
فرجع.. فأتاهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطيا أقدامهما تنكشف رأساهما فثارا! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مكانكما.. ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ فقالا: بلى. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم)، كما في صحيح البخاري ومسلم، فما زالت فاطمة وعلي رضي الله عنهما يواظبان على هذه الوصية النبوية طوال حياتهما.
وقد ولدت لعلي رضي الله عنه من البنات زينب، وقد تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأم كلثوم، وقد تزوجها عمر بن الخطاب، الفاروق، والمحدَّث الملهم رضي الله عنه، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)، كما في صحيح البخاري ومسلم، وكان زواجه بأم كلثوم في خلافته، وأكرمها إكراماً زائداً، وأصدقها أربعين ألف درهم؛ لأجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ولدت له زيداً ورقية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، الخافض لأعدائه، والرافع لأوليائه، فلا إله إلا الله، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونسأله العلم والعمل بلا إله إلا الله.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أتقى خلقِ الله وأعلمُهم بربه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن آمن به وأحبه واهتدى بهداه.
ومن معالم سيرتها رضي الله عنها: الصدق في الحديث، ولا غرو! فهي بنت الصادق المصدوق، قالت الصديقة عائشة -زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبة الطاهرة العفيفة-: (ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها)، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقد كانت رضي الله عنها مثلاً يضرب في الشجاعة في الحق، والإقدام على الصدق، حتى وهي صغيرة، فقد خرجت يوماً مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة، فما إن رآه المشركون حتى قالوا: (أنت الذي تقول ما تهزأ به من آلهتنا، أو تسفه أحلامنا؟ فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. أنا الذي يقول ذلك. فآذوه -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- فراحت فاطمة عليها السلام تدافع عنه وتشتم أولئك الذين آذوه). ولقد رأت رجلاً من المشركين يأخذ بِمَجْمع رِدائه، فأفقدها المنظر النطق، حتى قام أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار، ورفيقه في الهجرة، ووزيره المؤتمن، وخليفته الراشد من بعده، وهو يقول: (يا قوم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!)، ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري، فصلى الله وسلم على نبينا محمد، ورضي الله عن ابنته الزهراء، وعن صاحبه أبي بكر على ما بذل وضحى، وناصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بماله ونفسه، حتى استحق ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر، واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته).
أيها المؤمنون! لقد كتب الله الفناء على البشرية جمعاء ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ))[الزمر]، وقد آن للزهراء أن تضع عن كاهلها آلامَ الدنيا وهمومَها، ومصاعبَ الحياة وغمومها، وأن تنعم في الجنة بالقرب من أبيها وأمها، فتنهي بذلك حياة عامرة بالزهد والعبادة، والخلق والريادة، وتكون ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً))[النساء:69]، وذلك بعد مرض ألمَّ بها عليها السلام، وقد لازمتها فيه أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ويقال: إن أبا بكر قد أرسل زوجته أسماء لتكون في خدمتها، وقد زارها الصدِّيق في مرضها بعد أن استأذن منها فأذنت له، ولم يكن في قلبها إلا الوفاء لأعز صديق وألصق رفيق بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا -أيها المؤمنون- طويت صحيفة امرأة من ناسكات الأصفياء، وصفيات الأتقياء، فاطمة سيدة النساء عليها السلام.. السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. أكثر أولاده بقلبه لصوقاً، وأولهم بعد وفاته به لحوقاً.. التي كانت عن الدنيا ومتعها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة، لكنها بقيت ولم تزل في قلوبنا وقلوب كل المسلمين إلى يوم الدين رمزاً للحياء، ومثلاً للعبادة والنقاء، وأسوة للرجال والنساء.
عباد الله! ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب].
اللهم فصلِّ وسلم على محمد الرسول، وعلى الزهراء البتول، وعلى بقية الآل والصحابة العدول، ومن سار على منهجهم وبهديهم يعتقد ويقول.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.







التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» فضيحة محمد الحسيني الشيرازي / صورة
»» ( الأسئلة اليامية عن العقيدة الإسماعيلية )
»» The Characteristics of the True Believer
»» Islamic Books "Foreign Languages"
»» صب العذاب على من سب الأصحاب
 
قديم 21-06-10, 02:02 AM   رقم المشاركة : 65
أسماء حسين
أَوْجَاع أُمَّة







أسماء حسين غير متصل

أسماء حسين is on a distinguished road


الهدية رقم " 50 " لكل شيعي .

أعلام أهل البيت في عيون أهل السنة



الحسن بن علي رضي الله عنهما



الحمد لله الذي جعل لكل نبي شِرْعةً ومنهاجاً، وجعل شِرْعةَ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتمةَ ذلك كلِّه وسراجاً وهَّاجاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فتح الله به آذاناً صماً، وأعيناً عمياً، وقلوباً غلفاً، فطوبى لمن أمسى باتباع شريعته قرير العين، وويلٌ لمن نبذَ ما جاء به وراء ظهره.
اللهم فصلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وأكمل سلام، وآته الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود، الذي وعدته يا رب العالمين.
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102].
((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1].
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب:70-71].
أما بعـــد:
أيها المسلمون! إن في تاريخِ الإسلام رجالاً لم يُعطَوا قدرهم من التعريف بهم وبسيرتهم الحافلة بالبطولات والمواقف التاريخية، وفي هذا الموضوع نتحدث عن واحد من هؤلاء العظماء.. إنه رجل الكثير منا يعرف اسمه، قال عنه الإمام المؤرخ الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: «هو السيدُ النبيل، الوسيمُ الجميل، العاقلُ الرزين، الجواد..»، وقال: «كان ممداحاً، خيّراً، ديّناَ، ورعاً، محتشماً، لينَ الشأن...».
رجلٌ أصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين.. أتدرونَ من هو؟
إنه أمير المؤمنين، وسيد شباب أهل الجنة، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. إنه الحسن بن علي رضي الله عنهما، مولده رضي الله عنه على أرجح الأقوال سنة ثلاث من الهجرة النبوية، وكان له من الأولاد خمسة عشر ذكراً، وثمان بنات، وعق عنه صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين، وكان مسروراً به حين رآه يشبهه.
كان عليه الصلاة والسلام يحب الحسن رضي الله عنه، ولا يصبر على مفارقته، ومداعبته، حتى إنه ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طائفة من النهار لا يكلِّمني ولا أُكلِّمه، حتى أتى سوقَ بني قينقاع، ثم أتى بيت فاطمة فقال: (أثَمَّ لُكَع؟ أثَمَّ لُكَع؟ فَحبَستْـهُ شيئاً فظننتُ أنها تُلبسه أو تغسله، فجاء يشتد -مسرعاً- حتى عانقه وقبله، وقال: اللهم أحِبَّه وأحِبَّ من يحبُّهُ).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحُسين على ظهره، فإذا أراد الصحابة أن يمنعوهما أشار إليهما أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حِجره وقال: (من أحبني فليحب هذين).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمنا، ثم يقول: الله ارحمهما فإني أرحمهما)، رواه البخاري.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تربية الحسن تربيةً إسلاميةً حسنة، وكان يرعاه رعايةً خاصة، ففي إحدى المرات رأى الحسن وهو يأخذ تمرةً من تمر الصدقة، فنزعها منه وقال: (إنا لا تحل لنا الصدقة)، رواه البخاري ومسلم.
تأمل كيف حَرِصَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يطعم أهل بيته إلا حلالاً! مع أنها تمرة واحدة والحسن طفل صغير، ولكنها التربية من الصغر على الورع والدين، ثم انظر حال أكثر الناس اليوم حيث لا يتورعون في مطعمهم ومأكلهم ومشربهم وملبسهم، فلا يهم الواحد منهم شأن أهل بيته، كيف أكلوا؟ ومن أين أكلوا؟ وماذا أكلوا؟
أخي المسلم! عليك أن تربي أبناءك على مكارم الأخلاق، وأن تشارك المسلمين في همومهم، فإن لم تستطع فأقل أحوالك أن تكفي إخوانك المسلمين شرك المستطير، وتصلح أولادك بما ينجيهم من النار.
وفضائل الحسن عليه السلام كثيرة، ومناقبه غزيرة وجليلة المكانة، ولو أن له واحدةً منها لكفته، فكيف وله من الفضائل والمناقب الجم الكثير! فمنها على سبيل المثال لا الحصر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له فقال: (اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه)، صححه الترمذي وسبق بنحوه في الصحيحين.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (أن الحسن سيد شباب أهل الجنة)، كما في صحيح البخاري.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، ومما ورد في فضائل السبطين: ما رواه ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني).
وأخرج أحمد عن معاوية رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمصُّ لسان الحسن وشفتيه، وإنه لن يعذبَ لسانٌ أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (هما ريحانتاي من الدنيا)، أخرجه البخاري، وورد عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتمل الحسن والحسين وأمهما وأبيهما ثم قال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [الأحزاب:33]، رواه مسلم.
هذه بعض فضائل الحسن عليه السلام، ونعمت والله من فضائل! فضائل رجل هو ابن البشير النذير النبي الأمي الداعي إلى الله بإذنه صلى الله عليه وآله وسلم.. هذا رجل من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.. هذا من أهل بيت افترض الله مودتهم وأوجب احترامهم.. هذا هو حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبيب أصحابه رضي الله عنهم.
فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنون للحسن رضي الله عنه محبةً وإجلالاً..
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يحب الحسن لشبهه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد لقيه مرة وهو يلعب مع صغار الصبية، فرفعه بين يديه يقبله، وأبوه ينظر إليه، ثم قال فيه وهو يرفعه:

بِأَبي شَبيهٌ بالنبيّ لَيسَ شَبيهاً بِعَليّ

وعليٌ يضحك، رضي الله عنهما وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين.
ومن حب عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحسن والحسين أنه فرض لهما مع أهل بدر خمسة آلاف.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى الحسن وهو شابٌ دمعت عيناه، فإذا سُئل قال: (إذا رأيته تذكرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
ولقيه مرة فأراد أن يقبله فقال: (أرني أُقَبِّل منك حيث رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُقَبِّل، فقال الحسن بقميصه هكذا يرفعه، قال: فقبَّل سرته)، أخرجه البخاري ومسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وصلاةً وسلاماً على نبينا محمد خير أنبيائه وأصفيائه، وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
فإن الحديث عن سيرة الحسن بن علي رضي الله عنه أمره ليس بيسير، ولا تكفيه مثل هذه الخطبة، ولكن ذكر بعضها فيه خير، علّ الله أن يجدد فينا العزائم والهمم.
مر الحسن رضي الله عنه على صبيان ومعهم كسرة خبز، فاسْتضافوه فنزلَ فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال: (اليدُ لهم؛ لأنهم لا يجدون شيئاً غير ما أطعموني، ونجد نحن كثيراً منه).
فيا أخي المسلم! إن وجدت أحداً أصغر منك سناً، وأقل منك قدراً فلا تحقرْه، فقد يكون أسلم منك قلباً، وأقل منك ذنباً، وأعظم منك إلى الله قربة، حتى لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله أن نجاك مما ابتلاه به.
وكأن الحسن رضي الله عنه يريد أن يلقننا هذا الدرس، أما بالنسبة له فإنه سليم القلب والجوارح.
كان الحسن رضي الله عنه كثير الصدقة، حتى إنه سمع مرة رجلاً يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم يسدد بها دينه، فأرسلها إليه.
ومن أعظمِ مواقف الحسن رضي الله عنه التي لم يُـرَ لها نظير: تنازله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؛ حقناً لدماء المسلمين، فصالح الحسنُ معاوية، فابتهج المسلمون لذلك، وعدوا ذلك العام عاماً مباركاً؛ حيث انتهت الحروب، وحُقِنت دماءُ المسلمين، وعادت الأمور إلى مجاريها، حتى إنه سمي بعام الجماعة.
أيها الناس! إن المتأملَ في سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد أن الله اصطفاهم للصحبة كاصطفاء الأنبياء والرسل للرسالة، ويجد أن الله زكاهم وأشاد بذكرهم، فمن أحبهم فما أحب إلا الخير، وما نفع إلا نفسه، ومن ذمهم فقد وصم نفسه، وبخس حظه، وأضاع نصيبه.
إنهم قوم شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وأقبلوا وقت الإدبار، وعرفوا أوقات الأسحار.. هم قوم خلصت منهم النيات، وصلحت منهم الأعمال، ومات فيهم حب الهوى، وصار مراد الله عندهم هو الشغل الشاغل، ومتابعة المعصوم هو الشأن الأهم.. خرجوا من الأموال فما شفي عليلهم، فخرجوا من الديار فبقي في القلوب لَوْعَة، فخرجوا من أنفسهم:

يَستعذِبون منايَاهم كَأَنَّـهمُ لَا يَخرجُونَ منَ الدُّنيا إذا قُتلُوا

هم قوم وقفوا مع الدليل، وساروا على الجادة، وأخذوا بالحجة.. هجروا التنطع، وتركوا التعمق، وطرحوا التكلف.. فروا من القيل والقال؛ لأن لديهم مهمةَ إصلاح العالم.. هربوا من اللهو؛ لأنهم حملوا أمانة إنقاذ العالم.
قدموا أنفسهم للسيف يوم أن تقرب الآخرون إلى السلاطين من دون الله، وسالت دموعهم من خشيته يوم أسال الآخرون الخمور.. عبدوا الله حق عبادته فذلت لهم جبابرة العالم.
قيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر يقول: الفقرُ أحبُّ إليّ من الغنى، والسُّقْمُ أحبُّ إليّ من الصحة، فقال الحسن: (رحم الله أبا ذر! أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمنَّ شيئاً).
وخطب الحسن مرة بالكوفة، فكان مما قال: (إن الحلمَ زينة، والوقارَ مروءة، والعجلةَ سفه، والسفهَ ضعف، ومجالسةَ أهل الدناءة شين، ومخالطةَ الفساق ريبة).
وكان علي رضي الله عنه يكرم الحسن ويعطيه ويجله، فقال له يوماً: (ألا تخطب حتى أسمعك؟ فقال: إني أستحي أن أخطب وأنا أراك، فذهب علي رضي الله عنه فجلس حيث لا يراه الحسن، ثم قام الحسن في الناس خطيباً، وعليٌ يسمع، فأدى خطبة بليغة فصيحة، فلما انصرف كان علي يقول: ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [آل عمران:34]).
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا، ويرى هذا من النعيم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت تزاحم الناس عليهما للسلام عليهما، رضي الله عنهما وأرضاهما.
وكان ابن الزبير يقول: (والله ما قامتِ النساء عن مثلِ الحسن بن علي).
وقد كان صاحب دينٍ عظيم متين، كان إذا صلى الغداةَ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، وربما أَتْحفْنَه، ثم ينصرف إلى منزله.
وحَكَى ابن عساكر في تاريخه أن الحسن قاسم الله ماله ثلاث مرات، وحج خمساً وعشرين مرةً ماشياً، وإن النَّجائبَ لتقاد بين يديه.
وكان رضي الله عنه لا ينام حتى يقرأَ كل ليلة شيئاً من القرآن.
وذُكِر أن الحسن رضي الله عنه رأى غلاماً أسود يأكل من رغيف لُقمةً، ويُطعِم كلباً هناك لقمة، فقال له: (ما حملك على هذا؟ فقال: إني أستحي أن آكل ولا أطعمه، فقال له الحسن: لا تبرح مكانك حتى آتيك، فذهب إلى سيده فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه، فأعتقه وملَّكه الحائط، فقال الغلام: يا مولاي! قد وَهبْتُ الحائط للذي وهبتني له)، أي لله تعالى.
رضي الله عنك.. لأنت قدوة القدوات، وسيد السادات، فأين اليوم من يعطف أو يرحم فقراء المسلمين؟
وجاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به فوجده معتكفاً فاعتذر إليه، فذهب إلى الحسن فاستعان به فقضى حاجته، وقال: (لقضاء حاجة أخٍ لي في الله أحبٌ إلي من اعتكاف شهر).
وكان الحسن رضي الله عنه لا يدعو أحداً إلى طعامه، يقول: (هو أهونُ من أن يُدعَى إليه)، ولم يسمع منه فُحْشٌ، وكان مكتوباً على خاتم الحسن بن علي:

قَدِّمْ لنفسِكَ ما استطعتَ مِن التُّقى إنَّ المنونَ لنَازِلٌ بك يَا فَتَى

أصْبَحت ذا فرحٍ كأنَّك لا تَرى أحبابَ قلبك في المقابِر والبِلى


ولما احَتُضِر الحسن رضي الله عنه قال: أَخرِجوني إلى الصَّحْن أنظرْ في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه فنظر فقال: (اللهم إني احتسبت نفسي عندك، فإنها أعزُّ الأنفس عليَّ).
وقال أبو نعيم: لما اشتد بالحسن الوجع جَزِعَ، فدخل عليه رجل فقال له: (يا أبا محمد! ما هذا الجزع؟! ما هو إلا أن تفارق رُوحُكَ جَسَدَك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جدك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخديجة، وأعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك وخالاتك)، فسري عنه. وقيل: إن القائل لذلك هو أخوه الحسين رضي الله عنهما، فقال الحسن: (يا أخي! إني أدخل في أمر من أمور الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم أر مثله)، فبكى الحسين رضي الله عنهما.
مات حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودفن بالبقيع، واجتُمع لجنازته حتى ضاق البقيع من الزحام.
رضي الله عنك يا أبا محمد! رضي الله عنك يا سيدَ شباب أهل الجنة! رضي الله عنك يا ريحانةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! رضي الله عنك يا حبيبَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
وكانت مدة خلافته ستة أشهر، وكان آخر الخلفاء الراشدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة)، وتوفي سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين.
قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ)) [يوسف:111].
وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)) [الأنعام:90].
أيها المسلمون! اعلموا أنه لا نجاة إلا بفقه سيرة السلف الصالح وتطبيقها في الواقع العملي، واعلموا أن الحكايات عن سلفنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جند من جنود الله، يثبت الله بها قلوب أوليائه، فهي خير وسيلة لإشعال العزائم، وإثارة الروح، وقدح المواهب، وإذكاء الهمم، وتقويم الأخلاق، والتسامي إلى معالي الأمور، والترفع عن سفاسفها.. هذه بحار السلف ذكرت منها نقطة فأرعها سمعك، وإن كانت غريبة في عالمنا، وأي شيء عندهم لا يكون اليوم غريباً؟! ولسان حالهم:

تركْنا البِحارَ الزاخراتِ وراءَنا فمِنْ أينَ يدري النَّاسُ أنَّا توجَّهنا

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، وأصحاب نبينا محمد، وأزواج نبينا محمد، وعلى أمة نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم إنا نشهدك أننا نحبك، ونحب رسولك، وأهل بيت رسولك، اللهم إنا نسألك مرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، ووفق المجاهدين لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



ص : 4

انتظرونا هناك بقية






التوقيع :
[ أطوع الناس لله أشدهُم بغضًا لمَعصيته ] ..أبو بكر الصديق
[ ليس لأحد عذرا في تعمّد ضلالة حسبها هدى ، و لا ترك حقٍّ حسبه ضلالة ] ..عُمَر بنْ الخطاب
من مواضيعي في المنتدى
»» ● ورقة من تاريخ الصفوية ●
»» مُحمْد عبدالعزيز وَأتباعة تفضلوا هُنا
»» من يأتيني بمثلهم ..!
»» الشيخ العريفي عن القبور والاضرحه
»» الفاروق لكَ القلبْ يَامَالكُه
 
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 PM.


Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "