إبطال شبهات الرافضة حول مقولتي الفاروق رضي الله عنه:
" زوَّرْتُ مقالة أعجبتني " و " كانت بيعة أبي بكر فَلْتَـة فتمت "
د.حامد الخليفة
منقول عن الراصد
إنّ مما يلفت النظر ويثير الاهتمام استهداف أعداء الصحابة لبيعة السقيفة وأخبارها والعمل المستمر على تشويه وقائعها وتزييف إنجازاتها وتسفيه أئمتها وقادتها، وطمس معالمها وقلب حقائقها، وتأليف الكتب ونشر المقالات والندوات وإنشاء المواقع والفضائيات التي تعلن الحرب وبكل أشكالها على بيعة السقيفة وإنجازاتها الفذة، وتعمل بكل طاقاتها على إقصاء وطمس كل معلومة صحيحة عنها، وتثقيف أتباعهم بأنّ يوم السقيفة هو أساس مصائبهم وموطن هزيمتهم، وأنّ عليهم الاستنفار لنشر ثقافة الكراهية والتحريض والافتراء وتشجيع الشتم واللعن والطعن على الصحابة رضي الله عنهم، ولا يمكن ذلك إلا بزرع الشك بالكتاب والسنّة، ورفض فضائل الصحابة، ومناقبهم الصحيحة، وصناعة المعايب ووضع المثالب عليهم، لتشويه سيرتهم الناصعة النقية!
في غارة شعوبية مجوسية سبئية رافضية، مستمرة منذ أربعة عشر قرناً، يعينها على التوسع كثرة المداهنين والمنتفعين، وغياب الجهد الجماعي المواجه وعدم تعامل أهل السنة معهم بالمثل، حتى أصبح أبناء الأمّة غرباء في أوطانهم! ونوابت هذه الفرق الهدامة هم المتصرفون في أكثر شؤون الأمّة، وهذا بقدر ما يثير الغرابة والريبة والاشمئزاز والأسى، فإنّه يؤكد وجوب التصدي الجماعي الشامل لهذه الأحقاد المتأصلة في قلوب أعداء الصحابة على بيعة السقيفة وكل ما له صلة بها، وهذا يوجب على كل مسلم محب لرسول الله وأصحابه وآل بيته رضي الله عنهم، أن يجعل من اهتماماته نشر حقيقة اجتماع يوم السقيفة، وتفسير كل موقف أو كلمة حصلت في ذلك الاجتماع على الوجه الصحيح، والإشادة بإنجازات ذلك اليوم الأغر الذي كان سبباً مباشراً في حفظ الدين ووحد الأمة، فمن لا يثق بأئمة الأمة يوم السقيفة فإنّه لن يثق بأحد من المسلمين، وستبقى مخاطره قائمة وشروره مستطيرة على عقيدة الأمة وأمنها وميراثها المادي والمعنوي، وعلى هذا فإنّ بيعة السقيفة تعد أحد الموازين التي تظهر على كفتيها حقيقة المواقف وأهلها، فمن يزعم الإسلام فيوم السقيفة من خير أيامه، ومن ادّعى الدفاع عن قضايا الأمّة فمن بيعة السقيفة تنطلق قضاياها، وعلى آثار الصدّيق تسير كتائبها، كيف لا ومن يرفض صحبة الصدّيق يردّ القرآن! قال تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) (التوبة 40) ومن يرفض بيعة السقيفة لن يكون إلاّ في صفوف المرتدين.
ومن جملة شرور أعداء الصحابة؛ غارتهم الحاقدة على بيعة السقيفة، وإجماع المهاجرين والأنصار على إمامة أبي بكر الصدّيق! وعملهم المتواصل على تشويه نتاج ذلك اليوم الأغر الذي تجلت فيه الشورى وتألق الحوار الأخوي الشرعي، الذي أثمر أرقى بيعة، وأجمل وأقوى نظام رشيد سديد يقوم على الحوار والشورى، وأنجب أفقه وأشجع وأحبّ خليفة وقائد للمسلمين، وهذا ما أغاظ رافضي الخلافة ومبغضي السنّة وجعلهم يسلكون كل مسلك للتعتيم على بيعة السقيفة وتشويه يومها المشرق المبين.
فلما لم تسعفهم وسائلهم الماكرة في الوصول إلى أمانيهم الباطلة، ويئسوا من إيجاد مطعن على بيعة أبي بكر الصدّيق التي يحوطها إجماع المهاجرين والأنصار، ولغوا في باب الشبهات وارتكاب الموبقات العلمية، وقلب الحقائق وامتهان صنعة الدس والوضع، فشنوا غارات البتر والتزييف والبهتان على كلام أمير المؤمنين الفاروق في محاولة لتشكيك المسلمين بتاريخهم ورموزهم الكبار ......
1- زوَّرْتُ مقالة أعجبتني:
فمن شبهات وأباطيل الرافضة أعداء الصحابة وعدائهم لبيعة السقيفة تزييفهم لقول أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه يوم السقيفة، فقال: ( ... فَلَمَّا سَكَتَ – خطيب الأنصار - أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا...) ( فأول ما يجب أن يعلمه المسلم معرفة معاني كلمة زورتُ في لغة العرب، وهي الكلمة التي أعدها الفاروق في نفسه ولم ينطق بشيء منها، لكي يعلم المسلم حقيقة أعداء الصحابة وزيفهم وبهتانهم، فكلمة زورت في لغة العرب تعني: "هيأت وأصلحت. والتزويرُ: إصلاح الشيء. وكلامُ مزورٌ: أي مُحسُّنٌ" و"التَزْوِيْرُ: التقْوِيْمُ والتحْسِيْنُ، ومنه: كَلاَمٌ مُزَوَّرٌ. والتَزْويرُ: إكْرَامُ الضَّيْفِ، زَوِّرُوا ضَيْفَكم" أي أكرموه، وجاء في معناها أيضاً: "زورتُ الكلامَ وزَوّيْتُه أي هَيَّأتُه في نفسي"
وبعد كل هذه التفسيرات الراقية، والمعاني السامية، لما أراد أن يقوله أمير المؤمنين الفاروق يوم السقيفة، يجب أن يعلم القارئ بل وكل مسلم أن الفاروق لم يقل أصلاً ما كان هيأه وأعدّه وقوّمه في خاطره وفي ذهنه من الكلمات التي تجمع القلوب وتوحد الصفوف، حباً لأمته وخشية عليها من فتن الماكرين، ليقوله بين يدي قائده الصدّيق وإخوانه من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين، فالفاروق لم يقل شيئاً مما هيأه في ذهنه، وأنّما اكتفى بما قاله الصدّيق آنذاك على سجيته سليقة وبداهة، فكان في قوة حجته، ووضوح أدلته، وشمول مقاصده، سبباً كافياً لتسابق المهاجرين والأنصار على بيعته رضي الله عنهم أجمعين، وخروجهم من السقيفة يداً واحدة على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لكن لما كان دين أعداء الفاروق قائم على البهتان والزُور تركوا مقاصده النبيلة، وما يجب عليه فعله آنذاك، وأمسكوا بلفظة واحدة من المتشابه (زورت) من غير أن يفكروا في معناها! فظنوا لتشابه اللفظ أنها على طريقتهم ومنهج معتقدهم، فوقعوا في سوء نواياهم وفضحوا أنفسهم بعدم تفريقهم بين شهادة الزُور التي تقوم عليها أعمدة ثقافتهم، وبين هيأت وأصلحت!! فأوقعتهم أحقادهم الدفينة على الفاروق رضي الله عنه في هذه الفرية الكبرى! التي لا يقع فيها إلا منزوع الفهم والحياء، وفاقد العدل والإنصاف! فملأوا فيها كتبهم وخطبهم، ومواقعهم الالكترونية، وفضائياتهم الإعلامية! في حملات من البهتان المتعمد، لتزييف الفعل الصحيح السديد الرشيد، المتوافق مع المقام والمصلحة، وحال المسلمين المجتمعين في السقيفة رضي الله عنهم.
فالفاروق يتكلم بلغة السنّة القائمة على الإصلاح والتواصل والإتقان وذكر محاسن الآخرين، وأعداء بيعة السقيفة يتكلمون بالزُور والبهتان ولغة المعايب والمثالب! فشتان بين أهل الإصلاح وأهل الزيف والزُور.
فالفاروق سمّى ما قدّره وأتقنه كلاماً قبل التلفظ به، ولم يقل تكلمت، أي أعددت كلاماً وتأملته واختبرته في نفسي كأنني تكلمت به، خشية أن يكون فيه سبباً لفرقة، إو إغضاباً لأحد من المسلمين، إذا تكلمت به قبل تزويره وتقويمه، فوزنه في ميزان الشرع والمصلحة والحكمة والسياسة، ولم يدع باباً للشك والظن والشبهة، فبلغ فيما أعدّه في ذهنه منتهى السداد والصواب؛ الذي يستحسنه سامعه ويصدقه وينصره، لقوة حجته، ووضوح برهانه، وإتقان سبكه، وصحة مراميه، وجميل مقاصده، وهذا شأن ذوي التروي والقيادة والعلم والنباهة والحكمة، خوفاً على أنفسهم من وقوع الزلل الذي يأتي غالباً مع العجلة .....